الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

أدب الرحـــــــلة ...

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أبو شامة المغربي
    السندباد
    • Feb 2006
    • 16639


    رد : أدب الرحـــــــلة ...




    بقــــــلم
    أحمد محمّد محمود*
    اشتهر عهد السلطان سيدي محمد بن عبد اللّه، سلطان المغرب 1757-1790م بإصلاحات اقتصادية وسياسية في بلاده، في مقدمتها وصل ما انقطع من علاقات مع جيرانه الأوروبيين، وإخوانه من سلاطين وأمراء العالم الإسلامي، واشتهرت معها سفارة أوفدها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي، وتحديداً أول محرم من عام 1200هـ، إلى السلطان العثماني في اسطنبول، وتولاها وزيره وسفيره "محمد بن عبدالوهاب المكناسي عام 1785م، وحفظ لنا الرحالة السفير- المتوفى عام 1789م وقائع تفاصيل رحلته في سفر كبير بعنوان "إحراز المعلى والرقيب في حج بيت اللّه الحرام، وزيارة القدس الشريف، والخليل، وقبر الحبيب".
    وقد شملت رحلة المكناسي شمال المغرب اليوم وجزءاً من الأراضي الإسبانية عن طريق البحر، وتوقف في جزيرة صقلية بإيطاليا اليوم، ومنها بحراً إلى جزائر بحر إيجه، قبل أن تتوقف سفينته في اسطنبول فيســــتقبل فيــــها أحسن اســتقبال، ويــكرم الســــلطان عبدالحميد خان (1725-1789م) وفادته.
    وكما قرر محقق الرحلة "محمد بوكبوط" بأن رحلة المكناسي وسفارته إلى السلطان العثماني تســــاهم في تصحــيح كثير من المقولات التي علقت بتـــاريخ العثمانيين، من جــــراء اعتــماد شبه مطلق في تناول تاريخهم على كتـــابات وتقارير الأوروبيين".
    وبعد انتهاء تقديم رسالة سلطان المغرب وهداياه إلى السلطان العثماني، انطلق الرحالة المكناسي ضمن ركب الحج العثماني إلى الديار المقدسة بعد أكثر من ستة شهور من مغادرته المغرب، قاطعاً الأراضي العثمانية التركية في خمس مراحل كبيرة يتوقف الركب في كل مرحلة لأيام للراحة، وراحة الدواب وشراء المؤن وكراء ما يحتاجون من الدواب، حتى وصل إلى دمشق، فأقام بها 38 يوماً، حيث انضم الرحالة مجدداً إلى الركب الشامي، وقد قدمنا تفصيلاً لهذه المرحلة من رحلة المكناسي في عدد يناير لعام 2006م من مجلة أهلاً وسهلاً.
    ونواصل مع الرحالة تنقلاته من دمشق حتى عودته لوطنه، وهو يذكر لنا في كتاب رحلته كيف يتولى الحاج في دمشق واستعداداً للحج "كراء الدواب بالاتفاق مع (المقومين) الذين يقومون بأمر الحجاج ويحملونهم، ويقومون بأكلهم وشربهم، مقابل قدر من المال معلوم".
    وقبل خروج ركب الحج الشامي ومعه ركب الحج العثماني إلى الحج، يخرج قائد الركب الوزير في حاشيته قبل سفر الركب بثلاثة أيام رافعاً عَلَم الرسول صلى اللّه عليه وسلم ويوم خروج العلم من القلعة يوم مشهود، فيدخل قائد القلعة ومعه جمع من الحجاج ويفتحون الصندوق الذي بداخله العلم، فيغسلون مقبضه بماء الورد، ويبخرونه، ويضعونه على حامله، ثم يرفعونه خارجين به من القلعة وسط أصوات الطبول، ويسلم العلم لقائد ركب الحج (الوزيـــــر) بحضور القاضي والمفتي، وتخرج مدافع كثيرة في مهرجان عظيم إيذاناً بخروج الوزير والعلم.
    ويتقدم الوزير بحاشيته ومعه العلم فيقضي في "مزيريب" ثلاثة أيام، قبل أن يتحرك ركب الحج الشامي والعثماني، وقبل التحاقه برئيس الركب في مزيريب يمر الرحالة بالصالحية والربوة غربي دمشق، وهي المذكورة في القرآن الكريم {وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين} "سورة المؤمنون من الآية 50" ثم بعد صلاة العشاء وطلوع القمر حملنا وركبنا الأتخات تحملها الإبل، وسرنا في المدينة العامرة بالناس الذين جاءوا لتوديع الحجاج، وخرجنا من "بوابة اللّه" ووصلنا إلى التمثالين (من أعمال حوران) فأقمنا بها حتى انكسر الحر وتحركت الرياح، وواصلنا السير حتى مزيريب حيث كان في استقبال ركب الحجيج الشامي، قائد الركب الوزير الباشا الذي ســـبقنا إلى هناك، كما سبقت الإشارة.
    إلى الديار المقدسة
    في 72 شوال من عام 1200هـ- 1785م، أخرج الوزير، قائد ركب الحجيج المدافع في مزيريب إيذاناً ببدء انطلاق الركب إلى الديار المقدسة "وسرنا في أرض منفسحة، ولكن بعد نصف ميل من مغادرتنا مزيريب رأينا أحمال الباشا قائد الركب ملقاة على الطريق، وفر أصحاب الدواب عنها بالكراء، وفي نصف الليل أشرفنا على الخيام في قرية يقال لها "الرمثا" والتي منها يتزود الحجيج بالمؤن، وكنا سننزل في "المفرق" بعدها لولا أن ثبطنا ما حصل للأحمال التي رماها المقومون في الطريق، وحتى يتسنى لقائد الركب تدبر كراء دواب جديدة تحملها".
    "أقمنا في المدينة التي تقع في منطقة صحراوية والحر شديد، وواصلنا السير حتى "الزرقا" فأقمنا بواديها، وغسل الناس ثيابهم واستراحوا واستراحت الإبل، وواصلنا إلى "خان الزبيب" والذي اكتسب اسمه من تلقي أهل الشام للحجاج في العودة يبيعونهم الفواكه الطازجة، وسرنا في النهار لأن الطريق ذات حجارة كثيرة، وصعود وهبوط، ففيه مشقة على الإبل لاسيما بالليل، فمن أجل ذلك ساروا نهاراً متحملين مشقة الحر".
    "ومنها إلى البلقاء وبنيت هناك قلعة على بئر ماء، ومنها إلى وادي النسور وهو منخفض من الأرض، ومنه إلى قرية "قطرانة" مبنية على بركة ماء لشرب الحجاج، وهنا وضع قائد الركب في قلعة القرية أثقالهم التي لا يحتاجون إليها حتى رجوعهم من الحج، ويجعل كل واحد متاعه في بيت من بيوتها، أو ناحية من نواحيها، وبها أناس ساكنون بها يحرسون، ومنها وصل ركب الحجيج إلى "بغاز الحسا" بها قلعة وبركة ماء، ولما كان ماؤها لا يكفي الحجاج فقد تركها قائد الركب لحين السقيا منها في عودة الحجيج، وهذا البغاز طوله بين الجبال مسيرة أربع ساعات، وهو مخيف، وقبل أن نصل إليه تقدم العسكر المرافقون لركب الحجيج فسيطروا عليه، وتفرقوا فوق قمم جباله عن اليمين والشمال مشرفين على الوادي، وراياتهم وعلاماتهم مركوزة في الأرض، خشية أن يسبق إليه قطاع الطرق فلا يتركون الحجاج يسيرون مواصلين سفرهم حتى يرضوهم بالمال".
    وبعد هذا الوادي نزل ركب الحجيج على "بركة ماء يقال لها عنزة وتحمل اسم قبيلة عربية هذه ديارها، يحمون المنطقة، فنزل بها الركب وشرب الناس، واستقت الدواب، وطبخ الناس غداءهم وعشاءهم، ومنها إلى "معان" وفيها عيون وبساتين، ووجدنا بها عنباً ورماناً، إلا أنها خراب، وقد أباد أهلها الجوع والقحط، فلم يبق منهم إلا قليل، وقد كانت من قبل على أحسن حال وأكمله، من العمارة والتجارة وتيسر الأشياء فيها، أما اليوم فيكفيك من الشر سماعه".
    وفيها أقام ركب الحجيج يومين للراحة، لأن "معان" تشكل انتهاء أولى مراحل الطريق التي يتوقف فيها الركب للراحة وإراحة الدواب، واستكمال شراء التموين اللازم للمرحلة القادمة "ومنها سار ركب الحجيج إلى العقبة، وقد كانت من قبل صعبة، يمر فيها الجمل الواحد في إثر جمل، وفي زمن عثمان باشا أمير الشام فتح العقبة بالمعاول ووسعها وسواها، فهي اليوم يمر بها الستة والسبعة من الإبل، وبعد تجاوز العقبة انحدرنا إلى رمل، ومن هنا إلى مكة كله رمل، وهذا أول الحجاز".
    وواصل الركب سيره إلى المدورة وفيها قلعة و"ينبع الماء من عمق قريب، منه يستقي الحجاج ويشربون، وقد أداروا على منابعه سوراً يرد عنه الرمل لئلا يغطيها، ومنها إلى ذات حج وماؤها كثير إلا أن رائحته كريهة، وكنا نشرب ونتوضأ من الماء الذي حملناه من المدورة، ووصلنا "القاع" ويقال له قاع البزو وهو أرض منبسطة مستوية عرية من النبات، ليس بها ماء، وواصلنا سيرنا منها في حر كأنه لهيب النار حتى وصلنا إلى تبوك".
    "وبتبوك قلعة وبركة ماء، وبساتين، وجاء أهلها يبيعون ما عندهم من العنب والرمان، ومنها واصل الركب سيره فنزل في "ظهر مغر" حيث لا ماء، لأن التوقف المفترض كان في محطة الأخضر والتي يقال إن بها بئراً وجدت محفورة وليس بينها وبين مدائن صالح مواقع مياه، مما دفع رئيس الركب للتوقف للتزود بما يكفي من الماء للأيام الثلاثة القادمة من السفر".
    ومرّ ركب الحجيج في أرض "كثيرة الحجارة بها مضيق تمت حراسته حتى تجاوزه الركب خوفاً على الحجاج من قطاع الطرق، وقد وسع هذا المضيق عثمان باشا حاكم الشام حتى أصبح يمر بها ستة جمال في وقت واحد، بعد أن كان لا يستطيع اجتيازه إلا جمل في إثر جمل، ووصل الركب إلى الأخضرومنها إلى قلعة المعظم وماؤها فاسد، ومنها إلى الحمراء، فمدائن صالح".
    آثار مبهرة
    ولأن هذه منطقة آثار الأمم الغابرة التي سكنتها، فقد انبهر الرحالة المكناسي"لشكل الجبال فيها، المقلوب عاليها سافلها والعياذ باللّه، والسير في أراضيها صعب وأكثرها حجارة وصخور، وقد بلغناها على آخر رمق، فقد نفد الماء وكثر الحر والعطش بين الركب، فاستقى الناس لأنفسهم وللدواب، وحملوا منها الماء للمرحلة التالية، بعد أن اختار قائد الركب طريقاً مختصراً، لكن لا ماء فيه، ووصل الركب إلى "البير الجديد" ومنها شرب الناس والدواب وواصل الركب ،ومات في هذا اليوم 175 من الآدميين، ومنهم من رأيناه على قارعة الطريق، ومنهم من أخبــــرنا عنــه، أما الإبل فمات منها الشيء الكثير".
    "وماء هدية قريب على عمق ذراع بعد الحفر في الأرض، وهو ليس بعذب، لكنه يسبب الإسهال لشاربه بسبب كثرة ما ينبت في المنطقة من السنا، ومنها وصل الركب إلى "الفحلتين" وكانت تسمى حصن عنتر ومنها إلى "آبار ناصف" وماؤها أحسن من سابقه، ومنها نزلنا بظاهر المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وبتنا في الخيام بسفح جبل سلع".
    "وأول ما فعلنا، أن اغتسلنا ولبسنا الثياب البيض، وتطيبنا، وتوجهنا لمسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للصلاة فيه والسلام عليه صلى اللّه عليه وسلم وعلى صاحبيه عليهم رضوان اللّه، توجهنا على أرجلنا وصلينا في محراب رسول اللّه بالروضة الشريفة".
    "وخرجنا للبقيع، فزرنا آل البيت رضي اللّه عنهم، وجماعة من الصحابة ممن دفنوا بالبقيع".
    "وكان مقامنا بالمدينة ثلاثة أيام، وتوجهنا في الثالث إلى ذي الحليفة فنزل الناس وابتنوا الخيام، واستقوا لتلك الليلة واليوم بعدها لعدم وجود الماء في الطريق، وتهيأ من تعين عليه الإحرام من هذا الميقات، وسرنا الليل كله إلى "الشهداء" والبلاد إلى هذا الموضع كلها جبال وأرضها كثيرة الحجارة، كثيرة الحر، ومنها نزلنا "الجديدة" وتسمى بالخيف، ليس هناك بين مكة والمدينة أفضل من مائها، ووجدناها خربة فقد خربها سلطان مكة الشريف سرور بن مساعد بن سعيد وبعدها مررنا "بالصفراء" وهي قرى ذات بساتين ونخيل كثير، فكان أهلها يبيعون بالليل على قارعة الطريق التمر والليم على ضوء جريد النخل، وتلاقينا في الطريق مع حجاج المغرب فجددنا العهد بخبرهم، وناولونا رسائل حملوها من المغرب لنا، ووصلنا إلى "القاع" ومن الغد نزلنا رابغ".
    "ومن رابغ أحرم الناس وأحرمتُ معهم، فرابغ هي ميقاتنا، ونزلنا من الغد في قديد وبها قرى ونخيل لكنها خربة، وتوجه الناس لسقي الماء من مكان بعيد، وبعدها وصلنا إلى "خليص" وماؤها عذب وتزودنا بحاجتنا منه، ثم مررنا بعقبة السكر وهي شرف من الأرض في غاية الصعوبة، تدخل فيه أرجل الإبل والبهائم إلى سيقانها، فوصلنا "سبيل الجواخي" وفي السابع من شهر ذي الحجة نزلنا بظاهر مكة، واغتسلنا فيها للطواف، لأنه لم يمكن لنا الاغتسال بذي طوى لعدم مرورنا عليه".
    في المسجد الحرام
    واكترى الرحالة داراً بمكة قريبة من المسجد الحرام، فكان يقضي معظم الوقت في المسجد ،وخطب الخطيب في اليوم السابع إحدى خطب الحج، ويوم التروية خرج الناس إلى منى، ولم ينزلوا بها ولا باتوا فيها، فقد أميتت هذه السنة، وصار الناس في هذا الزمان يخرجون مباشرة إلى عرفات يوم الثامن وفعلنا مثلهم، وقد عمرت عرفات بسوق عظيم، وخرج الناس إليها بجميع المأكولات والمشروبات والأمتعة، والأعناب والرمان من الطائف، وخطب الخطيب الخطبة الثانية للحج في مسجد نمرة".
    "وكان المسجد (نمرة) مليئاً ببعر الغنم، حيث يدخله الرعاة بمواشيهم، يقيلون فيه، ووقف الخطيب في عرفة على ناقته قريباً من الجبال يلقي خطبته، واستمر فيها حتى غربت الشمس، ودفع الناس من عرفة إلى مزدلفة فنزلنا بها بغير خيام، ووقفنا بعد الصبح بالمشعر الحرام، ومنه نفرنا إلى منى فرمينا العقبة، وتحللنا، وتوجهنا بعد لبس ثيابنا إلى مكة لطواف الإفاضة، وأكملنا النسك يومي التشريق، وكان يقع فيهما مهرجان عظيم ليلاً يبيت الناس ليلتهم يترامون بالمحاريق، وتعجلنا وتعجل الناس كلهم، ولم يبت أحد ليلة الرابع في منى، وقد أميتت أيضاً سنة التحصيب فلم ينزل به أحد".
    "توجهنا للتنعيم وأحرمنا منه بعمرة، وفيه بركة ماء، لكن بها بعض الخراب فليس بها ماء، وبعد إكمال العمرة بقينا مدة مقامنا ملازمين البيت الحرام للصلاة فيه حتى جاء موعد الرحيل، فطفنا طواف الوداع، وسألت عن كدي لأخرج منه فلم يعرفه من كان حاضراً معنا، فخرجنا من مكة وقلوبنا منكسرة وأنفسنا من الفراق متحسرة، لا حرمنا اللّه من رؤيتها".
    وعاد الرحالة المكناسي مع الحج الشامي كما جاء ماراً بالمدينة، ومنها إلى الشام آخذين طريقهم الذي سلكوه للحج، وخلال غيبة الرحالة أصاب دمشق وباء مات فيه خلق كثير حتى قيل "إنهم كانوا يدفنون نحو الخمسمائة كل يوم ممن ماتوا بسببه".
    في القدس الشريف
    ومن دمشق توجه الرحالة في زيارة لعكا يوم 9 ربيع الأول عام 1202هـ "ولما قربنا منها أرسلنا من يكتري لنا داراً ننزل بها، فطاف البلاد كلها فلم يجد منزلاً، فسمع بذلك الوزير صاحب البلد (أحمد باشا الجزار) فعين لنا منزلاً مشرفاً على البحر في أحسن حال، ولهذا الوزير أثر كبير بهذه المدينة، وهو الذي شهرها وبه اشتهرت، وأهل البلد يثنون عليه كثيراً، وله جرايات على الضعفاء والفقراء ورواتب للذين لا يسألون الناس إلحافاً".
    وقضى الرحالة تسعة أيام بعكا، رتب خلالها رحلة العودة إلى المغرب على سفينة، بينما كان صاحب السفينة يجهزها للسفر، انصرف الرحالة لزيارة بعض مدن فلسطين وفي مقدمتها القدس الشريف فزار نابلس "وهي متوسطة بين جبال مرآها حسن، وبناؤها كله بالحجارة المنحوتة وماؤها كثير وذات بساتين، إلا أن أزقتها كثيرة العفونات والطريق إليها من قلعتها في صعود وهبوط وحجارة".
    وزار القدس "ولها سور حصين، مبني بالحجارة في غاية الإتقان، وأبوابه حصينة الإغلاق ستة هي (العمود، الزاهرة، الأسباط، المغاربة، النبي داود والخليل) وكان أول ما فعلناه أن توجهنا للمسجد الأقصى، فدخلنا أولاً إلى قبة الصخرة" وقدم الرحالة وصفاً وافياً لبنائها، وقبتها وأعمدتها" والمكان تحت الصخرة كثير الأنس، يجد الإنسان فيه نشاطاً وخفة، وانشراحاً لعبادة اللّه" كما قدم وصفاً وافياً للمسجد الأقصى:محرابه، بناؤه، مكسو من داخله بألواح من الرخام عددها 17، ثمانية بيض وحمر ترمز إلى صلاتي الظهر والعصر، وثلاثة سود ترمز إلى صلاة المغرب، واثنتان خضروان ترمزان لصلاة الصبح، وأبوابه 11 باباً، والمسجد مسور "ولأهل بيت المقدس بشاشة وطلاقة وأخلاق حسنة، وميل إلى مؤانسة الغريب، ومسامرته والمحادثة معه".
    ومن بعد هذه الزيارة توجه الرحالة المكناسي لزيارة طور سيناء "ومن جبل الطور يظهر بيت المقدس في غاية البهاء والابتهاج وحسن المنظر، وكذا من جهة القبلة "ومنها توجه لزيارة الخليل "وهي في قبلة القدس، أشبه شيء بمكة عند أول نظرة، مبنية على جبال، فزرنا خليل الرحمن عليه السلام وزوجته أم الأنبياء سارة".
    وفي 27 ربيع الثاني بدأت رحلة العودة، من عكا إلى قبرس (قبرص) وبقي فيها 10 أيام "وهي جزيرة كثيرة الخصب والرخاء والخير، فنزلنا إلى برها فاسترحنا من دوار البحر، وهي خفيفة العمارة، ومنها توجهنا بحراً إلى مرسيليا من أرض (الفرانصيص) آخر الشتاء ووقت هيجان البحر وطغيانه، فلاقينا من شدة أهواله ما يئسنا به من الحياة، فإن كان الريح مواتياً أتانا وهو عاصف، وأثار أمواجاً لا يصفها لعظمها واصف، وإن كان الريح غير موافق ترجحت البوائق، وتطلعت لولا فضل اللّه بأعناقها العوائق، وبلغت الروح التراقي، مع الإخلال بأركان الصلاة، فالغالب نصليها جلوساً، وربما صلينا إيماءً وبالتيمم لعدم القدرة على استخدام الماء".
    وقد دفع هذا الرحالة إلى أن يطلب من قائد السفينة لما واجهت الشواطئ التونسية أن يتوقف في مينائها، لينزل فيها ويعود منها براً إلى بلاده، متنازلاً لقائد السفينة عن بقية الأجر إلى مرسيليا، وأرسل من يكتري له داراً في تونس مع رفاقه "ولما علم أمير البلد بذلك خصص لهم سكناً من أفضل دور البلد، وعين لهم قيماً يتولى الطعام والمؤنة، وبعد ستة أيام استدعانا الأمير لملاقاته" "ومدينة تونس كبيرة، مقصودة للمراكب البحرية، كثيرة الزيتون، تصدر منه إلى بر النصارى طول العام، وفيها 300 معصرة للزيتون، ولأهلها رفاهية، وتأنق في الملبس، واعتناء بالطيب وجامع الزيتونة معمور بقراءة القرآن والتدريس متصلاً ذلك بياض النهار، وقد مات من علمائها وطلبتها كثيرون بالوباء (الطاعون) الذي اجتاحها عام 1200هـ وما بعدها، وتمادى إلى قرب وصولنا، فوجدناه انقطع".
    وأقام الرحالة في تونس 22 يوماً، وغادرها في ثاني رجب من عام 1202هـ، ولقي من الإكرام من ولاة المدن التي مر بها في تونس الكثير بسبب توصية أميرها، وكمثال على ذلك ما لقيه عندما مر بـ(تستر) "فخرج أهلها بطبولهم كباراً وصغاراً،
    وبالغوا في الترحيب والفرح وإبداء البشاشة، وبنيت الخيام وأتونا بالأطعمة الكثيرة، وبالعلف للدواب، وبالغوا في الإكرام، وأكثر سكانها من الأندلس وهم ممن يطلق عليهم المورسكيين.
    ومنها وصل إلى الجزائر، ماراً بقسنطينة، وسماها الرحالة (قصمطينة) "مبنية على ربوة عالية يمر بأصلها الوادي ومنه يشربون، يحمل منه الماء في القرب الكبار على الدواب للمدينة كلها وحماماتها ومساجدها، يسقفون أسطحة بيوتهم بالقرميد ولعله من أجل الثلج، لا يكاد الإنسان يمشي فيها من ازدحام الناس، ما رأيت بلداً أكثر وارداً منها، وهي منبع البغال، ومنها تفرق في البلاد، قضينا فيها سبعة أيام وتوجهنا منها إلى الجزائر".
    ولما وصل الرحالة إلى الجزائر نصب خيامه خارجها بسبب انتشار الوباء (الطاعون) بها، وقد "خف أمره، فكان يموت في اليوم نحو العشرة، فيما كان يموت عند اشتداده قبلُ 300 يومياً" ،ومنها توجه إلى تلمسان "وهي كبيرة مشهورة، كثيرة المياه والبساتين والزيتون والحدائق، إلا أن الخراب استولى على كثير من أطرافها، فلم يبق إلا رسومها، وزادها عمال الجور والظلم، فقد استولوا على ما بأيدي الناس، حتى لجأ الناس إلى مقايضة الأشياء التي يحتاجونها من السوق بالزروع، ونال الظلم الحجاج المارين بالبلدة حيث يؤخذ منهم المال على أمتعتهم وحوائجهم".
    ومــــن تلمسان دخل الرحالة حدود الأراضي المغــــربية، بادئاً "بوجدة، >فبتنا عند عامل الســـلطان، وهي من أول أهل طاعته، ومنها إلى "فاس" فتلقانا الإخوان والأحباب عند وادي سبو، فجمع اللّه شملنا برؤيتهم، واســــتعد بعض الأحــباب بطـــــعام كثير أحضره على ضـــفة الوادي، ونزلنــــا فــــاس في آخــر يوم من شعبان 1202هـ".
    وكان السلطان في "مكناس" فأرسل إلى الرحالة المكناسي الذي توجه لملاقاته، ليقدم تقريره عن المهمة التي أوفده إليها في عاصمة الدولة العثمانية، وفي الحرمين الشريفين "فدخلنا عليه في منطقة وادي العطشان، فيما بين فاس ومكناس، ثم تعاطينا معه أخبار الحرمين الشريفين والمشرق والشام والقسطنطينية، وغيرها من البلدان التي رأيناها ومررنا بها" ولم يطل به المقام في فاس حتى استدعاه السلطان للقيام بمهمة في الجزائر، فقد كان "عظيم الإصبنيول أرسل لسلطان المغرب على سبيل الإهداء أسارى مسلمين كانوا في الأسر في معارك إسبانية جزائرية، وبعد الصلح بينهما تقرر فداء أسرى الجانبين على ما تقتضيه قوانين الصلح لكن أمير الجزائر امتنع عن إعطاء المال في هؤلاء الأسرى ولم يقبل أن يفديهم ، فغضب عظيم الإصبنيول وقرر إرسال الأسرى من المسلمين إلى سلطان المغرب على سبيل الهدية" وتوجه الرحالة إلى السلطان في مكان إقامته في الحيانية "فناداني وقال: هؤلاء أسارى المسلمين أنقذهم اللّه على أيدينا وللّه الحمد، أردنا إيصالهم إلى بلادهم، فأردنا أن تغتنم ثوابهم وأجرهم، فتتوجه معهم وترعاهم في تنقلهم وأكلهم وشربهم، حتى توصلهم إلى تلمسان وتسلمهم إلى واليها، وتفرق عليهم صلة (خصصها لهم السلطان) هناك، بحساب 01 مثاقيل من الذهب لكل أسير".
    وقد قام المكناسي بالمهمة خير قيام، وعاد إلى مكان وجود السلطان في حصن دار دبيبغ المشهور "فتلاقينا معه أيده اللّه ونصره في أسعد الأوقات، ملقىً جميلاً أنسى النفس مشقة الطرقات، وتهادينا معه أكرمه اللّه وأعزه خبر تلك النواحي، وعشائر تلك الضواحي". وبعد ذلك وجه السلطان بأن يقضي الصيف في المنطقة، قبل أن يأذن له بالتوجه إلى مكناسة حيث الأهل والولدان والإخوان والأخدان والعشائر والأصحاب، والأصدقاء والأحباب.
    بلاد بها نيطت عليّ تمائمي*
    وأول أرض مس جلدي ترابها
    ولابد أن يخصص الرحالة المكناسي لبلدته مساحة وافرة من مشاعره وفي وصفها "بلد خيرها كثير وماؤها عذب نمير، وهواؤها صحيح، وحوزها فسيح"
    يكفيك من مكناسة أرجاؤها*
    والأطيبان هواؤها والماء
    ومع ذلك فلم يكن الرحالة راضـــياً عما آل إليه حال مدينته "دخلت مكناسة هذه مراراً عديدة، وقد أبلى الدهر محاسنها التي كانت جديدة، واستولى عليها الخراب، وتكدر منها بالفتن الشراب، واللّه يجبر حالها، ويعقب بالخصب أمحالها، وهي الآن على ماذكر من الأوصاف، مع تهدم الأطراف، وكان دخولنا إليها ضحى يوم الثلاثاء لست بقين من شوال من عام 1202هـ فكانت مدة الغيبة عنها ثلاث سنين تنقص شهراً ونصفاً".
    وألقت عصاها واستقر بها النوى*
    كما قرّ عيناً بالإياب المسافر


    -----------------------
    *كاتب سعودي
    المرجع:
    1- رحلة المكناسي ـ إحراز المعلى والرقيب في حج بيت الله الحرام، حققها وقدم لها: محمد بوكبوط ـ الناشر: دار السويدي للنشر والتوزيع ـ أبو ظبي ـ الإمارات العربية المتحدة ـ والمؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت لبنان ـ ط أولى عام 2003 م.
    2- الأعلام ـ خير الدين الزركلي.



    د. أبو شامة المغربي

    تعليق

    • أبو شامة المغربي
      السندباد
      • Feb 2006
      • 16639


      رد : أدب الرحـــــــلة ...





      القدس في كتابات رحالة غربيين

      حظيت القدس بما لم تحظ به مدينة أخرى من كتابات الرحالة الغربيين، وتملأ هذه الكتابات مجلدات عديدة، نختار هنا فقرات صغيرة منها.
      في القرن الخامس عشر الميلادي، زار الرحالة فيلكس فابري مدينة بيت المقدس، وكتب في وصف أحد الكتاتيب فيها:
      بينما كنت نازلا من جبل صهيون في طريقي إلى الكنيسة للصلاة، سمعت أولادا يقرأون بصوت مرتفع، فاقتربت من باب المدرسة، ونظرت إليهم، فرأيت صبيانا جالسين على الأرض في صفوف، وكانوا كلهم يرددون مجتمعين نفس الكلمات بصوت واحد، ويهزون رؤؤسهم أماما وخلفا.
      وقد استطعت أن أحفظ الكلمات التي رددوها مع موسيقاها، وهي أول ما يعلمون صبيانهم لأنها أصول عقيدتهم.
      وفي القرن السادس عشر، زار عالم النبات الفرنسي بيربيلون مدينة القدس، وقال في وصفها: أصبح لها منذ فترة قريبة أسوار عالية جديدة ولكنها ضعيفة البنية، والبيوت فيها مغطاة بشرفات على الأسطح، والمخازن في الأسواق الرئيسية مقببة كالإسكندرية، مع فارق أن قبب القدس، مبنية من حجارة منحوتة، كما أن الأسواق فيها مقببة.

      وفي الفترة نفسها تقريبا، زار القدس جان شزنو الفرنسي، وكتب يقول:
      إن القدس محاطة بسور بناه الأتراك، ولكن لا يوجد لها خندق. والمدينة متوسطة الحجم، وليست مكتظة بالسكان، وشوارعها ضيقة يصعب السير فيها بسبب مرتفعاتها.
      لوران دارفيو، زار القدس في القرن السابع عشر، وكتب هذا الرحالة الفرنسي واصفا موقع القدس الجبلي: "إن المرء يصعد باستمرار للوصول إليها، ثم ينحدر فيها بشدة حين مغادرتها، وأطرافها جرداء باستثناء الجبهة المؤدية إلى بيت لحم حيث الأرض خصبة.
      والقدس أكثر طولا من الشرق إلى الغرب، منها من الجنوب إلى الشمال، وتحيط بها أسوار قوية ذات أبراج مربعة بناها السلطان العثماني سليمان القانوني. ويبلغ سمك الأسوار حوالي مترين، ومحيطها أربعة آلاف وخمسمائة خطوة، وحولها خندق دون مياه، يمتد من باب دمشق إلى باب بيت لحم حيث القلعة.
      وفي الأبراج، ثلاثون مدفعا، وحامية من ثلاثين انكشا ريا بقيادة آغا، ويعيش هؤلاء مع أسرهم في القلعة.
      ويذكر دارفيو أن معظم الدور في القدس تضم طابقا واحدا، يعلو الطابق الأرضي، وهي معقودة بالحجر المنحوت والمسوى، ولها شرفات وخزانات لحفظ مياه الأمطار الضرورية، لأنه لا توجد في المدينة آبار أو ينابيع..
      وفي القرن الثامن عشر، زار الرحالة الإنكليزي ريشارد بوكوك بيت المقدس، ووصفها بأنها تقوم على أربع تلال، ويبلغ محيطها ستة كليو مترات، وقال إنه سار في واد كثير الكروم وسط بساتين وأشجار الزيتون والتين والمشمش و اللوز لمسافة ثلاثة كليو مترات، معتبرا أن هذا هو أجمل ما شاهده في القدس.
      وفي نهايات القرن الثامن عشر زار بين المقدس الرحالة المشهور المعروف بلقب كونت دوفولني. وقد كتب فولني عن القدس آنذاك فأشار إلى تهدم أجزاء من أسوارها وامتلاء خندقها بالأنقاض حتى أن المرء يكاد لا يعرف هذه المدينة ذات الأمجاد التي ناضلت ضد إمبراطوريات قوية.
      يقدر فولني عدد سكان القدس آنذاك، بأربعة عشر ألف نسمة، ويذكر أن صناعة الأدوات التذكارية الدينية في المدينة تشكل الصناعة الأهم، وهي تصدر إلى الخارج، ويعتاش منها معظم المسيحيين والمسلمين على حد سواء، ومصدر الدخل الآخر، هو ما ينفقه الحجاج في القدس.
      عشية الحملة الفرنسية، زار الرحالة الإنكليزي بروان مدينة بيت المقدس، فلاحظ على عكس فولني أن أسوار القدس في حالة جيدة وهي مبنية من حجارة تميل إلى الحمرة.. ودهش من إهمال كنيسة القيامة، وسقوط الثلج داخلها بسبب انهيار بعض الجسور الخشبية المصنوعة من خشب الأرز وتهدم السقف في حين أن دير الأرمن كان في أحسن بناء ويتسع لألف حاج على ما يقول براون الذي قدر عدد سكان القدس بنحو عشرين ألفا يتكلمون اللغة العربية، وأكد مثل سابقه على أن صناعة الأدوات التذكارية كانت ناشطة.
      المصدر


      د. أبو شامة المغربي

      kalimates@maktoob.com

      تعليق

      • أبو شامة المغربي
        السندباد
        • Feb 2006
        • 16639


        رد : أدب الرحـــــــلة ...





        رحالة زاروا بيروت
        على الرابط التالي:
        الرحلة إلى بيروت


        د. أبو شامة المغربي

        kalimates@maktoob.com

        تعليق

        • أبو شامة المغربي
          السندباد
          • Feb 2006
          • 16639


          رد : أدب الرحـــــــلة ...





          الرحلة إلى المغرب والمشرق
          على الرابط التالي:
          كتاب الرحلة إلى المغرب والمشرق لأبي العباس المقري


          د. أبو شامة المغربي

          kalimates@maktoob.com

          تعليق

          • أبو شامة المغربي
            السندباد
            • Feb 2006
            • 16639


            رد : أدب الرحـــــــلة ...


            الرحلة يا طالب العلم

            الحمد لله على إِحسانه، والشّكرُ له عَلى توفيقِه وامتنانه، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنّ نبيّنا محمّدًا عبدُه ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابه.

            ثم أمَّا بعد:
            فإنَّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
            كنت قد بدأت هذه السلسلة المباركة بمقالة حول (السند وطالب العلم اليوم) وتحدثت ببعض أسطرها عن رحلة العلماء لأجل تحصيل حديث أو حديثين، وأحببت الآن في هذه المقالة أن أفصِّل المقال في حال المرتحلين من الرجالِ وطلب الإسناد العالي.
            فلقد عُرِفَ علماء المسلمين بحبهم للرحلة في طلب العلم والإسناد العالي، فنرى أحدهم يسافر من بلد إلى بلد ليجلس بين يدي أحد العلماء الكبار ليأخذ عنه حديثاً أو حديثين لا يجدهما عند غيره من العلماء، واقرأ كتاب (الرحلة في طلب الحديث)[يقول الشيخ أبو غدة رحمه الله تعالى عنه: وكتاب الرحلة للخطيب كتاب نافع مهماز للمتخلفين عن الرحلة ، فاقرأه لعلك ترحل.] وهو كتاب رفيع القدر للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي ترى العجب العجاب من أمر علماء المسلمين، وشدّة حرصهم على العلم والإسناد العالي في الحديث الشريف.

            ورحم الله أبا الفضل العباس بن محمد الخراساني إذ ينشد فيقول:
            رحلتُ أطلبُ أصل العلمِ مجتهداً*
            وزينة المرءِ في الدنيا الأحاديثُ

            لا يطلب العلم إلا باذلٌ ذكرٌ*
            وليسَ يُبغضُهُ إلا المخــانيثُ

            لا تُعجَبَنَّ بمالٍ، سوف تتركُه*
            فإنما هـذه الدنــيا مواريثُ
            اعلم أنَّ علوم الإسلام العظيمة لم تُدَوَّن على ضفاف الأنهار، وتحت ظلال الأشجار والأثمار، وإنما دونت باللحم والدم، وظمأ الهواجر، وسهر الليالي على السراج الذي لا يكاد يضيء نفسه، وفي ظل العرى والجوع وبيع الثياب، وانقطاع النفقة في بلد الاغتراب، والرحلة المتواصلة الملاحقة، والمشاق الناصبة المتعانقة، والصبر على أهوال الأسفار، وملاقاة الخطوب والأخطار، والتيه في البيد، والغرق في البحار، ولفقد الكتب العزيزة الغالية والأسفار، وحلول الأمراض والأسقام، مع البعد عن الأهل والزوجة والأولاد والدار، ومع فرقة الأقارب والأحباب والأصحاب وفقد الاستقرار، فما أثر كل ذلك في أمانة علم أهلها، وما نقص من متانة دينهم، وما وهن من قوة شكيمتهم ، وما خضعتهم الضائقة الخانقة مع قوتها إلى قبول الذل والهوان.
            يا طالب العلم ... أخي وحبيبي في الله ...

            إعلم هداني الله وإياك أنَّ من خطب الحسناء لم يُغله المهر، وأنت طالب لنعيم الآخرة فدونك رياحين الجنَّة، فلقد قال حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنَّة)) [حديث صحيح، أخرجه الإمام مسلم].
            يقول ابن الجوزى: "تأملت عجباً، وهو أن كل شيء نفيس خطير يطول طريقه، ويكثر التعب في تحصيله، فإنَّ العلم لما كان أشرف الأشياء لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار، وهجر اللذات والراحة ..".أهـ
            ولذلك قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه (مفتاح دار السعادة): "وأما سعادة العلم فلا يورثك إياها إلا بذل الوسع، وصدق الطلب، وصحة النية".

            فالمكارم منوطة بالمكاره، والسعادة لا يعبر إليها إلا على جسر المشقة، يقول الإمام مسلم في صحيحه: قال يحيى بن كثير: "لا ينال العلم براحة الجسم".
            وقد قيل: من طلب الراحة ترك الراحة.
            حتى قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "حق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار منه، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية لله تعالى في إدراكه نصاً واستنباطاً، والرغبة إلى الله تعالى في العون عليه ".
            ولذلك ــ أخي في الله ــ من تمثل سير سلفنا الصالح ، ونظر في معاناتهم في طلب العلم هانت عليه كل شدة، واحتقر نفسه أمامهم، فقد كابدوا من الصعاب ما يفوق التخيل، وتركوا البلاد والأولاد وهجروا اللذات والشهوات ، وجابوا مشارق الأرض ومغاربها سعيًا وراء حديث واحد ، أو لقاء شيخ أو معرفة مسألة ، فانظر إلى هؤلاء الأفذاذ كيف طلبوا العلم عساك تنتفع بذلك.
            قيل للإمام أحمد: رجلٌ يطلب العلم يلزم رجلاً عنده علم كثير أو يرحل ؟

            قال : يرحلُ ، يكتب عن علماء الأمصار ، فيشامُّ النَّاس ، ويتعلم منهم .
            وقيل له مرةً : أيرحلُ الرجل في طلب العلم ؟ فقال : بلى والله، لقد كان علقمة بن قيس النخعي ، والأسود بن يزيد النخعي ، ـ وهما من أهل الكوفة بالعراق ـ يبلغهما الحديث عن عمر فلا يقنعهما حتى يخرجا إليه ـ إلى المدينة المنورة ـ فيسمعانه منه "
            إنَّ شأن الرحلة قديم تليد ، بداية من رحلة نبي الله موسى الكليم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم ، وقد قصَّ الله خبر رحلته في القرآن الكريم ، مع عبده الخضر وما كان في رحلته من العوائق والغرائب ، فبقيت الرحلة سنة نبوية وشعار طلبة العلم إلى يوم الدين .
            وهؤلاء صحابة الرسول منهم من قطع مئات الأميال ليلقاه ويتثبت من صدق نبوته ، ومنهم من سافر إليه من البلاد البعيدة ليسأله عن مسألة وقعت له .
            فهذا عقبة بن الحارث سافر من مكة إلى المدينة ليلقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسأله عن مسألة رضاع وقعت له ، فعن عقبة بن الحارث أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج . فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " كيف وقد قيل؟! " ففارقها عقبة، ونكحت زوجا غيره [ أخرجه البخاري (88) ك العلم ، باب الرحلة في المسألة النازلة].
            وهذا جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ رحل مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد، روى البخاري في الأدب المفرد أن جابر بن عبد الله قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فابتعت بعيرًا، فشددت إليه رحلي شهرًا، حتى قدمت الشام، فإذا عبد الله بن أنيس، فبعثت إليه أنَّ جابرًا بالباب فرجع الرسول فقال: جابر بن عبد الله!! فقلت: نعم، فخرج فاعتنقني، قلت: حديث بلغني لم أسمعه خشيت أن أموت أو تموت …. فذكر الحديث "[حديث صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد (970) باب المعانقة].
            نوادر الرحلات

            ما صنعه هذا الإمام العظيم الحافظ أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد الأندلسي ـ رحمه الله ـ (ت 276هـ) فقد نقل بعض العلماء من كتاب حفيده قوله: سمعت أبي يقول: رحل أبي من مكة إلى بغداد، وكان رجلا بغيته ملاقاة أحمد بن حنبل.
            وهذه الرحلة يحدثنا بها صاحب كتاب (سير أعلام النبلاء) فيقول: قال: فلما قربت بلغتني المحنة، وأنه ممنوع، فاغتممت غمًا شديدًا، فاحتللت بغداد، واكتريت بيتًا في فندق، ثم أتيت الجامع، وأنا أريد أن أجلس إلى الناس، فدفعت إلى حلقة نبيلة، فإذا برجل يتكلم في الرجال، فقيل لي: هذا يحيى بن معين، ففرجت لي فرجة، فقمت إليه، فقلت: يا أبا زكريا ـ رحمك الله ـ رجل غريب، ناء عن وطنه، أردت السؤال فلا تستخفني.
            فقال: قل، فسألت عن بعض من لقيته فبعضًا زكى، وبعضًا جرح، فسألته عن هشام بن عمار، فقال لي أبو الوليد: صاحب صلاة دمشق ثقة وفوق الثقة، لو كان تحت ردائه كبر أو متقلدًا كبرًا ما ضره شيئًا لخيره وفضله.
            فصاح أصحاب الحلقة : يكفيك ـ رحمك الله ـ غيرك له سؤال.
            فقلت: وأنا واقف على قدم اكشف عن رجل واحد ـ أحمد بن حنبل.
            فنظر إليَّ كالمتعجب فقال لي: ومثلنا نحن نكشف عن أحمد، ذاك إمام المسلمين وخيرهم وفاضلهم.
            فخرجت أستدل على منزل أحمد بن حنبل، فدللت عليه ، فقرعت بابه فخرج إليَّ فقلت: يا أبا عبد الله، رجل غريب، نائي الدار، هذا أول دخولي هذا البلد ، وأنا طالب حديث، ومقيد سنة، ولم تكن رحلتي إلا إليك .
            فقال : ادخُل الأسطوان ـ يعني به الممر إلى داخل الدار ـ ولا يقع عليك عين . فدخلت فقال لي: وأين موضعك؟! قلت: المغرب الأقصى. فقال لي: إفريقية؟‍ قلت: أبعد من إفريقية، أجوز من بلدي البحر إلى إفريقية بلدي الأندلس.
            قال: إن موضعك لبعيد ، وما كان شيءٌ أحب إليَّ من أن أحسن عون مثلك على مطلبه، غير أنِّي في حيني هذا ممتحن بما لعله قد بلغك.
            فقلت: بلى قد بلغني، وأنا قريب من بلدك، مقبل نحوك.

            فقلت له: يا أبا عبد الله، هذا أول دخولي، وأنا مجهول العين عندكم، فان أذنت لي أن آتي كل يوم زي السؤال، فأقول عند الباب ما يقولونه، فتخرج إلى هذا الموضع، فلو لم تحدثني في كل يوم إلا بحديث واحد لكان لي فيه كفاية.
            فقال لي: نعم على شرط أن لا تظهر في الحِلق، ولا عند المحدثين .
            فقلت: لك شرطك.
            فكنت آخذ عصا بيدي، وألف رأسي بخرقة، وأجعل ورقي ودواتي في كمي، ثمَّ آتي بابه، فأصيح: الأجر ـ رحمك الله ـ والسؤال هناك كذلك، فيخرج إلي ويُغلق باب الدار، ويحدثني بالحديثين والثلاثة والأكثر، فالتزمت ذلك حتى مات الممتحن له، وولي بعده من كان على مذهب السنة، فظهر أحمد، وعلت إمامته، وكانت تضرب إليه آباط الإبل، فكان يعرف لي حق صبري، فكنت إذا أتيت حلقته فسح لي، ويقص على أصحاب الحديث قصتي معه، فكان يناولني الحديث مناولة، ويقرؤه عليَّ، وأقرؤه عليه [وروى هذه الرحلة الشيخ أبو غدة في كتابه صفحات من صبر العلماء].
            فهذا خبر من أعجب ما تقرأ، فهذا العالم الأندلسي رحل من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق على قدميه ليلقى الإمام أحمد، فلما وجده محبوسًا ممنوعًا عن الناس تلطف وتحيَّل حتى لقيه، فأخذ العلم عنه، وحفظ له الإمام أحمد صبره في الطلب وقربه منه.
            ومن أخبار الرَّحَّالة المشَّائين في طلب العلم :

            ما ذكره أصحاب التراجم والسير عن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي (ت 277هـ) يقول: أحصيت ما مشيت على قدميَّ زيادة على ألف فرسخ [الفرسخ نحو خمسة آلاف متر، فانظر كم قطع هذا الرجل من المسافات مشيًا على الأقدام]، لم أزل أحصي حتى لما زاد على ألف فرسخ تركته، وأما ما سرت أنا من الكوفة إلى بغداد فما لا أحصي كم مرة، ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة، وخرجت من البحر من قرب مدينة سلا ـ وذلك في المغرب الأقصى ـ إلى مصر ماشيًا، ومن مصر إلى الرملة ماشيًا، ومن الرملة إلى بيت المقدس، ومن الرملة إلى عسقلان، ومن الرملة إلى طبرية، ومن طبرية إلى دمشق، ومن دمشق إلى حمص، ومن حمص إلى إنطاكية، ومن إنطاكية إلى طرسوس، ثمَّ رجعت من طرسوس إلى حمص، وكان بَقِي عليَّ شيء من حديث أبي اليمان فسمعته، ثمَّ خرجت من حمص إلى بيسان، ومن بيسان إلى الرقة، ومن الرقة ركبت الفرات إلى بغداد، وخرجت قبل خروجي إلى الشام من واسط إلى النيل، ومن النيل إلى الكوفي، كل ذلك ماشيًا، هذا سفري الأول وأنا ابن عشرين سنة، أجول سبع سنين، وخرجت المرة الثانية ـ وكان سني في هذه الرحلة 47 سنة.[ انظر مقدمة الجرح والتعديل ص(359)].
            فانظر لحال هذا الرجل العجيب، كم قطع من المسافات مشيًا على الأقدام، وانظر لحال خروجه في سن السابعة والأربعين، لتعلم أنَّ العلم لا يتوقف على سن، بل العلم يطلب من المهد إلى اللحد.

            ومثيله هذا الحافظ الجوال ابن منده (ت 395هـ) بدأ الرحلة في طلب العلم وهو ابن عشرين سنة، ورجع وهو ابن خمس وستين سنة، ولما عاد إلى وطنه تزوج ـ وهو ابن 65 سنة!! ورزق الأولاد، وحدَّث بالكثير.
            وقد قال رحمه الله: طفت الشرق والغرب مرتين.[مقدمة الجرح والتعديل (3/1032)].
            يا طالب العلم هل لك إلى رحلة تنفض بها عنك تنكب الأطفال، وتُشهر سيفك وتنزل حلبة النِّزال، بل أسألك لماذا لا تلحق بركب هؤلاء الرجال؟ في طلب الإسناد النازل والعال! أم أنك ما زلت في زمان الأحلام والآمال!!
            اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وصلى الله على سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

            آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
            حسام الدين بن سليم الكيلاني

            حمص في 8/ شعبان/ 1426هـ


            د. أبو شامة المغربي

            تعليق

            • أبو شامة المغربي
              السندباد
              • Feb 2006
              • 16639


              رد : أدب الرحـــــــلة ...

              الرحالة الأديب ابن جبير الأندلسي
              ربيع محمود
              ابن جبير من أشهر الرحالة المسلمين الذين قاموا برحلات إلى المشرق العربي، دون خلالها الكثير من المعلومات التي تعتبر وثائق من الدرجة الأولى، لأنه حسن الملاحظة وصريح العبارة، فكانت رحلته مصدراً مهماً للباحثين في مجال التاريخ والاجتماع والحضارة العربية في القرن السادس والسابع الهجري.
              اسمه
              محمد بن أحمد بن جبير وكنيته أبو الحسن.

              ولد ابن جبير بمدينة بلنسية بالأندلس عام 540هـ، وهو ينحدر من أسرة عربية عريقة سكنت الأندلس عام 123هـ، قادمة من المشرق مع القائد المشهور بَلْج بن بشر بن عياض.
              أتم ابن جبير دراسته بعد أن أتم حفظه للقرآن الكريم بمدينة بلنسية على يد أبي الحسن بن أبي العيش، وفي شاطبة درس ابن جبير علوم الدين على يد أبيه وشغف بها لكن ميوله برزت أيضا في علم الحساب، وفي العلوم اللغوية والأدبية، وأظهر مواهب شعرية ونثرية رشحته للعمل كاتبا لحاكم غرناطة وقتذاك أبي سعيد عثمان بن عبد المؤمن، أمير الموحدين.
              رحلاته
              كان ابن جبير يحب الرحلات والتنقل فترك الأمير وقام بثلاث رحلات إلى المشرق، أما الرحلة الأولى فقد خرج سنة 579هـ من غرناطة إلى (سبتة) ومنها ركب البحر إلى الإسكندرية ومنها توجه إلى مكة عن طريق (عيذاب) فجدة، فحج وزار المدينة والكوفة وبغداد والموصل وحلب ودمشق وركب البحر إلى صقلية عائدا إلى غرناطة عام 581هـ وقد استغرقت رحلته سنتين سجل فيها مشاهداته وملاحظاته بعين فاحصة في يومياته المعروفة برحلة ابن جبير ثم أتبع هذه الرحلة برحلة ثانية وثالثة.

              أما رحلته الثانية فقد دفعه إليها أنباء استرداد بيت المقدس من الصليبيين من قبل السلطان صلاح الدين الأيوبي سنة 583هـ فشرع في هذه الرحلة سنة 585هـ وانتهى منها سنة 586هـ.
              أما رحلته الثالثة فكانت إثر وفاة زوجته، فقد كان يحبها حبا شديدا، فدفعه الحزن عليها إلى القيام برحلة ثالثة يروح بها عما ألم به من حزن على فراقها، فخرج من (سبتة) إلى مكة وبقي فيها فترة من الزمن ثم غادرها إلى بيت المقدس والقاهرة والإسكندرية، حيث توفي فيها سنة 614هـ.
              ولم يترك لنا ابن جبير إلا حديثه عن رحلته الأولى.
              رحلة ابن جبير
              من مصنفات ابن جبير كتابه عن رحلته الأولى وتعرف بـ"رحلة ابن جبير"، وتعد من أهم مؤلفات العرب في الرحلات، فقد تفقد فيها الآثار والمساجد والدواوين ودرس أحوالها وذكر ما شاهده وما كابده في أسفاره، ووصف حال مصر في عهد صلاح الدين ومدحه لإبطاله المكس (الضريبة) المترتبة على الحجاج، ووصف المسجد الأقصى والجامع الأموي بدمشق والساعة العجيبة التي كانت فيه، وهي من صنع رضوان ابن الساعاتي، وانتقد كثيراً من الأحوال، ومن أهم مشاهداته ما تحدث به عن صقلية وآثارها، من مساجد ومدارس وقصور، وعن الحضارة التي خلفها العرب في الجزيرة.
              لقد ترك لنا «ابن جبير» تحفة رائعة من خلال كتابه «رحلة ابن جبير» وذلك حين رسم لنا الحياة بكل تجلياتها في القرن السابع الهجري في المشرق والمغرب والانطباع الذي خلفته هذه المدن في نفسه والأهمية التي رأى أنها تستحقها.
              من شعر ابن جبير
              الذي لا يعرفه الكثيرون عن ابن جبير أنه كان أديباً شاعراً، وله ديوان شعر يسمى "نظم الجمان في التشكي من إخوان الزمان"، كما له كتاب آخر بعنوان "نتيجة وجد الجوانح في تأبين القرين الصالح".
              وهذا نموذج رائع من شعره، من قصيدته التي مدح بها السلطان صلاح الدين، يهنئه فيها بفتح بيت المقدس، وفيها يقول:
              ثأرت لدين الهدى في العدا*
              فآثــرك الله من ثائر
              وقمت بنصـر إله الورى*
              فسمـاك بالملك الناصر
              فتحت المقدس من أرضـه*
              فعادت إلى وصفها الطاهر
              وأعليت فيه منار الهـدى*
              وأحييت من رسمـه الداثر
              وفاته
              توفي الرحالة ابن جبير وهو راجع من رحلته الثالثة في الإسكندرية سنة 614هـ، عن عمر يناهز الرابعة والسبعين عاماً.
              د. أبو شامة المغربي

              تعليق

              • أبو شامة المغربي
                السندباد
                • Feb 2006
                • 16639


                رد : أدب الرحـــــــلة ...

                رحالة موصليون في دول المغرب والمشرق أثروا العالم بإبداعاتهم
                صادق إسماعيل
                الموصل
                *الرحلة والرحلات تعد سمة بارزة من السمات الحضارية بين شعوب الارض في قاراتها المأهولة، ولعل رحلة كريستوف كولومبس إلى القارة الامريكية واكتشافها تعد من اكبر الرحلات الجغرافية.
                أما في مجال البحار والمحيطات فقد جاب ماجلان أرجاء المحيطات وكذلك الإدريسي الرحالة العربي الذي اكتشف كروية الأرض من خلال رحلاته وتجواله في محيطات القارات وبحارها.
                *أما في المجالات العلمية والادبية فقد ذكر التاريخ أسماء كثيرة جاب اصحابها اقطاب العالم لتوطين نظرية علمية او ترسيخ فكرة دينية او زرع حضارة، ذلكم ان الرحلات على اختلاف انواعها تعد من عناصر القوة حتى وان كانت بقصد التجارة او الاتجار او كانت بقصد السياحة والاستجمام.
                *عرف العرب الرحلات منذ اقدم الازمنة فزاروا واستقبلوا، رحلوا الى حواضر بعيدة واستقبلوا زائرين من مدن بعيدة عن ارضهم وحاضرتهم وحضارتهم.
                وقد كان للعرب حواضر علمية وثقافية كبرى اعظمها شأنا في المشرق بغداد وفي المغرب فاس ومراكش فقد احتضنت بغداد علوم الأمة باسرها دون منازع وقد تمتعت بشهرة وسمعة علمية على مدى التاريخ فاقت حواضر الدنيا شرقا وغربا، مما منح العراق برمته وحواضره ومدنه كالكوفة والبصرة والموصل وواسط واربيل والانبار ثقلا في الحضارة الانسانية وجعله امتحانا لطلبة العلم واختبارا لما حملوه من فنون العلوم والاداب واجتيازه يعد تأهيلا للتصدر، وقد وصف ابن حزم الأندلسي بغداد بأنها حاضرة الدنيا ومعدن كل فضيلة، والمحلة التي سبق أهلها إلى حمل ألوية المعارف والتدقيق في تصريف العلوم ورقة الاخلاق والنباهة والذكاء وحدة الافكار ونفاذ الخواطر وقال عنها ابن سعيد في مراكش:(ويكفي في الإنصاف أن أقول: إن حاضرة مراكش هي بغداد المغرب).
                أما المراكشي فقد قال عند ذكره لمدينة فاس: (ومازلت أسمع المشايخ يدعونها بغداد المغرب)
                الموصل المدينة الراعية للعلوم
                *ومدينة الموصل التي احتفظت قبل تأسيس بغداد بمقومات المدينة الراعية للعلوم والاداب، وامتلكت كما يشير د.ناطق صالح مطلوب في بحثه عن الرحلة في طلب العلم، ارثا حضاريا عميق الجذور متنوع الاغراض تعزز بظهور العلوم الانسانية، غدت واحدة من أهم مراكز الاستقطاب في العالم الاسلامي، ومحطا لطلاب العلم والمعرفة، وموطنا لعلماء من المدن والبلدان كافة، وكذلك هي المعين الذي صب في حواضر المدن الكبرى مثل حلب ودمشق وأرض الكنانة والحجاز والاندلس والمغرب العربي وتبريز وغيرها من مدن الشرق والغرب، حيث جاب رجالاتها من العلماء والادباء والفلاسفة والشعراء والمغنيين والموسيقيين والاطباء والحكماء حواضر تلك المدن المعروفة برقي علومها وعلو شأنها في الثقافة والاداب، فكان لحضورهم بين علمائها وادبائها وفنانيها مكانة بارزة وتميزا شهدت له حوادث التاريخ على تعاقب العصور والأجيال.
                *ففي بلاد الشام كان جمع من علماء الموصل قد تنقلوا بين حلب ودمشق وبيت المقدس وغزة وتصدروا للتدريس في المدارس المشهورة، وتولوا القضاة والخطبة والحكم، ولعل عبدالله بن ابي حصرون ابو السعد الموصلي يعد في طليعة الرحالة الموصليين، وقد وصفه ابن الصلاح بانه افقه اهل عصره، رحل الى حلب سنة 545هـ ودخل دمشق بعدها باربع سنوات ثم تردد بين المدينتين متصدرا للتدريس، وكان مقدما في دولة نورالدين حيث بنى له المدارس بحلب وحماه وحمص وبعلبك وتولى القضاء في اماكن متعددة اخرها مدينة الشام سنة 573هـ وفيها توفي سنة 585هـ وهو المولود بمدينة الموصل سنة 492هـ وماتزال لمؤلفاته واحفاده شهرة واسعة في بلاد الشام ومكانة كبيرة لدى العامة والخاصة، توارثوا العلم وأفادوا طلابه.
                ومن اشهر ابناء ابن ابي عصرون الموصلي اولاده واحفاده احمد عبدالسلام المتوفي سنة 695هـ ويعقوب بن عبدالرحمن وعبدالملك بن زيد الدولعي الموصلي ومحمد بن عروة شهاب الدين ويوسف بن رافع بن تميم الاسدي (أبو المحاسن) الذي ولد في الموصل عام 539هـ ولازم ابن سعدون الاندلسي نزيل الموصل مدة ثلاث عشرة سنة ورحل الى بغداد واقام فيها اربع سنوات ثم عاد الى الموصل لينتقل الى الحجاز ثم القدس فدمشق وهناك لقي صلاح الدين الايوبي سنة 584هـ، فولاه قضاء العسكر ثم حكم القدس وسافر في مهمات رسمية الى مصر ثم تولى في عهد الظاهر سنة 591هـ قضاء حلب، وكانت داره ملتقى كبار الدارسين من أهل المشرق والمغرب.
                *ويعيش بن علي بن يعيش الموصلي المعروف بابن الصائغ ومحمد بن ابي بكر الموصلي وابراهيم بن عبدالرزاق الموصلي وعبدالرحيم بن عمر بن عثمان الباجريقي الموصلي ومحمد بن محمد بن عبدالكريم الموصلي وموهوب بن ظافر ابو الفضل الذي مارس الطب ثم ابنه جابر الذي ورث عن ابيه مهنة الطب.
                *أما في الديار المصرية فابرزهم علي بن الحسن بن الحسين الخلعي وولده الحسن وداؤد بن محمد بن الحسين الاصيلي الموصلي ومحمد بن علي ابو البركات الموصلي ومحمد بن ابي بكر المعروف بابن الخباز.
                *ويعقوب بن عبد الرحمن بن عبدالله حفيد بن أبي عصرون وعلي بن عدلان الموصلي وعمار بن علي الموصلي.
                *وفي بلاد الحجاز اشتهر رحالة موصليون كثر من ابرزهم إسماعيل بن محمد أبو الطاهر الموصلي وجعفر بن أحمد الغنائم الموصلي وابراهيم الموصلي المالكي.
                أما في بلاد الاندلس فقد ذاع صيت الرحالة من ابناء الموصل، ابرزهم صاعد بن الحسن الربعي الموصلي وإبراهيم بن ابي بكر، أما في بلاد المغرب فقد اشتهر أبو زكريا المرجاني الموصلي، وتقي الدين الموصلي، وفي تبريز الحسن بن الحسين الموصلي وعبداللطيف بن يوسف المعروف بابن (اللباد).
                *إن مدينة الموصل قد امتلكت إرثا في علم الحديث لم يبلغه المغرب ولا الاندلس الا في عصور متأخرة، فقد نزل الموصل ومنذ وقت مبكر مشاهير الصحابة والتابعين الذين نشروا بذور العلم.
                وعلى عهد ابن خلكان كان الطلبة بالموصل قائمين على تصانيف ابن الدهان، ولمؤلفات ابن الاثير مكانة وشهرة في الافاق حملها عنه اهل المغرب وجرى لهم معه مناظرات ومحاورات في مسائل كثيرة.


                د. أبو شامة المغربي


                التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي; 01-07-2007, 11:45 PM.

                تعليق

                • أبو شامة المغربي
                  السندباد
                  • Feb 2006
                  • 16639


                  رد : أدب الرحـــــــلة ...

                  رمضان والحج في كتابات الرحالة المسلمين
                  الدكتور
                  حاتم الطحاوي


                  احتل أدب الرحلات مكانة متميزة في التراث التاريخي والجغرافي العربي والإسلامي، وساهم الرحالة المسلمون منذ القرون الأولى للهجرة في التعريف بالأقاليم الجغرافية وشعوبها، فضلا عن عاداتهم وتقاليدهم.
                  كما جاب العديد من الرحالة المسلمين البلدان غير الإسلامية البعيدة، وساهمت كتاباتهم في صياغة المسلمين لتصوراتهم عن تلك الشعوب، أفكارها، وعاداتها.
                  وعلى الرغم من ذلك، ظل قضاء شهر رمضان وأداء فريضة الحج في الأراضي المقدسة هو الهدف الحقيقي من رحلات معظم الرحالة العرب والمسلمين، تلك الرحلات التي استمرت عدة أعوام، بسبب بعد المسافة بين الحاج ووطنه الأم، علاوة على بدائية طرق المواصلات، فضلا عن اهتمام الحاج بقضاء أكبر وقت في جوار الأماكن والبقاع المقدسة.
                  د. أبو شامة المغربي

                  تعليق

                  • أبو شامة المغربي
                    السندباد
                    • Feb 2006
                    • 16639


                    رد : أدب الرحـــــــلة ...

                    مادة
                    رحل
                    في
                    لسان العرب
                    لابن منظور الأفريقي
                    (الرحل: مركب للبعير والناقة، وجمعه أرحل ورحال، قال طرفة:
                    جازت البيد إلى أرحلنا*
                    آخر الليل بيعفور خدر
                    والرحالة: نحوه، كل ذلك من مراكب النساء، وأنكر الأزهري ذلك، قال: الرحل في كلام العرب على وجوه. قال شمر: قال أبو عبيدة الرحل بجميع ربضه وحقبه وحلسه وجميع أغرضه، قال: ويقولون أيضا لأعواد الرحل بغير أداة رحل، وأنشد:
                    كأن رحلي وأداة رحلـي*
                    على حزاب كأتان الضحل قال الأزهري: وهو كما قال أبو عبيدة وهو من مراكب الرجال دون النساء، وأما الرحالة فهي أكبر من السرج وتغشى بالجلود وتكون للخيل والنجائب من الإبل، ومنه قول الطرماح:
                    فتروا النجائب عنـد ذ*
                    لك بالرحال وبالرحائل
                    وقال عنترة فجعلها سرجا:
                    إذ لا أزال على رحالة سابح*
                    نهد مراكله نبيل المحـزم
                    قال الأزهري: فقد صح أن الرحل والرحالة من مراكب الرجال دون النساء. والرحل في غير هذا: منزل الرجل ومسكنه وبيته. ويقال: دخلت على الرجل رحله أي منزله.
                    وفي حديث يزيد بن شجرة: أنه خطب الناس في بعث كان هو قائدهم فحثهم على الجهاد وقال: إنكم ترون ما أرى من أصفر وأحمر وفي الرحال ما فيها فاتقوا الله ولا تخزوا الحور العين، يقول: معكم من زهرة الدنيا وزخرفها ما يوجب عليكم ذكر نعمة الله عليكم واتقاء سخطه، وأن تصدقوا العدو القتال وتجاهدوهم حق الجهاد، فاتقوا الله ولا تركنوا إلى الدنيا وزخرفها، ولا تولوا عن عدوكم إذا التقيتم، ولا تخزوا الحور العين بأن لا تبلوا ولا تجتهدوا، وأن تفشلوا عن العدو فيولين، يعني الحور العين، عنكم يخزاية واستحياء لكم، وتفسير الخزاية في موضعه. والراحول: الرحل، وإنه لخصيب الرحل، وانتهينا إلى رحالنا أي منازلنا.
                    والرحل: مسكن الرجل وما يصحبه من الأثاث، وفي الحديث: إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال أي صلوا ركبانا، والنعال هنا: الحرار، واحدها نعل، وقال ابن الأثير: فالصلاة في الرحال يعني الدور والمساكن والمنازل، وهي جمع رحل، وحكى سيبويه عن العرب: وضعا رحالهما، يعني رحلي الراحلتين، فأجروا المنفصل من هذا الباب كالرحل مجرى غير المنفصل، كقوله تعالى: فاقطعوا أيديهما، وكقوله تعالى: فقد صغت قلوبكما، وهذا في المنفصل قليل ولذلك ختم سيبويه به فصل:
                    ظهراهما مثل ظهور الترسين
                    وقد كان يجب أن يقولوا وضعا أرحلهما لأن الاثنين أقرب إلى أدنى العدة، ولكن كذا حكي عن العرب، وأما فقد صغت قلوبكما فليس بحجة في هذا المكان لأن القلب ليس له أدنى عدد، ولو كان له أدنى عدد لكان القياس أن يستعمل ههنا، وقول خطام:
                    ظهراهما مثل ظهور الترسين
                    من هذا أيضا، إنما حكمه مثل أظهر الترسين لما قدمنا، وهوالرحالة وجمعها رحائل. قال ابن سيده: والرحالة في أشعار العرب السرج، قال الأعشى:
                    ورجراجة تعشي النواظر ضخمة*
                    وشعث على أكتافهن الرحـائل
                    قال: والرحالة سرج من جلود ليس فيه خشب كانوا يتخذونه للركض الشديد، والجمع الرحائل، قال أبو ذؤيب:
                    تعدو به خوصاء يفصم جريهـا*
                    حلق الرحالة وهي رخو تمزع
                    يقول: تعدو فتزفر فتفصم حلق الحزام، وأنشد الجوهري لعامر بن الطفيل:
                    ومقطع حلق الرحالة سابح*
                    باد نواجذه عن الأظراب
                    وأنشد لعنترة:
                    إذ لا أزال على رحالة سابح*
                    نهد تعوره الكماة مكـلـم
                    وأنشد ابن بري لعميرة بن طارق:
                    بفتيان صدق فوق جرد كأنها*
                    طوالب عقبان عليها الرحائل
                    قال: وهو أكبر م السرج ويغشى بالجلود ويكون للخيل والنجائب. وقال الجوهري: والرحل رحل البعير، وهو أصغر من القتب، وثلاثة أرحل، والعرب تكني عن القذف للرجل بقولهم: يا ابن ملقى أرحل الركبان. ابن سيده: ورحل البعير يرحله رحلا، فهو مرحول ورحيل، وارتحله: جعل عليه الرحل، ورحله رحلة: شد عليه أداته، قال الأعشى:
                    رحلت سمية غدوة أجمالـهـا*
                    غضبى عليك فما تقول بدا لها؟
                    وقال المثقب العبدي:
                    إذا ما قمت أرحلها بلـيل*
                    تأوه آهة الرجل الحزين.
                    وفي الحديث: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، سجد فركبه الحسن فأبطأ في سجوده، فلما فرغ سئل عنه فقال: إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله، أي جعلني كالراحلة فركب على ظهري.

                    وإنه لحسن الرحلة أي الرحل للإبل أعني شده لرحالها، قال:
                    ورحلوها رحلة فيها رعن
                    وفي حديث ابن مسعود: إنما هو رحل أو سرج، فرحل إلى بيت الله، وسرج في سبيل الله، يريد أن الإبل تركب في الحج والخيل في الجهاد. الأزهري: ويقال رحلت البعير أرحله رحلا إذا علوته. شمر: ارتحلت البعير إذا ركبته بقتب أو اعروريته، قال الجعدي:
                    وما عصيت أميرا غير مـتـهـم*
                    عندي ولكن أمر المرء ما ارتحلا
                    أي يرتحل الأمر يركبه. قال شمر: ولو أن رجلا صرع آخر وقعد على ظهره لقلت رأيته مرتجله. ومرتحل البعير: موضع رحله. وارتحل فلان فلانا إذا علا ظهره وركبه. وفي بعض الحديث: لتكفن عن شتمه أو لأرحلنك بسيفي أي لأعلونك. يقال: رحلته بما يكره أي ركبته.
                    وفي الحديث عند اقتراب الساعة: تخرج نار من قعر عدن ترحل الناس رواه شعبة قال: ومعنى ترحل أي ترحل معهم إذا رحلوا، وتنزل معهم إذا نزلوا، وتقيل إذا قالوا، جاء به متصلا بالحديث، قال شمر: وقيل معنى ترحلهم أي تنزلهم المراجل، وقيل: تحملهم على الرحيل، قال: والترحيل والإرحال بمعنى الإشخاص والإزعاج. يقال: رحل الرجل إذا سار، وأرحلته أنا. ورجل رحول وقوم رحل أي يرتحلون كثيرا، ورجل رحال: عالم بذلك مجيد له، وإبل مرحلة: عليها رحالها، وهي أيضا التي وضعت عنها رحالها، قال:
                    سوى ترحيل راحلة وعين*
                    أكالئها مخافة أن تنامـا
                    والرحول والرحولة من الإبل: التي تصلح أن ترحل، وهي الراحلة تكون للذكر والأنثى فاعلة بمعنى مفعولة، وقد يكون على النسب، وأرحلها صاحبها: راضها حتى صارت راحلة. قال أبو زيد: أرحل الرجل البعير، وهو رجل مرحل، وذلك إذا أخذ بعيرا صعبا فجعله راحلة.
                    وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: تجدون الناس بعدي كإبل مائة ليس فيها راحلة، الراحلة من الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال، وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر، وإذا كانت في جماعة الإبل تبينت وعرفت، يقول، فالناس متساوون ليس لأحد منهم على أحد فضل في النسب، ولكنهم أشباه كإبل مائة ليست فيها راحلة تتبين فيها وتتميز منها بالتمام وحسن المنظر، قال الأزهري: هذا تفسير ابن قتيبة، وقد غلط في شيئين منه: أحدهما أنه جعل الراحلة الناقة، وليس الجمل عنده راحلة، والراحلة عند العرب كل بعير نجيب، سواء كان ذكرا أو أنثى، وليست الناقة أولى باسم الراحلة من الجمل، تقول العرب للجمل إذا كان نجيبا راحلة، وجمعه رواحل، ودخول الهاء في الراحلة للمبالغة في الصفة، كما يقال رجل داهية وباقعة وعلامة، وقيل: إنما سميت راحلة لأنها ترحل كما قال الله عز وجل: في عشية راضية، أي مرضية، وخلق من ماء دافق، أي مدفوق، وقيل: سميت راحلة لأنها ذات رحل، وكذلك عيشة راضية ذات رضا، وماء دافق ذو دفق، وأما قوله: إن النبي، صلى الله عليه وسلم، أراد أن الناس متساوون في النسب ليس لأحد منهم فضل على الآخر ولكنهم أشباه كإبل مائة ليس فيها راحلة، فليس المعنى ما ذهب إليه، قال: والذي عندي فيه أن الله تعالى ذم الدنيا وركون الخلق وتشاحوا عليها وتنافسوا في اقتنائها حتى كان الزهد في النادر القليل منهم فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، تجدون الناس بعدي كإبل مائة ليس فيها راحلة، ولم يرد بهذا تساويهم في الشر ولكنه أراد أن الكامل في الخير والزهد في الدنيا مع رغبته في الآخرة والعمل لها قليل، كما أن الراحلة النجيبة نادرة في الإبل الكثيرة.
                    قال: وسمعت غير واحد من مشايخنا يقول: إن زهاد أصحاب سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يتتاموا عشرة مع وفور عددهم وكثرة خيرهم وسبقهم الأمة إلى ما يستوجبون به كريم المآب برحمة الله إياهم ورضوانه عنهم، فكيف من بعدهم وقد شاهدوا التنزيل وعاينوا الرسول، وكانوا مع الرغبة التي ظهرت منهم في الدنيا خير هذه الأمة التي وصفها الله عز وجل فقال: كنتم خير أمة اخرجت للناس، وواجب على من بعدهم الاستغفار لهم والترحم عليهم، وأن يسألوا الله تعالى أن لا يجعل في قلوبهم غلا لهم، ولا يذكروا أحدا منهم بما فيه منقصة لهم والله يرحمنا وإياهم، ويتغمد زللنا بحلمه، إنه هو الغفور الرحيم، وقول دكين:
                    أصبحت قد صالحني عواذلي*
                    بعد الشقاق ومشت رواحلي.
                    قيل: تركت جهلي وارعويت وأطعت عواذبي كما تطيع الراحلة زاجرها فتمشي، وقول زهير:
                    وعري أفراس الصبا ورواحله
                    استعاره للصبا، يقول: ذهبت قوة شبابي التي كانت تحملني كما تحمل الفرس والراحلة صاحبهما. ويقال للراحلة التي ريضت وأدبت: قد أرحلت إرحالا، وأمهرت إمهارا إذا جعلها الرائض مهرية وراحلة. الجوهري: الراحلة المركب من الإبل، ذكرا كان أو أنثى.

                    والرحال: الطنافس الحيرية، ومنه قول الأعشى:
                    ومصاب غادية كأن تجارهـا*
                    نشرت عليه برودها ورحالها
                    والمرحل: ضرب من برود اليمن، سمي مرحلا لأن عليه تصاوير رحل. ومرط مرحل: إزار خز فيه علم، وقال الأزهري: سمي مرحلا لما عليه من تصاوير رحل وما ضاهاه، قال الفرزدق:
                    عليهن راحولات كـل قـطـيفة*
                    من الخز أو من قيصران علامها
                    قال: الراحولات الرحل الموشي، على فاعولات، قال: وقيصران ضرب من الثياب الموشية. ومرط مرحل: عليه تصاوير الرحال. وفي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وعليه مرط مرحل، المرحل الذي قد نقش فيه تصاوير الرحال. وفي حديث عائشة وذكرت نساء الأنصار: فقامت كل واحدة إلى مرطها المرحل. ومنه الحديث: كان يصلي وعليه من هذه المرحلات، يعني المروط المرحلة، وتجمع على المراحل. وفي الحديث: حتى يبنى الناس بيوتا يوشونها وشي المراحل، يعني تلك الثياب، ويقال لذلك العمل الترحيل، ويقال لها المراجل، بالجيم أيضا، ويقال لها الراحولات.

                    وناقة رحيلة أي شديدة قوية على السير، وكذلك جمل رحيل. وبعير ذو رحلة ورحلة أي قوة على السير. الأزهري: وبعير مرحل ورحيل إذا كان قويا. وفي نوادر الأعراب. ناقة رحيلة ورحيل ومرحلة ومسترحلة أي تجيبة. وبعير مرحل إذا كان سمينا وإن لم يكن نجيبا. وبعير ذو رحلة ورحلة إذا كان قويا على أن يرحل. وارتحل البعير رحلة: سار فمضى، ثم جرى ذلك في المنطق حتى قيل ارتحل القوم عن المكان ارتحالا. ورحل عن المكان يرحل وهو راحل من قوم رحل: انتقل، قال:
                    رحلت من أقصى بلاد الرحل*
                    من قلل الشحر فجنبي موحل
                    ورحل غيره قال الشاعر:
                    لا يرحل الشيب عن دار يحل بها*
                    حتى يرحل عنها صاحب الدار
                    ويروى: عامر الدار. والترحل والارتحال: الانتقال وهو الرحلة والرحلة. والرحلة: اسم للارتحال للمسير. يقال: دنت رحلتنا. ورحل فلان وارتحل وترحل بمعنى.

                    وفي الحديث: في نجابة ولا رحلة، الرحلة، بالضم، القوة والجودة أيضا، ويروى بالكسر بمعنى الارتحال، وحكى اللحياني: إنه لذو رحلة إلى الملوك ورحلة. وقال بعضهم: الرحلة الارتحال، والرحلة، بالضم، الوجه الذي تأخذ فيه وتريده، تقول: أنتم رحلتي أي الذين أرتحل إليهم. وأرحلت الإبل: سمنت بعد هزال فأطاقت الرحلة.
                    وراحلت فلانا إذا عاونته على رحلته، وأرحلته إذا أعطيته راحلة، ورحلته، بالتشديد، إذا أظعنته من مكانه وأرسلته.
                    ورجل مرحل أي له رواحل كثيرة، كما يقال معرب إذا كان له خيل عراب، عن أبي عبيد، وإذا عجل الرجل إلى صاحبه بالشر قيل: استقدمت رحالتك، وأما قول امرئ القيس:
                    فإما تريني في رحالة جابـر*
                    على حرد كالقر تخفق أكفاني
                    فيقال: إنما أراد به الحرج وليس ثم رحالة في الحقيقة، هذا كما جاء فلان على ناقة الحذاء، يعنون النعل، وجابر: اسم رجل نجار. ابن سيده: الرحلة السفرة الواحدة. الرحيل: اسم ارتحال القوم للمسير، قال:
                    أما الرحيل فدون بعد غد*
                    فمتى تقول الدار تجمعنا
                    والرحيل: القوي على الارتحال والسير، والأنثى رحيلة. وفي حديث النابغة الجعدي: أن ابن الزبير أمر له برحلة رحيل، قال المبرد: راحلة رحيل أي قوي على الرحلة، كما يقول فحل فحيل ذو فحلة، وجمل رحيل وناقة رحيلة بمعنى النجيب والظهير، قال: ولم تثبت الهاء في الرحيل لأن الراحلة تقع على الذكر.

                    والمرتحل: نقيض المحل، وأنشد قول الأعشى:
                    إن محلا وإن مرتحلا
                    يريد أن ارتحالا وإن حلولا، قال: وقد يكون المرتحل اسم الموضع الذي يحل فيه. قال: والترحل ارتحال في مهلة، ويفسر قول زهير:
                    ومن لا يزل يسترحل الناس نفسه*
                    ولا يعفها يوم من الـذل ينـدم
                    تفسيرين: إحدهما أنه يذل لهم حتى يركبوه بالأذى ويستذلوه، والثاني أنه يسألهم أن يحملوا عنه كله وثقله مؤنته، ومن قال هذا القول روى البيت:
                    ولا يعفها يوما من الناس يسأم
                    قال ذلك كله ابن السكيت في كتابه في المعاني وغيره. الجوهري: واسترحله أي سأله أن يرحل له، ورحل الرجل: منزله ومسكنه، والجمع أرحل.
                    وفي حديث عمر: يا رسول الله حولت رحلي البارحة، كنى برحله على زوجته، أراد به غشيانها في قلبها في جهة ظهرها لأن المجامع يعلو المرأة ويركبها مما يلي وجهها. فحيث ركبها من جهة ظهرها كنى عنه بتحويل رحله، إما أن يريد به المنزل والمأوى، وإما أن يريد به الرحل الذي تركب عليه الإبل وهوالكور.

                    وشاة رحلاء: سوادء بيضاء موضع مركب الراكب من مآخير كتفيها، وإن ابيضت واسود ظهرها فهي أيضا رحلاء، الأزهري: فإن ابيضت إحدى رجليها فهي رجلاء.
                    وقال أبو الغوث: الرحلاء من الشياه التي أبيض ظهرها وأسود سائرها، قال: وكذلك إذا اسود ظهرها وابيض سائرها، قال: ومن الخيل التي ابيض ظهرها لا غير، وفرس أرحل: أبيض الظهر ولم يصل البياض إلى البطن ولا إلى العجز ولا إلى العنق، وإن كان أبيض الظهر فهو آزر.
                    وترحله: ركبه بمكروه. الأزهري: يقال أن فلان يرحل فلانا بما يكره أي يركبه. ويقال: رحلت له نفسي إذا صبرت على أذاه.
                    والرحيل: منزلة بين مكة والبصرة. وراحيل: اسم أم يوسف، على نبينا وعليه الصلاة والسلام. ورحلة: هضبة معروفة، زعم ذلك يعقوب، وأنشد:
                    ترادى على دمن الحياض فإن تعف*
                    فإن المنـدى رحـلة فـركـوب
                    قال: وركوب هضبة أيضا،ورواية سيبويه: رحلة فركوب أي أن يشد رحلها فتركب. والمرحلة: واحدة المراحل، يقال بيني وبين كذا مرحلة أو مرحلتان. والمرحلة: المنزلة يرتحل منها، وما بين المنزلين مرحلة، والله أعلم).
                    د. أبو شامة المغربي

                    التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي; 01-08-2007, 01:49 PM.

                    تعليق

                    • أبو شامة المغربي
                      السندباد
                      • Feb 2006
                      • 16639


                      رد : أدب الرحـــــــلة ...




                      مادة
                      سفر
                      في
                      لسان العرب
                      لابن منظور الأفريقي
                      سَفَرَ البيتَ وغيره يَسْفِرُه سَفْراً: كنسه. والمِسْفَرَةُ:المِكْنَسَةُ، وأَصله الكشف. والسُّفَارَةُ، بالضم: الكُنَاسَةُ. وقد سَفَرَه: كَشَطَه.
                      وسَفَرَت الريحُ الغَيْمَ عن وجه السماء سَفراً فانْسَفَرَ: فَرَّقَتْه فتفرق وكشطته عن وجه السماء؛ وأَنشد:

                      سَفَرَ الشَّمَالُ الزِّبْرِجَ المُزَبْرَجا
                      الجوهري: والرياح يُسافِرُ بعضها بعضاً لأَن الصَّبَا تَسْفِرُ ما أَسْدَتْهُ الدَّبُورُ والجَنُوبُ تُلْحِمُه. والسَّفير: ما سقط من ورق الشجر وتَحَاتَّ. وسَفَرَتِ الريحُ الترابَ والوَرَقَ تَسْفِرُه سَفْراً: كنسته، وقيل: ذهبت به كُلَّ مَذْهَبٍ. والسَّفِيرُ: ما تَسْفِرُه الريح من الورق، ويقال لما سقط من ورق العُشْبِ: سَفِيرٌ، لأَن الريح تَسْفِرُه أَي تكنُسه؛ قال ذو الرمة:
                      وحائل من سَفِيرِ الحَوْلِ جائله،حَوْلَ الجَرَائم، في أَلْوَانِه شُهَبُ
                      يعني الورق تغير لونه فحال وابيض بعدما كان أَخضر، ويقال: انْسَفَرَ مُقَدَّمُ رأْسه من الشعر إذا صار أَجْلَحَ. والانْسِفارُ: الانْحسارُ.
                      يقال: انْسَفَرَ مُقَدَّمُ رأْسه من الشعَر. وفي حديث النخعي: أَنه سَفَرَ شعره أَي استأْصله وكشفه عن رأْسه. وانْسَفَرَت الإِبل إذا ذهبت في الأَرض. والسَّفَرُ: خلاف الحَضَرِ، وهو مشتق من ذلك لما فيه من الذهاب والمجيء كما تذهب الريح بالسفير من الورق وتجيء، والجمع أَسفار. ورجل سافرٌ: ذو سَفَرٍ، وليس على الفِعْل لأَنه لم يُرَ له فِعْلٌ؛ وقومٌ سافِرَةٌ وسَفْرٌ وأَسْفَارٌ وسُفَّارٌ، وقد يكون السَّفْرُ للواحد؛ قال:

                      عُوجي عَلَيَّ فإِنَّني سَفْرُ
                      المُسافِرُ: كالسَّافِر. وفي حديث حذيفة وذكر قوم لوط فقال:وتُتُبّعَتْ أَسْفَارُهم بالحجارة؛ يعني المُسافِرَ منهم، يقول: رُمُوا بالحجارة حيث كانوا فَأُلْحِقُوا بأَهل المدينة. يقال: رجل سَفْرٌ وقوم سَفْرٌ، ثم أَسافر جمع الجمع. وقال الأَصمعي: كثرت السَّافِرَةُ بموضع كذا أَي المسافرون قال: والسَّفْر جمع سافر، كما يقال: شارب وشَرْبٌ، ويقال: رجل سافِرٌ وسَفْرٌ أَيضاً. الجوهري: السَّفَرُ قطع المسافة، والجمع الأَسفار. والمِسْفَرُ: الكثير الأَسفار القويُّ عليها؛ قال:
                      لَنْ يَعْدَمَ المَطِيُّ مِنِّي مِسْفَرا،شَيْخاً بَجَالاً، وغلاماً حَزْوَرا
                      والأُنثى مِسْفَرَةٌ. قال الأَزهري: وسمي المُسافر مُسافراً لكشفه قِناع الكِنِّ عن وجهه، ومنازلَ الحَضَر عن مكانه، ومنزلَ الخَفْضِ عن نفسه، وبُرُوزِهِ إِلى الأَرض الفَضاء، وسمي السَّفَرُ سَفَراً لأَنه يُسْفِرُ عن وجوه المسافرين وأَخلاقهم فيظهر ما كان خافياً منها. ويقال: سَفَرْتُ أَسْفُرُ سُفُوراً خرجت إِلى السَّفَر فأَنا سافر وقوم سَفْرٌ، مثل صاحب وصحب، وسُفَّار مثل راكب وركَّاب، وسافرت إِلى بلد كذا مُسافَرَة وسِفاراً؛ قال حسان:
                      لَوْلا السِّفارُ وبُعْدُ خَرْقٍ مَهْمَةً،لَتَرَكْتُها تَحْبُو على العُرْقُوبِ
                      وفي حديث المسح على الخفين: أَمرنا إذا كنا سَفْراً أو مسافرين؛ الشك من الراوي في السَّفْر والمسافرين. والسَّفْر: جمع سافر، والمسافرون: جمع مسافر، والسَّفْر والمسافرون بمعنى.
                      وفي الحديث: أَنه قال لأَهل مكة عام الفتح: يا أَهل البلد صلوا أَربعاً فأَنا سَفْرٌ؛ ويجمع السَّفْر على أَسْفارٍ. وبعير مِسْفَرٌ: قويّ على السفَر؛ وأَنشد ابن الأَعرابي للنمر بن تولب:
                      أَجَزْتُ إِلَيْكَ سُهُوبَ الفلاةِ،وَرَحْلي على جَمَلٍ مِسْفَرِ
                      وناقةٌ مِسْفَرة ومِسْفار كذلك؛ قال الأَخطل:
                      ومَهْمَهٍ طَامِسٍ تُخْشَى غَوائلُه،قَطَعْتُه بِكَلُوءِ العَيْنِ مِسْفـارِ
                      وسمى زهير البقرةَ مُسافِرةً فقال:
                      كَخَنْسَاءُ سَفْعاءِ المِلاطَيْنِ حُرَّةٍ،مُسافِرَةٍ مَزْؤُودَةٍ أُمِّ فَـرْقَـدِ
                      ويقال للثور الوحشي: مسافر وأَماني وناشط؛ وقال:
                      كأَنها، بَعْدَما خَفَّتْ ثَمِيلَتُـهـا،مُسافِرٌ أَشْعَثُ الرَّوْقَيْنِ مَكْحُولُ
                      والسَّفْرُ: الأَثر يبقى على جلد الإِنسان وغيره، وجمعه سُفُورٌ؛ وقال أَبو وَجْزَة:
                      لقد ماحتْ عليكَ مُؤَبَّدَاتٌ،يَلُوح لهنَّ أَنْدَابٌ سُفُورُ
                      وفرس سافِرُ اللحم أَي قليله؛ قال ابن مقبل:
                      لا سافِرُ اللَّحْمِ مَدْخُـولٌ، ولا هَـبِـجٌكَاسِي العظامِ، لطيفُ الكَشْحِ مَهْضُومُ
                      التهذيب: ويقال سافرَ الرجلُ إذا مات؛ وأَنشد:
                      زعمَ ابنُ جدعانَ بنِ عَمْروٍ أَنَّه يوماً مُسافِـرْ
                      والمُسَفَّرَة: كُبَّةُ الغَزْلِ. والسُّفرة، بالضم: طعام يتخذ للمسافر، وبه سميت سُفرة الجلد. وفي حديث زيد بن حارثة قال: ذبحنا شاة فجعلناها سُفْرَتَنا أَو في سُفْرتنا؛ السُّفْرَة: طعام يتخذه المسافر وأَكثر ما يحمل في جلد مستدير فنقل اسم الطعام إِليه، وسمي به كما سميت المزادة راوية وغير ذلك من الأَسماء المنقولة، فالسُّفْرَة في طعام السَّفَر كاللُّهْنَةِ للطعام الذي يؤكل بُكرة. وفي حديث عائشة: صنعنا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولأَبي بكر سُفْرَةً في جراب أَي طعاماً لما هاجر هو وأَبو بكر، رضي الله عنه. غيره: السُّفرة التي يؤكل عليها سُميت سُفْرَةً لأَنها تنبسط إذا أَكل عليها.
                      والسَّفَار: سفار البعير، وهي حديدة توضع على أَنف البعير فيخطم بها مكانَ الحَكَمَة من أَنف الفرس. وقال اللحياني: السِّفار والسِّفارة التي تكون على أَنف البعير بمنزلة الحَكَمَة، والجمع أَسْفِرَة وسُفْرٌ وسَفائر؛ وقد سَفَرَه، بغير أَلفٍ، يَسْفِره سَفْراً وأَسْفَره عنه إِسْفَاراً وسَفَّره؛ التشديد عن كراع، الليث: السِّفار حبل يشد طرفه على خِطام البعير فَيُدَارُ عليه ويجعل بقيته زِماماً، قال: وربما كان السِّفار من حديد؛ قال الأَخطل:

                      ومُوَقَّع، أَثَرُ السِّفار بِخَطْمِهِ،منْ سُودِ عَقَّةَ أَوْ بَنِي الجَوَّالِ
                      قال ابن بري: صوابه وموقعٍ مخفوض على إِضمار رب؛ وبعده:
                      بَكَرَتْ عَليَّ به التِّجَارُ، وفَوْقَهأَحْمَالُ طَيِّبَة الرِّياح حَـلالُ
                      أَي رب جمل موقع أَي بظهره الدبَرُ. والدَّبَرُ: من طول ملازمة القنَب ظهرَه أُسْنِيَ عليه أَحمال الطيب وغيرها. وبنو عقة: من النمر بن قاسط.
                      وبنو الجوَّال: من بني تغلب. وفي الحديث: فوضع يده على رأْس البعير ثم قال: هاتِ السِّفارَ، فأَخذه فوضعه في رأْسه؛ قال: السِّفار الزمام والحديدة التي يخطم بها البعير ليذل وينقاد؛ ومنه الحديث: ابْغِني ثلاث رواحل مُسْفَرَات أَي عليهن السِّفار، وإِن روي بكسر الفاء فمعناه القوية على السَّفر. يقال منه: أَسْفَر البعيرُ واسْتَسْفَرَ. ومنه حديث الباقر:تَصَدَّقْ بِحَلال يدك وسَفْرِها؛ هو جمع السِّفار. وحديث ابن مسعود: قال له ابن السَّعْدِيِّ: خرجتُ في السحر أَسْفِرُ فرساً لي فمررت بمسجد بني حنيفة؛ أَراد أَنه خرج يُدَمِّنُه على السَّيْرِ ويروضه ليقوى على السَّفَر، وقيل: هو من سفرت البعير إذا رعيته السَّفِيرَ، وهو أَسافل الزرع، ويروى بالقاف والدال. وأَسْفَرَتِ الإِبلُ في الأَرض: ذهبت. وفي حديث معاذ: قال قرأْت على النبي، صلى الله عليه وسلم، سَفْراً سَفْراً، فقال: هكذا فَاقْرَأْ. جاء في الحديث: تفسيره هَذّاً هَذّاً. قال الحربي: إِن صح فهو من السُّرعة والذهاب من أَسفرت الإِبل إذا ذهبت في الأَرض، قال: وإِلاَّ فلا أَعلم وجهه. والسَّفَرُ: بياض النهار؛ قال ذو الرمة:

                      ومَرْبُوعَةٍ رِبْعِيَّةٍ قد لَبَأْتُها،بِكَفَّيِّ مِنْ دَوِّيَّةٍ، سَفَـراً
                      سَفْرا يصف كَمْأَةً مَرْبُوعَةً أَصابها الربيع. ربعية: منسوبة إِلى الربيع.
                      لبأْتها: أَطعمتهم إِياها طرية الاجتناء كاللِّبَا من اللبن، وهو أَبكره وأَوّله. وسَفَراً: صباحاً. وسَفْراً: يعني مسافرين. وسَفَرِ الصبحُ وأَسْفَرَ: أَضاء. وأَسْفَرَ القومُ أَصبحوا. وأَسفر.
                      أَضاء قبل الطلوع. وسَفَرَ وجهُه حُسْناً وأَسْفَرَ: أَشْرَقَ. وفي التنزيل العزيز: وُجُوهٌ يومئذ مُسْفِرَةٌ؛ قال الفراء: أَي مشرقة مضيئة. وقد أَسْفَرَ الوَجْهُ وأَسْفَرَ الصبح. قال: وإِذا أَلقت المرأَةُ نِقَابها قيل: سَفَرَتْ فهي سافِرٌ، بغير هاء.
                      ومَسَافِرُ الوجه: ما يظهر منه؛ قال امرؤ القيس:

                      وأَوْجُهُهُمْ بِيضُ المَسَافِرِ غُرَّانُ
                      ولقيته سَفَراً وفي سَفَرٍ أَي عند اسفرار الشمس للغروب؛ قال ابن سيده: كذلك حكي بالسين. ابن الأَعرابي: السَّفَرُ الفجر؛ قال الأَخطل:
                      إِنِّي أَبِيتُ، وَهَمُّ المَرءِ يَبْعَثُه،مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ حتى يُفْرِجَ السَّفَرُ
                      يريد الصبح؛ يقول: أَبيت أَسري إِلى انفجار الصبح. وسئل أَحمد بن حنبل عن الإِسْفارِ بالفجر فقال: هو أَن يُصْبِحَ الفَجْرُ لا يُشَكُّ فيه، ونحو ذلك قال إِسحق وهو قول الشافعي وذويه. وروي عن عمر أَنه قال: صلاة المغرب والفجَاجُ مُسْفِرَةٌ. قالأَبو منصور: معناه أَي بَيِّنَةٌ مُبْصَرَةٌ لا تخفى. وفي الحديث: صلاة المغرب يقال لها صلاة البَصَر لأَنها تؤدّى قبل ظلمة الليل الحائلة بين الأَبصار والشخوص. والسَّفَرُ سَفَرانِ:سَفَرُ الصبح وسَفَرُ المَسَاء، ويقال لبقية بياض النهار بعد مغيب الشمس:سَفَرٌ لوضوحه؛ ومنه قول الساجع إذا طَلَعَتِ الشِّعْرى سَفَرا، ولم تَرَ فيها مَطَرا؛ أَراد طلوعها عِشاء. وَسَفَرَتِ المرأَة وجهها إذا كشف النِّقابَ عن وجهها تَسْفِرُ سُفُوراً؛ ومنه سَفَرْتُ بين القوم أَسْفِرُ سِفَارَةً أَي كشفت ما في قلب هذا وقلب هذا لأُصلح بينهم. وسَفَرَتِ المرأَةُ نِقابَها تَسْفِرُهُ سُفُوراً، فهي سافِرَةٌ: جَلَتْه.
                      والسَّفِيرُ: الرَّسول والمصلح بين القوم، والجمع سُفَراءُ؛ وقد سَفَرَ بينهم يَسْفِرُ سَفْراً وسِفارة وسَفارة: أَصلح. وفي حديث عليّ أَنه قال لعثمان: إِن الناس قد اسْتَسْفَرُوني بينك وبينهم أَي جعلوني سفيراً، وهو الرسول المصلح بين القوم. يقال: سَفَرْتُ بين القوم إذا سَعَيْتَ بينهم في الإصلاح. والسِّفْرُ، بالكسر: الكتاب، وقيل: هو الكتاب الكبير، وقيل: هو جزء من التوراة، والجمع أَسْفارٌ. والسَّفَرَةُ: الكَتَبَةُ، واحدهم سافِرٌ، وهو بالنَّبَطِيَّةِ سافرا. قال الله تعالى:بِأَيْدِي سَفرَةٍ؛ وسَفَرْتُ الكتابَ أَسْفِرُهُ سَفْراً. وقوله عز وجل: كَمَثَلِ الحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً؛ قال الزجاج فب الأَسفار: الكتب الكبار واحدها سِفْرٌ، أَعْلَمَ اللهُ تعالى أَن اليهود مَثَلُهم في تركهم استعمالَ التوراة وما فيها كَمَثَلِ الحمارُ يُحْمَل عليه الكتب، وهو لا يعرف ما فيها ولا يعيها. والسَّفَرَةُ: كَتَبَة الملائكة الذين يحصون الأَعمال؛ قال ابن عرفة:سميت الملائكة سَفَرةً لأَنهم يَسْفِرُونَ بين الله وبين أَنبيائه؛ قال أَبو بكر: سموا سَفَرَةً لأَنهم ينزلون بوحي الله وبإِذنه وما يقع به الصلاح بين الناس، فشبهوا بالسُّفَرَاءِ الذين

                      لِلَيْلَى بذاتِ البَيْنِ دارٌ عَرَفْتُـهـا،وأُخْرَى بذاتِ الجَيْشِ، آياتُها سَفْرُ
                      قال السكري: دُرِسَتْ فصارت رسومها أَغفالاً. قال ابن جني: ينبغي أَن يكون السَّفْرُ من قولهم سَفَرْتُ البيت أَي كنسته فكأَنه من كنست الكتابة من الطِّرْس. وفي الحديث: أَن عمر، رضي الله عنه، دخل على النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: لو أَمرت بهذا البيت فَسُفِرَ؛ قال الأَصمعي: أَي كُنِسَ. والسَّافِرَة: أُمَّةٌ من الروم. وفي حديث سعيد بن المسيب: لولا أَصواتُ السَّافِرَةِ لسمعتم وَجْبَةَ الشمس؛ قال: والسافرة أُمة من الروم كذا جاء متصلاً بالحديث، ووجبة الشمس وقوعها إذا غربت.
                      وسَفَارِ: اسم ماء مؤنثة معرفة مبنية على الكسر. الجوهري: وسَفَارِ مثل قَطامِ اسم بئر؛ قال الفرزدق:

                      متى ما تَرِدْ يوماً سَفَارِ، نَجِدْ بهَاأُدَيْهِمَ يَرْمِي المُسْتَحِيزَ المُعَوَّرَا
                      وسُفَيْرَةُ: هَضْبَةٌ معروفة؛ قال زهير:
                      بكتنا أَرضنا لما ظعنَّا... سفيرة والغـيام


                      د. أبو شامة المغربي

                      kalimates@maktoob.com

                      تعليق

                      • أبو شامة المغربي
                        السندباد
                        • Feb 2006
                        • 16639


                        رد : أدب الرحـــــــلة ...

                        نص مقدمة المترجم الموضوعة للكتاب
                        للقراءة والتحميل على الرابط التالي:

                        د. أبو شامة المغربي

                        تعليق

                        • أبو شامة المغربي
                          السندباد
                          • Feb 2006
                          • 16639


                          رد : أدب الرحـــــــلة ...

                          «رحلتي الى بلاد الرافدين وعراق العرب»
                          مخاضات ما بعد الولادة
                          ثائر صالح
                          الحياة
                          2005/02/26
                          لم يهدأ لي بال حتى بعد صدور ترجمتي لكتاب ميهاي فضل الله الحداد «رحلتي إلى بلاد الرافدين وعراق العرب» (دار كتب - بيروت 2004)، إذ كانت الترجمة حبلى بالكثير من الأسئلة والاحتمالات، وبقيت متردداً في شأن ترجمة بعض الأسماء وتحديد بعض الأحداث حتى اللحظة الأخيرة. وزادت من هواجسي الاكتشافات اللاحقة التي توصلت إليها أثناء شروعي بتهيئة النص المجري الأصلي للطبع في حلة معاصرة.
                          صدر الكتاب باللغة المجرية عام 1904، وهو يروي قصة رحلة ميهاي [ميشيل أو ميخائيل] فضل الله الحداد عقيد الجيش النمسوي المجري إلى بلاد الشام والعراق على رأس بعثة لشراء خيول عربية أصيلة لحساب الجيش الامبراطوري الملكي في شتاء (1901-1902). وميهاي فضل الله الحداد (1841-1924) أحد أشهر مربي الخيول في تاريخ المجر، أصبح آمراً على بابولنا، أهم محطة لتربية الخيول في الإمبراطورية النمسوية المجرية من 1899حتى 1913 عندما تقاعد برتبة لواء. اطلعت على الكتاب للمرة الاولى في 1987، عندما طلب الباحث العراقي عبدالرزاق الحميري المقيم في النمسا من الباحث والكاتب المعروف علي الشوك الذي كان يقيم في بودابست آنئذ مساعدته وتعريفه بفحوى الكتاب، فقمت بالمهمة بدلاً منه لتمكني من اللغة المجرية، فقررت عندها أن هذا الكتاب يستحق الترجمة.
                          ثم شاءت الصدف أن أذكر الكتاب والمؤلف في كلمة لي عن بابولنا ومركز تربية الخيول فيها نشرتها «الحياة» قبل أكثر من عام، ليتنبه خبير الكتب النادرة وجامع الصور المعروف السيد بدر الحاج إلى أهميته، فتكللت جهوده بصدور ترجمة هذا الكتاب في وقت قياسي بهذه الطبعة الجميلة.
                          يصف الكتاب ما لاقته البعثة المجرية التي نزلت البر في بيروت وسارت من دمشق إلى دير الزور عبر بادية الشام، ومنها إلى بغداد بعدما عبرت جسر الفلوجة الخشب المتهرئ (وقد وجدت صوراً للجسر في المتحف)، ومن بغداد إلى الحلة والعتبات الشيعية في النجف وكربلاء، ثم أخيراً في المنطقة القريبة من الدغّارة شمال شرقي مدينة الديوانية للقاء قبائل شمر (وهي شمّر طوقة التي حلّت في جنوب العراق ما بين الرافدين، وقد تشيّعت بخلاف شمّر الجربا القاطنة في منطقة الجزيرة في العراق وسورية، وهم سنّة ومنهم الرئيس العراقي الموقت إلياور).
                          اقتنى فضل الله أحسن الخيول من شمّر، ثم عاد إلى بغداد ليشتري خيولاً من مساعد آمر الحامية التركية في بغداد وأقفل راجعاً مع مقتنياته من الخيول العربية النبيلة عبر المحمودية إلى البادية الشامية، ثم لبنان من دون أن يمر بدمشق هذه المرة بل عبر حمص وعرّج على تل الكلخ، فوصف لنا جمال الساحل اللبناني وصفاً أدبياً بديعاً، ليرحل بحراً إلى وطنه الثاني عائداً من بيروت مروراً بالاسكندرية بعدما قطع نحو 3600 كيلومتر على ظهر حصان أدهم خلال 85 يوماً.
                          والكتاب مزيج موفق ومتوازن من صنوف أدبية عدة، تجد فيه أدب الرحلات الشيق والتحليل السيكولوجي العميق للشخصية البدوية وتفاصيل علوم تربية الخيل والكثير من القصص الظريفة والتعليقات الذكية والآراء المثيرة.
                          ويثير الموقف اللاطائفي للمؤلف الانتباه وفي الوقت نفسه الاعتزاز، إذ يقول: «كان مُكاريّونا موارنة ودروزاً، وعندما جلت ببصري بينهم لم أفهم كيف يستطيع هؤلاء الناس الذين لا يختلفون عن بعض في شيء أن يدخلوا في قتال مرير مع بعضهم بعضاً، قتال اجتاحت تفاصيله الدامية والقاسية كل أوروبا بجلبته وفظائعه... لكن الكثير من الماء جرى في نهر العاصي منذ تصادم الموارنة والدروز مع بعضهم بعضاً، والآن انسجم الطرفان في شكل مثالي خلال الطريق، وقدما امثولة مضيئة على الصلابة والصبر» (ص 29).
                          كما عثرت أثناء أبحاثي التي قمت بها عند ترجمة الكتاب على أكثر من 280 صورة فوتوغرافية أصلية التقطها الملازم أول جولا هالاتشي، أحد أعضاء البعثة، محفوظة في أرشيف المتحف الزراعي المجري في بودابست، وانتقيت من بينها صوراً لم تنشر في الكتاب الأصلي، تصور مضارب البدو أو أقارب فضل الله الحداد في بيت شباب (لبنان) أو «ترجمانه» الماروني اللبناني سليم درعوني.
                          وعلى رغم متعتي الكبيرة بترجمة هذا الكتاب، واجهتني عوائق أشرت إلى بعضها في كلمتي التي تصدرته. فقد عانيت كثيراً أثناء ترجمة الأسماء العربية وتشخيصها (الجغرافية أو أسماء الأعلام) بسبب تشوش الكاتب والخلط الذي وقع فيه أحياناً، غير أنني حصلت أثناء زيارتي لبيروت أيام دورة معرض الكتاب لتوقيع ترجمتي على فرصة نادرة لتوثيق بعض المعلومات عن فضل الله الحداد والتحقق من بعض الحوادث.
                          فقد التقيت عدداً من شخصيات بلدة بيت شباب (محل ولادة المؤلف)، بينهم الأستاذ إلياس الأشقر رئيس بلدية بيت شباب والوزير أسعد رزق، علاوة على الأستاذ إيلي حداد مدرس الرياضيات المتقاعد وهو أحد أقارب ميهاي فضل الله الحداد.
                          وكانت رواية الأستاذ حداد عن التراث الشفوي المتناقل في عائلة حداد وفي بيت شباب عن إبن البلدة الشهير ذات فائدة كبيرة، إذ يغلب على المصادر المجرية والأوروبية عموماً التي تتحدث عن فضل الله الحداد الطابع الأسطوري، وتفتقر إلى المعطيات الدقيقة، خصوصاً ما يتعلق بحياته في لبنان قبل ذهابه إلى المجر سنة 1857 مع بعثة العقيد رودولف برودرمان التي زارت بلاد الشام لشراء الخيول. لكن لنقرأ ما قاله لي الأستاذ حداد بلهجته اللبنانية: «كان اسمه نخلة، يتيم الأب، راح يجمع ديونه من الشام، أهله كانوا يشتغلون في الحرير، ومعمل الحرير يسمونه عندنا الكَرْخانه، هناك يغلون الشرانق بعد أن يربوا دود القز الذي يطعمونه التوت. كل المنطقة مزروعة بالتوت، والتوت لا يحتاج إلى الماء.
                          وكان التجار يأتون من الشام أحياناً لشراء خيوط الحرير المصنوعة بالكرخانه، وأهله كانوا يتعاطون ذلك. هناك في الشام تعرف الى القنصل الإيطالي، فأخذ يعمل عنده خادماً. عندما جاء برودرمان بالخيل وكان يريحها في الساحة بالشام جفل حصان أو حصانان، فطلب برودرمان من المتفرجين أن يمسكوا الحصان ومن يمسكه يعطيه جائزة. من بين الجموع هجم ميشيل، نخلة، على الحصان فأمسك به وسلمه بكل هدوء. كان نخلة قوياً، عنده همّة، فأعطوه جائزة. وكان الحصان الثاني عنيفاً، فقال النمسوي إذا أمسك أحد بالحصان الثاني يعطيه جائزة أكبر. هجم عليه نخلة وأمسكه من رأسه، فعضه الحصان بخده ومع ذلك لم يتركه، فبقي أثر على خده طول حياته. أعجب به برودرمان فصاح للترجمان وطلب منه أن يجلبه له ويسأله إن كان يحب أن يذهب معنا إلى النمسا، فقال له نعم».
                          وتأتي هذه الرواية لتصحح الأساطير القائلة إن نخلة (كتبت في المصادر Nagle) تعلق بحصانٍ باعه أبوه لبعثة برودرمان ولم يطق فراقه، فسافر معه، أو أن أباه أرسله مع البعثة خوفاً عليه لشعوره بتصاعد التوتر الطائفي الذي سبق مجازر 1860 ... الخ.
                          الفائدة الثانية من زيارتي لبيروت كانت اقتنائي بعض الكتب، وبينها نسخة من كتاب قرأته في طفولتي، وهو عمل لونكريك الشهير «أربعة قرون من تأريخ العراق الحديث» ترجمة جعفر الخياط. فقد تمكنت أخيراً، ولو متأخراً، من تحديد اسم إحدى الشخصيات المحورية في الكتاب، وهو مساعد آمر حامية بغداد وصهر السلطان عبدالحميد الثاني الذي سماه فضل اللهChazim Pasa.
                          وقد فضلت ترجمته بصيغة حازم باشا، على رغم ترددي الشديد حتى قبل اطلاعي على ملاحظات الملازم أول جولا هالاتشي ضمن تعليقاته على صور البعثة التي كتب فيها الاسم بصيغة Kazim Pasa، أولاً لاطمئناني إلى معرفة فضل الله الحداد اللغة العربية، ثانياً لأن حرف Ch يستعمل تقليدياً لكتابة حرف (ح) العربي والعبري كذلك، وقيمته الصوتية (خ)، وقد استعمله الكاتب في تدوين اسم طباخ البعثة النباتي، الشيعي اللبناني Chalil، الذي قدّرت أنه يقابل الاسم العربي خليل.
                          بعد كل هذا وجدت في كتاب لونكريك الهامش التالي على الصفحة 373 من دون أن تصيبني أدنى مفاجأة: «كاظم باشا: أخو زوجة السلطان عبدالحميد، وقد أبعد إلى بغداد لأسباب سياسية، فكان فيها قائداً للخيالة»، فكان الصواب مع هالاتشي مجدداً. هل كان فضل الله الحداد يستعمل الأبجدية الإيطالية التي أجادها في صباه، حيث يقابل حرف Ch حرف (ك) العربي؟ كان كاظم باشا (حازم باشا في الكتاب) من باع لفضل الله عدداً من أحسن الخيول، وبينها الحصان صقلاوي بغدادي الذي أخذه الجيش الروماني الذي ساهم في القضاء على ثورة 1919 الاشتراكية وجمهورية المجالس المجرية، كغنيمة حرب.
                          كلما تعمقت في قصة فضل الله الحداد أكثر فأكثر، يزداد اهتمامي بهذه الشخصية الفذة التي دخلت التاريخ، ويتعزز تصميمي على إعطاء الرجل ما يستحق من اهتمام، عبر تعريف القارئ العربي والمجري على حد سواء بتراث إبن بلدة بيت شباب اللبنانية الذي قدم إلى المجر قبل ما يقرب من قرن ونصف قرن من الزمان ليصبح بطلاً قومياً مجرياً، وعلماً من أعلام تربية الخيول في العالم أجمع.

                          د. أبو شامة المغربي

                          تعليق

                          • أبو شامة المغربي
                            السندباد
                            • Feb 2006
                            • 16639


                            رد : أدب الرحـــــــلة ...




                            تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان
                            جمع: زاهر بن سعيد
                            الطبعة الأولى- مسقط، سلطنة عمان - وزارة التراث القومي والثقافة،[1990] - 240 صفحة -(وزارة التراث القومي والثقافة - مسقط)


                            د. أبو شامة المغربي

                            kalimates@maktoob.com

                            تعليق

                            • أبو شامة المغربي
                              السندباد
                              • Feb 2006
                              • 16639


                              رد : أدب الرحـــــــلة ...

                              ابن بطوطة ورحلته
                              تأليف: شاكر خصباك
                              الطبعة الأولى - بيروت، لبنان: (دار الآداب ومنشورات نزار ... - بيروت)،[1989]- 240 صفحة.

                              د. أبو شامة المغربي

                              تعليق

                              • أبو شامة المغربي
                                السندباد
                                • Feb 2006
                                • 16639


                                رد : أدب الرحـــــــلة ...




                                أربعون عاما في البرية
                                تأليف: هاري سانت جون فيلبي
                                ترجمة: عاطف يوسف
                                الطبعة الأولى - الرياض، السعودي: مكتبة العبيكان، 2004- 447 صفحة (مكتبة العبيكان - الرياض).


                                د. أبو شامة المغربي

                                kalimates@maktoob.com

                                تعليق

                                يعمل...