الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يوم مولدي

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الله نفاخ
    كاتب
    • Mar 2010
    • 808
    • ربما عابوا السمو الأدبي بأنه قليل ، ولكن الخير كذلك . وبأنه مخالف ، ولكن الحق كذلك ، وبأنه محير ، ولكن الحسن كذلك، وبأنه كثير التكاليف ، ولكن الحرية كذلك
      إمام الأدب العربي (الرافعي)

    يوم مولدي

    يوم مولدي :

    في هذا اليوم تنتصب أمامي معاني

    حياتي الغابرة ، كأنها مرآة ضئيلة

    أنظر فيها طويلاً فلا أرى سوى

    وجوه السنين الشاحبة كأوجه

    الأموات، و ملامح الآمال و

    الأحلام المتجعدة كملامح الشيوخ .


    جبران خليل جبران



    في يوم كهذا قبل أربعة و عشرين عاماً تماماً صرخت صرختي الأولى مستقبلاً الحياة .

    في يوم كهذا قبل خمسة و عشرين عاماً استقبلتني وجوه فرحة ضاحكة ، و كنت وحدي الباكي بينهم ، كأنني أعرفهم بحقيقتي و حقيقة ما أنا قادم لألقاه .

    و في يوم كهذا قبل خمسة و عشرين عاماً تلقتني وجوه كثيرة لم يبقمنها إلا القليل ، لكنَّ أكثر تلك الوجوه بشراً و انبساطاً يومها كانت هي الأولى غياباَ و مغادرة لعالمنا .

    خمسة و عشرون عاماً و أنا في هذا العالم ‘ خمسة و عشرون عاماً و أنا أعد من البشر ،و خمسة و عشرون عاماً و غيري يراني بعينه و أنا أرى الدنيا بعينيَّ فيقال فيًَّ ما أعلم و ما لا أعلم .

    و إذ أذكر ما انصرم من أيامي ، أجدني عاجزاً عن وصف حياتي العاجَّة بالمآسي و الأحزان و أنا فرد من أفراد هذه الإنسانية المعذبة ، هذه المآسي و الأحزان التي أثقلت كاهلي لكنها صقلت روحي ، و أحس اليوم و قد جاوزت الخامسة و العشرين و دخلت في السنة التي تليها أني لم أزدد عن الدنيا و فهم قانونها إلا بعداً ،ذلك إن كان لها قانون تسير وفقه ‘ و أشعر فوق هذا و ذاك أنني كلما ازددت بالحياة علماً لم أكن في الحقيقة إلا ازددت بها جهلاً .

    مرت السنون على قلبي فتكدست فيه الآلام و حشرت حشراً ، و مرت السنون على عقلي فأخذ يتغير و يتفتق عن فلسفات جديدة غير تلك التي اعتدت عليها بادي الرأي ، و مرت السنون على عينيَّ فضعفتا عن تمييز من حولهما و معرفة الصديق من العدو ، و بت أسأل كالخنساء التي غشي قلبها الحزن : قذى بعينيك أم بالعين عوار .

    فقدت في أربعة و عشرين عاماً أغلى أعز من طرقوا قلبي ، و طوفت في بلدان العالم و أنا على سريري لم أبرحه ، و عرفت عظماء العالم فصادقت بعضاً منهم و عاديت آخرين و أنا لم ألقهم ، و تتلمذت لأدباء و فلاسفة كبار بيني وبينهم عقود أو قرون ، و عاديت آخرين و وجدتني أرد عليهمو هم تحت أرماسهم غائبون ، عرفت كل هذا و شهدته ، لكنَّ قلبي الذي بين جوانحي بقي الشيء الوحيد الذي لم أفهمه و لم أدرِ كيف أفهمه ، و ظل غريباً عني و هو الذي يسيرني كعبد بين يدي سيده ، لكنني أدرك أن مثل هذا من الصعوبة بمكان ، لأن القلب يبقى أبدا ًسر الأسرار ، و لن ندركه إلا إن أدركنا سر الوجود الأعظم الأكبر من الوجود كله ، الذي يخبئ كثيراً منه في هذه الصنوبرة الحمراء المحشورة بين ضلوعنا .

    فرط من عقد العمر خمس وعشرون درة ،فهل بقي في العقد درر أخر ، ذلك وحده ما لا نعرفه و لا نملك أن نعرفه ، و لكنَّ في الإمكان أن نقول إن العمر و إن فرط أكثره فإن يوماً واحداً منه قد يعدله كله بعجره و بجره ، ألا فأقبلي أيتها السنة السادسة و العشرون ، عسى أن يكون المخبأ فيك غير ما خبئ في غيرك ، و سلام عليك أيتها السنوات الخمس و العشرون ، فإن خيرك على ما كان فيك قد غلب شرك بأخرة .

    و يا أيتها الحياة الخالدة على عرشها المؤتلق فوق الدهور و الأكوان ، صبرنا عليك كثيراًو سنبقى صابرين ، لأن ثمرة الحلاوة مخبوءة تحت أغشية المرارة التي تجللينها بها، و لسنا بواصلين إليها إلا بعد تخطي مغاور الآلام و جسور الندم ، فعلنا ننال ثمرة الخلاص قبل انتهاء العمر و لو بقليل قليل ، و أرجو ألا يكون ذلك مما تعدينه من المستحيل ، فنحن لم نأت إلى الدنيا عبثاً و قدرنا أن نكشف المخبوء تحت أجداث الألم و رمال العذاب ، فإذا كشفناه هان ما سبقه ، و كانت الراحة الكبرى التي ليست تنال إلا على جسر من التعب ، و نحن قد نلنا فيما مضى ما قد كفانا من التعب و أمثاله من النصب ، و ما بقي إلا الراحة الكبرى ، و ما بقي إلا أن نعطاها .



  • بنت الشهباء
    كاتب مسجل
    • May 2006
    • 2150
    • أمينة أحمد خشفة

    #2
    ما أروعها من رسالة حكيمة أيها الأخ الطيب عبد الله
    وأنت تقص لنا ببراعة سنين مضت من عمرك .....
    بالرغم من أن الحزن واللوعة أراها تحيط من كل جانب بها ؛ لكن قرأت الأمل بالغد عنوانا لها ....
    وما أحوجنا يا أخي أن نعود بذاكرتنا إلى ما مضى من عمرنا ونسأل أنفسنا :
    ماذا فعلنا لأنفسنا ، وعلى أي مفرق نقف ؟؟؟.....
    أسئلة لو أننا كل واحد منا أحسن الإجابة عنها لرأى بأن الحياة التي نحياها لم تكن إلا عابر سبيل إما أن يترك أثرا طيبا ، وإما أن يذوب مع صقيع الأيام ولا يأسف عليه أحدا .....
    وندعو الله العلي القدير أن يكون العمل الصالح خير زاد لآخرتنا ، وأن يرشدنا لما فيه الخير والصلاح لنلقى وجه ربنا وهو راض عنا
    إنه سميع مجيب

    تعليق

    • عبد الله نفاخ
      كاتب
      • Mar 2010
      • 808
      • ربما عابوا السمو الأدبي بأنه قليل ، ولكن الخير كذلك . وبأنه مخالف ، ولكن الحق كذلك ، وبأنه محير ، ولكن الحسن كذلك، وبأنه كثير التكاليف ، ولكن الحرية كذلك
        إمام الأدب العربي (الرافعي)

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة بنت الشهباء
      ما أروعها من رسالة حكيمة أيها الأخ الطيب عبد الله
      وأنت تقص لنا ببراعة سنين مضت من عمرك .....
      بالرغم من أن الحزن واللوعة أراها تحيط من كل جانب بها ؛ لكن قرأت الأمل بالغد عنوانا لها ....
      وما أحوجنا يا أخي أن نعود بذاكرتنا إلى ما مضى من عمرنا ونسأل أنفسنا :
      ماذا فعلنا لأنفسنا ، وعلى أي مفرق نقف ؟؟؟.....
      أسئلة لو أننا كل واحد منا أحسن الإجابة عنها لرأى بأن الحياة التي نحياها لم تكن إلا عابر سبيل إما أن يترك أثرا طيبا ، وإما أن يذوب مع صقيع الأيام ولا يأسف عليه أحدا .....
      وندعو الله العلي القدير أن يكون العمل الصالح خير زاد لآخرتنا ، وأن يرشدنا لما فيه الخير والصلاح لنلقى وجه ربنا وهو راض عنا
      إنه سميع مجيب
      أختي الكريمة أمينة ...
      لا تعلمين مقدار الفرحة و الغبطة اللتين أشعر بهما حين أراك تعلقين على بعض من نصوصي ....
      فذلك يعني أنها راقت لنبع القيم في منتدانا .... بنت الشهباء ....
      و ذلك صدقيني ، شرف و فخر كبيران جداً لي ...
      لك كل تقدير و إجلال و مودة

      تعليق

      • زاهية
        شاعرة مربدية
        • Aug 2005
        • 367

        #4
        ماأبدع كتاباتك أيها الأخ المكرم عبد الله
        يكفي أنك تمدنا بزاد يحرمنا منه الكثيرون
        بارك الله فيك ورعاك
        أختك
        زاهية بنت
        البحر

        تعليق

        يعمل...