في قلب الرَّحى
إِشارة حمراء،صغيرة..ستكبر أَكثر..أمامك، لن تستطيع تخطيها، إشاراتٌ حمراء تحيط بك، مُعبَّأٌ أنت... معبَّأٌ بكلِّ شيء و مُقيَّدٌ أَيضاً، مُقيَّدٌ في الخارج و حرٌّ طليقٌ بداخلك.. ستهرب من أهلك و ستجتاز الممرَّ الضَّيق لتجلس في الحديقة الخضراء الرَّحبة تحت أَشعَّة الشَّمس الصفراء تكلِّم الطُّيور والأعشاب..وحيداً في الحقيقة الوحيدة..يُلمح منك بوادر التفكير..التعمق فيه،خائفٌ أَنت و حائرٌ..ستحول أَدقُّ دقائقك إلى زلزال وستصرخ.
- خائنةٌ.. تنظر منحول حديقتك لا أحد يسمع صوتك أو يكترث بوجودك ، تتابع.. خائنة.. لكنَّني اكتشفتُ ذلك متأخراً
- ردّ علي السيد أنا : دائماً تكون متأخراً.
- كان عليَّ أَن أَعلمَ بذلك.
- بأنك متأخر.
- كان عليَّ أَن أَعلمَ بذلك.
- بأنك متأخر.
- بأنها خائنة، كنت على الأقلِّ سأُحاول معالجة الأمر .
- ستحاول!
- ستحاول!
- سأحلُّه.. لم أَكن لأَدَعَها تستمرُّ في ذلك.. إِنَّها رغم كلِّ شيء امرأة و المرأة ضعيفةٌ بطبعها و عاطفيَّة.
- لكنَّها أقوى منك.
- لكنَّها أقوى منك.
- تتمتم..
- أقوى منك وأعقل
- يُزبد فمك،تحرِّكُ رأسَك لن تنكرَ ذلك و تستعيدُ لحظة خيانتها
- هلِ الخيانةُ قوَّةٌ؟!.
- أقوى منك وأعقل
- يُزبد فمك،تحرِّكُ رأسَك لن تنكرَ ذلك و تستعيدُ لحظة خيانتها
- هلِ الخيانةُ قوَّةٌ؟!.
- أَنتَ تعتبرُها خائنةً،هي لا تقولُ ذلك،لا تقوِّلْها ما لا تقول.
- لقد صارحتها بكلِّ شيء..كلُّ شيء فأخذتْ حقيبَتَها و غادرتِ المنزلَ.
- و لماذا تركْتَها تغادر؟
- لأَنِّي..
- لأَنَّك ضعيفٌ لا تقدر أن تحسِمَ أُمورَك..بل تترُكُها حتَّى تُفاجأَ بتراكمِها و تحاولُ دفعَها مرَّةً واحدة.. و كعادتِك تحاولُ صنعَ المعجزات و لمَّا تعرفْ بأنَّ زمانَ المُعجزاتِ ولَّى.
- لقد صارحتها بكلِّ شيء..كلُّ شيء فأخذتْ حقيبَتَها و غادرتِ المنزلَ.
- و لماذا تركْتَها تغادر؟
- لأَنِّي..
- لأَنَّك ضعيفٌ لا تقدر أن تحسِمَ أُمورَك..بل تترُكُها حتَّى تُفاجأَ بتراكمِها و تحاولُ دفعَها مرَّةً واحدة.. و كعادتِك تحاولُ صنعَ المعجزات و لمَّا تعرفْ بأنَّ زمانَ المُعجزاتِ ولَّى.
- هناك خطأٌ في الموضوع ،أنا أعرِفُ أَنَّها ليستْ كذلك و أُدركُ حقيقةَ شعورِها و أَثقُ بها ثقةً عمياء..كانتْ ليَ الصَّديقةَ و الحبيبةَ و الأُمَّ و الزوجةَ، أَتعرفُ ذلك أمْ فؤادُك غيرُ عارف..كنَّا كطيرٍ واحدٍ، كغيمةٍ ماطرة..كسماء زرقاء..حياتنا
كلُّها زرقاء..واسعة رحبة،تعرّفْتُ إليها في السَّنة الرَّابعة و أخذَتِ الأيَّامُ تنسابُ كشلَّالِ ماءٍ باردٍ يُسكبُ من أعلى السَّماء،حيثُ كنَّا نطيرُ بالرَّغم من أصدقائي المتزوِّجين قد حذّروني منَ الزّواج من طالبةٍ جامعيَّةٍ وخاصَّةً منَ السَّنة الدِّراسيَّةِ ذاتِها ، و أَكَّدَ لي صحَّةَ تحذيراتِهم نسُبُ الارتباطِ القليلةُ جدَّاً في السَّنواتِ الأخيرةِ منَ الدِّراسة..لكنِّي لم أعبأْ بهم...
كلُّها زرقاء..واسعة رحبة،تعرّفْتُ إليها في السَّنة الرَّابعة و أخذَتِ الأيَّامُ تنسابُ كشلَّالِ ماءٍ باردٍ يُسكبُ من أعلى السَّماء،حيثُ كنَّا نطيرُ بالرَّغم من أصدقائي المتزوِّجين قد حذّروني منَ الزّواج من طالبةٍ جامعيَّةٍ وخاصَّةً منَ السَّنة الدِّراسيَّةِ ذاتِها ، و أَكَّدَ لي صحَّةَ تحذيراتِهم نسُبُ الارتباطِ القليلةُ جدَّاً في السَّنواتِ الأخيرةِ منَ الدِّراسة..لكنِّي لم أعبأْ بهم...
لعلي أدفع الثمن الآن... كانت أيام الخطبة أياماً هبطت علينا من السماوات العلى ...
كيف قلبت حياتي مخملاً و زنبقاً وياسمين كيف أصبحت حياتي عينين ناعستين جميلتين
يا لتينك العينين الناعستين...يذهب فكرك إلى أول لقاء بها... من بين جميع الحاضرين كانت هي بهدوئها و رصانة كلماتها وإيمانها نظراتها تشكل لحناً ينساب إلى قلبك ليملأه لؤلؤاً وعطراً وبنفسجاً.. لكنك لمّا تثمل وتملأً المكان بتحصيناتك المثقفة وغير المثقفة وما تنفعك الثقافة الآن وفي لحظة الميعادكانت الأرض تعلن ولادتها ....
كيف قلبت حياتي مخملاً و زنبقاً وياسمين كيف أصبحت حياتي عينين ناعستين جميلتين
يا لتينك العينين الناعستين...يذهب فكرك إلى أول لقاء بها... من بين جميع الحاضرين كانت هي بهدوئها و رصانة كلماتها وإيمانها نظراتها تشكل لحناً ينساب إلى قلبك ليملأه لؤلؤاً وعطراً وبنفسجاً.. لكنك لمّا تثمل وتملأً المكان بتحصيناتك المثقفة وغير المثقفة وما تنفعك الثقافة الآن وفي لحظة الميعادكانت الأرض تعلن ولادتها ....
التفت العيون بالعيون ...عينان ناعستان جميلتان حدوبتان ...لم أشعر بأي شيء لحظتها.
- وما يشعر الثمل بأي شيء لحظتها
- كنْتُ مذهولاً.
- كنتُ ثملاً.
- في المساء كانت أحشائي تضطربُ.
- شعور ما بعد الثَّمل.
- لم أعدْ للطَّعام و الشَّراب.
- تريدُ إعادةَ الكرَّة..تحسبُها خيالاً.. ما زلْتُ صغيراً ولمَّا تعرفِ بأنَّ الرِّجالَ جميعَهم أطفال
-أريدُ رؤيةَ تلك العينين النَّاعستين، و تلك الابتسامة الرَّقيقة و ذلك الوجهِ المليح ،قلْ للمليحةِ في الخمارِ الأَسودِ ماذا فعلتِ بطالبٍ متحصِّنِ، قُلِبَتْ حياتي و تزوَّجْتُ بعدَها،بالرُّغم من أُمَّك عارضَتِ الأمرَ لأنَّها تريدني لابنة خالتي كعادة كلِّ الأُمَّهاتِ ،ترضي أُختَها وأتعذَّبُ أنا.
-لكنَّك تتعذَّبُ الآن..
-ربَّما كان عليَّ أُرضي والدتي.
- لن تستطيعَ،فابنةُ خالتك تزوَّجت.
- تلك الخائنة.
- عدْنا.
- لعلَّها الآن معه رتَّبتِ الأُمورَ بدهاءٍ و خبثٍ كأفعى رقطاء.
-بل قلْ كلبوة مثقَّفةٍ.
- لم تجعلْني أُحِسُّ بشيء..موت بطيء حتى اكتشفت أنها تراه من وراء ظهري ،لعله أحد الزملاء،و لربما كانت لها علاقة غرامية معه فمن يدري ماذا كان في حياتها من غراميات .
- أين أصبحنا ...لا تظلمها .
- هكذا هن كل الفتيات يركضن وراء نصيبيهن والنصيب يفر منهن .
- وتقع أنت.. أنت نصيبها .
- وما يشعر الثمل بأي شيء لحظتها
- كنْتُ مذهولاً.
- كنتُ ثملاً.
- في المساء كانت أحشائي تضطربُ.
- شعور ما بعد الثَّمل.
- لم أعدْ للطَّعام و الشَّراب.
- تريدُ إعادةَ الكرَّة..تحسبُها خيالاً.. ما زلْتُ صغيراً ولمَّا تعرفِ بأنَّ الرِّجالَ جميعَهم أطفال
-أريدُ رؤيةَ تلك العينين النَّاعستين، و تلك الابتسامة الرَّقيقة و ذلك الوجهِ المليح ،قلْ للمليحةِ في الخمارِ الأَسودِ ماذا فعلتِ بطالبٍ متحصِّنِ، قُلِبَتْ حياتي و تزوَّجْتُ بعدَها،بالرُّغم من أُمَّك عارضَتِ الأمرَ لأنَّها تريدني لابنة خالتي كعادة كلِّ الأُمَّهاتِ ،ترضي أُختَها وأتعذَّبُ أنا.
-لكنَّك تتعذَّبُ الآن..
-ربَّما كان عليَّ أُرضي والدتي.
- لن تستطيعَ،فابنةُ خالتك تزوَّجت.
- تلك الخائنة.
- عدْنا.
- لعلَّها الآن معه رتَّبتِ الأُمورَ بدهاءٍ و خبثٍ كأفعى رقطاء.
-بل قلْ كلبوة مثقَّفةٍ.
- لم تجعلْني أُحِسُّ بشيء..موت بطيء حتى اكتشفت أنها تراه من وراء ظهري ،لعله أحد الزملاء،و لربما كانت لها علاقة غرامية معه فمن يدري ماذا كان في حياتها من غراميات .
- أين أصبحنا ...لا تظلمها .
- هكذا هن كل الفتيات يركضن وراء نصيبيهن والنصيب يفر منهن .
- وتقع أنت.. أنت نصيبها .
- ...وبعد أيام تعود الحسناء وتزيد من كشف مفاتنها لتعيد كرة تحويل الوحش إلى أمير.
- الأمير إلى وحش .
- ستتذكر كلام صديقك ...أي كلام نصحني بأن أخطب فتاة ما تزال صغيرة لا تقرأ قصص الوحوش والحسناوات وبذلك أضمن ألا يكون لها تاريخ في السحر ونزعات تحويل الوحوش.
- وتكون أنت الأمير وهي الأميرة.
- والحسناء ؟.
- حسناء تثق بأن الأمير سيجدها هي أجدر بأن تكون أميرة، لكن أين تلك الأميرة الصغيرة... أين.
- يمر صديق لك بالشارع يصيح : حسن ... مرحباً... حسن.
- لن أرد عليه سأتجاهله كم مرة قلت له ألا يناديني إلا أبو نجاح.. اسمي أبو نجاح ولم يكن ليفعل لن أرد عليه .. تراه بما يفكر الآن..؟
- حسن تائه الآن .. لا يعرف ماذا يفعل قلت له دور لك على بنت الحلال من الحارة تعرف أصلها وفصلها ما كان ليفعل .
- الحمد لله .
- أي نظرية جاءت .
- إنها الدائرة.
- دائرة أيضاً... يعني كم ستكون علامتك .
- يعني حوالي الخمسين .
- خمسين.. خمسة ... الخمسة مدورة... آه دائرة .
- يمر جارك الموظف يقول : متى ستمر علينا .
- إنه يعني المعاملة تلك ... غداً إن شاء الله .... غداً سأمر عليه في عمله إنه يعمل في دائرة حكومية... دائرة أيضاً .. لماذا يسمونها دائرة حكومية لماذا ليست المربع الحكومي أو المثلث الحكومي.. إنهم يسحبونني إلى تلك الدائرة دائرة دائرة.
- آه رأسي .
- أين زوجتي ؟.
- الخائنة !.
- خائنة ولكنها حسناء.
- حسناء ليست بأميرة.
- ذات العينين الناعستين... ناعستين من نعس... نون عين سين... عين.. عين آه أيضاً دائرة.. دائرة ..دائرة.. لا تفارقني الدائرة رأسي يدور.. أصابني دوار.
- في تلك اللحظة يقف جارك صاحب الدكان المقابل لحديقتك يقول : طول بالك يا رجال.. الناس بدها تفرح ... تعال... تعال... اشرب كأس شاي وروق.
-لم يكن بمقدوري إلا أن أخذت الكأس واستسلمت لسرده الطويل عن شبابه وأيامه ، كيف قضى أحلى أيام العمر.
-غابت قافلة السيارات تعبر الشارع ،وحين تمسك بكأس الشاي وترتشف أول رشفة تستلم لأبي سعيد مرة أخرى .
- إنه صداع لا أكثر... أنا فقط مصدوع.
- تغبش عيناك.. تضع كأس الشاي من يدك ، قصتي... قصة عينين ناعستين.. كنا نعيش أحلى حياة كعصفورين جميلين.. خطبتها في السنة الرابعة ويسرها الله وتزوجنا بعد التخرج .. لن تتصور كيف انقلبت حياتي .. ماذا كانت تعني لي عينان ناعستان .. كيف كنا نمضي الأيام.. مدرس لغة عربية ومدرسة لغة عربية... كان راتبي أربعة ألاف ليرة وكان راتبها أربعة آلاف ليرة ، ندرس في نفس المدرسة وفي صفين متجاورين كانت أحب الرز بالشعيرية والسلطة والمعكرونة والحمص والبيض المقلي، وكانت هي أيضاً تحب الرز بالشعيرية والسلطة والمعكرونة والحمص والبيض المقلي.
- إنها خيانة قال أبو سعيد وتابع بعد أن نظر إلي نظرة غريبة ... جنس حوا لا يؤمن له ، تلك الخائنة أعوذ بالله كل شيء إلا العرض ، وماذا ستفعل ؟؟.
-لا أعرف... لا أعرف.
- لا تعرف ... أستاذ أبو نجاح لا تحتاج إلى تفكير طويل هذا شرف والشرف لا يغسله إلا الدم وأشار إلى عنقه إشارة السكين.
- أذبحها..؟؟!!.
- أذبحها... نعم واذبحه معها ما إن تراهما معاً.
- لكن لكن أنا لم أّذبح صوصاً في حياتي.
-أخس على الرجال على أساس أنت تعرف الأصول.
- لا أقدر.. لا أقدر هذه جريمة قتل.
- والقضاء لا يحكم في قضايا الشرف.
- لكن.....
- ولا يهمك أبو نجاح نحن بالخدمة.... أنا أخلصك منها.
- أنت ؟؟!!.
- نعم أنا أبو سعيد.. لا يغرك نحول جسدي.
- ويضعف أبو نجاح أكثر ويحترق كلما لاحت له تلك الأفكار... وتدور الرحى فيه ببطء ... أحاسيسه أمست رحاة تطحن صوان أفكاره.. تقتات أفكاره على مشاعره... مشاعره تأكل مشاعره... أفكاره تأكل أفكاره... أستدع أبو سعيد يذبحها ويحول أيامك لجحيم...؟!
- أو تحسبني أعيش في الجنة إني أسكن في وسط الجحيم.
-سيسوء الأمر أكثر... دعني أخلصك منها وأنتزعها من داخلك أولاً ثم ليفعل أبو سعيد ما يفعل.
- لا أستطيع نسيانها ... إنها تجري في عروقي تعشعش في قلبي لا أقدر.
-قلت لك ستندم... دعني أخلصك من آلامك وكف عن عصر قلبك ودعني أكفكف لك جراحك سترتاح يا صديقي.. سترتاح.... صدقني.
- وترتجف يدا حسن و تهوج الدنيا بأسرها أمام عينيه وينتفض خارجاً من جرحه متقد العينين ويصيح :
- افعلها... اذبحها وأنا سأمولك بكل ما تحتاجه من نقود.. خذ ما تريد وسأعطيك أكثر.
- ما هذه؟؟
- نقود.
- أعرف أنها نقود ولكن يا حسن.
- ماذا هناك..؟
- يستحيل علىّ ذبح زوجتك .
- يستحيل!!.... لماذا..؟
- لأن هناك عائقاً.
- عائق... أي عائق هذا ؟!
- ببساطة لأنك... لأنك غير متزوج... تدور الدنيا برأسك... غير متزوج.. ومن حينها لم أعد أجلس في الحديقة تحت أشعة الشمس الصفراء أفكر في حبيبتي التي تزوجت الشهر الفائت.