الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

مشاركات قسم القصة

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فريدة ابراهيم
    كاتب مسجل
    • Dec 2009
    • 52

    #31
    السلام عليكم
    أشارك معكم ولأول مرة بثلاث قصص هي :

    _ للإنتظــار وجـه لا يشبهني
    _ بقــايــا جثــة
    _ مــدن الخـــواء

    اسم الكاتبة: فريدة ابراهيم بن موسى
    طالبة دراسات عليا أدب ونقد




    للإنتظار وجه لا يشبهني..

    فجأة.. وفي انحناءة خاشعة، يولد الصبح من زفرة طاعنة في عمر الإنتظار. وفي منتصف اللهفة، أغتسل بماء الرجاء، فتذرفنــي آهــاتــي المتوسدة وجع الصمت الليلي. أتدحرج كـكرة ثلجية على قامة الصبح الوليد من تلافيف الحزن الــى أخمص الإنتظــار.


    كم مرَ من الوقت، وأنا أجمع صخب رحيلك في علب على شكل هدايا، أنثرها كل مسـاء في حديقة بيتنا، فتلد حزنـــي الليلــي، الممتد في كوة الجرح !..
    أغوص في مواسم الوحدة متجردا من كـل الآخرين الذين قد يصيبوا صمتــي بزعيق الأسئلـة، أو حب الفضول لمعرفة سبب إبتعاد الورد عن حرف الجسد..ثــم أزرع قلبي حرفا متوهجا في غيمة غيـابـك الماطر.
    ينبت في أحداقــي دمع حافي من تفاصيل الذكريات، فـ أتأهب أخيرا لدفء قد يأتي من حلم مسروق، كنت قد تدثرت به، ذات مساء بارد، وأنا أتفقدك في رفوف مكتبتـي ..لكن سرعان ماصحوت على قامتي، تهوي بين يدي النسيان.
    جمعت رماد حكايتي بين دفتــي كتاب، وتمددت الى جوار وجعي المتثائب من أرق ليلة البارحة، وعبثا رحت أنبش بقايا الرماد، عـلنـي أعثر على حلم يشبهك !.
    وفي مملكة -الحاء- نبتت علاقـة حميمة بين الحب والحرف.
    -فبـــربٍك .. ! مالذي يحِول الحروف الـى نثــــــار رماد، غير حلم متوهـج طاعـن في الإنتظار..
    وللإنتظار وجه غريب، لا يشبه أحدا.

    علمتنـي أحزانــي -وأنا ما أزال طفلا يحبو في حبك- أن الإنتظار يـأتـي ملثًمَ التفاصيلِ، وينفذُ من خلال الشقوقٍ والنوافذِ والأبواب المواربةِ، التي نصفها حزنٌ، والنصف الآخر ألمٌ يختزل نزيف الوقت المتآكلِ ببطءٍ.

    فلا ضير الآن أن أُشرع للإنتظارِ، صفحات كتابي، كـي يعصر ليلـي بصبحي كؤوسا مترعة بطعم الحزن والإنكسار.
    فقد مللت رقص الحروف على السطورِ، كفراشات تَعلقُ بخيطِ فجرٍ متلهفٍ لعناقِ الكون..كحبَك ذات عمر، عندما غزا شراييني وأوردتي.
    لقد أنهكني الصبح، والتفكير في قتل الحروف شنقا، بتهمة إنتظارك الذي يأتي في شكل غياب.
    فلطالما راقصتُ الفرحَ الهاربَ، وطبعتُ على جبينِِ حروفهِ المتناثرةِ إعتزالي لعبـــة الإنتظارِ.

    تمت / فريدة ابراهيم بن موسى

    التعديل الأخير تم بواسطة فريدة ابراهيم; 03-11-2010, 11:33 PM.

    تعليق

    • فريدة ابراهيم
      كاتب مسجل
      • Dec 2009
      • 52

      #32
      بقايـــا جثـــة

      بقــايـا جثــة

      كمَا لو أنَ الزمنَ يمرُ بطيئًا هذه الليلة، تظلُ مزروعًا على حافةِ الوقتِ المتآكلِ، كقطعةِ حديدٍ مهملةٍ في ركنٍ من الحديقةِ.
      صدأُُ الجسدِ يُكوِرُكَ كومةَ حلمٍ غير قابل للتأجيل. تراقبُ جحافلَهم تقتحمُ خلوتك،
      ثم تجرُ جسدَك..وتجعلك تركضُ ما قُدِر لك من العمرِ، خلف حلمٍ مُوَشمٍ بخدوشِ أظافرِهم.

      الآنَ تنتعلُ ما تبقَى من جروحِ حلمٍ..! لتبحثَ لكَ عن مكانٍ يُكَمِلُ نقصَك.
      وعبثًا تحاولُ أن تمحوَ تلك الخدوشَ بريشةِ ألوانِك الليلكيةِ، وقبلَ انتصافِ حزنِك على قارعةِ الأرصفةِ التي عبَدُوها، بنتوءاتِ أجسادٍ صدئةٍ، للحالمين الذين مَرُوا قبلَك في هذا الدربِ، وأسَالُوا جرحَ ألوانهم جدائلَ شمسٍ تُغرقُ الكونَ بعطرِ الخزامى، من أجل عيونِ وطنٍ سَلَبَ لُبَ ريشًَتهم الشقية، تقفُ هنيهةً لِتَتَثَبَتَ من ملامحِ صورةٍ ..فعلت بك كل هذه الجروح !.

      تُطالعك الثقوبُ في كل الجهاتِ، حُزمًا من العتمةِ التي إنهمرت كوابيسَ شُؤمٍ، تستحيلُ إلى ماضٍ قريبٍ.. عندما حذَرتك أمٌك، وأنتَ تزرعُ على جبينِها قبلةَ الوداعِ، على مشارفِ مزرعِة شهدت طفولتك الحالمة. أن لا تثق في ذئابِ المدينةِ!.
      كانت دموعُها الساخنة ممزوجةٌ ببسمةٍ متخفيةٍ..!. تمسحُ عنها الدموعَ، ثم تُطمئِنُها أنَك لن تغيبَ طويلا، كي يتسنى لك إكمالُ النصفِ الآخرِ من جسدِ وطنٍ متآكلٍ ..!
      تنحني وتقبلُ يديها، وتطلبُ منها أن تدعو لك.
      ثم تغوصُ في إمتدادِ الشارعِ الملتوي.

      أخيرًا تستفيقُ من جنازتِك التي أُقيمَت على شرفِ جرحِك، متأملاً تلك الجثةِ التي تلاحقُها الكلابُ المدربةُ والمسعورةُ، يُصيبُك الغثيانُ والخوفُ مرةً واحدةً..وتدركُ في زحمةِ الضجيجِ أنك وقعتَ مرةً أخرى.

      تراقبُ أعدادَهم التي كانت بأعدادِ أصابعِ يديكَ المقيدتينِ الى آخر المنعطفِ، يجرُون جسدَك المشتتِ الواهنِ، لكنهم لا يعبأون لما قد يُصيبك، كان كل ما يهمهم هو فصلُ رأسِك عن جسدِك، وعَرضه على لجنةِ التَفتِيشِ، فقد تناهَى الى مسامعِهم أنَك خبأتَ صورةً مَا ..!
      وإحتفظت بأسرارِها النديةِ داخل فكرِك.

      لم تكن تذكرُ عمَا كانوا يبحثون بالضبطِ !. لكن وفي غفلةٍ من كرابيجِهم الحادةِ، تذكرتَ أنَك رسمتَ جثةً مفصولةَ الرأسِ، معلقةً على مشجبِ المساءاتِ الحارقةِ بصهدِ أسلاكِ الكهرباءِ، التي غُرِزَت بجسدِكَ الهزيلِِ.
      وببساطةِ مواطنٍ عادِي قلتَ لهم:

      - كيف يمكن للإنسانِ أن يتوبَِ عن حبِ وطنِه؟.
      صفَعكَ صاحبُ الجثَةِ الضخمةِ، الذي ظننته ثورًا، لكنه لا يحملُ قرونًا..!
      ولكن يحملُ صحراءً قاحلةً، لا تصلحُ إلا لتَزَلُجِ الصَرَاصِيرِ! هكذا تخيلتَه وأنتَ تتلمَسُ مواطنَ الألمِ، الذي تحَوَلَ فجأةً الَى انتصارٍ، حيث قِيلَ لك، أن تحبَ وطنَك في صمتٍ دون ثرثرةٍ مزعجةٍ!.

      تغوصُ في الوهنِ أكثر، ويتملكٌك الرعبُ مما قد يأتي..!
      يفتشون زوايا الفراغِ، ثم فراغَ جيوبك، ليس إلا قصاصاتِ ورقٍ كٌتِبَت بقلمِ رصاصٍ باهتِ اللونِ، كالغرفةِ التي تحوي جسدَك المنهكِ. تتنبهُ الى فراغِ الغرفةِ، وأنها بدون لونٍ !.
      لا تعرفُك التفاصيلُ الغارقةُ حدَ الوجعِ..تواصلُ التحديقَ بعينينِ منفرجتينِ، وكأنَك تتحققٌ من تاريخِ المكانِ، وعَبَقَهُ الذي ينبعثٌ بروائحٍ تُزكِمُ الأنوفَ، لم تعهدها من قبل.

      تُراودُك الأسئلةُ وأنتَ معلقٌ على مشجبِ الحيرةِ ..؟؟ فتستحيلُ علاماتُ الإستفهام الى مشنقةٍ باردةٍ، تنتظرُ حرارةَ عنُقِكَ لتلتهبَ صهدًا يَحرقُ جلودَ الحالمين.
      تتقافزُ أنفاسُك ذُعرًا من المكانِ، وقد غطَ في فراغٍ مخيفٍ، ومن تلك الوجوهِ المسرفةِ في الكبرياءِ والقسوةِ، والتي أَلقَت القبضَ عليك وأنتَ تتأبطُ جثةً لم تكن لغيرِك..!.
      تزحفُ على ركبتيكَ لتلتحقَ برأسكَ المُتَدَلي من شرفةِ قسوتِهم، ثم تلتحف الصمت رداءًا من الخشوعِ، وأنتَ تمدُ قامتَك المتناسلةِ كشجرِ لبلابٍ يتدلى على السقوفِ، طالعًا توًا من نُثارِ الإنكسارِ ..!.
      رافضًا أن تنحني لهباتِ الريحِ الصفراءِ اللعينةِ، التي تثقبُ ما تبقى لديك من ألوانِ المساءِ المشعِ. وطامعًا في الإغتسالِ، تسكبُ دمعًا كهطولِ مطرٍ، يغدو رُكامًا من الوحلِ،تنتشلُ جثتَك من الهزائمِ التي مَدَت عُرُوقََها، كي تنخرَ عظامَ خيبَاتِك المعلقةِ في العراءِ.
      وكما لو أنَك كنتَ في حلمٍ أرعنٍ، تستفيقٌ على دمعةٍ غارقةٍ في الشجنِ، كنتَ قد خبأتَها طيلةَ مُرَاودتِك للحلمِ..تَفرِكُ عينيك المتثائبتين، ثم تمسحٌ عنهما غبارَ تلك الدُمى التي كانت تعبثُ برأسِك.

      يزدادُ طعمُ الملوحةِ في مذاقِ صبحِك البُنِي، المتثاقلِ، تصفعُك صورةُ الجثةِ التي ما تزالُ معلقة وقد اِستَحَالت الى بالونةِ هواءٍ فارغٍ .
      تتحسَسُ رأسَك بأطرافِ أصابِعِك، ثم تتحسسُ باقي الجسدِ، لتُثبتَ لعينيك كذبةَ ما ترَى. ثم تغوصُ في حزنِ الهزيمةِ، حيثُ أنتَ لا أنتَ ..! وجُثَتُك ما تزالُ معلقة..
      فهل غادرتَ المكانَ، وهذه رُؤَى حلمٍ متصدعٍ في هَدأةِ صمتِك الأخيرِ.
      فربما فعلتَ مثل فِعلتهم ،" عندما لم يجدوا من يهزمهم ثانية هزموا أنفسهم".
      ورُحتَ تتلصصُ، وتسترقُ النظرَ، ثم توقظُ حُلمَك من غفوتِهِ ثانيةً، وتُقررُ أن تُهاتِفَ أمَك لتسألها عن بقايَا جثتِكَ .
      فريدة ابراهيم بن موسى
      وهي التي أشارك بها في المسابقة

      التعديل الأخير تم بواسطة فريدة ابراهيم; 03-11-2010, 11:31 PM.

      تعليق

      • فريدة ابراهيم
        كاتب مسجل
        • Dec 2009
        • 52

        #33
        مــدن الخواء..

        مدن الخواء

        في لحظة ما.. قد يبدو لك الرحيل فرحا، تزهو كل الأشياء أمامك، وتحسها أكثر ابتهاجا، وكلها تتحرك صوب فرحك اليتيم، لتقيم لك العرس الجميل !.
        وحده قلب أمك يحس الفجيعة، ويقيم للفرح مأتما حزينا. فلإنتقال من بلد الأهل إلى بلد فارغ من الحب، كان بالنسبة إليك فرحا تصنعه رقصات حلم في عينيك المنفرجتين عن آخرهما.. على غير العادة.
        فهل تصنع الفرحة بك كل هذا المأتم الذي حل فجأة بقلب أمك؟.
        أنت لم تفكر بهذا القلب الضعيف الحزين بعدك، وكل ما فعلته بعض القهقهات والحركات البهلوانية التي تعزز قمة النشوة لديك، وتغرز دبابيس الأسى في قلب أمك..أمك التي لم تستوعب شرحك الطويل لها عن أزمة البطالة في مدينتك.

        كانت في ركن البيت قابعة ككومة ملابس تنتظر من يرفع عنها أدران الزمن الآسن.
        كان خدها يتكئ على يدها اليمنى النحيلة، وحدها العروق الخضراء البارزة أصبحت زرقاء اللون ترتسم على طول اليد خطوط حكاية تروي.

        (أسيدي امحمد خدك ينور ..عند طلوع النجمة زاد الرسول..خرجت احليمة لدار..
        زاد المختار..بخَتُو بالعنبر والمسك يفوح ..خرجت احليمة تشكي..زاد المكي..
        بختو بالعنبر والمسك يفوح..)

        تواصل أمي ترنيمات المولد النبوي بصوت جميل، وبحة حزينة تميزه عن آلاف الأمهات، صوت يراقص أشعة الشموع المنتشرة في أركان البيت..
        هذه عادتها منذ سنين، تقول الحكاية، في كل مولد تحتفل، وتغرس فينا حب نبينا.
        كان هذا آخر مولد نبوي أشهده مع قلب أمي، ومع بحتها الخاصة جدا..!.

        - ستجرب الغربة وستندم.
        بحسرة يقولها قلبها الواسع الذي لم يسع فكرة رحيلي..

        وتقول الحكاية كذلك..
        بعد رحيلي لم تعد أمي تردد ترنيمات المولد النبوي، غاب صوتها الشجي، وجفت الدموع في محاجرها، لم تبق إلا العروق البارزة تنبض، وتنتظر القادم.


        من مدينة إلى أخرى ينقلني الضباب البني..يتكدس على قامتي الهزيلة، تتكوم الثلوج، وتتكوم أحزاني يوما بعد يوم..يتجمد الزمن في مدن الخواء.
        يحتويني الخواء أبحث لاهثا عن فرحة متبقية في أحداقي، ليس غير الدمع يفارق حنجرتي، وأحرص أن لا ترى هذه المدن خيبتي، أندس في ليل مظلم، على حلم أن نلتقي..


        لا أرى غير العروق البارزة من يديها النحيلتين تمدني بعنقود عنب فارغ..
        سقطت كل حبيباته قبل أن يصل يدي، أحاول لملمة الحبيبات من على الارض، تبتلع الأرض كل الحبيبات، فلا أرى اليدين، ولا القلب، ولا هي..!.

        أستقبل صباح المدينة الخاوية بكثير من الضجر، وقليل من الأفكار التي كانت تتجاذبني، أحاول أن أفتح النوافذ لأتنفس أكثر وأستعيد القليل من القوة، تأبى النوافذ، أكوام الثلج قد أغلقت كل القلوب، وسدت كل النوافذ.
        أحن إلى قهوة أمي..وقبلة أمي..وحضن أمي، تلسعني الذاكرة، فأضع البن في "لبراس"، وأشعل النار لعلها تدفئ فائض البرد المتأبد في كوة الجرح .
        القهوة المٌرة مسكنة لبعض الجروح، وأنا لا أملك إلا جرحا واحدا، بيدي فتحته، وبقسوة أناملي أعدت خياطته، وهاهي المدن الخاوية تفتق الجرح من جديد..

        في الشوارع التي صارت تعرف هزيمتي القسوى، تقاذفتني موجة أفكار ذات سلالة لا أعرفها، أو بالتحديد لا أعرف وصفها.
        الضجيج الصاخب يكورني في مساء مظلم معتم، بعد نهاية ساعات التعذيب الجسدي، غسلت وجهي بضباب ذلك المساء الشاحب، أخذت كرسيا على رصيف الذاكرة، في مقهى المشردين، لأحد المغتربين، رميت بجثتي المنهكة،أحرقت ألف سيجارة، ونبهت أفكاري ببرميل قهوة مُرة، ولم ترسُ على ميناء.
        تسرح المخيلة بدون قيود، صورة لهيكل عظمي مسجى وسط بيتنا، لا يُرى منه إلا عروق زرقاء بارزة، لحاف أبيض يلف الحزن المكوم، وجوه غريبة بدون أجساد تجوب بحرية أطراف بيتنا، تصرخ بدون أصوات، تبكي بدون دموع.
        تختلط الصور، وتحلُ الظلمة على الهيكل العظمي الممدد مكانه، عيون جاحظة، وعيون بدون وجوه تجوب صحراء بيتنا..
        ضجيج المكان، ونعيق البوم والغربان، يوقظ المخيلة فجأة..أواصل التحديق في الطيور..لا شئ غير الطيور، وهي تعانق الفضاء دون قيد ..
        صوت موؤود بداخلي يستجدي، لا بد لهذه المدن الخاوية من ستار يحجب الظلمة، وشاطئ يستقبل فرح الحقائب.

        فريدة ابراهيم بن موسى

        تعليق

        • فريدة ابراهيم
          كاتب مسجل
          • Dec 2009
          • 52

          #34
          السلام عليكم,,

          يشرفني جدا المشاركة معكم..
          وأفضل القصة الثانية كقصة للمسابقـــة وهي:

          قصة : بقــــايـــا جثــة

          أ
          تمنى التوفيق للجميع
          تقديري لمجهوداتكم
          فريدة ابراهيم

          تعليق

          • طارق شفيق حقي
            المدير العام
            • Dec 2003
            • 11929

            #35
            الأخ الكريم ناصر الحربي

            يرجى إرسال قصتين إضافيتين
            فشروط المسابقة أن يرسل كل متسابق ثلاثة اعمال ويحدد العمل الذي يريد أن يشارك به

            تعليق

            • عماد اليونس
              كاتب مسجل
              • Mar 2009
              • 456

              #36
              السادة اعضاء اللجنة المحترمين
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
              فيما يلي مشاركاتي للقصة القصيره وارجو اعتماد القصة الاولى لغرض المسابقه

              (1)


              حبة وكبسولة و...


              عادت الجدة عوفه من رحلتها اليومية الى العيادة وهي تحمل كيس من الدواء وعلامات التذمر بادية على وجهها , افرغت محتويات الكيس ثم صاحت قائلة :
              ــ ماهذا الدواء مجرد كبسولات وحبوب الملاعين لم يعطونني ولو حقنة مقوية واحدة في حين انهم منحوا عيشه يوم امس ثلاثة حقنات ...انظرو الى صحتها اليوم فهي تزهو ووجها منور مثل القمر... بسيطه اني الهم من يضنون انفسهم انا ذاهبة اليهم غدا وسوف أريهم من اكون سكتت برهة ثم أردفت :
              ـــ ماذا سيخسرون لو انهم اعطوني تلك الحقنات أليست العيادة حكومية ؟ أوَليس الدواء مجانياً , اسمعن يابناتي وانتن ياحفيداتي اذا حدث لي مكروه هذه الليلة , فسأحملهم المسؤولية وسأرفع دعوى على ذلك الطبيب الذي منع عني تلك الحقنات وسأجرجره الى المحاكم.
              ـــ جدتي الاجال بيد الله وليس بيد الاطباء هكذا سمعت بابا عبدالله دائما يقول, قاطعتها حفيدتها مروه ابنة العشرة سنوات .
              ـــ طبعا ابوك يقول ذلك لانه ماشاء الله بصحة جيدة ولايشعر بحال المريض مثلي واني واثقة بانه يكرهني ويتمنى موتي اليوم قبل الباكر فارجوك لاتذكري كلام ابوك وسوالفه وبالمناسبة عزيزتي مروه حضري نفسك لتذهبي معي غداً الى العيادة لانني سوف اقطع التذكرة باسمك لكي احصل على تلك الحقنات المقويه وراح أشوف هذه المرة ماذا سيقول ذلك الطبيب اللئيم.
              في صباح اليوم الثاني ذهبت مروة الى غرفة جدتها لتخبرها بان الوقت قد تأخر للذهاب الى العيادة ظنت البنت بان الجدة غارقة في النوم فراحت تصيح
              ـــ جدتي ... جدتي ... جدتي الوقت متاخر الا تذهبين للعياده لماذا لاتجيبي .....
              وبعد ان يأست من اي حراك للجدة خرجت البنت مسرعة لتخبر أمها ثم يدخلن مسرعات فيطلقن صيحات عرف الجيران منها بان الجدة عوفه قد فارقت الحياة .

              ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
              (2)


              هَيتَ لكَ


              لطالما ابتعد عبدالله عن مزاولة السياسة نظرا لما تسببه من اوجاع للراس ورغم اجادته للتنظير وحسن التوقع و التقدير فكل اقرانه يشهدون له صواب الرأي ابتداءاً من تنبؤاته بنهاية الحرب الايرانية وخروج الجيش العراقي من الكويت عام 1991 وعكس كل التوقعات بسقوط النظام العراقي انذاك , تنبأ بان نظام صدام حسين مستمر و لن يسقط الا باجتياح عسكري وحينما هلل الكثيرين لهذا السقوط تحفظ الرجل ليس حبا بصدام ولكن خوفاً من تداعيات هذا السقوط فتوقع ان يصحب سقوط النظام سقوطا للدولة العراقية وانعداما للامن والسلم الاهلي ومعاناة العراقيين من العنف والقتل والتهجير صدقت تنبؤاته فزادت مكانته.
              ونظرا لثقافته الواسعة وكياسته ومؤهلاته واجادته للغة الانكليزية فحين تشكل اول مجلس حكم محلي في المدينة كان اسم عبدالله من الاسماء التي ارسلوا في طلبها لكي يتولى رئاسة المجلس لكنه حين علم ان عليه التعامل مع المحتل كأمر واقع رفض هذا المنصب وبشدة.
              كان حال الرجل مع السياسة كحال النبي يوسف وزليخا حينما غلقت الابواب وراودته عن نفسها وقالت :
              ـــ هيت لك ... كان جوابه واضحاً قاطعاً :
              ـــ معاذ الله اني اخاف الله رب العالمين
              وحينما ارسل في طلبه من قبل احدى الكتل طمعا بمكانته وسمعته وعرضو عليه الترشح معهم للانتخابات النيابيه الاخيرة ورغم كل المغريات التي عرضها عليه رسولهم
              ـــ ستصبح نائبا وربما وزيرا, سلطة وراتبا كبيرا وحمايات ووو فقاطعه الرجل
              ـــ هذه الامتيازات في دنياي و ماذا في اخرتي قل لي هل تظمن لي شيئا هناك ؟
              سكت الرجل وانصرف فتوجه عبد الله كعادته صوب المسجد وهو يردد ...
              ـــ الحمد لله الذي صرف عني السوء اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ولاتجعلني من الغافلين ....

              ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ

              (3)


              كرامة أبي مُرقّعه


              كان رجل اشعث اغبر تزدريه الاعين رغم هذا كان وجهه بشوشا نورانيا ينم عن قناعة وحسن سريه. سائحٌ في ارض الله لايعرف أحد من أين أتى قليل الكلام الا همساً كان يحب الاعتزال يفترش الارض ويستظل الاشجار لايسأل زاداً الا مأ ياتيه من الناس عن طيب خاطر, صابراً و محتسباً على أذى الاطفال وهم يرمونه بالحجارة بل أنّ المثير للاعجاب ِأنه يجمعها لهم ويعيدها لهم بابتسامةٍ ولسان حالهِ يقول لهم هاكم اضربوني مرة اخرى ان كان هذا يفرحكم.
              كان الرجل يأتي كل حين الى الفلوجة في الستينات ويختفي وكأن الارض تطوى به ,يتنقل بين الاحياء فيختار الارض الخاليه ليرمي بها عدته البسيطة ومتاعه الذي لايزيد عن بطانية ورزمة ملابس كان يرتدي صيفا وشتاءا نفس الجلباب المرقع والذي طالما رأيناه منهمكا بترقيعه ومن هنا جاء لقب "أبومرقعه". حط رحاله مرة غرب المدينة عند النهر وقريبا من مكان مولدة الكهرباء الوحيدة في مدينة الفلوجة انذاك والتي كانت تعمل على النفط الخام .
              كان مشغل المولدة حماد يتناوب التشغيل مساءاً مع زميله محسن الذي كان مسؤولا عن التشغيل الصباحي . حين جاء حماد عصرا ليستلم نوبته وجد أبا مرقعة وقد حط رحاله في فناء الساحة التي تطل عليها بناية المولدة ,استنكر حماد وجود أبي مرقعه في هذا المكان فعنّفهُ قائلاً :
              ـــ ألم تجد مكاناً أهدأ من هذا المكان لتحط رحالك فيه ايها الاخرق
              ـــ سامحك الله انا هنا لاعينك ياحماد...
              ـــ وكيف تعينني وانت بأرذل عمرك هذا أيّها العجوز الخرف
              ـــ المعانة بالله ياحماد وليس بقوتي أو قوتك
              ـــ على اية حال سأدعك تقضي الليلة هنا على شرطِ أن ترحل غدا... هل سمعت؟
              كان واجب حماد المشغل التأكد من كفاية الزيت قبل التشغيل ومن ثم مراقبة حرارة المولد أثناء التشغيل من خلال التأكد من وصول ماء التبريد الى المشعه .
              اعتاد حماد على متابعة أُمور التشغيل هذه لانه على يقين بأنّ أي تقصير او خلل من قبَلِهِ سوف يُدخل المدينة في ظلامٍ دامس ويجعله عُرضَةً للمسائلة او الطرد من الوضيفة والتي لم يدّخر جهداً للحصول عليها . كما ِان حماد اعتاد كذلك الى اخذ اقساطٍ من الاستراحةِ والاسترخاء حيث أنه وضع لهذا الغرض أريكةً بالية قرب المولد . بعد منتصف الليل أخذ حماد جولته المعتاده من المراقبةِ ثم رمى بجسمه المتعب على الاريكة وبعد لحظات من الاسترخاء لم يتمالك نفسه حيث راح يغطُّ في نوم عميق أخذه ساعةً وساعتان لم ينتبه الا على وخزات قويه فتح عينيه ليرى شبح أبي مرقعه منتصبا فوق رأسه وصوت غليان محرك المولد فرك عينيه فلم يجد أحداً أمامه ...هب مسرعاً صوب المحرك فوجد خرطوم الماء قد افلت من مكانه والمحرك في حالة غليان فاق المسموح. أعاد حماد خرطوم الماء نزلت الحرارة وهدأت الامور, شكر الله واثنى عليه وراح يبحث عن أبي مرقعة ليشكره على هذا التدخل والتنبيه وصل الى حيث مكان أبي مرقعه لكنه لم يجده في المكان ندم على مابدر منه تجاه الرجل الصالح... وظلت كلمات أبي مرقعه ناقوسا يدق باذنيه طويلا " أنا هنا لاعينك يا حماد" مابرح حماد يبحث طويلاً عن الرجل الصالح ليعتذر منه ويشكره لكن دون جدوى فالرجل اختفى منذ ذلك الحين وكأن الارض ابتلعته. فظل حماد والمدينة مدينان لذلك الرجل الصالح أبو مرقعه .

              ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
              تمت المشاركات
              تحياتي وتقديري للجهود المبذوله



              التعديل الأخير تم بواسطة عماد اليونس; 03-14-2010, 12:03 AM.

              تعليق

              • نهي رجب محمد
                (ريشة المطر)
                • Jul 2007
                • 234
                • تحيا جمهورية الأدب

                #37
                قصص نهى رجب محمد

                القصة الأولى:

                آخر خطبة للرئيس المخلوع


                خلوة الرئيس:
                بلا تصفيق أو هتافات حارة أمسك قلم الحبر وشرع في الكتابة:(السادة الأكارم، أعلم أني وُلّيت عليكم ولست بخيركم، وحمُلتُ أمانتكم وقد ترونني غير كفءٍ لحملها، ولكن أشهد الله أنني حاولت أن أكرس جهدي وخبرتي في رفع مستوى المعيشة، وإقامة المشروعات العملاقة التي توفر فرص عمل متنوعة للطبقة الكادحة.

                فتحتُ الباب لرؤوس الأموال الوطنية والأجنبية ليساهموا في دفع عجلة التنمية الاقتصادية باستثمارات جادة نهضت بكثير من القطاعات الإنتاجية. إنني لا أعدّد إنجازاتي من قبيل مدح الذات، بل هي الحقيقة التي سيسطرها التاريخ للأجيال القادمة.

                كان عهدي عهدًا انتصرنا فيه معًا على شبح الأمية، ونشرنا التعليم المجاني لجميع فئات الشعب، وحاولنا جاهدين خفض نسبة البطالة بين الشباب؛ ولأنه عصر العولمة فتحنا النوافذ على العالم؛ شجّعنا النابهين من الأوائل ومنحناهم منح السفر للتعليم في أرقى جامعات أوربا، بينما خصصنا للمتفوقين الجوائز التشجيعية التي تقوي فيهم العزم وتشد الأزر وتقدم للمجتمع روّادًا في كل المجالات.

                لم يكن لي مطمح غير الارتقاء بهذا الوطن الحبيب، تعلمون أنني مزارع من إحدى القرى الجنوبية، عرفت معنى الكدّ والفقر مثلما ذقت حلاوة السلطة والرفعة بانتقالي رئيسًا لكم خادمًا لآمال الوطن.

                تمنيتُ أن أكون والدًا بارًّا بكم جميعًا، لا أقول إن كل أحلامي قُيّد لها التحقّق؛ فالظروف أحيانًا تقف عائقًا سلبيًّا، لكن أشدَ ما يعكر صفو نفسي اتهامكم لي بالخيانة وقذفكم شخصيتي بالوصولية، تعالوا وابحثوا خلفي، فتشوا في حساباتي واقرأوا خطاباتي، مذكراتي، قراراتي، فلن تجدوا غير هذا القائد الذي حاول النهوض بكم إلى عهد من الرخاء والرفاهية، بجعل هذا البلد الكريم في مصاف الأوائل.

                وإذا كان عزلي من منصبي مطلبًا شعبيًّا وافق عليه الشعب، فأنا ديمقراطي صميم سأرضخ لرأي الأغلبية وأحترم قرار المجموع؛ ضمتنًا للصالح العام. ولكن لا تنصبوا المشانق لي في عيونكم قبل أن تحاكموني وتعلموا الوقائع. إن مجرد اتهامكم لي بالخيانة فشل ذريع مُنِيَ به حكمي فُصمت العلاقة كليًّا بيني وبينكم. كم أتمنى أن تجدوا في ضمائركم صوتًا واحدًا ينصفني حتى أنام مرتاح البال.

                دمتم في رعاية الله وأمنه، وحفظ الله بلدنا العظيم من شرور الطامحين، ودسائس الخائنين).
                مهر الحديث بتوقيعه الشخصي، وختمه بخاتمه الموثق، ثم أحكم قبضته على مسدسه وضغط على الزناد.

                الجندي المناوب:
                كنتُ الجندي المكلف بالحراسة إذ وصل إلى سمعي طلق ناريّ، هرولت جزعًا على إثر صرخة مدوّية صادرة من مكتب السيد الرئيس، هُرعت إلى الغرفة، رأيت الرئيس منكفئًا على مكتبه والدماء تنزف على الأوراق، اقتربت متوجسًا، واستطعت أن اعدّل من وضعية الجسد على الكرسي، وقدمت آخر تحية عسكرية، بعدها حاولت قراءة الورقة المطوية التي أفلتها من يده.

                كانت الأمانة تقتضي أن أسلم الورقة إلى مسئول موثوق به، تحدثت إلى ضابط رفيع المستوى، فعجّل بإقامة مؤتمر صحفي كبير.
                كان الحشد كبيرًا، فمندوبو الإذاعات والمحطات الفضائية المحلية والعالمية علي أهبة الاستعداد، وعدد من كبار الصحفيين والمصورين والكتاب والوزراء والقادة يملأون القاعة، وعيونهم متطلعة في دهشة إلي المنصة.

                بدأ صوت المقرئ يجلجل بآي الذكر الحكيم، ثم ظهر نائب الرئيس في سترته السوداء قائلاً: "أيها السادة والسيدات، إنه في صبيحة يوم الأربعاء الموافق الثالث عشر من تموز من هذا العام عُثر على جثمان السيد الرئيس في مكتبه بالقصر الجمهوري على إثر عيار ناري من مسدسه الخاص، نسأل للفقيد العظيم الرحمة والغفران، ولأسرته الكريمة السلوى والعزاء، وإنا لله وإنّا إليه راجعون ".
                بُهت الجمع الغفير وانخرطوا في عويل شديد، حاول المتحدث مواصلة الحديث: "وقد عثر على الخطاب التالي: أيها السادة الأكارم..." ولم يستطع إكمال قراءة خطاب الرئيس، فتنحى عن المنصة، وطوي الخطاب علي وعدٍ، بقراءته على الشعب في وقت لاحق.
                نكّست رأسي محاولا تذكر الخطاب بينما انفض الجمع وخلت القاعة من الحشود.
                ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                21/6/2009
                نهى رجب محمد
                ريشة المطر


                ---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
                القصة الثانية:

                سـلحفاة


                انتبهتُ من نومي على سعلة قوية؛ عرفتُ أن أبي يتأهّب للخروج، عدَّلتُ من وضع الصَّدَفة على ظَهري، دفعتُ الباب، كان الدهليز مظلمًا. لمحتُ إيماءة أمي، قبّلني أبي في عُجالة.

                نظرتُ من الشُّرفة، صويحباتي ينتظرنني، حاولت الإسراع قدر جهدي، انضمتُ إليهن. إنه موسم وضع البيض.

                وصلنا إلى الشاطئ الرملي، انهمكنا في صناعة الحُفر، صنعت حُفرة عميقة، ساويتها ورتّبت فيها البيض باحتراس. كانت الشمس ساخنة، والرمال تلسع، لكنّ وصول ماء البحر إلى أصابعي يخفّف من حدّة الحرارة.

                تركتُ المعوَل جانبًا واخترت أن أهيل الرمال بيديَّ هذه المرة؛ لأتأكّد بنفسي من تغطية البيض، كم مرة جئتُ إلى الشاطئ وصنعت العمل نفسه؟ لا أذكر عدد المرات على وجه التحديد، لكنني أتذكر فقط مشهد السلاحف الخضراء الصغيرة عندما يفقس البيض وتحبو إلى الماء. أحب ابتسامتها، لا أعرف أولادي من أولاد صويحباتي.

                أشعر أن قدمي تزداد سماكة والصَّدَفة أثقل من المعتاد؛ لا أقوى على رفعها وحدي لأخلد إلى النوم. نصحتني والدتي ألا أخرج هذا الموسم وأن أبقى في السرير للراحة. ترى هل سأقوى على الخروج مرة أخرى؟!
                ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                العين في20/4/2003م
                نهى رجب محمد
                ريشة المطر



                ---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
                القصة الثالثة:

                الخـادمـة


                ماذا ينقصني لتصبح هي سيّدة الدار وأتحوّل أنا إلى تنظيف الأرضيّات؟ أراقبها طيلة الوقت: تستيقظ في العاشرة، تغيب في الحمام وقتًا طويلًا، لا أعرف ماذا تفعل، لكنني أشمّ رائحة العطر الفاخر، أتسمّع رغوة الصابون الكثيفة، ثم يأتي دوري لأقوم بمهامّ النظافة.

                تجلس على الأريكة، أحضِّر لها الفطور، أناولها كأس العصير كأنها تنتظر مني أن أطعمها في فمها، ثم تطلب مني أن أذهب لغسل الأواني.
                وجهها ناصع البياض، كلامها معي قليل لكنها لا تمنع عني شيئًا، اشترت لي ثوبًا في العيد الماضي وأعطتني زجاجة عطر.

                لا أعرف لماذا أنشغل بمتابعتها؟ لا أقصد التلصّص عليها. كل يوم ترتدي ثوبًا مغايرًا، لا يمرّ أسبوع إلاَّ رافقتها إلى صالون التجميل، تعود عروسًا، شعرها الأسود الهفهاف في قصّته الجديدة يجعلها أشبه بالأميرات، وتخطو على السجّادة الوثيرة بدلال فألمح نقش الحنّاء على كعب رجلها الناعم. تمنّيت لو سألتُها مرة واحدة هل جرّبتْ يومًا أن تغسل طبقًا متّسخًا؟ أو هل اضطرت أحيانًا إلى تنظيف الحمام؟!

                أنا لا أحقد عليها، أتقاضي راتبًا محترمًا من هذا المنزل الفخم، أحظى بمنزلة مميزة بين أفراده: تستأمنني سيدة الدار على ابنتها الرضيعة ولكنها تصرّ كثيرًا على إطعامها بنفسها، تترك لي مهامّ التنظيف والنزهة.

                لست ضجرة بكل هذه المسئوليات؛ فهو عملي الذي أتقاضى عليه الأجر، وفي آخر النهار أنزوي في غرفتي الصغيرة لأنام. ميعاد نومي واستيقاظي محدّد، وطعامي فوق طاولة المطبخ، لا أطمح أن أشارك الأسرة الطعام، الحقّ أنهم يعاملونني بلطف.

                ثلاثة أطفال في المدرسة، نظيفون لكنهم مشاغبون، أتعب في إرضائهم وأملُّ من دلالهم الزائد (ماذا أفعل حتى تبقى الدار هادئة وينهي سيدي كتابته على الحاسوب، غرفة المكتب قريبة وصوت الأطفال عالٍ؟).

                الحلول المقترحة من سيدتي كثيرة: اذهبي إلى غرفة الألعاب (نُمضِّي ساعات طوال في الرسم وبناء البيوت الصغيرة بالمكعبات)، في بعض الأحيان تسمح لي سيدتي باصطحابهم إلى الشارع الجانبي الهادئ للعب فوق مربع الخضرة في الميدان الفسيح.

                الحياة على هذا النحو مُرهقة، فكّرت في أن أترك المنزل لكنني لا أجد مبررًا للمغادرة، أحتاج هذا الراتب وزوجي لا يمانع في هذا العمل، ماذا أصنع؟ سيدتي تنادي عليَّ!

                ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                10/ 2/ 2006م
                نهى رجب محمد
                ريشة المطر

                تعليق

                • فتحي فطوم
                  كاتب مسجل
                  • May 2009
                  • 14

                  #38
                  قــصـص


                  ( 1 )
                  شــــجاعـة
                  رآه يهبط درج مبنى المجمع الحكومي ؛ أخذته رعشة . صورته ما زالت محفورة في ذاكرته . تسللت قدمه اليمنى إلى كعب اليسرى ، ضغطت قليلاً ، أجابت أصابع القدم اليسرى بحركة مشابهة ؛ تعرت قدماه من النعلين ، انحنى ، خطف فردتي الحذاء ، وقف جاحظ العينين ، توترت أعصابه ، اهتزت يداه ، تقدم بحذر . لم ينس يوم بادره بصفعة ، أعقبها بصقعة ، ثم صرخ : " ضعوه بالدولاب " . تقدم ... تقدم ، قَدَّرَ أن المسافة بينهما أصبحت تسمح له بالحركة ، رفع يده اليمنى قليلاً حين أمسى قريباً من زاوية طريق فرعية ، انطلق مولياً الأدبار غير مُتَحَرِّفٍ لِلقاء آخر .
                  الأحد 27 أيلول 2009


                  ( 2 )
                  شــــفافيـة


                  في اليوم الثاني لتكليفه مديراً لفرع المؤسسة دعا إلى اجتماع عاجل ، حيث أكد على ضرورة التقيد بالتعليمات وتلبية طلبات المواطنين دون تأخير، واستقبالهم بوجه بشوش ، وهو ـ من جانبه ـ سيعمل بشفافية ، و ... نظر بطرف خفي إلى هدى ، رئيس الديوان ، التي سبق له أن التقى بها أكثر من مرة ، فأوضح بصريح العبارة أن العاملات كلهن مثل أخواته ، وهذا موقفه الذي لن يتخلى عنه أبداً .
                  بُعيد منتصف اليوم كان أحد العاملين بالمؤسسة عائداً إلى بيته بحي التعاون السكني الغربي ، فلفتت نظره سيارة المدير المخصصة مركونة في إحدى الزوايا ؛ حينئذٍ لم يخامره شك بما يدور في شقة هدى ! مدَّ يده إلى جيبه ، سحب سلسلة المفاتيح ، اختار مفتاحاً منها ، تقدم من السيارة ، انحنى بحذر ، لم يستقم حتى رأى الدولاب ينام متهالكاً .
                  انتَبَذَ مَكَاناً يَرى منه ولا يُرى ، لم يَطُلْ مكوثه كثيراً ، رأى مديره بشحمه ولحمه وعظمه يتسلل من باب البناية ذاتها .
                  الأحد 27 أيلول 2009
                  ( 3 )
                  وفـــــاة
                  في اليوم الأول لافتتاح الدكان تناول قطعة من الورق المقوى ، وكتب بخط عريض العبارة الشهيرة : ( الدين ممنوع والزعل مرفوع ) ، لكن هذا الشعار لم يطبق في قرية تل الزهور كالعادة . ثَمّ شيء لا يختلف عليه اثنان : دكان وعدم مسك دفتر للديون يعني انعدام البيع ، ثم الإغلاق !
                  دفتر الديون ينتفخ يوماً بعد يوم ، هذا شيء لا يثير القلق ما دام هناك مَنْ يوفي ذمته في أوقات محددة ، أما أن يتهرب أحدهم ، أو ( يطمس) في مكان بعيد مثل حال ابن حارته خضر موسى ، المكنى بأبي فايز ، فالوضع لا يحتمل ! ومما زاد الطين بلة موقف زوجه ، وتريديها بمناسبة وغير مناسبة : " ظافر ذمته عاطلة ، يحتاج إلى دواء يكوي كياً " .
                  ماذا يفعل ليحصل حقه ؟ فكر طويلاً ، رأى أن أسلوب بعض أصحاب المحلات بنشر أسماء المدينين والتشهير بهم أسلوب قديم ، يريد وسيلة شديدة التأثير وأنجع ..... ركب شاحنته الصغيرة ، وأمسك بيده مكبراً للصوت ، ثم انطلق وصوته يتماوج : " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . توفيت إلى رحمة الله تعالى ذمة خضر موسى ( أبو فايز ) ... لا صلاة عليها " . أعاد النداء ثلاث مرات ، ختمتها بصوت هادئ : " إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ " .
                  بعد ساعة كان فايز يقف قبالته في الدكان وهالة من الغضب تهز كيانه ، وإن حاول التخفي وراء ستارة الهدوء . سمعه يقول :
                  ـ هيك يا جار تفضحنا بالضيعة !
                  ـ أبوك هو السبب، لا تنسَ أن مَنْ يبَظ ( يفرك المؤشرة بالإبهام ) يبز* .
                  ـ وأنت لا تنسَ أنك ....
                  ـ كل شيء قابل للتصحيح بعد التسديد .... جرب وسترى .
                  فتح دفتر الديون ، وأشار إلى صفحة ظافر ، ثم ركز سبابته في أسفل الصفحة قائلاً :
                  ـ هنا الحل .
                  ما كاد يتسلم المبلغ من فايز حتى قفز إلى السيارة ، وأمسك بمكبر الصوت ، وفتح فمه : " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. سُبحانَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ... أدخلت ذمة ( أبو فايز) غرفة الإنعاش ، والوضع في تحسن ... ادعوا لها بالشفاء العاجل " .
                  الجمعة 9 تشرين الأول 2009
                  ــــــــــــــــــ
                  * ( يبظ ) : باللهجة الدارجة بمعنى يدفع . وقد جاء في معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس : " يقولون بَظّ أوتارَه للضَّرْب ، إذا هيّأها " . وفي مختار الصحاح : " في المثل : مَنْ عَزَّ بَزَّ ، أي مَنْ غَلَب سَلَب " . و( المؤشرة ) : السبابة .

                  ( 4 )
                  محاضـــــرة
                  ضجرت القرية من كثرة الدراجات النارية ، وقَلِقت من ارتفاع وتيرة الحوادث ، ناهيك عن صخبها وهي تسابق الريح بين الشوارع والأزقة !
                  يكاد لا يخلو بيت من دراجة أو أكثر ، وكلها مهربة ، فما الحل ؟ ارتأت أطراف عدة أن نقص الوعي بأصول السياقة هو السبب ؛ لذلك اتُفِقَ على ضرورة الشروع بحملة توعية ، تكون بدايتها بدعوة المحامي أشرف لإلقاء محاضرة حول الوعي المروري ، وأثر ظاهرة تهريب الدراجات .
                  في قاعة المركز الثقافي ما كاد الأستاذ أشرف ينهي محاضرته حتى استرعى انتباهه شاب يشير بسبابته إلى فمه ، ثم يرسلها نحوه بحركة لولبية ؛ فأومأ برأسه أَنْ : اقترب . أقترب الشاب على عجل ، وهمس في أذنه بضع كلمات جعلت الأستاذ أشرف يهب واقفاً ، ثم يغادر القاعة وهو يلوح بيده معتذراً . حين وجد نفسه في الطريق أسرع إلى دراجته غير المهربة ، ركبها وهو يحدث نفسه : " يا بني ! قلت لك : لا شيء يدعو إلى شراء دراجة ثانية . أجبتني : واحدة مهربة بربع الثمن ... تفضل شف نتيجة السياقة برعونة ! " .
                  الثلاثاء 13 تشرين الأول 2009

                  ( 5 )
                  تصفيــــق
                  دخل قاعة المركز الثقافي مع الداخلين ، سار حتى غدا بمحاذاة الصف الثالث ، اتجه إلى الجهة اليمنى كالعادة ، اختار المقعد الأول ، التفت خلفه قبل أن يهبط بسلام وسط ضجيج الأصوات والمقاعد . ارتفع صوت عريف الحفل ؛ فعم الهدوء . قبل أن يصعد المتكلم الأول المنصة صفق له مع المصفقين ، وودعه بمثل ذلك . ظل التصفيق يعلو ؛ نشل الجريدة المطوية من جيبه ، نظر إلى العنوان الرئيس ، أحس بشعاليل الخدر يسري في يديه ، ورمل النعاس يفترش عينيه ؛ دَنَا رأسه من صدره فَتَدَلَّى .
                  أفاق على صفقة قوية ؛ فصفق بشدة وهو ينظر إلى الأمام والخلف . كانت القاعة خالية تماماً ، وضوء خافت يعم المكان ، وثَمَّ شعاع قادم من البهو يخاتل الباب المتأرجح . داخله خوف ورهبه ، نهض ، بحث بعينيه عن موطئ قدم بين المقاعد ، سار وهو يمكو ويصدي* .
                  الأربعاء 14 تشرين الأول 2009

                  ـــــــــــــــــــــــ
                  * يصفر ويصفق

                  ( 6 )
                  مـــــــازوت
                  في إحدى ليالي الصيف استلقى على فراشه فوق المصطبة كالعادة ، وكان قلقاً ؛ أفكار شتى طرقت باب مخيلته ، برزت أمامه صورة الشيخ علي وهو يردد : " إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ ... " ، لكنه لم يفلح في تذكر ما قبلها وما بعدها ؛ فحدث نفسه : " كيف لواحد مثلي أن يلعب أو يلهو ؟ " . تأمل النجوم المضيئة في صفحة السماء الصافية : واحد ، اثنان ، ثلاثة ... ضرب فمه بباطن يده أَنْ : أسكت . فجأة لمعت في ذهنه حكاية جده مع النجوم ؛ أشرق وجهه بابتسامة عريضة ، حدث نفسه : " الله يرحمك يا جدي ! فكرتك الغريبة غدت مضرب الأمثال ، كيف خطر لك أن تسأل جدتي : لو كانت النجوم تعمل على زيت الكاز ، فكم بلورة * تحتاج في كل ليلة ؟ "
                  التفت إلى زوجه الغارقة في نوم عميق إلى جانبه ، فوخزها أكثر من مرة حتى جعلتها تلتف حول نفسها مذعورة وهي تقول :
                  ـ اللهم ! اجعله خيراً ... مالك يا رجل !
                  ـ خطر على بالي خاطر .
                  ـ خاطر !
                  ـ عصر زيت الكاز ولى ، اليوم نحن في عصر المازوت .. يا ترى ! لو كانت النجوم تعمل على المازوت ، فكم برميل أمريكي تحتاج كل ليلة ؟
                  ـ رح اسأل جدك .
                  الأربعاء 21 تشرين الأول 2009

                  ـــــــــــــــــــــــ
                  * وعاء مخروطي سعته / 5 / ليترات
                  ( 7 )
                  ســــــارق
                  تأفف صاحب الرفعة والعظمة ، واشتكى رأسه وظَهْرَهُ من الزمن الذي سرق الهدوء والسكينة من حياته ، وجعل الرعاع من الرعية يتمردون ؛ فتوترت أعصاب صاحب العسس ، وجحظت عينا كبير البصاصين ، ثم تحركا بسرعة البرق ، حيث أصدرا تعليمات مشددة لأتباعهم بإلقاء القبض على المسبب فوراً ، وإحضاره موجوداً .
                  الأحـــد 25 تشرين الأول 2009

                  تعليق

                  يعمل...