الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

أدب الرحـــــــلة ...

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أبو شامة المغربي
    السندباد
    • Feb 2006
    • 16639


    رد: أدب الرحـــــــلة ...



    مدخل إلى

    (العجائبية في أدب الرحلات)



    الدكتور يوسف وغليسي
    يبدو أنّ المنْجَز الإبداعي العربي في أدب الرحلة لم يحقّق من التراكم النصوصي ما يسمحُ باتخاذه مادة للفعل النقدي، لذلك قلّ حضور دراسات جادة من هذا النوع في النقد العربي بَلْهَ الجزائري؛ فإذا ما استثنينا الجهد الواضح الذي بذَلَهُ الدكتور عمر بن قينة في كتابيه: (اتجاهات الرحالين الجزائريين في الرحلة العربية الحديثة ) و(الشكل والصورة في الرحلة الجزائرية الحديثة)، الصادريْن سنة 1995، والتفتنا إلى غيره، فإننا لا نكاد نرى إلاَّ الخَلاَء !.
    في هذه المفازة الخالية ، ووسط هذا الفراغ العلمي الرهيب ، تشقُّّ الباحثة الجزائرية الجادّة الواعدة (الخامسة علاوي) طريقها الشاق إلى أدب الرحلات (أو الأدب الجغرافي كما يسميه المستشرق الروسي اغناطيوس كراتشكوفسكي، أو الأدب السياحي كما سمّاه – مؤخرا – الناقد الجزائري الكبير عبد الله الركيبي في رحلة علمية عسيرة، تعْتوِرها عقباتٌ كأْداء، شاقة المصْعد ، صعْبةُ المرتقى، مادتُها (الرحلة الأدبية)، وموضوعُها(العجائبية): أحلاهما مُرّ، وأَسْهلُهما صعْب؛ فكلاهما مُرْدَفٌ بعشرات علامات الاستفهام والتعجب في ذاكرة المتلقي … من هنا، وضمن هذا السياق، يكتسي كتاب (العجائبية في أدب الرحلات) قيمة نوعية عالية في المسار الثقافي الجزائري خصوصا، والعربي عموما.
    صدر الكتاب عن منشورات جامعة قسنطينة، سنة 2006، في 220 صفحة وينبني على مدخل ثلاثة فصول، يتقصى المدخل أدب الرحلات مفهوما وتجنيسا، بينما يحيط الفصل الأول بجملة من المفاهيم النظرية المتعلقة بالأدب العجائبي (العجائبية لغة، العجيب في التراث العربي، العجيب في الثقافة الغربية، الحدود المتاخمة للعجيب والغريب عند تودوروف، ترجمة المصطلح، المجالات القريبة من العجائبي)، أما الفصل الثاني فيتعلق بالبنية العجائبية في النصوص الرحلية القديمة؛ حيث يتقصى تمظهرات العجائبية في بعض النصوص السردية القديمة، لينتقل إلى البنية السردية في الرحلات ثم يختتم بإشكالية تلقي العجائبي وتجليات المتخيل في المحكي العجائبي.
    وأما الفصل الأخير فيرمي بثقله المعرفي التحليلي النقدي في أعماق رحلة عربية استثنائية (تاريخيا وفنيا)، هي رحلة أحمد بن فضلان إلى بلاد الترك والروس والصقالبة، عبْر التوغّل في مكنونها العجائبي توغّلا لا يغفل الإحاطة التاريخية بالرحلة والرحّالة، والوقوف عند خصائص عصر الرحالة ودواعي السرد العجائبي، مع وقفة تحليلية مطوّلة عند البنية العجائبية للرحلة، تنتهي عند الوصف العجائبي ووظائفه.
    وكلّ ذلك بآليات نقدية علمية صارمة ولغة شائقة ممتعة … لقد اهتدت صاحبة هذا الكتاب إلى موضوع في غاية الأهمية والطرافة، لأنّ الموضوع العجائبي كان قاسما مشتركا بين مجموعة من الرحلات العربية القديمة (التي آثرتْه واحتفتْ به، ولم تجدْ من الدارسين مَنْ يحتفي بها قبل ظهور "الفونتاستيك" الغربي، والتي لو قرأها تزفيتان تودوروف لأعاد النظر في بعض فصول كتابه:( مدخل إلى الأدب العجائبي).
    لعلّ عناوين مجمل تلك النصوص أن تشير إلى عجيب أو غريب:
    (عجائب البلدان) لأبي دُلَف الينبوعي (305- 385هـ).
    (المعرب عن بعض عجائب المغرب) لأبي حامد الغرناطي (473- 565هـ).
    (تحفة الألباب ونخبة الإعجاب) للغرناطي كذلك.
    (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) للقزويني (605- 682هـ).
    (خريدة العجائب وفريدة الغرائب) لابن الوردي (ت 749هـ).
    (تحفة النظّار وغرائب الأمصار وعجائب الأسفار) لابن بطوطة (703-776هـ)..

    كما ركّزت الكاتبة كتابها على عصْرٍ عجائبيّ السّمات، هو القرن الرابع الهجري الذي تدلّنا أحداثه التاريخية على أنه قد حدث فيه ما يدعو إلى العجب؛ فقد وَلَدَتْ بَغْلةٌ فِلْوًا (جحْشًا)! سنة 300هـ، ووقع الخوف من حـيوان (الزَّبْزَب) الـذي كان يُرى بالسطـوح، سنة 304هـ، فكان يأكل الأطفال ويقطع أثداء النساء!، وفي سنة314هـ جمدت مياه دجلة بالموصل، وعبرت عليها الدواب في سابقة غير معهودة!…
    إنّ منطلق رحلة ابن فضلان (الموضوع المركزي للكتاب) يَشي – أصلا – بشيء من العجائبية؛ وذلك أن مَلِك الصقالبة يطلب مساعدة مالية من الخليفة العباسي المقتدر، هو غنيٌّ عنها في الأصل؛ إذ يطلب مالا لبناء حصْن يحميه من اليهود الخزر، وهو يملك أضعَاف ذلك المال! فكأنّ المرادَ هو برَكة الخليفة المسلم لا أمواله؛ يقول الملك: ".. فوالله إني لبمكاني البعيد الذي تراني فيه وإنّي لخائفٌ من مولايَ أمير المؤمنين ، وذلك أني أخاف أن يَبلُغَه عنّي شيء يكرهه ، فيدعو عليَّ فأَهلِك بمكاني وهو في مملكته وبيني وبينه البلدان الشاسعة "، ثم يضيف: "ولو أني أردتُ أن أبني حصْنا من أموالي من فضة أو ذهب لما تعذّر عليّ، وإنما تبركتُ بمال أمير المؤمنين فسألتّه ذلك"!…
    ممّا يُحسَب للباحثة، في كتابها هذا، أنها رمتْ بثقلها العلمي في رحلة إشكالية قديمة مكتنفة بغموض تاريخي كبير كغموض تاريخ صاحبها الذي لا تعرف عنه المصادر التاريخية أكثر منه أنه "أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد، مولى القائد العباسي محمد بن سلمان، وسفير الخليفة المقتدر إلى بلاد الترك والروس والصقالبة" دون أن تقوى حتىّ على تحديد سنة ميلاده أو وفاته، ومن أراد أن يفعل أكثر من ذلك، كعمر رضا كحالة في "معجم المؤلفين :1/220"، قال:"… كان حيـًّا سنة 309هـ-921م"!، وكلّ من يَعرف أنّ هذه الرحلة قد حدثت سنة 309هـ، لا يملك إلاّ أن يضحك بصوت عالٍ من تحصيل الحاصل هذا، لأنّه لا يعقل أن يقوم شخص ميِّتٌ بمثل تلك الرحلة الدنيوية!...
    إننا نتساءل: إذا كان أحمد بن فضلان فقيها عارفا ومجادِلاً مقْنعا وكاتبا متمكنا (على نحو ما تبرزه اللغة الإبداعية الفنية العالية التي كتب بها رحلته)، إلى درجة تأهيله لقيادة وفد حضاري بهذا الحجم، في رحلة تاريخية على هذا المستوى ، فلماذا غيَّبته المصادر التاريخية إلى هذا الحد ؟! ولماذا لا نجد ذكرا لهذه الرحلة العظيمة في (تاريخ بغداد) أو(تاريخ الخلفاء) أو غيرها من أمهات الكتب التاريخية؟! لماذا يعْقد السيوطي مَسَارد لأشهر الأموات في عهد كل خليفة ضمن (تاريخ الخلفاء) لا نجد فيها إيماءً إلى ابن فضلان ؟! لماذا يثني ياقوت الحموي على ابن فضلان، في (معجم البلدان)، ويأخذ عنه ، ويصف رحلته بالقصة المشهورة، ثم يسقطه من (معجم الأدباء) المؤلَّف بعد (معجم البلدان)، ولا يذكره حتى في "طبقة الموالي"؟! ولماذا لا يُشار إلى ابن فضلان – قطعا – خارج الحديث عن ذلك الوفد المرسَل إلى بلاد الروس والصقالبة؟! أليس من الحيْف على ابن فضلان ، والجوْر على رحلته، أن يغمط حقّه عربيا في وقت تعده روسيا والدول الاسكندنافية جزء من تاريخها القديم ؟!…
    لعلّ هذا ما تريد أن تقوله الخامسة علاوي في كتابها هذا الذي ينفرد بإعادة النظر في جملة من المسلمات الأدبية المتعلقة بالرحلة والرحالة وبأدب الرحلة عموما، بل يطرح رؤى بديلة وينافح عن أفكار جديدة، ذلك أنّ الباحثة تخوض خوضا جريئا في جنسية أدب الرحلة، وتحاول أن تبحث عن موقع له ضمن نظام الأجناس الأدبية: هل هو قصة أو رواية أو سيرة ذاتية ؟ أو هو البديل العربي للقصة والرواية في أوروبا ، كما يرى فؤاد قنديل في كتابه (أدب الرحلة في التراث العربي)؟ لتنتهي إلى أنه "ملتقى الفنون"؛ فهو نمط خاص غير مستقل بنفسه ، بل شكل متقدم مما يعْرف اليوم بتداخل الأجناس الأدبية، أو "الكتابة ضد التجنيس" كما يسميها معجب الزهراني …
    كما أنها تدْلي برأي نقدي شُجَاع يقضي بإخراج الرحلة الخيالية من حظيرة أدب الرحلة وتُعيد التأريخ لأدبية الرحلة بالقرن الرابع الهجري (مع ابن فضلان الذي قال عنه محقق رحلته سامي الدهان إنه: لا يبتعد عن أسلوب الأديب، ولا يتقرّب من أسلوب الجغرافي، وليس القرن السادس كما جرت العادة؛ إذ إنّ المبحث العجائبي في أدب الرحلة لم يقترن بابن فضلان بقدْر ما اقترن بالغرناطي وابن بطوطة … وفي رأي جريءٍ آخر (قد يكون محض تخمين!) تقول الباحثة بفارسية ابن فضلان!، الذي لا نعرف عنه – في الأصل – أكثر من أنه موْلَى؛ وحجتها في ذلك أنّ الفضاء الإيراني لم يُثِره ولم يصفه في الرحلة، وهي ملاحظة كان الدكتور عبد الله إبراهيم قد أومأ إليها في كتابه (المركزية الإسلامية)، لكنه لم يجرؤ على الوصول إلى تلك النتيجة، بل اكتفى باندهاشه من أنّ "ابن فضلان يخترق العالم الإيراني دون أن يُبـدي تطلعـات استكشافية، لا يستوقفه منه شيء إلى أن يبلغ تخومه الشمالية الشرقية في بخارى…"(ص102).
    لم يحسم التاريخ – بعْدُ – في الجواب عن سؤال: إلى أين وصل ابن فضلان؟ وعلى أي طريق عاد إلى بغداد ؟!، لكنّ كتاب الخامسة علاوي متحمس جدا لإمكانية أن يكون طريق العودة هو نفسه طريق الذهاب، ولذلك فإنّ الرحالة لم يكن بحاجة إلى وصف ما جرى في طريق العودة، لانّ همه الأصلي ليس كتابة رحلة وإنما قيادة وفد، وإذن فالرجوع لا يحتاج إلى تدوين، بل إنّ الورقة أو الورقتين الضائعتين من الرحلة كافيتان لتلخيص ذلك، وهذا تفكير منطقي – في تقديري – من شأنه أن يضع حدا لإشكالية العودة ومسألة الصفحات القليلة الضائعة من مخطوط الرحلة في وقت واحد.
    ومن جهة أخرى فإن الباحثة تنكر المسار الاسكندنافي للرحلة، الذي يثبته آخرون كحيدرمحمد غيبة وعبد الله إبراهيم، اعتمادا على رواية (أكلة الموتى) لمخائيل كريكطون، وقد أُتيحَ لي – ذات لقاءٍ علمي حميم – أن أناقش الدكتور عبد الله إبراهيم في هذه المسألة ومسألة أخرى موصولة بها هي صورة ابن فضلان لدى الآخر، فأصرّ على تاريخية الرحلة إلى النرويج تحديدا (رغم أن النرويج لم تكن مبرمجة في الرحلة، ورغم أنّ رحلة ابن فضلان ليست رحلة تلقائية سياحية بل هي "رحلة تكليفية "باصطلاح حسين محمد فهيم في كتابه" أدب الرحلات")، وحجة عبد الله إبراهيم الوحيدة هي أنّ النرويجيين - اليوم - يعدّون رحلة ابن فضلان جزءً من تاريخهم ، كما هي حال الروس المعاصرين الذين لا يعرفون أن أجدادهم كانوا يحرقون أمواتهم- على طريقة الهنود- إلا من خلال رحلة ابن فضلان !…
    وفي مسألة موصولة بما سبق، ترفض الباحثة صورة ابن فضلان كما رسمتْها الأدبيات الأمريكية (كريكطون) وحوَّلتها إلى فيلمٍ شهير(كان العربي الأمريكي عمر الشريف بطلا له!)، هنا اختلفتُ مع عبد الله إبراهيم ثانية وسألته عن مدى مصداقية استخلاص الحقيقة التاريخية من رواية خيالية ذات مادة تاريخية (كرواية "أكلة الموتى")، فأجابني بأنّ الفراغ أو الجزء الضائع من رحلة ابن فضلان قد عُوِّض بمتخيل كريكطون !؛ فكأنّه يعترف بخيالية تلك الصورة لكنّه أثبتها في كتابه(المركزية الإسلامية – صورة الآخر في المخيال الإسلامي خلال القرون الوسطى)، من باب معرفة صورتنا في نظر الآخر، ليس إلا …
    وإلا فمن يصدّق أنّ ابن فضلان المرشد الديني، الفقيه، معلم الشرائع، سيصبح – في الرواية الأمريكية - مغنيا يتغنى بالقرآن وهو سكران – في محلّ يغصّ بالسكارى – حتى يفقد وعيه!، يشرب النبيذ ويشكر الله !، يُمارس المحرّمات مع الاسكندنافيات! وهو الفقيه الغيور على دينه الذي ظلّ يحارب الاختلاط ويجتهد -كما قال في الرحلة - أن يستتر النساء من الرجال أثناء السباحة في النهر لدى الصقالبة؟! هل يُعقَل أن يَأتي في آخر الرحلة ما كان ينهى عنه في مطلعها؟ وإذا سلمنا – جدلا – بأنّه فعل ذلك ، ألم يكن يخشى أن يبلغ الخليفة ذلك؟ وهل يُعقَل أن يسكت الخليفةُ المقتدر عنه، وهو الذي صلب الحلاَّجَ وقتله ونكَّل به لمجرد أنه تفوَّه ببعض الشطحات الصوفية ؟!…
    إنّ وعْيَ صاحبة (العجائبية في أدب الرحلات) بمجمل هذه الاستفهامات التاريخية والفكرية الحادة قد انعكس على كتابها بالوضوح في الشخصية، والتميز في الطرح، وعدم الاستسلام لما سلَّم السابقون به، وقد ساعدها على ذلك الكم الهائل من المصادر والمراجع المتنوعة التي أتاحت لها الإحاطة بموضوعها من شتى الجوانب ،و النظر إلى الجانب الواحد من زوايا مختلفة ، فكان هذا الكتاب كشفا جديدا في عالم (أدب الرحلة) الذي سيظل دائما في حاجة إلى كشف..
    هذه بعض ثمار الرحلة العلمية الأولى، في حياة الباحثة الخامسة علاوي، وثمار الرحلات القادمات خيْرٌ وأحْلى وأغْنى وأغْلى إن شاء الله.
    المصدر

    حياكم الله

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

    تعليق

    • أبو شامة المغربي
      السندباد
      • Feb 2006
      • 16639


      رد: أدب الرحـــــــلة ...





      الرحلة الأدبية والإشباع النفسي
      الخامسة علاوي بنت عمار
      عرف الانسان الرحلة منذ القدم لأنّه جُبل على حب التنقل والحركة، هذه الأخيرة التي تُعدّ روح الحياة وسمة أساسية في التركيب الجسدي والنفسي للإنسان، وقد هيأه الله لها وجعلها إمكانية ضرورية لحياته، وهي تتسق مع الهدف والغاية التي خُلق من أجلها وهي تعمير الأرض وعبادة الله عز ّوجلّ [1] .
      ولما كانت الرحلة نقلة في الزمان إذا كانت بالفكر أو الخيال، ونقلة في المكان إذا كانت الرحلة حقيقية فإنها تعمد الى إشباع العديد من الحاجات لدى الرحالة سواء أكانت هذه الحاجات إدراكية أم معرفية أم روحية مما يؤدي الى تخفيض حدة التوتر وحلول الاتزان والتخلص من القلق الذي يهدد السلامة الداخلية للفرد.
      ولما كانت الرحلة أيضا سلوكا هادفا فإنها محكومة بمثيرات داخلية تحرك هذا السلوك وتوجهه، وهي ما يُعرف عادة عند علماء النفس بالدوافع التي رغم تنوعها "تتفق بصفة عامة في مصدرها وهدفها، فمصدر الدافع هو حالة عدم الارتياح، وتوتر يشعر بها الانسان، وهدفه هو التقليل من التوتر الذي يشعر به الفرد والوصول الى حالة الاتزان" [2] والاستقرار التي يصبو اليها كل فرد سوي، مع العلم أنّ "الدافع لا يتحرك إلا حين يشعر المرء بتهديد أو خطر" [3]، فالدوافع إذا قوى انفعالية تحرك نشاط الانسان وتوجهه نحو هدف معين.
      وقد ميّز علماء النفس السلوك الذي يكمن وراءه الدافع أو عدد من الدوافع بصفات [4] نستطيع من خلالها أن نستدل على درجة الدافعية(قوة الدافع)، يمكن رصدها فيما يلي:
      1- الطاقة المبذولة :إذ كلما ازدادت كمية الطاقة التي يبذلها الفرد في سلوكه ،كلما كان ذلك دليلا على قوة الدافع الذي يحرك هذا السلوك.
      2- الاستمرار أو الإصرار: فكلما قوى الدافع واشتد، ازدادت كمية الطاقة المولدة، وازداد إصرار الفرد على الوصول الى الهدف.
      3- التنوع: كلما اشتدت الدافعية كلما نوع الفرد في الوسائل المحققة للهدف، "فتنوع السلوك المبذول هو دالة جزئية على قوة الدافعية " [5].
      فالرحالة بقدر توقه الى الترحال وقوة تحمله مصارعة المجاهيل وإصراره على اختراق الآفاق البعيدة، بقدر ماهو محكوم بجملة من الدوافع والحاجات بوصفه كيانا متعدد الأبعاد؛ فهو يمتلك بعدا بيولوجيا وآخر نفسيا، وآخر اجتماعيا، ولكي يتمتع الرحالة بحياة مستقرة هادئة في ظل علاقات اجتماعية منظمة لابد أن يحقق الحاجات المشْبعة لكل بعد من هذه الأبعاد الثلاثة جملة وتفصيلا. ولمزيد من الفائدة نحاول أن نفيد من علم النفس للوقوف على جملة الحاجات بأنواعها مع عدم إهمال درجة الدافعية.
      تنوع الحاجة ودرجة الدافعية:
      قسم موراي الحاجات الى حاجات ظاهرة صريحة وأخرى كامنة مكبوتة تعني "الحاجات التي لا تعبر عن نفسها إلا في تعبيرات ذاتية تخييلية أو تعبيرات شبه موضوعية كالخطط والتداعيات ومن أمثلتها:
      1- المعرفة: وهي الرغبة في التفحص، ويمكن أن تظهر في حاجات الشخص للاستكشاف وحب الاستطلاع والقراءة والمعرفة بكل سبلها ، بما في ذلك الرحلة التي تعد من أهم الوسائل المعرفية القديمة والحديثة، لما للرحالة فيها من حرية في الاحتكاك بثقافات وعادات وتقاليد البلدان المزارة، ولما فيها من استكناه واستنطاق للآخر البعيد جغرافيا.
      2- السيطرة: أو ما يعرف بالرغبة في القوة المطلقة ويمكن أن تظهر في حاجة الشخص للتأثير على الآخرين أو قيادة أفراد الجماعة وتنظيم سلوكهم.
      أما الحاجات الظاهرة فيمكن أن نمثل لها بالإنجاز الذي يعني أن نحقق شيئا صعبا في أكبر سرعة ممكنة وبأكبر قدر من الاستقلال الذاتي متغلبا على كل العقبات التي تواجهك وهنا نود الإشارة الى أنه "كلمـا ازداد الدافع كلمــــا ازدادت حركـيته وحساسيته " [6]، بمعنى أنّه "كلما قوي الدافع واشتد ،كلما ازدادت كمية الطاقة المولدة، كلما ازداد إصرار الفرد على الوصول الى هدفه " [7].
      ولما كانت الرحلة في حد ذاتها إنجازا وخاصة إذا كانت فردية، فإنه لا يهم فيها لحظة الانطلاق أو مكان الوصول بقدر ما يهم فيها ما يؤدي إليه الوصول من الإشباع وتحقيق الذات، هذه الغاية الأخيرة التي يرى ماسلو [8] أنها من الحاجات التي لا يمكن إشباعها على الإطلاق ، ذلك أنها كلما أُشبعت كلما ازدادت نشاطا وإلحاحا وبالتالي تغذي ذاتها بذاتها، وهو ما يفسر توق الرحالة الى المزيد من التجارب الرحلية كلما كانت رحلته أصعب وأشق، ولعل خير مثال نمثل به في هذا المقام هو الرحالة ابن بطوطة أو "أمير الرحالين" كما حلا لجمعية كمبردج أن تلقبه في كتبها وأطالسها، إذ رغم الصعوبات والعراقيل التي واجهها الرحالة أثناء رحلته الأولى لانعدام الأمن وعدم توفر وسائل النقل المتطورة ،إلا أنّّ ذلك لم يحد من رغبته الملحة الكامنة في نفسه لشد عصا الترحال الى مناطق أكثر غورا في عالم الآخر البعيد، عبر رحلاته الثلاث كما هو معروف.
      وقد صرح ابن بطوطة في مطلع كتابه عن دوافعه الحقيقية التي جعلته يؤثر السفر والتنقل على المكوث في مكان بعينه إذ يقول: "كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر رجب الفرد عام 725هـ معتمدا حج بيت الله وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ، منفردا عن رفيق آنس بصحبته، وركب أكون في جملته، لباعث على النفس شديد العزائم وشوق الى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم" [9]، فإذا كان الرحالة قد أفاد في هذا التصريح أنّ دافع الخروج الرئيس روحي بالدرجة الأولى، فإن ذلك لا يمنع البتة من وجود دافع آخر وسمه بالنفسي لم يفصح عنه بذاته وإنما أفصح عنه حسين مؤنس حين أجمل دوافع الرحالة في ظاهرة الشوق الى رؤية الدنيا والناس [10].
      ولو تقرينا خبر كبار الرحالة في أدبنا الجغرافي لوجدنا أن ظاهرة الشوق الى رؤية الدنيا والناس كانت الدافع الأساس عند أكثرهم فهذا المسعودي صاحب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) يُقرّ بأنّه خُلق مولعا بالتنقل والمغامرة والتجربة ومعرفة أحوال الناس، مؤمنا إيمانا جازما أن "ليس من لزم جهة وطنه وقنع بما نمي إليه من الأخبار من إقليمه كمن قسم عمره على الأقطار، ووزع بين أيامه تقاذف الأسفار واستخراج كل دقيق من معدنه، وإثارة كل نفيس من مكمنه" [11] فالرحلات العربية وغير العربية كانت لها دوافعها التي تحركها وبواعثها التي توجدها، وقد تعددت هذه البواعث وتلك الدوافع من رحالة الى آخر، فمن مسافر لتحقيق رغبة نفسية، الى مسافر هربا من أوضاع لم يتحمل العيش في ظلها - كمدام دي ستال التي خرجت من فرنسا الى ألمانيا هربا من اضطهادات نابليون لها، فكان كتابها "من ألمانيا" بمثابة طريد ينشد ملاذا في عالم مثالي - الى مسافر في بعثة دبلوماسية أو علمية أو تعليمية كخير الدين التونسي ورفاعة رافع الطهطاوي وابن فضلان على التوالي كل بحسب طبيعة رحلته.
      وقد أثبتت جل هذه الرحلات أنّ الرحلة بماهي تجربة تمكن الرحالة من التخلص من مختلف التوترات الانفعالية و تجنبه ألوانا من الصراعات الناجمة عن تفاعل الفرد مع بيئته، وهذه الصراعات التي تهدد سلامته وأمنه الداخليين لأن ما يهدد أمن الفرد قد يكوّن خطرا داخليا متمثلا في القلق والصراع ،كما يمكن أن يتعدى مداه الفرد الى المجتمع فيصبح خطرا خارجيا.
      الرحلة والنشاطات النفسية
      أولا: الرحلة والتخييل: الرحلة وسيلة لإشباع حاجات الانسان الروحية (إذا كانت رحلات حجية)، وحاجته لمعرفة خبايا العالم المحيط به لاستنطاق مكنوناته (إذا كانت رحلات استكشافية)، وهي لا تقف عند هذا الحد؛ إذ تؤثر على القائم بها فتسمح له أن يحقق ذاته، ليخرج من حالة الكمون التي يحياها، وبمقدار ما يحقق خلالها من إشباع يتحدد اتزانه وصحته وسعادته، ولعل أكثر ما يكون ذلك واضحا في الرحلات الخيالية باعتبارها "الانتقال المتخيل الذي يقوم به الأديب عبر الحلم أو الخيال الى عالم بعيد عن عالمه الواقعي ليطرح في هذا العالم رؤاه وأحلامه التي لم تتحقق في دنيا الواقع" [12] وربما كان من أبرز مظاهر هذه الرحلات الخيالية الرحلات الباطنية التي يقوم بها بعض الصوفية والتي "تتطلب تجربة معيشة على المستوى الواقعي، وأخرى ذهنية لعالم متخيل، يجنح الى صوغ أفكار وتأملات معينة تتماس مع المقولات والتصورات الصوفية والفلسفية والدينية التي ترسم رحلة النفس في بحثها عن عالم آخر يكون بديلا عن الواقع وصولا الى المطلق واليقين" [13] حيث يجد فيها الرحالة نفسه متحررا من أسر العالم الخارجي وبذلك تتحقق له مطالب اللذة التي يسعى اليها شقه الحيواني، ومطالب الحكمة التي يسعى اليها شقه الإنساني، مما يجعلنا نعدّ الرحلات الخيالية بمثابة أحلام اليقظة التي يعرفها فرويد بأنها عدول التخيلات، لأنها تتشكل للتعبير عن رغبات مكبوتة تتميز بالذاتية والنرجسية لا يمكن لأي مجال أن يضمن لها الستر وعدم الكشف إلا الحلم.
      والرحلة أيضا بوصفها "إحدى البنيات التخييلية الأكثر التصاقا بمدارات الكتابة الروائية في الأدب الإنساني قديمه وحديثه" [14] يمكن عدّها من صميم الأعمال الفنية التي عرّفها فرويد بأنها " إشباع خيالي لرغبات لا شعورية شأنها شأن الأحلام وهي مثلها محاولات توفيق، حيث إنها بدورها تجتهد كي تتفادى أي صراع مكشوف مع قوى الكبت " [15]، وكما يسعى الإبداع لإحداث التوازن كذلك تفعل الرحلة التي يسعى صاحبها الى إشباع فضوله وتحقيق ذاته و إرواء حاجاته النفسية المختلفة، وإن كان ذلك لا يكون بصورة تامة، ولعله في الإمكان تشبيه فضول الرحالة لارتياد الآفاق واختراق المجهول، بحاجة الطفل للمعرفة التي لا يمكن إشباعها، فهي تدفعه باستمرار لأن يعيد ترتيب أفكاره وفق النموذج الأكثر معقولية لأنه يبتغي الاطلاع على تحديات المستقبل، كذلك الرحالة يبتغي الاطلاع على تحديات الأماكن الأجنبية وما تحمله معها من مفارقات على مستويات متعددة.
      ثانيا: الرحلة والتسامي: "الإعلاء أو التسامي عملية عفوية، ولكن الحاجة اليها تكون شعورية على الرغم من أنّ هذه العملية قد تبدأ في بعض الأحيان قبل أن يشعر بها المرء بوقت مديد" [16]، وقد عرفه فرويد بوصفه القدرة على تبديل الهدف الجنسي الأساسي بهدف آخر غير جنسي، كحب الاستطلاع والبحث مثلا ، بحيث يصبح البحث قهريا بديلا للنشاط الجنسي، وكأن هذه العملية تقوم على تغيير الموضوع بالنسبة للغريزة وتحويل الطاقة المتصلة بالرغبات والدوافع الممنوعة (كالرغبات العدوانية والجنسية المحرمة) الى توجيهات اجتماعية وثقافية وأخلاقية وفنية سامية ونافعة، ولأجل ذلك يُعدّ التسامي أو التصعيد من العمليات الواقية من المرض النفسي الذي يدفع إليه الحرمان عادة.
      ولعلنا في هذا المقام نرشح الرحالة جيرار دي نرفال كأحسن ممثل لهذا المبدأ؛ إذ بعد فقده لحبيبته جين كولون التي أحبّها حتى العبادة حمل عصا الترحال متجها إلى الشرق، بل الى مصر بالذات التي كان ظل يحلم بزيارتها، وعنها كان كتابه الموسوم بـ"رحلة الى الشرق" .
      وقد ولع نرفال بطبيعة الشرق الجميلة ومناظره العجيبة وشمسه الوضاءة المشرقة، وليس هو أول المولوعين بالشرق وطبيعته الساحرة الفاتنة، ولكنه واحد من الرحالة الرومنتكيين الذين شدوا الرحال إلى الشرق بحثا عن أسمى المواد والصور الرومنتيكية كما يقول فريدريش شليجل.
      فنرفال برحلته الى الشرق قد حوّّل رغباته المكبوتة الى حب للاستطلاع والبحث لتحقيق حلم لطالما راوده، فالتسامي من الوجهة النفسية هو العملية المباشرة للإبداع الفني الذي ارتقى إليه نرفال، لقد كانت رحلته بالفعل علاجا نافعا لأنه استرد في هذا الشرق البعيد ثقته بنفسه وبالحياة، وانتصر مؤقتا على شبح الجنون الذي كان يطارده.
      حواشي

      [1] فؤاد قنديل: أدب الرحلة في التراث العربي، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة، 2002، ص17
      [2] عبد السلام عبد الغفار: مقدمة في علم النفس العام ، دار النهضة العربية، بيروت، ط2، ص137
      [3] جيروم كاغار: أطفالنا كيف نفهمهم، ترجمة: عبد الكريم ناصف، دار الجيل: 1997، ص 180.
      [4] عبد السلام عبد الغفار، المرجع السابق، ص 137.
      [5] مقدمة في علم النفس العام، م.س، ص138.
      [6] نفسه، ص136
      [7] نفسه، ص137
      [8] رتب ماسلو الحاجات بأبعادها الثلاثة الى شكل هرمي وذلك على أساس أهميتها ودرجة الحاجة في الإشباع، حيث جعل الحاجات الفسيولوجية في قاعدة الهرم وحاجات تحقيق الذات في القمة، بينما تقع الحاجات المتعلقة بالأمان والحب والأمن بين هاتين، مؤكدا أنّ هذه الحاجات ترافقها انفعالات على شكل توتر مميز يزول بالإشباع ومنه يحصل الاتزان الداخلي الذي أخلّ به وجود الحاجة، ويكون الإشباع حقيقيا أو خياليا. راجع: مقدمة في علم النفس العام، م.س.، ص148 - 150.
      [9] ابن بطوطة: رحلة ابن بطوطة - المسماة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار- مر. درويش الجويدي، المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 2003، ص 20.
      [10] حسين مؤنس: ابن بطوطة ورحلاته - تحقيق ودراسة وتحليل، دار المعارف، القاهرة، دت، ص18.
      [11] المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، ت. محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر، ط4، 1964،ج1، ص9.
      [12] محمد الصالح السليمان: الرحلات الخيالية في الشعر العربي الحديث، منشورات اتحاد الكتاب العرب، المغرب، 2000، ص19.
      [13] فحي عامر: قراءة في كتاب الرحلة في الأدب العربي - التجنيس وآليات الكتابة وخطاب المتخيل، متاح على الشبكة [15/9/ 2004].
      [14] علي كابوس، عبد العلي اليزمي: كتابة الرحلة ورحلة الكتابة - قراءة في الطريق السيار ل ح. لحميداني، مجلة علامات، العدد 15، 2001، متاح على موقع سعيد بن كراد
      [15] سغموند فرويد: حياتي والتحليل النفسي، ترجمة: مصطفى زيور، وعبد المنعم المليجي، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1967، ص73.
      [16] سار جنت: علم النفس الحديث ، سلسلة الشريط الحريري، ترجمة: منير البعلبكي، دار الملايين، بيروت، 1997، ص73.
      المصدر

      حياكم الله

      د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
      aghanime@hotmail.com

      تعليق

      • أبو شامة المغربي
        السندباد
        • Feb 2006
        • 16639


        رد: أدب الرحـــــــلة ...





        الرحلة الأدبية والإشباع النفسي
        الخامسة علاوي بنت عمار
        عرف الانسان الرحلة منذ القدم لأنّه جُبل على حب التنقل والحركة، هذه الأخيرة التي تُعدّ روح الحياة وسمة أساسية في التركيب الجسدي والنفسي للإنسان، وقد هيأه الله لها وجعلها إمكانية ضرورية لحياته، وهي تتسق مع الهدف والغاية التي خُلق من أجلها وهي تعمير الأرض وعبادة الله عز ّوجلّ [1] .
        ولما كانت الرحلة نقلة في الزمان إذا كانت بالفكر أو الخيال، ونقلة في المكان إذا كانت الرحلة حقيقية فإنها تعمد الى إشباع العديد من الحاجات لدى الرحالة سواء أكانت هذه الحاجات إدراكية أم معرفية أم روحية مما يؤدي الى تخفيض حدة التوتر وحلول الاتزان والتخلص من القلق الذي يهدد السلامة الداخلية للفرد.
        ولما كانت الرحلة أيضا سلوكا هادفا فإنها محكومة بمثيرات داخلية تحرك هذا السلوك وتوجهه، وهي ما يُعرف عادة عند علماء النفس بالدوافع التي رغم تنوعها "تتفق بصفة عامة في مصدرها وهدفها، فمصدر الدافع هو حالة عدم الارتياح، وتوتر يشعر بها الانسان، وهدفه هو التقليل من التوتر الذي يشعر به الفرد والوصول الى حالة الاتزان" [2] والاستقرار التي يصبو اليها كل فرد سوي، مع العلم أنّ "الدافع لا يتحرك إلا حين يشعر المرء بتهديد أو خطر" [3]، فالدوافع إذا قوى انفعالية تحرك نشاط الانسان وتوجهه نحو هدف معين.
        وقد ميّز علماء النفس السلوك الذي يكمن وراءه الدافع أو عدد من الدوافع بصفات [4] نستطيع من خلالها أن نستدل على درجة الدافعية(قوة الدافع)، يمكن رصدها فيما يلي:
        1- الطاقة المبذولة :إذ كلما ازدادت كمية الطاقة التي يبذلها الفرد في سلوكه ،كلما كان ذلك دليلا على قوة الدافع الذي يحرك هذا السلوك.
        2- الاستمرار أو الإصرار: فكلما قوى الدافع واشتد، ازدادت كمية الطاقة المولدة، وازداد إصرار الفرد على الوصول الى الهدف.
        3- التنوع: كلما اشتدت الدافعية كلما نوع الفرد في الوسائل المحققة للهدف، "فتنوع السلوك المبذول هو دالة جزئية على قوة الدافعية " [5].
        فالرحالة بقدر توقه الى الترحال وقوة تحمله مصارعة المجاهيل وإصراره على اختراق الآفاق البعيدة، بقدر ماهو محكوم بجملة من الدوافع والحاجات بوصفه كيانا متعدد الأبعاد؛ فهو يمتلك بعدا بيولوجيا وآخر نفسيا، وآخر اجتماعيا، ولكي يتمتع الرحالة بحياة مستقرة هادئة في ظل علاقات اجتماعية منظمة لابد أن يحقق الحاجات المشْبعة لكل بعد من هذه الأبعاد الثلاثة جملة وتفصيلا. ولمزيد من الفائدة نحاول أن نفيد من علم النفس للوقوف على جملة الحاجات بأنواعها مع عدم إهمال درجة الدافعية.
        تنوع الحاجة ودرجة الدافعية:
        قسم موراي الحاجات الى حاجات ظاهرة صريحة وأخرى كامنة مكبوتة تعني "الحاجات التي لا تعبر عن نفسها إلا في تعبيرات ذاتية تخييلية أو تعبيرات شبه موضوعية كالخطط والتداعيات ومن أمثلتها:
        1- المعرفة: وهي الرغبة في التفحص، ويمكن أن تظهر في حاجات الشخص للاستكشاف وحب الاستطلاع والقراءة والمعرفة بكل سبلها ، بما في ذلك الرحلة التي تعد من أهم الوسائل المعرفية القديمة والحديثة، لما للرحالة فيها من حرية في الاحتكاك بثقافات وعادات وتقاليد البلدان المزارة، ولما فيها من استكناه واستنطاق للآخر البعيد جغرافيا.
        2- السيطرة: أو ما يعرف بالرغبة في القوة المطلقة ويمكن أن تظهر في حاجة الشخص للتأثير على الآخرين أو قيادة أفراد الجماعة وتنظيم سلوكهم.
        أما الحاجات الظاهرة فيمكن أن نمثل لها بالإنجاز الذي يعني أن نحقق شيئا صعبا في أكبر سرعة ممكنة وبأكبر قدر من الاستقلال الذاتي متغلبا على كل العقبات التي تواجهك وهنا نود الإشارة الى أنه "كلمـا ازداد الدافع كلمــــا ازدادت حركـيته وحساسيته " [6]، بمعنى أنّه "كلما قوي الدافع واشتد ،كلما ازدادت كمية الطاقة المولدة، كلما ازداد إصرار الفرد على الوصول الى هدفه " [7].
        ولما كانت الرحلة في حد ذاتها إنجازا وخاصة إذا كانت فردية، فإنه لا يهم فيها لحظة الانطلاق أو مكان الوصول بقدر ما يهم فيها ما يؤدي إليه الوصول من الإشباع وتحقيق الذات، هذه الغاية الأخيرة التي يرى ماسلو [8] أنها من الحاجات التي لا يمكن إشباعها على الإطلاق ، ذلك أنها كلما أُشبعت كلما ازدادت نشاطا وإلحاحا وبالتالي تغذي ذاتها بذاتها، وهو ما يفسر توق الرحالة الى المزيد من التجارب الرحلية كلما كانت رحلته أصعب وأشق، ولعل خير مثال نمثل به في هذا المقام هو الرحالة ابن بطوطة أو "أمير الرحالين" كما حلا لجمعية كمبردج أن تلقبه في كتبها وأطالسها، إذ رغم الصعوبات والعراقيل التي واجهها الرحالة أثناء رحلته الأولى لانعدام الأمن وعدم توفر وسائل النقل المتطورة ،إلا أنّّ ذلك لم يحد من رغبته الملحة الكامنة في نفسه لشد عصا الترحال الى مناطق أكثر غورا في عالم الآخر البعيد، عبر رحلاته الثلاث كما هو معروف.
        وقد صرح ابن بطوطة في مطلع كتابه عن دوافعه الحقيقية التي جعلته يؤثر السفر والتنقل على المكوث في مكان بعينه إذ يقول: "كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر رجب الفرد عام 725هـ معتمدا حج بيت الله وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ، منفردا عن رفيق آنس بصحبته، وركب أكون في جملته، لباعث على النفس شديد العزائم وشوق الى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم" [9]، فإذا كان الرحالة قد أفاد في هذا التصريح أنّ دافع الخروج الرئيس روحي بالدرجة الأولى، فإن ذلك لا يمنع البتة من وجود دافع آخر وسمه بالنفسي لم يفصح عنه بذاته وإنما أفصح عنه حسين مؤنس حين أجمل دوافع الرحالة في ظاهرة الشوق الى رؤية الدنيا والناس [10].
        ولو تقرينا خبر كبار الرحالة في أدبنا الجغرافي لوجدنا أن ظاهرة الشوق الى رؤية الدنيا والناس كانت الدافع الأساس عند أكثرهم فهذا المسعودي صاحب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) يُقرّ بأنّه خُلق مولعا بالتنقل والمغامرة والتجربة ومعرفة أحوال الناس، مؤمنا إيمانا جازما أن "ليس من لزم جهة وطنه وقنع بما نمي إليه من الأخبار من إقليمه كمن قسم عمره على الأقطار، ووزع بين أيامه تقاذف الأسفار واستخراج كل دقيق من معدنه، وإثارة كل نفيس من مكمنه" [11] فالرحلات العربية وغير العربية كانت لها دوافعها التي تحركها وبواعثها التي توجدها، وقد تعددت هذه البواعث وتلك الدوافع من رحالة الى آخر، فمن مسافر لتحقيق رغبة نفسية، الى مسافر هربا من أوضاع لم يتحمل العيش في ظلها - كمدام دي ستال التي خرجت من فرنسا الى ألمانيا هربا من اضطهادات نابليون لها، فكان كتابها "من ألمانيا" بمثابة طريد ينشد ملاذا في عالم مثالي - الى مسافر في بعثة دبلوماسية أو علمية أو تعليمية كخير الدين التونسي ورفاعة رافع الطهطاوي وابن فضلان على التوالي كل بحسب طبيعة رحلته.
        وقد أثبتت جل هذه الرحلات أنّ الرحلة بماهي تجربة تمكن الرحالة من التخلص من مختلف التوترات الانفعالية و تجنبه ألوانا من الصراعات الناجمة عن تفاعل الفرد مع بيئته، وهذه الصراعات التي تهدد سلامته وأمنه الداخليين لأن ما يهدد أمن الفرد قد يكوّن خطرا داخليا متمثلا في القلق والصراع ،كما يمكن أن يتعدى مداه الفرد الى المجتمع فيصبح خطرا خارجيا.
        الرحلة والنشاطات النفسية
        أولا: الرحلة والتخييل: الرحلة وسيلة لإشباع حاجات الانسان الروحية (إذا كانت رحلات حجية)، وحاجته لمعرفة خبايا العالم المحيط به لاستنطاق مكنوناته (إذا كانت رحلات استكشافية)، وهي لا تقف عند هذا الحد؛ إذ تؤثر على القائم بها فتسمح له أن يحقق ذاته، ليخرج من حالة الكمون التي يحياها، وبمقدار ما يحقق خلالها من إشباع يتحدد اتزانه وصحته وسعادته، ولعل أكثر ما يكون ذلك واضحا في الرحلات الخيالية باعتبارها "الانتقال المتخيل الذي يقوم به الأديب عبر الحلم أو الخيال الى عالم بعيد عن عالمه الواقعي ليطرح في هذا العالم رؤاه وأحلامه التي لم تتحقق في دنيا الواقع" [12] وربما كان من أبرز مظاهر هذه الرحلات الخيالية الرحلات الباطنية التي يقوم بها بعض الصوفية والتي "تتطلب تجربة معيشة على المستوى الواقعي، وأخرى ذهنية لعالم متخيل، يجنح الى صوغ أفكار وتأملات معينة تتماس مع المقولات والتصورات الصوفية والفلسفية والدينية التي ترسم رحلة النفس في بحثها عن عالم آخر يكون بديلا عن الواقع وصولا الى المطلق واليقين" [13] حيث يجد فيها الرحالة نفسه متحررا من أسر العالم الخارجي وبذلك تتحقق له مطالب اللذة التي يسعى اليها شقه الحيواني، ومطالب الحكمة التي يسعى اليها شقه الإنساني، مما يجعلنا نعدّ الرحلات الخيالية بمثابة أحلام اليقظة التي يعرفها فرويد بأنها عدول التخيلات، لأنها تتشكل للتعبير عن رغبات مكبوتة تتميز بالذاتية والنرجسية لا يمكن لأي مجال أن يضمن لها الستر وعدم الكشف إلا الحلم.
        والرحلة أيضا بوصفها "إحدى البنيات التخييلية الأكثر التصاقا بمدارات الكتابة الروائية في الأدب الإنساني قديمه وحديثه" [14] يمكن عدّها من صميم الأعمال الفنية التي عرّفها فرويد بأنها " إشباع خيالي لرغبات لا شعورية شأنها شأن الأحلام وهي مثلها محاولات توفيق، حيث إنها بدورها تجتهد كي تتفادى أي صراع مكشوف مع قوى الكبت " [15]، وكما يسعى الإبداع لإحداث التوازن كذلك تفعل الرحلة التي يسعى صاحبها الى إشباع فضوله وتحقيق ذاته و إرواء حاجاته النفسية المختلفة، وإن كان ذلك لا يكون بصورة تامة، ولعله في الإمكان تشبيه فضول الرحالة لارتياد الآفاق واختراق المجهول، بحاجة الطفل للمعرفة التي لا يمكن إشباعها، فهي تدفعه باستمرار لأن يعيد ترتيب أفكاره وفق النموذج الأكثر معقولية لأنه يبتغي الاطلاع على تحديات المستقبل، كذلك الرحالة يبتغي الاطلاع على تحديات الأماكن الأجنبية وما تحمله معها من مفارقات على مستويات متعددة.
        ثانيا: الرحلة والتسامي: "الإعلاء أو التسامي عملية عفوية، ولكن الحاجة اليها تكون شعورية على الرغم من أنّ هذه العملية قد تبدأ في بعض الأحيان قبل أن يشعر بها المرء بوقت مديد" [16]، وقد عرفه فرويد بوصفه القدرة على تبديل الهدف الجنسي الأساسي بهدف آخر غير جنسي، كحب الاستطلاع والبحث مثلا ، بحيث يصبح البحث قهريا بديلا للنشاط الجنسي، وكأن هذه العملية تقوم على تغيير الموضوع بالنسبة للغريزة وتحويل الطاقة المتصلة بالرغبات والدوافع الممنوعة (كالرغبات العدوانية والجنسية المحرمة) الى توجيهات اجتماعية وثقافية وأخلاقية وفنية سامية ونافعة، ولأجل ذلك يُعدّ التسامي أو التصعيد من العمليات الواقية من المرض النفسي الذي يدفع إليه الحرمان عادة.
        ولعلنا في هذا المقام نرشح الرحالة جيرار دي نرفال كأحسن ممثل لهذا المبدأ؛ إذ بعد فقده لحبيبته جين كولون التي أحبّها حتى العبادة حمل عصا الترحال متجها إلى الشرق، بل الى مصر بالذات التي كان ظل يحلم بزيارتها، وعنها كان كتابه الموسوم بـ"رحلة الى الشرق" .
        وقد ولع نرفال بطبيعة الشرق الجميلة ومناظره العجيبة وشمسه الوضاءة المشرقة، وليس هو أول المولوعين بالشرق وطبيعته الساحرة الفاتنة، ولكنه واحد من الرحالة الرومنتكيين الذين شدوا الرحال إلى الشرق بحثا عن أسمى المواد والصور الرومنتيكية كما يقول فريدريش شليجل.
        فنرفال برحلته الى الشرق قد حوّّل رغباته المكبوتة الى حب للاستطلاع والبحث لتحقيق حلم لطالما راوده، فالتسامي من الوجهة النفسية هو العملية المباشرة للإبداع الفني الذي ارتقى إليه نرفال، لقد كانت رحلته بالفعل علاجا نافعا لأنه استرد في هذا الشرق البعيد ثقته بنفسه وبالحياة، وانتصر مؤقتا على شبح الجنون الذي كان يطارده.
        حواشي

        [1] فؤاد قنديل: أدب الرحلة في التراث العربي، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة، 2002، ص17
        [2] عبد السلام عبد الغفار: مقدمة في علم النفس العام ، دار النهضة العربية، بيروت، ط2، ص137
        [3] جيروم كاغار: أطفالنا كيف نفهمهم، ترجمة: عبد الكريم ناصف، دار الجيل: 1997، ص 180.
        [4] عبد السلام عبد الغفار، المرجع السابق، ص 137.
        [5] مقدمة في علم النفس العام، م.س، ص138.
        [6] نفسه، ص136
        [7] نفسه، ص137
        [8] رتب ماسلو الحاجات بأبعادها الثلاثة الى شكل هرمي وذلك على أساس أهميتها ودرجة الحاجة في الإشباع، حيث جعل الحاجات الفسيولوجية في قاعدة الهرم وحاجات تحقيق الذات في القمة، بينما تقع الحاجات المتعلقة بالأمان والحب والأمن بين هاتين، مؤكدا أنّ هذه الحاجات ترافقها انفعالات على شكل توتر مميز يزول بالإشباع ومنه يحصل الاتزان الداخلي الذي أخلّ به وجود الحاجة، ويكون الإشباع حقيقيا أو خياليا. راجع: مقدمة في علم النفس العام، م.س.، ص148 - 150.
        [9] ابن بطوطة: رحلة ابن بطوطة - المسماة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار- مر. درويش الجويدي، المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 2003، ص 20.
        [10] حسين مؤنس: ابن بطوطة ورحلاته - تحقيق ودراسة وتحليل، دار المعارف، القاهرة، دت، ص18.
        [11] المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، ت. محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر، ط4، 1964،ج1، ص9.
        [12] محمد الصالح السليمان: الرحلات الخيالية في الشعر العربي الحديث، منشورات اتحاد الكتاب العرب، المغرب، 2000، ص19.
        [13] فحي عامر: قراءة في كتاب الرحلة في الأدب العربي - التجنيس وآليات الكتابة وخطاب المتخيل، متاح على الشبكة [15/9/ 2004].
        [14] علي كابوس، عبد العلي اليزمي: كتابة الرحلة ورحلة الكتابة - قراءة في الطريق السيار ل ح. لحميداني، مجلة علامات، العدد 15، 2001، متاح على موقع سعيد بن كراد
        [15] سغموند فرويد: حياتي والتحليل النفسي، ترجمة: مصطفى زيور، وعبد المنعم المليجي، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1967، ص73.
        [16] سار جنت: علم النفس الحديث ، سلسلة الشريط الحريري، ترجمة: منير البعلبكي، دار الملايين، بيروت، 1997، ص73.
        المصدر

        حياكم الله

        د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
        aghanime@hotmail.com

        تعليق

        • أبو شامة المغربي
          السندباد
          • Feb 2006
          • 16639


          رد: أدب الرحـــــــلة ...



          العرب القدامى كانوا أكثر استكشافاً
          (ارتياد الآفاق)
          مشروع أدب الرحلات
          بسمة الخطيب
          هو، ورغم ذلك فقد ظلّ طوال عشرة قرون، مجهولاً ومهملاً، لكن يبدو أن هذا لم يعد مصير الآن، بعد ستة أعوام من إطلاق المثقف الإماراتي محمد السويدي مشروعه الرائد "ارتياد الآفاق"، الهادف إلى رفع راية هذا اللون الأدبي والفني والثقافي، وهو المشروع الذي سيكون عنوان المرحلة الحديثة الأهم، عربياً، في تاريخ هذا الأدب.
          عام 2000 أعلن السويدي عن مشروع "ارتياد الآفاق"، الذي انطلق عملياً عام 2001 مع أول إصداراته تحت إشراف الشاعر نوري الجرّاح، الذي تقاطع شغفه بأدب الرحلة مع طموحات السويدي، ومن أبو ظبي انطلق المشروع إلى كل أقطار العالم، باحثاً عن كلّ مخطوطة تروي رحلة حاجّ ورحالة وتاجر ومغامر ومستشرق ... الهدف الكبير كما يوحي عنوان المشروع: المعرفة والعلم واكتشاف الذات والآخر، وأهمّ من كلّ هذا نفض الغبار عن تراث أدبي عربي عريق وثمين أهمله أهله طويلاً.
          كذلك رمى المشروع إلى الكشف عن نصوص مجهولة لكتّاب ورحّالة عرب ومسلمين جابوا العالم ودوّنوا رحلاتهم ومشاهداتهم وانطباعاتهم وتحليلاتهم، إضافة إلى تسليط الضوء على ما كتبه الرحّالة الغربيون والمستشرقون الذين زاروا ديارنا العربية والإسلامية وعادوا إلى بلادهم بالكثير من الانطباعات المسبقة التي غادروا بها، مروّجين لشرق"ألف ليلة وليلة" والخرافة والشعوذة، ممهّدين للغزو الغربي الثقافي ومن بعده العسكري.
          يقول السويدي هنا: إن الاستفزاز الذي شعرت به النخب العربية والإسلامية بسبب هذه الصور غير المكتملة، بل الزائفة، دفعها إلى رحلة عكسية، أي الرحيل نحو الآخر بحثاً واستكشافاً والعودة بوصف لما شاهدته وخبرته، وإثارة صراع فكري بين الغرب والشرق، وليس مشروع السويدي سوى استئناف لتلك الرحلة العكسية، وخطوة جديدة تنطلق من شبه الجزيرة العربية.
          مئة رحلة عربية إلى العالم


          انطلاقاً من هذه الأهداف بدأ "ارتياد الآفاق" بإصدار سلسلة "مئة رحلة عربية إلى العالم" التي تكشف كيف رأى العرب العالم عبر رحلاتهم، وكيف ركّزوا على رصد ملامح النهضة العلمية والصناعية والثقافية والعمرانية ... ويتكرّر مع صدور كلّ كتاب والإعلان عن كلّ خطوة جديدة أن الهدف هو الكشف عن طبيعة الوعي الإنساني بالآخر الذي تساهم في تشكيله الرحلة، وعن الثروة المعرفية التي يختزنها أدب الرحلات المتميّز بمادّته السردية المشوّقة المطعّمة بالعجائب والغرائب والطقوس الفريدة ... وكذلك الكشف عن همّة الإنسان العربي في ارتياد الآفاق،
          وليست الجملة الأخيرة مجرد صدفة أو كلمة تقال، بل يرمي بها السويدي القول بوضوح إن العربي كان ينزع نحو ارتياد الآفاق الجديدة واستكشاف الآخر في الماضي أكثر بما لا يقاس مما يفعل حالياً، منبّهاً بطريقة غير مباشرة إلى خطورة التقوقع والعزلة المسؤولة عن الجهل والتأخّر عن اللحاق بركب المسيرة الإنسانية.

          تبعت سلسلة "مئة رحلة عربية إلى العالم" عدّة خطوات مكمّلة، مثل الندوة السنوية لأدب الرحلة جائزة ابن بطوطة سلسلة "سندباد الجديد"، "موسوعة رحلات الحج"، "شرق الغربيين"، "رحّالات شرقيّات"... وبحلول العام 2006 كان قد صدر عن "المركز العربي للأدب الجغرافي ارتياد الآفاق" حوالى 140 كتاباً بين مخطوطة ونصّ ودراسة ومصنّف جغرافي وترجمة لأثر أجنبي.
          تنقلت الندوة السنوية التي ينظّمها المركز منذ 2003 تحت عنوان "ندوة الرحالة العرب والمسلمين" بين المغرب والجزائر والسودان، وسترسو مطلع 2007 في الإمارات، وهي في كلّ مرة تجمع دراسات وأبحاثاً حول مدوّنات الرحالة العرب والمسلمين في رحلاتهم بين الشرق والغرب الهادفة إلى اكتشاف الذات والآخر ... كما تخلّلها الإعلان عن "جوائز ابن بطوطة"، وهي عبارة عن جائزة تحقيق مخطوطات الرحلة الكلاسيكية وجائزة الرحلة المعاصرة وجائزة دراسات أدب الرحلة، وأضيفت لها جائزتان هذا العام هما "جائزة الرحلة الصحافية" وجائزة "المذكرات واليوميات"، كما ستعلن هذا العام عن جائزة جديدة للعام 2007 هي جائزة شخصية عربية أو أجنبية أثرت أدب الرحلة.
          أدب جديد
          سنة بعد أخرى يكبر المشروع وتتسع آفاقه، تتزايد فروع الجائزة وقائمة الإصدارات، ولا شكّ بأنّ هذا المشروع الرائد سيجد نفسه أمام نوع آخر من الأسئلة والتحدّيات تحديداً وهو في طور إنجاز جزء كبير من أهدافه ونشر المزيد من كلاسيكيات أدب الرحلة أو الرحلات المعاصرة. تتعلّق هذه الأسئلة بجوهر أدب الرحلة نفسه كأدب عالمي له تقنياته وأدواته، يتلمّس المؤرّخون وجوده في أقدم الأعمال الأدبية والشعرية منذ هيرودوت وأوديسة هوميروس مروراً بكوميديا دانتي الإلهية التي يعبر خلالها في رحلة إلى الجحيم والمطهر والجنة، ثم "كتاب عجائب الدنيا" لماركو بولو وكتابات كولمبوس وأمريكو فسبوتشي وابن بطوطة وفولتير...
          إذاً بعدما يُتِمّ "المركز" نشر الكثير من نصوص الرحلات وبينما يحقّق في دورها في ما يسمى علاقة الشرق بالغرب سيحين وقت التساؤل عن ماهية هذا الأدب وقواعده وخصائصه السردية والفنية والمقارنة بين ماضيه وحاضره واستشراف مستقبله، وبعد التركيز على أدب الرحلة كجسر بين الثقافات ومرآة للمجتمعات يأتي وقت تناوله كأدب وفنّ له مدارسه المختلفة ودعائمه الأسلوبية ومساراته السردية...
          كان "أدب الرحلة" قد عرف نقلة نوعية حين قدّمه ستيفنسن وديفو وملفيل وكونراد تحت خانة "أدب المغامرة"، وأضفى عليه جول فرن صبغة علمية أو بالأحرى "خيالية علمية"، كما تحوّلت هذه الرحلات إلى مادة غنيّة لأدب الفتيان والأطفال ... اليوم يقال إنّ هذا الأدب فقد سحره بعد التطوّر التكنولوجي الهائل وتطوّر خدمات الأقمار الصناعية وشبكات الانترنت و"غوغل إيرث" أبرزها، في فتح آفاق العالم أمام الجميع ... هذه مقولة مطروحة للنقاش لأنّ آخرين يدحضونها ويرون أن توق الإنسان إلى الترحال ما زال قائماً بل متّقداً نحو أماكن تعرّضت لتغييرات اجتماعية وسياسية وحتى جيولوجية ونحو الفضاء كمثال بديهي، حيث يُنتظر أن يعود كلّ رائد فضاء و"سائح فضائي" بكتاب لن يكون إلا إضافة إلى "أدب الرحلة الجديد".
          كما يطرح آخرون أدب رحلةٍ مقترناً بمتصفّحي الانترنت والرحالة الافتراضيين والرحّالة المقتدين بشبكة النتّ بدل البوصلة والخريطة الورقية، ليس لاكتشاف المجاهل الجغرافية كما في الماضي، بل لإعادة قراءتها وتلمس تغييراتها ... فهل سيكون للعرب مكان في "أدب الرحلة الجديد" أم سينتظرون عشرة قرون جديدة كي يقولوا كلمتهم؟ لا يبدو أن السويدي والجراح يملكان كلّ هذا الصبر.
          المصدر

          حياكم الله

          د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
          aghanime@hotmail.com

          تعليق

          • أبو شامة المغربي
            السندباد
            • Feb 2006
            • 16639


            رد: أدب الرحـــــــلة ...



            رحلة ابن معصوم المدني
            أو
            (سلوة الغريب وأسوة الأريب)

            "سلوة الغريب وأسوة الأريب"
            كتاب معروف في الأوساط الأدبية كمصدر أدبي مهم، وضعه مؤلفه "ابن معصوم المدني" وهو حدث لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره يوم غادر موطنه الحجاز مع عائلة والده ميمماً شطر الهند ترافقه بعثه شرف يرأسها وزير من حيدر آباد الركن، وقد استغرقت رحلته هذه إلى أن وصل إلى أبيه تسعة عشر شهراً، دون خلالها كل ما وقعت عليه عينه في البر والبحر.
            وإلى أن اشتد ساعده واستوى، شرع سنة 1074هـ في تأليف هذه الرحلة، فوصف المدن والقرى والسكان، والمناخ والماء والهواء، والجبال والأشجار والثمار والحيوان، والمساجد ومراقد العلماء، وترجم لبعضهم، ووصف البحار وما فيها من حيوان وأحجار كريمة وغرائب، فنمّق كل ذلك ووشاه مما عرف عنه من القدرة على الاستطرادات الأدبية الرائعة، والاستدراكات العلمية المفيدة، وأورد الكثير من الشواهد المختارة نظماً ونثراً، ثم أنهى الرحلة بإيراد نماذج من شعر والده، وما يناسبها من أقوال لشعراء آخرين.
            وبعدها ترجم للسلطان عبد الله بن محمد قطب شاه سلطان حيدر آباد، ثم ترجم لجماعة من علماء العصر وأدبائه الذين التقى بهم في مجلس والده، وأورد لبعضهم نماذج جيدة من الشعر، وهو في أثناء ذلك يورد الشواهد الشعرية الرائقة والحكايات الطريفة المسلية، والنقد المؤيد بالحقائق العلمية، ثم أتى بعد ذلك بفصل ذكر فيه جملة من أخبار الهند وأحوالها قديماً وحديثاً، وكان مسك الختام طائفة مختارة من الشعر لجماعة من الشعراء كان هو نسفه أخرهم.

            ولأهمية هذه الرحلة اعتنى "شاكر هادي شكر" بتحقيق متنها الوارد في هذا الكتاب، تحقيقاً يبين ما غمض من عباراتها، وما لبس من معانيها، كما اعتنى بإيضاح أسماء الأعلام من الرجال الموارد ذكرهم في الكتاب، وبذكر تواريخ وفاتهم، مشيراً إلى مصادر تراجمهم.
            المصدر
            حياكم الله

            د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
            aghanime@hotmail.com

            تعليق

            • أبو شامة المغربي
              السندباد
              • Feb 2006
              • 16639


              رد: أدب الرحـــــــلة ...



              ندوة
              كلية الآداب - ظهر المهراز - مدينة فاس - المملكة المغربية
              صورة المغرب بلغات متعددة
              عبد اللطيف محفوظ
              صبيحة ماطرة يوم ثامن أبريل بمدينة فاس، وتحديدا بكلية الآداب – ظهر المهراس، في قاعة المحاضرات انطلقت أشغال الندوة الوطنية التي نظمها مركز البحوث الأيبيرية والأيبيرو أمريكية، ومركز بحوث محمد أبو طالب والجمعية المغربية للبحث في الرحلة، في موضوع:
              "المغرب في نصوص الرحلات الغربية"
              وقد افتتحت الجلسة بكلمات رئيس مركز البحوثالأيبيرية والأيبيرو أمريكية ومنسق الندوة عبد المنعم بونو ورئيس جمعية المغربية، رئيس شعبة اللغة الأسبانية حيث أكدوا على أهمية دراسة صورة المغرب في الكتابات الرحلية الغربية نظرا لما توفره من معرفة عن الذات وفق تمثلات الآخر..
              عيون .. تحدق وترى ما تريد
              خلال الجلسة العلمية الأولى برئاسة أحمد صابر الذي أعطى الكلمة في البداية لخالد بكاوي، ركز هذا الأخير في مداخلته الموسومة بعنوان"الحريم الغربي في الخطاب البريطاني" على خصوصيات الصورة المنتجة في القرون الوسطى من خلال وعي أوروبي إلى إفريقيا، خصوصا ما يتصل بالرحلات ذات الصلة بالقراصنة والأسرى، موضحا كيف أن هذه الرحلات تختلف عن رحلات القرنين التاسع عشر والعشرين من حيث كونها رحلات قسرية، لأن الكاتب يكون مجبرا على ارتياد بلدان غريبة والعيش في عوالم محكومة بثقافة مختلفة، مشيرا إلى ظاهرة ملفتة ،تتمثل في كون الصورة المنتجة تتناقض مع الخطاب الاستشراقي عندما تتخلى بعض الذوات عن ثقافتها الأصلية وتفضل عن طواعية الانخراط في الثقافة الإسلامية.
              أما المداخلة الثانية فقدمها شعيب حليفي وحملت عنوان "الصورة والوعي الدائري: في رؤية الآخر للمغرب" حيث افتتح ورقته بالإشارة إلى ضرورة بناء تصور نظري مرن وإطار تحليلي لقراءة النصوص التي رسمت صورا للمغرب خلال مختلف العصور، وحصر الباحث هذه الكتابات في الرحلات والمذكرات والتقارير والرسائل والشكاوى والاستعطافات ... لينتقل بعد ذلك إلى تحديد مفهوم الصورة في هذه الكتابات وفي السياقات التي أنتجت فيها (ثقافية ودينية وسياسية) ليخلص إلى وجود أشكال متغايرة لصورة المغرب حصرها في ثلاث لحظات: قبل مؤلف وصف إفريقيا للحسن الوزان وبعده إلى حدود نهاية القرن 18، ثم القرن 19 و20 وارتباط هذه اللحظات بخلفيات تجارية ودينية وإيديولوجية.
              انتقل الباحث في سياق تحليلي إلى الرؤى التي أفرزتها اللحظات الثلاث للسفراء والسياح ورجال الدين والتجار والأطباء والصيادلة والعشابين والجواسيس والأدباء، ثم توقف عند الرؤية الغرائبية والرؤية الدينية – السياسية المرتبطة بالأطماع الاستعمارية.
              ثم تدخل بعد ذلك عبد المنعم بونو بموضوع "صورة وخيال: المغرب بعيون إيبيرية" قدم من خلالها صورة المغرب كما يتبدى انطلاقا من نصوص رحلية إسبانية و برتغالية وقصص وتقارير لمقيمين .. موضحا مواقف الرحالة التي لا يمكن الكشف عن خلفياتها دون الأخذ بالاعتبار لخصوصياتها المتمثلة في كون الصورة تنبع من وعي بالذات وبالآخر بوصف هذا التقاطع مما يشكل بالضرورة علة لتغليب قيم وتمثلات الذات، الشيء الذي ينتج عنه تبخيس ثقافة الآخر، جراء المقارنات بين انساق الرؤية للظواهر والأشياء ومسارات الفعل، وسيادة الموقف الباني لصورة سلبية عن المغرب.
              ومن نتائج ذلك كون بعض الرحلات الإيبيرية إلى المغرب أفرزت توجها عدائيا يتضمن غياب التقاطعات الممكنة بين الثقافتين وهو وضع ينفي إمكانية الحوار، لأنه يضمر الموت للآخر، ويتجلى ذلك في عدة مظاهر من بينها الانطلاق من الأحكام العامة الجاهزة وغياب تفعيل المنطق في التمثيل والتقييم واعتماد المقارنة بين أشكال تمظهر نفس حالات الأشياء المؤسساتية أو الذهنية في المنطقتين بهدف ترجيح شكل حضورها في ثقافة الذات.
              وأكد الباحث على نزوع تلك الرحلات نحو وسم المغرب بصورة البداوة والوحشية ورسم إسبانيا بالحضارة والحداثة، وخلص إلى القول بكون تشكيل الصورة الموضوعية للمغرب يجب أن تستنتج من دراسة تنخرط في سياق موسع هو الخيال السوسيو ثقافي مع ضرورة العودة إلى كل الخطابات ذات الصلة بالموضوع، منبها إلى أن صورة المغرب في الرحلات الإيبيرية يمكن أن تكون موضوعا لدراسة الخيال الثقافي للإيبيريين أنفسهم.
              وقدم عبد الرحيم مؤدن مداخلة تحت عنوان "مستويات المكان في الرحلة الإسبانية إلى المغرب في القرن 19" مؤكدا في البداية تأثير هذه الرحلات المهم في هذه المرحلة وتأثيراتها السياسية. لينتقل إلى تحديد مفهوم المكان، الذي بدا عنده أقرب المكان الافتراضي بوصفه تحققا للفعل وتأويلا له في نفس الآن، وقد انطلق من رحلة خواكين كاتيل الذي قدم ترجمة له، قبل أن يحدد سياقات رحلته في ثلاثة، هي سياق استشراقي ينطوي على فكرة المركز والهامش، وسياق المتعة ممثلا بالتقاط الطرائف والعجائب والشوق إلى المكان، والسياق الاستعماري، حيث يمكن ربط هذه الرحلة بهزيمة إيسلي واحتلال تطوان.
              ثم انتقل إلى وصف تجليات المكان، فحدد المكان البكر وربطه بما يظل راسخا في الذهن، وهو فضاء مرغوب دائما في ثباته، ثم المكان المعرفي، ويرتبط بالأمكنة الفعلية مثل التضاريس والجوامع والحومات والفنادق والخانات .. وأخير المكان الدموي ويرتبط بالأمكنة التي شهدت الفتن وشق عصا الطاعة وكانت ميدان قتال. وخلص إلى أن الرحلة وهي تحتفي أكثر بوصف الأسلحة الأوروبية وتظهر فعاليتها في كبح التمرد تشير إلى فعالية التقدم الأوروبي ونجاعة منتوجاته وتفوقه، وإلى أن المكان في هذه الرحلة يعكس أوضاع المغرب خلال الفترة المشكلة لزمن الرحلة، وأيضا صورة الآخر والوضع المريح الذي كان عليه.
              وكان آخر متدخل في الجلسة الصباحية هو أحمد برمضان بمداخلة حملت عنوان "المغرب من خلال كتاب (رحلة إلى إفريقيا) في أواخر 1934"، وهي رحلة لصحفي أرسلته جريدة A.B.C للبحث عن أسرة من إسبانيا، موضحا أن هذه الرحلة قد احتفت بتصوير بطولات أسرى الحرب الأسبان في المغرب، انطلاقا من استجواب مغاربة، مشيرا إلى الفضاء العام الذي ميز هذه المحكيات هو النزوع الواضح نجو أسطرة أفعال الأسبان والأمكنة الموصوفة التي زارها من طنجة إلى الرباط، فالجنوب الذي غاب التعريف به كونه مجهولا من قبل الأسبان، كما أشار إلى أن وصف الرحالة قد تنوع بتنوع المدن التي زارها وبأثرها على تاريخ بلاده، وهكذا وصف مكناس بالوحشية تحت تأثير كونها في عهد المولى إسماعيل كانت فضاء لاعتقال أسرى أسبان، بينما أثرى على الدار البيضاء ووصف عمرانها بالمتأثر بالعمران الأوروبي، وأشاد بجمال أغادير، وجعل طنجة فضاء لتقاطع المتع والروائح والخطايا، واصفا سكانها بالمدمنين على الكيف والميل إلى الخمول، وانتهت الرحلة بتأكده من خبر إطلاق سراح الأسرى مباشرة بعد اعتقال بن عبد الكريم الخطابي، وخلص في الأخير إلى تقييم أسلوب الرحلة التي تبدت مؤشرة على ضعف صياغة الربورتاج، والسطحية في تمثل الموصوفات.
              المغرب بعين ألمانية وكواتيمالية
              أما الجلسة الثانية المسائية التي ترأسها شعيب حليفي، فقد تدخل فيها خالد لزعر بمداخلة عنونها بـ"من أجل تلق ألماني للمغرب: نموذج جيرهارد رولفس" موضحا أن هذا الرحالة يعتبر من أكثر العارفين بالواقع المغربي في القرن 19، ويعود ذلك إلى تكوينه الطبي الذي سمح له باقتحام مجامع العديد من الأوساط المغربية، ومن أهمها حريم السلطان المولى عبد الرحمن، مشيرا إلى أن رولفس قد دون أسفاره في المغرب في ثلاثة كتب أهمها " مقامي الأول بالمغرب والسفر جنوب الأطلس عبر واحات درعة وتافلالت" سنة 1873، وكلها تعبر عن التوجهات الاستعمارية التي شغلت فكر الأوروبيين تجاه المغرب خلال القرن 19، كما لاحظ أن هذا الرحالة قد حاول إضفاء صبغة علمية صرفة على أوصافه، حيث تحرى الدقة في أغلب الأحيان، وعمل على مقارنة بلده بالمغرب، الشيء الذي يوضح، يقول الباحث، مدى تأثر الرحالة بموروثه الثقافي وجعله مرآة لرؤية الذات، أما وصف رولفس لأوضاع المرأة واليهود والإسلام .. فإنه لم من الصور النمطية المكررة التي عادة ما نجدها عند أغلب الرحالة الغربيين، مشيرا في الأخير إلى أن علاقة رولفس بمولاي عبد السلام (وزان) كانت مفتاح أبواب إطلالته على المغرب من أجل سبر أغواره.
              عبد الرزاق مسلك بمداخلة تحت عنوان"مغرب 1911 أو رؤية رحالة عسكري ألماني" وقد كانت عبارة عن تحليل لكتاب "المغرب: دراسات اقتصادية وسياسية" الصادر سنة 1911 لكروتير الذي هو ضابط ألماني متقاعد، وقد حاول الباحث تجلية صورة المغرب كما تتبدى في هذا الكتاب، خصوصا انطلاقا من خصوصيات وصفه للمدن المغربية ولسكنها ولتواجد الجيش الفرنسي، مشيرا في الأخير إلى أن ما يصبغ أهمية خاصة على هذا الكتاب هو إنتاجه في الليلة نفسها التي أعلن فيها المغرب محمية فرنسية.
              أما مداخلة سعيد سبيعة الموسومة بـ"فاس لويس كاردوثا" وهي عبارة عن قراءة في كتاب "فاس مدينة العرب المقدسة" المكتوب سنة 1927، وهو كتاب ينقسم إلى جزأين، يركز الجزء الأول على الجوانب الروحية والدينية لأهل فاس، وعلى وصف المرأة العربية وعنف ودموية الرجال، وأيضا على الفن والشعر الفاسيين، وأهميتهما، وكذا اسم المدينة مع تعداد مختلف الروايات المرتبطة بهذا الاسم، مشيرا إلى أن هذا الجزء قد كتب بنفس شعري ملحوظ.
              أما الجزء الثاني فيتعرض لوضعية اليهود في المدينة، بالتحولات السياسية العربية التي كانت تؤشر آنذاك على تحول عميق محتمل، وقد لا حظ الباحث أن الرحالة يبدو متأثرا بما سمعه أكثر مما رآه هو نفسه، وأنه يبالغ في تقدير معتقدات أهل فاس ومن ذلك على سبيل المثال تقريره أن المولى إدريس يعتبر من قبلهم في مرتبة إله، وينتهي إلى التأكيد أن هذا الجزء على خلاف الأول قد اتسم بقصور في التعبير، حيث يلاحظ أن الرغبة في التعبير كان يعوقها العجز عن إيجاد تركيبات مناسبة تجسدها، الشيء الذي دفعه إلى تركيبات لغوية مختلفة وغير متوائمة.
              ثم تدخل عبد القادر الصنهاجي بورقة حول "الاستشراق والكولونيالية عند اوجين اوبان"مقدما قراءة مستفيضة وتحليلات معمقة لما خلفه اوبان الفرنسي أثناء تواجده بالمغرب 1902- 1904 والمعطيات التي جعلت من كل أحكامه تندرج ضمن سياق الكتابات الكولونيالية.
              في نهاية اللقاء عرف النقاش مستوى علميا رفيعا، عكس التكامل المعرفي بين مختلف التخصصات العلمية المشاركة والحضور المتنوع، مع العلم أن المداخلات قدمت بالعربية والانجليزية والفرنسية والاسبانية من طرف باحثين من تخصصات متعددة بلغات مختلفة.
              المصدر
              حياكم الله

              د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
              aghanime@hotmail.com

              تعليق

              • أبو شامة المغربي
                السندباد
                • Feb 2006
                • 16639


                رد: أدب الرحـــــــلة ...



                أدب الرحلة الغربي نمّط الشرقيين
عبر صور دنيا
                نواف الجحمة

                أجرت الحوار معه
                أفراح الهندال
                حصل الأستاذ المساعد في كلية التربية الأساسية على شهادة الدكتوراه في الآداب بتخصص التاريخ الوسيط من جامعة محمد الخامس بالرباط، وقدم العديد من البحوث والدراسات التي احتضنتها الدوريات والمجلات الثقافية الكبرى بحفاوة، وحاز كتابه:
                «رحلة الغرب الإسلامي وصورة المشرق العربي، من القرن السادس إلى القرن الثامن الهجري(12-14م)»
                جائزة ابن بطوطة للدراسات في الأدب الجغرافي من «دار السويدي» .. وتعد من الجوائز المهمة على مستوى الوطن العربي.
                أفراح الهندال: أنت رحالة من نوع آخر ... يُرافق من يقرأ لهم، ويسافر معهم ويرى ما يرون لكن بعينين مختلفتين، فكيف ترى الرحلة؟
                نواف الجحمة: مما لا شك فيه أن رحلة الذات هي سبر غوار النفس، ومدونات المسافرين الشخصية تشكل في الثقافات الأخرى مكتبة قائمة في حد ذاتها «الرحلة لا تنتهي إلا بموت العهد»، والرحلة متجذرة في الشخصية العربية الإسلامية، وهناك شواهد وقرائن رحلية وتاريخية وجغرافية، ومنها «ملحمة جلجامش» في العراق، وهي رحلة معقدة تتكلم عن طقوس وجنائز وأفراح وأحزان لتعبر عن كينونة الشخصية العراقية، وهذا ما نلحظه في تاريخ وادي الرافدين، المسألة تنتقل معنا إلى الرحلة اليونانية (هوميروس) في الأوديسة، وكيف استطاع هذا العبقري أن يجسد شخصيات رحلية، وكنت أود من النقاد أن يرجعوا إلى الشعراء الرحالة في الشعر العربي الجاهلي أو ما نسميه (بالشعر الجزيري) نسبة إلى جزيرة العرب، فقصيدة زهير بن أبي سلمى «ألا هل أبيتن ليلة بجنب الغضى* أزجي الغلاص النواجيا» تعبر عن اشتياق ذاك الرجل الذي كان في بلاد فارس إلى نجد، وإلى النوق البكر، فهناك شعراء رحالة استطاعوا أن يتكلموا عن الرحلة ولكن بلغة جزيرية عربية وهذا ما يدخل في دائرة «تاريخ الأيام».كذلك الفينقيون وهجراتهم وتأسيس مدينة قرطاج في تونس وإفريقية نفاجأ بأن البحر الأبيض المتوسط كان بحيرة يونانية ثم كانت (بحيرة رومية) ثم أضحت لنا بحيرة عربية إسلامية، وحملت هذه البحيرة رحلات ملحمية وسفارية وتجارية واستكشافية ودينية.
                هذا بالإضافة إلى اكتشاف «أميركا» عن طريق الرحلة أيضًا، ومن خلال كريستوف كولومبس باعتماده على خريطة الشريف الإدريسي «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، أما نزوح الأروربيين واليهود إلى أميركا فهي رحلة مهجرية خطيرة جداً، يقول تعالى: «إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد».
                - إن كان «علم الآثار» هو «رحلة للبحث عن الإنسان»؛ فأين تجد آثار الإنسان في «أدب الرحلات»؟
                - هناك رحلات ذكرت في كتاب الله عز وجل وهذا يدخل في علم القصص، مثل أصحاب الكهف يقول تعالى:"نحن نقص عليك نبأهم بالحق"، ومنها رحلة الملك «ذي القرنين»، ورحلة موسى عليه السلام في طلب العلم، وأدب الرحلة من أمتع المؤلفات وأكثرها رواجاً على اختلاف قيمتها الأدبية وتنوع موضوعاتها، ونتبين آثار الإنسان فيها في المقارنة ما بين نظرة المسافر بوسائل حديثة؛ وبين رحالة عرب قدامى وصلوا إلى المدن بشق الأنفس، ودونوا أحوال الإنسان ونشاطه الاجتماعي وعاداته وتقاليده وحياته الروحية بما يجدد دم الرغبة في استكشاف الآخر ويردم الفجوة الكبيرة بين الأزمنة.
                - ولم اخترت «أدب الرحلات» بلغتها وزخرفتها البلاغية دون التقارير ومدونات السير التقريرية؟
                - أدب الرحلة يشكل ثروة معرفية كبيرة ومخزناً للمشاهدة والقصص والوقائع والمعلومات، وهو مصدر من مصادر الجغرافيا والتاريخ فضلاً عن كونه مادة سردية شائعة تحتوي على العجيب والمدهش والغريب، بلوحات فنية شكلتها مشاعر حميمة، وخلجات وجدانية وأخيلة متعانقة، وفيها يتقمص الرحالة شخصية الراوي ليمزج بين الرصد التأريخي والأدب، وبذلك يتميز «أدب الرحلة» ليكون مادة معرفية جغرافية أو مصدرا تاريخيًا إلى جانب إبداعه اللغوي ومتعته في القراءة، ومن أجل ذلك اخترت أدب الرحلة في دراستي.
                - أتظن أنه بالإمكان استمرار أدب الرحلات بدهشة الاكتشاف الأول في ظل رفاهية السفر دون مناكفة ما مر بالرحالة القدماء؟
                - استكشاف طبيعة الوعي بالذات والآخر تشكل طريق الرحلة، والأفكار التي تسربت وميزت النظرة إلى المظاهر والأفكار والناس والدول ممكن أن تخرج من الصورة القبلية إلى الصورة البعدية، ومازال شغف الرحال يبحث في المجهول عن الجديد، فابن بطوطة -على سبيل المثال لا الحصر- عندما يسلك طريقاً من القسطنطينية يسلك معبرًا لم يمر به من قبل، وإذا رجع قافلا فإنه يأخذ معبراً آخر! وهذا هو «الشغف البطوطي» في الاستكشاف، واستطاع الأدباء والباحثون أن يقرؤوا رحلة ابن بطوطة كأنموذج فريد في النظر إلى استراتيجية العجيب والغريب فهو شيخ الرحالين، وأفضل من كتب في المجال البحثي عن العحيب الغريب من الاوروبيين هو الفرنسي «تودوروف» في كتابه «العجائبية».
                - وهل يمكن إعادة خلق «أدب الرحلات» في عصرنا؟
                -ممكن باستثمار الرحلات كما فعل ابن بطوطة؛ فهذا الرجل قد حج ست مرات على مدى 30 سنة قبل أن يقفل إلى بلده ويلقى عاهل المغرب (أبا عنان)، لينطلق نحو الأندلس وإفريقية، ورحلته جمعت غرضين:النسك والحج إلى بيت الله الحرام، واستكمال المعرفة وطلب العلم والبحث عن العلماء في السياحة الصوفية.بين الاستشراق و«الاستغراب»
                - ما الفرق بين تدوينيّ الرحالة العرب والرحالة الغرب كلاهما عن الآخر؟
                - أدب الرحلة الغربي مكـّن من تنميط الشرق والشرقيين عبر صور دنيا بوساطة مخيلة متعطشة إلى العجيب والغريب الشرقي، بينما أدب الرحلة العربية إلى الغرب مختلف تماماً، فهو يلحق أو يتبع ملامح النهضة العلمية الصناعية وتطور العمران والعصرنة وهذا يدخل في الفضول المعرفي، واستطاع من باب طلب العلم واقتفاء الأثر الخروج من الشلل الحضاري.
                الظاهرة الغريبة هي أن قراءة الآخر الشرقي وتأويله شكلت دافعاً ومحرضاً لأفراد النخب لمواجهة صور غربية لمجتمعات جديدة، وهو ما ولد لديهم دوافع لشد الرحال نحو الآخر الغربي «لأي شيء تقدموا وتأخرنا؟»، وظاهرة الاستعمار كانت سببًا من أسباب اهتمام الرحالة العرب من مثل: الفاسي، الكردودي، جرجي زيدان، محمد كرد علي، محمد رشيد رضا، محمود تيمور.. وغيرهم، كل هؤلاء تكلموا عن هذا الموضوع واشتركوا فيه.والاختلاف ما بين رحالة الغرب إلى المشرق العربي؛ أو رحالة عرب كتبوا عن الآخر الغربي تكمن في «الوظيفة» التي تكون للرحلة من هؤلاء، و«السبب الداعي» إلى رحلاتهم ووجهاتهم ومراحل الاستكشاف؛ فالرحلة الوسيطية (في العصور الوسطى) لم تكن فيها روسيا ولا أي من بلاد أوروبا تحمل أيًا مظاهر الحداثة لحظة الوعي بالتفاوت
                - تبرز الكتابة عند العربي بمزيج الرصد والمقارنة والحسرة والانبهار؛ بينما يكتب الغربي متجردا من كمّ المشاعر بملاحظات دقيقة ومجردة غالبًا. كيف تفسر ذلك؟
                - الرحلة المعاصرة هي لحظة الوعي بالتفاوت «روح الانهزام والانكسار والحسرة (هم ونحن .. لأي شيء تقدموا وتأخرنا؟)، وهي نظرات رحلية ليست بعيدة عن الأوضاع السياسية التي كانت تمر بها المنطقة، وهنا يدخل الباحث التاريخي فيجد ظاهرة التواكب، وما يحصل في المشرق نجد انعكاسه وصداه في المغرب العربي .. فالأمة الإسلامية واحدة وهذا سر قوتنا وضعفنا في تلك اللحظة، وأغلب الرحالة الغربيين جاؤوا ضمن وظائف عسكرية استخباراتية، لذلك برزت مدوناتهم ومذكراتهم التاريخية.
                - تقصد أنهم جواسيس؟
                - لا أستطيع أن أدعي أنهم جواسيس، ولكن أغلب ما كتبوا كان عبارة عن تقارير كتبت عما يحصل في المشرق – ليست بالشكل الاستخباراتي - وذلك بما يعود عليهم بالنفع، فأغلب الرحلات الغربية تخرج من الحكومات ولا تخرج من دائرة الأفراد، (ماركوبولو) هل هو شخصية أرادت أن تتكلم مثلاً عن بلاد الصين أو بلاد البرتغال بطريقة ابن بطوطة؟ أم هي عبارة عن تقارير كتبها للحكومة الإيطالية؟
                المصدر
                حياكم الله

                د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                aghanime@hotmail.com

                تعليق

                • أبو شامة المغربي
                  السندباد
                  • Feb 2006
                  • 16639


                  رد: أدب الرحـــــــلة ...




                  رحلاته ثلاث استغرقت كلها زهاء تسع وعشرين سنة، أطولها السفرة الأولى التي لم يترك فيها ناحية من نواحي المغرب والمشرق إلا زارها.
                  وأكثر ما كانت إقامته في الهند حيث تولى القضاء سنتين، ثم في الصين حيث تولى القضاء سنة ونصفا، فوصف كل من شاهده وعرفه فيهما من سلاطين وخواتين، وأناسي رجالا ونساء، ووصف ملابسهم وعاداتهم وأخلاقهم وضيافاتهم، وترتيب مآكلهم ومشاربهم، وما حدث في أثناء إقامته من حروب وغزوات وثورات وفتك بالسلاطين والأمراء ورجال الدين، وكانت عاطفته الدينية تدفعه إلى زيارة المساجد والزوايا، فلم يترك زاوية إلا زارها ونزل ضيفا عليها، حتى إنه زار من جبل سرنديب المكان الذي يقال إن فيه أثر قدم آدم أبي البشر.
                  ومهما كان من أمر فإن قصة رحلاته من أطرف القصص وأجزلها نفعا، لما فيها من وصف للعادات والأخلاق، ولما فيها من فوائد تاريخية وجغرافية، ومن ضبط لأسماء الرجال والنساء والمدن والأماكن.

                  المصدر
                  حياكم الله

                  د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                  aghanime@hotmail.com

                  تعليق

                  • أبو شامة المغربي
                    السندباد
                    • Feb 2006
                    • 16639


                    رد: أدب الرحـــــــلة ...






                    بيانات وملخصات حول باقة من الرحلات على الرابط التالي:
                    الرحلة
                    حياكم الله

                    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                    aghanime@hotmail.com

                    تعليق

                    • أبو شامة المغربي
                      السندباد
                      • Feb 2006
                      • 16639


                      رد: أدب الرحـــــــلة ...




                      الندوة الوطنية الأولى التي نظمتها الجمعية
                      المغربية للبحث في الرحلة
                      في موضوع
                      آفاق البحث الرحلي بالمغرب
                      يوم الخميس 06/12/2007 بكلية الآداب - الرباط - المملكة المغربية
                      إدريس الخضراوي
                      على الرابط التالي:
                      الرحلة

                      حياكم الله
                      د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                      aghanime@hotmail.com

                      تعليق

                      • أبو شامة المغربي
                        السندباد
                        • Feb 2006
                        • 16639


                        رد: أدب الرحـــــــلة ...



                        أدب الرحلة
                        الدكتور
                        فاروق مواسي
                        شاعر وكاتب من فلسطين
                        للقراءة على الرابط التالي:
                        الرحلة

                        حياكم الله

                        د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                        aghanime@hotmail.com

                        تعليق

                        • أبو شامة المغربي
                          السندباد
                          • Feb 2006
                          • 16639


                          رد: أدب الرحـــــــلة ...



                          صور من أدب الرحلات
                          عبد الله حمد الحقيل
                          للقراءة على الرابط التالي:
                          الرحلة

                          حياكم الله

                          د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                          aghanime@hotmail.com

                          تعليق

                          • أبو شامة المغربي
                            السندباد
                            • Feb 2006
                            • 16639


                            رد: أدب الرحـــــــلة ...



                            سبعة محققين ومؤلفين عرب يفوزون بجوائز ابن بطوطة للأدب الجغرافي
                            لمزيد من المعلومات على الرابط التالي:
                            الرحلة

                            حياكم الله

                            د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                            aghanime@hotmail.com

                            تعليق

                            • أبو شامة المغربي
                              السندباد
                              • Feb 2006
                              • 16639


                              رد: أدب الرحـــــــلة ...



                              أدب الرحلات عند عبد السلام العجيلي
                              للقراءة على الرابط التالي:
                              الرحلة

                              حياكم الله

                              د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                              aghanime@hotmail.com

                              تعليق

                              • أبو شامة المغربي
                                السندباد
                                • Feb 2006
                                • 16639


                                رد: أدب الرحـــــــلة ...




                                Présentation de l'éditeur
                                Ce volume contient les oeuvres suivantes: Ibn Fadlân: Récit de voyage
                                Ibn Jubayr: Relation de voyages
                                Ibn Battûta: Voyages et périples. Anonymes: Documents sur la Chine et sur l'Inde
                                Traduit de l'arabe par Paule Charles-Dominique
                                Édition de Paule Charles-Dominique
                                حياكم الله

                                د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                                aghanime@hotmail.com

                                تعليق

                                يعمل...