لام ( الّذي) بين الزيادة والوظيفة البنيوية

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • طارق شفيق حقي
    المدير العام
    • Dec 2003
    • 11905

    لام ( الّذي) بين الزيادة والوظيفة البنيوية

    لام (الّذي) بين الزيادة والوظيفة البنيويّة دراسة نحويّة وصوتيّة
    طارق شفيق حقي
    مقدمة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفصح العرب سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله سلم.
    سنقوم في هذه الورقة البحثية بذكر نوع اللام في الاسم الموصول (الّذي)، ونعرّف (أل) التعريف بشكل عام ونذكر ما قاله الخليل الفراهيدي وسيبويه والزمخشري وابن هشام عنها، ونبين أنواع لام التعريف العهدية والجنسية والزائدة، كما سنذكر نوع لام التعريف في المستوى الصوتي أهي شمسية أم قمرية ونذكر ما أورده الجمزوري في تحفة الأطفال ونتعرض لنوع اللام في " الله " وفي الاسم المبدوء بلام.

    للوهلة الأولى فإن الدخول في هذه المواضيع قد يُظن أنَّه بسيط وبديهي، لكن إيجاد الدليل على البديهيات ليس من السهولة بمكان، وقليلة هي الكتب المعاصرة التي تناولت هذه المسألة وبداية مشكلة البحث كانت حلَّ مشكلة تضارب الأراء حول نوع لام الّذي أهي شمسية أم قمرية وبالبحث في كتب النحو المعاصرة التي وقعت بين أيدينا لم نجد شرحاً وافياً للمسألة ، ولذلك كان علينا العودة لأمهات الكتب في النحو لمعرفة أراء النحاة في نوع لام الاسم الموصول، لكن بالعودة لأمهات الكتب للفراهيدي و سيبويه والزمخشري وابن جني تختلف الشروحات وتتباين مع الكتب المعاصرة للنحو، ولذلك فإن توضيح وشرح أمور يعتبرها القدماء بديهية ليس بالأمر السهل لأنه علينا أن نبحث أصل الكلمة وتطورها والأسباب التي دفعت لهذا التطور، وكان علينا أن نرسم الصورة كاملة بالجمع بين أراء وتعليلات النحاة المختلفة ونوفق بينها على اختلافات الأراء فيما بينهم لأنهم اختلفوا في تسميتها هل هي لام التعريف أم أل التعريف بمعنى هل هي حرف أم حرفين ، واختلفوا في همزتها أوصل هي أم قطع وهذا الخلاف يغني المسألة ويدلّ على عظم جهود النحاة وعلو كعبهم التجريدي العلمي لتفسير المسائل النحوية والصرفية.






    تعريف لام التعريف
    لنبدأ بتعريف لام التعريف وذكر صفات مخرج حرف اللام فلام التعريف يعرفها ابن جني: " فهي نحو قولك: الغلام، والجارية، فاللام هي حرف تعريف، وإنما دخلت الهمزة عليها لأنها ساكنة، فتوصلوا إلى الابتداء بها بالهمزة قبلها"
    والهمزة مفتوحة يقول ابن جني: " فأما لام التعريف فالهمزة معها مفتوحة، وذلك لأن اللام حرف، فجعلوا الهمزة معها فتحة لتخالف حركتها في الأسماء والأفعال.
    ولنعدد صفات حرف اللام في اللغة العربية فاللام له صفتان أساسيتان: التوسط والانحراف، كما إنه حرف مجهور مستفل ومنفتح.
    بالإضافة إلى ذلك اللام قد تكون مفخمة أو مرققة حسب السياق.
    وذكر هذه الصفات لحرف اللام سيظهر لاحقاً في سر اختيار العرب لها لتكون للتعريف دون غيرها من الأحرف.
    يقول سيبويه إمام المدرسة البصرية: (أما الألف واللام فهما حرفان ملحقان بالاسم للتعريف وقال: هي حرف ثنائي وهمزته همزة وصل معتد بها في الوضع، كالاعتداد بهمزة الوصل في استمع ونحوه بحيث لا يعدُّ رباعياً."
    ويقول الزمخشري في كتابه المفصل: أل حرف تعريف ولو كانت اسماً لظهر لها أثر في الإعراب.
    أما ابن مالك فاختار مذهب الإمام الخليل الفراهيدي: أنها حرف تعريف ثنائي همزته همزة قطع أصلية، وصلت لكثرة الاستعمال.
    ولقد ذهب الخليل الفراهيدي إلى أن أداة التعريف هي " أل " برمتها، وأن الهمزة همزة أصلية، وأنها همزة قطع، بدليل أنها مفتوحة، إذ لو كانت همزة وصل لكسرت، لأن الأصل في همزة الوصل الكسر، ولا تفتح أو تضم إلا لعارض، وليس هنا عارض يقتضي ضمها أو فتحها. (شرح ابن عقيل)، وقد عرضنا رأي ابن جني في فتح همزتها أنها فتحت لتخالف حركة همزة الأسماء والأفعال.





    جاء في كتاب جواهر الأدب لمؤلفه علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: 771 هـ):
    أورد الإربلي في جواهر الأدب ثلاثة مذاهب في تعريف "أل":
    مذهب جمهور النحاة: أن أداة التعريف هي اللام وحدها، واستدلوا بأن ضد التعريف (وهو التنكير) علامة واحدة هي التنوين، فناسب أن يكون التعريف بعلامة واحدة.
    وأنه لو كانت أداة التعريف مركبة لما أفادته مع حذف "الهمزة" في الدرج لزوال التركيب بزوال جزئه، وإنما بنيت لأنها شديدة الامتزاج بالكلمة، ولهذا أدغمت في أربعة عشر حرفًا من حروف الهجاء، وإنما ألحقت بأول الكلمة، إمَّا للإهمال بحال التعريف أو لأن آخر الكلمة محل التغيير.
    مذهب الخليل وسيبويه: أن الأداة هي أل برمتها (الهمزة + اللام)، واعتبروا الهمزة أصلية، وسمّوها في مواضع كثيرة "أل".
    ورأي ثالث نسبه بعضهم لابن كيسان، يميل إلى الاقتصار على اللام، لكن مع كثرة الاستعمال غلب التعبير عنها بـ"أل".
    وقد خلص الإربلي إلى أن الأولى والأدق أن يُعبر عنها بـ«أل»، اتباعًا للخليل وسيبويه.
    وأجمل ما قيل عن لام التعريف بشكل مفصل ومرتب تجده عند ابن جني في كتاب سرُّ صناعة الإعراب ويقارب المعاني التي ذكرناها أعلاه.
    والسؤال الذي يجب طرحه هل أل التعريف اسم أم حرف ؟
    الجملة العربية تنقسم لاسم وفعل وحرف، ومن أدوات التمييز بين الاسم والفعل:
    أن الاسم يقبل أل التعريف والفعل لا يقبل أل التعريف، لكن هذا التمييز يختلف من مدرسة نحوية لأخرى، فلام (أل) التعريف حرف في المدرسة البصرية وبذلك لا يدخل إلا على الاسم، أما في المدرسة الكوفية فهي اسم بمعنى (الّذي) حين تدخل على الأفعال وتكون اسماً إذا دخلت على المشتقات بمعنى الّذي وحرفاً بدخولها على غير المشتقات.
    وفي ذلك تفصيل لن نخوض فيه، بل نذكر شواهد لدخولها على الفعل من الشعر العربي المحتج به نحو قول الشاعر:
    ما أنت بالحكم الترضى حكومته .... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
    المعنى الّذي ترضى حكومته.
    ويقول الشاعر ذي الخرق الطهوي :
    يقول الخنى وأبغض الناس كلهم .... إلى ربه صوتُ الحمار اليُجدع
    المعنى الذي يجدع أي تقطع أذناه والخنى هو الفحش في القول.
    وإنما ذلك من باب حذف بعض أجزاء «الّذي» لكثرة الاستعمال كالحذف في (أيمن الله) والمعنى أقسم بأيمان الله وجاء في الحديث الشريف: "وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" صحيح البخاري
    وللمناسبة فهناك كثير من الأمثلة من اللهجة الدارجة على دخول أل التعريف على الفعل كقولهم: (الله اليحميك) أي الله الّذي يحميك.
    إذن أل التعريف هي حرف في المدرسة البصرية، واسم بمعنى الّذي في المشتقات لدى المدرسة الكوفية وابن هشام وافق بين المدرستين فقال في أنواعها أنها قد تكون بمعنى الّذي وأغلب شواهدها في الشعر وقد تكون حرفاً للتعريف كاللام العهدية والجنسية وقد تكون زائدة.
    - والسؤال لماذا تختص اللام بالتعريف دون غيرها من الأحرف؟
    ذلك أنها أكثر حرف يدغم بغيره من بين الحروف ولقد ذكرنا بداية صفاتها، ومثالها:
    التّائب – الثّابت – الزّاجر – الشّاهد – السّالم – الضّابط – النّاصر
    كذلك لكونها ساكنة والساكن أشدُّ اتّصالاً بما بعده من المتحرك، لأن المتحرك قد ينفصل في بعض المواضع كالواو والفاء أما الساكن فلا ينفصل أصلاً فكانت أول الكلام بعكس التصغير آخر الكلام والتكسير.
    وفي إحدى اللهجات تكون (أم) مرادفة لأل التعريف وقد وردت في الحديث الشريف: " ليس من أمبرّ أمصيام في أمسفر"
    ليس من البر الصيام في السفر وهي لغة طمطمانية حمير وهذا لمزيد من المعرفة والاستقصاء ولن نتطرق لذلك في بحثنا هذا.







    أنواع أل وفق ما جاء في كتاب مغني اللبيب لابن هشام:
    تأتي أل التعريف بمعنى الّذي كما ذكرنا أعلاه من الشواهد الشعرية وهي وفق ما قال ابن هشام في مغني اللبيب خاصة بالشعر خلافاً للأخفش وابن مالك.
    وقد قسمها ابن هشام لأقسام ثلاثة:
    الوجه الأول أن تكون بمعنى الّذي وهي خاصة بالشعر وفق رأيه.
    الوجه الثاني أن تكون حرف تعريف وهي نوعان:

    العهدية: حيث يكون مصحوبها معهوداً ذكرياً نحو: " كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعونُ الرّسولَ " 15-16 المزمل
    ونحو:" فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درّيّ " 35 النور
    ونحو:" اشتريت فرساً وبعت الفرس" وعبرة هذا أن يسدَّ الضمير مسدّها مع مصحوبها فأنت تستطيع أن تقول:" اشتريت فرساً وبعته"
    فهي تستخدم للدلالة على شيء معهود ومعلوم لدى المخاطب إما بالذكر السابق أو السياق أو المعرفة العقلية أو الحسية، ولها أنواع لن نخوض فيها.
    الجنسية مثل: " خُلق الإنسان ضعيفاً " 28 النساء، أي جنس الإنسان.
    أو: " إن الإنسان لفي خسر." 2 العصر
    وتستخدم للدلالة على جنس الشيء أو نوعه وليس على فرد معين منه، أي لا تعني شيئاً معيناً معروفاً، بل تعني النوع بأكمله ويصلح أن نضعه محلها كل
    مثال: الأسد مفترس، كل أسد مفترس.

    الوجه الثالث: أن تكون زائدة وهي نوعان:

    زائدة لازمة: كالتي في الأسماء الموصولة أو الواقعة في الأسماء كالنضر والنعمان واللات والعزى والسموأل.

    جاء في شرح ابن عقيل : " مثل اللات كلُّ علم قارنت " أل " وضعه لمعناه العلمي، سواء أكان مرتجلاً أم كان منقولاً، فمثال المرتجل من الأعلام التي فيها " أل " وقد قارنت وضعه: السموأل، ومثالُ المنقول من الأعلام التي فيها " أل " وقد قارنت وضعه للعلمية أيضاً: العزى، وهو في الأصل مؤنث الأعز وصف من العزة، ثم سمى به صنم أو شجرة كانت غطفان تعبدها، ومنه اللات، وهو في الأصل اسم فاعل من (لتَّ السويق بلته)، ثم سمى به صنم، وأصله بتشديد التاء، فلما سمى به خففت تاؤه، لأن الأعلام كثيراً ما يغير فيها، ومنه " اليسع فإن أصله فعل مضارع ماضيه وسع ثم سمى به."

    - واللام في لفظ الجلالة كذلك هي زائدة لازمة للتزيين وزيادة التعظيم فهي جزءٌ من بنية الكلمة﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾(البقرة: ١٦٥)
    الله أصلها ألله: اسم الله تعالى انفرد بقطع همزته دون غيره لكثرة استعماله وتعظيمه ولذلك انفرد بأشياء لا تكون في غيره كزيادة " الميم" في اللهم ودخول حرف النداء عليه يا الله فلا نقول: يا المعلم بل يا معلم.
    يقول ابن جني:
    قوله عز وجل: (الآن جئت بالحق) فالألف واللام في الآن زائدة، وكذلك لام الّذي والّتي وتثنيتهما وجمعهما، ولام اللّات والعُزّى في قول أبي الحسن ولا أعرف لسيبويه فيه خلافاً.
    مؤكداً على زيادة لام الّذي بحجة نحوية:" وأما الألف واللام في الّذي والّتي وبابها من الأسماء الموصولة، فيدلُّ على زيادتها وجود أسماء موصولة مثلها معراة من الألف واللام وهي مع ذلك معرفة، وتلك: من، وما وأي في نحو قولك: ضربت منْ عندك وأكلت ما أطعمني، ولأضربنَّ أيهم يقوم، فتعرُّفُ هذه الأسماء التي هي أخوات الذي والتي بغير لام، وحصول ذلك لها بما تبعها من صلاتها دون اللام يدلَّ على أن الّذي إنما تعرُّفه بصلته دون اللام التي فيه وأن اللام فيه زائدة، إلا أنها زيادة لازمة"
    ب-زائدة غير لازمة
    وأما الزائدة غير اللازمة يمكن حذفها دون إخلال بالمعنى وتأتي لأغراض بلاغية أو لتأكيد المعنى (رغم الأنف) (بحت بالسر).
    فهي الداخلة اضطراراً على العلم كقولهم في (بنات أوبر) ومنه قوله:
    ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلاً ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
    الشاهد فيه: قوله " بنات الأوبر " حيث زاد " أل " في العلم مضطراً، لأن " بنات أوبر " علم على نوع من الكمأة رديء، والعلم لا تدخله " أل "، فراراً من اجتماع معرفين، وهما حينئذ العلمية وأل، فزادها هنا ضرورة، والأصل بنات أوبر فزيدت الألف واللام وزعم المبرد أن بنات أوبر ليس بعلم فالألف واللام عنده غير زائدة ومنه الداخلة اضطراراً.

















    خلاصة
    إذن هناك أنواع ل (أل) كما قال ابن هشام كالتي تكون بمعنى الّذي، والتي تكون للتعريف وهي إما عهدية أو جنسية، أو الثالثة التي تكون زائدة لازمة أو زائدة غير لازمة.
    فاللام في اسم الموصول (الّذي) هي لام زائدة لازمة، وهي هنا ليست للتعريف، بل هي مُعَلِّمَةٌ للاسم الموصول لتمييزه عن اسم الإشارة (ذِي).
    يقول سيبويه في الَّذِي": وأما الَّذِي والَّتِي، فالألف واللام فيهما كالزيادة اللازمة، وليست كأل التعريف؛ لأنَّ حذفهما يُفسِدُ الكلمة، وهذا شأن الزيادة المُتَّصِلَة".
    أما أصل الّذي فهو لَذي وقليلة المصادر التي تكلمت عن أصلها يقول ابن جني أن أصل الّذي هو " لَذي"
    فهي على ثلاثة حروف فكملت فيها العدة التي يكون عليها الوصف، ولذلك تستخدم لوصف المعرفة دون الأسماء الموصولة الأخرى مثل: " من " و " ما" لأن كل واحد منها على حرفين وليس في الأوصاف شيء على حرفين مثل قولنا: شابٌ مرحٌ، رجلٌ غَرضٍ (أي لجوج).
    ولدينا دليل من كتاب ابن الجني الذي ذكرناه أعلاه أن أصل الّذي هو " لذي" وهذه اللام هنا زائدة للتمييز بينها وبين ذي اسم الإشارة أو ذي بمعنى صاحب كما قلنا، فلماذا أدخلوا عليها " أل" ؟
    أل + لَذي = الّذي
    الجواب كذلك من كتاب ابن جني ولسببين : الأول أنهم توسلوا بـ " لذي" دون من وما الموصلتين لأنَّ " لَذي" هنا كملت عدتها فصارت على ثلاثة حروف وتشبه الأسماء و" أل" التعريف تدخل على الأسماء ولا تدخل على الحروف، لكن " لذي " من الأسماء المعرفة فلا تحتاج ل " أل" التعريف ، فأل التعريف هنا ليست للتعريف بل هي كما ذكر ابن هشام زائدة لازمة للتمييز بينها وبين اسم الإشارة ذي ، والسبب الثاني أنهم احتاجوا لوصف المعارف بالجمل ، وحيث كانت الجملة نكرة فنحن نحتاج لتعريفها ، لكن " أل" التعريف لا تدخل على الجمل .
    فتم التوسل بـ " لَذي " وصلتها التي هي الجملة التي تليها لوصف المعرفة، إذ إنَّه يكننا أن نقول: جاء رجلٌ أبوه كريم، لكن لا يمكننا أن نقول: جاء زيد أبوه كريم، لأن زيد معرفة هنا فكان الحل أن استعان العرب بـ " لَذي " وأدخلوا عليها لام التعريف أل + لَذي = فأصبحت اللذي ثم حصل إدغام متماثلين فأصبحت الّذي. فاللام هنا مُقحَمة لإتمام معنى الوصل، والإدغام الذي حصل لكلمة الّذي لم يكن بسبب دخول أل التعريف على "ذي" وإلا لكانت الذّي.
    الإدغام: القاعدة تقول دمج المتماثلين مع بقاء الأثر (التشديد).
    إذا سكن الأول وتحرك الثاني ففي هذه الصورة يجب الإدغام سواء كان الحرفان في كلمة أم في كلمتين مثل: كببر = كبّر سللم = سلّم
    لم يخرج جمال تدغم جيم يخرج في جيم جمال.
    إذن اللام التي أضيفت لـ لَذي هي مُقحَمة لإتمام معنى الوصل ،ولنعد لما فصله ابن جني حول المسألة كما ذكرنا مختصره أعلاه يقول:
    "أن الّذي إنما وقع في الكلام توصلاً إلى وصف المعارف بالجمل ، وذلك أن الجمل نكرات ، ألا تراها تجري أوصافاً على النكرات في نحو قولك : مررت برجل أبوه كريم ونظرت إلى غلام قامت أخته ، فلما أريد مثل هذا في المعرفة لم يمكن أن تقول : مررت بزيد أبوه كريم على أن تكون الجملة وصفاً لزيد لأنه قد ثبت أن الجملة نكرة ، ومحال أن توصف المعرفة بالنكرة ، فجرى هذا في الامتناع مجرى امتناعهم أن يقولوا : مررت بزيد كريم، على الوصف ، فإذا كان الوصف جملة نحو : مررت برجل أبوه كريم ، لم يمكن إذا أرادوا وصف المعرفة بنحو ذلك أن يدخلوا على الجملة ، لأن اللام من خواص الأسماء فجاءوا بـ الّذي متوصلين به إلى وصف المعارف بالجمل ، وجعلوا الجميلة التي كانت صفة للنكرة صلة لـ الذي فقالوا : مررت بزيد الذي أبوه منطلق ، وبهند التي قام أخوها ، فألزموا اللام هذا الموضع لما أرادوا التعريف للوصف ليعلموا أن الجملة الآن قد صارت وصفاً لمعرفة فجاءوا بالحرف الذي وضع للتعريف ، وهو اللام ، فأولوه الّذي ليتحصل لهم بذلك لفظ التعريف الذي قصدوه ، ويطابق اللفظ المعنى الذي حاولوه .
    والسؤال الذي يمكن طرحه لماذا اختاروا الّذي من الأسماء الموصولة دون ما ومن؟
    فالجواب: " أنهم إنما قصدوا في هذا الموضع إصلاح لفظ الوصف على ما تقدم من قولنا، ولم يكن ينبغي مع الاحتياط لذلك أن يعدلوا إلى من، وما، وأي دون الذي، وذلك أن من وما كل واحد منهما على حرفين، وليس في الأوصاف شيء على حرفين، وإنما أقل ذلك ثلاثة نحو بطل ونجد، فلما قل لفظ ما ومن عن عدد الأوصاف، وكان أصل الّذي ثلاثة أحرف، وهو " لَذي" كملت فيه العدة التي يكون عليها الوصف، وذلك نحو "مّرٍح " فقالوا: مررت بزيد الذي قام أخوه، كما تقول: مررت بزيد العمي، والمكان الندّي.
    وهنا نكون قد فصلنا نوع اللام من ناحية التعريف أو الزيادة وذكرنا أصلها ولماذا تم اختيارها وما حصل فيها من إدغام ، لكن بقي أن نتكلم عن اللام في المستوى الصوتي بحسب ما يلحقها من حروف.
    فلقد قسم العلماء لام التعريف بحسب الحرف الّذي يليها إلى لام قمرية ولام شمسية كما جاء في كتاب تحفة الأطفال للجمزوري وهذا التقسيم لم يقسمه علماء النحو المتقدمين وإنما غاية هذا التقسيم التبسيط للمبتدئين ثم تم اعتماده لاحقاً، لنذكر أحكام اللام بحسب ما بعدها:
    الحكم الأول : الإظهار
    ويكون عند أربعة عشر حرفاً مجموعة في عبارة (ابغ حجك وخف عقيمه) وهي "الهمزة والباء والغين والحاء والجيم والواو والخاء والفاء والعين والقاف والياء والميم والهاء والكاف "فإذا وقع حرف من هذه الحروف بعد لام التعريف وجب إظهارها ويسمى إظهاراً قمرياً أو لاماً قمرية.
    الحالة الثانية : الإدغام
    ويكون الإدغام في أربعةَ عشرَ حرفاً الباقية المرموز إليها في أوائل كلام هذا البيت:
    طب ثم صل رحماً تفز ضف ذا نعم دع سوء ظن زر شريفاً للكرم
    والحروف هي الطاء والثاء والصاد والراء والتاء والضاد والذال والنون والدال والسين والظاء والزاي والشين واللام.
    فإذا وقعت لام أل قبل هذه الأحرف وجب إدغامها فيها ويسمى إدغاماً شمسياً أو لاماً شمسية.
    ﴿ٱلشَّمْسِ وَٱلْقَمَرِ﴾ (الأنبياء: ٣٣) إدغام تقارب اللام (طرف اللسان) والشين (وسط اللسان) .
    ﴿ٱلْقُرْءَانِ هُدًۭى﴾ (البقرة: ٢) إظهار تباعد اللام (طرف اللسان) والقاف (أقصى اللسان) .
    ﴿ٱلَّذِى جَمَعَ مَالًۭا﴾ (الهمزة: ٢) إظهار خاص تباعد خفيف + علة دلالية (تمييز الموصول) .
    -لكنك قد تجد اللام الساكنة حين تكون لغير التعريف مظهرة غير مدغمة مع أكثر هذه الحروف الأربعة عشر، نحو التفتَ، وهل ثمَّ أحد، وهل دخل، فالإدغام هنا غير واجب وإنما جائز كقراءة الكسائي للآية بالإدغام: " هثوب الكفار " وكذلك: " بتؤثرون الحياة الدنيا "
    ولأن بعض الكلمات تتعرض للإعلال بالحذف فلا يمكن أن نجور عليها بالإدغام كمثال رأي ابن الجزري في "قل نعم"
    يقول "لَمْ تُدْغَمْ لَامُ (قُلْ) فِي النُّونِ فِي:﴿ قُلْ نَعَمْ ﴾مَعَ التَّقَارُبِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ أُعِلَّ بِحَذْفِ عِينِهِ (أَصْلُهُ: قَوَلَ)، فَلَوْ أُدْغِمَت لَامُهُ لَزَالَتِ الْكَلِمَةُ بِرُمَّتِهَا".
    فالعلة الصرفية لمنع الإدغام لحفظ بقية حروف الكلمة بعد حذف عينها (الواو).
    لكن النحاة أجمعوا على إدغام لام التعريف مع ما يسمى الأحرف الشمسية لأنّ العرب جلبت اللام الساكنة لتصبح جزءاً من الكلمة لنقلها من التنكير للتعريف، وجعلوها أول الكلمة دون آخر الكلمة لكيلا تتعرض للتغير والحذف فآخر الكلمة ضعيف قابل للتغيير بالحذف وما شابه ذلك، واختاروا تسكين اللام لأنّ تسكينها أشد وأبلغ وحاجتها أقوى لما اتصلت به، لأن الساكن أضعف من المتحرك وأشد حاجة للاتصال به.
    وكون اللام أكثر الحروف قدرة على الإدغام بالحروف من غيرها لصفاتها التي ذكرناها، فكان إدغامها بما بعدها دليلاً على شد اتصالها بالكلمة توصلاً لنقله من معنى التنكير للتعريف ولو جاءوا بغير لام التعريف لما أمكنهم أن يكثر إدغامه كما أمكنهم ذلك مع اللام، فهي تدغم مع أربعة عشر حرفاً سبق ذكرها.

    ولنعد لما قاله الشيخ الجمزوري في باب لام أل ولام الفعل في متن تحفة الأطفال التي نظمها سنة 1198 هـ نقلاً عن شيخه العلامة الأزهري نور الدين الميهي :
    لِـلاَمِ أَلْ حَـالاَنِ قَبْـلَ الأَحْـرُفِ أُولاَهُمَـا إِظْهَـارُهَـا فَلْتَـعْـرِفِ
    قَبْلَ أَرْبَعٍ مَعْ عَشْـرَةٍ خُـذْ عِلْمَـهُ مِنِ ابْـغِ حَجَّـكَ وَخَـفْ عَقِيمَـهُ
    ثَانِيهِمَـا إِدْغَامُهَـا فِـي أَرْبَــعِ وَعَشْـرَةٍ أَيْضًـا وَرَمْزَهَـا فَـعِ
    طِبْ ثُمَّ صِلْ رُحْمًا تَفُزْ ضِفْ ذَا نِعَم دَعْ سُوءَ ظَـنٍّ زُرْ شَرِيفًـا لِلْكَرَمْ
    وَاللاَّمُ الاُولَـى سَمِّهَـا قَمَـرِيَّـهْ وَاللاَّمَ الاُخْـرَى سَمِّهَـا شَمْسِيَّـهْ
    وأظْهِـرَنَّ لاَمَ فِـعْـلٍ مُطْلَـقَـا فِي نَحْوِ قُلْ نَعَـمْ وَقُلْنَـا والتَقى

    إذن الأمر بإظهار لام "الَّذِي" في القراءات ثابت بالتلقين النبوي، ولم تتطرق التحفة لنوع لام الّذي، وإن كنت قد وقعتُ على هذا البيت المنسوب للجمزوري لكني لم أجده في التحفة:
    وَأَظْهِرِ اللاَّمَ فِي الَّذِي وَالَّتِي ♦♦ وَذِي اتِّصَالٍ كَالْجَلِيِّ الْمُتَّقِي"
    -بغض النظر عن صحة هذا البيت، فالبيت يتكلم هنا عن إظهار لام الّذي ، ولا خلاف حول إظهارها لكنه لم يذكر نوعها، فالخلاف قائم على نوعها أهي شمسية أم قمرية، والناظم في البيت أعلاه لم يحدد نوعها ،وهنا ربما حدث اللبس فمن قرأ في هذا البيت أظهر اللام ظن أنها قمرية لأن اللام القمرية لام مظهرة كما إنَّ من شاهد الحرف مشدداً بعد اللام قال بأنها شمسية لأن لام التعريف الشمسية تدغم في الحرف الشمسي الذي يليها فيكون مشدداً، وهذا ليس صحيح فهي مظهرة لكنها لام زائدة لازمة مظهرة للتميز بين( ذي) اسم إشارة وبين اسم الموصول ( الّذي) وهي ليست بقمرية ولا شمسية ، وبالأصل مصطلح شمسي قمري ظهر متأخراً ولم يقل به علماء النحو الأوائل كالفراهيدي وسيبويه والفراء وظهر لاحقاً لتسهيل القاعدة للمبتدئين وتم اعتماده لاحقاً في النحو.
    والسؤال الذي علينا طرحه هل الأنواع التي ذكرها ابن هشام ينطبق عليها كذلك تصنيف اللام القمرية واللام الشمسية؟
  • طارق شفيق حقي
    المدير العام
    • Dec 2003
    • 11905

    #2
    لنعد لابن هشام إذ يقول في شرح الألفية بما معناه:
    الزائدة اللازمة كـ(أل) في (الّذي) لا مدخل لها في التعريف، فلا تُقاس بحكم الشمسية والقمرية.
    إذن اللام الزائدة اللازمة لا ينطبق عليها تصنيف اللام القمرية والشمسية، لكن يبقى الإظهار قائماً فيها فليس كل إظهار أو إدغام يصنف تحت حكم القمري والشمسي، نعم هي ثابتة بالتلقين النبوي بالسند المتصل أنها لام مظهرة، فتبيان العلل من شأن النحاة وإن اختلفوا في العلل ، وهذا ثابت حتى في كلام العرب وسننهم ، فالعرب كمثال جمعت المؤنث السالم مثل( معلمات) ونصبوها بالكسر، لكن النحاة هم من بحثوا عن علة نصب جمع المؤنث السالم بالكسرة عوضاً عن الفتحة كقوله تعالى في سورة العنكبوت : " خلق الله السمواتِ"44 فالسموات وهي مفعول به حقها النصب بالفتحة ، نصبت بالكسر عوضاً عن الفتح ،والنحاة لهم أكثر من علة حول ذلك منها قولهم كما جاء في شرح الألفية أنها كسرت تيمناً بجمع المذكر السالم .
    وماذا عن دخول أل التعريف على الأسماء المبدوءة بلام من أصل الكلمة مثل لسان ، لطيف ؟
    قاعدة إضافية لتعريف ذوات اللام :
    هناك أسماء تبدأ بحرف اللام مثل لطيف لئيم فكيف تصبح حين ندخل عليها لام التعريف؟
    لطيف الّلطيف
    لئيم الّلئيم
    عند دخول أل التعريف على اسم يبدأ بلام أصلية تضاف لام (أل) إلى اللام الأصلية فتصبح الكلمة:
    اللام الأولى: من أل التعريف
    اللام الثانية: من أصل الكلمة
    قاعدة من شذور الذهب: إذا دخلت أل على ما أوله لام جمعت بينهما فنطقت بلامين: أولاهما لام التعريف وثانيهما أصلية.











    خاتمة:

    توصلنا في هذا البحث إلى هذه النقاط:

    1-لام (الذي) ليست للتعريف، بل هي زائدة لازمة مظهرة تلازم بنية اسم الموصول ولا يجوز حذفها، ووظيفتها تمييز الاسم الموصول عن أسماء الإشارة (ذي).

    2-أصل (الّذي) هو (لَذي) كما صرّح ابن جني في سرِّ صناعة الإعراب، ثم أُدخلت عليها (أل) لإتمام البنية الصرفية، وليس للتعريف.

    3-إضافة (أل) إلى (لَذي) كان للتوسل إلى وصف المعارف بالجمل، لأن الجملة نكرة، والمعرفة لا توصف بالنكرة، فجاءت (الّذي) أداة ربط بين المعرفة والجملة.

    4-اللام في (الّذي) لا تُصنَّف قمرية ولا شمسية، لأنها ليست من باب لام التعريف أصلاً، وإنما هي لام زائدة مظهَرة بالاتفاق.

    5-إظهار لام (الّذي) ثابت بالتلقين النبوي في القراءات، لكنه لا يدخل ضمن تقسيم الإظهار القمري والإدغام الشمسي.

    6-العرب اختارت (لَذي) من بين الأسماء الموصولة لأنه مكوّن من ثلاثة أحرف، وهي أقل بنية تقبل الوصف، بخلاف (من، ما) على حرفين فقط.

    7-كثرة الإدغام في اللام وخصائصها الصوتية (التوسط، الانحراف، الجهر) جعلتها الحرف الأليق بالوظيفة البنيوية للتعريف والتمييز.

    8-الخلاف بين النحاة في حقيقة أداة التعريف (أل كلها أم اللام فقط) يعكس ثراء المدرسة النحوية، لكنه لا يؤثر على حقيقة لام (الّذي) بأنها زائدة لازمة.

    9-لم تتناول كتب النحو المعاصرة هذه المسألة بالتفصيل، مما يجعل هذا البحث محاولة لسد فراغ علمي وإعادة قراءة النصوص التراثية بعمق.





    في نهاية البحث أقول لوهلة ظننت أن البحث عن أصل لام الّذي لن يأخذ أكثر من أسطر معدودة، لكن تبيان ما نظنه بديهياً ليس بالأمر السهل، خاصة أن كتب النحو المعاصرة التي وقعت بين يدي لم تتعرض لهذه المسألة بالتفصيل الذي ذكرناه، الجميل في هذه الرحلة أنك تتعرف على جمال اللغة العربية وقدرتها ومرونتها وتوسلها بشتى الوسائل لتحقيق أدق أنواع الإعراب، كما إنه يدل على عبقرية واضع اللغة والتي لم نكن لنعرفها لولا جهود عباقرة أئمة اللغة وبذلهم أعمارهم لتفسير الظواهر اللغوية فلله درهم كم خدموا لغة القرآن الكريم.
    ونقول جازمين أنَّ جلَّ مشاكلنا الفكرية المعاصرة بسبب ضعف الأرضية العلمية اللغوية لأبناء هذه اللغة، لأن النظريات والمناهج الفكرية تحتاج للأفكار والأفكار تبدأ من الكلمات وإن أي جهل بدقائق اللغة سيفضي لسلسلة متتابعة من الأخطاء المبنية على ما قبلها، فحرف واحد ينقل الكلمة من التنكير للتعريف فإذا فاتنا أنه قد يكون لغير ذلك كالزيادة الوظيفية اللازمة فإننا سنتقلب بين ضدين لا مكان لهما أصلاً في الكلمة، فإذا كنا قد أصبنا فالتوفيق من الله عز وجل، وإن جانبنا الصواب فمن أنفسنا.


    والحمد لله رب العالمين


    تم البحث بتاريخ 26/8/2025
    3 ربيع الأول 1447 هـ
    طارق شفيق حقي

















    قائمة بأسماء المصادر والمراجع

    1-القرآن الكريم.
    2-ابن جني، سر صناعة الإعراب. تحقيق: حسن هنداوي. دمشق: دار القلم، 1993م.
    3-ابن هشام الأنصاري، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب. تحقيق: مازن المبارك ومحمد علي حمد الله. بيروت: دار الفكر، 1985م.
    4-سيبويه، الكتاب. تحقيق: عبد السلام هارون. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1982م.
    5-الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين. تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي. بغداد: وزارة الثقافة والإعلام، 1980م.
    6-الزمخشري، المفصل في علم العربية. تحقيق: علي أبو المكارم. بيروت: دار المعرفة، 1987م.
    7-ابن مالك، شرح التسهيل لابن مالك. تحقيق: محمد كامل بركات. بيروت: دار الكتب العلمية، 1990م.
    8-ابن عقيل، شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. القاهرة: دار التراث، 1980م.
    9-السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها. تحقيق: فؤاد علي منصور. بيروت: دار الكتب العلمية، 1998م.
    10-ابن منظور، لسان العرب. بيروت: دار صادر، 1990م.
    11-الإربلي، علاء الدين، جواهر الأدب.
    12-الجمزوري، سليمان بن حسين، تحفة الأطفال. (منظومة مشهورة، مع شروحها المطبوعة).
    13-عبد الراجحي، عبده، التطبيق الصرفي. القاهرة: دار النهضة العربية، 1995م.
    14-ابن الجزري، التمهيد في علم التجويد.


    تعليق

    يعمل...