الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

المبني والمعرب

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • طارق شفيق حقي
    المدير العام
    • Dec 2003
    • 11926

    #16
    ١- الضمائر:

    الضمائر في النحو العربي أسماء، وهي مبنية، نعرض لها على النحو التالي:

    أ- الضمائر المنفصلة:

    وهي في محل رفع دائما، فيما عدا ضميرا واحدا يكون في محل نصب.

    والضمائر التي تقع في محل رفع هي:

    أنا ونحن، أنتَ وأنتِ وأنتما وأنتم وأنتن، هي وهي وهما وهم وهن، فنقول:

    أنا عربي: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

    أنتَ عربي: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.

    أنتما مخلصان: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

    أنتنَّ مجدات: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.

    أما الضمير المنفصل الذي يقع في محل نصب فهو الضمير "إيا" الذي لا بد أن تلحقه علامة تدل على مَنْ هو له، فتقول: إيايَ - إيانا - إياك - إياكما - إياكم - إياكن - إياها - إياهما - إياهم - إياهن.

    وتعربها على النحو التالي:

    إياك نعبد:

    إيا: ضمير منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به، والكاف حرف خطاب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.

    إياه أقصد:

    إيا: ضمير منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به، والهاء حرف غيبة مبني على الضم لا محل له من الإعراب.

    إيايَ تقصد:

    إيا: ضمير منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به، والياء حرف تكلم مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.

    تعليق

    • طارق شفيق حقي
      المدير العام
      • Dec 2003
      • 11926

      #17
      ب- الضمائر المتصلة:

      وهي الضمائر التي تتصل بآخر الكلمة سواء أكانت الكلمة اسما أم فعلا أم حرفا، وتقع في محل رفع أو نصب أو جر.

      - والضمائر المتصلة التي تقع في محل رفع هي:

      تاء المتكلم - نا المتكلمين - تاء المخاطب والمخاطبة على حسب ضبطها - تُمَا للمثني المخاطب - تُمْ للمخاطبين - وتُنَّ للمخاطبات - ونون النسوة. فتقول:

      فهمتُ الدرس: التاء ضمير مبني على الضم في محل رفع فاعل.

      فهمتَ الدرس: التاء ضمير مبني على الفتح في محل رفع فاعل.

      فمهمتما الدرس: ثم ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل.

      فهمنا الدرس: نا ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل.

      - والضمائر المتصلة التي تقع في محل نصب هي:

      الياء للمتكلم ونا للمتكلمين، والكاف للمخاطب والمخاطبة على حسب ضبطها، وكُمَا للمثنى المخاطب، وكم للمخاطبين، وكُنَّ للمخاطبات، والهاء للغائب، وها للغائبة، وهما للغائب المثنى، وهم للغائبين، وهن للغائبات. فتقول:

      زارني محمد: الياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.

      زارك محمد: الكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب.

      زارنا محمد: نا ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب.

      إنه مجد: الهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم إن.

      - والضمائر المتصلة التي تقع في محل جر هي نفسها التي تقع في محل نصب، فتقول:

      هذا كتابي: الياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.

      مررت بهم: هم ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالباء.

      تعليق

      • طارق شفيق حقي
        المدير العام
        • Dec 2003
        • 11926

        #18
        هذا عملك: الكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه.

        ج- الضمير المتصل بعد "لولا":

        أنت تعلم أن "لولا" حرف شرط يدل على الامتناع للوجود، أي يدل على امتناع الجواب لوجود الشرط، وهو يدخل على الجملة الاسمية، أي لا بد أن يكون بعده مبتدأ، وخبره محذوف وجوبا إذا دل على كون عام كما سنعرف في الشرط. ومعنى ذلك أن الضمير الذي يقع بعد لولا ينبغي أن يكون ضميرا منفصلا ليكون مبتدأ، فتقول: لولا أنت ولولا أنتم، ولكنا نلحظ في الاستعمال الشائع غير ذلك، فنراه على النحو التالي:

        لولاي ولولاك ولولاه ... وهكذا.

        المفروض أن هذه الضمائر المتصلة لا تقع إلا في محل نصب أو في محل جر؛ لكن وجودها هنا يدل على استعمال خاص مع "لولا"، وقد أعرب سيبويه هذا الضمير على النحو التالي:

        لولاك ما جئت: لولا حرف جر شبيه بالزائد. والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ والخبر محذوف وجوبا.

        أما النحاة الآخرون فأعربوه:

        لولا: حرف شرط يدل على الامتناع للوجود، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ والخبر محذوف وجوبا.

        فالخلاف إذن ينحصر في النظر إلى "لولا"، والرأي الأخير أقرب إلى القاعدة العامة.

        وما قيل عن "لولا" يقال أيضا عن "عسى"؛ إذ إن هذا الفعل يدل على الرجاء وهو يعمل عمل كان؛ أي يرفع الاسم وينصب الخبر، فإذا جاء بعدها

        تعليق

        • طارق شفيق حقي
          المدير العام
          • Dec 2003
          • 11926

          #19
          ضمير فإنه ينبغي أن يكون ضمير رفع، ولكنا نلحظ استعمال ضمائر النصب معها فنقول:

          عساني أن أفلح.

          عساك أن تبلغ المنى.

          عساها أن توفق.

          وهنا أيضا يمكن إعرابها على النحو التالي:

          عساني: عسى فعل ماض ناقص مبني على الفتح المقدر، والنون للوقاية، والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع اسم عسى.

          ويقترح بعض العلماء ألا نعد "عسى" فعلا ناسخا يعمل عمل كان، بل نعده حرفا ناسخا يدل على الرجاء يعمل عمل إن، فيكون الإعراب على هذا الرأي:

          عساني: عسى حرف رجاء مبني على السكون، والنون للوقاية، والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم عسى.

          د- ضمير الفصل:

          من المهم أن تلتفت إلى الاختلافات الدقيقة في استعمال المصطلح النحوي، فضمير الفصل هذا ليس هو الضمير المنفصل الذي تحدثنا عنه. نعم، هو نوع من ضمائر الرفع المنفصلة، لكن تسميته فصلا لا يرجع إلى هذا السبب؛ وإنما لأنه يفصل بين الخبر والصفة أي "يحسم" الأمر فيهما.

          ولننظر في المثال الآتي:

          زيد المخلص " ... ".

          هذا الكلام يمكن أن يكون جملة غير تامة؛ فتكون كلمة "المخلص" صفة زيد، والجملة تحتاج إلى خبر، فنقول:

          زيد المخلص محبوب.

          تعليق

          • طارق شفيق حقي
            المدير العام
            • Dec 2003
            • 11926

            #20
            ويمكن أن يكون جملة تامة، فتكون كلمة "المخلص" خبرا؛ كأن يتحدث أمامك شحص فيقول: فلان مخلص، وفلان مخلص. فتقول أنت: بل زيد المخلص. أي زيد هو الرجل المخلص حقا.

            نعود إلى المشكلة: زيد المخلص " ... ".

            إما أن تكون "المخلص" صفة أو خبرا. فإذا أردنا أن نحسم في الأمر؛ أي "نفصل فيه" جئنا بالضمير، فنقول:

            زيد هو المخلص.

            ولهذا السبب سُمي هذا الضمير ضمير فصل.

            ولك في هذا الضمير إعرابان:

            ١- أن تقول عنه: إنه ضمير فصل مبني لا محل له من الإعراب، فتقول:

            زيد: مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.

            هو: ضمير فصل مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.

            المخلص: خبر مرفوع بالضمة الظاهرة.

            ٢- وتستطيع أن تعربه ضميرا له محل من الإعراب، يكون إعرابه على النحو التالي:

            زيد: مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.

            هو: مبتدأ ثانٍ، ضمير مبني على الفتح في محل رفع.

            المخلص: خبر المبتدأ الثاني مرفوع بالضمة الظاهرة. والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول.

            ولك هنا أن تسأل: ما الفرق بين الإعرابين وقد أفضيا إلى نتيجة واحدة؟

            يظهر الفرق حين يدخل على هذه الجملة فعل ناسخ. فإذا كان ضمير الفصل لا محل له نصبنا ما بعده؛ فنقول:

            كان زيد هو المخلصَ.

            تعليق

            • طارق شفيق حقي
              المدير العام
              • Dec 2003
              • 11926

              #21
              لأن هذه الكلمة كانت هي الخبر.

              أما إذا جعلت الضمير مبتدأ ثانيا، قلت:

              كان زيد هو المخلصُ.

              لأن الخبر هنا جملة اسمية "هو المخلص"، وهي بمجموعها في محل نصب.

              هـ- ضمير الشأن:

              الضمائر نوعان: ضمائر شخصية، ضمائر غير شخصية.

              وهذا الضمير يطلق عليه ضمير الأمر وضمير القصة وضمير الحكاية إلى آخر هذه الأسماء التي أطلقها عليه النحاة، وهو ضمير غير شخصي؛ أي لا يدل على متكلم أو مخاطب أو غائب، وإنما يدل على معنى الشأن أو الأمر أو القصة ويقع في صدر الجملة، ويكون مبتدأ لها، وتكون الجملة مفسرة له وتقع خبرا عنه، فأنت حين تقول:

              هو "أو هي" الدهر قلب.

              فإن معنى قولك هو: أن الأمر أو الموضوع أو الحكاية أن الدهر قُلَّب، وتعرب على النحو التالي:

              هو: ضمير الشأن مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.

              الدهر: مبتدأ ثانٍ مرفوع بالضمة الظاهرة.

              قلب: خبر المبتدأ الثاني مرفوع بالضمة الظاهرة.

              والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ.

              وتقول في إعراب: إنه زيد كريم.

              إن: حرف توكيد ونصب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.

              الهاء: ضمير الشأن مبني على الضم في محل نصب اسم إن.

              زيد: مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.

              كريم: خبر مرفوع بالضمة الظاهرة.

              تعليق

              • طارق شفيق حقي
                المدير العام
                • Dec 2003
                • 11926

                #22
                والجملة من المبتدأ وخبره في محل رفع خبر إن.

                وتقول في إعراب:

                ظننته زيدٌ كريم.

                ظننته: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء ضمير مبني على الضم في محل رفع فاعل، والهاء ضمير الشأن مبني على الضم في محل نصب مفعول أول لظن.

                زيد: مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.

                كريم: خبر مرفوع بالضمة الظاهرة.

                والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول ثانٍ لظن.

                ومن هذا الإعراب يتبين لك أن هذا الضمير لا بد أن يكون مبتدأ أو ما أصله المبتدأ، وأن تكون بعده جملة مفسرة له متأخرة عنه وجوبًا تقع خبرًا عنه، وأنه دائمًا بلفظ مفرد مذكر كان أو مؤنثًا "أي يدل على الشأن أو القصة".

                و استتار الضمير:

                إذا وقع الضمير فاعلًا أو نائبًا عن الفاعل فقد يكون ضميرًا بارزًا كما لاحظنا في الأمثلة السابقة، وقد يكون ضميرًا مستترًا، واستتاره على درجتين: استتار جائز، واستتار واجب.

                وللتفريق بين المستتر جوازًا والمستتر وجوبًا نضع بين يديك هذه القاعدة الواضحة:

                إذا كان الضمير يدل على غائب فهو يستتر جوازًا. وإذا كان يدل على حاضر فهو يستتر وجوبًا.

                وضمير الغائب الذي يستتر جوازًا هو الضمير المفرد الغائب وضمير المفرد الغائبة، فتقول:

                تعليق

                • طارق شفيق حقي
                  المدير العام
                  • Dec 2003
                  • 11926

                  #23
                  زيد قام.

                  زيد: مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.

                  قام: فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو.

                  والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر.

                  هند قامت.

                  هند: مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.

                  قامت: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء للتأنيث حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب، والفاعل ضمير مستترا جوازا تقديره هي، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر.

                  أما الضمير المستتر وجوبا فهو ضمير الحاضر، أي الذي يدل على المتكلم "أنا"، وعلى جماعة المتكلمين "نحن" مع الفعل المضارع، وعلى المخاطب "أنت" مع المضارع والأمر. فتقول:

                  أحب وطني.

                  أحب: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة. والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره "أنا".

                  وطني: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، والياء مضاف إليه مبني على السكون في محل جر.

                  نحب وطننا.

                  نحب: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره "نحن".

                  اسعَ إلى الخير.

                  اسعَ: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره "أنت".

                  تعليق

                  • طارق شفيق حقي
                    المدير العام
                    • Dec 2003
                    • 11926

                    #24
                    كن صادقا.

                    كن: فعل أمر مبني على السكون، وهو فعل ناقص. واسمه ضمير مستتر وجوبا تقديره "أنت".

                    صادقا: خبره منصوب بالفتحة الظاهرة.

                    هذا هو التفريق الأساسي بين المستتر جوازا والمستتر وجوبا؛ ضمير الغائب للأول وضمير الحاضر للثاني، ولكن النحاة رأوا أن ضمير الغائب قد يكون مستترا وجوبا، وذلك في مواضع معينة؛ أكثرها استعمالا هي:

                    ١- الفاعل في باب التعجب الذي على صيغة "ما أفعل" فتقول:

                    ما أكرمَ العربيَّ!

                    ما: اسم تعجب مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

                    أكرم: فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره هو.

                    والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر.

                    العربي: مفعول به منصوب بالفتحة.

                    ٢- أن يقع الضمير فاعلا لنعم، بشرط أن يكون مُفَسَّرا بنكرة، فنقول: نِعْمَ قائدًا خالد.

                    نعم: فعل ماض مبني على الفتح. والفاعل ضمير متتر وجوبا تقديره هو.

                    قائدا: تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة.

                    خالد: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة، والجملة الفعلية المقدمة في محل رفع خبر.

                    ٣- أن يقع فاعلا لأفعال الاستثناء وهي خلا وعدا وحاشا، فتقول:

                    جاء الناس خلا زيدا.

                    خلا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر منع من ظهوره التعذر. والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره هو.

                    تعليق

                    • طارق شفيق حقي
                      المدير العام
                      • Dec 2003
                      • 11926

                      #25
                      ما الفرق بين قولنا "مستتر جوازا" وقولنا "مستتر وجوبا" مع أن الضمير لا يظهر في الحالتين؟

                      لاحظ النحاة أن الضمير الغائب يمكن أن يحل محله اسم ظاهر، تقول:

                      زيد نجح.

                      وتقول:

                      زيد نجح أخوه.

                      فأنت ترى أن الفاعل حين استتر في الجملة الأولى لم يكن استتارة إجباريا، بل لكونه ضمير غائبا، بدليل ظهوره حين صار اسما ظاهرا؛ لذلك قلنا: مستتر جوازا.

                      أما جملة:

                      أتكلم الإنجليزية.

                      فيستحيل أن يكون لهذا الفعل فاعل غير هذا الضمير؛ أي أن الاستتار إجباري، ومن هنا قلنا: إنه مستتر وجوبا.

                      تدريب: أعرب ما يأتي:

                      {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} .

                      {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} .

                      {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ} .

                      {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} .

                      {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} .

                      وفي قراءة: "تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ وَأَعْظَمَ أَجْرًا".

                      {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .

                      {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} .

                      {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} .

                      {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} .

                      {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا} .

                      {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} .

                      تعليق

                      • طارق شفيق حقي
                        المدير العام
                        • Dec 2003
                        • 11926

                        #26

                        أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)
                        المُعْرَبُ والمَبْنِيُّ(1)



                        يُشِيرُ إلى أنَّ الاسمَ يَنقسِمُ إلى قِسميْنِ:
                        أحدُهما المعرَبُ، وهو ما سَلِمَ من شَبَهِ الحروفِ.
                        والثاني: المبنيُّ وهو ما أَشْبَهَ الحروفَ، وهو المعنيُّ بقولِه: (لِشَبَهٍ مِنَ الحُرُوفِ مُدْنِي) أي: لشَبَهٍ مُقَرِّبٍ من الحروفِ، فَعِلَّةُ البناءِ مُنْحَصِرَةٌ عندَ المصنِّفِ رَحِمَه اللهُ تعالى في شَبَهِ الحرفِ، ثُمَّ نَوَّعَ المصنِّفُ وجوهَ الشَّبَهِ في البيتيْنِ اللذيْنِ بعدَ هذا البيتِ، وهذا قريبٌ مِن مذهَبِ أبي عليٍّ الفَارِسِيِّ؛ حيثُ جعَلَ البناءَ منحصِراً في شَبَهِ الحرفِ أو ما تَضَمَّنَ معناه، وقد نَصَّ سِيبَوَيْهِ رَحِمَه اللهُ على أنَّ عِلَّةَ البناءِ كُلَّها تَرْجِعُ إلى شَبَهِ الحرفِ، وممَّن ذَكَرَه ابنُ أبي الرَّبِيعِ(3)



                        ذكَرَ في هذين البيتيْنِ وُجُوهَ شَبَهِ الاسمِ بالحرفِ في أربعةِ مواضعَ:
                        فالأوَّلُ: شَبَهُه له في الوَضْعِ، كأنْ يكونَ الاسمُ موضوعاً على حرفٍ واحدٍ، كالتاءِ في ضَرَبْتُ، أو على حرفيْنِ، كـ(نا) في (أَكْرَمْنَا)، وإلى ذلك أشارَ بقولِه في (اسْمَي جِئْتَنَا)، فالتاءُ في جِئْتَنَا اسمٌ؛ لأنَّه فاعلٌ، وهو مبنيٌّ؛ لأنَّه أَشْبَهَ الحرفَ في الوضعِ في كونِهِ على حرفٍ واحدٍ، وكذلك (نا) اسمٌ؛ لأنَّها مفعولٌ، وهو مبنيٌّ لِشَبَهِهِ بالحرفِ في الوضعِ في كونِه على حرفيْنِ(6)
                        والثاني: شَبَهُ الاسمِ له في المعنَى، وهو قسمانِ: أحدُهما: ما أَشْبَهَ حرفاً موجوداً، والثاني: ما أَشْبَهَ حرفاً غيرَ موجودٍ، فمثالُ الأوَّلِ (متَى) فإنَّها مبنيَّةٌ؛ لِشَبَهِها الحرفَ في المعنى، فإنَّها تُسْتَعْمَلُ للاستفهامِ، نحوُ: (متَى تَقُومُ) وللشرطِ، نحوُ: (متَى تَقُمْ أَقُمْ)، وفي الحالتيْنِ هي مُشْبِهَةٌ لحرفٍ موجودٍ؛ لأنَّها في الاستفهامِ كالهمزةِ، وفي الشرطِ كإنْ, ومثالُ الثاني: (هنا)؛ فإنَّها مبنيَّةٌ لِشَبَهِها حرفاً كانَ يَنْبَغِي أنْ يُوضَعَ فلم يُوضَعْ.
                        وذلكَ لأنَّ الإشارةَ معنًى من المعاني، فحقُّها أنْ يُوضَعَ لها حرفٌ يَدُلُّ عليها، كما وَضَعُوا للنفيِ (ما) وللنهيِ (لا) وللتمنِّي (لَيْتَ) وللترَجِّي (لَعَلَّ)، ونحوَ ذلك، فبُنِيَتْ أسماءُ الإشارةِ لِشَبَهِها في المعنى حرفاً مُقَدَّراً(7)
                        والثالثُ: شَبَهُه له في النيابةِ عن الفعلِ وعدمِ التأثُّرِ بالعاملِ؛ وذلك كأسماءِ الأفعالِ، نحوِ: (دَرَاكِ زيداً) فدَرَاكِ مبنيٌّ؛ لِشَبَهِهِ بالحرفِ في كونِه يَعْمَلُ ولا يَعْمَلُ فيه غيرُه(7) كما أنَّ الحرفَ كذلك.
                        واحْتَرَزَ بقولِهِ: (بِلاَ تَأَثُّرٍ) عمَّا نابَ عن الفعلِ وهو متأثِّرٌ بالعاملِ، نحوِ: (ضَرباً زيداً) فإنَّه نائبٌ منابَ (اضْرِبْ) وليسَ بمبنيٍّ؛ لتَأَثُّرِهِ بالعاملِ؛ فإنَّه منصوبٌ بالفعلِ المحذوفِ، بخلافِ (دَرَاكِ) فإنَّه وإنْ كانَ نائباً عن (أَدْرِكْ) فليسَ متأثِّراً بالعاملِ.
                        وحاصلُ ما ذَكَرَهُ المصنِّفُ: أنَّ المصدرَ الموضوعَ موضعَ الفعلِ وأسماءَ الأفعالِ اشْتَرَكَا في النيابةِ مَنابَ الفعلِ، لكنَّ المصدرَ متأثِّرٌ بالعاملِ، فأُعْرِبَ لعدمِ مُشابَهَتِه الحرفَ، وأسماءَ الأفعالِ غيرُ متأثِّرَةٍ بالعاملِ فبُنِيَتْ لمُشَابَهَتِها الحرفَ في أنها نائِبَةٌ عن الفعلِ وغيرُ متأثِّرةٍ به.
                        وهذا الذي ذَكَرَه المصنِّفُ مبنيٌّ على أنَّ أسماءَ الأفعالِ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ، والمسألةُ خِلافِيَّةٌ(9) وسَنَذْكُرُ ذلكَ في بابِ أسماءِ الأفعالِ.
                        والرابِعُ: شَبَهُ الحرفِ في الافتقارِ اللازمِ، وإليه أشارَ بقولِه: (وكَافْتِقَارٍ أُصِّلاَ) وذلك كالأسماءِ الموصولةِ، نحوِ: (الذي) فإنَّها مفتقِرَةٌ في سائرِ أحوالِها إلى الصِّلَةِ، فأَشْبَهَتِ الحرفَ في مُلازمةِ الافتقارِ فبُنِيَتْ(10)
                        وحاصلُ البيتيْنِ: أنَّ البناءَ يكونُ في سِتَّةِ أبوابٍ: المُضْمَرَاتِ, وأسماءِ الشرطِ، وأسماءِ الاستفهامِ، وأسماءِ الإشارةِ، وأسماءِ الأفعالِ، والأسماءِ الموصولةِ.




                        يُرِيدُ: أنَّ المعربَ خلافُ المبنيِّ، وقد تَقَدَّمَ أنَّ المبنيَّ ما أَشْبَهَ الحرفَ، فالمعربُ ما لم يُشْبِهِ الحرفَ، ويَنْقَسِمُ إلى صحيحٍ؛ وهو ما ليسَ آخِرُه حرفَ عِلَّةٍ كأرضٍ، وإلى مُعْتَلٍّ؛ وهو ما آخِرُه حرفُ عِلَّةٍ كسُمًا وسُماً - لغةٌ في الاسمِ، وفيه سِتُّ لغاتٍ: اسمٌ - بضمِّ الهمزةِ وكسرِها - وسُِمٌ - بضمِّ السينِ وكسرِها، وسُِما - بضمِّ السينِ وكسرِها أيضاً.
                        وينقَسِمُ المعرَبُ أيضاً إلى مُتَمَكِّنٍ أَمْكَنَ، وهو المنصرِفُ؛ كزَيْدٍ وعَمْرٍو، وإلى مُتَمَكِّنٍ غيرِ أَمْكَنَ، وهو غيرُ المُنْصَرِفِ، نحوُ: أحمدَ ومساجِدَ ومصابِيحَ، فغيرُ المتمكِّنِ هو المبنيُّ، والمتمكِّنُ هو المعرَبُ، وهو قسمانِ: مُتَمَكِّنٌ أَمْكَنُ، ومُتَمَكِّنٌ غيرُ أَمْكَنَ(12)


                        ([1]) أي: هذا بابُ المُعْرَبِ والمبنيِّ، وإعرابُه ظاهِرٌ.
                        ([2]) (والاسمُ) الواوُ للاستئنافِ، الاسمُ: مبتدأٌ أوَّلُ، (مِنْهُ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مقدَّمٌ، (مُعْرَبٌ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، والجملةُ مِنه ومِن خَبَرِه خبرُ المبتدأِ الأوَّلِ، (ومَبْنِي) مبتدأٌ، وخبرُه محذوفٌ، والتقديرُ (ومِنه مَبْنِي) ولا يَجُوزُ أنْ تَعْطِفَ قولَه: (مبنِي) على (مُعْرَبٌ)؛ لأنَّه يَسْتَلْزِمُ أنْ يكونَ المعنى أنَّ بعضَ الاسمِ معربٌ ومبنيٌّ في آنٍ واحدٍ، أو يَسْتَلْزِمُ أنَّ بعضَ الاسمِ معربٌ ومبنيٌّ، وبعضَه الآخرَ ليسَ بمعربٍ ولا مبنيٍّ، وهو قولٌ ضعيفٌ أَبَاهُ جمهورُ المُحَقِّقِينَ مِن النُّحاةِ، (لِشَبَهٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَبْنِي، أو مُتَعَلِّقٌ بخبرٍ محذوفٍ معَ مُبْتَدَئِه، والتقديرُ: (وبناؤُه ثابتٌ لِشَبَهٍ)، (مِن الحروفِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بشَبَهٍ أو بمُدْنِي، (مُدْنِي) نَعْتٌ لِشَبَهٍ، وتقديرُ البيتِ: والاسمُ بعضُه مُعْرَبٌ وبعضُه الآخرُ مبنيٌّ، وبناءُ ذلك المبنيِّ ثابتٌ لِشَبَهٍ مُدْنٍ له مِن الحرفِ، و(مُدْنِي): اسمُ فاعلٍ فِعْلُه أَدْنَى، تقولُ: أَدْنَيْتُ الشيءَ مِن الشيءِ، إذا قَرَّبْتَه مِنه، والياءُ فيه هنا ياءٌ زائدةٌ للإشباعِ، ولَيْسَتْ لامَ الكَلِمَةِ؛ لأنَّ ياءَ المنقوصِ المنكَّرِ غيرِ المنصوبِ تُحْذَفُ وُجُوباً.
                        وتَضَمَّنَ هذا البيتُ على هذا الإعرابِ والتفسيرِ قَضِيَّتَيْنِ:
                        الأُولَى: أنَّ الاسمَ مُنْحَصِرٌ في قِسْمَيْنِ؛ المعرَبِ والمبنيِّ.
                        والثانيةُ: أنَّ سببَ بناءِ المبنيِّ مِنه مُنْحَصِرٌ في شَبَهِهِ للحرفِ لا يَتَجَاوَزُه.
                        ([3]) اعْلَمْ أنهم اخْتَلَفُوا في سببِ بناءِ بعضِ الأسماءِ: أهو شيءٌ واحدٌ يُوجَدُ في كلِّ مبنيٍّ مِنها، أو أشياءُ مُتَعَدِّدَةٌ يُوجَدُ واحدٌ مِنها في بعضِ أنواعِ المبنيَّاتِ وبعضٌ آخرُ في نوعٍ آخرَ، وهكذا؟ فذَهَبَ جماعةٌ إلى أنَّ السببَ مُتَعَدِّدٌ، وأنَّ مِن الأسبابِ مُشَابَهَةَ الاسمِ في المعنى للفعلِ المبنيِّ، ومثالُه ـ عندَ هؤلاء ـ من الاسمِ (نَزَالِ وهَيْهَاتَ) فإنَّهما لَمَّا أَشْبَهَا (انْزِلْ وبَعُدَ) في المعنى بُنِيَا، وهذا السببُ غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّه لو صَحَّ لَلَزِمَ بِناءُ نَحْوِ: (سُقْياً لكَ) و(ضَرْباً زَيْداً) فإنَّهما بمعنى فِعْلِ الأمرِ وهو مبنيٌّ.
                        وأيضاًً يَلْزَمُه إعرابُ نحوِ:(أُفٍّ) و(أَوَّهْ)، ونحوُهما من الأسماءِ التي تَدُلُّ على معنى الفعلِ المضارِعِ المُعْرَبِ، ولم يَقُلْ بذلك أحدٌ، وإنما العِلَّةُ التي مِن أَجْلِها بُنِيَ (نَزَالِ) و(شَتَّانَ) و(أَوَّهْ) وغيرُها مِن أسماءِ الأفعالِ هي مُشَابَهَتُها الحرفَ في كَوْنِها عاملةً في غَيْرِها غيرَ معمولةٍ لشيءٍ، ألاَ تَرَى أَنَّكَ إذَا قُلْتَ: نَزَالِ كانَ اسمَ فعلٍ مبنيًّا على الكسرِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، وكانَ له فاعلٌ هو ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، وهذا الفاعلُ هو المعمولُ لاسمِ الفعلِ، ولا يَكُونُ اسمُ الفعلِ أبداً مُتَأَثِّراً بعاملٍ يَعْمَلُ فيه، لا في لفظِه ولا في مَحَلِّهِ.
                        وقالَ قومٌ، مِنهم ابنُ الحاجِبِ: إنَّ مِن أسبابِ البناءِ عدمَ التركيبِ، وعليه تكونُ الأسماءُ قبلَ تَرْكِيبِها في الجُمَلِ مَبْنِيَّةً، وهو ظاهرُ الفسادِ، والصوابُ: أنَّ الأسماءَ قبلَ تَرْكِيبِها في الجُمَلِ لَيْسَتْ مُعْرَبَةً ولا مَبْنِيَّةً؛ لأنَّ الإعرابَ والبناءَ حُكمانِ مِن أحكامِ التراكيبِ، أَلاَ تَرَى أنهم يُعَرِّفُونَ الإعرابَ بأنه: أَثَرٌ ظاهرٌ أو مُقَدَّرٌ يَجْلُبُه العامِلُ، أو يُعَرِّفُونَه بأنه: تَغَيُّرُ أَوَاخِرِ الكَلِمَاتِ لاختلافِ العواملِ الداخلةِ عليها، والبناءُ ضِدُّه، فما لم يَكُنْ تَرِكيبٌ لا يَجُوزُ الحكمُ بإعرابِ الكَلِمَةِ ولا ببِنَائِها.
                        وقالَ آخَرُونَ: إنَّ مِن أسبابِ البناءِ أنْ يَجْتَمِعَ في الاسمِ ثلاثةُ أسبابٍ مِن موانعِ الصرفِ، وعَلَّلُوه بأنَّ السببيْنِ يَمْنَعَانِ مِن صَرْفِ الاسمِ، وليسَ بعدَ منعِ الصرفِ إلاَّ تَرْكُ الإعرابِ بالمَرَّةِ، ومَثَّلُوا لذلكَ بـ (حَذَامِ، وقَطَامِ) ونحوِهما، وادَّعَوْا أنَّ سببَ بناءِ هذا البابِ اجتماعُ العَلَمِيَّةِ والتأنيثِ، والعَدْلُ عن حَاذِمَةَ وقَاطِمَةَ، وهو فاسدٌ؛ فإنا وَجَدْنَا مِن الأسماءِ ما اجْتَمَعَ فيه خمسةُ أسبابٍ مِن موانعِ الصرفِ، وهو معَ ذلك مُعْرَبٌ، ومِثالُه (آذرَبِيجَانَ) فإنَّ فيه العَلَمِيَّةَ والتأنيثَ والعُجْمَةَ والتركيبَ وزيادةَ الألفِ والنونِ. وليسَ بناءُ حَذَامِ ونحوِه لِمَا ذَكَرُوه، بل لمضارعتِه في الهيئةِ نَزَالِ ونحوِه، ممَّا بُنِيَ لشَبَهِهِ بالحرفِ في نِيابتِه عن الفعلِ وعدمِ تأثُّرِهِ بالعاملِ.
                        وقالَ قومٌ مِنهم الذين ذَكَرَهم الشارِحُ: إنه لا عِلَّةَ للبناءِ إلاَّ مُشابهةُ الحرفِ، وهو رأيُ الحُذَّاقِ من النَّحْوِيِّينَ، كلُّ ما في الأمرِ أنَّ شَبَهَ الحرفِ على أنواعٍ.
                        ([4]) (كالشَّبَهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: وذلك كائنٌ كالشَّبَهِ (الوَضْعِيِّ) نعتُ للشَّبَهِ، (في اسْمَي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفِ صفةٍ للوضعيِّ، واسمَي مضافٌ و(جِئْتَنَا) قصَدَ لفظَه: مضافٌ إليه، (والمَعْنَوِيِّ) معطوفٌ على الوضعيِّ، (في مَتَى، وفي هُنا) جارَّانِ ومجرورانِ مُتَعَلِّقَانِ بمحذوفٍ نعتٍ للمعنويِّ، وتقديرُ البيتِ: والشَّبَهُ المُدْنِي من الحروفِ مثلُ الشَّبَهِ الوضعيِّ الكائنِ في الاسميْنِ الموجوديْنِ في قولِكَ: (جِئْتَنَا)، وهما تاءُ المخاطَبِ و(نا)، ومثلُ الشبهِ المعنويِّ الكائنِ في (مَتَى) الاستفهاميَّةِ والشرطيَّةِ، وفي (هنا) الإشاريَّةِ.
                        ([5]) (وكنيابةٍ) الواوُ عاطفةٌ، والجارُّ والمجرورُ معطوفٌ على كالشَّبَهِ، (عن الفعلِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بنيابةٍ (بلا تَأَثُّرٍ) الباءُ حرفُ جرٍّ، ولا اسمٌ بمعنى غيرِ مجرورٌ بالباءِ، وظَهَرَ إعرابُه على ما بعدَه بطريقِ العارِيَّةِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ نعتٍ لنيابةٍ، ولا مضافٌ وتَأَثُّرٍ مضافٌ إليه مجرورٌ بكسرةٍ مقدَّرةٍ على آخِرِه، مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشتغالُ المحَلِّ بحركةِ العاريَّةِ التي يَقْتَضِيها ما قبلَه، (وكَافْتِقَارٍ) الواوُ حرفُ عطفٍ، والجارُّ والمجرورُ معطوفٌ على كَنِيَابَةٍ، (أُصِّلاَ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، والألفُ للإطلاقِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو، يَعُودُ على افتقارٍ، والجملةُ من الفعلِ ونائبِ الفاعلِ في محلِّ جرِّ نعتٍ لافتقارٍ، وتقديرُ البيتِ: ومثلُ النيابةِ عن الفعلِ في العملِ معَ أنه لا يَتَأَثَّرُ بالعاملِ، ومثلُ الافتقارِ المتأصِّلِ، والافتقارُ المتأصِّلُ هو الافتقارُ اللازمُ له، الذي لا يُفارِقُه في حالةٍ مِن حالاتِه.
                        ([6]) الأصلُ في وضعِ الحرفِ أنْ يكونَ على حرفِ هِجاءٍ واحدٍ؛ كباءِ الجرِّ ولامِه وكافِه وفاءِ العطفِ وواوِه وألفِ الاستفهامِ وما شاكَلَ ذلك، أو على حَرْفَي هِجاءٍ ثانِيهما لَيِّنٌ؛ كلا وما النافيتيْنِ، والأصلُ في وضعِ الاسمِ أنْ يكونَ على ثلاثةِ أحرفٍ فصاعِداً، كما لا يُحْصَى مِن الأسماءِ، فما زادَ من حروفِ المعاني على حرفيْنِ من حروفِ الهجاءِ، مِثلُ: إنَّ ولَيْتَ وإلاَّ وثُمَّ ولعلَّ ولكِنَّ فهو خارجٌ عن الأصلِ في نوعِه، وما نَقَص من الأسماءِ عن ثلاثةِ الأحرفِ كتاءِ الفاعلِ ونا وأكثرِ الضمائرِ فهو خارجٌ عن الأصلِ في نوعِه، وما خرَجَ من الحروفِ عن الأصلِ في نوعِه قد أَشْبَهَ الأسماءَ، وما خَرَجَ مِن الأسماءِ عن الأصلِ في نوعِه أَشْبَهَ الحروفَ، وكِلا الشَّبَهَيْنِ راجعٌ إلى الوضعِ.
                        وكانَ ذلك يَقْتَضِي أنْ يَأْخُذَ المُشَبَّهُ حُكْمَ المُشَبَّهِ به في الموضعيْنِ، إلا أنهم أَعْطَوْا الاسمَ الذي يُشْبِهُ الحرفَ حُكْمَ الحرفِ، وهو البناءُ، ولم يُعْطُوا الحرفَ الذي أَشْبَهَ الاسمَ حُكْمَ الاسمِ، وهو الإعرابُ، لسببيْنِ:
                        أوَّلُهما: أنَّ الحرفَ حِينَ أَشْبَهَ الاسمَ قد أَشْبَهَه في شيءٍ لا يَخُصُّه وحدَه، فإنَّ الأصلَ في وضعِ الفعلِ أيضاًً أنْ يكونَ على ثلاثةِ أحرفٍ، بخلافِ الاسمِ الذي قد أَشْبَهَ الحرفَ، فإنَّه قد أَشْبَهَهُ في شيءٍ يَخُصُّه ولا يَتَجَاوَزُه إلى نوعٍ آخرَ من أنواعِ الكَلِمَةِ.
                        والسببُ الثاني: أنَّ الحرفَ لا يَحْتَاجُ في حالةٍ ما إلى الإعرابِ؛ لأنَّ الإعرابَ إنما يَحْتَاجُ إليه من أنواعِ الكَلِمَةِ ما يَقَعُ في مواقعَ متعدِّدةٍ من التراكيبِ بحيثُ لا يَتَمَيَّزُ بعضُها عن بعضٍ بغيرِ الإعرابِ، والحرفُ لا يَقَعُ في هذه المواقعِ المتعدِّدَةِ، فلم يَكُنْ ثَمَّةَ ما يَدْعُو إلى أنْ يَأْخُذَ حكمَ الاسمِ حينَ يُشْبِهُه، ومعنى هذا الكلامِ أنَّ في مُشابَهَةِ الحرفِ للاسمِ قد وُجِدَ المُقْتَضِي ولكن لم يَنْتَفِ المانعُ، فالمُقْتَضِي هو شَبَهُ الاسمِ، والمانعُ هو عدمُ تَوَارُدِ المعاني المختلفةِ عليه، وشرطُ تأثيرِ المُقْتَضِي أنْ يَنْتَفِيَ المانِعُ.
                        ([7]) نَقَلَ ابنُ فَلاحٍ عن أبي عليٍّ الفارِسِيِّ أنَّ أسماءَ الإشارةِ مبنيَّةٌ؛ لأنَّها مِن حيثُ المعنَى أَشْبَهَتْ حَرفاً موجوداً، وهو ألِ العهديَّةُ؛ فإنَّها تُشِيرُ إلى معهودٍ بينَ المتكلِّمِ والمُخاطَبِ، ولمَّا كانَتِ الإشارةُ في هنا ونحوِها حِسِّيَّةً وفي ألِ العهديَّةِ ذِهْنِيَّةً لم يَرْتَضِ المُحَقِّقُونَ ذلك، وذَهَبُوا إلى ما ذَكَرَه الشارِحُ مِن أنَّ أسماءَ الإشارةِ بُنِيَتْ لِشَبَهِهَا في المعنَى حرفاً مقدَّراً.
                        ونظيرُ (هنا) فيما ذَكَرْنَاه (لَدَى)؛ فإنَّها دالَّةٌ على المُلاصَقَةِ والقُرْبِ زِيَادَةً على الظرفيَّةِ، والمُلاصقةُ والقُرْبُ من المعاني التي لم تَضَعِ العربُ لها حرفاً، وأيضاًً (ما) التعجبيَّةُ؛ فإنَّها دالَّةٌ على التعجُّبِ، ولم تَضَعِ العربُ للتعجُّبِ حرفاً، فيكونُ بناءُ كلِّ واحدٍ مِن هذين الاسميْنِ لشَبَهِهِ في المعنى حرفاً مقدَّراً. فافْهَمْ ذلك.
                        ([8]) اسمُ الفعلِ ما دامَ مقصوداً معناه لا يَدْخُلُ عليه عاملٌ أصلاً، فَضْلاً عن أنْ يَعْمَلَ فيه، وعبارةُ الشارحِ كغيرِه تُوهِمُ أنَّ العواملَ قد تَدْخُلُ عليه ولكنَّها لا تُؤَثِّرُ فيه، فكانَ الأَوْلَى به أنْ يقولَ: (ولا يَدْخُلُ عليه عاملٌ أصلاً) بدلاً من قولِه: (ولا يَعْمَلُ فيه غيرُه)، وقولُنا: (ما دامَ مقصوداً منه معناه) نُرِيدُ به الإشارةَ إلى أنَّ اسمَ الفعلِ إذا لم يُقْصَدْ به معناهُ، بأنْ يُقْصَدَ لفظُه مثلاً ـ فإنَّ العاملَ قد يَدْخُلُ عليه، وذلكَ كما في قولِ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى المُزَنِيِّ:




                        فنَزَالِ في هذا البيتِ مقصودٌ بها اللفظُ؛ ولذلكَ وَقَعَتْ نائبَ فاعلٍ، فهي مرفوعةٌ بضمَّةٍ مقدَّرَةٍ على آخِرِها، مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشتغالُ المَحَلِّ بحركةِ البناءِ الأصليِّ، ومِثْلُه قولُ زَيْدِ الخَيْلِ:


                        ونظيرُهما قولُ جُرَيْبَةَ الفَقْعَسِيِّ:


                        ([9]) إذا قُلْتَ (هَيْهَاتَ زَيْدٌ) مثلاً فللعلماءِ في إعرابِه ثلاثةُ آراءٍ:
                        الأوَّلُ ـ وهو مَذْهَبُ الأَخْفَشِ، وهو الصحيحُ الذي رَجَّحَهُ جمهورُ علماءِ النحوِ ـ: أنَّ هَيْهَاتَ اسمُ فعلٍ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وزَيْدٌ: فاعلٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ، وهذا الرأيُ هو الذي عليه قولُ الناظمِ: إنَّ سببَ البناءِ في أسماءِ الأفعالِ كونُها نائبةً عن الفعلِ وغيرَ متأثِّرةٍ بعاملٍ؛ لا ملفوظٍ به ولا مقدَّرٍ.
                        والثاني ـ وهو رأيُ سِيبَوَيْهِ ـ: أنَّ هَيْهَاتَ مبتدأٌ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ رفعٍ، فهو متأثِّرٌ بعاملٍ معنويٍّ وهو الابتداءُ، وزيدٌ: فاعلٌ سَدَّ مَسَدَّ الخبرِ.
                        والثالثُ ـ وهو رأيُ المَازِنِيِّ ـ: أنَّ هيهاتَ مفعولٌ مُطْلَقٌ لفعلٍ محذوفٍ مِن معناه، وزَيْدٌ: فاعلٌ به، وكأنك قلتَ: بَعُدَ بُعْداً زيدٌ، فهو متأثِّرٌ بعاملٍ لفظيٍّ محذوفٍ من الكلامِ. ولا يَجْرِي كلامُ الناظمِ على واحدٍ من هذين القوليْنِ: الثاني والثالثِ، وعِلَّةُ بناءِ اسمِ الفعلِ على هذين القوليْنِ تَضَمُّنُ أغلبِ ألفاظِه ـ وهي الألفاظُ الدالَّةُ على الأمرِ منه ـ معنى لامِ الأمرِ، وسائِرُه محمولٌ عليه، يَعنِي أنَّ اسمَ الفعلِ، على هذين الرأييْنِ أَشْبَهَ الحرفَ شَبَهاً معنويًّا لا نِيابيًّا.
                        [10]) زادَ ابنُ مالكٍ في شَرْحِ الكافِيَةِ الكُبْرَى نوعاً خامساً سَمَّاه الشَّبَهَ الإهماليَّ، وفَسَّرَه بأنْ يُشْبِهَ الاسمُ الحرفَ في كونِه لا عاملاً ولا معمولاً.
                        ومَثَّلَ له بأوائلِ السُّوَرِ، نحوِ: (الم، ق، ص) وهذا جارٍ على القولِ بأنَّ فواتحَ السورِ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ لأنَّها من المُتشابِهِ الذي لا يُدْرَكُ معناه، وقيلَ: إنها في محَلِّ رفعٍ على أنها مُبتدأٌ خبرُه محذوفٌ، أو خبرٌ مبتدؤُه محذوفٌ، أو في محلِّ نصبٍ بفعلٍ مقدَّرٍ؛ كاقْرَأْ ونحوِه، أو في محلِّ جرٍّ بواوِ القَسَمِ المحذوفةِ، وجَعَلَ بعضُهم مِن هذا النوعِ الأسماءَ قبلَ التركيبِ، وأسماءَ الهِجاءِ المسرودةَ، وأسماءَ العددِ المسرودةَ، وزادَ ابنُ مالكٍ أيضاًً نوعاً سادساً سَمَّاهُ الشَّبَهَ اللفظيَّ، وهو: أنْ يكونَ لفظُ الاسمِ كلفظِ حرفٍ من حروفِ المعاني، وذلك مِثلُ (حاشَا) الاسميَّةِ؛ فإنَّها أَشْبَهَتْ (حاشَا) الحرفيَّةَ في اللفظِ.
                        واعْلَمْ أنه قد يَجْتَمِعُ في اسمٍ واحدٍ مبنيٍّ شَبَهَانِ فأكثرُ، ومِن ذلك المُضْمَرَاتُ؛ فإنَّ فيها الشَّبَهَ المعنويَّ؛ إذ التكلُّمُ والخِطابُ والغَيبةُ من المعاني التي تَتَأَدَّى بالحروفِ، وفيها الشَّبَهُ الافتقاريُّ؛ لأنَّ كلَّ ضميرٍ يَفْتَقِرُ افتقاراً متأصِّلاً إلى ما يُفَسِّرُه، وفيها الشَّبَهُ الوضعيُّ، فإنَّ أغلبَ الضمائرِ وُضِعَ على حرفٍ أو حرفيْنِ، وما زادَ في وَضْعِه على ذلك فمحمولٌ عليه؛ طَرْداً للبابِ على وَتِيرةٍ واحدةٍ، وقد نَصَّ على ذلكَ ابنُ مالكٍ في مَتْنِ (التَّسْهِيلِ).
                        ([11]) (ومُعْرَبُ) مبتدأٌ، ومعربُ مضافٌ و(الأسماءِ) مضافٌ إليه، (مَا) اسمٌ موصولٌ في مَحَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، (قَدْ سَلِمَا) قد: حرفُ تحقيقٍ، وسَلِمَ: فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى ما، والجملةُ لا محلَّ لها من الإعرابِ صِلَةُ الموصولِ، والألفُ في (سَلِمَا) للإطلاقِ، (مِن شَبَهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: سَلِمَ، و(شَبَهِ) مضافٌ، و(الحرفِ) مضافٌ إليه، (كَأَرْضٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: وذلك كائنٌ كأرضٍ، (وَسُمَا) الواوُ حرفُ عطفٍ، سُمَا: معطوفٌ على أرضٍ، مجرورٌ بكسرةٍ مقدَّرةٍ على آخِرِه منَعَ من ظُهُورِها التعذُّرُ، وهو ـ بضمِّ السينِ مقصوراً ـ إحدَى اللغاتِ في اسمٍ كما سَيَذْكُرُه الشارِحُ، ونظيرُه في الوزنِ هُدًى وعُلاً وتُقًى وضُحًا.
                        وههنا سؤالٌ، وهو أنَّ الناظمَ في ترجمةِ هذا البابِ بَدَأَ بالمعربِ وثنَّى بالمبنيِّ فقالَ: (المُعْرَبُ والمبنيُّ) وحينَ أرادَ التقسيمَ بَدَأَ بالمعربِ أيضاًً فقالَ: (والاسمُ منه معربٌ ومَبْنِي) ولكنَّه حينَ بَدَأَ في التفصيلِ وتعريفِ كلِّ واحدٍ مِنهما بَدَأَ بالمبنيِّ وأَخَّرَ المعربَ، فما وَجْهُهُ؟
                        والجوابُ عن ذلك: أنه بَدَأَ في الترجمةِ والتقسيمِ بالمعرَبِ؛ لكونِه أشرفَ من المبنيِّ؛ بسببِ كونِه هو الأصلَ في الأسماءِ، وبَدَأَ في التعريفِ بالمبنيِّ لكونِه منحصِراً، والمعربُ غيرُ منحصِرٍ، ألاَ تَرَى أنَّ خُلاصةَ الكلامِ في أسبابِ البناءِ قد أَنْتَجَتْ أنَّ المبنيَّ مِن الأسماءِ سِتَّةُ أبوابٍ ليسَ غيرُ؟!.
                        ([12]) والمُتَمَكِّنُ الأمكنُ هو الذي يَدْخُلُهُ التنوينُ، إذَا خَلاَ مِن ألْ ومِن الإضافةِ، ويُجَرُّ بالكسرةِ، ويسمَّى المُنْصَرِفَ، والمُتَمَكِّنُ غيرُ الأمكنِ هو الذي لا يُنَوَّنُ، ولا يُجَرُّ بالكسرةِ إلاَّ إذا اقْتَرَنَ بألْ أو أُضِيفَ، ويُسَمَّى الاسمَ الذي لا يَنْصَرِفُ.

                        تعليق

                        • طارق شفيق حقي
                          المدير العام
                          • Dec 2003
                          • 11926

                          #27

                          هَذَا بَابُ شَرْحِ الْمُعْرَبِ وَالْمَبْنِي

                          الاسْمُ ضَرْبَانِ: مُعْرَبٌ، وَهُوَ الأَصْلُ، وَيُسَمَّى مُتَمَكِّناً، وَمَبْنِيٌّ، وَهُوَ الفرعُ، وَيُسَمَّى غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ([1]).
                          وَإِنَّمَا يُبْنَى الاسْمُ إِذَا أَشْبَهَ الحرفَ، وَأَنْوَاعُ الشَّبَهِ ثَلاثَةٌ:
                          أَحَدُهَا: الشَّبَهُ الوَضْعِيُّ، وَضَابِطُهُ: أَنْ يَكُونَ الاسْمُ عَلَى حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ ([2])، فَالأولُ: كَتَاءِ (قُمْتُ)؛ فَإِنَّهَا شَبِيهَةٌ بِنَحْوِ: بَاءِ الْجَرِّ وَلامِهِ، وَوَاوِ الْعَطْفِ وَفَائِهِ، وَالثَّانِي: كَنَا مِنْ (قُمْنَا)؛ فَإِنَّهَا شَبِيهَةٌ بِنَحْوِ: قَدْ وَبَلْ.
                          وَإِنَّمَا أُعْرِبَ نَحْوُ: (أَبٍ، وَأَخٍ)؛ لِضَعْفِ الشَّبَهِ بِكَوْنِهِ عَارِضاً، فَإِنَّ أَصْلَهُمَا أَبَوٌ وَأَخَوٌ، بِدَلِيلِ: أَبَوَانِ وَأَخَوَانِ.
                          وَالثَّانِي: الشَّبَهُ المَعْنَوِيُّ، وَضَابِطُهُ: أَنْ يَتَضَمَّنَ الاسْمُ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْحُرُوفِ، سَوَاءٌ وُضِعَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى حَرْفٌ أَمْ لا.
                          فَالأوَّلُ: كَمَتَى؛ فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ شَرْطاً، نَحْوُ: (مَتَى تَقُمْ أَقُمْ)، وَهِيَ حِينَئِذٍ شَبِيهَةٌ فِي الْمَعْنَى بـ (ِإِنِ) الشَّرْطِيَّةِ، وَتُسْتَعْمَلُ أَيْضاً اسْتِفْهَاماً نَحْوَ: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}([3])، وَهِيَ حِينَئِذٍ شَبِيهَةٌ فِي الْمَعْنَى بِهَمْزَةِ الاسْتِفْهَامِ.
                          وَإِنَّمَا أُعْرِبَتْ أَيٌّ الشرطيَّةُ فِي نَحْوِ: {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} ([4])، والاستفهاميَّةُ فِي نَحْوِ: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ}([5])؛ لِضَعْفِ الشَّبَهِ بِمَا عَارَضَهُ منْ مُلازَمَتِهَا للإضافةِ الَّتِي هِيَ منْ خَصَائِصِ الأسماءِ ([6]).
                          وَالثَّانِي نَحْوُ: (هُنَا)؛ فَإِنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِمَعْنَى الإشارةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ تَضَعِ الْعَرَبُ ([7]) لَهُ حَرْفاً، وَلَكِنَّهُ مِن الْمَعَانِي الَّتِي مِنْ حَقِّهَا أَنْ تُؤَدَّى بالحروفِ؛ لأَنَّهُ كَالخطابِ وَالتَّنْبِيهِ، فَهُنَا مُسْتَحِقَّةٌ للبناءِ؛ لِتَضَمُّنِهَا لِمَعْنَى الحرفِ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّ الوضعَ.
                          وَإِنَّمَا أُعْرِبَ (هَذَانِ وَهَاتَانِ) مَعَ تَضَمُّنِهِمَا لِمَعْنَى الإشارةِ؛ لِضَعْفِ الشَّبَهِ بِمَا عَارَضَهُ منْ مَجِيئِهَا عَلَى صُورَةِ الْمُثَنَّى، وَالتَّثْنِيَةُ منْ خَصَائِصِ الأسماءِ ([8]).
                          الثَّالِثُ: الشَّبَهُ الاسْتِعْمَالِيُّ، وَضَابِطُهُ: أَنْ يَلْزَمَ الاسْمُ طريقةً مِنْ طَرَائِقِ الْحُرُوفِ، كَأَنْ يَنُوبَ عَن الْفِعْلِ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهِ عاملٌ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ، وَكَأَنْ يَفْتَقِرَ افْتِقَاراً مُتَأَصِّلاً إِلَى جُمْلَةٍ ([9]).
                          فالأوَّلُ: كـ (هَيْهَاتَ، وَصَهْ، وَأَوَّهْ)؛ فَإِنَّهَا نَائِبَةٌ عَنْ: بَعُدَ وَاسْكُتْ وَأَتَوَجَّعُ، وَلا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ العواملِ فَتَتَأَثَّرَ بِهِ، فَأَشْبَهَتْ (لَيْتَ وَلَعَلَّ) مَثَلاً، أَلا تَرَى أَنَّهُمَا نَائِبَانِ عَنْ (أَتَمَنَّى وَأَتَرَجَّى) وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا عَامِلٌ؟! وَاحْتَرَزَ بِانْتِفَاءِ التَّأَثُّرِ من الْمَصْدَرِ النائبِ عَنْ فِعْلِهِ، نَحْوَ: (ضَرْباً) فِي قَوْلِكَ: (ضَرْباً زَيْداً)؛ فَإِنَّهُ نَائِبٌ عَنْ (اضْرِبْ)، وَهُوَ مَعَ هَذَا مُعْرَبٌ؛ وَذَلِكَ ([10]) لأَنَّهُ تَدْخُلُ عَلَيْهِ العواملُ فَتُؤَثِّرُ فِيهِ، تَقُولُ: (أَعْجَبَنِي ضَرْبُ زَيْدٍ، وَكَرِهْتُ ضَرْبَ عَمْرٍو، وَعَجِبْتُ مِنْ ضَرْبِهِ).
                          وَالثَّانِي: كَإِذْ وَإِذَا وَحَيْثُ ([11]) وَالمَوْصُولاتِ، أَلا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: (جِئْتُكَ إِذْ)، فَلا يَتِمُّ مَعْنَى (إِذْ) حَتَّى تَقُولَ (جَاءَ زَيْدٌ) وَنَحْوَهُ، وَكَذَلِكَ الْبَاقِي؟! وَاحْتَرَزَ بِذِكْرِ الأَصَالَةِ مِنْ نَحْوِ: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}([12])، فَـ (يَوْمُ) مُضَافٌ إِلَى الجملةِ، وَالمُضَافُ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَلَكِنَّ هَذَا الافتقارَ عَارِضٌ فِي بَعْضِ التراكيبِ، أَلا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: (صُمْتُ يَوْماً، وَسِرْتُ يَوْماً)، فَلا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ؟! وَاحْتَرَزَ بِذِكْرِ الجملةِ منْ نَحْوِ: (سُبْحَانَ)، وَ (عِنْدَ)؛ فَإِنَّهُمَا مُفْتَقِرَانِ فِي الأصالةِ لَكِنْ إِلَى مُفْرَدٍ، تَقُولُ: (سُبْحَانَ اللَّهِ) ([13])، وَ (جَلَسْتُ عِنْدَ زَيْدٍ).
                          وَإِنَّمَا أُعْرِبَ (اللَّذَانِ وَاللَّتَانِ) وَ(أَيُّ) الموصولةُ فِي نَحْوِ: (اضْرِبْ أَيَّهُمْ أَسَاءَ)؛ لِضَعْفِ الشَّبَهِ بِمَا عَارَضَهُ مِنَ المَجِيءِ عَلَى صُورَةِ التَّثْنِيَةِ، وَمِنْ لُزُومِ الإضافةِ([14]).
                          وَمَا سَلِمَ منْ مشابهةِ الحرفِ فَمُعْرَبٌ، وَهُوَ نَوْعَانِ: مَا يَظْهَرُ إِعْرَابُهُ، كَأَرْضٍ، تَقُولُ: (هَذِهِ أَرْضٌ، وَرَأَيْتُ أَرْضاً، وَمَرَرْتُ بِأَرْضٍ)، وَمَا لا يَظْهَرُ إِعْرَابُهُ كَالْفَتَى، تَقُولُ: (جَاءَ الْفَتَى، وَرَأَيْتُ الْفَتَى، وَمَرَرْتُ بالفَتَى)، وَنَظِيرُ (الْفَتَى): سُماً – كَهُدًى -، وَهِيَ لُغَةٌ فِي (الاسْمِ)، بِدَلِيلِ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: (مَا سُمَاكَ؟)، حَكَاهُ صَاحِبُ الإفصاحِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ:



                          5 - وَاللَّهُ أَسْمَاكَ سُماً مُبَارَكَا

                          فَلا دَلِيلَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لأَنَّهُ مَنْصُوبٌ مُنَوَّنٌ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الأَصْلَ: سُمٌ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ الناصبُ فَفُتِحَ، كَمَا تَقُولُ فِي يَدٍ: (رَأَيْتُ يَداً).
                          فَصْلٌ: والفعلُ ضَرْبَانِ: مَبْنِيٌّ، وَهُوَ الأَصْلُ ([16])، وَمُعْرَبٌ، وَهُوَ بِخِلافِهِ، فَالْمَبْنِيُّ نَوْعَانِ:
                          أَحَدُهُمَا: الماضِي ([17])، وَبِنَاؤُهُ عَلَى الْفَتْحِ: كَضَرَبَ، وَأَمَّا (ضَرَبْتُ) وَنَحْوُهُ، فالسكونُ عَارِضٌ أَوْجَبَهُ كَرَاهَتُهُم تَوَالِيَ أَرْبَعِ مُتَحَرِّكَاتٍ فِيمَا هُوَ كالكلمةِ ([18])الْوَاحِدَةِ، وَكَذَلِكَ ضَمَّةُ (ضَرَبُوا) عَارِضَةٌ لمناسبةِ الْوَاوِ.



                          ([1]) هَذَا الَّذِي تُقَيِّدُهُ عِبَارَةُ المُؤَلِّفِ، مِنْ أَنَّ الاسمَ مُنْحَصِرٌ فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ: المُعْرَبِ وَالمَبْنِي - هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمْهَرَةُ النُّحَاةِ مِن الْكُوفِيِّينَ والبَصْرِيِّينَ، وَذَهَبَ بَعْضُ النُّحَاةِ إِلَى أَنَّ المُضَافَ إِلَى ياءِ المُتَكَلِّمِ نَحْوَ: أَبِي، وأَخِي، وَغُلامِي، قِسْمٌ ثَالِثٌ لا مُعْرَبٌ وَلا مَبْنِيٌّ: أَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ مُعْرَباً؛ فلأنَّهُ مُلازِمٌ لحركةٍ واحدةٍ، وَهِيَ الكسرةُ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَبْنِيًّا؛ فلأنَّهُ لَمْ يُشْبِهِ الحرفَ. وَهَذَا كَلامٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ بَلْ هُوَ مِنْ نوعِ المُعْرَبِ، وَالحركاتُ مُقَدَّرَةٌ عَلَى مَا قَبْلَ الياءِ، مِثْلُ تَقْدِيرِهَا عَلَى آخِرِ الاسمِ المقصورِ وعلى آخِرِ الاسمِ المنقوصِ، والمانعُ مِنْ ظُهُورِهَا وُجُودُ حركةِ المناسبةِ لِيَاءِ المُتَكَلِّمِ وَهِيَ الكسرةُ.
                          ([2]) سَوَاءٌ أَكَانَ ثَانِي الحَرْفَيْنِ حَرْفَ لِينٍ أَمْ لَمْ يَكُنْ، عَلَى الرَّاجِحِ: فَمَا كَانَ ثَانِيهِ حَرْفَ لِينٍ مِن الحروفِ، مِثْلُ: مَا وَلا، وَمِنَ الأسماءِ المُشْبِهَةِ لَهَا مِثْلُ: نَا، وَمَا كَانَ ثَانِيهِ غَيْرَ حَرْفِ لِينٍ مِن الحروفِ، مِثْلُ: هَلْ وَبَلْ وَقَدْ، وَمِنَ الأسماءِ المشبهةِ لَهَا: كَمْ وَمَنْ. وَادَّعَى الشَّاطِبِيُّ أَنَّ أَصْلَ وَضْعِ الحرفِ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ أَوْ حَرْفَيْنِ ثَانِيهِمَا حَرْفُ لِينٍ، وَهُوَ خلافُ مَا يَرَاهُ المُحَقِّقُونَ.
                          ([3]) سُورَةُ البقرةِ، الآيَةُ: 214.
                          ([4]) سُورَةُ القَصَصِ، الآيَةُ: 28.
                          ([5]) سُورَةُ الأنعامِ، الآيَةُ: 81.
                          ([6]) فَإِنْ قُلْتَ: فَلِمَاذَا بُنِيَتْ (لَدُنْ) مع أَنَّهَا مُلازِمَةٌ للإضافةِ مثلُ أَيٍّ؟
                          فَالجوابُ عَنْ ذَلِكَ: أَنْ نُذَكِّرَكَ أَوَّلاً بِأَنَّ للعربِ فِي لَدُنْ لُغَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: الإعرابُ، وَهِيَ لُغَةُ قَيْسٍ، وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ هَذَا السؤالُ وَيُصْبِحُ كَلامُ النُّحَاةِ مُسْتَقِيماً، وَهُوَ أَنَّ الإضافةَ الَّتِي هِيَ مِنْ خصائصِ الأسماءِ إِذَا لازَمَتْ كلمةً، وَكَانَ فِي هَذِهِ الكلمةِ شَبَهٌ للحرفِ عَارَضَ لُزُومُ الإضافةِ شَبَهَ الحرفِ، فَبَقِيَتْ عَلَى مَا هُوَ الأصلُ فِي الاسمِ، وَهُوَ الإعرابُ.
                          وَاللغةُ الثانيةُ فِي (لَدُن): البناءُ، وَهِيَ لغةُ عَامَّةِ الْعَرَبِ، وَيُعْتَذَرُ عَنْ هَذِهِ اللُّغَةِ بأنَّ هَؤُلاءِ قَدْ وَجَدُوا فِي لَدُنْ شَبَهاً للحرفِ مِنْ جهةِ اللفظِ؛ لأنَّهُم قَدْ قَالُوا فِيهَا: (لَدُ)، فَهِيَ عَلَى حَرْفَيْنِ، كَمَا وَجَدُوا فِيهَا شَبَهاً مَعْنَوِيًّا؛ لأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِمَعْنًى نِسْبِيٍّ، وَهُوَ أَوَّلُ الغايةِ فِي الزمانِ أَوِ المكانِ، وَوَجَدُوا فِيهَا شَبَهاً اسْتِعْمَالِيًّا، وَهُوَ لُزُومُ اسْتِعْمَالِهَا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَامْتِنَاعُ الإخبارِ بِهَا أَوْ عَنْهَا، بِخِلافِ (عِنْدَ) الَّتِي بِمَعْنَاهَا، فَإِنَّهَا تَجِيءُ فَضْلَةً وَتَجِيءُ عُمْدَةً، فَلَمَّا وَجَدُوهَا قَوِيَّةَ الشَّبَهِ بالحَرْفِ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ، جَنَحُوا إِلَى اعتبارِ هَذَا الشبهِ، وَلَمْ يُبَالُوا بالإضافةِ.
                          ([7]) قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ اللامَ العَهْدِيَّةَ يُشَارُ بِهَا إِلَى مَعْهُودٍ ذِهْناً، وَهِيَ حَرْفٌ، فَقَدْ وَضَعُوا للإشارةِ حَرْفاً هُوَ أل العَهْدِيَّةُ، غَايَةُ مَا فِي البابِ أَنَّهَا للإشارةِ الذِّهْنِيَّةِ، وَلا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الخَارِجِيَّةِ.
                          ([8]) اعْلَمْ أَوَّلاً أَنَّ للنحاةِ فِي (هَذَيْنِ) وَ (هَاتَيْنِ) نَصْباً وَجَرًّا، وَ (هَذَانِ) وَ (هَاتَانِ) رَفْعاً - مَذْهَبَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُثَنَّيَاتٌ حَقِيقَةً، وَأَنَّهَا مُعْرَبَاتٌ بِالألفِ رَفْعاً وَبالياءِ نَصْباً وَجَرًّا كَسَائِرِ المُثَنَّيَاتِ، وَوَجْهُ هَذَا المَذْهَبِ أَنَّهُ قَدْ عَارَضَ شَبَهَ الحرفِ مَا هُوَ مِنْ خصائصِ الأسماءِ وَهُوَ التَّثْنِيَةُ.
                          وثانِي المَذْهَبَيْنِ: أَنَّ هَذِهِ الألفاظَ لَيْسَتْ مُثَنَّيَاتٍ حَقِيقَةً، وَأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ، وَوَجْهُ هَذَا المَذْهَبِ: أَنَّهَا فَارَقَتِ المُثَنَّيَاتٍ الحقيقيَّةَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
                          الأوَّلُ: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُثَنَّيَاتٍ حَقِيقَةً لَقِيلَ فِي حالةِ الرفعِ: هَذَيَانِ وَهَاتَيَانِ، كَمَا يُقَالُ: فَتَيَانِ، وَلَقِيلَ فِي حَالَتَي النَّصْبِ والجرِّ (هَذَيَيْنِ وَهَاتَيَيْنِ)، كَمَا يُقَالُ: فَتَيَيْنِ.
                          والثَّانِي: أَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّثْنِيَةِ الحقيقيَّةِ قَبُولَ التَّنْكِيرِ؛ أَلا تَرَى أَنَّكَ لا تُثَنِّي زَيْداً الْعَلَمَ حَتَّى تَعْتَقِدَ تَنْكِيرَهُ، ثُمَّ إِذَا أَرَدْتَ تَعْرِيفَهُ بَعْدَ التثنيةِ أَدْخَلْتَ عَلَيْهِ أل، فَقُلْتَ: الزَّيْدَانِ وَالزَّيْدَيْنِ؟! وَأَسْمَاءُ الإشارةِ لا تَقْبَلُ التَّنْكِيرَ بِحَالٍ.
                          فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الأسماءُ مُثَنَّيَاتٍ - حَقِيقَةً لِمَا ذَكَرْنَا - لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ عَارَضَ شَبَهَ الحرفِ شَيْءٌ مِنْ خَصَائِصِ الأسماءِ، غَايَةُ مَا فِي البابِ: أَنَّ الْعَرَبَ وَضَعُوا للمُشَارِ إِلَيْهِ فِي حالةِ الرفعِ إِذَا كَانَ مُثَنًّى: هَذَانِ وَهَاتَانِ، وَلَهُ فِي حَالَتَي الجَرِّ وَالنَّصْبِ: هَذَيْنِ وَهَاتَيْنِ، فَهِيَ أَلْفَاظٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى صورةِ الْمُثَنَّى فِي بَادِئِ الأَمْرِ، فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ كَلامَ المُؤَلِّفِ مُلَفَّقٌ مِنَ المَذْهَبَيْنِ، فَصَدْرُهُ يُوَافِقُ المذهبَ الأَوَّلَ القَائِلَ بِإِعْرَابِ هَذِهِ الألفاظِ، وَعَجُزُهُ يُوَافِقُ المذهبَ الثانيَ القَائِلَ بِبِنَائِهَا، حَتَّى قَالَ الشيخُ خَالِدٌ: (إِذَا جُمِعَ بَيْنَ طَرَفَي الْكَلامِ أُنْتِجَ كَوْنُهُمَا مُعْرَبَيْنِ مَعَ عَدَمِ تَثْنِيَتِهِمَا، وَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ) اهـ.
                          ([9]) يَقُومُ مَقَامَ الجملةِ شَيْئَانِ، الأوَّلُ: الوَصْفُ الصَّرِيحُ مع أل المَوْصُولَةِ، نَحْوَ: (الضَّارِبُ وَالمَضْرُوبُوالثانِي: التَّنْوِينُ المُعَوَّضُ بِهِ عَن الجملةِ فِي (إِذْ)، نَحْوَ: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ}، وَفِي إِذاً نَحْوَ: {ثم لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.
                          ([10]) إِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ العواملُ فَتُؤَثِّرُ فِيهِ إِذَا نَابَ عَنْ أَن المَصْدَرِيَّةِ وَالفعلِ، والأمثلةُ الثلاثةُ مِمَّا نَابَ فِيهِ الْمَصْدَرُ عَنْ أَنْ والفعلِ، وَلَيْسَ مِنَ الْمَصْدَرِ الَّذِي نَابَ عَنْ فِعْلِ الأَمْرِ.
                          ([11]) فَإِنْ قُلْتَ: إِذْ وَإِذَا مُلازِمَانِ للإضافةِ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الإضافةَ مِمَّا يَخْتَصُّ بالأسماءِ، فَلِمَاذَا لَمْ يُعْرَبَا كَمَا أُعْرِبَتْ أَيُّ الشَّرْطِيَّةُ وَالاستفهاميَّةُ لِمُلازِمَتِهِمَا للإضافةِ؟
                          فالجوابُ عَنْ ذَلِكَ: أَنْ نُبَيِّنَ لَكَ أَنَّ ملازمةَ الإضافةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ، الأوَّلُ: مُلازَمَةُ الإضافةِ إِلَى مُفْرَدٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَارِضُ شَبَهَ الحرفِ، وَبِسَبَبِهِ أُعْرِبَتْ (أَيّ)؛ لأَنَّهَا مُلازِمَةٌ للإضافةِ إِلَى مُفْرَدٍ، والثاني: ملازمةُ الإضافةِ إِلَى جملةٍ، وَهَذَا النوعُ الثاني لا يُعَارِضُ شَبَهَ الحرفِ، وَ(إِذْ وَإِذَا) يُلازِمَانِ الإضافةَ للجملةِ، فَلا يُعَارِضُ ذَلِكَ مُشَابَهَتُهُمَا للحرفِ؛ لأَنَّ الإضافةَ للجملةِ فِي تقديرِ الانفصالِ، فَكَأَنَّهُ لا إضافةَ، فَافْهَمْ ذَلِكَ.
                          ([12]) سُورَةُ المائدةِ، الآيَةُ: 119.
                          ([13]) مَا ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ (سُبْحَانَ) مُلازِمٌ للإضافةِ إِلَى مُفْرَدٍ، هُوَ المشهورُ عِنْدَ أَهْلِ اللغةِ والنحوِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ (سُبْحَانَ) يُسْتَعْمَلُ غَيْرَ مُضَافٍ، وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى اسْتِعْمَالِهِ غَيْرَ مُضَافٍ بِقَوْلِ الأَعْشَى مَيْمُونٍ:


                          أقول لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ

                          وَهُوَ شَاذٌّ عِنْدَ الأَوَّلِينَ.
                          قَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي (المخصصِ) 17/163: (وَأَمَّا سُبْحَانَ اللَّهِ، فَأَرَى سُبْحَانَ مَصْدَرَ فِعْلٍ لا يُسْتَعْمَلُ، كَأَنَّهُ قَالَ: سَبَّحَ سُبْحَاناً، كَمَا تَقُولُ: كَفَرَ كُفْرَاناً، وَشَكَرَ شُكْرَاناً، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى التَّنْزِيهِ وَالْبَرَاءَةِ، ولم يَتَمَكَّنْ فِي مَوَاضِعِ المصادرِ؛ لأَنَّهُ لا يَأْتِي إِلاَّ مَصْدَراً مَنْصُوباً مُضَافاً وغيرَ مُضَافٍ، وَإِذَا لَمْ يُضَفْ تُرِكَ صَرْفُهُ، فَقِيلَ: سُبْحَانَ مِنْ زَيْدٍ؛ أَيْ: بَرَاءَةٌ مِنْهُ، كَمَا قَالَ: (وَأَنْشَدَ عَجُزَ بَيْتِ الأَعْشَى)، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلامٍ: وَقَدْ يَجِيءُ سُبْحَانَ فِي الشِّعْرِ مُنَوَّناً كَقَوْلِ أُمَيَّةَ:




                          ([14]) أَمَّا قَوْلُهُ: (لِضَعْفِ الشَّبَهِ بِمَا عَارَضَهُ مِنَ المَجِيءِ عَلَى صورةِ التثنيةِ)، فَهُوَ راجعٌ إِلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ إعرابِ (اللَّذَيْنِ) و (اللَّتَيْنِ)، وَهُوَ كَلامٌ يَجْرِي فِيهِ نفسُ الْكَلامِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي (هَذَيْنِ) وَ (هَاتَيْنِ). وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَمِنْ لُزُومِ الإِضَافَةِ)، فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى (أَيّ)، وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي (أَيّ) الموصولةِ الشَّبَهُ الافْتِقَارِيُّ؛ لأَنَّهَا مُفْتَقِرَةٌ افْتِقَاراً مُتَأَصِّلاً إِلَى جملةٍ تَكُونُ صِلَةً لَهَا، وَهَذَا الشَّبَهُ يَقْتَضِي البناءَ، لَكِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مُلازِمَةً للإضافةِ إِلَى مُفْرَدٍ، عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الإضافةِ، وَكَانَتِ الإضافةُ مِنْ خَصَائِصِ الأسماءِ - فَقَدْ عَارَضَ هَذَا الشَّبَهَ مَا يَقْتَضِي الإعرابَ، فَلِذَلِكَ أُعْرِبَتْ.
                          5 - هَذَا بَيْتٌ مِنَ الرَّجَزِ المَشْطُورِ، يَقُولُهُ ابْنُ خَالِدٍ الْقَنَانِيُّ: بِفَتْحِ القافِ وَالنُّونِ المُخَفَّفَةِ، نِسْبَةً إِلَى قَنَانَ، وَهُوَ جَبَلٌ لِبَنِي أَسَدٍ، فِيهِ ماءٌ يُسَمَّى العُسَيْلَةَ، وَبَعْدَهُ قَوْلُهُ:


                          آثَرَكَ اللَّهُ بِهِ إِيثَارَكَا

                          اللُّغَةُ: (أَسْمَاكَ) يُرِيدُ: أَلْهَمَ آلَكَ أَنْ يُسَمُّوكَ. (سُماً) بِضَمِّ السينِ مَقْصُوراً - كَهُدًى، وَتُقًى، وَضُحًى -: الاسمُ، وَسَتَعْرِفُ مَا فِيهِ. (آثَرَكَ) مَيَّزَكَ وَاخْتَصَّكَ. (إِيثَارَكَا) هُوَ مَصْدَرٌ، وَضَمِيرُ المُخَاطَبِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولَهُ، عَلَى مَا سَتَعْرِفُهُ فِي إعرابِ البيتِ وَبَيَانِ مَعْنَاهُ.
                          المَعْنَى: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَلْهَمَ أَهْلَكَ أَنْ يُسَمُّوكَ اسْماً مَيْمُوناً مُبَارَكاً، وَإِنَّ اللَّهَ سبحانَهُ قَدْ مَيَّزَكَ بهذا الاسمِ عَن النَّاسِ وَاخْتَصَّكَ بِهِ مِنْ دُونِهِمْ، كَمَا آثَرَكَ بالعقلِ والحكمةِ والفضلِ، أَوْ كَمَا تُؤْثِرُ أَنْتَ خَلْقَ اللَّهِ بالمعروفِ وَالْعَطَايَا.
                          الإعرابُ: (اللَّهُ) مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (أَسْمَاكَ) أَسْمَى: فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى فتحٍ مُقَدَّرٍ عَلَى الأَلِفِ، مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهِ التَّعَذُّرُ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً، تَقْدِيرُهُ هُوَ، يَعُودُ إِلَى اسْمِ الجلالةِ، وَضَمِيرُ المُخَاطَبِ مَفْعُولٌ بِهِ أَوَّلُ لأَسْمَى، (سُماً) مَفْعُولٌ بِهِ ثَانٍ مَنْصُوبٌ بفتحةٍ ظاهرةٍ أَوْ بِفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ المحذوفةِ، مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي ذِكْرِ الاستشهادِ، (مُبَارَكاً) نَعْتٌ لِسُماً مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وَجُمْلَةُ الفعلِ الماضي وفاعلِهِ ومفعولَيْهِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ المُبْتَدَإِ، (آثَرَكَ) آثَرَ: فِعْلٌ مَاضٍ، وَضَمِيرُ المُخَاطَبِ مَفْعُولُهُ، (اللَّهُ) فَاعِلُهُ، (بِهِ) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِآثَرَ، (إِيثَارَكَا) إِيثَار: مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ عَامِلُهُ (آثَرَ) مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وَهُوَ مُضَافٌ وَضَمِيرُ المُخَاطَبِ مُضَافٌ إِلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ المخاطبِ فَاعِلاً بِالْمَصْدَرِ، وَقَدْ حُذِفَ مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ، وَالأصلُ: إِيثَارَكَ النَّاسَ بالخيرِ وَالمَعْرُوفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الضميرُ مَفْعُولاً للمصدرِ، وَقَدْ حُذِفَ الفاعلُ، وَالأصلُ: إِيثَارَهُ إِيَّاكَ بالحكمةِ والعقلِ والفضلِ، وَعَلَى الأوَّلِ مَحَلُّ الضميرِ رَفْعٌ، وَعَلَى الثاني مَحَلُّ الضميرِ نَصْبٌ، وَالأَلِفُ عَلَى الْحَالَيْنِ أَلِفُ الإطلاقِ.
                          الشَّاهِدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (سُماً) فَإِنَّهُ لُغَةٌ فِي (الاسمِ) مِنْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لُغَةً سَنَذْكُرُهَا، وَوُرُودُ هَذِهِ اللفظةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لا يَصْلُحُ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ الكلمةَ مَقْصُورَةٌ، مِثْلُ (هُدًى)؛ لأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةَ الآخرِ نَظِيرَ: أَبٍ وَأَخٍ وَدَمٍ وَيَدٍ؛ فَإِنَّكَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الألفاظِ فِي حالةِ النَّصْبِ: رَأَيْتُ أَباً وَأَخاً وَدَماً وَيَداً، وَهِيَ حِينَئِذٍ مَنْصُوبَةٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ تكونَ كلمةُ (سُماً) فِي البيتِ مَقْصُورَةً، مِثْلُ: هُدًى وَتُقًى وَضُحًى؛ فَإِنَّكَ تَقُولُ: اهْتَدَيْتُ هُدًى، كَمَا قَالَ الشاعرُ: أَسْمَاكَ سُماً، وَهِيَ حِينَئِذٍ مَنْصُوبَةٌ بفتحةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ المحذوفةِ للتَّخَلُّصِ مِن التقاءِ الساكنَيْنِ، مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ.
                          نَعَمْ لَوْ قُلْتَ: (هَذَا سُماً مُبَارَكٌ) تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُوراً، إِذْ لَوْ كَانَ صَحِيحَ الآخرِ لَقُلْتَ: (هَذَا سُمٌ مُبَارَكٌ)؛ وَلِهَذَا صَحَّ الاستدلالُ بِمَا حَكَاهُ المُصَنِّفُ عَنْ صاحبِ (الإفصاحِ) مِنْ قَوْلِهِمْ: (مَا سُمَاكَ؟)؛ إِذْ لَوْ جَاءَ بِهِ عَلَى اللغةِ الأُخْرَى لَقَالَ: (مَا سُمُكَ؟) بِضَمِّ المِيمِ، فَتَدَبَّرْ هَذَا.
                          وَيَحْتَمِلُ الوَجْهَيْنِ أَيْضاً قَوْلُ الشاعرِ:




                          أَمَّا لُغَاتُ (الاسمِ)، فَهِيَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لُغَةً، جَمَعَهَا الْعَلاَّمَةُ الدنوشريُّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مِنَ الطويلِ، فَقَالَ:



                          ([16]) المرادُ بالأصلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الغَالِبُ، أَوْ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ جَاءَ عَلَى مَا هُوَ الأصلُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لا يُسْأَلُ عَنْ عِلَّتِهِ؛ وَلِهَذَا لا يُسْأَلُ عَنْ عِلَّةِ بِنَاءِ الفعلِ الماضِي والفِعْلِ الأَمْرِ، وَكُلُّ شَيْءٍ جَاءَ عَلَى خلافِ مَا هُوَ الأصلُ فِيهِ لَزِمَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ عِلَّةِ خُرُوجِهِ عَن الأصلِ؛ وَلِهَذَا يُسْأَلُ عَنْ عِلَّةِ إعرابِ الفعلِ المضارعِ، وَهِيَ مُشَابَهَتُهُ للاسمِ الَّذِي الأصلُ فِيهِ الإعرابُ، وَإِنَّمَا كَانَ الأصلُ فِي الفعلِ البناءَ؛ لِكَوْنِهِ لا تَعْرِضُ لَهُ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ تَفْتَقِرُ فِي التَّمْيِيزِ إِلَى الإعرابِ، وَإِنَّمَا كَانَ الأصلُ فِي الاسمِ الإعرابَ؛ لِكَوْنِهِ يَعْرِضُ لَهُ أَنْ تَطْرَأَ عَلَيْهِ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ تَفْتَقِرُ إِلَيْهِ كالفاعليَّةِ والمفعوليَّةِ والإضافةِ.
                          ([17]) قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الأصلَ فِي الفعلِ البناءُ، وَعَرَفْتَ أَنَّ كُلَّ مَا جَاءَ عَلَى مَا هُوَ الأصلُ فِيهِ لا يُسْأَلُ عَنْ عِلَّةِ مَجِيئِهِ كذلكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأصلَ فِي المَبْنِيِّ أَنْ يَكُونَ بِنَاؤُهُ عَلَى السكونِ - لِخِفَّتِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الفصلِ التَّالِي -، فَمَا بُنِيَ عَلَى حركةٍ مُعَيَّنَةٍ يُسْأَلُ فِيهِ سُؤَالانِ، أَوَّلُهُمَا: لِمَاذَا بُنِيَ عَلَى حركةٍ وَلَمْ يُبْنَ عَلَى السكونِ؟
                          وَثَانِيهِمَا: لِمَاذَا كَانَتِ الحركةُ هِيَ خصوصَ الفتحةِ مَثَلاً؟ وَإِنَّمَا بُنِيَ الماضِي عَلَى حركةٍ لِكَوْنِهِ أَشْبَهَ المضارعَ المُعْرَبَ فِي وُقُوعِ كُلٍّ مِنْهُمَا صِفَةً وَصِلَةً وَحَالاً وَخَبَراً، وَإِنَّمَا كَانَ بِنَاؤُهُ عَلَى الفتحِ؛ لِكَوْنِ الفتحِ أَخَفَّ الحركاتِ مع كونِ الفعلِ ثَقِيلاً بِسَبَبِ دَلالتِهِ عَلَى شَيْئَيْنِ هُمَا الحَدَثُ والزَّمَانُ، فَلَوْ أَنَّهُ بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ لاجْتَمَعَ فِيهِ ثَقِيلانِ، فَطَلَبُوا فِي نُطْقِهِمُ التَّخَفُّفَ مِنْ أَحَدِ الثَّقِيلَيْنِ، فَجَاؤُوا بِهِ مَفْتُوحاً.
                          ([18]) اعْلَمْ أَنَّ الفعلَ والفاعلَ كالكلمةِ الواحدةِ؛ لِشِدَّةِ ارْتِبَاطِ أَحَدِهِمَا بالآخرِ، وَلِأنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ الفعلُ عَن الفاعلِ أَصْلاً، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ لا يَأْتُونَ بِكَلِمَةٍ يَتَوَالَى فِيهَا أَرْبَعَةُ مُتَحَرِّكَاتٍ أَصْلاً، فَإِذَا رَأَيْتَ فِي الْكَلامِ كلمةً تَوَالَى فِيهَا أربعةُ مُتَحَرِّكَاتٍ، فَاعْلَمْ أَنَّ لِذَلِكَ عِلَّةً، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: بَقَرَةٌ، وَشَجَرَةٌ، وكَلِمَةٌ، فَإِنَّ هَذِهِ التاءَ عَلَى نِيَّةِ الانفصالِ والطَّرْحِ، فَلَمْ يَعْتَبِرُوهَا مِنْ حُرُوفِ الكلمةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: (عُلَبِط، وَهُدَبِد) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ فِيهِمَا، فَإِنَّ أَصْلَ هَاتَيْنِ الكَلِمَتَيْنِ (هُدَابِد، وَعُلابِط) بِأَلِفٍ ساكنةٍ بَعْدَ ثَانِيهِمَا، فَحُذِفَت الأَلِفُ وَهِيَ مُقَدَّرَةُ الثبوتِ.
                          وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُم اعْتَبَرُوا الفعلَ والفاعلَ كالكلمةِ الواحدةِ أَنَّهُم إِذَا قَالُوا: (ضَرَبْتُ، وَضَرَبْنَا، وَضَرَبْنَ) بِإِسْنَادِ الفعلِ إِلَى ضميرِ الرفعِ المُتَحَرِّكِ سَكَّنُوا آخِرَ الفعلِ للعلةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَإِذَا أَرَادُوا المفعولَ قَالُوا: (ضَرَبَنَا زَيْدٌ)، فَلَمْ يُسَكِّنُوا آخِرَ الفعلِ، بَلْ أَبْقَوْهُ عَلَى فَتْحِهِ؛ لأَنَّ الفعلَ والمفعولَ لَيْسَا كالكلمةِ الواحدةِ، وَيَقُولُونَ: (ضَرَبَكَ، وَضَرَبَهُ، وَضَرَبَهَا) بِفَتْحِ الْبَاءِ فِيهِنَّ.

                          تعليق

                          • طارق شفيق حقي
                            المدير العام
                            • Dec 2003
                            • 11926

                            #28
                            المُعْرَبُ والْمَبْنِيُّ
                            الْمُعْرَبُ والْمَبْنِيُّ مِن الأسماءِ وسببُ البناءِ


                            الاسمُ قِسمانِ: مُعْرَبٌ ومَبْنِيٌّ.
                            فالْمُعْرَبُ: ما يَتَغَيَّرُ آخِرُه بسببِ العوامِلِ الداخِلَةِ عليه، مِثلُ: حضَرَ الضَّيْفُ، صافَحْتُ الضيفَ، فَرِحْتُ بالضيفِ، فالأوَّلُ: مرفوعٌ؛ لأنه معمولٌ لعامِلٍ يَقْتَضِي الرفْعَ على الفاعِلِيَّةِ، وهو (حَضَرَ)، والثاني: منصوبٌ لتَغَيُّرِ العامِلِ بعامِلٍ آخَرَ يَقْتَضِي النَّصْبَ على الْمَفعوليَّةِ، وهو الفعْلُ (صَافَحْتُ)، والثالثُ: مجرورٌ لتَغَيُّرِ العامِلِ بعامِلٍ آخَرَ يَقْتَضِي الْجَرَّ وهو الباءُ.
                            والْمَبْنِيُّ: ما يَلْزَمُ حالةً واحدةً، ولا يَتغيَّرُ آخِرُه بسَببِ ما يَدْخُلُ عليه، مثلُ: هذا الطالِبُ فازَ على زُملائِه، هَنَّأْتُ هذا الطالِبَ، سَلَّمْتُ على هذا الطالِبِ.
                            وسببُ بِناءِ الاسمِ مُشابَهَتُه الحرْفَ في وجهٍ مِن الأَوْجُهِ التي سيَذْكُرُها.
                            ومعنى البيتِ: أنَّ الاسمَ منه ما هو مُعْرَبٌ، ومنه ما هو مَبْنِيٌّ بسببِ الشَّبَهِ الذي قَرَّبَه مِن الْحَرْفِ. وقولُه: (مُدْنِي) اسمُ فاعلٍ مِن (أَدْنَى) مِن قولِكَ: أَدْنَيْتُ الشيءَ مِن الشيءِ، إذا قَرَّبْتَه منه، والياءُ زائدةٌ للإشباعِ؛ لأنَّ ياءَ المنقوصِ الْمُنَكَّرِ غيرِ المنصوبِ تُحْذَفُ وُجوباً، نحوُ: هذا ساعٍ إلى الخيرِ.
                            أنواعُ شَبَهِ الاسمِ بالحرْفِ

                            ذَكَرَ في البيتيْنِ أَوْجُهَ شَبَهِ الاسمِ بالحرْفِ، الذي اقْتَضَى بناءَ الاسمِ، وهذا الشبَهُ مَشروطٌ فيه عَدَمُ وُجودِ مُعارِضٍ يُضَعِّفُه، مما هو مِن خصائصِ الأسماءِ كالتَّثْنِيَةِ أو الإضافةِ، كما سنَذْكُرُ ذلك إنْ شاءَ اللَّهُ.
                            الأوَّلُ: الشَّبَهُ الوَضْعِيُّ: وهو أنْ يكونَ الاسمُ على حَرْفٍ أو حرفيْنِ، فالأوَّلُ كالتاءِ مِن (فَعَلْتَ) في قولِه تعالى: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ}، فهي اسمٌ للإسنادِ إليها، ومَبْنِيَّةٌ لأنها أَشْبَهَتِ الحرْفَ في الوضْعِ؛ لكونِها على حَرْفٍ واحِدٍ، فهي كباءِ الْجَرِّ ولامِه.
                            والثاني: مِثْلُ (نا) في قولِه تعالى: {قَالُوا أَقْرَرْنَا} فهي مَبْنِيَّةٌ لِشَبَهِها الحرْفَ في الوضْعِ في كَوْنِها على حَرفيْنِ، فهي شَبيهةٌ بنَحْوِ: قدْ، وبلْ.
                            فإنْ قيلَ: لِمَ أَعْرِبَ (أَبٌ وأَخٌ) معَ أنهما على حَرفينِ؟
                            فالجوابُ: أنَّ هذا الشَّبَهَ بالحرْفِ عارِضٌ؛ لأنهما ثُلاَثِيَّانِ؛ إذ أصْلُهما (أبو وأخو)؛ بدليلِ النسَبِ إليهما: (أَبَوِيٌّ وأَخَوِيٌّ)، وبدليلِ تَثْنِيَتِهما.
                            الثاني: الشَّبَهُ الْمَعْنَوِيُّ، وهو: أنْ يَتَضَمَّنَ الاسمُ معنًى مِن مَعانِي الحروفِ، سواءٌ وُضِعَ لذلك المعنى حَرْفٌ أمْ لا.
                            فالأوَّلُ: كمَتَى في نحوِ: متى السَّفَرُ؟ وقولِه تعالى: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}، فهي اسمُ استفهامٍ شَبيهٌ بِهَمزةِ الاستفهامِ في المعنى؛ لأنَّ كُلاًّ مِنهما يُسْأَلُ به عن معنًى محدودٍ، وكقولِه تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}، فـ(مَنِ) اسمُ شَرْطٍ شَبيهٌ بإنِ الشَّرطيَّةِ في المعنَى؛ لأنَّ كُلاًّ مِنهما يُفِيدُ التعليقَ والجَزَاءَ، الذي يَتَّضِحُ مِن الجُمْلَةِ التي بَعْدَها.
                            فإنْ قِيلَ: لِمَ أُعْرِبَتْ (أيُّ) الشَّرْطيَّةُ في مِثْلِ: أيُّ خيرٍ تَعْمَلْه يَنْفَعْكَ، وفي قولِه تعالى: {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ}، والاستفهاميَّةَ في نحوِ: أيُّ يومٍ تُسَافِرُ فيه؟ وفي قولِه تعالى: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ}؟
                            فالجوابُ: هو ما تَقَدَّمَ مِن أنَّ شَرْطَ الشَّبَهِ بالحرْفِ ألاَّ يُوجَدَ له مُعارِضٌ يُضَعِّفُه، وقد أُضِيفَتْ أيُّ الشرطيَّةُ والاستفهاميَّةُ هنا لِمُفْرَدٍ، فهما معَه مُعْرَبَتَانِ؛ لأنَّ الإضافةَ مِن خصائصِ الأسماءِ.
                            والثاني: وهو ما أَشْبَهَ حَرْفاً غيرَ موجودٍ، مثلُ: هنا، في قولِه تعالى: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَهُنَا آمِنِينَ}، فهنا اسمُ إشارةٍ للمكانِ مَبْنِيٌّ، شبيهٌ بحَرْفٍ كانَ يَسْتَحِقُّ الوَضْعَ؛ لأنَّ الإشارةَ معنًى مِن المعاني التي حَقُّها أنْ تُؤَدَّى بالحرْفِ الدالِّ عليها، كما وَضَعُوا للنَّفْيِ (ما)، وللنَّهْيِ (لا)، وللخِطَابِ (الكافَ)، وللاستفهامِ (الهمزةَ)، لكنَّ العرَبَ لم تَضَعْ لها حَرْفاً فبُنِيَتْ أسماءُ الإشارةِ لِتَضَمُّنِها معنَى حَرْفٍ كانَ يَستَحِقُّ الوَضْعَ.
                            الثالثُ: الشَّبَهُ النِّيَابِيُّ: وهو أنْ يُشْبِهَ الاسمُ الحرْفَ في كونِه يَنُوبُ عن الفعْلِ ولا يَدْخُلُ عليه عامِلٌ فيُؤَثِّرَ فيه، ومِثالُه: صَهْ عمَّا يَشِينُ، وقولُه تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ}، فـ(صَهْ) و(هيهاتَ) كلٌّ مِنهما مَبْنِيٌّ؛ لأنه أَشْبَهَ الحرْفَ في شَيئيْنِ:
                            الأوَّلُ: النيابةُ عن الفعْلِ؛ فإنَّ الحرْفَ (لعلَّ) مَثَلاً نابَ عن الفعْلِ أَتَرَجَّى، وليتَ عن أَتَمَنَّى، وكذا (هيهاتَ) نابَ عن الفعْلِ بَعُدَ، و(صَهْ) عن الفعْلِ: اسْكُتْ.
                            الثاني: أنه لا يَدْخُلُ عليه عامِلٌ؛ فإنَّ الحروفَ لا تَدْخُلُ عليها العوامِلُ، فلا تَقَعُ فاعلاً ولا مَفعولاً، وكذا اسمُ الفعْلِ (صَهْ) فهو مَبْنِيٌّ على السكونِ، لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، و(هَيْهَاتَ) مَبْنِيٌّ على الفتْحِ، لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ.
                            وقولُنا: (فيُؤَثِّرَ فيه)، احترازٌ مِن الْمَصْدَرِ النائِبِ عن فِعْلِه، نحوُ: إحساناً إلى وَالِدَيْكَ، وكقولِه تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}، فهو نائبٌ مَنابَ الفعْلِ (أَحْسِنُوا) لكنَّه مُعْرَبٌ؛ لأنه تَدْخُلُ عليه العوامِلُ فتُؤَثِّرُ فيه، فتقولُ: (أَعْجَبَنِي إحسانُكَ إلى وَالِدَيْكَ)، فيكونُ فاعِلاً، وتقولُ: (إِحْسَانُكَ إلى وَالِدَيْكَ واجِبٌ) فيكونُ مُبتدأً.. وهكذا.
                            الرابعُ: الشبَهُ الافتقاريُّ، وهو أنْ يكونَ الاسْمُ مُفْتَقِراً افتقاراً لازِماً إلى جُملةٍ أو شِبْهِها، نحوُ: جاءَ الذي استعارَ الكتابَ؛ قالَ تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ}، فالاسمُ الموصولُ مُحتاجٌ إلى صِلَةٍ بَعْدَه، تُوَضِّحُ معناه، كما أنَّ الحرْفَ لا يَظهَرُ معناه إلاَّ بِمَجرورٍ بعدَه؛ وعليه فلا بُدَّ مِن شَرطينِ:
                            1- الافتقارُ إلى جُملةٍ أو شِبْهِها.
                            2- اللُّزومُ والأصالةُ.
                            فإنِ اخْتَلَّ الأوَّلُ أُعْرِبَ الاسمُ؛ كقولِه تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}، فـ(سُبحانَ) اسمُ مَصْدَرٍ منصوبٌ بفِعْلٍ محذوفٍ تقديرُه (أُسَبِّحُ)، فهو مُعْرَبٌ؛ لأنه وإنْ كانَ مُفْتَقِراً بالأصالةِ لكنْ إلى مُفْرَدٍ.
                            وكذا إنِ اخْتَلَّ الشرْطُ الثاني؛ كقولِه تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} فـ(يومُ) مُضافٌ إلى الجُمْلَةِ، والمضافُ مُفْتَقِرٌ إلى المضافِ إليه، ولكنه ليسَ لازِماً، بل عارِضٌ في بعضِ التراكيبِ؛ إذ قد لا يُضافُ أصْلاً؛ كقولِه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً)). مُتَّفَقٌ عليه، وقد يُضافُ إلى مفرَدٍ، نحوُ: يومُ الْجُمُعَةِ عِيدٌ للمسلمينَ.
                            وإلى هذه الأنواعِ الأربعةِ أَشَارَ بقولِه: (كالشَّبَهِ الوَضْعِيِّ.. إلخ)؛ أي: أنَّ الشبَهَ الذي يُدْنِي الاسْمَ ويُقَرِّبُه مِن الْحَرْفِ كالشبَهِ الوَضْعِيِّ؛ أي: الشبَهِ في الوَضْعِ، أو الشبَهِ في المعنى، وكأنْ يَنُوبَ الاسمُ عن الفِعْلِ مِن غيرِ أنْ يَتَأَثَّرَ بالعوامِلِ، ومُرادُه بهذا القيدِ إخراجُ الْمَصْدَرِ كما تَقَدَّمَ، أو أنْ يَحتاجَ دائماً إلى جُملةٍ بَعْدَه.
                            والْخُلاصةُ: أنَّ البناءَ يكونُ في سِتَّةِ أبوابٍ: الضمائرِ، أسماءِ الاستفهامِ، أسماءِ الشرْطِ، أسماءِ الإشارةِ، أسماءِ الأفعالِ، الأسماءِ الْمَوصولةِ.
                            الْمُعْرَبُ مِن الأسماءِ

                            لَمَّا فَرَغَ مِن ذِكْرِ الأسماءِ الْمَبْنِيَّةِ - وقَدَّمَها لأنها مَحصورةٌ - ذكَرَ الأسماءَ الْمُعْرَبَةَ، وهي خِلافُ الْمَبْنِيَّةِ كما تَقَدَّمَ.
                            والاسمُ الْمُعْرَبُ نوعانِ:
                            الأوَّلُ: صحيحٌ، وهو ما يَظهَرُ إعرابُه، مِثلُ: كتابٍ، دارٍ، قلَمٍ.
                            الثاني: مُعْتَلٌّ، وهو ما لا يَظْهَرُ إعرابُه، بل يكونُ مُقَدَّراً، مِثلُ: الْفَتَى، القاضِي، الْمُسْتَشْفَى، تقولُ: جاءَ الفَتَى، ورأيتُ الفتَى، ومَرَرْتُ بالفتَى، قالَ تعالى: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ}، فالأُولَى مَنصوبةٌ بفَتحةٍ مُقَدَّرَةٍ، والثانيةُ مرفوعةٌ؛ لأنها خَبَرٌ لإنَّ، ولم تَظهَرْ حَركةُ الإعرابِ على آخِرِ الكَلِمَةِ لوُجودِ الأَلِفِ.
                            وهذا معنى قولِه: (ومُعْرَبُ الأسماءِ... إلخ)؛ أي: أنَّ المعْرَبَ مِن الأسماءِ هو ما سَلِمَ مِن شَبَهِ الحرْفِ، سواءٌ كانَ صحيحاً مثلَ: (أرْضٍ)، أو مُعْتَلاًّ مثلَ: (سُمَا)، بضَمِّ السينِ، إحدَى اللغاتِ في الاسْمِ، وهو مَقصورٌ بدليلِ قولِ بعضِهم: ما سُمَاكَ؟ أيْ: ما اسْمُكَ؟ ووجْهُ الدَّلالةِ: أنَّ الأَلِفَ ثَبَتَتْ معَ الإضافةِ، فَدَلَّ على أنه مَقصورٌ، مِثلُ: هذا فَتاكَ.






                            تعليق

                            • طارق شفيق حقي
                              المدير العام
                              • Dec 2003
                              • 11926

                              #29
                              والاســــــــــــــــــــــمُ مـــــــــــنـــــــــــهُ مُـــــــــــعْـــــــــــرَبٌ ومَـــــــبْـــــــنِــــــــيلِـــــــشَــــــــب َــــــــهٍ مِـــــــــــــــــــــــن الــــــــــــحــــــــــــروفِ مُــــــــــــدْنِــــــــــــي
                              كــالـــشـــبَـــهِ الــــوَضْــــعِــــيِّ فــــــــــــي اسْــــــمَــــــيْ جِـــئْـــتَـــنَـــاوالــــمــــعــــنـــــويِّ فــــــــــــــــــي مَـــــــــتَـــــــــى وفــــــــــــــــــي هُـــــــــنَـــــــــا
                              وكَــــــنِــــــيَــــــابَـــــــةٌ عـــــــــــــــــــــــــن الــــــــفـــــــــعـــــــــلِ بــــــــــــــــــــــــــلاتَــــــــــــــــــأ َثُّـــــــــــــــــــرٍ وكـــــــــافـــــــــتـــــــــقــــــــــارٍ أُصِّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلَا
                              ومُـــــــعــــــــرَبُ الأســـــــمــــــــاءِ مـــــــــــــــا قـــــــــــــــدْ سَـــــلِـــــمَـــــامِـــــــــــــــنْ شَـــــــبَــــــــهِ الـــــــحــــــــرفِ كـــــــــــــــأرضٍ وسَـــــــمَــــــــا

                              تعليق

                              يعمل...