الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

مع الروائي محمد جبريل

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د. حسين علي محمد
    كاتب مسجل
    • Jun 2006
    • 1123

    #31
    رد: مع الروائي محمد جبريل

    مجلة ثقافية جديدة

    بقلم: محمد جبريل
    ....................


    أياً تكن التسمية ستطلق علي المجلة الثقافية الجديدة التي أعلن الدكتور أحمد نوار رئيس هيئة قصور الثقافة عن قرب صدورها. فإنها تلبي احتياجا حقيقيا للساحة الثقافية.
    كانت "الكاتب المصري" هي المجلة التي قدم من خلاله طه حسين عشرات الأعمال الجادة. ما بين مؤلفة ومترجمة. وكانت "عالم الكتاب" هي المجلة التي تواصل صدورها أعواماً. وأسهمت في ملاحقة إصدارات المطابع. بما شكل "فاترينة" متجددة أمام الدارسين ومحبي القراءة. أما "الكاتب" فهي المجلة التنويرية المهمة التي تعاقب علي رئاسة تحريرها عدد من أبرز المثقفين المصريين: أحمد حمروش وأحمد عباس صالح وصلاح عبد الصبور. وحاولت أسرة تحريرها مقاومة القرار المتعسف بإغلاقها. لكن حجب الدعم المادي عجَّل بالنهاية القاسية.
    المجلة المشروع اختير لها اسم من الأسماء الثلاثة التي أشرت إليها. وعلي الرغم مما يثيره كل اسم من دلالات مهمة. فان مجرد إصدار مجلة ثقافية جديدة هو حدث يستحق الاحتفاء.
    كانت بعض القيادات السابقة لهيئة الكتاب مولعة بالإلغاء. لم يكن التطوير واردا إنما الحل الأسهل هو إغلاق الباب الذي قد تأتي منه الريح. وغابت عن حياتنا مجلات يصعب تعويضها. أذكرك بمجلة يحيي حقي. وفكر زكي نجيب المعاصر. وقاهرة إبراهيم حمادة وغالي شكري. وعالم كتاب سعد الهجرسي. ومجلات أخري مثلت نوافذ لكتابات الأدباء والشعراء والمفكرين.
    وبصراحة. فإن أزمة النشر الحادة التي بلغت حد تقاضي ناشرين مبتزين حق الطباعة من الكتاب بدلا من أن يتقاضي الكتاب مقابلا لما يكتبون.. هذه الأزمة لن تمثل الكتب حلها الوحيد. فالكتاب في الأغلب يؤلفه كاتب واحد أما المجلة فإنها تستوعب الكثير من الكتابات في العدد الواحد. والأمر بالطبع لا يقتصر علي أزمة النشر. لكنه يتجاوزها بحيث تصبح هذه المجلات ملتقيات تطرح فيها الإبداعات الحديثة. والدراسات التي تعني بالتأصيل. وتقديم وجهات النظر الموضوعية وتحريك الراكد بعامة. وفي الموازاة. إعادة المعارك الفكرية إلي مسارها الصحيح.. القديم. بعيدا عن المتاجرة والابتزاز والشللية ومحاولات فرض الوصاية.
    اسم المجلة يجب ألا يستوقفنا. المهم أن تبدأ خطوات إصدارها. لتلبي احتياجا فعليا للثقافة والمثقفين.
    هامش:
    تقول الكاتبة الإيرانية الراحلة فروغ فزخزاد: أؤمن بأني شاعرة في كل الأوقات. أن يكون المرء شاعرا يعني أن يكون إنسانا. أعرف بعض الشعراء الذين لا تمت تصرفاتهم اليومية إلي قصائدهم بصلة. بمعني آخر. هم فقط شعراء يكتبون الشعر. بعدئذ ينتهي الأمر. ويتحولون إلي أشخاص جشعين. منغمسين في اللذات قامعين قصيري البصيرة. يائسين وغيورين لا يمكنني أن أصدق قصائدهم أنا أقدر وقائع الحياة. وعندما أجد هؤلاء السادة يصرخون ويصيحون في قصائدهم ومقالاتهم ينتابني القرف. وأشك في نزاهتهم. أقول لنفسي: ربما يصيحون لصحن من الأرز فقط!
    ....................................
    *المساء ـ في 1/12/2007م.

    تعليق

    • د. حسين علي محمد
      كاتب مسجل
      • Jun 2006
      • 1123

      #32
      رد: مع الروائي محمد جبريل

      ماوراء الحكايات
      محمد جبريل.. ابداع برائحة البحر

      حوار - نعمة عز الدين
      ...........................

      في عام 1938 شهدت مصر انتقال القوات البريطانية من القاهرة والاسكندرية الي القناة، واستعدت مصر لمواجهة الحرب العالمية التي بدت نذرها في الافق، وخرجت الي الشوارع مظاهرات تهتف بحياة زعيم الوفد وتتهم محمد محمود بمحاولة اغتياله، واعلن عن تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال المملكة المصرية، وارتفع فيضان النيل الي حد الخطر،
      واصدر طه حسين كتابه العلامة »مستقبل الثقافة في مصر« واذاع عدد من الفنانين والكتاب الطليعيين المصريين - متأثرين بسريالية أندريه بريتون - مانفنستو »يحيا الفن المنحط« وفي خضم هذا الغليان السياسي والاجتماعي ولد الاديب الكبير »محمد جبريل« في حي بحري بالاسكندرية وبرغم انتقاله للعمل والاقامة في القاهرة فان رائحة الاسكندرية لا تغيب ابدا عن معظم اعماله، والتي نذكر منها »إمام آخر الزمان«، »من اوراق ابن الطيب المتنبي«، »رباعية بحري«، »قلعة الجبل«، »ماذكر من اخبار عن الحاكم بأمر الله«، »مصر المكان«، »مصر في قصص كتابها المعاصرين«، »قراءة في شخصيات مصرية« بالاضافة الي أكثر من 90 قصة قصيرة تجعل الولوج الي عالمه الانساني نوعا من الإبحار الممتع.
      يقول »محمد جبريل«: حي بحري الذي ولد وعاش فيه طفولته نشأت في بيئة تحض عن عشق الموروث الشعبي، حي بحري شبه جزيرة في شبه جزيرة الاسكندرية الي اليمين الميناء الشرقي، او المينا الشرقية في تسمية السكندريين والي اليسار الميناء الغربي او المينا الغربية، وفي المواجهة خليج الانفوشي، ما بين انحناءة الطريق من نقطة الانفوش الي سراي رأس التين.
      هذه البيئة تتميز بخصوصية مؤكدة فالبنية السكانية تتألف من العاملين في مهنة الصيد وما يتصل بها ومن العاملين في الميناء وصغار الموظفين واعداد من الحرفيين والمترددين علي الجوامع والزوايا والاضرحة، فضلاً عن الآلاف من طلبة المعهد الديني بالمسافرخانة.
      واذا كان لبيئة البحر وما يتصل بها، انعكاسها في العديد من اعمالي الابداعية، فان البيئة الروحية لها انعكاسها كذلك في تلك الاعمال، مثل جوامع ابو العباس وياقوت العرش والبوصيري ونصر الدين وعبد الرحمن بن هرمز وعلي تمراز وثمة أضرحة كظمان والسيدة رقية وكشك وعشرات غيرها من جوامع اولياء الله الصالحين ومساجدهم وزواياهم واضرحتهم، وثمة الموالد وليالي الذكر والاهازيج والاسحار والتواشيح، وليالي رمضان وتياترو فوزي منيب وسرادق احمد المسيري وتلاوة القرآن عقب صلاة التراويح في سراي رأس التين، والتواشيح واحتفالات الاعياد: سوق العيد وما يشتمل عليه من المراجيح وصندوق الدنيا والاراجوز والساحر والمرأة الكهربائية، وألعاب النشان والقوة وركوب الحنطور من ميدان المنشية الي مدرسة ابراهيم الاول وتلاقي الأذان من المآذن المتقاربة والبخور والمجاذيب والمساليب، والباحثين عن البرء من العلل والمدد، بالاضافة الي المعتقدات والعادات والتقاليد التي تمثل في مجموعها موروثا يحفل بالخصوصية والتميز حين اراجع اعمالي الابداعية بدءا من قصتي القصيرة الاولي (الي الآن حوالي 90 قصة قصيرة و18 رواية) فان تأثير ذلك كله يبين في العديد من المواقف والشخصيات وفي تنامي الاحداث.
      في »رباعية بحري« يشعر الكاتب الكبير محمد جبريل أنه كتب كل ما في مخزونه الروحي ووصف طفولته وصباه متنقلا بين الجوامع الاربعة قائلا: رباعية بحري عملي روائي من اربعة اجزاء: أبو العباس، ياقوت العرش البوصيري، علي تمراز، تعرض للحياة في حي بحري منذ اواخر الحرب العالمية الثانية الي مطالع ثورة يوليو 1952 لوحات منفصلة حيث تكامل اللحظة القصصية، ومتصلة من حيث اتصال الاحداث، وتناغم المواقف وتكرار الشخصيات انسية التي طالعتنا في بداية الجزء الاول من الرباعية، هي انسية التي انتهت بها احداث الجزء الرابع والاخير، وما بين البداية والنهاية نتعرف الي دورة الحياة من ميلاد وطفولة وختان وخطبة وزواج وانجاب وشيخوخة ووفاة، فضلاً عن الحياة في المعهد الديني بالمسافر خانة، وحلقة السمك وحياة الفتوات والعوالم وما يتسم به ذلك كله من اختلاف وتميز، بقدر اختلاف البيئة وتميزها، علي سبيل المثال فإن الحياة في البحر وصلة البحر واليابسة، والمؤمنين بطهارة الماء وقدرة البحر علي اعمال السحر، والحكايات والمعتقدات عن عرائس البحر والعوالم الغريبة وكنوز الاعماق، والخرافة، والاسطورة والزي التقليدي، والمواويل، والاغنيات، والامثال، والحكايات، وخاتم سليمان، والمهن المتصلة بمهنة الصيد كالصيد بالسنارة والطراحة والجرافة، واسرار الغوص في اعماق البحر، وغزل الشباك وصناعة البلانسات والفلايك والدناجل وغيره وركوب البحر، وبيع الجملة في حلقة السمك وبائعي الشروات.. ذلك كله يتضح في الشخصيات التي كانت الحياة في البحر مورد الرزق الاهم - او الوحيد - لها.
      وفي قصصي القصار تتناثر لمحات من الموروث الشعبي، متمثلة في العديد من سلوكيات الحياة والمفردات والتعبيرات، وغيرها مما يعبر عن التميز الذي تتسم به منطقة بحري في حدودها الجغرافية المحددة والمحدودة: الزي الوطني، الطب الشعبي، العاب الاطفال وأغنياتهم، نداءات الباعة، الكناية، التكية المعايره، القسم، الطرفة، المثل، الحلم، وغيرها..
      والحق انني حين اراجع ابداعاتي التي وظفت - او استلهمت الموروث الشعبي اجد انها وليدة العفوية - ومحاولة التعبير عن الواقع، هذا هو ما افرزته تجربة الحياة والمشاهدة والقراءة والتعرف الي الخبرات، لم أتعمد الافادة من الموروث الشعبي بل هو الذي فرض معطياته في مجموع ماكتبت مثل روايتي القصيرة: »الصهبة« وروايتي: »بوح الاسرار«، و»زهرة الصباح« وغيرها.
      علي الرغم من نشأة الكاتب محمد جبريل يتيم الام - لقد ماتت والدته وهو دون العاشرة من عمره - الا انه يتحدث عن اثرها البالغ في تكوينه الابداعي قائلا: وعدت القارئ في سيرتي الذاتية »حكايات عن جزيرة فاروس« بأن يقتصر ما اذكره من الاعوام القليلة التي أمضتها امي في حياتنا علي بعض الصور او الومضات السريعة، رحلت امي قبل ان أبلغ العاشرة فتصورت ان ما اذكره لن يجاوز تلك الفترة الباكرة من حياتي فضلاً عن غياب الوعي بصورة كاملة او جزئية في الاعوام الاولي منها، لكن الذكريات التي كانت مطمورة مالبثت ان استردتها الكتابة وهو ما سجلته في »مد الموج« و»الحياة ثانية« و»اغنيات« في العديد من اعمالي الروائية والقصصية.
      ولعل رصيد امي هو اول ما اذكره من أيامها بيننا، أشرت اليه في العديد من لوحات السيرة الذاتية، والقصص القصيرة وفي فصول سيرتي الذاتية، قالت الجدة في شقة الطابق الرابع انها كانت تجلس بجوار امي تعودها لما انتفضت امي - فجأة - واشارت الي مالم تتبينه العجوز وهتفت: ابعدوه من هنا! ثم سكت صوتها وجسدها امرني ابي بالنزول الي الطبيب الارمني في الطابق الاول، صعد الطبيب السلم بخطوات متباطئة وكان يقف في كل طابق، امام النافذة المطلة علي الشارع الخلفي، ربما ليأخذ انفاسه وكنت ادعوه - بيني وبين نفسي - الي الاسراع في الصعود كي ينقذ امي، أطال الطبيب تأمل الجسد الساكن، كانت العينان جاحظتين، والبطن منتفخا بصورة ملحوظة والجسد بكامله متصلبا، كأنه وضع في قالب، مال الرجل علي صدر امي وباعد بأصبعيه بين الجفنين، وضغط بقبضة يده علي البطن المنتفخة ثم هز رأسه في اسي: ماتت!
      كانت امي مثلاً للحنان والقسوة في آن تثيب للفعل الطيب وتعاقب للخطأ التافه او الذي اتصوره تافها - كانت كما رويت في »مد الموج« تصر علي ان نذاكر حتي موعد النوم وترفض نزولنا للعب في الشارع الخلفي، لكنها كانت تحرص علي ان نجلس بحوار الراديو لسماع بابا صادق ثم بابا شارو في موعد برنامج الاطفال، ووافقت علي اقتراح اخي الاكبر بأن نشتري قطعة جاتوه بنقود العيدية التي اعطاها لنا خالي ووضعتها امي في درج الكومودينو وقالت امي: هل اذنت لكم قال اخي انها فلوسنا، ألقت علي الارض ماكانت تحمله، وسحبت من فوق الدولاب حبلا كانت تخصصه لعقابنا، لفته حول اقدامنا وتوالت ضرباتها بالشماعة حتي اجهدها التعب.
      ماتت امي وكبرت انا وتزوجت وانجبت وكان من الطبيعي ان تعود الذكريات وتنشأ المقارنة وتتوضح معان كانت غائبة، من بينها اشفاق الابوين علي مستقبل ابنائهما والفارق بين التدليل والافساد والتعويد علي الحياة السهلة او تلك التي تحرص علي القيم كان الاشفاق والحنان والخشية من الانحراف هو الباعث وراء الايذاء المتواصل من امي.. ادركت ذلك متأخرا وبعد فوات الاوان.
      يقول الكاتب الكبير محمد جبريل محدثا نفسه: قد تهبني هامشية من الخبرات اضعاف ما احصل عليه من شخصية اختزنت المعرفة فظلت ساكنة في داخل الذهن والوجدان دون تأثير حقيقي عليها، وعلي من يخالطونها وتعبير آخر فإن التأثير والتأثير، لا صلة لهما بمعرفة ولا ثقافة ولا مرحلة سنية وازعم انني افدت من رحلة امي القصيرة في حياتي ومن رفعة زوجتي زينب العسال الناصحة المشفقة المتدبرة ومن تمازج الطفولة والوعي في ابنتي امل لما لم تبدله الاعوام، ولعلني اذكر زواج خادمتنا »دهب« واستقلالها بحياتها لكنها ظلت علي صلتها الاسرية بنا، تزورنا وتسأل عن احوالنا - بالذات بعد ان رحلت امي - واضطر ابي - بتأثير المرض - الي لزوم البيت والاعتذار عن غالبية الاعمال التي عرضت عليه وكان مترجما! وعانينا ظروفا بالغة القسوة وصارحنا ابي - ذات يوم - ان »دهب« عرضت عليه مبلعا نجاوز به ظروفنا، وارفق ابي شكره باعتذار مؤدب فقد كان - كما قال لنا - يعرف ظروف دهب جيداً.
      اذكر ايضا زوجة عم احمد الفكهاني في الشارع الخلفي الواصل بين بيتنا وجامع سيدي علي تمراز كانت اشد منا حرصا علي »الغديوه« التي نقيمها كل بضعة ايام، ابنها فتحي واخي وانا، نفسح لها اسفل عربة الفاكهة الصندوقية الشكل، تضيف الي ما نأتي به ثمار الفكاهة وطبق سلطة خضراء وخبز ساخن من الفرن القريب، تظل طيلة جلوسنا في ظل العربة توصينا بأنفسنا، وبالمذاكرة، وتدعو الله ان يفتح لنا ابواب المستقبل بشخصية الام المصرية في مثالها المكتمل!
      ................................
      *الوفد ـ في 26/9/2007م.

      تعليق

      • د. حسين علي محمد
        كاتب مسجل
        • Jun 2006
        • 1123

        #33
        رد: مع الروائي محمد جبريل

        ماوراء الحكايات
        محمد جبريل.. ابداع برائحة البحر

        حوار - نعمة عز الدين
        ...........................

        في عام 1938 شهدت مصر انتقال القوات البريطانية من القاهرة والاسكندرية الي القناة، واستعدت مصر لمواجهة الحرب العالمية التي بدت نذرها في الافق، وخرجت الي الشوارع مظاهرات تهتف بحياة زعيم الوفد وتتهم محمد محمود بمحاولة اغتياله، واعلن عن تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال المملكة المصرية، وارتفع فيضان النيل الي حد الخطر،
        واصدر طه حسين كتابه العلامة »مستقبل الثقافة في مصر« واذاع عدد من الفنانين والكتاب الطليعيين المصريين - متأثرين بسريالية أندريه بريتون - مانفنستو »يحيا الفن المنحط« وفي خضم هذا الغليان السياسي والاجتماعي ولد الاديب الكبير »محمد جبريل« في حي بحري بالاسكندرية وبرغم انتقاله للعمل والاقامة في القاهرة فان رائحة الاسكندرية لا تغيب ابدا عن معظم اعماله، والتي نذكر منها »إمام آخر الزمان«، »من اوراق ابن الطيب المتنبي«، »رباعية بحري«، »قلعة الجبل«، »ماذكر من اخبار عن الحاكم بأمر الله«، »مصر المكان«، »مصر في قصص كتابها المعاصرين«، »قراءة في شخصيات مصرية« بالاضافة الي أكثر من 90 قصة قصيرة تجعل الولوج الي عالمه الانساني نوعا من الإبحار الممتع.
        يقول »محمد جبريل«: حي بحري الذي ولد وعاش فيه طفولته نشأت في بيئة تحض عن عشق الموروث الشعبي، حي بحري شبه جزيرة في شبه جزيرة الاسكندرية الي اليمين الميناء الشرقي، او المينا الشرقية في تسمية السكندريين والي اليسار الميناء الغربي او المينا الغربية، وفي المواجهة خليج الانفوشي، ما بين انحناءة الطريق من نقطة الانفوش الي سراي رأس التين.
        هذه البيئة تتميز بخصوصية مؤكدة فالبنية السكانية تتألف من العاملين في مهنة الصيد وما يتصل بها ومن العاملين في الميناء وصغار الموظفين واعداد من الحرفيين والمترددين علي الجوامع والزوايا والاضرحة، فضلاً عن الآلاف من طلبة المعهد الديني بالمسافرخانة.
        واذا كان لبيئة البحر وما يتصل بها، انعكاسها في العديد من اعمالي الابداعية، فان البيئة الروحية لها انعكاسها كذلك في تلك الاعمال، مثل جوامع ابو العباس وياقوت العرش والبوصيري ونصر الدين وعبد الرحمن بن هرمز وعلي تمراز وثمة أضرحة كظمان والسيدة رقية وكشك وعشرات غيرها من جوامع اولياء الله الصالحين ومساجدهم وزواياهم واضرحتهم، وثمة الموالد وليالي الذكر والاهازيج والاسحار والتواشيح، وليالي رمضان وتياترو فوزي منيب وسرادق احمد المسيري وتلاوة القرآن عقب صلاة التراويح في سراي رأس التين، والتواشيح واحتفالات الاعياد: سوق العيد وما يشتمل عليه من المراجيح وصندوق الدنيا والاراجوز والساحر والمرأة الكهربائية، وألعاب النشان والقوة وركوب الحنطور من ميدان المنشية الي مدرسة ابراهيم الاول وتلاقي الأذان من المآذن المتقاربة والبخور والمجاذيب والمساليب، والباحثين عن البرء من العلل والمدد، بالاضافة الي المعتقدات والعادات والتقاليد التي تمثل في مجموعها موروثا يحفل بالخصوصية والتميز حين اراجع اعمالي الابداعية بدءا من قصتي القصيرة الاولي (الي الآن حوالي 90 قصة قصيرة و18 رواية) فان تأثير ذلك كله يبين في العديد من المواقف والشخصيات وفي تنامي الاحداث.
        في »رباعية بحري« يشعر الكاتب الكبير محمد جبريل أنه كتب كل ما في مخزونه الروحي ووصف طفولته وصباه متنقلا بين الجوامع الاربعة قائلا: رباعية بحري عملي روائي من اربعة اجزاء: أبو العباس، ياقوت العرش البوصيري، علي تمراز، تعرض للحياة في حي بحري منذ اواخر الحرب العالمية الثانية الي مطالع ثورة يوليو 1952 لوحات منفصلة حيث تكامل اللحظة القصصية، ومتصلة من حيث اتصال الاحداث، وتناغم المواقف وتكرار الشخصيات انسية التي طالعتنا في بداية الجزء الاول من الرباعية، هي انسية التي انتهت بها احداث الجزء الرابع والاخير، وما بين البداية والنهاية نتعرف الي دورة الحياة من ميلاد وطفولة وختان وخطبة وزواج وانجاب وشيخوخة ووفاة، فضلاً عن الحياة في المعهد الديني بالمسافر خانة، وحلقة السمك وحياة الفتوات والعوالم وما يتسم به ذلك كله من اختلاف وتميز، بقدر اختلاف البيئة وتميزها، علي سبيل المثال فإن الحياة في البحر وصلة البحر واليابسة، والمؤمنين بطهارة الماء وقدرة البحر علي اعمال السحر، والحكايات والمعتقدات عن عرائس البحر والعوالم الغريبة وكنوز الاعماق، والخرافة، والاسطورة والزي التقليدي، والمواويل، والاغنيات، والامثال، والحكايات، وخاتم سليمان، والمهن المتصلة بمهنة الصيد كالصيد بالسنارة والطراحة والجرافة، واسرار الغوص في اعماق البحر، وغزل الشباك وصناعة البلانسات والفلايك والدناجل وغيره وركوب البحر، وبيع الجملة في حلقة السمك وبائعي الشروات.. ذلك كله يتضح في الشخصيات التي كانت الحياة في البحر مورد الرزق الاهم - او الوحيد - لها.
        وفي قصصي القصار تتناثر لمحات من الموروث الشعبي، متمثلة في العديد من سلوكيات الحياة والمفردات والتعبيرات، وغيرها مما يعبر عن التميز الذي تتسم به منطقة بحري في حدودها الجغرافية المحددة والمحدودة: الزي الوطني، الطب الشعبي، العاب الاطفال وأغنياتهم، نداءات الباعة، الكناية، التكية المعايره، القسم، الطرفة، المثل، الحلم، وغيرها..
        والحق انني حين اراجع ابداعاتي التي وظفت - او استلهمت الموروث الشعبي اجد انها وليدة العفوية - ومحاولة التعبير عن الواقع، هذا هو ما افرزته تجربة الحياة والمشاهدة والقراءة والتعرف الي الخبرات، لم أتعمد الافادة من الموروث الشعبي بل هو الذي فرض معطياته في مجموع ماكتبت مثل روايتي القصيرة: »الصهبة« وروايتي: »بوح الاسرار«، و»زهرة الصباح« وغيرها.
        علي الرغم من نشأة الكاتب محمد جبريل يتيم الام - لقد ماتت والدته وهو دون العاشرة من عمره - الا انه يتحدث عن اثرها البالغ في تكوينه الابداعي قائلا: وعدت القارئ في سيرتي الذاتية »حكايات عن جزيرة فاروس« بأن يقتصر ما اذكره من الاعوام القليلة التي أمضتها امي في حياتنا علي بعض الصور او الومضات السريعة، رحلت امي قبل ان أبلغ العاشرة فتصورت ان ما اذكره لن يجاوز تلك الفترة الباكرة من حياتي فضلاً عن غياب الوعي بصورة كاملة او جزئية في الاعوام الاولي منها، لكن الذكريات التي كانت مطمورة مالبثت ان استردتها الكتابة وهو ما سجلته في »مد الموج« و»الحياة ثانية« و»اغنيات« في العديد من اعمالي الروائية والقصصية.
        ولعل رصيد امي هو اول ما اذكره من أيامها بيننا، أشرت اليه في العديد من لوحات السيرة الذاتية، والقصص القصيرة وفي فصول سيرتي الذاتية، قالت الجدة في شقة الطابق الرابع انها كانت تجلس بجوار امي تعودها لما انتفضت امي - فجأة - واشارت الي مالم تتبينه العجوز وهتفت: ابعدوه من هنا! ثم سكت صوتها وجسدها امرني ابي بالنزول الي الطبيب الارمني في الطابق الاول، صعد الطبيب السلم بخطوات متباطئة وكان يقف في كل طابق، امام النافذة المطلة علي الشارع الخلفي، ربما ليأخذ انفاسه وكنت ادعوه - بيني وبين نفسي - الي الاسراع في الصعود كي ينقذ امي، أطال الطبيب تأمل الجسد الساكن، كانت العينان جاحظتين، والبطن منتفخا بصورة ملحوظة والجسد بكامله متصلبا، كأنه وضع في قالب، مال الرجل علي صدر امي وباعد بأصبعيه بين الجفنين، وضغط بقبضة يده علي البطن المنتفخة ثم هز رأسه في اسي: ماتت!
        كانت امي مثلاً للحنان والقسوة في آن تثيب للفعل الطيب وتعاقب للخطأ التافه او الذي اتصوره تافها - كانت كما رويت في »مد الموج« تصر علي ان نذاكر حتي موعد النوم وترفض نزولنا للعب في الشارع الخلفي، لكنها كانت تحرص علي ان نجلس بحوار الراديو لسماع بابا صادق ثم بابا شارو في موعد برنامج الاطفال، ووافقت علي اقتراح اخي الاكبر بأن نشتري قطعة جاتوه بنقود العيدية التي اعطاها لنا خالي ووضعتها امي في درج الكومودينو وقالت امي: هل اذنت لكم قال اخي انها فلوسنا، ألقت علي الارض ماكانت تحمله، وسحبت من فوق الدولاب حبلا كانت تخصصه لعقابنا، لفته حول اقدامنا وتوالت ضرباتها بالشماعة حتي اجهدها التعب.
        ماتت امي وكبرت انا وتزوجت وانجبت وكان من الطبيعي ان تعود الذكريات وتنشأ المقارنة وتتوضح معان كانت غائبة، من بينها اشفاق الابوين علي مستقبل ابنائهما والفارق بين التدليل والافساد والتعويد علي الحياة السهلة او تلك التي تحرص علي القيم كان الاشفاق والحنان والخشية من الانحراف هو الباعث وراء الايذاء المتواصل من امي.. ادركت ذلك متأخرا وبعد فوات الاوان.
        يقول الكاتب الكبير محمد جبريل محدثا نفسه: قد تهبني هامشية من الخبرات اضعاف ما احصل عليه من شخصية اختزنت المعرفة فظلت ساكنة في داخل الذهن والوجدان دون تأثير حقيقي عليها، وعلي من يخالطونها وتعبير آخر فإن التأثير والتأثير، لا صلة لهما بمعرفة ولا ثقافة ولا مرحلة سنية وازعم انني افدت من رحلة امي القصيرة في حياتي ومن رفعة زوجتي زينب العسال الناصحة المشفقة المتدبرة ومن تمازج الطفولة والوعي في ابنتي امل لما لم تبدله الاعوام، ولعلني اذكر زواج خادمتنا »دهب« واستقلالها بحياتها لكنها ظلت علي صلتها الاسرية بنا، تزورنا وتسأل عن احوالنا - بالذات بعد ان رحلت امي - واضطر ابي - بتأثير المرض - الي لزوم البيت والاعتذار عن غالبية الاعمال التي عرضت عليه وكان مترجما! وعانينا ظروفا بالغة القسوة وصارحنا ابي - ذات يوم - ان »دهب« عرضت عليه مبلعا نجاوز به ظروفنا، وارفق ابي شكره باعتذار مؤدب فقد كان - كما قال لنا - يعرف ظروف دهب جيداً.
        اذكر ايضا زوجة عم احمد الفكهاني في الشارع الخلفي الواصل بين بيتنا وجامع سيدي علي تمراز كانت اشد منا حرصا علي »الغديوه« التي نقيمها كل بضعة ايام، ابنها فتحي واخي وانا، نفسح لها اسفل عربة الفاكهة الصندوقية الشكل، تضيف الي ما نأتي به ثمار الفكاهة وطبق سلطة خضراء وخبز ساخن من الفرن القريب، تظل طيلة جلوسنا في ظل العربة توصينا بأنفسنا، وبالمذاكرة، وتدعو الله ان يفتح لنا ابواب المستقبل بشخصية الام المصرية في مثالها المكتمل!
        ................................
        *الوفد ـ في 26/9/2007م.

        تعليق

        • د. حسين علي محمد
          كاتب مسجل
          • Jun 2006
          • 1123

          #34
          رد: مع الروائي محمد جبريل

          حوار مع د.ناصر الأنصاري رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب
          .................................................. ................................

          د.ناصر الأنصاري: ليس عندنا أزمة في النشر.. هناك بعض المشكلات
          الكتاب المطبوع له قراؤه.. رغم التطور الاليكتروني
          المركز القومي للترجمة.. لن يؤثر علينا بالسلب

          حاوره: محمد جبريل
          ........................

          علي الرغم من تعدد الحلول لمشكلة النشر فإن الأزمة لاتزال قائمة. سواء من خلال القوائم الطويلة في هيئات الدولة. والتي تمتد إلي أكثر من خمس سنوات. أو من خلال تقاضي دور النشر الخاصة مبالغ مرتفعة من المؤلفين مقابلاً لنشر كتبهم. وهو ما اضطر كتاباً مرموقين إلي التنازل عن حقوق نشر كتبهم دون مقابل. بل إن الأديب الكبير إدوار الخراط اتجه بأصبع الإدانة ضد هيئة الكتاب لأنها لم تصدر حتي الآن أعماله الكاملة.
          ونسأل د.ناصر الأنصاري رئيس هيئة الكتاب: من وجهة نظرك كمثقف. ما الحلول الجذرية لأزمة النشر؟
          قال: هناك فرق كبير بين أن تكون هناك أزمة. وأن النشر يعاني بعض المشكلات. أي أن هناك عملاً يجب أن يقيم. بحيث تحل المشكلات. ونحن كمسئولين يجب أن نضع تصورات موضوعية لحل هذه المشكلات. وإن كنت لا أوافق علي القول إن هناك أزمة.
          هناك مشكلات في التوزيع. لدينا شركتان فقط تحتكران التوزيع. ومعظم دور النشر ليس لديها مكتبات. فهي تنتظر معرض الكتاب من العام إلي العام كي تعرض إصداراتها علي الجمهور. الشيء نفسه علي المستوي العربي. مع أن لدينا ميزة لا نحسن استغلالها. وهي أن 22 دولة تتكلم لغة واحدة هي اللغة العربية. بالإضافة طبعاً إلي الناطقين بلغتنا الجميلة وهم كثرة في أرجاء العالم. لكن كتب الوطن العربي لا تباع للأسف في مصر. والعكس صحيح. هذه واحدة من المشكلات التي يمكن أن نجد لها حلاً. وإن كان هذا لا يعني أن نطلق عليها تعبير أزمة.
          قلنا: ما رأيك في دور النشر الخاصة التي تحصل علي ثمن النشر بدلا منا دفع مكافأة للمؤلف؟
          قال: هذه ظاهرة فريدة. لكنها ليست منتشرة. وأنا لا أدري لماذا يلجأ الكاتب إلي ناشر كهذا؟!
          قلنا: لأن منافذ النشر غير متاحة
          قال: لدينا نظام عمل معروف للجميع. عند نشر العمل يوضع عقد. ويحصل المؤلف علي مكافأته. هل يوجد كاتب يحترم عمله ويرضي بالتنازل عن حقه؟!
          حق المؤلف
          قلنا: هناك الشباب.
          قال: لا أعتقد. فلدينا سلاسل لإبداع الشباب. صحيح أن هناك ضغطاً في النشر. لكن الذي يستحق النشر هو الذي ينشر. قد يلجأ مؤلف رفض عمله إلي هذا الأسلوب. ولكن هناك دور نشر محترمة تعرف حق المؤلف. وتحرص علي أن ينال هذا الحق. وأحدثت بالفعل طفرة في نشر الكتب.
          قلنا: سلسلة الجوائز من إنجازات الهيئة.. لكن أي جوائز.. ألا تري أن بعض ما نشر دون المستوي؟
          قال: نحن نقصد الجوائز العربية والعالمية. بالإضافة إلي الجوائز المصرية. وفي مقدمة الضوابط أن يكون المطبوع حاصلاً علي جائزة كبري معروفة في مصر. وجوائز الدولة لا غبار عليها لأنها تصدر عن المجلس الأعلي للثقافة. كما أخذنا من جائزة أبها وجائزة سلطان العويس. لكن يبقي التركيز علي الجوائز العالمية. أخذنا من جائزة نوبل. ثم جوائز الدول مثل فرنسا وانجلترا والولايات المتحدة. وسوف نلجأ إلي دول أخري ذات ثقل ثقافي معروف.
          مكتبة الأسرة
          قلنا: ما الجديد في مشروع مكتبة الأسرة هذا العام؟
          قال: لم تجتمع اللجنة التي تضع الأسس والخطوط الرئيسية. ثم يبدأ التنفيذ. وأذكر أننا قدمنا في العام الماضي شيئاً جديداً لم تلتفت إليه الصحافة. وهو أن جميع مطبوعات مكتبة الأسرة اعتمدت في أغلفتها علي أهم الأعمال الفنية لعدد كبير من الفنانين التشكيليين. من جميع الاتجاهات والأعمار. كما أننا قدمنا إلي جانب النص الأدبي تعريفاً بالفنان التشكيلي.
          قلنا: ما أثير حول مجلة "إبداع" في الفترة الأخيرة يجعلنا نسأل: من الذي يشرف بصورة فعلية علي المجلات التي تصدرها الهيئة؟
          قال: بالطبع أسرة التحرير. ولها حرية. لكنها حرية مقيدة. فالمجلة تصدر عن هيئة الكتاب المصرية المعنية بالنشر في مصر. هناك سياسة خاصة بالنشر داخل الهيئة. بالنسبة للمجلات والدوريات التي تصدرها. وأي دار نشر لها سياسة تخضع لها المطبوعات التي تصدرها. لابد من معايير لتحقيق أهداف بعينها. ولابد أن تترجم هذه الأهداف إلي سياسات. وكل ناشر يراجع دائماً سياساته. ومدي تحقيق أهدافه.
          مجلات
          قلنا: ألا تلحظ أن هناك توقفاً للكثير من مجلات الهيئة؟
          قال: بالعكس. فصول تصدر بانتظام بعد أن توقفت في فترة سابقة. وعادت إبداع. ونعد للعدد الجديد من عالم الكتب. وهناك مجلة ترصد الكتب التي تصدر داخل مصر وخارجها. وأن أشرف عليها إلي الآن. هناك أيضاً مجلة العلم والحياة. أريد أن أعيدها بطريقة أفضل من خلال تعاون مشترك بينها وبين المجلات العلمية في العالم كله. وبالنسبة لمجلة الفنون الشعبية. فقد اتفقت مع د.أحمد مرسي علي أن يشرك جمعية الفنون الشعبية في التكلفة. كي نوفر علي القارئ عبء السعر.
          قلنا: سمعنا كثيراً عن تعاون الهيئة مع هيئات ومؤسسات عالمية؟
          قال: نحن نرحب بأي تعاون. ونسعي إليه. لكن لم يعرض علينا حتي الآن شيء جاد. أنا مع التعاون العربي بالكامل. وأفكر فيه دائماً. وقد بدأنا بالمعرض العربي بالإسكندرية في العام الماضي. وسنعيده هذا العام.
          قلنا: هل سينشأ تعاون بين الهيئة ومركز الترجمة؟ وإلي أي مدي؟
          قال: لا مانع بالطبع من قيام تعاون ما. سواء في مجال النشر أو الطبع أو التوزيع بالنسبة لمشروع الترجمة. هذا التعاون لابد أن يكون موجوداً. أما أن يتأثر دور الهيئة بالنسبة للترجمة. فإني أقولها صراحة: لن يحدث ذلك!
          قلنا: هل تري أن الكتاب الورقي مهدد بالنشر الالكتروني في السنوات المقبلة؟
          قال: الدول الأكثر تقدماً في النشر الالكتروني لم تشعر بأي تأثير أو خطر. وأشك في أن يحدث هذا التأثير بالنسبة للغة العربية في الوقت القريب. الكتاب سيظل الكتاب. فلا يقرأ علي الشاشة. وإذا طبعناه فهي طباعة رديئة إذا ما قورنت بالكتاب الورقي. الكتاب الورقي يقرأ في أي وقت. ونحن تربينا علي أن نلمس الورق. هناك صلة بين الكتاب والقارئ. ولا أعتقد أن الشاشة ستقوم بهذا الدور. بل إني أعتقد أن النشر الالكتروني سيروج للنشر العادي.
          قلنا: بالمناسبة: أين الهيئة في مجال النشر الالكتروني؟
          قال: لدي الهيئة موقع دائماً ما نطوره. وهناك عقود جديدة أعدتها الهيئة وضعت فيها بند النشر الالكتروني. وحق النشر الالكتروني.
          أفضل كتاب
          قلنا: لماذا لا تقدم الهيئة جائزة متميزة لأفضل كتاب نشر خلال العام. علي غرار ما يقدمه اتحاد الناشرين في انجلترا.
          قال: هذه فكرة جيدة. وإن كانت فكرة الجوائز دائماً ما تقابل بالتشكيك والهجوم من جانب من يتقدم ولا يحصل عليها. متناسياً أن المتقدمين كثر. لكن واحداً فقط هو الذي يفوز!
          قلنا: أخيراً. هل أفدت من سنوات عملك في الخارج؟
          قال: الحقيقة أن الخارج هو الذي أفاد من سنوات عملي هنا. والخبرة التي اكتسبتها في مؤسستي الأوبرا وهيئة الوثائق. عند اختياري لمركز العالم العربي بباريس جعلتهم يدركون تماماً مدي خبرتي.
          ..........................................
          *المساء ـ في 5/5/2007م.

          تعليق

          • د. حسين علي محمد
            كاتب مسجل
            • Jun 2006
            • 1123

            #35
            رد: مع الروائي محمد جبريل

            من المجرر

            بقلم: محمد جبريل
            .......................

            الأدب مجهود فردي.
            حقيقة. وإن حاول كمال الملاخ واسماعيل ولي الدين في السبعينيات ان يجعلا من تأليف العمل الأدبي بروايتهما المشتركة "الاستاذ" عملا ثنائيا. كيف كانا يفكران؟ من الذي كان يكتب؟ من كان يراجع ويضيف اللمسات؟
            أسئلة لا أجد حتي الآن أجوبة لها.
            واذا كانت صورة العمل الفني : فنان يخلو الي فنه وقلمه واوراقه. يحيا في جزيرة تبعد به عن الذي يقاسمه حجرة مكتبه بالمناسبة: يعلن القلم عجزه عن الكتابة اذا تابعت عينان ما احاول كتابته. تثيرني النظرات. اتصور أنها تقتحم عالمي الفني بلا استئذان!
            اقول : اذا كانت صورة الفردية هي قوام العمل الفني. فإن الحياة الادبية بكل ما تشغي به من آراء وافكار ومناقشات هي الارضية التي لابد اكرر : لابد ان يقف. ويتحرك عليها اي عمل فني. تناقشني في محاولاتي. تناقشك في محاولاتك. نعرض للقضايا الأدبية. نتفق ونختلف. نشارك في الندوات. نستمع الي المحاضرات. نشاهد فيلما جيدا. نتابع عملا اذاعيا متميزا. أو مسلسلا تليفزيونيا جعل مؤلفه من الفن هدفا أوليا.
            الحياة الثقافية المتميزة تفضي بالضرورة الي فن متميز. مجرد الغيرة من ان زميلك يكتب. وأنك تكتفي بالحضور الشخصي. دافع لأن تحاول. وان تكتب. الادب الفرنسي مزدهر. والجيل الادبي يكتفي بخمس سنوات. ليظهر جيل آخر. له محاولاته المغايرة التي تضيف جديدا. في الرؤي والتقنيات.
            أدبنا العربي المعاصر تتحيفه الامراض او هذا هو الاتهام الذي يواجهه لان اهله اغلقوا عليه الابواب والنوافذ. ومنعوا الزيارات الخاصة والعامة. يضع الكاتب عمله حتي يتاح له النشر في بوتقة السرية والتكتم يحدده بالمسطرة والمثلث والبرجل. يحرص علي المساحة المتاحة. فلا يجاوزها. يرفض والحكم مسبق محاولات الآخرين. يعتذر عن حضور الندوات والمحاضرات. وينهي كل المناقشات في الاغلب بما يعني: لا احب ذلك!
            لكن الادب العربي في الحقيقة ابعد مايكون عن الظلال. وربما القتامة التي تصر اجتهادات مشبوهة ان تحيطه بها. وهي اجتهادات ليست وافدة من الغرب باعتبار ان ما يأتي من الغرب لايسر القلب. فهي قد تنتسب للاسف الي نحن. الي شعور بالدونية تغيب مبرراته وبواعثه.
            لعل وضع أدبنا العربي في موضعه الصحيح. هو المسئولية الأولي لجابر عصفور في عمله الجديد أمينا عاما للمركز القومي للترجمة.
            ..........................................
            *المساء ـ في 5/5/2007م.

            تعليق

            • د. حسين علي محمد
              كاتب مسجل
              • Jun 2006
              • 1123

              #36
              رد: مع الروائي محمد جبريل

              من المحرر

              بقلم: محمد جبريل
              .........................

              الثابت - تاريخيا - ان عنترة كان واحداً من الفرسان الذين يعتز بهم العرب في العصر الجاهلي. ثم أضاف الوجدان الشعبي إلي سيرة حياته. فهو ذلك البطل الذي دافع عن حبه. وعن حقه في الحرية والمساواة. ولم يكن الهلالية - علي حد تعبير عبدالحميد يونس - سوي أهل شغب. قليلا ما يهدون. يقطعون الطريق علي السفر حجاجا وتجاراً ويكرهون النظام أيا كان مصدره والسلب عندهم غنيمة مشروعة تقضي بها خلقيتهم ويقوم عليها مجتمعهم. بحيث صاروا خصوم الدولة النظامية الألداء. أما الظاهر بيبرس فإن بداية التحقق الفعلي لمكانته البطولية حين قتل قائده العظيم المظفر قطز. بعد أن دحر المغول في موقعة عين جالوت. وأما السيد البدوي. فثمة ظلال علي سيرة حياته. تخالف ما ألف الرواة الشعبيون ترديده عن تلك السيرة. ولعلي أذكرك بكتابات محمد فهمي عبداللطيف وسعيد عبدالفتاح عاشور وغيرهما وتقول سجلات الشرطة ان ابن عروس وأدهم الشرقاوي وياسين ومتولي وبهية وغيرهم من الذين وضعهم الوجدان الشعبي في مكانة متفوقة. قد ارتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي. كالقتل والسطو والخطف والزنا ومقاومة السلطة.. إلخ.
              فلماذا أسقط الوجدان الشعبي ما يشكل - في حياة هؤلاء - نقاط ضعف - أو سلبيات وبتعبير آخر: كيف يصنع الوجدان الشعبي نموذجه البطولي؟
              السيرة الشعبية والحكاية والرواية التاريخية الشعبية. ليست مجرد رواية ما حدث. وإنما رواية ما كان يجب أن يحدث. أو ما يتمني الوجدان الشعبي أن يحدث من رغبة في تغيير الواقع إلي اصطناع التاريخ الذي يريده. إن كل تلك الأجناس الأدبية والفنية تسجيل شعبي. شفاهي. لحياة الجماعة الشعبية. أضيف إليه. وحذف منه وخضع عموما لرؤية الناس المتجددة والمتغيرة لأحداث تاريخهم. لذلك جاء القول إن الموروث الشعبي نوع من القراءة الشعبية للتاريخ.
              الواقعة التاريخية ليست مقدسة في رواية الوجدان الشعبي. لأن قداسة الواقعة تقتصر علي ما يشغل الوجدان الشعبي هو اثراء الصورة التي يبتدعها خياله. بصرف النظر عن الأحداث والشخصيات.
              والحكاية الشعبية - أو الحدوتة - ينبغي أن تصل إلي النهاية التي يريدها المتلقي. لا يشغله مسار الأحداث. ولا تطوراتها. ولا الحبكة. أو ماذا تريد الحكاية - أو الحدوتة - أن تقول. المهم أن تعود الأمور إلي ما كانت عليه في بداياتها. والنهاية السعيدة مطلوبة في الحكاية الشعبية بعكس ما تقدمه السيرة - الموال كما في ياسين وبهية وأدهم الشرقاوي وشفيقة ومتولي.
              وإذا كانت السيرة الشعبية تتناول - في الأغلب - بطلا تاريخيا حقيقيا. وأحداثا تاريخية حقيقية. فإن الوجدان الشعبي قد أضاف إلي الأبطال الحقيقيين. والأحداث التاريخية الحقيقية. بما أعاد تشكيل البطل. والحدث. علي الصورة التي يريدها. أو يتمناها. بل ان بعض الشخصيات التي قدمتها السير والحكايات الشعبية. يشك في وجودها مثل المهلهل وسيف بن ذي يزن. وذات الهمة وحمزة البهلوان.
              السيرة الشعبية - شأنها شأن التراث الشعبي - يضاف إليها بتوالي الأعوام وتجري تعديلات. حذف واضافة. يساعد علي ذلك ان السيرة الشعبية شاعر أو محدث من جانب. ومتلقون من جانب آخر وعلي الشاعر أو المحدث أن يستجيب إلي رغبات المتلقين في الاطناب أو الايجاز "أو حتي علي الحذف والتبديل في نص القصة" ربما أضافت السيرة شخصيات غير حقيقية وأحداثا لم تقع بالفعل لتحقيق الدلالة التي يستهدفها الوجدان الشعبي من صياغة السيرة أضافتها في توالي العصور. ثمة من يشترط علي كاتب الرواية التاريخية ألا يتصرف في تغيير الحوادث أو الأزمنة التاريخية. لكنه لا يرفض ذلك في السيرة الشعبية. فقد يكون لها أساس تاريخي لكنها تتصرف في الحوادث التاريخية تصرفا واسعا يخضع لظروف رواية السيرة أو الحكاية أو الوقائع التاريخية. وبتعبير آخر فإن السيرة الشعبية. الحكاية. الوقائع التاريخية تمثل - في تقدير البعض - الكتابة الشعبية للتاريخ العربي.
              ..........................................
              *المساء ـ في 12/5/2007م.

              تعليق

              • د. حسين علي محمد
                كاتب مسجل
                • Jun 2006
                • 1123

                #37
                رد: مع الروائي محمد جبريل

                عن الأدب .. وعالم الفتوات

                بقلم: محمد جبريل
                .....................

                روي لي أستاذنا نجيب محفوظ -يوما- أن نشأته في الأحياء الشعبية قد أتاحت له التعرف -بصورة مباشرة- إلي حياة القنوات وما كانت تزخر به من بطولات وخيانات ومعارك لا تنتهي وقد انعكس ذلك كله -بالطبع- في عالم كاتبنا الكبير الروائي منذ بداية ونهاية إلي الحرافيش وبقدر ما كان نجيب محفوظ الطفل يضمر إعجابا بالفتوات فإنه لم يكن يملك إلا الإشفاق علي هؤلاء الذين تجددت وظيفتهم في تلقي الضربات أثناء المعارك المتوالية وكانت قواهم الجسدية هي عنصر امتيازهم الوحيد.
                ولأن الفتونة ليست قوة جسدية فحسب إنما هي إرادة وذكاء وقوة شخصية وحسن قيادة للآخرين فقد كان مساعدو الفتوات تكوينا أساسيا في ذلك العالم المثير بدونهم تزول سيطرة كل فتوة علي حي أو مجموعة أحياء وتتحول معاركه مع فتوات الأحياء الأخري إلي خناقات فردية. دون أن يجاوز تأثيرها الفتوات أنفسهم. أما المساعدون. فبالإضافة إلي أنهم كانوا يتلقون الضربات فقد كانوا -في الوقت نفسه- يبلغون الإنذارات ويتلقون الإتاوات. ويضعون أعينهم علي تحركات القنوات الآخرين. وعلي الشرطة في آن معا.
                باختصار. فإن مساعدي كل فتوة كانوا هم العامل الأساسي في إبرازه وتقديمه وفرض سطوته. وإن ظلوا علي الهامش دوما في عالم الفتوات.
                والحق أن ذلك العالم الاسطوري -كما رواه لي استاذنا نجيب محفوظ- يذكرني بواقعنا الأدبي والفني المعاصر. فما أكثر مساعدي الفتوات في دنيا فنان الشعب سيد درويش. وفي النقلة التي أحدثها الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب. وفي استاذية نجيب الريحاني. وفي أداء أم كلثوم. وفي لوحات محمود سعيد. وتماثيل محمود مختار. وما أكثر مساعدي الفتوات في عالم نجيب محفوظ نفسه بل إن جيل يوسف إدريس بكامله لم يزد دوره عما كان يفعله مساعدو الفتوات في مطالع القرن.. أبدعوا. ولقيت أعمالهم قبولا ورفضا. وذاعت أسماء واختفت. وأثيرت المعارك الفنية والنقدية. ونوقشت الرسائل الجامعية. وصدرت الدراسات وعقدت المؤتمرات والندوات. فلما انحسر المد بدا يوسف إدريس متفردا في الساحة.
                لعل المشكلة التي تحياها أجيال ما بعد يوسف إدريس. أن رأيا عاما لم يتكون -بصورة حاسمة- حول اسم محدد فالأسماء تظهر في حياتنا الثقافية كالفلاشات التي تضيء جدا. ثم تختفي بالكيفية ذاتها!
                أخشي أن يكون مبدعو هذه الأجيال قد تحولوا جميعا -والظواهر كثيرة- إلي مساعدين- وهنا الحسرة! -لفتوات الأجيال السابقة.
                من فتوة هذا الجيل؟!
                .........................................
                *المساء ـ في 19/5/2007م.

                تعليق

                • د. حسين علي محمد
                  كاتب مسجل
                  • Jun 2006
                  • 1123

                  #38
                  رد: مع الروائي محمد جبريل

                  د.سعد أبوالرضا:
                  لا تعارض بين الأدب الإسلامي وحرية الإبداع
                  الكتابة للطفل يجب أن تقتصر علي المتخصص
                  مشكلة الجامعات الإقليمية في قلة الإمكانيات

                  حاوره: محمد جبريل
                  .........................

                  الحوار مع الدكتور سعد أبوالرضا ينبغي أن يشمل -بالضرورة- ما يشغله من اهتمامات ثقافية وإبداعية. فهو كاتب للقصة القصيرة. ولأدب الأطفال. وأستاذ جامعي. وناقد. وله نظرياته في مجال الأدب الإسلامي التي لا تشترط الاجتهادات الدينية الفقهية. وإنما تعني بالقيم الإسلامية في عمومها. وقد تحدث عنها في مؤتمرات دولية في السعودية والمغرب العربي والأردن وفلسطين واليمن فضلا عن إنجلترا وفرنسا.
                  * قلنا: بداية هل هناك تعارض بين مفهوم الأدب الإسلامي وحرية الإبداع؟
                  ** قال: لا يمكن أن يكون هناك تعارض بين الأدب الإسلامي وحرية الإبداع فالأديب المسلم يمكنه أن يتحدث في أي موضوع. ويكتب في أية قضية المهم أن تكون هناك مرجعية إسلامية ضابطة لهذه الحرية.. بمعني ألا يكون هناك -مثلا- خروج علي الأخلاق أو تجاوز غير مشروع في حقوق الآخرين. وهكذا.
                  * قلنا: بهذا المفهوم يمكن القول إن كل من يلتزم بهذه الضوابط هو كاتب إسلامي. حتي لو لم يكن مسلما؟
                  ** قال: مثل هذا الأدب يسمي "أدب موافق" إذا وجدنا فيه خصائص وملامح للأدب الإسلامي.
                  * قلنا: إذن. من هو الكاتب الإسلامي في هذا المنظور؟
                  ** قال: نجيب الكيلاني روائي متميز علي مستوي الوطن العربي. وثمة عماد الدين خليل وحسن الأمراني من المغرب. وكتاب في أرجاء العالم الإسلامي يلتزمون بما تدعو إليه اتجاهات الأدب الإسلامي.
                  * قلنا: هناك إذن -في رأيك- آداب تنتسب إلي الأديان؟
                  ** قال: أنا لا اعترف بهذا. لكنه واقع. هناك أدب مسيحي وأدب يهودي. وهناك الكثير من الرسائل في كليات اللغات والترجمة عن هذه الإبداعات وهو أمر ليس جديدا فقد أكد الشاعر والناقد البريطاني الأشهر ت.إس.إليوت إن الحكم النقدي لابد أن تكون له مرجعية أخلاقية مردها الدين المسيحي. من حقنا إذن أن ندعو إلي فكرة الأدب الإسلامي دون تعصب أو اتهام أي شخص بالكفر أو غيره. هذه مسائل لله سبحانه فقط ولا تعني البشر!
                  * قلنا: ألا تري في كتابات كل من العقاد وطه حسين والحكيم ومحفوظ ما يصح نسبته إلي الأدب الإسلامي؟
                  *. قال: عبقريات العقاد تضعه في مقدمة الكتاب الإسلاميين. وطه حسين خرج عن بعض التوجهات الإسلامية في كتابه الأدب الجاهلي. لكنه من أكبر الدعاة إلي الاهتمام بالقرآن الكريم. والحفاظ علي اللغة العربية. وهو ما يتفق مع أهداف الأدب الإسلامي الحكيم أيضا له كتابات طيبة تدعو إلي الحرية والقانون والعدل ونجيب محفوظ في أسلوبه السردي متأثر تماما بالقرآن الكريم وإن كان لي ملاحظة تتصل بتعامله مع الجنس بإفراط هذا لا يعني أن الإسلام ضد تناول الجنس لكن بصورة لا تثير رغبات الشباب نحن في حاجة إلي أدب يرتقي بالناس وبعواطفهم ويبث في نفوسهم الأخلاق والسلوك القويم ويدعو إلي الخير وينبذ الشر.
                  * قلنا: ما رأيك في المشهد الثقافي في مصر الآن؟
                  ** قال: هو عامر بالكثير من النماذج الأدبية في الشعر والقصة والرواية والمسرحية. لكن الملاحظ أن بعض جهات النشر ربما وضعت مواصفات لا تساعد الشباب الموهوب أخشي أن أقول إن الشللية تسيطر ولا تسمح بظهور الأدب الجيد لكل الأجيال فالمكتبات الخاصة حريصة علي المشهورين وفي المؤسسات الثقافية هناك قوائم انتظار وهنا يأتي دور النقد الأدبي في مواكبة الإنتاج المعروض وبالمناسبة فإني اقترح أن تصدر لجان المجلس الأعلي للثقافة نشرة شهرية عن أنشطتها لتحقيق المزيد من الفعالية بين المثقفين وكل من لديه موهبة أضيف أن كل المشاركين في هذه اللجان من القاهرة رغم إعلان جابر عصفور ان أعضاءها من المثقفين في القاهرة والأقاليم أنا أجد أن هذا غير متحقق!
                  * قلنا: أنت متعدد المواهب.. فأين تجد نفسك؟
                  ** قال: كنت خارج مصر عشر سنوات وهذا أحدث قطيعة. أحاول الآن أن استعيد دوري وفي مؤتمر الشعر الأخير أرسلت بحثا إلي مسئولي المجلس الأعلي للثقافة لكنهم اعتذروا قبل موعد المؤتمر بيومين! لقد شارك في المؤتمر 35 شاعرا وناقدا منهم 12 من أعضاء المجلس وما لايزيد علي اثنين من خارج المجلس بينما قدم الآخرون من خارج مصر واتساءل: لماذا لا يتاح للمصريين القادرين علي الاسهام وإثبات الوجود كما يتاح لهم في أقطار الوطن العربي؟
                  نماذج جيدة
                  * قنا: ما رأيك فيما يكتب للأطفال الآن؟
                  *. قال: لا شك أن أدب الأطفال في الولايات المتحدة متقدم كما وكيفا وأذكر إحصائية في الثمانينيات تتحدث عن مائة ألف كتاب هناك وأربعة آلاف كتاب عندنا يجب أن يقدم أدب الطفل من قبل متخصصين والاهتمام بعلم النفس والعلوم الاجتماعية وغيرها من الاهتمامات المطلوبة لكاتب الأطفال هناك نماذج جيدة لكنها قليلة فثمة من هو غير مؤهل للكتابة للطفل وما يكتب للأطفال الآن غير مدرج عليه المرحلة السنية التي يتوجه إليها فكل مرحلة لها خصائصها ولها أسلوبها الذي يجب أن يعرفه الكاتب ويتبعه حتي تصل رسالته وكما قلت فإن لدينا بعض الكتاب المتميزين مثل عبدالتواب يوسف الذي أقدر موهبته وإنتاجه الوفير إلي جانب أن لدينا مؤسسات مهتمة بثقافة وأدب الطفل مثل كليات رياض الأطفال والدراسات العليا في الجامعات المختلفة وقد اسهمت جهود السيدة سوزان مبارك من خلال المسابقات المختلفة في تشجيع ومساعدة أجيال جديدة لاقتحام هذا المجال.
                  * قلنا: الأجناس الأدبية.. هل أصبحت من التراث بعد أن ظهر ما يسمي "النص"؟
                  ** قال: تداخل الأجناس الأدبية أمر مفيد وفيه إثراء للأدب بشرط ألا يؤدي ذلك إلي اختفاء الحدود بين الأجناس الأدبية المختلفة نعم لتداخل الأجناس الأدبية شريطة أن تكون هناك حدود واضحة تدعم الأنواع الأدبية. وقد أصبح لدينا الآن درامية القصة وشعرية القصة وشعرية الرواية لكن من المهم ألا يقدم إلي مثل هذا التجريب غير المتمرسين بالمقياس العلمي والموضوعي للكلمة!
                  * قلنا: كأستاذ في جامعة بنها.. ما تعليقك علي ما يقال من أن الجامعات الإقليمية أقرب إلي المدارس الثانوية؟
                  ** قال: المجاميع الآن مرتفعة لأن طريقة التعليم في الثانوي بالإضافة إلي الدروس الخصوصية وطريقة الامتحان.. ذلك كله رفع درجات المجموع ووجود الجامعات الإقليمية ضرورة قومية واجتماعية وإنسانية حتي ينتشر التعليم إضافة إلي أن هذه الجامعات توجد فيها أعضاء هيئات تدريس لا يقلون كفاءة أو مقدرة عن غيرهم في الجامعات الرئيسية لكن المشكلة تكمن في أن الجامعات الإقليمية قد تنقصها الإمكانيات مثل أن تكون معامل اللغات بكليات الآداب غير مكتملة.. الجامعات الإقليمية تؤدي دورها وهو ما ينعكس علي مستوي الخريجين في جامعة القاهرة أو عين شمس أو حلوان.. لكن ذلك لا ينفي وجود تميز في جامعة بنها كما هو الحال في الجامعات الأم مع ضرورة الإشارة إلي أن الإمكانيات التعليمية المكتبية والمعامل المختلفة في الجامعات الأم ذات مستوي مرتفع.
                  .................................................. ..
                  المساء ـ في 19/5/2007م.

                  تعليق

                  • د. حسين علي محمد
                    كاتب مسجل
                    • Jun 2006
                    • 1123

                    #39
                    رد: مع الروائي محمد جبريل

                    من المحرر

                    بقلم: محمد جبريل
                    ........................

                    الشخصية في التعريف النقدي هي مجموع مايقال عنها باللغة. الي جانب ما تقوله وتفعله. ومن الطبيعي ان الشخصية تختلف بدرجات متفاوتة باختلاف البيئة التي تنتسب اليها. بتأثير البيئة أولا. ثم بظروف المهنة والحياة الاجتماعية. فباختلاف الثقافة والاهتمامات. الفلاح نتيجة للظروف التي يحياها أكثر بساطة من العامل. الذي يتعامل مع الآلة. ومع الادارة. واسلوب التفكير يختلف عند الفلاح منه عند العامل. وهو ماتفرضه بالطبع طبيعة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يحياها كل منهما. والفلاح يعاني الامية بصورة ابشع مما يعانيها العامل. وشخصية الفلاح تميل الي الحذر والتوجس والشك. بعكس العامل الذي يحيا مع زملائه في المصنع بروح الجماعة المتضامنة. تميز الشخصية الفردية هو الذي يعطي للانسان طابعه الخاص آراءه. عاداته. سلوكياته. مواقفه.. لكن الفرد لابد ان يتأثر بدرجة أو بأخري بالجماعة التي ينتمي اليها. بالاسرة. بالعائلة. بالوطن. وينعكس ذلك بالتالي في تشابه الجماعات في بعض الخصائص العامة. ان لم يكن معظمها.
                    الفرد اذن يختلف بصورة جذرية واساسية عن الاخرين. لكنه في الوقت نفسه يتشابه في نواح كثيرة مع الافراد الذين يشكلون مجتمعه الخاص والعام. وهذا الاتفاق الذي يشمل ملامح كثيرة تبدو مغايرة واحيانا متفقة لملامح المجتمعات الاخري. هو مايمكن ان نتناوله باعتباره التعبير عن شخصية الجماعة. أو شخصية المجتمع.
                    التحديد العلمي للشخصية هو انها ذلك التنظيم المتكامل من الصفات والمميزات والتركيبات والملامح الجسمية والعقلية والانفعالية والظروف البيئية التي تبدو في العلاقات الاجتماعية للفرد. والتي تميزه عن غيره من الافراد تمييزا واضحا.
                    السؤال الذي يطرح نفسه : هل هناك مايمكن تسميته بالشخصية المصرية فعلا؟ وهل يمكن اطلاق تسمية "الشخصية" علي شعب ما؟
                    أستاذنا سيد عويس يرفض التسمية في اطلاقها.. رأيه الذي يستند الي العلمية ان الشخصية للافراد. وليست للجماعات. لان الجماعة تضم افرادا متوزعي الميول والنزعات والاهواء. متغيري البيئة والتربية والثقافة. ومن ثم فإن الحكم علي الجماعة من خلال الافراد يجانبه الصواب والدقة الي حد كبير. ولعلي اوافق بدرجة ما علي هذا الرأي من خلال احكام المصريين انفسهم علي مناطقهم المحلية . فأهل دمياط علي سبيل المثال مشهورون بالحرص. بينما اهل الشرقية مشهورون بالكرم الزائد. واهل الاسكندرية يعشقون الفتونة. وهكذا.. فهل يعني هذا ان كل دمياطي هو حريص . وان كل شرقاوي مسرف في كرمه. وان كل سكندري عاشق للفتونة؟
                    الحكم علي الجماعة من خلال الافراد. تجانبه الدقة الي حد بعيد. فإذا أضفنا ان الحكم علي الشخصية المصرية يعني الحكم علي مجموع الافراد المصريين. والمناطق المصرية من السلوم الي شلاتين. بكل ما يشتمل عليه هؤلاء جميعا من آراء ومواقف وميول وأهواء متباينة. بدت الصفات الشخصية للشعب المصري مما يصح اطلاقه علي الشعوب الاخري. مثل الكرم والبخل والعجلة والصبر والشجاعة والخوف. الي غير ذلك من التقابلات والمتناقضات.. ذلك لان كل الشعوب تتكون من افراد. والافراد كما قلنا ليسوا أنسجة متشابهة ان لكل منهم شخصيته التي تخلقت من عوامل بيئية وثقافية واجتماعية مختلفة.
                    من هنا تبدو أهمية "التاريخ" للتعرف الي شخصية شعب ما. الشخصية هنا تعني المواقف المتماثلة التي تعكس بتوالي حدوثها خصائص متماثلة في هذا الشعب أو ذاك.
                    .............................
                    *المساء ـ في 29/9/2007م.

                    تعليق

                    • د. حسين علي محمد
                      كاتب مسجل
                      • Jun 2006
                      • 1123

                      #40
                      رد: مع الروائي محمد جبريل

                      الحكم بالإعدام على ديوان شعري*

                      بقلم: محمد جبريل
                      ......................
                      mlg_38@hotmail.com

                      تلقيت هذه الرسالة من الصديق الشاعر عبدالعزيز موافي:
                      قال لوركا: بالأمس قتلوا واحدة من كلماتي فجلست مع قصائدي في مجلس عزائها واليوم ومن أجل الكلمة الشهيدة نفسها لبست كل الكلمات الجميلة والبريئة في العالم ربطة عنق سوداء حزنا عليها.
                      وأنا - علي العكس من لوركا - قتلوا كل كلماتي عندما حكموا بالاعدام علي ديوان كامل هو ديوان 1405 الذي يترجم التجربة الإنسانية في حرب أكتوبر والذي يتزامن اصداره مع ذكري تلك الحرب إلا أن بعض مسئولي الهيئة بدلا من احتفائهم بهذا الديوان الصادر في مكتبة الأسرة لم يقتلوه فقط وإنما مثلوا بقصائده فبعد أن انتهوا من طبعه فوجئت بأن الأسطر الأخيرة في قصيدتين قد سقطت عند الطبع بالاضافة إلي سقوط ثلاثة مقاطع كاملة هي بمثابة ثلاث صفحات وما زاد الطين بلة ان هناك قصيدتين متداخلتين معا.
                      حينما توجهت إلي مكتب رئيس الهيئة أحالوني إلي مكتب مسئول آخر عرضت عليه المشكلة وارتحت لأنه كان عليما بها لكنه فاجأني بطلب أن يبقي الديوان علي ما هو عليه مع اضافة استدراك في آخره أفهمته ان ذلك لم يحدث من قبل في دواوين الشعر وان الاستدراك خاص بالأخطاء الطباعية للمفردات فقط وهو ما لا يتفق والأخطاء الجسيمة الموجودة بالديوان. رد قائلا: الموضوع كدة حايطول. وحينما سألته: إلي متي؟ رفض الاجابة كما رفض الافصاح عن كيفية إصلاح الخطأ.
                      يبدو أن هذا المسئول تناسي ان الهيئة تتعامل مع المبدعين والمثقفين. الذين يمثلون ضمير ووجدان هذا الوطن ولو ان ذلك كذلك لبادر المسئول- ومن تسبب الحاق في الأذي بديواني وبشخص مؤلفه بالتالي - بالاعتذار عن هذا الخطأ الذي يبلغ حد الخطيئة ولا ستدركوا الخطأ فورا أنه من غير المنطقي أن يتحمل المبدعون وزر اخطاء الآخرين.
                      اذكر بعض مسئولي هيئة الكتاب - هؤلاء الذين لا يجدون في الخطأ ما يستحق المراجعة ولا التصحيح - بالقول الجميل: الرجوع إلي الحق فضيلة.
                      انتهت الرسالة.
                      *العنوان أنا الذي وضعته، والزاوية الأسبوعية بعنوان "من المحرر" (د. حسين علي محمد).
                      ..........................
                      *المساء ـ في 6/10/2007م.

                      تعليق

                      • د. حسين علي محمد
                        كاتب مسجل
                        • Jun 2006
                        • 1123

                        #41
                        رد: مع الروائي محمد جبريل

                        "الحدوتة" وأثرها في بناء الرواية

                        بقلم: محمد جبريل
                        .......................

                        علي الرغم من اختلافي مع أرنولد بنيت في رأيه. بأن أساس الرواية الجديدة هو "خلق الشخصيات. ولا شيء سوي ذلك". فلعلي أتفق تماما علي أن خلق الشخصيات دعامة أساسية في بناء الرواية. الذي يستند - بالضرورة - إلي دعامات أخري. أقواها - أو هذا هو المفروض - "الحدوتة". وإن تصور بعض الذين اقتحموا عالم الرواية الجديدة. نقاداً أو أدباء - أن الرواية ليست في حاجة إليها. وأن ما يستعين به الفنان من أدوات. يضع الحدوتة في مرتبة تالية. أو أنه يمكن الاستغناء عنها إطلاقا.
                        وفي تقديري أن الحدوتة هي "النطفة" التي يتخلق بها العمل الإبداعي. وأذكر أني حين عرضت - للمرة الأولي في القاهرة - مسرحية بيكيت "لعبة النهاية" أن إعجاب النقاد تركز علي خلوها من الحدوتة. وكان ذلك - في تقديرهم - هو "الجديد في الرواية الجديدة". كانت القاهرة تعاني - كعادتها - غربة حقيقية عن الواقع الثقافي المتجدد في الحياة الأوروبية. وكانت القلة تسافر وتشاهد وتقرأ. والكثرة تنتظر ما يفد - متأخراً - وتقف منه - في كل الأحوال - موقف الإعجاب. ولعلنا نذكر ما فعله الكاتب الساخر أحمد رجب. حين طلب آراء عدد من كبار مثقفينا في مسرحية من تأليفه علي أنها لدورينمات. وتباري مثقفونا في إبراز الجوانب المتفوقة في المسرحية المزعومة. وكتب الحكيم "يا طالع الشجرة" و"مصير صرصار" تأكيدا لريادته المتطورة.. وظواهر أخري كثيرة.
                        أقول: حين عرضت لعبة النهاية وتركز إعجاب النقاد علي خلوها من الحدوتة كان لأستاذنا نجيب محفوظ رأي آخر. ونشرت معه حوارا في جريدة "المساء" ملخصه أن العمل الفني بلا حكاية. بلا حدوتة. يصعب - مهما يتسم بالجدة - أن يسمي عملا فنيا. لأنه - حينئذ - يفتقد أهم مقوماته. واستطاع - في الحوار - أن يروي الحدوتة. الدعامة التي استند إليها بناء المسرحية.
                        الحكاية - كما يقول فورستر - هي العمود الفقري. ويقول هيربرت جولد: إن كاتب القصة يجب أن تكون له بالفعل قصة يحكيها. فلا يقتصر الأمر علي مجرد نثر جميل يكتبه. وقيل إن الرواية "فن درامي يقوم علي أساس الحدث". ولعلي أذكر قول تشيكوف: إن الكاتب لا يكتب قصة قصيرة إلا عندما يريد التعبير عن فكرة. حتي ألان روب جرييه يؤكد أن الروائي الحقيقي هو الذي يعرف كيف يقص الحكاية. وفي مقدمة "يا طالع الشجرة" - ذات الشكل السوريالي - كتب الحكيم: "المسرحية لابد ان تحمل معني. ولا يكفي فيها المعني الداخلي في ذات تشكيلها. ربما استطاع الشعر - خصوصا السوريالي والدادي - أن يحمل معني وجوده في ذات صياغته. ولكن المسرحية وكذلك القصة لابد أن تقول شيئا".
                        mlg_38@hotmail.com
                        ..............................................
                        *المساء ـ في 20/10/2007م.

                        تعليق

                        • د. حسين علي محمد
                          كاتب مسجل
                          • Jun 2006
                          • 1123

                          #42
                          رد: مع الروائي محمد جبريل

                          من المحرر
                          الدكتور حسين علي محمد
                          بقلم: محمــد جبريــل

                          حين حصل حسين علي محمد ـ الشاعر والناقد والأستاذ الجامعي ـ على درجة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث، كان يختتم رحلة قاسية بدأت في قريته العصايد، القريبة من ديرب نجم، وتواصلت في عمله الأكاديمي خارج مصر، حتى حصل على درجة الأستاذية، ودرس لآلاف الطلاب، وأشرف على العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه.
                          لم يجعل حسين علي محمد من تلك الطريق ـ وهي فردية كما ترى ـ طريقه الوحيدة.
                          اختار طريقا موازية، أو متداخلة، يتصل فيها بالجماعة، من خلال أنشطة قوامها الأجيال التالية من مبدعي ديرب نجم، المدينة والقرى المحيطة.
                          أنشأ حسين مع أحمد فضل شبلول وسعد بيومي وصابر عبد الدايم وأحمد زلط والراحل عبد الله السيد شرف سلسلة "أصوات معاصرة" تعنى بنشر كتابات أدباء مصريين وعرب، وإن كان حريصا ـ يومها ـ على نشر كتابات الأجيال الطالعة، من مبدعي الأقاليم المصرية.
                          أصدرت السلسلة الكثير من الكتب المهمة، ما بين رواية ومجموعة قصصية وديوان شعر ومسرحية ودراسة نقدية وسيرة ذاتية وغيرها. أصبحت ـ في مدى قصير نسبيا ـ من أهم السلاسل على مستوى الثقافة العربية.
                          ثم أضاف حسين إسهاما ـ على نفقته فيما أظن ـ بإنشاء موقع أصوات معاصرة على الإنترنت، يعنى بإبداعات الأجيال المختلفة، بنشر نماذج منها، يناقشها، يسلط الضوء على كتابها، يتصل بالمواقع المماثلة.
                          استطاع موقع أصوات معاصرة أن يحقق نجاحا لافتا على المستويين الكمي والكيفي، انعكس في أعداد المتعاملين معه.
                          جعل الخضري عبد الحميد من المدينة الصغيرة ملوي ـ ذات يوم ـ مدينة مبدعة، واحتلت المنصورة الموقع نفسه، بسلسلة فؤاد حجازي "أدب الجماهير". وثمة إسهامات أخرى في العديد من المدن المصرية، كالمحلة الكبرى والمنيا والسويس وسوهاج، جعلت من تلك المدن مساحات ضوء في حياتنا الثقافية.
                          لقد جعل حسين علي محمد ـ بإسهاماته المتعددة ـ من ديرب نجم، المدينة، المركز، منارة مهمة في حياتنا الثقافية.
                          هامش:
                          يقول فولتير: إن الطريقة الوحيدة التي تجعل الناس يتحدثون عنك بطريقة حسنة، هي أن تتصرف بطريقة طيبة.
                          ............
                          *المساء ـ في 18/12/2004م.

                          تعليق

                          • د. حسين علي محمد
                            كاتب مسجل
                            • Jun 2006
                            • 1123

                            #43
                            رد: مع الروائي محمد جبريل

                            من المحرر

                            بقلم: محمد جبريل
                            ......................

                            لعل غاية ما يأمله المرء في علاقته بالآخرين. أن تكون دائرة الاصدقاء أكثر اتساعاً من دائرة الأعداء..
                            وعندي أن الحصول علي حب معظم الناس سهل. إذا حرص المرء علي حب الآخرين. أما الحصول علي حب كل الناس. فهو العنقاء التي تتحدث عنها الأساطير!..
                            لقد واجه الأنبياء العداء.. فما بالنا بالبشر العاديين؟..
                            لا أحد يحصل علي الإجماع. ثمة ناس يحبونك. وناس يضمرون - أويعلنون - نقيض الحب. قد يضمرون - أو يعلنون - الغيرة والحسد والحقد. مهما بدت آراؤك أو تصرفاتك معقولة. فإنهم ينظرون إليها بعين المساوئ. إنهم يبحثون عن العيب فيها. ومن يريد العيب فلابد أن يجده..
                            هل تذكر حكاية جحا وابنه وحماره؟..
                            عاب الناس علي الرجل سوء تربيته للابن حين ترك له الحمار يركبه. واكتفي هو بالسير. ثم عابوا عليه أنانيته لما ركب الحمار. وترك الولد يسير إلي جانبه. وعابوا عليه القسوة لأنه شارك ابنه ركوب الحمار. ثم عابوا عليه الغفلة. بعد ان اختار السير خلف الحمار!
                            إن مجرد عمل المرء في وظيفة أو حرفة. يضعه في كفة ميزان البشر. ثمة المؤيد والرافض. لكل أسبابه التي قد تكون مقبولة. أو أنها وليدة الغرض..
                            قد يجتلب النجاح في ذاته عداوات الآخرين. يضيقون بالنجاح. فيفتشون عن بواعث تحقيقه. لا يهم إن كانت تلك البواعث صادقة أو كاذبة. المهم أن يسلبوا من النجاح قيمته ودلالاته..
                            وحين خضع ياجو لمشاعر الحقد في نفسه. مقابلاً لذلك الشئ النبيل في عطيل. انشغل ياجو بمحاولة تلطيخ اللوحة الجميلة!..
                            يقول فوكنر: "إذا أردت أن تعيش آمناً من الانتقاد. فلا تقل شيئاً. ولا تكن شيئاً.. وعندها لن ينتقدك أحد!.. وهو قول يحتاج إلي مراجعة. لأنك قد تأخذ موقفاً سلبياً من الحياة تكتفي بأن يكفي خيرك شرك - كما يقول المثل - لكنك لن تأمن ملاحظات الآخرين. واتهاماتهم لك. ومشاعرهم التي تبدأ بالدهشة. وتنتهي بالكراهية!..
                            هامش:
                            من كتابات يحيي حقي: "منذ تناولت القلم في سن باكرة. وأنا ممتلئ ثورة علي الأساليب الزخرفية. متحمس أشد التحمس لاصطناع أسلوب جديد. أسميه الأسلوب العلمي. الذي يهيم أشد الهيام بالدقة والعمق. وقد أرضي أن تغفل جميع قصصي. ولكن سيحزنني أشد الحزن ألا يلتفت لهذه الدعوة".
                            ..................................
                            *المساء ـ في 27/10/2007م.

                            تعليق

                            • د. حسين علي محمد
                              كاتب مسجل
                              • Jun 2006
                              • 1123

                              #44
                              رد: مع الروائي محمد جبريل

                              «ذاكرة الأشجار»
                              رواية محمد جبريل الجديدة تنشرها «الوفد »
                              ***

                              بدأت جريدة «الوفد» صباح الثلاثاء الماضي 18/12/2007م، في نشر رواية محمد جبريل الجديدة «ذاكرة الأشجار»، وسننشر الحلقات هنا بعد أن تنشرها «الوفد».

                              *ذاكرة الأشجار:
                              للأديب الكبير محمد جبريل أكثر من 40 عملاً إبداعياً ما بين مجموعات قصصية وروايات، تمثل في مجملها علامات فارقة في مسيرة الأدب المصري والعربي المعاصرين، منها روايات «الشاطئ الآخر»، و«قلعة الجبل»، و«زهرة الصباح»، و«رباعية بحري»، و«من أوراق أبوالطيب المتنبى»، و«أهل البحر» ... وغيرها. وإلي جانب حضور الإسكندرية ـ منشأه وسنوات صباه ـ في كثير من رواياته، ينسج جبريل من خيال حاذق، ما يكسو به شخوصاً عرفها في الواقع، أو أطياف عبرت في أزمنة خلت، أو ترانيم تسبح في مجالس الصوفية ومقامات أولياء الله الصالحين.
                              آثرنا الأديب الكبير بروايته تلك »ذاكرة الأشجار« التي ننشر فصولها تباعاً كل ثلاثاء.
                              (الوفد)
                              (1)
                              خمن أن نهاية الصداقة الطارئة، حين يهبط أحدهما ـ قبل الآخر ـ في المحطة التي يريدها. لكنهما نزلا في المحطة نفسها. سارا، وتكلما، ودعته لزيارتها.
                              اعتاد النزول من الأتوبيس في شارع سليم الأول. يخلف وراءه سوق الخضر والبنايات المتوسطة الارتفاع، ومحال بيع الأدوات الكهربائية والأقمشة والخردوات، ومبني كنيسة اللاتين. يميل إلي شارع نصوح الهندي. يخترق تقاطعه مع طومانباي. يستعيد ملاحظته عن الغبار الذي يضيع حرصه علي لمعة الحذاء. تبطئ خطواته أمام بناية حديثة البناء، أمامها بقايا حديد التسليح، وشقفات الطوب الأحمر، وخلطة الأسمنت والرمال والزلط.
                              علي اليسار، بالقرب من نهاية الشارع، تطالعه الحديقة الصغيرة، تحيط بالفيللا البيضاء ذات الطابق الواحد. تشابكت، وغطت معظم الواجهة، أشجار الجوافة والجهنمية والفل والياسمين والبانسيانا بزهورها الحمراء. يجلس الأب في الشرفة الحجرية المستطيلة، يعلو صوته بالأغنيات التي لا يعرف ماهر لغتها. يصعد الدرجات الرخامية إلي الشرفة. يكتفي الأب بابتسامة مجاملة، ثم يعاود الغناء، أو يتجه إلي الباب المتصل بالحديقة. يضغط علي الجرس. يتوقع ـ كما حدث في المرات السابقة ـ أن تفتح شقيقتها الباب. تفسح له الطريق وهي تنادي: سيلفي..
                              ***
                              لم يقدر أن لقاء المصادفة سيكون انفراجة الباب لكل ما حدث.
                              زاحم المندفعين في أتوبيس 153 من ميدان التحرير.
                              اندفع نحو كرسي ناحية اليمين. طالعته استغاثتها الصامتة تحت النافذة، القامة المتناسقة، الشعر الحنطي المسدل إلي الكتفين، العينان الزرقاوان الباسمتان، الأنف الدقيق، الشفتان النديتان، الغمازتان اللتان تضفيان عذوبة علي وجهها.
                              بدت غريبة في وقفتها داخل محطة الأتوبيس. ليست غربة المكان، وإنما غربة الملامح والزي الذي ترتديه. فستان فوق الركبة، أزرق، قصير الكمين، وحذاء مكشوف، وبيدها مظروف ورقي.
                              أومأ لها برأسه، فصعدت لتجلس مكانه. السيدة البدينة ارتمت علي الكرسي بمجرد تخليه عنه، فأفسدت كل شيء. علا صوتها بنبرة توبيخ:
                              ـ حجز الكراسي في السينما..
                              اكتفيا بتبادل نظرات الارتباك.
                              خلا الأتوبيس من معظم ركابه قبل محطة كوبري القبة. وجدت مكاناً، وجلس إلي جانبها. فاجأته بالشكر، وبمؤاخذتها للسيدة البدينة. ودعته في محطة نصوح. تجدد ـ بعد أيام ـ لقاء المصادفة. ابتسما بما يعني تعرف كل منهما إلي الآخر. تشبثت بساعديه، وسبقها في اندفاعهما وسط الزحام حتي جلسا متجاورين.
                              قدم نفسه:
                              ـ ماهر فرغلي.. موظف بدار المعارف..
                              همست باسمها:
                              ـ صوفيا جوتييه.
                              لاحظت أنه لم يلتقط اسمها، وإن تظاهر بأنه عرفه.
                              قالت في نبرة متباطئة:
                              ـ صوفيا ميكيل جوتييه.. لكنهم في البيت ينادونني سيلفي.
                              ـ مصرية؟
                              أدرك ـ في اللحظة التالية ـ سخف السؤال..
                              قالت في همسها:
                              ـ طبعاً..
                              ورفت علي شفتيها ابتسامة:
                              ـ هل أبدو أجنبية؟
                              حدس أنها أجنبية. لم يتصور ـ في حدسه ـ البلد الذي تنتمي إليه، وإن بدت غريبة عن المكان، كأنها تنتمي إلي عالم آخر..
                              أزاحت خصلة متهدلة من شعرها جانباً، وهي ترفع رأسها:
                              ـ ربما لأن أبوي من أصل أجنبي..
                              تناثرت الكلمات، فعرف كل منهما عن الآخر ما لم يكن يعرفه. اجتذبه غياب التكلف عن كلماتها وهي تتحدث عن أسرتها المقيمة في الزيتون.
                              اكتفت بالتلميح في حديثها عن إخوتها. لم تذكر أسماءهم ولا إن كانوا أكبر أو أصغر منها.
                              قالت: إخوتي، وواصلت الكلام.
                              حدثته عن أبيها النمساوي الأصل، وعن أمها الإيطالية. كان أبوها رئىساً لبنك باركليز، فرع بورسعيد. قتله المصريون في أحداث 1956. الأم أميرة إيطالية سابقة، لا تعي سيلفي أنها رأتها تغادر البيت إلا لزيارات متباعدة إلي شقيقة لها في بولاق. لا تدري كيف التقيا في مصر، ولا ظروف زواجهما، لكنهما أنجبا أربعة أبناء: ولدين وابنتين.
                              قال:
                              ـ ترفضون تحديد النسل.. مثل المصريين.
                              كان يستنكر في نفسه سرعة الانفعال بما يدفعه إلي إبداء رأي قد لا يتدبره، كلمات تسبق تفكيره. يؤلمه الاستياء الذي تتقلص به الملامح، وربما العبارات الرافضة.
                              قالت دون أن تجاوز هدوءها:
                              ـ نحن مصريون..
                              حدثها عن عمله في قسم المراجعة بدار المعارف. يشغله منذ تخرجه في دار العلوم:
                              ـ ميزة عملي أن مكتبي يطل علي النيل.
                              وهي تئد ابتسامة رفت علي شفتيها:
                              ـ هل تجلس للفرجة؟
                              ـ لا بأس أن أطل ـ وأنا أعمل ـ علي منظر جميل..
                              أشارت إلي مبني هائل علي تقاطع سليم الأول وسنان:
                              ـ هذه مدرستي.. النوتردام دي زابوتر..
                              قال:
                              ـ هل هي قريبة من البيت؟
                              ـ مجرد أن أعبر الشارع..
                              ـ كانت دار العلوم قريبة من بيتي.
                              كلمها عن أعوام دراسته في دار العلوم، عن أساتذته: علي الجندي ومهدي علام وأحمد الحوفي وعمر الدسوقي وتمام حسن. قلد كلاً منهم في محاضراته: المفردات، طريقة الكلام، ردوده علي أسئلة الطلاب.
                              أصاخ سمعه لحديثها عن أيام الدراسة: الدخول إلي الكنيسة قبل الحصة الأولي، البنات المسلمات يقضين فترة ما قبل اليوم الدراسي في حوش المدرسة، الصلوات التي تستغرق وقتاً أطول من وقت تلقي الدروس، الملابس البيضاء ترتديها الطالبات في المناسبات الدينية، وفي الأعياء، يترنمن بالقداس، وبالألحان الدينية، زيارات الآباء من معهد الدومينيكان، والمطران من كنيسة البازيليك، استغناء مدرب الكرة الطائرة عن عضويتها لأنها أقصر مما يجب، ادعاؤها ضرورة العودة إلي البيت ـ في أوقات الدروس الصعبة ـ لرعاية أمها المريضة.
                              تهمس ضاحكة:
                              ـ أمي مريضة بالفعل منذ أشهر!
                              لم تشغله ـ في البداية ـ طبيعة العلاقة، ما إذا كانت الصداقة الطارئة ستثبت في علاقة دائمة. اطمأن إلي أن الصداقة ستشهد نهايتها حين يسبق أحدهما الآخر في النزول إلي المحطة التي يريدها، لكنهما تأهبا للنزول في المحطة نفسها.
                              سارا متجاورين، تكلما..
                              تعددت لقاءاتهما علي باب كنيسة اللاتين، في التقاء ناصيتي طومانباي ونصوح، أمام سراي البرنسيسة الملاصقة لمدرسة النوتردام.
                              يهبط من الأتوبيس علي ناصية السور الخلفي لسراي الطاهرة، يمضي بقية الطريق علي قدميه.
                              استمهلته ـ ذات عصر ـ قبل أن تميل إلي نصوح الهندي، ويواصل السير في شارع السلطان سليم ـ:
                              ـ قلت إنك خريج دار العلوم.
                              أومأ برأسه مؤمناً.
                              قالت:
                              ـ أحتاج إلي دروس في اللغة العربية، ستزورنا لهذه الدروس.
                              استطردت لارتباكه الصامت:
                              ـ مجرد حيلة لاستضافتك.

                              تعليق

                              • د. حسين علي محمد
                                كاتب مسجل
                                • Jun 2006
                                • 1123

                                #45
                                رد: مع الروائي محمد جبريل

                                الواقعي والمتخيل فى رواية «كوب شاي بالحليب»

                                بقلم: شوقي بدر يوسف
                                ....................................

                                مدخل :
                                تفصل بين الواقعى والمتخيل شعرة رفيعة ، غير مرئية ، لكنها محسوسة ، تصل الواقع بهواجس الذات وتوجهاتها ، وتفرض حقيقة الفعل الواقعى ورد الفعل التخييلى المصاحب له فى تعامل الإنسان مع ذاته ، ومع ما يدور حوله من ممارسات ، قد تكون هذه الممارسات غرائبية بالنسبة له ، وقد تكون غير مألوفة فى واقعه الذاتى ، إلا إنها تمثل مرحلة الوعى ، ومنطقة الإدراك ، وبؤرة التمييز بين ما هو حقيقى ، وبين ما يدور فى منطقة الهواجس من موضوعات يتمثلها المرء ، ويرسم لها حدود الاسترجاع ، والاجترار فى واقعه الآنى .
                                ولا شك أن القدرة التخييلية لاسترجاع الواقعى تجرنا فى بعض الأحيان إلى الإحساس بهذا الواقعى الذى ولى ، ومضى ، وكأنه حقيقة نراها الآن ، ونشعر بها ماثلة فى أذهاننا ، بينما هى فى الحقيقة منطقة موجودة فى اللاوعى تبدو وكأنها ذات قدرة على التشكل والتلون والظهور مرة أخرى بمظهر مغاير لما كان يدور فى المخيلة ، وأن محاولة استعادتها مرة أخرى ، ومعاودة استرجاع أحداثها التى مرت عليها سنوات طويلة ، تجعل التلاحم بين الواقعى والمتخيل مؤسساً لواقع جديد ، هو لا شك واقع إبداعى آنى له آليته الخاصة ، قد يختلف عن الواقع الواقعى فى أنه مشحون برؤية فردية أو جماعية خاضعة لقوانين المكان والزمان فى شكلها الذى ينتسب إلى التجربة الروائية فى كثير من الأحيان .
                                والروائى اليوم ينطلق فى أعماله بدافع التفاعل مع ما يدور فى عصره ، وبدافع التعامل مع المخيلة فى وظيفتها الإبتكارية فى سرد القضايا الدائرة فى حدود عالمه ، والتى قد تكون مختزلة ومختزنة فى بعض الأحيان فى منطقة اللاوعى ، وتلح فى الظهور من آن لآخر ، بحيث يصبح تشكيل مفردات هذا العالم بكل ما كان يحمله من تاريخ وقضايا وشخوص هو الحالة الآسرة لهاجس الكتابة ، وتكون تجليات هذا التشكيل هى المحور الأساس فى التعبير عن واقعه الذاتى والموضوعى من خلال المتخيل ، وما ينداح عنه من موضوعات تؤرّق الكاتب وتمس جوهر الممكن والمحتمل فى عالمه الخاص .
                                ولا شك أن رواية " كوب شاى بالحليب " للكاتب الروائى محمد جبريل تمتح من هذه الإشكالية ، إشكالية الواقعى والمتخيل ، كما أنها تعمل أيضا على استعادة واقع سردى شبه سيرى تتشكل هواجسه من محاولة تجسيد نسيج عام من ضروب الأحداث المعتمدة على نسيج آخر من التاريخ الواقعى ، يمتزج فى العديد من محاوره بالمتخيل السردى ، وما يصحبه من وجهات نظر خاصة تتمشى وتتوافق مع أحداث شبه مضمرة ، تأخذ من الواقع ملامح وجودها من خلال مجموعة من الشخصيات المتباينة فى الطبيعة ، وفى الاتجاهات ، جمعتها الظروف فى مكان له خصوصيته يرمز إلى واقع يمتد فضاؤه ليشمل هذه الذوات القادمة من أماكن لها أبعادها الخاصة ، من سوريا وفلسطين والبحرين والسودان وتونس ومن مصر أيضاً ، الجميع يجمعهم بنسيون قائم فى هذه المنطقة الشعبية من وسط القاهرة ، كما تجمعهم أيضاً طبائع إنسانية محددة ، ولكنهم يختلفون فى أنماط الممارسات ، وما يتحلق حولها من تسييس لرؤيتهم الذاتية تجاه بعض القضايا الماسة لذواتهم ، وبعض الممارسات الطبيعية التى يفرضها عليهم الواقع فى ظروف مثل ظروف معيشتهم داخل البنسيون ، كالأكل والجنس وممارسة الحياة بكافة تعقيداتها كيفما تكون ، لكل منهم سيرته الذاتية الخاصة ، ولكل منهم وضعيته ، وحياته النابعة من سلوكياته .
                                وتعد شخصية سمير دسوقى الشخصية المحورية داخل النص والراوى المشارك فى الأحداث ، حيث تمثل شخصيته فى بؤرة الحدث الرئيسى البعد الواقعى النابع والمعتمد على جانب سيرى يفرض نفسه على طبيعة النص ، وهو يحدد منذ البداية ، الواقعى ، السيرى المستمد من تاريخ الشخصية التى هى فى بعدها الرئيس تبدو وكأنها هى شخصية الكاتب بكل ما تحمل من مقدّرات ، وقدرات خاصة ، وبواكير فى ممارساتها الحياتية فى مطلع الشباب ، فمعظم الشخصيات تعيش واقعها المؤقت فى البنسيون فى بدايات الحياة العملية ، بعضهم طلبة من جنسيات مختلفة السودانى والسورى والفلسطينى والتونسى والبحرينى ، وبينهم تاجر من سوريا واثنان من الموظفين المصريين نقلا إلى القاهرة بحكم عملهما ، هذه الشخصيات يجمعهم مناخ الاغتراب فى تيار حياتى له سطوته الخاصة ، ويتفجر دائماً ، ويعكس طبيعة البيئة ، كما تتحلق حولهم " عنابر " وهى امرأة تقوم على خدمتهم داخل البنسيون ولهم فيها مآرب أخرى ، بعكس شخصيات بنسيون " ميرامار " لنجيب محفوظ فقد كانوا فى الجولة الأخيرة من حياتهم ، وكانوا يرزحون تحت واقع من المتناقضات ، والصراعات الدائرة من داخل الذات وخارجها .
                                السيرة الروائية :
                                فى الحالة الإبداعية للروائى محمد جبريل يصعب وضع حد فاصل بين النص الروائى فى عالمه وبين سيْرنة هذا النص ، إذ أن الحالتين ممتزجتان فى العديد من جوانبهما ، كما أن عنصر الالتباس يكاد يفرض نفسه على هذه الحالة الروائية المطروحة أمامنا بجميع مقوماتها . فنحن فى كتاباته السيرية فى " حكايات من جزيرة فاروس " ، و " الحياة ثانية " ، و " مد الموج " ، ثم فى " كوب شاى بالحليب " نكاد نستبين نصوصاً ملتبسة تتأرجح ما بين السيرة الذاتية والروائية ، ومع ذلك فهى لها ذائقتها الخاصة، لكننا أيضاً نجد واقع السيرة الذاتية كما حددها كل من فيليب لوجون وجورج ماى فى تنظيراتهما حول هذا الفن ، تمتزج فى بنية هذه النصوص ، كما أن أعماله الروائية الأخرى نجد فيها أيضا شخصيته الذاتية قد تكون مضمرة داخل بنية النص ، وأحياناً أخرى تكاد تفصح عن نفسها تماماً . وفى روايته " كوب شاى بالحليب " تظهر فى بنية النص علامات تدل على أن معمار هذا النص يأخذ من النص السيرى ليمتح فى الواقعى الآنى ، ويحدد وقائع رواية سيرية تمتزج فيها أبعاد الواقعى مع هواجس المتخّيل فى رؤية وتجربة ، مضافة إلى هذا العالم المجسد للتاريخ الاجتماعى لشخصيات الكاتب المستعادة فى معظم نصوصه تقريباً ، فالسرد قد جاء فى هذا النص بضمير المتكلم ، والشخصية واضح من تركيبتها الأساسية ، وبواكير ممارساتها داخل النص ، أنها تبحث لنفسها عن مكان فى هذا العالم منذ أن وعت أن عالم الصحافة هو عالمها الخاص ، وهى سمة تكاد تتطابق مع تجربة الكاتب الذاتية تماماً ، كما أن المكان الجديد الذى بدأ يبحث لنفسه عن موضع قدم فيه كان هو الآخر غير المكان الأصيل لعالمه وهو الإسكندرية ، أى أنه قد ترك الإسكندرية ليمهد لنفسه طريقاً إلى المختبر الجديد ، مختبر الصحافة ، وكانت القاهرة هى محط الأنظار بمركزيتها ، ومكانتها الإعلامية الكبيرة . كما أن وجود بعض الأسماء فى عالم الصحافة مثل سعد الدين وهبة ، وأحمد عباس صالح ، ونعمان عاشور ، وطوغان، والذين جاء ذكرهم فى سياق السرد قد أصل أيضاً هذا البعد السيرى ، وحدد من خلاله البعد الرئيس لهذا الجانب ، لارتباط هذه الشخصيات بالذاكرة الجمعية فى عالم الثقافة فى بواكيرها الأولى عند الكاتب . إضافة إلى أن الأحداث السياسية التى صاحبت تواجد الراوى فى القاهرة فى تلك الفترة المرتبطة بالوحدة بين سوريا ومصر هى الفترة نفسها التى بدأ فيها الكاتب حياته العملية ، وهى نهاية الخمسينيات من القرن الماضى . لذا نجد أن الواقعى التاريخى فى حياة شخصية سمير دسوقى فى رواية " كوب شاى بالحليب " هو نفسه البعد السيرى الذى يرويه الكاتب على لسان الراوى – الذى يمثل الكاتب – وهو هاجسه الخاص وسط هذا الكرنفال السائد فى أرجاء البنسيون الذى أقام فيه بالقاهرة وسط لهجات مختلفة ، وأنماط متباينة من البشر ، ووجهات نظر متعددة تضطرب معها علاقات المعنى والقيمة : " فالجميع يتحدثون فى الفن والأدب والموسيقى والرياضة وأحوال الجو وزحام المواصلات ومباريات كرة القدم ، يخوضون فى مناقشات ودعابات ، يتبادلون قراءة المنفلوطى والحكيم ومحفوظ والسباعى وجوركى والشرقاوى وطه حسين وحقى وتشيخوف ومكاوى وباكثير وقصائد شوقى وحافظ ونازك الملائكة والسياب وكتابات فرويد وسارتر وكولن ولسن ومندور والعقاد وسلامة موسى " . بجانب هذا الزخم الثقافى والمعرفى يبدو الجنس وكأنه وجبة دائمة وميسّرة لسكان البنسيون " : اعتاد الطرقات على باب الشقة يفتحه ويتراجع ، وهو يخفض رأسه ، أو يتجه إلى الفراغ، تدخل المرأة باندفاعة – اندفاعة دائماً – كأنها تلوذ بالبنسيون من مطاردة " .
                                ولا شك أن البناء الذى أنتجه الكاتب تتبدى فيه التقنيات الروائية المعروفة ، ويلتقى فيه الواقع بالمتخيل ، والممكن بالمحتمل ، والرصد بالتنبؤ ، والتحليل بالتركيب ، كل هذا يخرج من دائرة البطل الذى يدفعه الحاضر ليسترجع ماضيه ، خاصة بواكير تجربته الأولى فى الحياة العملية بكل ما تحمل ، فى بنية سردية سيرية ولكن من منظور روائى ، وكما قال جابر عصفور عن العلاقة بين الرواية والسيرة الذاتية " العلاقة وثيقة بين كتابة السيرة الذاتية وكتابة الرواية من هذا المنظور ، وسواء كنا نتحدث عن تقنيات السيرة الذاتية الأدبية ، أو عن " رواية السيرة الذاتية " أو " رواية الفنان " أو " رواية الروائى " أو ما شابه ذلك ، فإن تداخل الحدود لافت فى المجال السردى الذى يؤلف بين رغبة الاعتراف والبوح ورغبة السرد والقص، وكلتاهما رغبة ملازمة للأخرى فى دلالتهما على بعض ملامح الإنسان المعاصر الذى استبدل الاسترخاء على أريكة المحلل النفسى بالجلوس على مقعد الاعتراف فى الكنيسة ، وبعض ملامح الروائى المعاصر الذى استبدل الكتابة المباشرة عن ذاته اكتشاف هذه الذات وإعادة بنائها فى علاقات الرواية التى تصل الخيالى بالواقعى، والحقيقى بالمجازى ، عبر تعاقب أزمنتها المتداخلة " ( جابر عصفور : زمن الرواية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1999 ص 57 ) .
                                وهذا هو ما احتفى به محمد جبريل فى روايته " كوب شاى بالحليب "، حين استخدم تفاعلات الواقعى بالمتخيل ، فى إقامة سرد سيرى حمل فيه من رواية السيرة الذاتية ، وتجربة الاعترافات ، ورواية الروائى ، إضافة إلى زخم من الشخوص لها تفاعلها الذاتى والكيميائى ، فالكاتب فى هذا النص يكتب عن الآخرين باستفاضة ملفتة ، ثم نكتشف أنه يكتب عن نفسه ، هو يؤرخ للآخرين ، ويستحضر تاريخاً سياسياً مرت به المنطقة ، وتفاعلت معه ، وعايشه معايشة كاملة ، وشارك فى الحديث عنه ، وفى تسييس وقائعه ، وفى الوقت نفسه نجد أن هواجسه المتخيّلة لها نفس الإشكالية .
                                الواقع المسّيس
                                لعب الواقع المسيّس دوراً أساسياً داخل النص فى بلورة قضايا وإشكاليات فرضت نفسها على هذا الواقع من خلال تنوع الشخصيات ، حيث يبدو الواقعى المسيّس فى حوار الشخصيات ومناقشاتهم حول ما يدور فى قضايا الساحة من صراعات سياسية وأيديولوجية ، خاصة ما طال منها موضوع الوحدة بين سوريا ومصر ، والحالة الرافضة هناك فى " الإقليم الشمالى " سوريا للقيود الجديدة المستمدة من واقع الحال فى " الإقليم الجنوبى " مصر ، والإفصاح عن أسماء الضباط السوريين الذين بادروا بالانفصال ، والآلية التى نوقشت بها هذه القضية . فالحوار الذى دار بينهم حول العديد من القضايا ، والتى من بينها القضايا السياسية الساخنة ، يضفى على بنية النص بعداً تمهيدياً لما سيسفر عنه الفعل الروائى بعد ذلك . ولعل المواقف الجنسية كانت هى الطرف الآخر من الخيط ، والمكمل للمواقف السياسية الدائرة على الساحة ، والتى تشغل بال سكان البنسيون ، خاصة فى أوقات المساء ، باعتبار أن الجميع طرف فى القضايا المطروحة من بعيد أو قريب . كما كان الجنس وتوابعه فى البنسيون يرمز إلى الطبيعة الإنسانية الباحثة عن المتعة الشبقية ، بجانب البحث عن متعة المناقشة والجدل حول القضايا السياسية الساخنة ، والقضايا التى تشغل بال العامة والخاصة فى ذلك الوقت .
                                ومن ثم كانت السياسة والجنس وتوابعهما فى البنسيون يرمزان إلى أنهما وجهان لعملة واحدة داخل هذا المكان ، وأن من يتعاطى السياسة ، ويدلى فيها بدلوه هو الذى يدلى بدلوه أيضاً فى دوامة الجنس ، وضبابيته المسيطرة على واقع المكان الرامز إلى الواقع العام . ولعل تسييس الواقع داخل النص وبلورة المتخيّل فى تأصيل واقع كل شخصية ، قد أعطى النص مواقف متشابكة ومتداخلة .
                                فالشخصيات المتحررة من قيود التركيب ، والباحثة فى نفس الوقت عن متعة الحياة ، والمتواجدة فى ساحة البنسيون ، ترمز إلى الرأى العام الذى كان يرزح آنذاك تحت وطأة وأثقال المغيبّات بأنواعها المختلفة ، وقد كان الجنس وجدل السياسة هما أهم أنواع هذه المغيبّات ، والوهم المستبد بالجميع .
                                (يتبع)

                                تعليق

                                يعمل...