رد: أدب الرحـــــــلة ...


حوار مع الشاعر نوري الجراح حول الرحلات الأدبية الحديثة منها والقديمة



حوار مع الشاعر نوري الجراح حول الرحلات الأدبية الحديثة منها والقديمة
التاريخ:
الأربعاء 2005/03/02
المحاور:
أحمد الحيدري
الأربعاء 2005/03/02
المحاور:
أحمد الحيدري

الشاعر نوري الجراح، الشاعر السوري الذي ولد في دمشق عام 1956، وانتقل الى بيروت وعمل في الصحافة الادبية منذ مطلع الثمانينات وادار تحرير مجلة الفكر وساهم وشارك في تأسيس عدة مجلات ادبية ومن أهم نشاطاته تأسيس أول جائزة عربية للرواية التي تكتبها المرأة تحت اسم الكاتبة للرواية، صدرت له تسع اعمال شعرية إضافة الى كتابه "الفردوس الدامي" ،"ثلاثة عشر يوماً في الجزائر" وكتابه الحواري "بيت بين النهر والبحر" الذي حاور فيه كبار الشخصيات السياسية والأدبية على الساحة الفلسطينية. ويشرف الآن نوري الجراح على مشروع ارتياد الآفاق، وهو المشروع الذي يهتم ويرمي إلى بعث واحد من أعرق أنواع الكتابة في ثقافتنا، وسيدور هذا الحوار حول أدب الرحلة.

المحاور: سؤالنا الأول سيكون بالطبع عن مشروع الرحلات الأدبية، لو تحدثنا قليلاً عن كيفية بداية الفكرة؟
الضيف: أول شيء المشروع اسمه مشروع ارتياد الآفاق، وهو مشروع جغرافي عربي ينطلق من الإمارات ليلم بمجمل النتاج الذي كتبه وسجله العرب عبر عشرة قرون، وأعني به أدب الرحلة العربي قبل القرن العاشر الميلادي وحتى مطلع أو النصف الأول من القرن العشرين، المشروع يرعاه وبطبيعة الحال مؤسسه الشاعر الإماراتي المتنور الاستاذ محمد السويدي، وهو يصدر عن دار السويدي في أبو ظبي بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت.
المشروع في اساسه وفي مرماه غير ربحي وهو عملية مشروع غير تجاري يهدف الى رصد الرحالة العرب والمسلمين وبناء مكتبة عربية من هذه الاعمال المتناثرة في المخطوطات والطبعات المبكرة غير المحققة تحقيقاً جيداً او الطبعات الحجرية التي هي عبارة عن اخراج كتب اكثر منه كتب.
وما دمنا نتحدث عن أدب الرحلة نتحدث عن أدب وضعه العرب والمسلمون ثمرة لتجوالهم ورحلاتهم وبحثهم في ديار الآخر وبحثهم في عالمهم وعوامل الاخرين التي تنتمي اليها ثقافات اخرى، بهذا المعنى المشروع يهدف رصد نظرة تحولات، نظرة العربي والمسلم الى ذاته من خلال الاخر والى الاخر من خلال وعيه بطبيعة اختلاف هذا الاخر واختلاف هذا الاخر واختلاف صياغته لحياته ورؤيته لوجوده على الارض.
بدأ المشروع عملياً تحت اسم ارتياد الافاق في سلسلة خططنا لها لتكون مئة رحلة وكان الاعلان عن هذه السلسلة مدهشة للقضاء العرب لكونهم في اكثريتهم لا يعرفون ادب الرحلة ما هو اكثر من رحلة ابن بطوطة وابن جبير، وبالتالي أقول كان مدهشاً عندما عرفوا أن ابن خلدون له رحلة، وأن الغرناطي له رحلة - الغرناطي المدفون في دمشق - كثير من العلماء العرب والمسلمين لهم رحلات، لهم مخطوطات أولاً، ومن ثم تحقيقها وبحثها ودراستها وتعليق هوامشها، ومن ثم تقديمها تقديماً عصرياً هو بطبيعة الحال هو عمل مضني ولكن هذا العمل يقوم به فريق من المحققين وفريق من الأكادمين العرب موجودين في المشرق والمغرب العربي، وبعضهم ممن يقيم في أوربا أيضاً.
بدأنا كما قلت بالاعلان عن إصدار مئه رحلة، أصدرنا منها أكثر من خمسة وعشرين رحلة، ووجدنا أيضاً أن من المفيد والضروري تأسيس جائزة لادب الرحلة تحت اسم " جائزة ابن بطوطة " لادب الجغرافية وهذه الجائزة ليست مجرد جائزة احتفائية او جائزة اعلانية واعلامية وانما جائزة محرضة على الفعل اي محرضة على الكشف من المزيد من هذا الادب المغمور وفيه كنوز ولئالئ من المعرفة والاخبار والوثائق والمواد.
المحاور: طبعاً تحتوي على اشياء كثيرة منها الجغرافية والسياسة وطبيعة المجتمع الثقافي كيف تكون كل هذا يرى في ادب الرحلات.
الضيف: نعم ادب الرحلة غني كما تفضلت واشرت اليه، على ان الرحالة متنوعين خلفيات ومتنوعين المصادر التي صدروا عنها وهم ايضاً بين عالم وتاجر وباحث عن المعرفة وسائح في الارض وبين مفكر يريدان يمتحن فكره في مكان اخر او باحث في بيوغرافيا يريدان يجمع اخبار من يهتم باخبارهم من الاعلام في هذا البلد او ذاك.
كانت بطبيعة الحال الديار الاسلامية متسعة تبدأ من مكة والمدينة ولا تنتهي عند مشارف الصين فقط، فكان العلماء والتجار على طرق التجارة القديمة يتنقلون براً وبحراً، طريق الحرير، طريق التوابل وطرق اخرى، طريق الذهب ومختلف الطرق الاخرى ليحملوا معهم استعدادهم البحث عن ما هو موجود في الديار التي يحلون فيها وبطبيعة الحال كان الرحالة العرب يتجولون في الديار الاسلامية ويتجولون في الديار غير الاسلامية كأبن فضلان مثلاً واذا ما اردنا ان نفحص هذه الرؤية من خلال قراءتها نجد ونكشف طبيعة هذه النظرة ونجد ان الثقافة العربية والاسلامية انتجت في عصور معينة منها، انتجت رؤية تعترف بالاخر تقر الاختلاف لا تستعلي على الاخر وانما رؤية ذات بعد انساني جمالي وفكري وفيه شئ من الرحمة، تقدير اوضاع او اختلاف وحتى ضعف الحالة الانسانية في مكان ما او تخلفها، كما هو الحال بالنسبة لابن فضلان عندما وصف الصقالبة وتخلفهم ووضعهم الضلال، لكنه لا يصفهم من استعلاء كما فعل لاحقاً الرحالة الاوربيين الذين وصلوا الى الشرق لم ينقلوا صورة امينة كما نقلها قبلهم قبل الف سنة او اكثر ابن فضلان، ابتكروا صوراً للشرق أرادوا أن يروا الشرق على حال يريدون أن يرونها، كانت نظرتهم إلى أحد.
المحاور: نظرة مسبقة إلى أن تكتمل هذه النظرة، وارادوا أن يطبقوها كتابياً.
الضيف: ان يجدوها
المحاور: نعم ان يجدوها
الضيف: يعني هم اختلفوا الشرق وفي بعض الحالات الرسامين الذين رافقوا الرحالة الاوربيين الى الشرق رسموا الشرق خالياً من الناس الى من حضور فلكلوري من الناس، رسموا معابد مثل بعلبك مثلاً رسموها خالية فقط حجارة ضخمة كمن يريدان يقول تعالوا للغربيين تعالوا وخذوا هذه البلاد فارغة فهي لكم كما لو كانوا يقولون فانا احالول ان اؤول هذه الصورة، فاذن ارادت مخيلة فلوبير المريضة او مخيلته الابتكارية، اراد ان يرى صوراً برنو غرافية يحولها الى الغرب ليقول هذا شرق الف ليلة وليلة.
المحاور: هذا هو اكتشاف بلاد العجائب.
الضيف: ان يحولك الى اعجوبة يمكن التفرج عليها والتفكه بها، هذا لم يفعله المسلمون، المسلمون كانوا، اي واحد منهم ابن خلدون، ابن فضلان، ابو دلف المسعري الذي انطلق من البحر الاحمر وعبر بلاد فارس الى أرمينيا لم يدون شيئاً من هذا القبيل ولم تخلق مخيلته الصور، رسم الصور ودون الصور التي رأى ودون الحكايات التي سمع حتى عندما كان عجائبيه نحن نعرف العصور الوسطى، نفترض القرن التاسع او العاشر الميلادي والذي هو الثالث والرابع والخامس الهجري قرون كانت الاسطورة وكان العجيب والغريب موجود كنزوع جمالي عند القارئ في تطريف وتطرية الكناية نفسها الجغرافية أو غيرها، وبالتالي عند المؤلف وكان هذا.
المحاور: منتشر ومستخدم في كتاباتهم؟
الضيف: على هامش العلم لا العلم نفسه، وبالتالي لا اريد ان استطرد واتشعب كثيراً اقول ان المشروع مشروع فكري عربي ايضاً وليس مشروعاً ادبياً وحسب، مشروع يريد ان يقدم لابناء الشرق ولابناء العربية المادة الجغرافية ومادة ادب الرحلة لتعرفواهم اولاً عليها وليراقبوا وليتفحصوا تطور نظرة اجدادهم الى الاخر ومن ثم قد يجدوا فيها ما ينير رؤيتهم الى تراثهم والى حتى حاضرهم، نحن نعرف ان هناك اشكالية اليوم بين العرب والمسلمين والعالم العربي وهذه الاشكالية في نظري مصدرها او احد مصادرها سوء الفهم المبني على الجهل بالاخر والجهل على الاخر مبني على سياسة مقصودة وهي اني اريد ان اجهلك لأظل كما اريد، انك اخر ليس لاخذ به وانما لاجعله اخر ليس مختلفاً ومقبولاً اختلافه ثم اخر متخلفاً لان فيه من الحضارة ولا استقبله في رحاب الحضارة الا من خلال نظرتي اليها ومن خلال هيمنتي على الحضارة، هذا ما يفعله الغرب في ازدواجيته وفي الخلل اللا اخلاقي الكامل في انسانيتهم اعني الغرب المهيمن وليس كل الغرب كما نعرف هناك باستمرار اصدقاء للانسانية في كل مكان، وبالتالي هناك أصدقاء للعرب والمسلمين في الغرب.
أما نتكلم عن تيارعريض عندما نتحدث عن سموئل هنتنتن، وما اثارت مقالته المرعبة، وتقول عن صراع الحضارات.
المحاور: أو حوار الحضارات؟
الضيف: حوار الحضارات بدلاً من تنامز وتناقر الحضارات التي اقترحه هو، وهو لفيف من المفكرين الامريكين المتصهينين وشبه المتصهينين واليمينين وشبه اليمينيين بعضهم للاسف اساتذه كبار في العلوم الاسلامية كبرنرلويس هو عارف تماماً في التكوين الاسلامي وهو منتمي ايدوليجياً الى فكرة مضادة للاسلام والمسلمين هذا الثراء الادبي الموجود الذي يكشف عن همة العربي واستعداده للسفر الى الاخر والاخذ عنه متبعاً خبط تلك الحكمة العظيمة " اطلبوا العلم ولو في الصين" او الامر والواجب المعرفي اطلبوا العلم ولو في الصين مثل هذه المكتبة في حال تقديمها للعرب والمسلمين على الاقل تعطيهم شئ من الثقة على انهم ابناء حوار وليسوا ابناء حضارة انقطاع او تناكر او تنافي او فبركة.
إذن الآخر هو أنا بطريقة أخرى، والمسلمون قالوا بها: الآخر هو انا بطريقة اخرى، وله الحق على ان يكون بطريقته في الاخذ بطريقته او اهمال هذه الطريقة، الرحالة العرب والمسلمون مرة اخرى هم يشكلون مكتبة ضخمة ايضاً تعريف الغرب فيها مهم جداً يجب ان لا يركل الدور الكثير من المستشرقين عندما نذم الاستشراق وتفتح قوسين ونقول ان عدداً مهماً من المستشرقين المان خصوصاً والروس كانوا اكثر فعالية واكثر حرصاً بالمعنى العلمي على الثراء الادبي الذي هو موجود في المكتبة الجغرافية العربية، للاسف ولحسن الحظ ربما اول من قدم الارث الجغرافي للقراء عندما حققوه ونشروه تحقيقاً علمياً ونشروه في برلين وفرانكفورت وفي ليدل وفي هولندا وفي سويسرا حتى وفي بطرس بورك وكانت هناك حركة مهمة وفي موسكو، وطبعاً نحكي عن باريس ونحكي عن اماكن أخرى.
إذن هناك حركة تريدان تستكشفنا، هناك رحالة أجانب جاءوا الى عالمنا الى المكتبة العربية والذهن العربي والاهتمام العربي انصرف اليهم وهذا طبيعي ان تعرف عليه الغريب لكن اهملنا نظرتنا الى الاخر والى انفسنا ونحن نعرف ان الذي يصف يمتلك العالم لانه يصف لانه يحدد لانه يقيم السؤال، طوال الوقت كان يجري وصفنا كنا نصف من الاخر، هذا المشروع يصف الاخر اذن انت فاعل وليس مفعولاً بك من خلال هذا المشروع هو مشروع تنويري احيائ عربي يريد ان يكون مشروعاً فعالاً من خلال ما يمكن ان يقدمه من اثار تراكم عليها الغبار او اهملها الذهن العربي والتفكير العربي خصوصاً في القرن العشرين حيث يرى حركة احياء الثقافة لكن للاسف كان الاهتمام كما يبدو وتعرف منصباً على الايدلوجيا على الافكار وعلى الصراع الفكري والسياسي والايديولوجي ولم يجر الانتباه الى هذا الحقل الخطير الذي هو حقل الجغرافية، الذي هو حقل ملموس يمكن ان يمسك باليد ناهيك عن ان هذا الحقل يقدم لك كتاباً من وجهة نظر شخص واحد وليس من وجهة نظر مرجعية ثقافية او بيان لجماعة هو يوميات شخص واحد يتجول في العالم ويعقد المقارنة بين عالمه وبين العالم الذي حل فيه، من هنا ايضاً انه مشروع يكشف عن الذوات المنفردة في رؤية هذا العالم هذا جانب ايضاً مهم من جوانب المشروع. انجزنا حتى الان خمسة وعشرين الى ثلاثين رحلة وفتحنا الباب تحت اسم سندباد الجديد للرحالة الحادثين الان.
المحاور: سأتي الان على هذا السؤال، طبعاً اخذنا رؤية موسعة حول الاطروحات والرحلات الادبية، هناك سؤال الرحلات الأدبية، هل توقف الأدباء عن كتابة مثل هذه الأعمال، أقصد الرحلات الأدبية أم أنها ما زالت تكتب، لكن لا نراها ولا تظهر مثل هذه الرحلات؟
الضيف: أنا برأيي إن أدب الرحلة رغم أنه تعرض إلى ضربة قوية عندما ظهرت الطائرة، وجرى استعمالها، فقصرت المسافات وباتت الرحلة يعني عبر الطائرة كأنما ليست رحلة، الرحلة تقوم على مشاق السفر، على التجول على الارض على سماع الاصوات على اللقاء المباشر.
في نظري ليست المال وليست المدينة، التي نصل اليها ولا المدينة التي ننطلق منها، الرحلة هي مسافة الطريق مسافة الطريق هي الرحلة، الطائرة الغت مسافة الطريق من غير معقول ان تصف جلوسك في الطائرة الا ان كنت تريد ان تستدعي الماضي وتكتب قصيدة وشاعر يكتب قصيدة، مع ذلك هذه الخضة التي حصلت مع ظهور الطائرة يصورة عامه بلورت ايضاً طريقة جديده في النظر الى العالم وولدت سياقات جديدة لادب الرحلة نفسه فاصبح وصف المدن في ذاتها ووصف الاماكن والتجول في الاماكن القريبة من المدن الحضارية هو الغاية وبالتالي ثمت طريق وان لم تكن الطريق التي عبرها ابن بطوطة وابن خلدون وعبرها ابن فضلان وابو دلف وناصر خسرو الذي جاء من فارس الى البلاد العربية، هناك طرق جديدة لا هناك ادب رحلة بناءاً على سؤالك عربي وهناك ادب رحلة في العالم يكتب لكنه ينشر في البلاد العربية متناثراً وليس هناك نسق وليس هناك سلسلة تنبه الى حجمه الى اتجاهاته الى الاسماء التي تكتبه الى الجغرافيات التي يرتادها الرحالة مثل هذه السلسلة اسسناها بأسم السندباد الجديد لتستقطب اليها نصوصاً وكتابات الادباء والمسافرين العرب في العالم وفي الحقيقة اصدرنا لحد الان ستة كتب لستة مؤلفين كل مؤلف من بلد عربي من مصر والسودان وسورية والعراق والخ بلدان عربية عديدة وفي خطتنا اصدار اثنى عشر كتاباً اخر ستة منها تصدر هذا العام وستة تصدر العام المقبل ولتشجيع ادب الرحلة قلت اسسنا جائزة ابن بطوطة لتعطي لكتاب لادب الرحلة الحديث وتعطى لثلاثة كتب او ثلاث مخطوطات لم يسبق تحقيقها للمحققين الذين يحققون وهذه الجائزة كانت دورتها العام الماضي وقدمت للمكتبة العربية ثلاث مخطوطات جديدة لم يسبق نشرها وليس هناك معرفة بها منها رحلة المكناسي في القرن الثامن عشر من المغرب الى اسطنبول ومن اسطنبول الى بلاد الشام ومن بلاد الشام الى مكة والمدينة ومن ثم في طريق العودة الى المغرب وهذه الرحلة تكشف عن التاريخ وعن مساحة مهمة من التاريخ العثماني في القرن الثامن عشر من ظلال المعاينة والمتابعة من خلال استعراض الاسماء التي سادت في الكتاب والادباء والنخبة المثقفة والنخبة العلمية وحاضر الاستانة وحاضر بلاد الشام ومكة والمدينة يعني قدم معرفة مهمة جداً هذا الكتاب، وكتابان اخران، قبل ان اتي الى طهران بأيام قلائل اقفلنا باب قبول الطلبات لهذه الجائزة والعدد تضاعف عن العام الماضي، المحققين اجتهدوا وحرضتهم الجائزة على النظر في هذا الحقل وهذا الميدان لتحقيق المخطوطات، بل تعدى هذا الأمر الى ان اتصلت بنا مراجع علمية ومحققين في لغات أخرى يسألوننا: هل نستطيع أن نشارك بجائزة ابن بطوطة في الأدب الجغرافي بأعمال نحققها في لغاتنا أم الجائزة مقصورة على اللغة العربية؟
الحقيقة أننا بدأنا اللغة العربية، والسؤال الذي تعرضنا له طرح علينا، جعلنا نطرح على أنفسنا سؤالاً ما إذا كان بوسعنا فعلاً تحويل جائزة ابن بطوطة إلى جائزة عالمية لأدب الرحلة.
المصدر
حياكم الله


د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com

المحاور: سؤالنا الأول سيكون بالطبع عن مشروع الرحلات الأدبية، لو تحدثنا قليلاً عن كيفية بداية الفكرة؟
الضيف: أول شيء المشروع اسمه مشروع ارتياد الآفاق، وهو مشروع جغرافي عربي ينطلق من الإمارات ليلم بمجمل النتاج الذي كتبه وسجله العرب عبر عشرة قرون، وأعني به أدب الرحلة العربي قبل القرن العاشر الميلادي وحتى مطلع أو النصف الأول من القرن العشرين، المشروع يرعاه وبطبيعة الحال مؤسسه الشاعر الإماراتي المتنور الاستاذ محمد السويدي، وهو يصدر عن دار السويدي في أبو ظبي بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت.
المشروع في اساسه وفي مرماه غير ربحي وهو عملية مشروع غير تجاري يهدف الى رصد الرحالة العرب والمسلمين وبناء مكتبة عربية من هذه الاعمال المتناثرة في المخطوطات والطبعات المبكرة غير المحققة تحقيقاً جيداً او الطبعات الحجرية التي هي عبارة عن اخراج كتب اكثر منه كتب.
وما دمنا نتحدث عن أدب الرحلة نتحدث عن أدب وضعه العرب والمسلمون ثمرة لتجوالهم ورحلاتهم وبحثهم في ديار الآخر وبحثهم في عالمهم وعوامل الاخرين التي تنتمي اليها ثقافات اخرى، بهذا المعنى المشروع يهدف رصد نظرة تحولات، نظرة العربي والمسلم الى ذاته من خلال الاخر والى الاخر من خلال وعيه بطبيعة اختلاف هذا الاخر واختلاف هذا الاخر واختلاف صياغته لحياته ورؤيته لوجوده على الارض.
بدأ المشروع عملياً تحت اسم ارتياد الافاق في سلسلة خططنا لها لتكون مئة رحلة وكان الاعلان عن هذه السلسلة مدهشة للقضاء العرب لكونهم في اكثريتهم لا يعرفون ادب الرحلة ما هو اكثر من رحلة ابن بطوطة وابن جبير، وبالتالي أقول كان مدهشاً عندما عرفوا أن ابن خلدون له رحلة، وأن الغرناطي له رحلة - الغرناطي المدفون في دمشق - كثير من العلماء العرب والمسلمين لهم رحلات، لهم مخطوطات أولاً، ومن ثم تحقيقها وبحثها ودراستها وتعليق هوامشها، ومن ثم تقديمها تقديماً عصرياً هو بطبيعة الحال هو عمل مضني ولكن هذا العمل يقوم به فريق من المحققين وفريق من الأكادمين العرب موجودين في المشرق والمغرب العربي، وبعضهم ممن يقيم في أوربا أيضاً.
بدأنا كما قلت بالاعلان عن إصدار مئه رحلة، أصدرنا منها أكثر من خمسة وعشرين رحلة، ووجدنا أيضاً أن من المفيد والضروري تأسيس جائزة لادب الرحلة تحت اسم " جائزة ابن بطوطة " لادب الجغرافية وهذه الجائزة ليست مجرد جائزة احتفائية او جائزة اعلانية واعلامية وانما جائزة محرضة على الفعل اي محرضة على الكشف من المزيد من هذا الادب المغمور وفيه كنوز ولئالئ من المعرفة والاخبار والوثائق والمواد.
المحاور: طبعاً تحتوي على اشياء كثيرة منها الجغرافية والسياسة وطبيعة المجتمع الثقافي كيف تكون كل هذا يرى في ادب الرحلات.
الضيف: نعم ادب الرحلة غني كما تفضلت واشرت اليه، على ان الرحالة متنوعين خلفيات ومتنوعين المصادر التي صدروا عنها وهم ايضاً بين عالم وتاجر وباحث عن المعرفة وسائح في الارض وبين مفكر يريدان يمتحن فكره في مكان اخر او باحث في بيوغرافيا يريدان يجمع اخبار من يهتم باخبارهم من الاعلام في هذا البلد او ذاك.
كانت بطبيعة الحال الديار الاسلامية متسعة تبدأ من مكة والمدينة ولا تنتهي عند مشارف الصين فقط، فكان العلماء والتجار على طرق التجارة القديمة يتنقلون براً وبحراً، طريق الحرير، طريق التوابل وطرق اخرى، طريق الذهب ومختلف الطرق الاخرى ليحملوا معهم استعدادهم البحث عن ما هو موجود في الديار التي يحلون فيها وبطبيعة الحال كان الرحالة العرب يتجولون في الديار الاسلامية ويتجولون في الديار غير الاسلامية كأبن فضلان مثلاً واذا ما اردنا ان نفحص هذه الرؤية من خلال قراءتها نجد ونكشف طبيعة هذه النظرة ونجد ان الثقافة العربية والاسلامية انتجت في عصور معينة منها، انتجت رؤية تعترف بالاخر تقر الاختلاف لا تستعلي على الاخر وانما رؤية ذات بعد انساني جمالي وفكري وفيه شئ من الرحمة، تقدير اوضاع او اختلاف وحتى ضعف الحالة الانسانية في مكان ما او تخلفها، كما هو الحال بالنسبة لابن فضلان عندما وصف الصقالبة وتخلفهم ووضعهم الضلال، لكنه لا يصفهم من استعلاء كما فعل لاحقاً الرحالة الاوربيين الذين وصلوا الى الشرق لم ينقلوا صورة امينة كما نقلها قبلهم قبل الف سنة او اكثر ابن فضلان، ابتكروا صوراً للشرق أرادوا أن يروا الشرق على حال يريدون أن يرونها، كانت نظرتهم إلى أحد.
المحاور: نظرة مسبقة إلى أن تكتمل هذه النظرة، وارادوا أن يطبقوها كتابياً.
الضيف: ان يجدوها
المحاور: نعم ان يجدوها
الضيف: يعني هم اختلفوا الشرق وفي بعض الحالات الرسامين الذين رافقوا الرحالة الاوربيين الى الشرق رسموا الشرق خالياً من الناس الى من حضور فلكلوري من الناس، رسموا معابد مثل بعلبك مثلاً رسموها خالية فقط حجارة ضخمة كمن يريدان يقول تعالوا للغربيين تعالوا وخذوا هذه البلاد فارغة فهي لكم كما لو كانوا يقولون فانا احالول ان اؤول هذه الصورة، فاذن ارادت مخيلة فلوبير المريضة او مخيلته الابتكارية، اراد ان يرى صوراً برنو غرافية يحولها الى الغرب ليقول هذا شرق الف ليلة وليلة.
المحاور: هذا هو اكتشاف بلاد العجائب.
الضيف: ان يحولك الى اعجوبة يمكن التفرج عليها والتفكه بها، هذا لم يفعله المسلمون، المسلمون كانوا، اي واحد منهم ابن خلدون، ابن فضلان، ابو دلف المسعري الذي انطلق من البحر الاحمر وعبر بلاد فارس الى أرمينيا لم يدون شيئاً من هذا القبيل ولم تخلق مخيلته الصور، رسم الصور ودون الصور التي رأى ودون الحكايات التي سمع حتى عندما كان عجائبيه نحن نعرف العصور الوسطى، نفترض القرن التاسع او العاشر الميلادي والذي هو الثالث والرابع والخامس الهجري قرون كانت الاسطورة وكان العجيب والغريب موجود كنزوع جمالي عند القارئ في تطريف وتطرية الكناية نفسها الجغرافية أو غيرها، وبالتالي عند المؤلف وكان هذا.
المحاور: منتشر ومستخدم في كتاباتهم؟
الضيف: على هامش العلم لا العلم نفسه، وبالتالي لا اريد ان استطرد واتشعب كثيراً اقول ان المشروع مشروع فكري عربي ايضاً وليس مشروعاً ادبياً وحسب، مشروع يريد ان يقدم لابناء الشرق ولابناء العربية المادة الجغرافية ومادة ادب الرحلة لتعرفواهم اولاً عليها وليراقبوا وليتفحصوا تطور نظرة اجدادهم الى الاخر ومن ثم قد يجدوا فيها ما ينير رؤيتهم الى تراثهم والى حتى حاضرهم، نحن نعرف ان هناك اشكالية اليوم بين العرب والمسلمين والعالم العربي وهذه الاشكالية في نظري مصدرها او احد مصادرها سوء الفهم المبني على الجهل بالاخر والجهل على الاخر مبني على سياسة مقصودة وهي اني اريد ان اجهلك لأظل كما اريد، انك اخر ليس لاخذ به وانما لاجعله اخر ليس مختلفاً ومقبولاً اختلافه ثم اخر متخلفاً لان فيه من الحضارة ولا استقبله في رحاب الحضارة الا من خلال نظرتي اليها ومن خلال هيمنتي على الحضارة، هذا ما يفعله الغرب في ازدواجيته وفي الخلل اللا اخلاقي الكامل في انسانيتهم اعني الغرب المهيمن وليس كل الغرب كما نعرف هناك باستمرار اصدقاء للانسانية في كل مكان، وبالتالي هناك أصدقاء للعرب والمسلمين في الغرب.
أما نتكلم عن تيارعريض عندما نتحدث عن سموئل هنتنتن، وما اثارت مقالته المرعبة، وتقول عن صراع الحضارات.
المحاور: أو حوار الحضارات؟
الضيف: حوار الحضارات بدلاً من تنامز وتناقر الحضارات التي اقترحه هو، وهو لفيف من المفكرين الامريكين المتصهينين وشبه المتصهينين واليمينين وشبه اليمينيين بعضهم للاسف اساتذه كبار في العلوم الاسلامية كبرنرلويس هو عارف تماماً في التكوين الاسلامي وهو منتمي ايدوليجياً الى فكرة مضادة للاسلام والمسلمين هذا الثراء الادبي الموجود الذي يكشف عن همة العربي واستعداده للسفر الى الاخر والاخذ عنه متبعاً خبط تلك الحكمة العظيمة " اطلبوا العلم ولو في الصين" او الامر والواجب المعرفي اطلبوا العلم ولو في الصين مثل هذه المكتبة في حال تقديمها للعرب والمسلمين على الاقل تعطيهم شئ من الثقة على انهم ابناء حوار وليسوا ابناء حضارة انقطاع او تناكر او تنافي او فبركة.
إذن الآخر هو أنا بطريقة أخرى، والمسلمون قالوا بها: الآخر هو انا بطريقة اخرى، وله الحق على ان يكون بطريقته في الاخذ بطريقته او اهمال هذه الطريقة، الرحالة العرب والمسلمون مرة اخرى هم يشكلون مكتبة ضخمة ايضاً تعريف الغرب فيها مهم جداً يجب ان لا يركل الدور الكثير من المستشرقين عندما نذم الاستشراق وتفتح قوسين ونقول ان عدداً مهماً من المستشرقين المان خصوصاً والروس كانوا اكثر فعالية واكثر حرصاً بالمعنى العلمي على الثراء الادبي الذي هو موجود في المكتبة الجغرافية العربية، للاسف ولحسن الحظ ربما اول من قدم الارث الجغرافي للقراء عندما حققوه ونشروه تحقيقاً علمياً ونشروه في برلين وفرانكفورت وفي ليدل وفي هولندا وفي سويسرا حتى وفي بطرس بورك وكانت هناك حركة مهمة وفي موسكو، وطبعاً نحكي عن باريس ونحكي عن اماكن أخرى.
إذن هناك حركة تريدان تستكشفنا، هناك رحالة أجانب جاءوا الى عالمنا الى المكتبة العربية والذهن العربي والاهتمام العربي انصرف اليهم وهذا طبيعي ان تعرف عليه الغريب لكن اهملنا نظرتنا الى الاخر والى انفسنا ونحن نعرف ان الذي يصف يمتلك العالم لانه يصف لانه يحدد لانه يقيم السؤال، طوال الوقت كان يجري وصفنا كنا نصف من الاخر، هذا المشروع يصف الاخر اذن انت فاعل وليس مفعولاً بك من خلال هذا المشروع هو مشروع تنويري احيائ عربي يريد ان يكون مشروعاً فعالاً من خلال ما يمكن ان يقدمه من اثار تراكم عليها الغبار او اهملها الذهن العربي والتفكير العربي خصوصاً في القرن العشرين حيث يرى حركة احياء الثقافة لكن للاسف كان الاهتمام كما يبدو وتعرف منصباً على الايدلوجيا على الافكار وعلى الصراع الفكري والسياسي والايديولوجي ولم يجر الانتباه الى هذا الحقل الخطير الذي هو حقل الجغرافية، الذي هو حقل ملموس يمكن ان يمسك باليد ناهيك عن ان هذا الحقل يقدم لك كتاباً من وجهة نظر شخص واحد وليس من وجهة نظر مرجعية ثقافية او بيان لجماعة هو يوميات شخص واحد يتجول في العالم ويعقد المقارنة بين عالمه وبين العالم الذي حل فيه، من هنا ايضاً انه مشروع يكشف عن الذوات المنفردة في رؤية هذا العالم هذا جانب ايضاً مهم من جوانب المشروع. انجزنا حتى الان خمسة وعشرين الى ثلاثين رحلة وفتحنا الباب تحت اسم سندباد الجديد للرحالة الحادثين الان.
المحاور: سأتي الان على هذا السؤال، طبعاً اخذنا رؤية موسعة حول الاطروحات والرحلات الادبية، هناك سؤال الرحلات الأدبية، هل توقف الأدباء عن كتابة مثل هذه الأعمال، أقصد الرحلات الأدبية أم أنها ما زالت تكتب، لكن لا نراها ولا تظهر مثل هذه الرحلات؟
الضيف: أنا برأيي إن أدب الرحلة رغم أنه تعرض إلى ضربة قوية عندما ظهرت الطائرة، وجرى استعمالها، فقصرت المسافات وباتت الرحلة يعني عبر الطائرة كأنما ليست رحلة، الرحلة تقوم على مشاق السفر، على التجول على الارض على سماع الاصوات على اللقاء المباشر.
في نظري ليست المال وليست المدينة، التي نصل اليها ولا المدينة التي ننطلق منها، الرحلة هي مسافة الطريق مسافة الطريق هي الرحلة، الطائرة الغت مسافة الطريق من غير معقول ان تصف جلوسك في الطائرة الا ان كنت تريد ان تستدعي الماضي وتكتب قصيدة وشاعر يكتب قصيدة، مع ذلك هذه الخضة التي حصلت مع ظهور الطائرة يصورة عامه بلورت ايضاً طريقة جديده في النظر الى العالم وولدت سياقات جديدة لادب الرحلة نفسه فاصبح وصف المدن في ذاتها ووصف الاماكن والتجول في الاماكن القريبة من المدن الحضارية هو الغاية وبالتالي ثمت طريق وان لم تكن الطريق التي عبرها ابن بطوطة وابن خلدون وعبرها ابن فضلان وابو دلف وناصر خسرو الذي جاء من فارس الى البلاد العربية، هناك طرق جديدة لا هناك ادب رحلة بناءاً على سؤالك عربي وهناك ادب رحلة في العالم يكتب لكنه ينشر في البلاد العربية متناثراً وليس هناك نسق وليس هناك سلسلة تنبه الى حجمه الى اتجاهاته الى الاسماء التي تكتبه الى الجغرافيات التي يرتادها الرحالة مثل هذه السلسلة اسسناها بأسم السندباد الجديد لتستقطب اليها نصوصاً وكتابات الادباء والمسافرين العرب في العالم وفي الحقيقة اصدرنا لحد الان ستة كتب لستة مؤلفين كل مؤلف من بلد عربي من مصر والسودان وسورية والعراق والخ بلدان عربية عديدة وفي خطتنا اصدار اثنى عشر كتاباً اخر ستة منها تصدر هذا العام وستة تصدر العام المقبل ولتشجيع ادب الرحلة قلت اسسنا جائزة ابن بطوطة لتعطي لكتاب لادب الرحلة الحديث وتعطى لثلاثة كتب او ثلاث مخطوطات لم يسبق تحقيقها للمحققين الذين يحققون وهذه الجائزة كانت دورتها العام الماضي وقدمت للمكتبة العربية ثلاث مخطوطات جديدة لم يسبق نشرها وليس هناك معرفة بها منها رحلة المكناسي في القرن الثامن عشر من المغرب الى اسطنبول ومن اسطنبول الى بلاد الشام ومن بلاد الشام الى مكة والمدينة ومن ثم في طريق العودة الى المغرب وهذه الرحلة تكشف عن التاريخ وعن مساحة مهمة من التاريخ العثماني في القرن الثامن عشر من ظلال المعاينة والمتابعة من خلال استعراض الاسماء التي سادت في الكتاب والادباء والنخبة المثقفة والنخبة العلمية وحاضر الاستانة وحاضر بلاد الشام ومكة والمدينة يعني قدم معرفة مهمة جداً هذا الكتاب، وكتابان اخران، قبل ان اتي الى طهران بأيام قلائل اقفلنا باب قبول الطلبات لهذه الجائزة والعدد تضاعف عن العام الماضي، المحققين اجتهدوا وحرضتهم الجائزة على النظر في هذا الحقل وهذا الميدان لتحقيق المخطوطات، بل تعدى هذا الأمر الى ان اتصلت بنا مراجع علمية ومحققين في لغات أخرى يسألوننا: هل نستطيع أن نشارك بجائزة ابن بطوطة في الأدب الجغرافي بأعمال نحققها في لغاتنا أم الجائزة مقصورة على اللغة العربية؟
الحقيقة أننا بدأنا اللغة العربية، والسؤال الذي تعرضنا له طرح علينا، جعلنا نطرح على أنفسنا سؤالاً ما إذا كان بوسعنا فعلاً تحويل جائزة ابن بطوطة إلى جائزة عالمية لأدب الرحلة.
المصدر
حياكم الله


د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com
تعليق