عام هجري جديد
استقبلناه بوجوه مطرقة من فرط ما فعلت ، وبعيون شاردة من كثرة ما ذرفت ، وبأيدٍ مغلولة جزاء ما اقترفت ، وبأحاسيس متبلدة لقاء ما صنعت ، وبمشاعر تائهة نظير ما كبتت ، وبقلوب حائرة إزاء ما فعلت .
استقبلناه ولم نراعِ حقوقه علينا ، فكأننا لم نحفل بقدومه ، وكيف نحفل به وقد ودَّعنا صنوه وداعاً لا يليق بغائب مفارق لن يعود إلينا أبداً ؟
رحل العام الهجري المنصرم حاملاً تحت إبطيه خزايا الأمة ومثالبها وفضائحها ، ولم يجد شيئاً ذا قيمة يذكره لها .
رحل العام الهجري المنصرم وقد بلغنا في الضعف ذروته ، وفي التفرق والتمزق قمته ، وفي الذل والصَّغار غايته ، وفي الانحدار والنكوص نهايته .. فكيف لنا أن نستقبل العام الجديد ونحن في هذه الحالة المزرية البئيسة التعيسة ؟
ومضة من التأريخ الهجري تجعلني أطرح ألف سؤال وسؤال .. وهي أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم اجتمعوا بالخليفة عمر بن الخطاب في عهد خلافته ليتشاوروا في صنع تأريخ للدولة الإسلامية ، فذهب البعض إلى أن يبدأ التأريخ بولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وارتأى آخرون يوم بعثته ، ورغب بعضهم بهجرته و ...
فرجح الخليفة عمر يوم الهجرة ، وعلل اختياره بأن الله ـ جلَّ في عليائه ـ منَّ على المؤمنين بميلاد دولتهم الفتية بعد الهجرة ، فأصبح للمسلمين بهذا الحدث دولة وسلطاناً وعزة ومنعة ، فنشروا دينهم في ربوع الجزيرة العربية ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، وعمَّت سحائب العدل في سماء الدنيا الرحيبة ، واكتسى الكون بنور التوحيد الخالص ، وساد الأمن والأمان كافة الأصقاع ..
والأسئلة التي تخالجني وتتصادم في خَلَدي كثيرة ، منها :
لماذا أثيرت القضية في عهد عمر بالذات ؟
لماذا تمَّ الاتفاق على هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم دون غيرها من الاقتراحات
لماذا أراد الخليفة أن يكون للمسلمين تأريخ خاص ولم يأخذ بالتاريخ السائد وقتذاك ؟
وأكتفي بهذه التساؤلات منتظراً صدى إجابتها من القراء الكرام .