الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

أدب الرحـــــــلة ...

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أبو شامة المغربي
    السندباد
    • Feb 2006
    • 16639


    #76
    رد : أدب الرحـــــــلة ...



    رحلة ناصر خسرو

    فاتحة الكتاب
    قال ناصر خسرو
    هذا ما يقول أبو معين الدين ناصر خسرو القبادياني المروزي تاب الله عنه كانت صناعتي الإنشاء وكنت من المتصرفين في أموال السلطان وأعماله واشتغلت بالديوان وباشرت هذا العمل مدة من الزمن وذاع صيتي بين أقراني وفي ربيع الآخر سنة أيام أبي سليمان جغري بيك داود بن ميكائيل بن سلجوق حاكم خراسان ذهبت من مرو في عمل للديوان ونزلت في بنج ديه مرو الرود كان ذلك يوم قرآن الرأس والمشتري ويقال إن الله تعالى وتقدس يستجيب فيه إلى ما يطلب الناس من حاجات فذهبت إلى زاوية وصليت ركعتين ودعوته تعالى وتبارك إن ييسر لي أمري فلما عدت لأصدقائي وأصحابي وجدت أحدهم ينشد شعراً فارسياً فجال بخاطري أبيات فكتبتها على ورقة لأعطيه إياها حتى ينشدها فإذا به ينشد ما كتبت من شعر ولما أعطه الورقة فتفاءلت بهذه الحال وقلت في نفسي إن الله تعالى وتبارك قد قضى حاجتي ثم ذهبت إلى جزجانان فمكثت بها حوالي شهر وظللت أشرب الخمر قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قولوا الحق ولو على أنفسكم " حتى إذا كانت ذات ليلة رأيت في المنام رجلاً يقول "لي إلى متى تشرب هذا الشراب الذي يسلب لب الرجال خير لك إن تصحو فأجبت إن الحكماء لا يستطيعون شيئاً غير هذا يقلل هموم الدنيا فأجاب إن التسرية عن النفس لا تتأتى بفقد الشعور والعقل والحكيم لا يستطيع إن يقول إن الرجل المسلوب الفؤاد يصلح هادياً للناس بل ينبغي عليه إن يبحث عما يزيد العقل والحكمة قلت وأنى لي هذا قال من جد وجد ثم أشار إلى القبلة ولم يقل شيئاً فلما صحوت من النوم كانت هذه الرؤيا ماثلة بأكملها أمامي وقد أثرت في فقلت لنفسي صحوت من نوم البارحة وينبغي إن أصحو من نوم أربعين سنة خلت وأمعنت الفكر فوجدتني لن أسعد ما لم أعدل عن كل سلوكي .
    وفي يوم الخميس من جمادى الآخر سنة ديسمبر منتصف شهر دي من السنة الفارسية من التقويم اليزدجردي اغتسلت وذهبت إلى الجامع فصليت ودعوت الله تبارك و تعالى إن يعينني على أداء الواجب وعلى ترك المنهيات والسيئات كما أمر الحق سبحانه تعالى.
    ثم توجهت من هناك إلى شبورغان وفي المساء كنت في قرية بارياب ومنها سرت إلى مرو الرود عن طريق سنكلان وطالقان فلما بلغت مرو طلبت إعفائي مما عهد إلي من عمل وقلت إني عازم على الحج ثم أديت ما علي من حساب وتركت أموالي عدا القليل الضروري منها.
    وفي الثالث والعشرين من شعبان مارس عزمت على السفر إلى نيشابور فسرت من مرو إلى سرخس وهي على ثلاثين فرسخاً منها ومن سرخس إلى نيشابور أربعون فرسخاً وقد بلغتها يوم السبت الحادي عشر من شوال إبريل ويوم الأربعاء آخر هذا الشهر كسفت الشمس كان الحاكم حينئذ طغرل بيك محمد أخو جغري بيك وكانوا يشيدون مدرسة بقرب سوق السراجين أمر ببنائها وقد ذهب أثناء ولايته لأول مرة للاستيلاء على ولاية أصفهان.
    وفي الثاني من ذي القعدة مايو غادرت نيشابور في صحبة الأستاذ الموفق الذي كان مؤدباً للسلطان فبلغنا قومس عن طريق كوان وزرت الشيخ بايزيد البسطامي قدس الله روحه.
    وفي الجمعة الثامن من ذي القعدة مايو سرت إلى دامغان ثم بلغت سمنان عن طريق آنجوري وجاشت خواران في غرة ذي الحجة سنة يونيو وقد مكثت هناك زمناً وتعرفت بأهل العلم وقد دلوني على رجل اسمه علي النسائي وهو شاب يتكلم الفارسية بلهجة الديالمة كان شعر رأسه مرسلاً كان وهو يتكلم يقول إني قرأت كذا على الأستاذ أبي علي سينا رحمه الله وهكذا سمعت عنه لكي أعرف أنه تلميذ ابن سينا ولما ناظرته قال إني قليل المعرفة بكل علم وأحب إن أقرأ معك قليلاً في الحساب فخرجت متعجبا قلت مإذا يعلم الآخرين وهو لا يعلم شيئاً.
    وعدت من بلخ إلى الري ثلاثمائة وخمسين فرسخاً ويقال إنه من الري إلى ساوه ثلاثون فرسخاً ومن ساوه إلى همدان كذلك ومن الري إلى أصفهان خمسون فرسخاً وإلى آمل ثلاثون وبين الري وآمل جبل دماوند وهو كالقبة ويسمى لواسإن ويقال إن بقمته بئراً يستخرج منه النوشادر ويقال والكبريت أيضاً فيصعد عليها رجال يحملون جلود البقر ويملئونها بالنوشادر ثم يدحرجونها من قمة الجبل لتعذر إيجاد طريق لنقلها.


    قصة الكتاب
    سفر نامة
    أقدم ما وصلنا من الرحلات الشرقية المدونة، وأشهر الرحلات الفارسية، وهي أكثر من خمسين رحلة، أنظر قائمة بها في مجلة العرب (س32 ص30).
    وكان الدافع للقيام بها ما يعتصر قلب خسرو من الحيرة الدينية، التي تتجلى في معظم مؤلفاته ودواوينه.
    ويرى المؤرخ رشيد الدين في كتابه (الورقات ص286) أنه قام بها تلبية لدعوة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، الذي مجده في ديوانه، ونعته بجوهرة التاج ومفخرة الإنس والجن (الديوان ص364) وبسبب مدائحه للمستنصر جعله أحد الحجج الاثني عشر، ونصّبه حجةً على إقليم خراسان، حيث أسس في بلدة (يُمكان) مذهباً خاصاً به، نثر أسسه في كتابه (وجه دين) وأصبح به صاحب فرقة، يدعو إليها ويضطر إلى الاختفاء في الجبال لأجلها. ويعتبر كتابه (زاد المسافرين) من أهم كتب الإسماعيلية، وهو الكتاب الذي حمل عليه الفخر الرازي في كتابه: (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص78).
    بدأ خسرو رحلته بالخروج من مرو في ربيع الآخر سنة 437هـ ووصل القاهرة في 7 / صفر/ 439هـ وبقي فيها حتى جمادى الآخرة 442 وعاد إلى بلاده، ووصل إلى بلخ في صحبة أخيه أبي الفتح يوم 26 / جمادى الآخرة / 444هـ.
    ومن نوادره ما حكاه لدى زيارته مدينة تنيس، عن القماش المسمى (أبو قلمون) الذي يتغير لونه باختلاف ساعات النهار، وما رآه في سوق القناديل، من التحف النادرة والثمينة.
    وفي كتاب: (كنوز الفاطميين) دراسة ما سجله ناصر خسرو عن هذه التحف، ونجده يقف مرة ثانية مدهوشاً أمام نظام الحكومة القرمطية في الأحساء، ونظام التعامل المصرفي في أسواق البصرة، التي أكانت أول من أقر نظام التعامل بالشيكات.
    ويعجب الباحثون من حديثه عن مملكة أبي العلاء المعري في المعرة، ووصفه له بأنه واسع الثراء، كثير العبيد، إلا أنه لم يكلف نفسه عناء مقابلته، واكتفى بنقل كلام الناس عنه.
    طبعت هذه الرحلة لأول مرة مع ترجمة فرنسية سنة 1881م بعناية شارل شيفر، ثم طبعت في برلين سنة 1341هـ بتحقيق الأستاذ غني زاده.
    ثم قام د. يحيى خشاب بترجمتها إلى العربية (القاهرة 1945م) وتلاه الأستاذ محمد دبير سياقي، فقام سنة 1965م بإصدار نشرة علمية للرحلة، بلغتها الأصلية، رجع فيها إلى كل ما عرف من مخطوطاتها، وتصدى لإيضاح كثير من الكلمات الغامضة فيها. ثم قام د. أحمد خالد البدلي بإصدار نشرة عربية للرحلة (الرياض 1983م)، وتناول المرحوم حمد الجاسر هذه النشرة بالنقد في مجلته: العرب (س20 ص486 و609).

    د. أبو شامة المغربي
    kalimates@maktoob.com

    تعليق

    • أبو شامة المغربي
      السندباد
      • Feb 2006
      • 16639


      #77
      رد : أدب الرحـــــــلة ...

      رحلة لسان الدين بن الخطيب
      خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف
      قال لسان الدين بن الخطيب
      نحمد الله حمد معترف بحقه، ونشكره على عوائد فضله ورفقه، الذي جعل لنا الأرض ذلولا نمشي في مناكبها، ونأكل من رزقه، ونصلي على سيدنا ومولانا محمد خيرته من خلقه، ونستوهب للمقام المولوي اليوسفي النصري سعداً يتلألأ نور أفقه، ونصراً يتلى بغرب المعمور وشرقه. ونقول:
      وقائلة صف لي فديتـك رحـلةً*عنيت بها يا شقة القلب من بعد
      فقلت خذيها من لسـان بـلاغة*كما نظم الياقوت والدر في عقد
      لما وقع العزم الذي وفقه الله على مصالح هذه الجزيرة، والقصد المعرب عن كريم العقيدة وفضل السريرة، على تفقد بلادها وأقطارها، وتمهيد أوطانها، وتيسير أوطارها، رأى من قلده الله أمورها، ووكل إلى حمايته ثغورها، مولانا وعصمة ديننا ودنيانا أمير المسلمين وظل الله على العالمين أبو الحجاج بن مولانا أمير المسلمين وكبير الملوك العادلين الصالحين أبي الوليد إسماعيل بن مولانا الهمام الأعلى، الذي تروى مفاخره وتتلى، أبي سعيد حفظ الله منه على الأيام بحر الندى، وبدر المنتدى، وسابق الفخر البعيد المدى وشمله برواق عصمته كلما راح واغتدى، أن يباشرها بنفسه، ويجعل آفاقها مطالع شمسه، نظراً للإسلام وقياماً بحقه، وعملا على ما يقربه ممن استخلفه على خلقه، في وجهة خالفها الغمام المنسجم، وقصبة قضى لها بالسعد من لا ينجم، فكان البروز إليها يوم الأحد سابع عشر المحرم فاتح عام ثمانية وأربعين وسبعمائة.

      خرجنا وصفحة الأفق بالغيم منتقبة وأدمع السحب لوداعنا منسكبة نتبع من الراية الحمراء دليلا هادياً، وتغترف من وجهتنا الجهادية سناء بادياً ونثق بوعد الله سبحانه في قوله ولا يقطعون وادياً. وسلكنا جادة الماء المفروش نسرح اللحاظ بين تلك العروش، ونبتذل ما نحلته عروش الربيع من تلك الفروش، ومن له بالحضرة حرسها الله شوق حثيث، وهوى قديم وحديث، يكثر الالتفات، ويتذكر لما فات ويبوح بشجنه، وينشد مشيراً إلى سكنه.
      يوم أزمعت عنك طي البعـاد*وعدتني عن الوداع العواد
      يقال صحبي وقد أطلت التفاتي*أي شيء تركت قلت فؤادي
      وربما غلبته لواعج أشراقه، وشبت زافراته عن أطواقه، فعبر عن وجده، وخاطب الحضرة معرباً عن حسن عهده:
      ألا عم صباحاً أيها الربع وأسلـم*ودم في جوار الله غير مذمـم
      ولا عدمت أرجاؤك النور إنهـا*مطالع أقماري وآفاق أنـجـم
      إذا نسى الناس العهود وأغفلـوا*فعهدك في قلبي وذكرك في فم
      وإني وإن أزمعت عنك لـطـية*وقوضت رحلي عنك دون تلوم
      فقلبي لك البيت العتيق مقـامـه*وشوقي إحرامي ودمعي زمزم
      ثم استقلت بنا الحمول، وكان بوادي فردس النزول، منزل خصيب ومحل له من الحسن نصيب، ولما ابتسم ثغر الصباح، وبشرت بمقدمة نسمات الرياح، ألغينا عمل السراج إلى الإسراج، وشرعنا في السير الدائب، وصرفنا إلى وادي آش صروف الركائب، واجتزنا بوادي حمتها، وقد متع النهار، وتأرجت الأزهار، فشاهدنا به معالم الأعلام، وحيينا دار حمدة بالسلام، وتذاكرنا عمارة نواديها، وتناشدنا قولها في واديها:
      أباح الشوق أسـراري بـوادي*له في الحسن آثـار بـوادي
      فمن واد يطوف بـكـل روض*ومن روض يطوف بكل وادي
      ومن بين الظباء مـهـاة رمـل*سبت قلبي وقد ملكت فـؤادي
      لهـا لـحـظ تـرقـده لأمـر*وذاك الأمر يمنعنـي رقـادي
      كأن البدر مـات لـه شـقـيق*فمن حزن تسربل بالـحـداد
      واستقبلنا البلدة حرسها الله في تبريز سلب الأعياد احتفالا، وغصبها حسنها، وجمالها نادي بأهل المدينة، موعدكم يوم الزينة، فسمحت الحجال برباتها، والقلوب بحباتها، والمقاصر بحورها، والمنازل ببدورها، فرأينا تزاحم الكواكب بالمناكب وتدافع البدور بالصدور بيضاء كأسراب الحمائم، والقرى الجميل فبتنا نثني على مكارمهم الوافية، وفواضلهم الكافية ولم نحفل بقول ابن أبي العافيه:
      إذا ما مررت بوادي الأشا*فقل رب من لدغة سلم
      وكيف السلامة في منزل*فيه عصبة من بنى أرقم
      قصة الكتاب
      خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف
      إحدى رحلات لسان الدين ابن الخطيب الأربع، التي أودع فيها مشاهداته في تنقلاته الطويلة، وهي:
      1- خطرة الطيف
      2- مفاخرة مالقة وسلا.
      3- معيار الاختبار في ذكر المعاهد والآثار.
      4- نفاضة الجراب في علالة الاغتراب.
      أما خطرة الطيف، فهي مقامة، وصف فيها رحلة رسمية، قام بها إلى غرناطة، في صحبة أمير المسلمين أبي الحجاج يوسف بن نصر، لتفقد أحوال الثغور الشرقية لمملكة غرناطة. وكان خروج الركب السلطاني من غرناطة: يوم الأحد 17 / محرم / 747هـ نشرها لأول مرة: المستشرق الألماني ماركوس جوزيف (مولر) في كتابه (نخب من تاريخ المغرب العربي) سنة 1866م معتمداً فقط على ما ورد من هذه الرحلة في كتاب (ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب) لابن الخطيب.
      وعثر د. أحمد مختار العبادي على نسخة أخرى لهذه الرحلة في مكتبة الأسكوريال، تقع في (19) ورقة، فعمل على نشرها من جديد، لوجود بعض الاختلافات بين النسختين.
      وانظر مجلة العرب (س14 ص799) وفيها تعريف بكتاب ابن الخطيب (أوصاف الناس في التواريخ والصلات) ترجم فيه لمعاصريه من أهل بلاده، وكتابه (معيار الاختيار) المذكور آنفاً، وهو مستخرج من كتابه: (ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب).
      د. أبو شامة المغربي

      تعليق

      • أبو شامة المغربي
        السندباد
        • Feb 2006
        • 16639


        #78
        رد : أدب الرحـــــــلة ...

        رسالة ابن عَميرة المخزومي الأندلسي في الوصف التسجيلي.
        أ - رسائل الوصف التسجيلي ( الوثائقي ):

        كانت الرحلة مصدر علم وأدب غزيرين، وفي الكتب الخاصة بالرحلات المعروفة؛ كرحلة ابن جبير والعبدري وابن بطوطة وغيرها نماذج مفيدة وممتعة لهذا الوصف التسجيلي، تفي بحاجة المؤرخ المستخبر والأديب المتذوق.
        ويمكن أن نضيف إلى كتب الرحلات الكبيرة المعروفة رسائل الكتاب الخاصة القصيرة المجهولة المتعلقة برحلاتهم وزياراتهم، وبمشاهداتهم ومعاناتهم خلال حركاتهم وتنقلاتهم عبر الأمكنة والأزمنة المختلفة.
        وكان كتاب الأندلس أكثر من تناول موضوع رحلاتهم وتنقلاتهم الشخصية بالتسجيل والتوثيق، نتيجة لاضطراب موجة الحياة العامة في الأندلس التي كانت تقذف بهم تارة إلى العدوة المغربية القريبة، وتارة إلى البلاد المشرقية البعيدة، وتارة أخرى إلى داخل ممالك الأندلس النصرانية، وخاصة بعد أن قويت حركة الجلاء التي أعقبت سقوط دولة الموحدين بالأندلس...
        وقد كتب أبو المطرف بن عَميرة الأندلسي صديق ابن الأبار، ورفيقه في درب الكتابة والأدب والكفاح، رسائل كثيرة من هذا النوع سجل فيها مذكراته وانطباعاته عن أحوال سفره ومعاناته في الرحلة بين كثير من جهات العدوتين.
        وهذا سجل ملخص عن سيرته وحياته التي توزعت بين الأندلس والمغرب وتونس:
        هو أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن أحمد بن عَميرة(1) المخزومي، ولد في جزيرة شُقْر الأندلسية الموصوفة عند المؤرخين والجغرافيين بجمالها وحسن منظرها، سنة 582 هجرية، وبها نشأ وفيها أهله الذين كان يعود إليهم بين الفينة والأخرى كلما انتهى من تجواله، وسكن بلنسية زمنا بحكم دراسته ووظيفته، كما تنقل بين كثير من المدن الأندلسية الأخرى بحثا عن العلم والمجد والحظوة. فقد كتب عن أبي عبد الله بن حفص في بلنسية ، وعن واليها السيد أبي زيد كصديقه ابن الأبار، كما كتب عن ابن هود في مرسية، وتقلد منصب القضاء بشاطبة.
        وعندما ساءت الأوضاع بالأندلس، وبدأت حركة الجلاء توجه إلى المغرب سنة 637 هجرية، فكتب عن الخليفة الموحدي الرشيد بمراكش قبيل انقراض دولة الموحدين نهائيا، وتقلد منصب القضاء في بعض المدن المغربية كهيلانة والرباط وسلا ومكناسة، وبقي في بلاد المغرب إلى سنة 646 هجرية.
        وبعد هذه السنة انتقل إلى بلاد إفريقية ( تونس) حيث بلاط الحفصيين، وبقي فيها إلى أن وافته المنية سنة 658 هجرية. وفي أثناء ذلك تقلد منصب القضاء كعادته في بعض الجهات الحفصية إلى جانب مناصب سياسة أخرى؛ فقد كانت صلته ببلاط الحفصيين وطيدة ومتمكنة، وربما يرجع ذلك إلى خبرته ودبلوماسيته، وحسن مداخلته للناس خاصتهم وعامتهم بخلاف صديقه ابن الأبار الذي سجل عليه بعض من ترجموا له أنه كان ضيق الخلق، وصريحا وعنيفا في لومه وانتقاده، مما أثار حفيظة الحفصيين عليه، كما اتضح من خلال كلام ابن خلدون عنه، وقد سقناه في الإدراج السابق.
        وابن عَميرة هذا أحد كتاب الرسائل الإخوانية المبرزين، فله رسائل كثيرة في موضوع الإخوانيات، مما يدل من جهة، على كثرة إخوانه وأصدقائه، ومن جهة ثانية، على حرصه وعمله الدؤوب من أجل تمكين وتوطيد علاقاته بهم، وذلك بمخاطبة ودهم والتشوق إلى لقائهم ومواساتهم عند الجزع، والحرص على نفعهم، والسعي في مصالحهم عند الشدائد لدى أصحاب الأمر والنهي من الرؤساء والأمراء والوزراء والأعيان، وربما عرضنا لبعض خدماته الإخوانية والإنسانية العظيمة، بشيء من التفصيل في إدراجات لاحقة.
        وهذا الآن، مقتطف من رسالة كتبها ابن عَميرة إلى صديقه أبي عبد الله بن الجنان، يصف فيها أهوال رحلته إلى (ألمرية) بالأندلس، وكيف ضل الطريق، وفقد المركوب وأحدَ مرافقيه وكان يدعى سحيم، بسبب هبوب رياح قوية من جهة البحر، أثارت زوابع رملية كثيفة غطت الفضاء وحجبت الرؤية وملأت العيون والأسبلة (اللحى)، ثم كيف احتمى مع رفاقه ببعض الأبنية الواهية العفنة، حتى تهدأ العاصفة.
        وقد لا يخفى على القارئ الكريم تعقد صنعة الكتابة عند أبي المطرف بن عَميرة، وخاصة فيما يخص صناعة التجنيس التي تقوم على مبدأ التماثل الخطي والصوتي بين الكلمات كما في قوله: ( ونادينا وقد ند من يسمع المنادي) حيث حرف الدال والنون هما نقطة الارتكاز في هذا المثال، وفي قوله أيضا: (ووجدنا من تغير الهواء وجد آل عذرة بالهوى) حيث الارتكاز هنا على حروف الواو والجيم، والدال، والهاء، والواو، والألف.
        والتجنيس من أهم الصناعات اللفظية التي سادت في عصر ابن عَميرة، والتي يسعى الكاتب من خلالها إلى تحقيق قيم التناسب والجمال في كتابته.
        وواضح تأثر ابن عَميرة بمدرسة العماد الأصفهاني كاتب صلاح الدين الأيوبي المشهور المتوفى سنة 597هجرية، وهو أحد رموز صناعة التجنيس في تاريخ الكتابة، وقد بالغ فيها أيما مبالغة حتى عيب عليه ذلك، والتزمها في سائر مكاتباته ومصنافته العديدة في مجال التاريخ والتراجم.
        أما تضمين الإشارات المختلفة، وهو ما يعرف الآن ب(التناص)، فكان القصد منه أن يعرض الكاتب بضاعته المعرفية في موضعها الصحيح وسياقها المناسب، مما قد يدل على سعة معرفته واطلاعه، وقد ألم ابن عَميرة بصناعة التضمين في قوله: (وخشينا أن تكون قارظية)، وقد أشار هنا بكلمة (قارظية) إلى المثل العربي الموجود في كتب الأمثال الذي يقول: (حتى يؤوب القارظ)، وهذا المثل يضرب في الذي يذهب ولا يعود، وأصله أن رجلا من قبيلة عنزة خرج يطلب القرظ: وهو ورق السلم يدبغ به، فلم يعد، فضرب به المثل.
        والتضمين من الصناعات المعنوية التي تتطلب من القارئ حسن الاطلاع والتوسع حتى يتمكن من إدراك حقيقة وأبعاد المعاني الكامنة وراء تلك الإشارات والتضمينات.
        مقتطف من رسالة ابن عميرة في الوصف التسجيلي:

        ولا تسأل عن يوم كابدته، ورفيق ناكدني وناكدته، والسفر فيه الحلو والكريه، والرفقاء منهم الحليم والسفيه، ضللنا ولا هادي، ونادينا وقد ند من يسمع المنادي، حتى خفناها قضية، وخشينا أن تكون قارظية، وبعد العشاء الطويل اهتدينا إلى السبيل، وسرنا وقد قوي الطوى، ووهنت القوى، ووجدنا من تغير الهواء وجد آل عذرة بالهوى.

        ومن شديد ما لقينا ريح عاتية، عادية عادية، هبت من الجهة البحرية، وعصفت على القرب من ألمرية، فأثارت رمالا، أرتنا أهوالا، وملأت منا عيونا وسبالا، فيا لساعة أضاعت المكتوبة، ودلهت الحجرين: العقل والركوبة، وهناك ضاع منا سحيم، وحال دونه عجاج وغيم، وملنا بعد الشقة المتناهية إلى بعض المباني الواهية، فبتنا ندافع بكنه البرد، ونستنشق من خسائس حشه النسرين فالورد، ونباهي بخرابه إيوان كسرى أو يزدجرد
        .
        ******

        هامش: (1) عَميرة بفتح العين، هكذا ضبط اسمه لدى أكثر من ترجموا له، عند القدماء، وعند المحدثين أيضا، كما عند الدكتور محمد بن شريفة مضبوطا، في عنوان كتابه الذي خصصه لهذا الكاتب بفتح العين، تحت عنوان: (أبو المطرف أحمد بن عَميرة المخزومي، حياته وآثاره) وعمل الدكتور بن شريفة هذا هو في الأصل أطروحة جامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا، من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1964م، وكانت أول أطروحة جامعية عليا تناقش بالمغرب.
        المصدر على الرابط التالي:
        د. أبو شامة المغربي

        تعليق

        • أبو شامة المغربي
          السندباد
          • Feb 2006
          • 16639


          #79
          رد : أدب الرحـــــــلة ...

          تعليق

          • أبو شامة المغربي
            السندباد
            • Feb 2006
            • 16639


            #80
            رد : أدب الرحـــــــلة ...

            سميرة أنساعد

            د. أبو شامة المغربي

            تعليق

            • أبو شامة المغربي
              السندباد
              • Feb 2006
              • 16639


              #81
              رد : أدب الرحـــــــلة ...




              ((تحفة الملك العزيز بمملكة باريز))
              من أدب الرحلات للسفير إدريس بن إدريس العمراوي
              تقديم وتعليق الدكتور زكي مبارك
              عرض الدكتور مصطفى محمد العبد الله


              د. أبو شامة المغربي

              kalimates@maktoob.com

              تعليق

              • أبو شامة المغربي
                السندباد
                • Feb 2006
                • 16639


                #82
                رد : أدب الرحـــــــلة ...

                تعليق

                • أبو شامة المغربي
                  السندباد
                  • Feb 2006
                  • 16639


                  #83
                  رد : أدب الرحـــــــلة ...

                  المؤرّخون والجغرافيّون والرّحالة
                  هاشم عثمان
                  د. أبو شامة المغربي

                  تعليق

                  • أبو شامة المغربي
                    السندباد
                    • Feb 2006
                    • 16639


                    #84
                    رد : أدب الرحـــــــلة ...

                    تعليق

                    • أبو شامة المغربي
                      السندباد
                      • Feb 2006
                      • 16639


                      #85
                      رد : أدب الرحـــــــلة ...




                      مناقشة لمصادر قضية أحمد ابن ماجد
                      ياسين عبد اللطيف


                      د. أبو شامة المغربي

                      kalimates@maktoob.com

                      تعليق

                      • أبو شامة المغربي
                        السندباد
                        • Feb 2006
                        • 16639


                        #86
                        رد : أدب الرحـــــــلة ...

                        عدد خاص من مجلة (ألف) عن
                        أدب الرحلات
                        صدر العدد الجديد من المجلة الأكاديمية [ألف] والتي تصدر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة وتنشر مقالات مكتوبة باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية وتتبع نظام التحكيم التخصصي المتعارف عليه في الدوريات الأكاديمية، ويشرف عليها فريال جبوري غزول.
                        وقد تم تخصيص هذا العدد لموضوع الرحلة شهوة الترحال: أدب الرحلة في مصر والشرق الأوسط، حيث حفل بمواضيع ثرية نظرية وتطبيقية أصيلة لنقاد أكاديميين وباحثين خبروا الموضوع من جوانب مختلفة.
                        يقع العدد في 528 صفحة موزعة على قسمين اثنين، القسم العربي وساهم فيه جون رودنبك، شعيب حليفي، عبد الرحيم مؤذن، سيزا قاسم، مديحة دوس، محمد بريري، عصام بهي، سعيد الوكيل، وليد الخشاب، وليد منير وفخري صالح.
                        أما القسم الثاني الإنجليزي والفرنسي فقد افتتح بحوار مع جون رودنبك ثم مقالات لكل من مايكل هاج، سحر صبحي مارانعمان، تيرينس والز، سارة سيرايت، ماليز راثفن، فدوى جمال، ج. د. جونز، نبيل مطر، هاشم فودة.
                        جاء في افتتاحية العدد قيام المساهمين بتحليل نصوص رحلات من مختلف العصور والأماكن، مع التركيز على أدب الرحلة في الوطن العربي، أو في نصوص رحالة عرب إلى مناطق أخرى من العالم، فهناك في هذا العدد دراسات عن الرحالة والرحلات، الرحلة الصوفية والتجوال السياحي، رحلات مكتوبة في القرون الوسطى وفي القرن الثامن عشر، الرحلة في مطلع القرن العشرين عبر استكشاف بغداد بمقالات مصورة واستكشاف جنوب أفريقيا بيوميات مسافرة...
                        د. أبو شامة المغربي

                        تعليق

                        • أبو شامة المغربي
                          السندباد
                          • Feb 2006
                          • 16639


                          #87
                          رد : أدب الرحـــــــلة ...

                          الرحلة التتويجية الى عاصمة البلاد الإنجليزية
                          المؤلف:

                          ترجمة وتحقيق: عبد الرحيم مودن
                          عدد الأجزاء: 1

                          سنة النشر: 2003
                          الطبعة رقم: 1
                          الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
                          صفحة: 85
                          عمل ينتمي إلى ما نسميه بـ "أدب الرحلة المضاد"، وينبني على مقاومة التمثلات الإستشراقية التي تعج بها كتب الرحالة الغربيين الذين زاروا الشرق، وكتبوا عنه نصوصا تكرس متخيلات مخترعة.
                          قيمة الرحلة أنها تكشف عن وجهة نظر مغربية عربية تجاه المجتمع الأوروبي المتمثل في إنجتلرا باعتباره الآخر المتقدم القوي، المالك لأدوات التكنولوجيا والتنمية، والباحث عن مستعمرات وأسواق، وعلى صغر حجم النص فإنه يكشف عن الهاجس الحضاري المستنير لمؤلفه.

                          رحلة مهمومة بمشكلة التحديث، كتبت بروح من التحرر الذي يهجر قليلا أو كثيرا فكرة دار الكفر، فضلا عما تقدمه من فكرة قيمة عن الإشكالية الفعلية لبدايات الترجمة في المغرب العربي.

                          د. أبو شامة المغربي

                          تعليق

                          • السندباد
                            كاتب مسجل
                            • Mar 2006
                            • 48
                            • ---
                              سافرْ تَجِدْ عِوَضاً عَمَّنْ تُفَارِقُهُ
                              وَانْصَبْ، فإنَّ لَذِيذَ العيشِ في النَّصَــــبِ
                              إنِّي رأيتُ وُقُوفَ الماءِ يُفْسِدُهُ
                              إنْ سَالَ طَابَ، وإنْ لم يَجْرِ لم يَطِــــــــبِ
                              والشمسُ لَوْ وَقَفَتْ في الْفُلْكِ دائمةً
                              لَمَلَّهَا الناسُ مِنْ عَجَمٍ ومِن عُرْبِ

                            #88
                            رد : أدب الرحـــــــلة ...

                            العرب القدامى كانوا أكثر استكشافاً
                            (ارتياد الآفاق)
                            مشروع أدب الرحلات
                            بسمة الخطيب
                            الحوار المتمدن
                            العدد: 1737
                            2006 / 11 / 17
                            **
                            هو، ورغم ذلك فقد ظلّ طوال عشرة قرون، مجهولاً ومهملاً، لكن يبدو أن هذا لم يعد مصير الآن، بعد ستة أعوام من إطلاق المثقف الإماراتي محمد السويدي مشروعه الرائد (ارتياد الآفاق)، الهادف إلى رفع راية هذا اللون الأدبي والفني والثقافي، وهو المشروع الذي سيكون عنوان المرحلة الحديثة الأهم، عربياً، في تاريخ هذا الأدب.

                            عام 2000 أعلن السويدي عن مشروع (ارتياد الآفاق)، الذي انطلق عملياً عام 2001 مع أول إصداراته تحت إشراف الشاعر نوري الجرّاح، الذي تقاطع شغفه بأدب الرحلة مع طموحات السويدي، ومن أبو ظبي انطلق المشروع إلى كل أقطار العالم، باحثاً عن كلّ مخطوطة تروي رحلة حاجّ ورحالة وتاجر ومغامر ومستشرق...
                            الهدف الكبير كما يوحي عنوان المشروع: المعرفة والعلم واكتشاف الذات والآخر، وأهمّ من كلّ هذا نفض الغبار عن تراث أدبي عربي عريق وثمين أهمله أهله طويلاً.
                            كذلك رمى المشروع إلى الكشف عن نصوص مجهولة لكتّاب ورحّالة عرب ومسلمين جابوا العالم ودوّنوا رحلاتهم ومشاهداتهم وانطباعاتهم وتحليلاتهم، إضافة إلى تسليط الضوء على ما كتبه الرحّالة الغربيون والمستشرقون الذين زاروا ديارنا العربية والإسلامية وعادوا إلى بلادهم بالكثير من الانطباعات المسبقة التي غادروا بها، مروّجين لشرق (ألف ليلة وليلة) والخرافة والشعوذة، ممهّدين للغزو الغربي الثقافي ومن بعده العسكري. يقول السويدي هنا إن الاستفزاز الذي شعرت به النخب العربية والإسلامية بسبب هذه الصور غير المكتملة بل الزائفة دفعها إلى رحلة عكسية، أي الرحيل نحو الآخر بحثاً واستكشافاً والعودة بوصف لما شاهدته وخبرته وإثارة صراع فكري بين الغرب والشرق، وليس مشروع السويدي سوى استئناف لتلك الرحلة العكسية، وخطوة جديدة تنطلق من شبه الجزيرة العربية.
                            مئة رحلة عربية إلى العالم
                            انطلاقاً من هذه الأهداف بدأ (ارتياد الآفاق) بإصدار سلسلة (مئة رحلة عربية إلى العالم) التي تكشف كيف رأى العرب العالم عبر رحلاتهم، وكيف ركّزوا على رصد ملامح النهضة العلمية والصناعية والثقافية والعمرانية...
                            ويتكرّر مع صدور كلّ كتاب، والإعلان عن كلّ خطوة جديدة أن الهدف هو الكشف عن طبيعة الوعي الإنساني بالآخر الذي تساهم في تشكيله الرحلة، وعن الثروة المعرفية التي يختزنها أدب الرحلات المتميّز بمادّته السردية المشوّقة المطعّمة بالعجائب والغرائب والطقوس الفريدة ...
                            وكذلك الكشف عن همّة الإنسان العربي في ارتياد الآفاق، وليست الجملة الأخيرة مجرد صدفة أو كلمة تقال، بل يرمي بها السويدي القول بوضوح إن العربي كان ينزع نحو ارتياد الآفاق الجديدة واستكشاف الآخر في الماضي أكثر بما لا يقاس مما يفعل حالياً، منبّهاً بطريقة غير مباشرة إلى خطورة التقوقع والعزلة المسؤولة عن الجهل والتأخّر عن اللحاق بركب المسيرة الإنسانية.
                            تبعت سلسلة (مئة رحلة عربية إلى العالم) عدّة خطوات مكمّلة، مثل الندوة السنوية لأدب الرحلة جائزة ابن بطوطة سلسلة (سندباد الجديد)-(موسوعة رحلات الحج)-(شرق الغربيين)(رحّالات شرقيّات)...
                            وبحلول العام 2006 كان قد صدر عن (المركز العربي للأدب الجغرافي ارتياد الآفاق) حوالى 140 كتاباً بين مخطوطة ونصّ ودراسة ومصنّف جغرافي وترجمة لأثر أجنبي.
                            تنقلت الندوة السنوية التي ينظّمها المركز منذ 2003 تحت عنوان (ندوة الرحالة العرب والمسلمين) بين المغرب والجزائر والسودان، وسترسو مطلع 2007 في الإمارات، وهي في كلّ مرة تجمع دراسات وأبحاثاً حول مدوّنات الرحالة العرب والمسلمين في رحلاتهم بين الشرق والغرب الهادفة إلى اكتشاف الذات والآخر...
                            كما تخلّلها الإعلان عن (جوائز ابن بطوطة)، وهي عبارة عن جائزة تحقيق مخطوطات الرحلة الكلاسيكية، وجائزة الرحلة المعاصرة، وجائزة دراسات أدب الرحلة، وأضيفت لها جائزتان هذا العام هما: (جائزة الرحلة الصحافية)، وجائزة (المذكرات واليوميات)، كما ستعلن هذا العام عن جائزة جديدة للعام 2007 هي جائزة شخصية عربية أو أجنبية أثرت أدب الرحلة.

                            أدب جديد
                            سنة بعد أخرى يكبر المشروع وتتسع آفاقه، تتزايد فروع الجائزة وقائمة الإصدارات، ولا شكّ بأنّ هذا المشروع الرائد سيجد نفسه أمام نوع آخر من الأسئلة والتحدّيات تحديداً وهو في طور إنجاز جزء كبير من أهدافه ونشر المزيد من كلاسيكيات أدب الرحلة أو الرحلات المعاصرة.
                            تتعلّق هذه الأسئلة بجوهر أدب الرحلة نفسه كأدب عالمي له تقنياته وأدواته، يتلمّس المؤرّخون وجوده في أقدم الأعمال الأدبية والشعرية منذ هيرودوت وأوديسة هوميروس مروراً بكوميديا دانتي الإلهية التي يعبر خلالها في رحلة إلى الجحيم والمطهر والجنة، ثم(كتاب عجائب الدنيا) لماركو بولو وكتابات كولمبوس وأمريكو فسبوتشي وابن بطوطة وفولتير...
                            إذاً بعدما يُتِمّ (المركز) نشر الكثير من نصوص الرحلات وبينما يحقّق في دورها في ما يسمى علاقة الشرق بالغرب سيحين وقت التساؤل عن ماهية هذا الأدب وقواعده وخصائصه السردية والفنية والمقارنة بين ماضيه وحاضره واستشراف مستقبله، وبعد التركيز على أدب الرحلة كجسر بين الثقافات ومرآة للمجتمعات يأتي وقت تناوله كأدب وفنّ له مدارسه المختلفة ودعائمه الأسلوبية ومساراته السردية...
                            كان (أدب الرحلة) قد عرف نقلة نوعية حين قدّمه ستيفنسن وديفو وملفيل وكونراد تحت خانة (أدب المغامرة)، وأضفى عليه جول فرن صبغة علمية أو بالأحرى (خيالية علمية)، كما تحوّلت هذه الرحلات إلى مادة غنيّة لأدب الفتيان والأطفال... اليوم يقال: إنّ هذا الأدب فقد سحره بعد التطوّر التكنولوجي الهائل وتطوّر خدمات الأقمار الصناعية وشبكات الإنترنت و(غوغل إيرث)أبرزها، في فتح آفاق العالم أمام الجميع... هذه مقولة مطروحة للنقاش لأنّ آخرين يدحضونها ويرون أن توق الإنسان إلى الترحال ما زال قائماً بل متّقداً نحو أماكن تعرّضت لتغييرات اجتماعية وسياسية وحتى جيولوجية ونحو الفضاء كمثال بديهي، حيث يُنتظر أن يعود كلّ رائد فضاء و(سائح فضائي) بكتاب لن يكون إلا إضافة إلى (أدب الرحلة الجديد).
                            كما يطرح آخرون أدب رحلةٍ مقترناً بمتصفّحي الانترنت والرحالة الافتراضيين والرحّالة المقتدين بشبكة النتّ بدل البوصلة والخريطة الورقية، ليس لاكتشاف المجاهل الجغرافية كما في الماضي بل لإعادة قراءتها وتلمس تغييراتها... فهل سيكون للعرب مكان في (أدب الرحلة الجديد) أم سينتظرون عشرة قرون جديدة كي يقولوا كلمتهم؟ لا يبدو أن السويدي والجراح يملكان كلّ هذا الصبر.


                            http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=81036
                            السندباد
                            التعديل الأخير تم بواسطة السندباد; 12-20-2006, 10:13 AM.

                            تعليق

                            • السندباد
                              كاتب مسجل
                              • Mar 2006
                              • 48
                              • ---
                                سافرْ تَجِدْ عِوَضاً عَمَّنْ تُفَارِقُهُ
                                وَانْصَبْ، فإنَّ لَذِيذَ العيشِ في النَّصَــــبِ
                                إنِّي رأيتُ وُقُوفَ الماءِ يُفْسِدُهُ
                                إنْ سَالَ طَابَ، وإنْ لم يَجْرِ لم يَطِــــــــبِ
                                والشمسُ لَوْ وَقَفَتْ في الْفُلْكِ دائمةً
                                لَمَلَّهَا الناسُ مِنْ عَجَمٍ ومِن عُرْبِ

                              #89
                              رد : أدب الرحـــــــلة ...



                              أدب الرحلة عند العبودي
                              (1/2)
                              الدكتور حسن بن فهد الهويمل
                              *
                              يوم لا أنساه، والأيام المحفورة في الذاكرة كثيرة منها المفرح، ومنها المترح، ومنها المخيف، ومنها المطمئن.. تتجاوز في أعماق النفس بتناقضاتها الصارخة، ومتى عفت مع تطاول الزمن، جاءت المناسبات كما السيول التي تجلى الطلول.

                              وتكريم العلاَّمة معالي الشييخ محمد بن ناصر العبودي في المهرجان الوطني أعاد لي يوماً يفصلني عنه نصف قرن، خمسون عاماً، إنه زمن طويل، ولكنه لم يستطع طمس أحداث ذلك اليوم، فكأن بيني وبينها ساعة من نهار.
                              في صبيحة الخامس عشر من شهر صفر عام 1374هـ لملمت أطرافي المبعثرة، وغسلت وجهي المغبر، ولا أستبعد أنني استعرت عباءة وجذاء، ودفعت بكل هذه الملفقات إلىمكتب طيني صغير، يقبع في أقصاه رجل مهيب الجانب، تزينه وضاءة العلم، ويملؤه حنو المعلم، إنه العلاَّمة محمد العبودي، كنت يومها في السنة الرابعة الابتدائية، وكان لدى (المعهد العلمي) إذ ذاك مرحلة تمهيدية، يقبل فيها المتفوقون، ليدرسوا في المرحلة التمهيدية.
                              لم أكن متفوقاً، ولكن والدي جار جنب لفضيلته، ومازال الرسول يوصي بالجار، حتى كاد أن يورثه.

                              نظر إليَّ كما لو كان يتقرأ ملامحي، ثم دفع بي إلى المراقب ليلحقني بالصف الأول تمهيدي، وكان حقي أن ألحق بالصف الثاني، ولكنه قوَّم أشيائي، ولم يقوِّم معارفي، فكان أن ضاع من عمري عام دراسي، هذا اليوم الاستثنائي في حياتي أدخلني إلى عوالم لم أكن أعهدها من قبل.
                              وبعد سنتين أو ثلاث جاءت زيارة الملك سعود- رحمه الله- إلى القصيم ومن ضمن برنامجها زيارة المعهد، فكان أن تقلدت مكبر صوت، لأهتف بكلمة واحدة (يعيش جلالة الملك) يرددها من ورائي الطلاب المصطفون على جانبي الطريق، لقد مكثت أسبوعاً أردد هذا الهتاف وأسبوعاً أطبقه، وساعة العسرة تلعثمت، فقلت:(يعيش جلالة الملك) فكان أن سيئت وجوه المدربين، وارتبك المرددون من ورائي، ولم يشف نفسي، ويذهب سقمها إلا تلك التلويحة المخلصة من يد جلالته، مشعرة بالاستلطاف، مع نظرات حانية من خلف نظارة جلالته السميكة، ولكن الخوف ظل يساورني من مدير يقدم بين يدي مساءلته للمخالفين والمقصرين صفعةً على خد نحيف، وأحسب أنه لم يسمع ما سمع غيره، فمرت الحادثة بسلام.
                              لقد عودنا الانضباط والطاعة، وكانت له أياديه البيضاء في التأسيس للتعليم، وتعويد القراءة في (مكتبة المعهد) التي تعهد بإنشائها وإمدادها، وكانت انطلاقتي القرائية منها ومن (المكتبة العامة).
                              إنها ذكريات عذاب، وإن لم تكن على شيء من اليسار ورخاء العيش وآثار النعمة، وحنين الإنسان أبداً إلى زمن البراءات والتطلعات، فالراكضون في عقد السبعينات- وأنا منهم- يصحبون الدنيا بملل وضيق، وإن طال أملهم، وأحبوا دنياهم..

                              ولأن حديثي عن جانب من حيوات المحتفى به، فإنني سأضرب صفحاً عن ذكريات العذاب والمقدمات المهمة من حياة المختفى به، لأدخل إلى (أدب الرحلة) عنده، ومعالي الأستاذ (محمد العبودي) عالم وأديب ومثقف، له اهتماماته التاريخية والجغرافية والأدبية، وله نشاطاته التعليمية والدعوية، ولقد اسعفته ظروفه العلمية والعلمية، فكان أن استثمر كل لحظة من حياته، تعلماً وقراءةً وكتابةً..
                              ويأتي ( أدب الرحلة) في مقدمة إنجازاته التأليفية كثرةً، واتساعاً، واشتهاراً، إذ عرف (العقاد) مفكراً وهو شاعر، فقد عرف(العبودي) رحالة، وهو العالم المتعدد الاهتمامات والقدرات والمؤلفات، ذلك أن عمله الرسمي تعانق مع اهتمامه بالرحلة وآدابها.
                              وقبل مباشرة الحديث عن هذا الفن السردي المعرفي، نور الإشارة إلى (أدب الرحلة) بوصفه لوناً من ألوان السرديات، تتنازعه معارف متعددة، فهو كما الثقافة، يأخذ من كل شيء بطرف، إذ يكون تاريخاً أو جغرافيا أو علم اجتماع أو علم سكان أو سيرة ذاتية، أو ما شئت من أنواع السرديات العلمية والأبداعية.. والرحالة وحده القادر على إعطاء (أدب الرحلة) عنده نكهة خاصة، تميزه عن غيره ممن كتب في هذا اللون.
                              فما(أدب الرحلة): فنيّاً وتاريخيّاً وموضوعياً؟ ومن هم أعلامه؟ وما نصيب الحضارة الإسلامية من هذا القول السردي؟...

                              وحديثي عن علم من أعلام هذا الأدب يقتضي اللمحة دون البسط، إذ لست بحاجة إلى الرصد التاريخي لهذا الفن، وفي الوقت نفسه لن أطيل الوقوف على الأبعاد الفنية وتحولاتها، ذلك أن (أدب الرحلة) واكب الوعي الإنساني، واختلط بعلوم: (الجغرافيا) و(التاريخ)
                              و(السياسة).
                              ولم يكن علماً مستقلاً، وإن أشير إليه عرضاً في دراسة الأعمال أو الشخصيات.
                              لقد كان لكل حضارة نصيب من هذا الفن، ولا أحسبنا بحاجة إلى الدخول في ضوائق المفاضلة أو الريادة, فالرحلة لصيقة بالإنسان، وحديثه عما لقيه فيها من نصب، وما شاهده من أشياء يأتي عفوياً.
                              والشعر العربي يفيض برصد ما يعانيه الشعراء المسافرون، في ظعنهم وإقامتهم، ولكن تسجيل معاناتهم، وما يتحدثون عنه من راحلة ورحلة وأطلال ومحبوبة وموارد مائية وجبال شاهقة وأودية سحيقة: غائرة الماء أو واقعاً في صميمها، ومطالع القصائد العربية القديمة لا تخرج عن وصف ما يمر به الشعراء، وما يقفون عليه من إقواء وعفا وأحجار وملاعب وأطلال ومواقد وبقايا معاطن، ولقد تقصاها دارسون ك (حسين عطوان) و(وهب رومية) وآخرون، غير أن ما نحن بصدده يختلف تماماً عن الرحلة في الشعر العربي، وعن المطالع الطللية أو الخمرية.
                              فالشعر لا يحفل بالمشاهد والمواقف إلا بقدر ما تنطوي عليه من ذكريات مرّ بها الشاعر، ثم هو يتحدث عن الصحراء لمجرد أنها ظرف مكاني للقاء متخيل أو حقيقي مع محبوبة حقيقية أو وهمية.
                              و(أدب الرحلة) اتخذ مستويين إجرائيين: مستوى الرواية الشفاهية، ومستوى التدوين، والشفاهي سابق على التدوين، ولكل حضارة بداياتها الحضارية في عمق التاريخ، ولكل علم بداياته العفوية، فلقد كان الراحلون من كل نحلة وعصر وعنصر يتحدثون إلى بعضهم كما يقول الشاعر:
                              (أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا+ وسالت بأعناق المطي الأباطح)
                              وإذا عادوا إلى ديارهم، رووا لمن خلفهم ما لقوه في سفرهم من نصب، وقد يبالغون فيما يلقونه ويشاهدونه، ثم إن المتلقين عنهم يعيدون ما سمعوه للمتعة أو للاعتبار، فكان (أدب الرحلة) شفاهيّاً كأي بداية معرفية أو فنية، وحين بدأ التدوين، دونت العلوم والمعارف الجغرافية والتاريخية، واختلط (أدب الرحلة) فيها، ثم اتخذ سبيله إلى التميز والاستقلال، وما أن أسهم الرحالة في الكتابة حتى مالوا شيئاً قليلاً إلى (أدب الرحلة)، فكان أن تخلق هذا الأدب، كما الأجنحة في الأرحام، وامتاز عما سواه من فنون الكتابة، والرحلة غير الاغتراب، ف (المهجريون) وطائفة من (العقيلات) كما يسميهم النجديون، خرجوا من ديارهم ولم يعودوا، ومن ثم نشأ (الأدب المهجري) و(أدب الاغتراب)، وقد يتداخلان مع (أدب الرحلة).. و(الرحالة) غير (المهاجر) وغير (المغترب)، فالرحالة ينطلق في مهمة ليعود إلى بلده.
                              ولقد خلفت لنا كل الحضارات الإنسانية مخطوطات، يمكن أن تكون بدايات لهذا الفن السردي.
                              ففي كل حضارة، وعند كل أمة رحّالتها وهواة المغامرات فيها.. قيل إن كتاب (بوزانايس): (جولة في بلاد الإغريق) المؤثر الأول في (أدب الرحلة) وهو قد ظهر في القرن الثاني الميلادي، والحشد المعرفي لهذا الكتاب لم يجعله المؤسس الأول لهذا الفن، بل جاء من بعده مؤرخون وجغرافيون أسسوا لهذا اللون من السرديات، إذ خصوا (أدب الرحلة) بكتب مستقلة، لا تتسع إلا لما يدخل في هذا اللون من الأدب حسب مفهمومه الحديث، وفي القرن الرابع الميلادي تجلت التقاليد الأدبية (لأدب الرحلة)، كان ذلك على يد (إكسينفون) في كتابه (أنابيزيس)، وميزة هذا العمل- كما يرويه المطلعون عليه- تتمثل في أمانة الوصف، وفي احترام القيَّم الفنية.
                              والراصدون لهذا النوع السردي الحفيون به، يتعقبونه في مظانه عصراً عصراً، حتى العصر الحديث، يرصدون للتحولات السردية والدلالية، يؤرخون لهذا اللون ولرجالاته، ويصفون فنياته وموضوعاته، ولما أن جاء عصر النهضة وأصبح معه(أدب الرحلة) نوعاً أدبياً متميزاً، له سماته وخصائصه وطرائف أدائه، نهض في تكوينه الرحالة والمكتشفون والمستشرقون والمناديب وذوو السفارة السياسية والدينية والعلمية، وساعدت وسائل الموصلات والاتصالات المتطورة على توسيع قاعدته ومشمولاته، أصبح هذا اللون أدباً وعلماً في آن، وتعددت فصائل المهتمين به والمستثمرين له، وكاد أن يختلط بـ(اليوميات) و(المذكرات)

                              و(الذكريات) و(السيرة الذاتية)، وفي خضم هذا الزخم، عرفت الآداب: (الأوروبية) و(العربية) عمالقة في (أدب الرحلة)، ومن تعقب ذلك عند من كتب عن (أدب الرحلة) عرفهم بأسمائهم وبأعمالهم، وعرف الأهداف والدوافع والنتائج، فطائفة من الدارسين ذيلوا كتبهم بمسارد للرحالة ولكتبهم ولمن سبق من الدارسين لهذا الفن.والرحلة وسيلة وليست غاية، ومن الرحالة من حركته الأطماع السياسية أو الاقتصادية أو الدينية، ومنهم من استهوته الرحلة وحب الاطلاع، وقلَّ أن ينفك التدوين عن الأهداف والنوايا والرغبات: السيئة أو الحسنة، ولكن (أدب الرحلة) حين يصاغ باقتدار ينفصل عن خصوص السبب إلى عموم الفائدة، فيكون العمل إبداعاً إنسانياً، تمتد إليه الأيدي دون النظر إلى الدوافع والرغبات.
                              ولقد أومأ كثير من الدارسين إلى أنواع كثيرة في (أدب الرحلة) وإلى اهتمامات متعددة، جعلت هذا الأدب شيقاً ومفيداً، إنه أدب واقعي، يحمل رسال معرفية، وإن كان ثمة إمتاع فإنما هو إضافة يوفرها تمكُّن الكاتب من لغته ومن فنيات السرد، هذا إذا استبعدنا (الرحلات السندبادية) ورحلات المغامرات التي تعتمد على الخيال، وقد تمتد إلى الخرافة والأسطورة، وهذا اللون لا يدخل فيما نحن بصدد الحديث عنه.. ولأهمية (أدب الرحلة) فقد ألفت عنه كتب عدة تعمدت التأريخ لهذا اللون أو التنظير له أو الدراسة التطبيقية لبعض الرحالة ورحلاتهم.
                              أعرف من هؤلاء (شوقي ضيف)، و(حسين نصار)، و(الحسن الشاهدي) ، و(حسني حسين)، و(علي مال الله)، و(جورج غريب)، و(حامد النساج) ، و(عواطف نواب).

                              كل هؤلاء ومثلهم معهم لم يكتبوا أدب رحلة، ولكنهم درسوا هذه الظاهرة، ونظروا وأرخوا لها أو درسوا كتاباً في الرحلة دراسة تطبيقية.
                              أما الرحَّالة الذين خلفوا للثقافة العربية والعالمية كتباً في الرحلة فأكثر من أن يحصروا.. وممن اشتهروا في هذا الفن في القديم (ابن حوقل)، و(المقدسي)، و(المسعودي)، و(البيروني)، و(ابن جبير)، ومئات غيرهم.
                              وفي العصر الحديث ( الطهطاوي)،
                              و(الآلوسي)، و(عبدالله فكري)، و(الشدياق)، و(البستاني)، و( طه حسين)، و(هيكل، و(حسين فوزي)، و(أمين الريحاني)، و(أنيس منصور)، وآلاف سواهم، ولكل واحد طرائقه واهتماماته ودوافعه فمن متعمد للتسيلة، ومن مهتم بالفائدة، ومن متحرر من كل القيود، ومن ملتزم محتشم، ومن كاتب بلغة أدبية، ومن كتب بلغة علمية.
                              أما على مستوى (أدب الرحلة) في المملكة السعودي، فقد استوفى جانباً منه الأستاذ(عبدالله بن أحمد حامد آل حمادي) في رسالته الأكاديمية(أدب الرحلة في المملكة العربية السعودية)، وفيما يتعلق بأدب الرحلة عند العبودي فقد تقصاه الأستاذ(محمد بن عبدالله المشوح) في كتابه المطبوع حديثاً(عميد الرحالة محمد بن ناصر العبودي)، وممن كانت لهم كتب في(أدب الرحلة) من علماء المملكة العربية السعودية وأدبائها ومؤرخيها فهم: العلاَّمة(حمد الجاسر)، و(أحمد عبد العفور عطار)، و(عاتق البلادي)، و(عبد العزيز الرفاعي) و(عبد العزيز المسند) و(عبد القدوس الأنصاري) و(عبدالعزيز الرفاعي) و(عبد الله بن خميس)
                              و(علي حسن فدعق) و(فؤاد شاكر) و(محمد السديري)، و(محمد عمر توفيق) و(يحيى المعلمي)، وآخرون..
                              وهؤلاء يتفاوتون في مستوياتهم واهتماماتهم، ولكنهم جميعاً لم يتميزوا بما كتبوا في أدب الرحلة، بمثل ما تميز به (العبودي) لا من حيث الكثرة العددية التي لم تسبق، ولا من حيث التقصي والشمول والتنوع، وقد يتفوق بعضهم على بعض بأسلوبه أو بتبويبه أو بعمق ثقافته أو بدقة معلوماته.
                              السندباد

                              تعليق

                              • السندباد
                                كاتب مسجل
                                • Mar 2006
                                • 48
                                • ---
                                  سافرْ تَجِدْ عِوَضاً عَمَّنْ تُفَارِقُهُ
                                  وَانْصَبْ، فإنَّ لَذِيذَ العيشِ في النَّصَــــبِ
                                  إنِّي رأيتُ وُقُوفَ الماءِ يُفْسِدُهُ
                                  إنْ سَالَ طَابَ، وإنْ لم يَجْرِ لم يَطِــــــــبِ
                                  والشمسُ لَوْ وَقَفَتْ في الْفُلْكِ دائمةً
                                  لَمَلَّهَا الناسُ مِنْ عَجَمٍ ومِن عُرْبِ

                                #90
                                رد : أدب الرحـــــــلة ...

                                أدب الرحلة عند العبودي
                                (2/2)
                                الدكتور حسن بن فهد الهويمل
                                *
                                والعبودي الذي استهل أعماله التأليفية بدراسة (الأمثال العامية في نجد) تخطى هذا الاهتمام، وسبح في معارف متعددة، فكتب في الأنساب والجغرافيا والدراسات القرآنية والتراث، وطبعت له عدة مؤلفات في مختلف المعارف وفي عدة أجزاء، منها (معجم بلاد القصيم) و(أخبار أبي العيناء) و(الأمثال العامية في نجد) و(كتاب الثقلاء) و(نفحات من السكينة القرآنية) و(سوائح أدبية) و(صور ثقيلة) وغيرها، وهو فيها توثيقي ممحص، يضرب الأقوال ببعضها، حتى تنقدح له الحقيقة، فعل ذلك في معجمه الجغرافي عن القصيم.
                                وهو معدود من الموسوعيين، وليس من ذوي الاختصاص، ولكنه حين يكتب في فن ينازع المتخصصين إمكانياتهم. ويكاد (أدب الرحلة) عنده يغطي كل جوانب حياته، وينسي المتابعين جهوده العلمية والعملية وإسهاماته المتعددة في مجالات متنوعة. والذي يلتمسونه في حقل معرفي لا يأتونه من أقطاره، إنه عالم متضلع من التراث العربي بكل تنوعاته العلمية والأدبية. وانقطاعه للتعلم والتعليم وملازمته لكبار العلماء وعمله معهم مكنه من التوفر على الكتب والمراجع التي لم تكن في متناول أنداده، ثم هو رجل إدارة حازم، تقلب في عدة مناصب تعليمية ودعوية، وجاء اهتمامه ب(أدب الرحلة) بعد أن لحق وظيفياً ب(رابطة العالم الإسلامي)، ومكنه عمله الدعوي من الرحلات المتواصلة والمهمات الرسمية المقيدة بأداء المهمة الدعوية على أصولها، وما فضل من جهد أو وقت قضاه في المشاهدات، وتقصي جوانب الحيوات المتعددة لشعوب العالم، وتفحص المعالم والآثار والمتاحف والمناظر الطبيعية وأحوال الشعوب ودياناتهم ومستوياتهم الحضارية والمدنية والاقتصادية.
                                وهو راصد دقيق بعيد عن المبالغة والإغراق في الخيال، وأدبية النص عنده من تلك الخلفية المعرفية في أدب التراث وعيون الشعر العربي، وقد فاقت مؤلفاته المطبوعة مائة كتاب، وله مثل ذلك من المخطوطات، وجل هذه الكتب تمثل (أدب الرحلة) بحيث لم يسبقه أحد في حجم ما كتب في هذا اللون، ومن أسباب تألقه في هذا المجال سفارته المتنقلة، وتوفير كل الوسائل له، وشغفه الذاتي بالرحلة، وحرصه على تدوين كل ما يعن له من مشاهدات وملاحظات. ولقد قال عن نفسه ما يدل على دقة الملاحظة عنده، حتى لكأنه (الجاحظ) في عنايته بأبسط الأشياء، ومن ثم تراه يحتفي بكل التفاصيل، فإذا أقيم حفل تكريمي استوفي فقراته، وإذا ألقي خطاب ساق مجمله، وإذا جلس على مائدة ذكر ألوان الطعام فيها، وإذا دخل سوقاً ذكر طرائق بيعهم وطرائف تصرفاتهم.
                                ولقد تجلت في كتاباته العفوية والبساطة والتقريرية والنمطية والاهتمام بكل دقيق وجليل، فهو بين إقلاع واستواء وهبوط واستقبال وتوديع وجولات رسمية ورحلات خلوية إلى أطراف المدن، لا تقتصر على المواقع الدعوية، وفئات الدعاة والقضايا الدينية، وجولات راجلة يقتطعها من وقت راحته، يدخل الأسواق، ويختلط مع الباعة ولا يتحرج من السؤال عن أي ظاهرة، ينقب عن الآثار، ويتفحص المتاحف، ويستعرض المكتبات، وكتاباته تتسم بالتسجيلية، وكأني به يرصد كل شيء في مذكرة محمولة في جيبه، حتى إذا خلا له المكان أعاد صياغة ما كتب والبسط فيه، ثم الدفع به إلى المطابع، لا ينظر إلا في ترتيب الأحداث والوقوعات، ومن ثم يحصل التكرار، وبخاصة عما يعرض له من مواقف متكررة في المطارات والمطاعم والمساجد والأسواق، وإن كانت له إلماحات سريعة يخلص بها من الرتابة والنمطية، وأكاد استبين محاور كتب الرحلات عنده، فهي تتحدث عن قضايا (الدعوة) و(الأقليات) و(الأجناس) و(اللغات) و(العادات) و(أحوال الشعوب) و(أطرافاً من تاريخهم) و(جغرافية بلادهم) و(أنماط الحياة عندهم) و(الأزياء) و(تصميم المباني) و(أنواع المستعملات) و(أحوال النساء) و(عاداتهن) و(المأكولات) وكل ما يخطر على بالك حتى (الفلكلور الشعبي) حتى (الغناء) و(المغنين) الذين لا يعنيه من أمرهم شيء، ولكنه إذ فرض عليه السماع أشار إلى شيء مما عندهم، وإن لم يهتم بالاستماع، وقد يشير إلى (الرقصات الشعبية) وغيرها، ثم لا يجد حرجاً من التعرض لها على سبيل الوصف، وقد يمعن في وصف النساء وأزيائهن ومحادثاتهن ببراءة وعفة، ومع كل ذلك فإن المحرك الرئيس عنده هموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولأنه يمارس في رحلاته عملاً رسمياً فقد استوفى في كتبه تلك الأعمال تحدث عن (الجمعيات) و(المنظمات) و(جماعات تحفيظ القرآن) و(إعداد الدعاة والأئمة)، كما فصل القول عن الاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات وما دار فيها وعن الكلمات التي ألقيت وعن الترحيب الذي يلقاه وعن المهمات التي أنجزها، ولا أشك أن تثار الآراء والأفكار والمواقف تشكل خصوصية في أدائه السردي، ولكن كثرة أعماله، وتركيزه على قضايا الأقليات يفوت على المتابع الوقوف على اللمحات الكثيرة، أو بمعنى آخر الجوانب الأخرى التي لا تسمح مهماته الرسمية الوصول إليها، وقد يضيق المتابعون باحتفائه بالوقوعات العادية المتكررة في كل رحلة.
                                وأسلوب الكاتب يتسم بالوضوح والسلامة، والميل إلى التقريرية، وأشواطه الدلالية تعتمد التجزيئية، وله استطرادات قصيرة - كما وصفه - أحد دارسيه. ولأن أدب الرحلة عنده واكب السفارة الرسمية ومتابعة أحوال المسلمين والأقليات الإسلامية في آفاق المعمورة فقد ارتبطت القضايا والموضوعات بذات الرسالة أو كادت، ومع أننا لا نسلم بذلك على إطلاقه، إلا أننا نجد همه منصباً على قضايا المسلمين والأقليات منهم.
                                بدأ العبودي الرحلة والكتابة فيها منذ أربعة عقود، وخلال هذه المدة طاف أرجاء المعمورة، ولم يتمكن غيره مما تمكن منه، فالذين كتبوا في (أدب الرحلة)، كتبوا عن رحلة امتدت شهراً أو شهرين لبلد سياحي أو دولة اقتصادية، أما هو فقد امتدت معه الرحلات أكثر من أربعين سنة، وأتت على ما أتى عليه الإسلام، حتى لقد أوغل في البلاد الشيوعية التي لم تكن تسمح بأي تحرك إسلامي، ولعل تسامحه وبعد نظرته ودفعه بالتي هي أحسن ودعوته بالحكمة والموعظة الحسنة فتح له الحدود والقلوب، ولما يزل لا يحط من سفر إلا إلى سفر، ولاهتمامه بأدب الرحلة فقد أعطى نفسه مزيداً من الجهد والوقت ليتعرف على كل شيء.

                                لقد وقف على طبائع الدول والمدن وأهلها وما فيها من أنهار وجبال وأودية وأعراق وعقائد وعادات، وما هي عليه من غنى وفقر، وما هو نظامها السياسي، وتقصي مشاكل الأقليات، ولقد بلغت مؤلفاته في أدب الرحلة قرابة مائة وعشرين كتاباً، طبع منها سبعين كتاباً، وآخر ما طبع له فيما أعلم (القلم وما أوتي في جيبوتي) ولقد شدني من كتبه أولها (أفريقيا الخضراء) الذي صدرت طبعته الأولى عام 1384هـ وكان الأوسع والأدق والألصق بأدب الرحلة، وهو فيما يكتب يعتمد العناوين الجانبية، فله مشاهدات تسجيلية، وملاحظات نقدية، وتساؤلات تعجبية، ومعلومات نقلية، ولا يكاد ينفك من الحديث عن الوسيلة من طائرة أو سيارة أو باخرة أو قطار أو سيارة أجرة، وقد يتحدث عمن يقود تلك الوسائط أو يخدم فيها. وحتى الحفلات والاستراحات والوجبات والجلسات الخاصة أو العملية والفنادق والمساجد والمتاحف والجمعيات يفصل القول فيها، وقل أن يترك الرصد التاريخي والسياسي للدولة أو المدينة التي يزورها، يتحدث عن نباتها وتصميم مبانيها وطبها الشعبي وعادات الزواج وشعائره والأعياد ومناسباتها وملابس الرجال والنساء وما لا يخطر للقارئ على بال، ويكاد يكون الحديث عن الإسلام والمسلمين محور الحديث في كل ما كتب في رحلاته.
                                وهو حريص على اللطائف والمثيرات، يرصدها، وقد يبالغ في تعميق أثرها، وبالذات عند حديثه عن النكسات الاقتصادية، كقوله في كتابه (صلة الحديث عن أفريقيا) (الدجاجة بتيس والتيس ببقرة) فالعنوان لا يوحي بمضمونه، ولكنه يشوق إليه، وله نظرات ثاقبة في أحوال الشعوب وطبائعهم، حتى لكأنه موكل بكل دقيق وجليل في حياة من يرى ويجالس ويحادث، يقول في كتابه (غيانا وسورينام): (ومن أهم ما يميز الهنديات الأمريكيات عن الهنديات الآسيويات كثرة ابتسامهن للرجال وبساطة طباعهن وإسراعهن إلى الاستجابة للحديث) ص96.
                                وهو يخص المرأة بأكثر من إشارة، لها أكثر من معنى، وفوق ذلك فهو كثير التفصيل في وصف التحركات، ويكاد (أدب الرحلة) عنده يتحول إلى سيرة ذاتية في كثير من أحاديثه.
                                وهو بهذا الاستطراد والتنويع يراوح بين (اليوميات) و(المذكرات) و(الخواطر) و(السيرة الذاتية) و(أدب الرحلة)، وقل ان يخلو أي كتاب من صور (فوتوغرافية) ملونة، يكون فيها بين مودعين أو مستقبلين أو مشاركين في رحلة برية أو مهمة رسمية، يصور الأنهار والجبال والأودية والمساجد والأسواق والآثار، وكل ما هو ملفت للنظر، وقل أن يخلو كتاب من حديث عن مسجد، يذكر بانيه ومصممه وما فيه من زخارف، وقد يتحدث مع إمامه ومؤذنه، ويتعرف على ما يمارس فيه من البدع، إن كان ثمة بدع، وحين يصرفه المرافق عن شيء من ذلك، يلح بطلب الوقوف على كل شيء، وإن كان لا يقره، بحيث يصرف المثبط بقوله:(إنني أحب أن أطلع عليه، فالاطلاع مهم في هذه الحالة التي ربما تكون فرصة ولو في المستقبل بتبصير هؤلاء المخرفين المنحرفين) ص88 من كتاب (في شرق الهند)، وهو يوزع كتبه إلى مجاميع حسب القارات أو التكتلات السياسية (أفريقية) و(أوروبية) و(هندية) و(آسيوية) و(أمريكية جنوبية) و(بلقانية) و(أسترالية) و(روسية) و(سيبيرية) وكيف لا يصنفها إلى مجاميع جغرافية، وهي تنيف على المائة كتاب، وكل مجموعة تنيف على عشرة كتب، وأحسب أن (رحلاته الهندية) تفوق كل رحلاته، فهي تفوق العشرين كتاباً، طاف بها شرق الهند وشماله وبلاد الهند والسند.
                                وهو يطلق على كتبه مسميات أخاذة، ففي رصده لرحلاته إلى (مولدوف وأرمينيا) يطلق عليها (مواطن إسلامية ضائعة) أو (تائه في تاهيتي) أو (من بلاد القرنشاي إلى بلاد القيرداي) أو (سطور من المنظور والمأثور عن بلاد التكرور)، وهو في اختيار العناوين وتركيب العبارات ذو أسجاع مستساعة.
                                والعبودي من الكتّاب الذي يهتمون بتدوين المعلومات والملاحظات ما دق منها وما جلَّ، دون تكلف أسلوبي أو معاضلة تعبيرية، وما فيه من صياغة أدبية فصيحة فإنما هي قدرة ذاتية وكسبية، فالمؤلف عالم بالتراث، ومؤلف قبل أن يفرغ لأدب الرحلة، والمتابع لكتبه لا يقدر على تصنيفه لا جغرافياً ولا اجتماعياً، ولا سياسياً، ومن ثم فهو أقرب إلى الموسوعيين.

                                والمؤلف متوفر على القيم العلمية والأدبية، ولكنه توفر عفوي، واللغة التي يعتمد عليها ويتوسل بها لغة فصيحة سليمة، لا يعمد فيها إلى التزوير ولا إلى التنفيح، ولكنه يكتب على سجيته، وكأنه يتحدث إليك، وذلك سر الإكثار وسر القبول، فلو كانت له عناية لغوية أو أدبية أو معرفية، لكان أن قل عمله وانفض سامره.
                                ومع العفوية فقد احتفظ بمستوى أدبي ولغوي ومعرفي يجعله في مصاف غيره من الرحالة، وإذ لا تقدر على تصنيفه من بين الرحالة فإنك لا تجد منهجية محددة، ولا خطة في التأليف صارمة، يدون ملاحظاته، ثم يعود إليها ليبسط القول فيها، وخطة الكتابة عنده مرتبطة بتنقلاته، ومنهجيته تراوح بين الوصف والتحليل والنقد والسرد الحكائي، وهو الراوي والبطل، وقل أن يتحدث بضمير الغائب، أو أن يدع لمتحدث آخر ليأخذ زمام المبادرة إلا ما يأتي من حوار.
                                ومهما اختلفنا معه أو اتفقنا فإنه الرحالة المتمكن من آلياته، الشمولي في تناولاته، المضيف في معلوماته.
                                لقد ترك للمكتبة العربية والعالمية وثائق معرفية متعددة، قلَّ أن تكون حاضرة المؤرخين أو الجغرافيين، وهو بما خلَّف من معارف، وأنجز من أعمال، وقام به من مهمات تعليمية ودعوية جدير بالتكريم والاحتفاء.
                                والمهرجان الوطني بهذا التكريم يعبر عن مشاعر العلماء والأدباء والقراء، وينهض بواجب وطني، فالعلامة معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي علم من أعلام التربية والتعليم ومن الدعاة الناصحين، ومن العلماء المتمكنين، ولما يزل ثر العطاء، تختزن ذاكرته مشاريع معرفية متعددة، وكتاباه في الأمثال والجغرافيا خير شاهد على توثيقه وتقصيه، نسأل الله له مزيداً من الصحة والتوفيق.

                                تعليق

                                يعمل...