رد : أدب الرحـــــــلة ...


رحلة ناصر خسرو

فاتحة الكتاب
قال ناصر خسرو
هذا ما يقول أبو معين الدين ناصر خسرو القبادياني المروزي تاب الله عنه كانت صناعتي الإنشاء وكنت من المتصرفين في أموال السلطان وأعماله واشتغلت بالديوان وباشرت هذا العمل مدة من الزمن وذاع صيتي بين أقراني وفي ربيع الآخر سنة أيام أبي سليمان جغري بيك داود بن ميكائيل بن سلجوق حاكم خراسان ذهبت من مرو في عمل للديوان ونزلت في بنج ديه مرو الرود كان ذلك يوم قرآن الرأس والمشتري ويقال إن الله تعالى وتقدس يستجيب فيه إلى ما يطلب الناس من حاجات فذهبت إلى زاوية وصليت ركعتين ودعوته تعالى وتبارك إن ييسر لي أمري فلما عدت لأصدقائي وأصحابي وجدت أحدهم ينشد شعراً فارسياً فجال بخاطري أبيات فكتبتها على ورقة لأعطيه إياها حتى ينشدها فإذا به ينشد ما كتبت من شعر ولما أعطه الورقة فتفاءلت بهذه الحال وقلت في نفسي إن الله تعالى وتبارك قد قضى حاجتي ثم ذهبت إلى جزجانان فمكثت بها حوالي شهر وظللت أشرب الخمر قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قولوا الحق ولو على أنفسكم " حتى إذا كانت ذات ليلة رأيت في المنام رجلاً يقول "لي إلى متى تشرب هذا الشراب الذي يسلب لب الرجال خير لك إن تصحو فأجبت إن الحكماء لا يستطيعون شيئاً غير هذا يقلل هموم الدنيا فأجاب إن التسرية عن النفس لا تتأتى بفقد الشعور والعقل والحكيم لا يستطيع إن يقول إن الرجل المسلوب الفؤاد يصلح هادياً للناس بل ينبغي عليه إن يبحث عما يزيد العقل والحكمة قلت وأنى لي هذا قال من جد وجد ثم أشار إلى القبلة ولم يقل شيئاً فلما صحوت من النوم كانت هذه الرؤيا ماثلة بأكملها أمامي وقد أثرت في فقلت لنفسي صحوت من نوم البارحة وينبغي إن أصحو من نوم أربعين سنة خلت وأمعنت الفكر فوجدتني لن أسعد ما لم أعدل عن كل سلوكي .
وفي يوم الخميس من جمادى الآخر سنة ديسمبر منتصف شهر دي من السنة الفارسية من التقويم اليزدجردي اغتسلت وذهبت إلى الجامع فصليت ودعوت الله تبارك و تعالى إن يعينني على أداء الواجب وعلى ترك المنهيات والسيئات كما أمر الحق سبحانه تعالى.
ثم توجهت من هناك إلى شبورغان وفي المساء كنت في قرية بارياب ومنها سرت إلى مرو الرود عن طريق سنكلان وطالقان فلما بلغت مرو طلبت إعفائي مما عهد إلي من عمل وقلت إني عازم على الحج ثم أديت ما علي من حساب وتركت أموالي عدا القليل الضروري منها.
وفي الثالث والعشرين من شعبان مارس عزمت على السفر إلى نيشابور فسرت من مرو إلى سرخس وهي على ثلاثين فرسخاً منها ومن سرخس إلى نيشابور أربعون فرسخاً وقد بلغتها يوم السبت الحادي عشر من شوال إبريل ويوم الأربعاء آخر هذا الشهر كسفت الشمس كان الحاكم حينئذ طغرل بيك محمد أخو جغري بيك وكانوا يشيدون مدرسة بقرب سوق السراجين أمر ببنائها وقد ذهب أثناء ولايته لأول مرة للاستيلاء على ولاية أصفهان.
وفي الثاني من ذي القعدة مايو غادرت نيشابور في صحبة الأستاذ الموفق الذي كان مؤدباً للسلطان فبلغنا قومس عن طريق كوان وزرت الشيخ بايزيد البسطامي قدس الله روحه.
وفي الجمعة الثامن من ذي القعدة مايو سرت إلى دامغان ثم بلغت سمنان عن طريق آنجوري وجاشت خواران في غرة ذي الحجة سنة يونيو وقد مكثت هناك زمناً وتعرفت بأهل العلم وقد دلوني على رجل اسمه علي النسائي وهو شاب يتكلم الفارسية بلهجة الديالمة كان شعر رأسه مرسلاً كان وهو يتكلم يقول إني قرأت كذا على الأستاذ أبي علي سينا رحمه الله وهكذا سمعت عنه لكي أعرف أنه تلميذ ابن سينا ولما ناظرته قال إني قليل المعرفة بكل علم وأحب إن أقرأ معك قليلاً في الحساب فخرجت متعجبا قلت مإذا يعلم الآخرين وهو لا يعلم شيئاً.
وعدت من بلخ إلى الري ثلاثمائة وخمسين فرسخاً ويقال إنه من الري إلى ساوه ثلاثون فرسخاً ومن ساوه إلى همدان كذلك ومن الري إلى أصفهان خمسون فرسخاً وإلى آمل ثلاثون وبين الري وآمل جبل دماوند وهو كالقبة ويسمى لواسإن ويقال إن بقمته بئراً يستخرج منه النوشادر ويقال والكبريت أيضاً فيصعد عليها رجال يحملون جلود البقر ويملئونها بالنوشادر ثم يدحرجونها من قمة الجبل لتعذر إيجاد طريق لنقلها.

قصة الكتاب
سفر نامة
أقدم ما وصلنا من الرحلات الشرقية المدونة، وأشهر الرحلات الفارسية، وهي أكثر من خمسين رحلة، أنظر قائمة بها في مجلة العرب (س32 ص30).
وكان الدافع للقيام بها ما يعتصر قلب خسرو من الحيرة الدينية، التي تتجلى في معظم مؤلفاته ودواوينه.
ويرى المؤرخ رشيد الدين في كتابه (الورقات ص286) أنه قام بها تلبية لدعوة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، الذي مجده في ديوانه، ونعته بجوهرة التاج ومفخرة الإنس والجن (الديوان ص364) وبسبب مدائحه للمستنصر جعله أحد الحجج الاثني عشر، ونصّبه حجةً على إقليم خراسان، حيث أسس في بلدة (يُمكان) مذهباً خاصاً به، نثر أسسه في كتابه (وجه دين) وأصبح به صاحب فرقة، يدعو إليها ويضطر إلى الاختفاء في الجبال لأجلها. ويعتبر كتابه (زاد المسافرين) من أهم كتب الإسماعيلية، وهو الكتاب الذي حمل عليه الفخر الرازي في كتابه: (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص78).
بدأ خسرو رحلته بالخروج من مرو في ربيع الآخر سنة 437هـ ووصل القاهرة في 7 / صفر/ 439هـ وبقي فيها حتى جمادى الآخرة 442 وعاد إلى بلاده، ووصل إلى بلخ في صحبة أخيه أبي الفتح يوم 26 / جمادى الآخرة / 444هـ.
ومن نوادره ما حكاه لدى زيارته مدينة تنيس، عن القماش المسمى (أبو قلمون) الذي يتغير لونه باختلاف ساعات النهار، وما رآه في سوق القناديل، من التحف النادرة والثمينة.
وفي كتاب: (كنوز الفاطميين) دراسة ما سجله ناصر خسرو عن هذه التحف، ونجده يقف مرة ثانية مدهوشاً أمام نظام الحكومة القرمطية في الأحساء، ونظام التعامل المصرفي في أسواق البصرة، التي أكانت أول من أقر نظام التعامل بالشيكات.
ويعجب الباحثون من حديثه عن مملكة أبي العلاء المعري في المعرة، ووصفه له بأنه واسع الثراء، كثير العبيد، إلا أنه لم يكلف نفسه عناء مقابلته، واكتفى بنقل كلام الناس عنه.
طبعت هذه الرحلة لأول مرة مع ترجمة فرنسية سنة 1881م بعناية شارل شيفر، ثم طبعت في برلين سنة 1341هـ بتحقيق الأستاذ غني زاده.
ثم قام د. يحيى خشاب بترجمتها إلى العربية (القاهرة 1945م) وتلاه الأستاذ محمد دبير سياقي، فقام سنة 1965م بإصدار نشرة علمية للرحلة، بلغتها الأصلية، رجع فيها إلى كل ما عرف من مخطوطاتها، وتصدى لإيضاح كثير من الكلمات الغامضة فيها. ثم قام د. أحمد خالد البدلي بإصدار نشرة عربية للرحلة (الرياض 1983م)، وتناول المرحوم حمد الجاسر هذه النشرة بالنقد في مجلته: العرب (س20 ص486 و609).

د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com


رحلة ناصر خسرو

فاتحة الكتاب
قال ناصر خسرو
هذا ما يقول أبو معين الدين ناصر خسرو القبادياني المروزي تاب الله عنه كانت صناعتي الإنشاء وكنت من المتصرفين في أموال السلطان وأعماله واشتغلت بالديوان وباشرت هذا العمل مدة من الزمن وذاع صيتي بين أقراني وفي ربيع الآخر سنة أيام أبي سليمان جغري بيك داود بن ميكائيل بن سلجوق حاكم خراسان ذهبت من مرو في عمل للديوان ونزلت في بنج ديه مرو الرود كان ذلك يوم قرآن الرأس والمشتري ويقال إن الله تعالى وتقدس يستجيب فيه إلى ما يطلب الناس من حاجات فذهبت إلى زاوية وصليت ركعتين ودعوته تعالى وتبارك إن ييسر لي أمري فلما عدت لأصدقائي وأصحابي وجدت أحدهم ينشد شعراً فارسياً فجال بخاطري أبيات فكتبتها على ورقة لأعطيه إياها حتى ينشدها فإذا به ينشد ما كتبت من شعر ولما أعطه الورقة فتفاءلت بهذه الحال وقلت في نفسي إن الله تعالى وتبارك قد قضى حاجتي ثم ذهبت إلى جزجانان فمكثت بها حوالي شهر وظللت أشرب الخمر قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قولوا الحق ولو على أنفسكم " حتى إذا كانت ذات ليلة رأيت في المنام رجلاً يقول "لي إلى متى تشرب هذا الشراب الذي يسلب لب الرجال خير لك إن تصحو فأجبت إن الحكماء لا يستطيعون شيئاً غير هذا يقلل هموم الدنيا فأجاب إن التسرية عن النفس لا تتأتى بفقد الشعور والعقل والحكيم لا يستطيع إن يقول إن الرجل المسلوب الفؤاد يصلح هادياً للناس بل ينبغي عليه إن يبحث عما يزيد العقل والحكمة قلت وأنى لي هذا قال من جد وجد ثم أشار إلى القبلة ولم يقل شيئاً فلما صحوت من النوم كانت هذه الرؤيا ماثلة بأكملها أمامي وقد أثرت في فقلت لنفسي صحوت من نوم البارحة وينبغي إن أصحو من نوم أربعين سنة خلت وأمعنت الفكر فوجدتني لن أسعد ما لم أعدل عن كل سلوكي .
وفي يوم الخميس من جمادى الآخر سنة ديسمبر منتصف شهر دي من السنة الفارسية من التقويم اليزدجردي اغتسلت وذهبت إلى الجامع فصليت ودعوت الله تبارك و تعالى إن يعينني على أداء الواجب وعلى ترك المنهيات والسيئات كما أمر الحق سبحانه تعالى.
ثم توجهت من هناك إلى شبورغان وفي المساء كنت في قرية بارياب ومنها سرت إلى مرو الرود عن طريق سنكلان وطالقان فلما بلغت مرو طلبت إعفائي مما عهد إلي من عمل وقلت إني عازم على الحج ثم أديت ما علي من حساب وتركت أموالي عدا القليل الضروري منها.
وفي الثالث والعشرين من شعبان مارس عزمت على السفر إلى نيشابور فسرت من مرو إلى سرخس وهي على ثلاثين فرسخاً منها ومن سرخس إلى نيشابور أربعون فرسخاً وقد بلغتها يوم السبت الحادي عشر من شوال إبريل ويوم الأربعاء آخر هذا الشهر كسفت الشمس كان الحاكم حينئذ طغرل بيك محمد أخو جغري بيك وكانوا يشيدون مدرسة بقرب سوق السراجين أمر ببنائها وقد ذهب أثناء ولايته لأول مرة للاستيلاء على ولاية أصفهان.
وفي الثاني من ذي القعدة مايو غادرت نيشابور في صحبة الأستاذ الموفق الذي كان مؤدباً للسلطان فبلغنا قومس عن طريق كوان وزرت الشيخ بايزيد البسطامي قدس الله روحه.
وفي الجمعة الثامن من ذي القعدة مايو سرت إلى دامغان ثم بلغت سمنان عن طريق آنجوري وجاشت خواران في غرة ذي الحجة سنة يونيو وقد مكثت هناك زمناً وتعرفت بأهل العلم وقد دلوني على رجل اسمه علي النسائي وهو شاب يتكلم الفارسية بلهجة الديالمة كان شعر رأسه مرسلاً كان وهو يتكلم يقول إني قرأت كذا على الأستاذ أبي علي سينا رحمه الله وهكذا سمعت عنه لكي أعرف أنه تلميذ ابن سينا ولما ناظرته قال إني قليل المعرفة بكل علم وأحب إن أقرأ معك قليلاً في الحساب فخرجت متعجبا قلت مإذا يعلم الآخرين وهو لا يعلم شيئاً.
وعدت من بلخ إلى الري ثلاثمائة وخمسين فرسخاً ويقال إنه من الري إلى ساوه ثلاثون فرسخاً ومن ساوه إلى همدان كذلك ومن الري إلى أصفهان خمسون فرسخاً وإلى آمل ثلاثون وبين الري وآمل جبل دماوند وهو كالقبة ويسمى لواسإن ويقال إن بقمته بئراً يستخرج منه النوشادر ويقال والكبريت أيضاً فيصعد عليها رجال يحملون جلود البقر ويملئونها بالنوشادر ثم يدحرجونها من قمة الجبل لتعذر إيجاد طريق لنقلها.

قصة الكتاب
سفر نامة
أقدم ما وصلنا من الرحلات الشرقية المدونة، وأشهر الرحلات الفارسية، وهي أكثر من خمسين رحلة، أنظر قائمة بها في مجلة العرب (س32 ص30).
وكان الدافع للقيام بها ما يعتصر قلب خسرو من الحيرة الدينية، التي تتجلى في معظم مؤلفاته ودواوينه.
ويرى المؤرخ رشيد الدين في كتابه (الورقات ص286) أنه قام بها تلبية لدعوة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، الذي مجده في ديوانه، ونعته بجوهرة التاج ومفخرة الإنس والجن (الديوان ص364) وبسبب مدائحه للمستنصر جعله أحد الحجج الاثني عشر، ونصّبه حجةً على إقليم خراسان، حيث أسس في بلدة (يُمكان) مذهباً خاصاً به، نثر أسسه في كتابه (وجه دين) وأصبح به صاحب فرقة، يدعو إليها ويضطر إلى الاختفاء في الجبال لأجلها. ويعتبر كتابه (زاد المسافرين) من أهم كتب الإسماعيلية، وهو الكتاب الذي حمل عليه الفخر الرازي في كتابه: (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص78).
بدأ خسرو رحلته بالخروج من مرو في ربيع الآخر سنة 437هـ ووصل القاهرة في 7 / صفر/ 439هـ وبقي فيها حتى جمادى الآخرة 442 وعاد إلى بلاده، ووصل إلى بلخ في صحبة أخيه أبي الفتح يوم 26 / جمادى الآخرة / 444هـ.
ومن نوادره ما حكاه لدى زيارته مدينة تنيس، عن القماش المسمى (أبو قلمون) الذي يتغير لونه باختلاف ساعات النهار، وما رآه في سوق القناديل، من التحف النادرة والثمينة.
وفي كتاب: (كنوز الفاطميين) دراسة ما سجله ناصر خسرو عن هذه التحف، ونجده يقف مرة ثانية مدهوشاً أمام نظام الحكومة القرمطية في الأحساء، ونظام التعامل المصرفي في أسواق البصرة، التي أكانت أول من أقر نظام التعامل بالشيكات.
ويعجب الباحثون من حديثه عن مملكة أبي العلاء المعري في المعرة، ووصفه له بأنه واسع الثراء، كثير العبيد، إلا أنه لم يكلف نفسه عناء مقابلته، واكتفى بنقل كلام الناس عنه.
طبعت هذه الرحلة لأول مرة مع ترجمة فرنسية سنة 1881م بعناية شارل شيفر، ثم طبعت في برلين سنة 1341هـ بتحقيق الأستاذ غني زاده.
ثم قام د. يحيى خشاب بترجمتها إلى العربية (القاهرة 1945م) وتلاه الأستاذ محمد دبير سياقي، فقام سنة 1965م بإصدار نشرة علمية للرحلة، بلغتها الأصلية، رجع فيها إلى كل ما عرف من مخطوطاتها، وتصدى لإيضاح كثير من الكلمات الغامضة فيها. ثم قام د. أحمد خالد البدلي بإصدار نشرة عربية للرحلة (الرياض 1983م)، وتناول المرحوم حمد الجاسر هذه النشرة بالنقد في مجلته: العرب (س20 ص486 و609).

د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com
تعليق