الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

في صباح العيد

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الله نفاخ
    كاتب
    • Mar 2010
    • 808
    • ربما عابوا السمو الأدبي بأنه قليل ، ولكن الخير كذلك . وبأنه مخالف ، ولكن الحق كذلك ، وبأنه محير ، ولكن الحسن كذلك، وبأنه كثير التكاليف ، ولكن الحرية كذلك
      إمام الأدب العربي (الرافعي)

    في صباح العيد

    في صباح العيد

    ( أعرف أنهم ماتوا ، لكنني
    لم أشعر إلا أنهم غابوا، و
    الحبيب الغائب لا يتغير في
    القلب مهما تراخت الأيام )
    مصطفى صادق الرافعي
    و جاء عيد جديد
    و لا عيد يكون كأخيه الذي سبقه ، بل يأتينا و قد تبدلت في قلوبنا و حيواتنا أشياء كثيرة ، ذهبت أشياء و ولدت أشياء ، لكن مهما تغير فينا أو تغيرنا ، فإننا نبقى نمخر عباب هذا البحر الزاخر الذي كتب علينا أن نعبر لججه على غير هدى ......... هذا البحر الذي نسميه العمر .
    يبدأ صباح العيد باكراً ، بتكبيرات معطرة بالحماسة تصدح بها المآذن ، و أنا مذ كنت صغيراً لم يجذبني في الدنيا شيء مثل صوتين ، صوت الأذكار التي ترفع من المآذن قبيل أذان الفجر ، فتغرقني في جو من الجلالة و تجليات الروح ، و أسبح بها في عوالم ملائكية راكباً زورق لحظات الليل الأخيرة ، و ما زلت إلى اليوم أسأل : أكنت بها أرتد إلى العالم الذي أتيت منه ،و كانت ما تزال بي بقية من ذكراه لأني حديث العهد به يومها .
    و صوت تكبيرات العيد من مآذن حينا ، التي كانت ترافق أشعة شمس الصباح المخترقة نوافذ منزلنا القديم ، المذكرة بأن هذا اليوم ليس كأي يوم ، فهو يوم عيد .
    أما اليوم ، فأجدني لا أرى لصلاة العيد معنى إلا إن أديتها في مسجد الحنابلة ذي الألف سنة ، أقدم بناء عرفته الصالحية ، و أجمل مساجدها على الإطلاق .
    و بعد الفراغ من الصلاة أصعد مع الصاعدين في الطريق الجبلي الموصل إلى مقابر الصالحية القديمة ، التي لم يشتهر شيء في الصالحية شهرتها ، و لست أدري إلى اليوم لمَ كان أبناء هذه المنطقة يكثرون من بنائها ، أترى لصلة بينهم و بين الموت ؟؟ ... أم لهاجس به كان يحلق في رؤوسهم دوماً فيجذبهم إليه ؟؟
    و مقبرة عائلتي أقربمن غيرها من المقابر و أقل ارتفاعاً ، و لذلك هي الأكثر ازدحاماً بمن سلكوا جسر العبور بين الدنيا و الآخرة ، فلا شك أن حاملي الميت مهما كانوا يحبونه فهم يستحبون التخلص من عبء حمله و الصعود به في طرقات قاسيون الشاقة بدفنه في أقرب المقابر إليهم .
    و هناك في المقبرة أخلو إلى نفسي ، و إلى ذكرياتي مع سكانها ، أولئك الذين كنا نزورهم في بيوتهم ، فبتنا نزورهم هنا ، لكن ...... دون أن نراهم .
    المقبرة هذه التي أطل منها على دمشق كلها ، فيمتزج الماضي بالحاضر في صورة واحدة أمام عينيَّ ، و رائحة الموت بمنظر الحياة ، و ذكرى الأحباب الراحلين بأزمات الواقع الخانق ، و الأحياء الذين بتنا نفقد بينهم الحب .
    هناك ... في قبر واحد ... أبي و عميو جدي ، عالم لغوي و قاض كبير و مالك أراض ... !! ثلاثة لم يجمع بينهم إلا أنهم أقرباء ، و في قبر بجانبه جدتي و جدة والدي و عم آخر لي
    رحمك الله يا أبا العلاء ، يا من تجاوزت بإنسانيتك حدودزمنك إلى كل زمان و كل أرض :
    كم من لحد قد صار لحداً مراراً
    ضاحك من تزاحم الأضداد
    رحمهم الله .... عاشوا حياتهم في ظروف غير ظروفنا ، و أوساط غير أوساطنا ، ثم رحلوا عنا إلى المجهول الكبير ، فما عدنا نعرف من أمرهم شيئاً ، سوى أنهم كانوا في هذه الدنيا ، عاشوا بها أياماً ، ثم غابوا تحت هذا التراب .
    و هناك ..... أحس بصلة تربطني بعالم من في تلك القبور ، و أرى أرواح أحبابي الذين غابوا تتجلى لي قي فضاء واسع و هم يلوحون لي في سلام ، بل كثيراً ما شعرت بقشعريرة غريبة تسري فيَّ ، كأن روحاً من أرواحهم ردت عليَّ سلامي ، أو لمستني .
    آه منك أيها الموت ..... ألا تستطيع أن تخلي سنة من حصيلة جديدة ، من رفاق جدد تقتادهم إلى ما وراء الشفق الأزرق ، إلى العالم الذي لا نعرف عنه أكثر مما نقرأ في الكتب المقدسة ، تحرمنا منهم ، و تجعلنا نضيف إلى قائمة القبور التي نزورها قبوراً جديدة .
    أفلا يحق لقلوبنا أن تعيش الفرح ، أن تتلمسه ، و هل كتب علينا أن نظل نتجرع كأس المرارة تجرعاً ، و أن نبقى ندور في دوامة آلامنا و أحزاننا إلى ما لا نهاية .
    غادرنا بين العيدين أحباب جدد ، هوت أعمارهم كأوراق الخريف ، و تبددت أيامهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف .
    فلئن كان عمرنا نهباً بين وداع و فراق ، و تذكر و تحسر ، و ذكرى و دمعة ، فمتى تسكن أرواحنا ؟؟ و متى نحس بطمأنينة السلام ؟؟ و متى نغمض أعيننا دون خوف من الآتي ، و متى يجيء عيد نثق أنه سيعود على كل من نحب و هم بيننا ؟؟
    ألم بالقبر أغليه و ألثمه
    و حولي الساخران الغيب و الأبد
    أحبتي كلما غامت طيوفهم
    هتفت لا تبعدوا عني و قد بعدوا

    بدوي الجبل
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله نفاخ; 09-09-2010, 09:28 PM.
  • طارق شفيق حقي
    المدير العام
    • Dec 2003
    • 11929

    #2
    فإننا نبقى نمخر عباب هذا البحر الزاخر الذي كتب علينا أن نعبر لججه على غير هدى .

    الذي كتب علينا أن نعبره بهدى النور السماوي والنور الأرضي

    لحظات دقيقة يعبر فيها الكاتب الأديب عبد الله نفاخ عما يجول في وجدانه
    وإن الصدق هو مفتاحه للخوض في غمار استكشاف الزمان واستكشاف حقيقة هذه الدينا وحقيقة عصرنا الحالي

    يجمع في فكره المتناقض حتى يصل لعمق الطرفين
    لكنه ربما إنسان العصر إنسان ما يسمى العصر الحديث ، لا يعرف أن يعيش بدون التناقض
    فإذا لم يكن يوجد فهو يخلقه

    الموضوع فلسفي عميق

    لكنها القبور إذ نظن تصلنا لمن فقدنا
    ولا نعرف أنها مجرد تراث ومكان مادي لا يوجد فيه من نحب ، تبقى شكلاً مادياً لنا أما الأموات الأحياء فهم في عالم مختلف تماماً وقبور مختلفة

    إننا لا نسطيع بعقلنا أن نحتمل هذه الفكرة لذلك كانت الحكمة من القبور الأمثلة ، القبور الشواهد ، القبور المادية التي تذكرنا بطريقة تعاملنا المادية التي لا نفارق مع هذا الكون العميق

    فإذا جلست بقرب قبر لتكن عينك عليه بينما ليكن قلبك في مكان آخر

    إن التمسك في الثوابت عيد لنا قدرتنا على مواجهة هذا العصر

    وفرحة العيد أمر ثابت في قلبي

    وكل عام أنتم بألف خير
    والمرابدية الكرام بألف خير

    تعليق

    • محمد يوب
      مشرف
      • Nov 2009
      • 928

      #3
      مررت من هنا و اسمتعت بهذا الموضوع الفلسفي الذي يتأمل في الحياة و في مرورها السرير في أشكالها المختلفة التي أزالت بهاءها القديم الجميل .
      مودتي

      تعليق

      • مصطفى البطران
        شاعر سوري- مشرف
        • Jun 2007
        • 1125

        #4


        يا سلااااااااااام
        عليك
        أخي
        الأديب عبد الله نفاخ
        على هذه اللحظات الجياشة بالوجد
        الطافحة بالذكرى المفعمة بالحب والإخلاص
        عيدك مبارك وأسعد الله أعوامك
        لم يبق لنا أولئك الراقدون إلا ما عملوا وذكرياتنا معهم
        فهل نترك كغيرنا من السابقين ذكرا حسنا يذكرنا به اللاحقون بنا

        إنه تساؤل يفرض نفسه على كل حي منا ...
        عيدك سعيد ودمت أسعدا وأسعدا ...
        همسة في قول المعري :
        رب لحد قد صار لحدا مرارا ضاحك من تزاحم الأضداد
        سرررت بهذا الوجد الطافح بالود والإخلاص
        المنادي من الأعماق
        ألا أيها الأحياء أنتم صائرون إلى ما صار أولئك ألا تعملون كما عمل الطيبون
        ... بكل ود وسرور وامتنان قرأت هذا النص ... مصطفى البطران


        تعليق

        • حسن العويس
          كاتب مسجل
          • Aug 2009
          • 268

          #5
          فلا شك أن حاملي الميت مهما كانوا يحبونه فهم يستحبون التخلص من عبء حمله
          هذه عِبارة عجيبة وبديعة .
          كيف التفت إليها ؟
          لاشك إنَّهُ الإبداع .

          تعليق

          • عبد الله نفاخ
            كاتب
            • Mar 2010
            • 808
            • ربما عابوا السمو الأدبي بأنه قليل ، ولكن الخير كذلك . وبأنه مخالف ، ولكن الحق كذلك ، وبأنه محير ، ولكن الحسن كذلك، وبأنه كثير التكاليف ، ولكن الحرية كذلك
              إمام الأدب العربي (الرافعي)

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة طارق شفيق حقي

            الذي كتب علينا أن نعبره بهدى النور السماوي والنور الأرضي

            لحظات دقيقة يعبر فيها الكاتب الأديب عبد الله نفاخ عما يجول في وجدانه
            وإن الصدق هو مفتاحه للخوض في غمار استكشاف الزمان واستكشاف حقيقة هذه الدينا وحقيقة عصرنا الحالي

            يجمع في فكره المتناقض حتى يصل لعمق الطرفين
            لكنه ربما إنسان العصر إنسان ما يسمى العصر الحديث ، لا يعرف أن يعيش بدون التناقض
            فإذا لم يكن يوجد فهو يخلقه

            الموضوع فلسفي عميق

            لكنها القبور إذ نظن تصلنا لمن فقدنا
            ولا نعرف أنها مجرد تراث ومكان مادي لا يوجد فيه من نحب ، تبقى شكلاً مادياً لنا أما الأموات الأحياء فهم في عالم مختلف تماماً وقبور مختلفة

            إننا لا نسطيع بعقلنا أن نحتمل هذه الفكرة لذلك كانت الحكمة من القبور الأمثلة ، القبور الشواهد ، القبور المادية التي تذكرنا بطريقة تعاملنا المادية التي لا نفارق مع هذا الكون العميق

            فإذا جلست بقرب قبر لتكن عينك عليه بينما ليكن قلبك في مكان آخر

            إن التمسك في الثوابت عيد لنا قدرتنا على مواجهة هذا العصر

            وفرحة العيد أمر ثابت في قلبي

            وكل عام أنتم بألف خير
            والمرابدية الكرام بألف خير
            حيرتني ، فبم أرد عليك أخي طارق
            ما تركت لي من قول
            بارك الله بك قارئاً و كاتباً و ناقداً
            لك كل التحايا

            تعليق

            • عبد الله نفاخ
              كاتب
              • Mar 2010
              • 808
              • ربما عابوا السمو الأدبي بأنه قليل ، ولكن الخير كذلك . وبأنه مخالف ، ولكن الحق كذلك ، وبأنه محير ، ولكن الحسن كذلك، وبأنه كثير التكاليف ، ولكن الحرية كذلك
                إمام الأدب العربي (الرافعي)

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة محمد يوب
              مررت من هنا و اسمتعت بهذا الموضوع الفلسفي الذي يتأمل في الحياة و في مرورها السرير في أشكالها المختلفة التي أزالت بهاءها القديم الجميل .
              مودتي
              أستاذي القدير محمد يوب ....
              بارك الله بك و بمرورك الطيب العطر
              لك كل التحيات

              تعليق

              • عبد الله نفاخ
                كاتب
                • Mar 2010
                • 808
                • ربما عابوا السمو الأدبي بأنه قليل ، ولكن الخير كذلك . وبأنه مخالف ، ولكن الحق كذلك ، وبأنه محير ، ولكن الحسن كذلك، وبأنه كثير التكاليف ، ولكن الحرية كذلك
                  إمام الأدب العربي (الرافعي)

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة مصطفى البطران


                يا سلااااااااااام
                عليك
                أخي
                الأديب عبد الله نفاخ
                على هذه اللحظات الجياشة بالوجد
                الطافحة بالذكرى المفعمة بالحب والإخلاص
                عيدك مبارك وأسعد الله أعوامك
                لم يبق لنا أولئك الراقدون إلا ما عملوا وذكرياتنا معهم
                فهل نترك كغيرنا من السابقين ذكرا حسنا يذكرنا به اللاحقون بنا

                إنه تساؤل يفرض نفسه على كل حي منا ...
                عيدك سعيد ودمت أسعدا وأسعدا ...
                همسة في قول المعري :
                رب لحد قد صار لحدا مرارا ضاحك من تزاحم الأضداد
                سرررت بهذا الوجد الطافح بالود والإخلاص
                المنادي من الأعماق
                ألا أيها الأحياء أنتم صائرون إلى ما صار أولئك ألا تعملون كما عمل الطيبون
                ... بكل ود وسرور وامتنان قرأت هذا النص ... مصطفى البطران


                أستاذي القدير الكريم
                رائع مروركم و تعليقكم
                شرفتموني كثيراً بهذه المنة
                فحياكم الله و سلمكم

                تعليق

                يعمل...