الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

معاني الأدوات

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • طارق شفيق حقي
    المدير العام
    • Dec 2003
    • 11929

    معاني الأدوات

    اسم الكتاب



    البحر المحيط
    المؤلف



    بدر الدين بن محمد بهادر الزركشي
    المذهب



    ---
    الموضوع



    أصول الفقه
    عدد الأجزاء



    ثمانية أجزاء
    دار النشر


    دار الكتبيرقم الطبعةط1سنة النشر1414هـ/1994م




    اخترت لكم منه معاني الأدوات


    الفاء : وهي للترتيب وزيادة , وهي التعقيب أي : أن المعطوف بعد المعطوف عليه بحسب ما يمكن , وهو معنى قولهم : إنها تدل على الترتيب بلا مهلة أي : في عقبه ولهذا قال المحققون منهم : إن معناها التفرق على مواصلة . وهذه العبارة تحكى عن الزجاج وأخذها ابن جني في لمعه " . ومعنى التفرق أنها ليست للجمع كالواو , ومعنى على مواصلة أي : أن الثاني لما كان يلي الأول من غير فاصل زماني كان مواصلا له . واستدل الفارسي في " الإيضاح " على ذلك بوقوعها في جواب الشرط , نحو إن دخلت الدار فأنت طالق . يريد أن الجواب يلي الشرط عقبه بلا مهلة . وأما قوله تعالى : { وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا } قال الهروي وغيره معناه قرب هلاكها . وقال المتأخرون : أي أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا , وفيه نظر من جهة علم الكلام . وقيل : لما كان مجيء البأس مجهولا عند الناس قدر كالعدم , ولما حصل الهلاك اعتقدوا وجوده فحسن دخول الفاء . وقيل : ليست عاطفة , وإنما هي سببية , والفاء السببية لا يشترط فيها التعقيب , فإنك تقول : أكرمت زيدا أمس , فأكرمني اليوم , وهذا تأويل [ ص: 153 ] ظاهر , وعليه ينبغي أن يحمل قوله تعالى : { فتصبح الأرض مخضرة } ثم الترتيب إما في الزمان نحو { خلقك فسواك } ولهذا كثر كون تابعها مسببا , نحو ضربته فهلك , أو في الذكر , وهو عطف مفصل على مجمل هو , نحو { ونادى نوح ربه فقال رب } أو متأخر عما قبله في الإخبار نحو : بسقط اللوى بين الدخول فحومل وزعم الفراء أنها تأتي لغير الترتيب , وهذا مع ما نقل عنه من أن الواو تفيد الترتيب عجيب , وهو يوقع خللا في ذلك النقل , فإنه قد ذكر هذا في معاني القرآن في قوله تعالى { ثم دنا فتدلى } المعنى ثم تدلى فدنا , ولكنه جائز إذا كان المعنى في الفعلين واحدا , أو كالواحد قدمت أيهما شئت فقلت : دنا فقرب أو قرب فدنا , وشتمني فأساء , أو أساء فشتمني ; لأن الشتم والإساءة واحد . ونوقش بأن القلب إنما يصح فيما يكون كل واحد مسببا وسببا من وجهين , فيكون الترتيب حاصلا قدمت أو أخرت , فقولك : دنا فقرب . الدنو علة القرب , والقرب غايته . فإذا قلت : دنا فقرب , فمعناه لما دنا حصل القرب , وإذا عكست فقلت : قرب فدنا , فمعناه قرب فلزم منه الدنو , ولا يصح في قولك : ضربته فبكى ; لأن الضرب ليس غايته البكاء بل الأدب , أو شيء آخر , وكذلك أعطيته فشنعا . وقال الجرمي : لا تفيد الفاء الترتيب في البقاع ولا في الأمطار بدليل [ ص: 154 ] قوله : بين الدخول فحومل . وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : نص الفارسي في " الإيضاح " على أن " ثم " أشد تراخيا من الفاء فدل على أن الفاء لها تراخ , وكذلك ذكر غيره من المتقدمين , ولم يدع أنها للتعقيب إلا المتأخرون . قلت : وهي عبارة أبي بكر بن السراج في أصوله " , فقال : و " ثم " مثل الفاء إلا أنها أشد تراخيا , وقال ابن الخشاب : ظاهره أن في الفاء تراخيا جما ; لأن أشد " أفضل للتفضيل " ولا يقع التفضيل إلا بين مشتركين في معنى , ثم يزيد المفضل على المفضل عليه في ذلك المعنى , ولا تراخي تدل عليه الفاء فيما بعدها عما قبلها إلا أن يكون أبو بكر عد تعقيب الفاء وترتيبها تراخيا فذلك تساهل في العبارة وتسامح . ثم شرع في تأويل عبارة أبي بكر على أن " أفعل التفضيل " قد لا يراد به ظاهره كقوله تعالى : { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا } ومن البين أنه لا خير في مستقر أهل النار . قلت : ولا حاجة إلى هذا فقد صرح عبد القاهر الجرجاني , فقال في الفاء : إن أصلها الإتباع , ولذلك لا تعرى عنه مع تعريها عن العطف في جواز الشرط , ولكن مع ذلك لا ينافي التراخي اليسير . ا هـ .

    وكذا قال غيره : معنى التراخي فيها وإن لطف فإن من ضرورة التعقيب تراخي الثاني عن الأول بزمان وإن قل بحيث لا يدرك ; إذ لو لم يكن كذلك كان مقارنا , والقرآن ليس بموجب له , وأنت إذا علمت تفسيرنا التعقيب بحسب ما يمكن زال الإشكال . وقد جوزوا " دخلت البصرة فالكوفة " , وبين الدخولين تراخ ومهلة , وقال تعالى : { والذي أخرج [ ص: 155 ] المرعى فجعله غثاء أحوى } فإن بين الإخراج والإحواء وسائط . وقال ابن أبي الربيع : الاتصال يكون حقيقة ويكون مجازا , فإذا كان حقيقة فلا تراخي فيه وإذا كان مجازا ففيه تراخ بلا شك , كقولك : دخلت البصرة فالكوفة وإنما جاءت الفاء ; لأن سبب دخول الكوفة اتصل بدخول البصرة , فلم يكن بينهما مهلة . وقد يكون التراخي بينهما قليلا فيكون كالمستهلك لكونه غير مفتقر لعلته , فتدخل الفاء كذلك .

    ومن هذا يعلم وجه التعقيب في قوله صلى الله عليه وسلم { لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه } وبظاهره تمسك أهل الظاهر في إيجاب عتقه , وأنه لا يعتق بمجرد الشراء فإنه لو أعتق بنفس الشراء لم يكن لقوله : " فيعتقه " معنى . وقال الأئمة : فائدته التنبيه على أن الإعتاق بذلك الشراء لا بسبب آخر كما يقال : أطعمه فأشبعه وسقاه فأرواه . أي : بهذا الإطعام ; إذ لو كان الإشباع بغيره لم يكن متصلا به , لا يقال : لا يصح أن يكون الإعتاق حكما للشراء ; لأن الشراء موضوع لإثبات الملك , والإعتاق إزالة , فكان منافيا له , والمنافي لحكم الشيء لا يصلح أن يكون حكما لذلك الشيء ; لأنا نقول : إنه بنفسه لا يصلح أن يكون حكما له ولكنه يصلح بواسطة الملك , وذلك ; لأنه بالشراء يصير متملكا , والملك في الوقت إكمال لعلة العتق فيصير العتق مضافا إلى الشراء بواسطة الملك , وإذا صار مضافا إليه يصير به معتقا , وحينئذ لا يحتاج إلى إعتاق آخر . [ ص: 156 ]

    ثم ظاهر كلام جماعة أنه لا فرق في كونها للتعقيب بين العاطفة والواقعة جوابا للشرط وسبق في كلام الفارسي الاستدلال بجواب الشرط , فاقتضى أنه محل وفاق . وقال ابن الخشاب في " العوني " : المعنى الخاص بالفاء التعقيب فلا تكون عاطفة إلا معقبة , وقد تكون معقبة غير عاطفة , كقوله تعالى { ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما } والفاء في هذا وشبهه عاطفة معقبة , ونظيره في الكلام : جاء زيد فعمرو , وأما المعقبة غير العاطفة كالواقعة في جواب الشرط ; لأن الجواب يعقب الشرط , ولا يعطف عليه ; إذ لو عطف عليه لكان شرطا أيضا لا جوابا انتهى . وقال أبو الوليد الباجي : هي عند النحويين للتعقيب في العطف , وأما في الجواب فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى أنها للتعقيب أيضا . وليس بصحيح بدليل قوله تعالى : { لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب } ولأنك تقول : إذا دخلت مكة فاشتر لي عبدا , فإنه لا يقتضي التعقيب . انتهى .

    ولهذا اختار القرطبي أنها رابطة للجزاء بالشرط لا غير , وأن التعقيب غير لازم بدليل قوله تعالى : { فيسحتكم } وقوله { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } وليس فيها جزاء عقب شرطه . وحمله الأولون على المجاز ; لأن الإسحات لما تحقق وقوعه نزل منزلة الواقع عقبه . وما نقله الباجي يباينه مباينة ظاهرة ما نقله الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني في أصوله " فإنه قال ما نصه : إن الفاء إن كانت للجزاء فلا [ ص: 157 ] خلاف أنها للتعقيب كقولك : جاءني فضربته وشتمني فحددته . واختلفوا فيما إذا كانت للعطف فقيل : كالأول وقيل كالواو . ا هـ .

    لكن الخلاف في الجزاء ثابت , وجعلوا من فوائده الخلاف في وجوب استتابة المرتد فإنه عليه الصلاة والسلام قال : { من بدل دينه فاقتلوه } فإن جعلناه للتعقيب كان دليلا على عدم الوجوب وإلا فلا . وأنكر القاضي أبو بكر كونها للتعقيب إذا وقعت في جواب الأمر والنهي . ودافع المعتزلة عن الاستدلال على خلق القرآن بقوله تعالى : { كن فيكون } فإن الفاء هنا للتعقيب من غير تراخ ولا مهلة , وإذا كان الكائن الحادث عقب قوله : " كن " من غير تراخ ولا مهلة اقتضى ذلك حدث القول الذي هو " كن " . واشتد نكير القاضي في كون الفاء تقتضي التعقيب في مثل هذا , ورأى أنها تقتضيه في العطف فقط , وليس هذا منه , وعلى هذا فلا يحسن الاستدلال بها على الترتيب في قوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } وأنه إذا ثبتت البداءة بالوجه ثبت الترتيب في الباقي ; إذ لا قائل بالفرق . قيل : وأصل الفاء أن تدخل على المعلول لأنها للتعقيب , والمعلول يعقب العلة , وقد تدخل على العلة باعتبار أنها معلول كقوله تعالى : { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى } وسيأتي له مزيد في باب القياس إن شاء الله تعالى .



    مسألة: الْجُزْء الثَّالِث[ ص: 152 ] وَمِنْهَا الْفَاءُ : وَهِيَ لِلتَّرْتِيبِ وَزِيَادَةٍ , وَهِيَ التَّعْقِيبُ أَيْ : أَنَّ الْمَعْطُوفَ بَعْدَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُ , وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ : إنَّهَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ أَيْ : فِي عَقِبِهِ وَلِهَذَا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ : إنَّ مَعْنَاهَا التَّفَرُّقُ عَلَى مُوَاصَلَةٍ . وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُحْكَى عَنْ الزَّجَّاجِ وَأَخَذَهَا ابْنُ جِنِّي فِي لُمَعِهِ " . وَمَعْنَى التَّفَرُّقِ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْجَمْعِ كَالْوَاوِ , وَمَعْنَى عَلَى مُوَاصَلَةٍ أَيْ : أَنَّ الثَّانِيَ لَمَّا كَانَ يَلِي الْأَوَّلَ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ زَمَانِيٍّ كَانَ مُوَاصِلًا لَهُ . وَاسْتَدَلَّ الْفَارِسِيُّ فِي " الْإِيضَاحِ " عَلَى ذَلِكَ بِوُقُوعِهَا فِي جَوَابِ الشَّرْطِ , نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ . يُرِيدُ أَنَّ الْجَوَابَ يَلِي الشَّرْطَ عَقِبَهُ بِلَا مُهْلَةٍ . وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا } قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ قَرُبَ هَلَاكُهَا . وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ : أَيْ أَرَدْنَا إهْلَاكَهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا , وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ عِلْمِ الْكَلَامِ . وَقِيلَ : لَمَّا كَانَ مَجِيءُ الْبَأْسِ مَجْهُولًا عِنْدَ النَّاسِ قُدِّرَ كَالْعَدَمِ , وَلَمَّا حَصَلَ الْهَلَاكُ اعْتَقَدُوا وُجُودَهُ فَحَسُنَ دُخُولُ الْفَاءِ . وَقِيلَ : لَيْسَتْ عَاطِفَةً , وَإِنَّمَا هِيَ سَبَبِيَّةٌ , وَالْفَاءُ السَّبَبِيَّةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّعْقِيبُ , فَإِنَّك تَقُولُ : أَكْرَمْت زَيْدًا أَمْسِ , فَأَكْرَمَنِي الْيَوْمَ , وَهَذَا تَأْوِيلٌ [ ص: 153 ] ظَاهِرٌ , وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْله تَعَالَى : { فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً } ثُمَّ التَّرْتِيبُ إمَّا فِي الزَّمَانِ نَحْوُ { خَلَقَك فَسَوَّاك } وَلِهَذَا كَثُرَ كَوْنُ تَابِعِهَا مُسَبَّبًا , نَحْوُ ضَرَبْته فَهَلَكَ , أَوْ فِي الذِّكْرِ , وَهُوَ عَطْفُ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ هُوَ , نَحْوُ { وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ } أَوْ مُتَأَخِّرٌ عَمَّا قَبْلَهُ فِي الْإِخْبَارِ نَحْوُ : بِسَقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّهَا تَأْتِي لِغَيْرِ التَّرْتِيبِ , وَهَذَا مَعَ مَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ أَنَّ الْوَاوَ تُفِيدُ التَّرْتِيبَ عَجِيبٌ , وَهُوَ يُوقِعُ خَلَلًا فِي ذَلِكَ النَّقْلِ , فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ هَذَا فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى } الْمَعْنَى ثُمَّ تَدَلَّى فَدَنَا , وَلَكِنَّهُ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْمَعْنَى فِي الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا , أَوْ كَالْوَاحِدِ قَدَّمْت أَيَّهُمَا شِئْت فَقُلْت : دَنَا فَقَرُبَ أَوْ قَرُبَ فَدَنَا , وَشَتَمَنِي فَأَسَاءَ , أَوْ أَسَاءَ فَشَتَمَنِي ; لِأَنَّ الشَّتْمَ وَالْإِسَاءَةَ وَاحِدٌ . وَنُوقِشَ بِأَنَّ الْقَلْبَ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مُسَبَّبًا وَسَبَبًا مِنْ وَجْهَيْنِ , فَيَكُونُ التَّرْتِيبُ حَاصِلًا قَدَّمْت أَوْ أَخَّرْت , فَقَوْلُكَ : دَنَا فَقَرُبَ . الدُّنُوُّ عِلَّةُ الْقُرْبِ , وَالْقُرْبُ غَايَتُهُ . فَإِذَا قُلْت : دَنَا فَقَرُبَ , فَمَعْنَاهُ لَمَّا دَنَا حَصَلَ الْقُرْبُ , وَإِذَا عَكَسْت فَقُلْت : قَرُبَ فَدَنَا , فَمَعْنَاهُ قَرُبَ فَلَزِمَ مِنْهُ الدُّنُوُّ , وَلَا يَصِحُّ فِي قَوْلِك : ضَرَبْته فَبَكَى ; لِأَنَّ الضَّرْبَ لَيْسَ غَايَتَهُ الْبُكَاءُ بَلْ الْأَدَبُ , أَوْ شَيْءٌ آخَرُ , وَكَذَلِكَ أَعْطَيْته فَشَنَّعَا . وَقَالَ الْجَرْمِيُّ : لَا تُفِيدُ الْفَاءُ التَّرْتِيبَ فِي الْبِقَاعِ وَلَا فِي الْأَمْطَارِ بِدَلِيلِ [ ص: 154 ] قَوْلِهِ : بَيْنَ الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ . وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : نَصَّ الْفَارِسِيُّ فِي " الْإِيضَاحِ " عَلَى أَنَّ " ثُمَّ " أَشَدُّ تَرَاخِيًا مِنْ الْفَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَاءَ لَهَا تَرَاخٍ , وَكَذَلِكَ ذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ , وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ إلَّا الْمُتَأَخِّرُونَ . قُلْت : وَهِيَ عِبَارَةُ أَبِي بَكْرِ بْنِ السَّرَّاجِ فِي أُصُولِهِ " , فَقَالَ : وَ " ثُمَّ " مِثْلُ الْفَاءِ إلَّا أَنَّهَا أَشَدُّ تَرَاخِيًا , وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ : ظَاهِرُهُ أَنَّ فِي الْفَاءِ تَرَاخِيًا جَمًّا ; لِأَنَّ أَشَدَّ " أَفْضَلُ لِلتَّفْضِيلِ " وَلَا يَقَعُ التَّفْضِيلُ إلَّا بَيْنَ مُشْتَرِكَيْنِ فِي مَعْنًى , ثُمَّ يَزِيدُ الْمُفَضَّلُ عَلَى الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى , وَلَا تَرَاخِيَ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْفَاءُ فِيمَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ عَدَّ تَعْقِيبَ الْفَاءِ وَتَرْتِيبَهَا تَرَاخِيًا فَذَلِكَ تَسَاهُلٌ فِي الْعِبَارَةِ وَتَسَامُحٌ . ثُمَّ شَرَعَ فِي تَأْوِيلِ عِبَارَةِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَنَّ " أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ " قَدْ لَا يُرَادُ بِهِ ظَاهِرُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا } وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي مُسْتَقَرِّ أَهْلِ النَّارِ . قُلْت : وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا فَقَدْ صَرَّحَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ , فَقَالَ فِي الْفَاءِ : إنَّ أَصْلَهَا الْإِتْبَاعُ , وَلِذَلِكَ لَا تَعْرَى عَنْهُ مَعَ تَعَرِّيهَا عَنْ الْعَطْفِ فِي جَوَازِ الشَّرْطِ , وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّرَاخِي الْيَسِيرُ . ا هـ .

    وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ : مَعْنَى التَّرَاخِي فِيهَا وَإِنْ لَطُفَ فَإِنَّ مِنْ ضَرُورَةِ التَّعْقِيبِ تَرَاخِي الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ بِزَمَانٍ وَإِنْ قَلَّ بِحَيْثُ لَا يُدْرَكُ ; إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مُقَارَنًا , وَالْقُرْآنُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لَهُ , وَأَنْتَ إذَا عَلِمْت تَفْسِيرَنَا التَّعْقِيبَ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُ زَالَ الْإِشْكَالُ . وَقَدْ جَوَّزُوا " دَخَلْت الْبَصْرَةَ فَالْكُوفَةَ " , وَبَيْنَ الدُّخُولَيْنِ تَرَاخٍ وَمُهْلَةٌ , وَقَالَ تَعَالَى : { وَاَلَّذِي أَخْرَجَ [ ص: 155 ] الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحَوَى } فَإِنَّ بَيْنَ الْإِخْرَاجِ وَالْإِحْوَاءِ وَسَائِطَ . وَقَالَ ابْنُ أَبِي الرَّبِيعِ : الِاتِّصَالُ يَكُونُ حَقِيقَةً وَيَكُونُ مَجَازًا , فَإِذَا كَانَ حَقِيقَةً فَلَا تَرَاخِيَ فِيهِ وَإِذَا كَانَ مَجَازًا فَفِيهِ تَرَاخٍ بِلَا شَكٍّ , كَقَوْلِك : دَخَلْت الْبَصْرَةَ فَالْكُوفَةَ وَإِنَّمَا جَاءَتْ الْفَاءُ ; لِأَنَّ سَبَبَ دُخُولِ الْكُوفَةِ اتَّصَلَ بِدُخُولِ الْبَصْرَةِ , فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهْلَةٌ . وَقَدْ يَكُونُ التَّرَاخِي بَيْنَهُمَا قَلِيلًا فَيَكُونُ كَالْمُسْتَهْلِكِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُفْتَقِرٍ لِعِلَّتِهِ , فَتَدْخُلُ الْفَاءُ كَذَلِكَ .

    وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ وَجْهُ التَّعْقِيبِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ } وَبِظَاهِرِهِ تَمَسَّكَ أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي إيجَابِ عِتْقِهِ , وَأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ : " فَيُعْتِقَهُ " مَعْنًى . وَقَالَ الْأَئِمَّةُ : فَائِدَتُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ بِذَلِكَ الشِّرَاءِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ كَمَا يُقَالُ : أَطْعَمَهُ فَأَشْبَعَهُ وَسَقَاهُ فَأَرْوَاهُ . أَيْ : بِهَذَا الْإِطْعَامِ ; إذْ لَوْ كَانَ الْإِشْبَاعُ بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا بِهِ , لَا يُقَالُ : لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ حُكْمًا لِلشِّرَاءِ ; لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَوْضُوعٌ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ , وَالْإِعْتَاقُ إزَالَةٌ , فَكَانَ مُنَافِيًا لَهُ , وَالْمُنَافِي لِحُكْمِ الشَّيْءِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ ; لِأَنَّا نَقُولُ : إنَّهُ بِنَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا لَهُ وَلَكِنَّهُ يَصْلُحُ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ , وَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَصِيرُ مُتَمَلَّكًا , وَالْمِلْكُ فِي الْوَقْتِ إكْمَالٌ لِعِلَّةِ الْعِتْقِ فَيَصِيرُ الْعِتْقُ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ , وَإِذَا صَارَ مُضَافًا إلَيْهِ يَصِيرُ بِهِ مُعْتَقًا , وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعْتَاقٍ آخَرَ . [ ص: 156 ]

    ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَوْنِهَا لِلتَّعْقِيبِ بَيْنَ الْعَاطِفَةِ وَالْوَاقِعَةِ جَوَابًا لِلشَّرْطِ وَسَبَقَ فِي كَلَامِ الْفَارِسِيِّ الِاسْتِدْلَال بِجَوَابِ الشَّرْطِ , فَاقْتَضَى أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ . وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ فِي " الْعَوْنِيِّ " : الْمَعْنَى الْخَاصُّ بِالْفَاءِ التَّعْقِيبُ فَلَا تَكُونُ عَاطِفَةً إلَّا مُعَقِّبَةً , وَقَدْ تَكُونُ مُعَقِّبَةً غَيْرَ عَاطِفَةٍ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى { ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا } وَالْفَاءُ فِي هَذَا وَشَبَهِهِ عَاطِفَةٌ مُعَقِّبَةٌ , وَنَظِيرُهُ فِي الْكَلَامِ : جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو , وَأَمَّا الْمُعَقِّبَةُ غَيْرُ الْعَاطِفَةِ كَالْوَاقِعَةِ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ الْجَوَابَ يَعْقُبُ الشَّرْطَ , وَلَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ ; إذْ لَوْ عُطِفَ عَلَيْهِ لَكَانَ شَرْطًا أَيْضًا لَا جَوَابًا انْتَهَى . وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ : هِيَ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ لِلتَّعْقِيبِ فِي الْعَطْفِ , وَأَمَّا فِي الْجَوَابِ فَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ أَيْضًا . وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ } وَلِأَنَّك تَقُولُ : إذَا دَخَلْت مَكَّةَ فَاشْتَرِ لِي عَبْدًا , فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّعْقِيبَ . انْتَهَى .

    وَلِهَذَا اخْتَارَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهَا رَابِطَةٌ لِلْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ لَا غَيْرُ , وَأَنَّ التَّعْقِيبَ غَيْرُ لَازِمٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { فَيُسْحِتَكُمْ } وَقَوْلُهُ { وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } وَلَيْسَ فِيهَا جَزَاءٌ عَقِبَ شَرْطِهِ . وَحَمَلَهُ الْأَوَّلُونَ عَلَى الْمَجَازِ ; لِأَنَّ الْإِسْحَاتَ لَمَّا تَحَقَّقَ وُقُوعُهُ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ عَقِبَهُ . وَمَا نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ يُبَايِنُهُ مُبَايَنَةً ظَاهِرَةً مَا نَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فِي أُصُولِهِ " فَإِنَّهُ قَالَ مَا نَصُّهُ : إنَّ الْفَاءَ إنْ كَانَتْ لِلْجَزَاءِ فَلَا [ ص: 157 ] خِلَافَ أَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ كَقَوْلِك : جَاءَنِي فَضَرَبْته وَشَتَمَنِي فَحَدَدْته . وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَتْ لِلْعَطْفِ فَقِيلَ : كَالْأَوَّلِ وَقِيلَ كَالْوَاوِ . ا هـ .

    لَكِنْ الْخِلَافُ فِي الْجَزَاءِ ثَابِتٌ , وَجَعَلُوا مِنْ فَوَائِدِهِ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ : { مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } فَإِنْ جَعَلْنَاهُ لِلتَّعْقِيبِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَلَا . وَأَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ كَوْنَهَا لِلتَّعْقِيبِ إذَا وَقَعَتْ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ . وَدَافَعَ الْمُعْتَزِلَةُ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى خَلْقِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { كُنْ فَيَكُونُ } فَإِنَّ الْفَاءَ هُنَا لِلتَّعْقِيبِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ وَلَا مُهْلَةٍ , وَإِذَا كَانَ الْكَائِنُ الْحَادِثُ عَقِبَ قَوْلِهِ : " كُنْ " مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ وَلَا مُهْلَةٍ اقْتَضَى ذَلِكَ حَدَثُ الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ " كُنْ " . وَاشْتَدَّ نَكِيرُ الْقَاضِي فِي كَوْنِ الْفَاءِ تَقْتَضِي التَّعْقِيبَ فِي مِثْلِ هَذَا , وَرَأَى أَنَّهَا تَقْتَضِيهِ فِي الْعَطْفِ فَقَطْ , وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ , وَعَلَى هَذَا فَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى التَّرْتِيبِ فِي قَوْله تَعَالَى : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا } وَأَنَّهُ إذَا ثَبَتَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْوَجْهِ ثَبَتَ التَّرْتِيبُ فِي الْبَاقِي ; إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ . قِيلَ : وَأَصْلُ الْفَاءِ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى الْمَعْلُولِ لِأَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ , وَالْمَعْلُولُ يَعْقُبُ الْعِلَّةَ , وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْعِلَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مَعْلُولٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدٌ فِي بَابِ الْقِيَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .


    مسألة: الجزء الثالث[ ص: 152 ] ومنها الفاء : وهي للترتيب وزيادة , وهي التعقيب أي : أن المعطوف بعد المعطوف عليه بحسب ما يمكن , وهو معنى قولهم : إنها تدل على الترتيب بلا مهلة أي : في عقبه ولهذا قال المحققون منهم : إن معناها التفرق على مواصلة . وهذه العبارة تحكى عن الزجاج وأخذها ابن جني في لمعه " . ومعنى التفرق أنها ليست للجمع كالواو , ومعنى على مواصلة أي : أن الثاني لما كان يلي الأول من غير فاصل زماني كان مواصلا له . واستدل الفارسي في " الإيضاح " على ذلك بوقوعها في جواب الشرط , نحو إن دخلت الدار فأنت طالق . يريد أن الجواب يلي الشرط عقبه بلا مهلة . وأما قوله تعالى : { وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا } قال الهروي وغيره معناه قرب هلاكها . وقال المتأخرون : أي أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا , وفيه نظر من جهة علم الكلام . وقيل : لما كان مجيء البأس مجهولا عند الناس قدر كالعدم , ولما حصل الهلاك اعتقدوا وجوده فحسن دخول الفاء . وقيل : ليست عاطفة , وإنما هي سببية , والفاء السببية لا يشترط فيها التعقيب , فإنك تقول : أكرمت زيدا أمس , فأكرمني اليوم , وهذا تأويل [ ص: 153 ] ظاهر , وعليه ينبغي أن يحمل قوله تعالى : { فتصبح الأرض مخضرة } ثم الترتيب إما في الزمان نحو { خلقك فسواك } ولهذا كثر كون تابعها مسببا , نحو ضربته فهلك , أو في الذكر , وهو عطف مفصل على مجمل هو , نحو { ونادى نوح ربه فقال رب } أو متأخر عما قبله في الإخبار نحو : بسقط اللوى بين الدخول فحومل وزعم الفراء أنها تأتي لغير الترتيب , وهذا مع ما نقل عنه من أن الواو تفيد الترتيب عجيب , وهو يوقع خللا في ذلك النقل , فإنه قد ذكر هذا في معاني القرآن في قوله تعالى { ثم دنا فتدلى } المعنى ثم تدلى فدنا , ولكنه جائز إذا كان المعنى في الفعلين واحدا , أو كالواحد قدمت أيهما شئت فقلت : دنا فقرب أو قرب فدنا , وشتمني فأساء , أو أساء فشتمني ; لأن الشتم والإساءة واحد . ونوقش بأن القلب إنما يصح فيما يكون كل واحد مسببا وسببا من وجهين , فيكون الترتيب حاصلا قدمت أو أخرت , فقولك : دنا فقرب . الدنو علة القرب , والقرب غايته . فإذا قلت : دنا فقرب , فمعناه لما دنا حصل القرب , وإذا عكست فقلت : قرب فدنا , فمعناه قرب فلزم منه الدنو , ولا يصح في قولك : ضربته فبكى ; لأن الضرب ليس غايته البكاء بل الأدب , أو شيء آخر , وكذلك أعطيته فشنعا . وقال الجرمي : لا تفيد الفاء الترتيب في البقاع ولا في الأمطار بدليل [ ص: 154 ] قوله : بين الدخول فحومل . وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : نص الفارسي في " الإيضاح " على أن " ثم " أشد تراخيا من الفاء فدل على أن الفاء لها تراخ , وكذلك ذكر غيره من المتقدمين , ولم يدع أنها للتعقيب إلا المتأخرون . قلت : وهي عبارة أبي بكر بن السراج في أصوله " , فقال : و " ثم " مثل الفاء إلا أنها أشد تراخيا , وقال ابن الخشاب : ظاهره أن في الفاء تراخيا جما ; لأن أشد " أفضل للتفضيل " ولا يقع التفضيل إلا بين مشتركين في معنى , ثم يزيد المفضل على المفضل عليه في ذلك المعنى , ولا تراخي تدل عليه الفاء فيما بعدها عما قبلها إلا أن يكون أبو بكر عد تعقيب الفاء وترتيبها تراخيا فذلك تساهل في العبارة وتسامح . ثم شرع في تأويل عبارة أبي بكر على أن " أفعل التفضيل " قد لا يراد به ظاهره كقوله تعالى : { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا } ومن البين أنه لا خير في مستقر أهل النار . قلت : ولا حاجة إلى هذا فقد صرح عبد القاهر الجرجاني , فقال في الفاء : إن أصلها الإتباع , ولذلك لا تعرى عنه مع تعريها عن العطف في جواز الشرط , ولكن مع ذلك لا ينافي التراخي اليسير . ا هـ .

    وكذا قال غيره : معنى التراخي فيها وإن لطف فإن من ضرورة التعقيب تراخي الثاني عن الأول بزمان وإن قل بحيث لا يدرك ; إذ لو لم يكن كذلك كان مقارنا , والقرآن ليس بموجب له , وأنت إذا علمت تفسيرنا التعقيب بحسب ما يمكن زال الإشكال . وقد جوزوا " دخلت البصرة فالكوفة " , وبين الدخولين تراخ ومهلة , وقال تعالى : { والذي أخرج [ ص: 155 ] المرعى فجعله غثاء أحوى } فإن بين الإخراج والإحواء وسائط . وقال ابن أبي الربيع : الاتصال يكون حقيقة ويكون مجازا , فإذا كان حقيقة فلا تراخي فيه وإذا كان مجازا ففيه تراخ بلا شك , كقولك : دخلت البصرة فالكوفة وإنما جاءت الفاء ; لأن سبب دخول الكوفة اتصل بدخول البصرة , فلم يكن بينهما مهلة . وقد يكون التراخي بينهما قليلا فيكون كالمستهلك لكونه غير مفتقر لعلته , فتدخل الفاء كذلك .

    ومن هذا يعلم وجه التعقيب في قوله صلى الله عليه وسلم { لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه } وبظاهره تمسك أهل الظاهر في إيجاب عتقه , وأنه لا يعتق بمجرد الشراء فإنه لو أعتق بنفس الشراء لم يكن لقوله : " فيعتقه " معنى . وقال الأئمة : فائدته التنبيه على أن الإعتاق بذلك الشراء لا بسبب آخر كما يقال : أطعمه فأشبعه وسقاه فأرواه . أي : بهذا الإطعام ; إذ لو كان الإشباع بغيره لم يكن متصلا به , لا يقال : لا يصح أن يكون الإعتاق حكما للشراء ; لأن الشراء موضوع لإثبات الملك , والإعتاق إزالة , فكان منافيا له , والمنافي لحكم الشيء لا يصلح أن يكون حكما لذلك الشيء ; لأنا نقول : إنه بنفسه لا يصلح أن يكون حكما له ولكنه يصلح بواسطة الملك , وذلك ; لأنه بالشراء يصير متملكا , والملك في الوقت إكمال لعلة العتق فيصير العتق مضافا إلى الشراء بواسطة الملك , وإذا صار مضافا إليه يصير به معتقا , وحينئذ لا يحتاج إلى إعتاق آخر . [ ص: 156 ]

    ثم ظاهر كلام جماعة أنه لا فرق في كونها للتعقيب بين العاطفة والواقعة جوابا للشرط وسبق في كلام الفارسي الاستدلال بجواب الشرط , فاقتضى أنه محل وفاق . وقال ابن الخشاب في " العوني " : المعنى الخاص بالفاء التعقيب فلا تكون عاطفة إلا معقبة , وقد تكون معقبة غير عاطفة , كقوله تعالى { ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما } والفاء في هذا وشبهه عاطفة معقبة , ونظيره في الكلام : جاء زيد فعمرو , وأما المعقبة غير العاطفة كالواقعة في جواب الشرط ; لأن الجواب يعقب الشرط , ولا يعطف عليه ; إذ لو عطف عليه لكان شرطا أيضا لا جوابا انتهى . وقال أبو الوليد الباجي : هي عند النحويين للتعقيب في العطف , وأما في الجواب فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى أنها للتعقيب أيضا . وليس بصحيح بدليل قوله تعالى : { لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب } ولأنك تقول : إذا دخلت مكة فاشتر لي عبدا , فإنه لا يقتضي التعقيب . انتهى .

    ولهذا اختار القرطبي أنها رابطة للجزاء بالشرط لا غير , وأن التعقيب غير لازم بدليل قوله تعالى : { فيسحتكم } وقوله { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } وليس فيها جزاء عقب شرطه . وحمله الأولون على المجاز ; لأن الإسحات لما تحقق وقوعه نزل منزلة الواقع عقبه . وما نقله الباجي يباينه مباينة ظاهرة ما نقله الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني في أصوله " فإنه قال ما نصه : إن الفاء إن كانت للجزاء فلا [ ص: 157 ] خلاف أنها للتعقيب كقولك : جاءني فضربته وشتمني فحددته . واختلفوا فيما إذا كانت للعطف فقيل : كالأول وقيل كالواو . ا هـ .

    لكن الخلاف في الجزاء ثابت , وجعلوا من فوائده الخلاف في وجوب استتابة المرتد فإنه عليه الصلاة والسلام قال : { من بدل دينه فاقتلوه } فإن جعلناه للتعقيب كان دليلا على عدم الوجوب وإلا فلا . وأنكر القاضي أبو بكر كونها للتعقيب إذا وقعت في جواب الأمر والنهي . ودافع المعتزلة عن الاستدلال على خلق القرآن بقوله تعالى : { كن فيكون } فإن الفاء هنا للتعقيب من غير تراخ ولا مهلة , وإذا كان الكائن الحادث عقب قوله : " كن " من غير تراخ ولا مهلة اقتضى ذلك حدث القول الذي هو " كن " . واشتد نكير القاضي في كون الفاء تقتضي التعقيب في مثل هذا , ورأى أنها تقتضيه في العطف فقط , وليس هذا منه , وعلى هذا فلا يحسن الاستدلال بها على الترتيب في قوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } وأنه إذا ثبتت البداءة بالوجه ثبت الترتيب في الباقي ; إذ لا قائل بالفرق . قيل : وأصل الفاء أن تدخل على المعلول لأنها للتعقيب , والمعلول يعقب العلة , وقد تدخل على العلة باعتبار أنها معلول كقوله تعالى : { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى } وسيأتي له مزيد في باب القياس إن شاء الله تعالى .
    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:17 AM.
  • طارق شفيق حقي
    المدير العام
    • Dec 2003
    • 11929

    #2
    رد : معاني الأدوات
    اللام : حقيقة في الاختصاص كقولك : المال لزيد , وقولهم : للملك مجاز من [ ص: 165 ] وضع الخاص موضع العام ; لأن الملك اختصاص , وليس كل اختصاص ملكا . فإذا قيل : هي للاختصاص دخل فيه الملك وغيره , كقولك : السرج للدابة , والباب للمسجد . أي : هما مختصان بهما , ولم يوجد فيهما حقيقة الملك , وجعلها الجرجاني حقيقة في الملك , ومتى استعلمت في غيره فبقرينة . والصحيح : الأول ; لأن الاختصاص معنى عام لجميع موارد استعمالها وبأي معنى استعملت لا تخلو منه . قال ابن يعيش : إنما قلنا : أصلها الاختصاص لعمومه , ولأن كل مالك مختص بملكه , ولهذا لم يذكر في " المفصل " غيره , ولم يذكر أنها للملك . وقال ابن الخشاب : قال الحذاق : اللام تفيد الاختصاص الذي يدخل فيه الملك , ولذلك يقول العبد : سيد لي قبل العتق , ومولى لي بعده , كما قال السيد : عبيد لي , التنزيل { لمن الملك اليوم لله } وفيه { ولله على الناس حج البيت } { ولسليمان الريح } { ولمن خاف مقام ربه } { ولكم نصف ما ترك أزواجكم }


    [ ص: 166 ] قال : فما لا يصلح له التملك قيل : اللام معه لام الاستحقاق , وما صح أن يقع فيه التملك وأضيف إليه ما ليس بمملوك له قيل : اللام معه لام الاستحقاق , وما عدا ذلك فاللام فيه عندهم لام الملك . وفرق القرافي بين الملك والاستحقاق والاختصاص فقال : المال إن أضيف إلى من يعقل كانت للملك , وإلا فإن شهدت العادة له به فللاستحقاق , كالسرج للدابة , وإن لم تشهد به بل كانت من شهادة العادة وغيرها فهو للاختصاص , فالملك أخص من الاستحقاق , والاستحقاق أخص من الاختصاص , وما قاله ابن الخشاب في الفرق أحسن . وجعل بعضهم اللام في قوله صلى الله عليه وسلم : {
    من باع عبدا وله مال } للاختصاص ; إذ لو كانت للملك لتنافى مع قوله : ( فماله للبائع ) . وحكى الرافعي في كتاب الإفراد عن الأصحاب أن اللام تقتضي الاختصاص بالملك أو غيره , فإن تجردت وأمكن الحمل على الملك حمل عليه ; لأنه أظهر وجوه الاختصاص , وإن وصل بها وذكر وجها آخر من الاختصاص أو لم يمكن الحمل على الملك , كقولنا : الحبل للفرس حمل عليه . وتأتي للتعليل : كقوله تعالى : { لئلا يكون للناس على الله حجة } , وللعاقبة , نحو { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } قال ابن السمعاني : وعندي أنه مجاز وقال الزمخشري : التحقيق أنها لام العلة , والتعليل فيها وارد على طريق

    [ ص: 167 ] المجاز لا الحقيقة . وقال الشيخ جمال الدين بن هشام في " المغني " : أنكر البصريون لام العاقبة . قلت : في كتاب " المبتدئ " في النحو لابن خالويه , فأما قوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا } فهي لام كي عند الكوفيين , ولام الصيرورة عند البصريين . انتهى . ونقل ابن برهان في " الغرة " عن الكوفيين أن تقديره " لئلا يكون " . وفي " أمالي الشيخ عز الدين : المفرق بين لام الصيرورة , كما في قوله تعالى : { ليكون لهم عدوا } ولام التعليل , كما في قوله تعالى : { لنحيي به بلدة ميتا } أن لام التعليل تدخل على ما هو غرض لفاعل الفعل , ويكون مرتبا على الفعل , وليس في لام الصيرورة إلا الترتيب فقط . قال ابن فورك عن الأشعري : كل لام نسبها الله - عز وجل - لنفسه فهي لام الصيرورة , لاستحالة الغرض مكان المخبر في لام الصيرورة . قال : فعلت هذا بعد هذا ; لأنه غرض لي


    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:18 AM.

    تعليق

    • طارق شفيق حقي
      المدير العام
      • Dec 2003
      • 11929

      #3
      رد : معاني الأدوات

      [ ص: 168 ] ومن الثاني ( أن ) المفتوحة الساكنة تدخل على المضارع لتخلصه للاستقبال , وتلي الماضي فلا تغيره عن معناه نحو سرني أن ذهب زيد . واختلف هل هي الداخلة على المضارع ; لأنها في الموضعين مؤولة بالمصدر ؟ والصريح : أنها غيرها وإلا لزم انصراف الماضي معها إلى الاستقبال , كما أن " إن " الشرطية الداخلة على الماضي لما كانت بمعنى الداخلة على المضارع قلبت الماضي إلى الاستقبال , وما ذكرناه من تخليصها المضارع إلى الاستقبال مجمع عليه بين النحاة .

      وزعم القاضي أبو بكر وتبعه إمام الحرمين وغيره أنها تكون غير مخلصة للاستقبال بل تكون للحال , واحتجوا بذلك على المعتزلة في قوله تعالى : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } فقوله : { أن نقول } حال ; لأنه لو كان مستقبلا لزم أن يكون كلامه مخلوقا تعالى الله عز وجل عن ذلك . وتابعهم أبو الوليد الباجي . وقال في كتاب " التسديد " : إن القول بتخليصها للاستقبال قول ضعفه النحاة , وهذا عجيب . واحتج إمام الحرمين بقول سيبويه : " أن " مفتوحة على أوجه : أحدها : أن تكون " أن " وما تعمل فيه من الفعل بمنزلة مصادرها فكما أن المصدر لا يخص زمانا بعينه فكذلك ما كان بمنزلته وتضمن معناه . [ ص: 169 ] قال ابن خروف : وكلام سيبويه في هذا قوله : " أن " المفتوحة تكون على وجوه : أحدها : أن تكون " أن " وما تعمل فيه من الفعل بمنزلة مصادرها وباقي الكلام لأبي المعالي , وليس في كلام سيبويه أكثر من أن " أن " مع الفعل بتأويل مصدر , ولا يلزم من جعل الشيء بمنزلة الشيء في حكم ما , أن يشبهه من جميع الوجوه . وغرض سيبويه أن " أن " مع الفعل بتأويل اسم يجري بوجوه الإعراب , كقولك : أعجبني أن قمت , ويعجبني أن تقوم فالأول ماض والثاني مستقبل . فإن أردت الحال قلت : يعجبني أنك تقوم , فجئت بها مثقلة , وإذا قلت : يعجبني قيامك احتمل الأزمنة الثلاثة , ولأجل الدلالة على الزمان جيء بأن والفعل .

      وأما الآية الشريفة التي تمسك بها القاضي ومتابعوه فأجاب ابن عصفور فيما حكاه عن الصفار أن القول قد يكون خلاف الكلام لغة بدليل قوله : امتلأ الحوض . وقال القرطبي : فجعل ما يفهم منه كلاما فيكون القول هنا متجوزا فيه : فكأنه قال : إنما أمره إذا علق إرادته على الشيء أن يعلقها عليه فيكون فجعل تعليق الإرادة على الشيء قولا ; لأنها يكون عنها الشيء كما يكون عن الأمر , فلا يكون في ذلك إثبات خلق القرآن , وهذا بناء على أن التعليق حادث . وفيه كلام ويمكن أن يقال : إنها للحال وهي حال مقدرة كما في مررت برجل معه صقر صائد به غدا , فإن معناه مقدر ( إلا أن الصيد به غدا ) وذلك لا ينافي قول النحاة : أنها تخلصه للاستقبال .

      واحتجوا على أنها تكون للماضي بقوله تعالى : { وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا } قالوا : فوقوع الماضي قبلها دليل على أنها [ ص: 170 ] تكون لغير الاستقبال , وليس كما زعموا لما ذكرناه , وبدليل أنهم لم يقتلوا على ما سلف منهم من الإيمان , وبذلك ورد خبرهم في حديث الفتى والراهب والملك فذكرا بفعل قبلها بلفظ الماضي والثاني بلفظ المستقبل ليعم الأزمنة الثلاثة على حد قوله :


      وندمان يزيد الكأس طيبا سقيت إذا تغورت النجوم

      وتجيء [ أن ] للتعليل , ولهذا لو قال : أنت طالق أن دخلت الدار بفتح أن وقع في الحال إن كان نحويا ; لأنها للتعليل , ولا يشترط وجود العلة , وقد ناظر فيه الكسائي محمد بن الحسن بحضرة الرشيد , فزعم الكسائي أنها بمعنى " إذ " محتجا بقوله تعالى : { يمنون عليك أن أسلموا } وقوله : { أن دعوا للرحمن ولدا } وهو مذهب كوفي . وخالفهم البصريون وأولوا على أنها مصدرية أي : إسلامهم ولكن قبلها لام العلة مقدرة , وبذلك يبطل انتصار السروجي في " الغاية " لمحمد فإن التعليل ملحوظ وإن لم يجعلها للتعليل , وذلك يقتضي الإيقاع في الحال .

      تنبيه مهم في الفرق بين أن والفعل والمصدر , وذلك من أوجه : أحدها : دلالة الفعل على المضي أو الاستقبال بخلاف المصدر . الثاني : دلالة " أن " والفعل على إمكان الفعل دون وجوبه واستحالته بخلاف المصدر .

      [ ص: 171 ] الثالث : تحصير " أن " بمعنى الحدوث دون احتمال معنى زائد عليه , فإن قولك : كرهت قيامك قد يكون لصفة في ذلك القيام , وقولك : كرهت أن قمت يقتضي أنك كرهت نفس القيام . الرابع : امتناع الإخبار عن " أن " والفعل في نحو قولك : أن قمت خير من أن قعدت بخلاف المصدر . قاله السهيلي . الخامس : " أن " والفعل يدل على الوقوع بخلاف المصدر , قاله صاحب " البسيط " من النحاة كذا نقله بعض المتأخرين . وإنما قال صاحب " البسيط " ذلك في " أن " المشددة لا المخففة , ففرق بين عجبت من انطلاقك وعجبت من أنك منطلق بما ذكر . ثم ما قاله في المصدر يخالف قول أصحابنا في كتاب الظهار في مسألة : إن وطئتك فعبدي حر عن ظهاري , ولم يكن ظهار فإنه يحكم به ظهار لإقراره . وقال ابن عطية : " أن " مع الفعل تعطي استئنافا ليس في المصدر في أغلب أمرها . وقد تجيء في مواضع لا يلاحظ فيها الزمان , وتفترقان في الأحكام في أمور منها : أنه لا يؤكد بأن والفعل بخلاف المصدر ; لأنه مبهم , وهي معينة فكان المصدر المصرح به أشياء بما أكد , فقال : ضربت زيدا ضربا , ولا تقول : ضربت زيدا أن ضربت .

      ومنها : أن المصدر الصريح قد يقع حالا , وقد لا يقع , و " أن " والفعل المنسبك منهما المصدر لا يقع حالا ألبتة . ومنها : أن المصدر لا يجوز أن ينوب مناب المفعولين في باب ظننت [ ص: 172 ] وينوب " أن " مع الفعل منابهما , فلا تقول : ظننت قيامك , وتقول : ظننت أن يقوم زيد . قاله الصفار , وإنما جاز مع " أن " للطول . قال : وأجاز بعضهم ظننت قيام زيد على حذف المفعول الثاني أي : واقفا . ومنها : أن المصدر لا يحذف معه حرف الجر فلا تقول : عجبت ضربك تريد من ضربك , ويحذف مع " أن " , ذكره الصفار أيضا . ومنها : أن المصدر يقع قبله كل فعل , ولا يقع قبل " أن " إلا أفعال الظن والشك ونحوها دون أفعال التحقيق ; لأنها تخلص الفعل للاستقبال , وليس فيها تأكيد كما في " أن " , فلم يكن بينها وبين فعل التحقيق نسبة . ومنها : أن المصدر يضاف إليه فيقال : جئت مخافة ضربك , ولا يضاف إلى " أن " فلا يقال : مخافة أن تضرب , وما سمع منه فإنه على حذف التنوين تخفيفا , والمصدر عنده منصوب . قاله ابن طاهر . وزيفه الصفار بأنه لم يثبت في كلامهم حذف التنوين تخفيفا , وإنما حذف لالتقاء الساكنين . وكلام الفقهاء في أن المستعير ملك أن ينتفع حتى لا يعير , والمستأجر مالك المنفعة حتى إنه يؤجر يقتضي فرقا آخر
      التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:18 AM.

      تعليق

      • طارق شفيق حقي
        المدير العام
        • Dec 2003
        • 11929

        #4
        رد : معاني الأدوات

        [ أو ] لأحد الشيئين أو الأشياء شاكا كان أو إبهاما تخييرا كان أو إباحة

        [ ص: 174 ] فإن كانا مفردين أفادا ثبوت الحكم لأحدهما , وإن كانا جملتين أفاد حصول مضمون أحدهما , ولذلك يفرد ضميرهما نحو زيد أو عمرو قام , ولا تقل : قاما . بخلاف الواو فتقول : زيد وعمرو قاما , ولا تقل : قام . وحقيقتها أنها تفرد شيئا من شيء , ووجوه الإفراد تختلف فتتقارب تارة , وتتباعد أخرى حتى توهم أنها قد تضادت , وهي في ذلك ترجع إلى الأصل الذي وضعت له , وقد وضعت للخبر والطلب , فأما في الخبر فمعناها الأصلي قيام الشك , فقولك : زيد أو عمرو قام , أصله أن أحدهما قام . ثم أكثر استعماله أن يكون المتكلم شاكا لا يدري أيهما القائم , فظاهر الكلام أن يحمله السامع على جهل المتكلم , وقد يجوز أن يكون المتكلم غير شاك , ولكنه أبهم على السامع لغرض . ويسمى الأول الشك , والثاني التشكيك والإبهام أيضا , ومنه قوله تعالى : { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } . وكذلك جاءت في خبر الله , نحو { وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } { فهي كالحجارة أو أشد قسوة } { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } { فكان قاب قوسين أو أدنى } فإن قلت : كيف يقع الإبهام من الله , وإنما القصد منه البيان ؟ قلت : إنما خوطبوا على قدر ما يجري في كلامهم , ولعل الإبهام على السامع لعجزه عن بلوغ حقائق الأشياء , ومن ثم قيل : القصد من الإبهام في الخبر تهويل الأمر على المخاطب من إطلاقه على حقيقته , وحملها على ذلك [ ص: 175 ] المعنى هو من صناعة الحذاق , وذلك أولى من إخراجها إلى معنى الواو .

        وبالجملة , الإخبار بالمبهم لا يخلو , عن غرض إلا أن المتبادر منه الشك , فمن هنا ذهب قوم إلى أن " أو " للشك .

        والتحقيق : أنه لا خلاف ; لأنهم لم يريدوا إلا تبادر الذهن إليه عند الإطلاق , وما ذكروه من أن وضع الكلام للإبهام على تقدير تمامه إنما يدل على أن " أو " لم توضع للتشكيك , وإلا فالشك أيضا مبني يقصد إبهامه بأن يقصد المتكلم إخبار المخاطب بأنه شاك في تعيين أحد الأمرين بخلاف الإنشاء , فإنه لا يحتمل الشك ولا التشكيك ; لأنه إثبات الكلام ابتداء . وقد يحسن دخول " أو " بين أشياء يتناولها الفعل في أوقات مختلفة فيراد بالخبر إفراد كل واحدة منها في وقته , كقولك : إذا قيل لك : ما كنت تأكل من الفاكهة ؟ قلت : آكل التين أو العنب أو الرمان . أي إفراد هذا مرة وهذا مرة , ولم ترد الشك ولا الإبهام هذا شأنها في الخبر . وأما في الطلب أعني الأمر والنهي فتقع على وجهين كلاهما للإفراد : أحدهما : أن يكون له أحد الأمرين إذا اختاره ولا يتجاوزه , والآخر محظور عليه .

        والثاني : يكون اختيار كل منهما غير محظور عليه الآخر , وسموا الأول تخييرا والثاني إباحة وفرقوا بينهما بأنه إن كان بين شيئين يمتنع الجمع بينهما فهي للتخيير وإلا فللإباحة .

        فالأول : نحو خذ من مالي درهما أو دينارا حيث يكون مقصوده أن [ ص: 176 ] يأخذوا واحدا فقط , ولا يجمع بينهما , أو لما يقتضيه حظر مال غيره عنه إلا بسبب تصحح به إباحته له , والسبب هنا تخيير المأمور باجتنابه , فقد أباحه بالتخيير أحدهما لا بعينه . فأيهما اختار كان هو المباح , ويبقى الآخر على حظره , وكذلك كل سمكا أو لبنا لدلالة القرينة على المنع من الجمع . والثاني : نحو جالس الحسن أو ابن سيرين , أي : جالس هذا الجنس من العلماء فله الجمع بينهما , وكذلك تعلم فقها أو نحوا . قال
        سيبويه : تقول : جالس الحسن أو ابن سيرين أو زيدا , كأنك قلت : جالس أحد هؤلاء , ولم ترد إنسانا بعينه , ففي هذا دليل على أن كلهم أهل أن يجالس , كأنك قلت : جالس هذا الضرب من الناس . وتقول : كل خبزا أو لحما أو تمرا فكأنك قلت : كل أحد هذه الأشياء فهذا بمنزلة الذي قبله . انتهى . واعلم أن " أو " من حيث هي تدل على الشيئين أو الأشياء مثل " إما " . وينفصل التخيير عن الإباحة بالقرينة وسياق الكلام , وهي تساوي " إما " في التخيير التي يسميها المنطقيون : منفصلة مانعة الجمع , وفي الإباحة : منفصلة مانعة الخلو . وما ذكروه من أن الشيئين إن كانا أصلهما على المنع فللتخيير , وإلا فللإباحة إنما أخذوه من أمثلتهم . حتى مثلوا الأول ب خذ درهما أو دينارا , والثاني يجالس الحسن أو ابن سيرين . وليس هذا بمطرد فقد تقول له : جالس أحدهما وتقصد المنع من الجمع .

        وقد يأذن له في أخذ شيء من ماله ويرضى بالجمع . وإنما المعتمد في الفرق القرائن كما ذكرنا ولذلك أجمعوا على أن " أو " [ ص: 177 ] في آية الكفارة للتخيير , ويسمونها الواجب المخير مع أنه لا يمتنع الجمع , وبهذا يندفع السؤال بالآية عندهم , ولا حاجة للتكلف عن ذلك . والتحقيق : أن التخيير والإباحة قسم واحد ; لأن حقيقة الإباحة هي التخيير , وإنما امتنع الجمع في الدينار والدرهم للقرينة العرفية لا لمدلول اللفظ , كما أن الجمع بين صحبة العلماء والزهاد وصف كمال لا نقص فيه . قال ابن الخشاب : معناها الأصلي في الطلب التخيير , وأما الإباحة فطارئة عليه وليست فيه خارجة عن وضعها ; لأنه إذا أفرد أحدهما بالمجالسة كان ممتثلا , ولما كانت مجالسة كل منهما في مجالسة الآخر ساغ له الجمع بينهما , وكأنه قال : أبحت لك مجالسة هذا الضرب . وكذلك لو أتى بالواو , فقال : جالس الحسن وابن سيرين لم يتمثل إلا بالجمع بينهما . فاعرف الفرق بينهما .

        وهذا أولى من قول السيرافي : " أو " التي للإباحة معناها معنى واو العطف , والتسوية ؟ نسبت للإباحة لما بينهما من المضارعة , ولهذا قالوا : سواء علينا قيامك وقعودك , وسواء علي قيامك أو قعودك . وما أحسن قول الجرجاني في كتاب " العوامل " : " أو " توجب الشركة على سبيل الجواز , والواو على سبيل الوجوب . قال : وحيث أريد بها الإباحة فلا بد من أن يكون المراد جنسا مخصوصا فلا يصح كل السمك أو اشرب اللبن , أو اضرب زيدا أو عمرا إلا أن يراد بهما أنهما مثلان في الشرب واستحقاق الضرب .

        وذلك راجع إلى اتحاد الجنس . وكذلك كل صيحانيا أو برنيا قال : وإذا أمعنت النظر لم تجد " أو " زائلة عن معناها الأصلي , وهو كونها لأحد الشيئين أو الأشياء . انتهى .

        [ ص: 178 ] ولا بد هاهنا من استحضار أن التخيير لا يكون إلا بين مباحين لا مباح ومحظور . إذا علمت معنى الإباحة في قولهم : جالس الحسن أو ابن سيرين , وكان ذلك في الأمر وفيما خير فيه بين مباحين أحدهما بمعنى الآخر , فبإزاء ذلك النهي التضمني , التخيير بين الإيقاع من كل واحد من محظورين أحدهما في معنى الآخر في الحظر , وذلك كقولهم : لا تأت زنى أو قتل نفس وقوله تعالى { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } ; لأنه يجب ترك طاعة كل منهما مفردين ومجتمعين , وكأنه قال : حظرت عليك طاعة هذا الضرب من الناس ; إذ كان ترك كل منهما في المعنى ترك طاعة الآخر , كما كانت الإباحة في مجالسة الحسن أو ابن سيرين كذلك . وأما قول سيبويه : لو قال : " أو لا تطع كفورا " لانقلب المعنى , فصحيح وذلك . أنه إنما يكون للإباحة أو التخيير بالمعنى السابق في قضية واحدة , فإذا قال : " أو لا تطع كفورا " صارت في أثناء قضيتين الثانية منهما التي تلي " أو " غير الأولى التي قبلها , فتخرج بذلك إلى معنى " بل " إذا كانت " بل " لا ترد في أثناء قضية واحدة , وصارت " أو " بمعنى الإضراب , وحينئذ يكون أضرب عن النهي عن طاعة الآثم وانتقل إلى النهي عن طاعة الكفور . وهذا قلب للمعنى المراد من الآية من ترك طاعتهما أو منفردين .

        والحاصل : أن النهي إذا دخل على " أو " التي للإباحة حظر الكل جملة وتفصيلا كما في : لا تتعلم الشعر أو أحكام النجوم , فهي نهي جمعا وإفرادا كما كان له في الأمر في الإباحة فعلهما جمعا وإفرادا , وإذا دخل على " أو " التي للتخيير كقولك : لا تأخذ درهما أو دينارا فالأشبه في أنه يجب عليه الامتناع من أحدهما . قالوا : فأما الجمع بينهما ففيه نظر هل يكون مطيعا أو عاصيا ؟ قال : ابن الخشاب : وجه النظر أن التخيير الذي كان في الأمر هل هو [ ص: 179 ] باق في النهي أم لا ؟ لأن النهي في الأمر بمنزلة النفي من الإيجاب في الخبر , وقد يتناول النفي الكلام الموجب فينفيه بمعناه , وقد لا يكون كذلك في مواضع تنازعها العلماء وقصدت فيها رأي المحققين منهم . وكذلك النهي حكمه في تناول المأمور به حكم تناول النفي الموجب , فإن كان التخيير الذي كان في الأمر باقيا مع النهي بحاله لم يكن المنهي الجمع بين الأمرين , وإن لم يكن باقيا فالأمر بخلاف ذلك . وقال أبو بكر الرازي في " أصوله " : " أو " تتناول واحدا مما دخلت عليه لا جميعه , كقوله تعالى { أو كسوتهم أو تحرير رقبة } فهذا في الإثبات , وأما في النفي فهي تتناول كل واحد على حياله , كقوله تعالى : { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } وقوله : { أو الحوايا أو ما اختلط بعظم } ففي كل واحد على حياله لا على تعين الجمع ; ولهذا قال أصحابنا فيمن قال والله لا أكلمن زيدا أو عمرا : إنه يحنث بكلام أيهما وقع . وحكى السيرافي في " شرح سيبويه " أن المزني من أصحاب الشافعي سئل عن رجل حلف : والله لا كلمت أحدا إلا كوفيا أو بصريا . فقال : ما أراه إلا حانثا .

        فذكر ذلك لبعض الحنفية , فقال : خالف الكتاب والسنة . أما الكتاب فقوله تعالى : { وعلى الذين هادوا حرمنا } إلى قوله { إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم } وكل ذلك ما كان مباحا خارجا بالاستثناء من التحريم . وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام : { لقد هممت أن لا أقبل هدية [ ص: 180 ] إلا من قرشي أو ثقفي } فالقرشي والثقفي جميعا مستثنيان , فرجع المزني إلى قوله . ويرد على ما قرره في النفي ما ذكره الزمخشري في قوله تعالى : { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا } يعني أن مجرد الإيمان بدون العمل لا ينفع ولا يحمل على عموم النفي أي : أنه لا ينفع الإيمان حينئذ النفس التي لم تقدم الإيمان ولا كسبت الخير في الإيمان ; لأنه إذا نفي الإيمان كان نفي كسب الخير في الإيمان تكرارا فيجب حمله على نفي العموم أي : النفس التي لم تجمع بين الإيمان والعمل الصالح . تنبيه " أو " : لها استعمالان في التخيير : أحدهما : أن يستوي طرفاه عند المأمور ولا يؤمر فيه باجتهاد , كآية الكفارة . الثاني : أن يكون مأمورا فيه بالاجتهاد , كقوله تعالى : { فإما منا بعد وإما فداء } فإن الإمام يتخير في الأسير تخير اجتهاد ومصلحة لا تشه .

        [ ص: 181 ] وقد تدخل " أو " للتبعيض والتفصيل , وهو أن يذكر عن جماعة قولين مختلفين على أن بعضهم قال أحد القولين , وبعضهم قال القول الآخر , كقولك : أجمع القوم , فقالوا : حاربوا أو صالحوا أي : قال بعضهم حاربوا . وقال بعضهم صالحوا ومنه قوله تعالى { وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا } وقد علم أنه ليس في الفرق فرقة تخير بين اليهودية والنصرانية , وإنما هو إخبار عن جملة اليهود والنصارى أنهم قالوا , ثم فصل ما قاله كل منهم . واحتج بعض المالكية في تخيير الإمام في عقوبة قاطع الطريق بقوله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } الآية وأنكر غيره التخيير في الآية . واختار السيرافي أن " أو " فيها من هذا الباب للتفصيل وترتيب اختيار هذه العقوبات على أصناف المحاربين كالآية السابقة على أن بعضا وهم الذين قتلوا يقتلون , وبعضا وهم الذين أخذوا تقطع أيديهم وأرجلهم , وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة . وقد تستعار " أو " إذا وقع بعدها مضارع منصوب , نحو لألزمنك حتى تعطيني , ولهذا قال النحاة : إنها بمعنى " إلى " لأن الفعل الأول يمتد إلى وقوع الثاني , أو يمتد في جميع الأوقات إلى وقت وقوع الثاني بعده فينقطع امتداده . وقد مثل بقوله تعالى { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم } أي : حتى تقع توبتهم أو تعذيبهم . وذهب الزمخشري إلى أنه عطف على ما سبق , و { ليس لك من الأمر شيء } اعتراض . والمعنى أن الله تعالى مالك أمرهم , فإما أن يهلكهم أو [ ص: 182 ] يهزمهم أو يتوب عليهم أو يعذبهم .

        فلو قال : والله لا أدخل هذه الدار أو أدخل تلك - بالنصب - كان بمعنى " حتى " . وما يقال من أن تقدير العطف من جهة أن الأول منفي ليس بمستقيم ; إذ لا امتناع في العطف المثبت على المنفي وبالعكس , وبهذا يظهر أن " أو " في قوله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } عاطفة مقيدة للعموم أي : عدم الجناح مقيد بانتفاء الأمرين . أعني المجامعة وتقرير المهر حتى لو وجد أحدهما كان الجناح . أي : وجب المهر , فيكون { تفرضوا } مجزوما عطفا على { تمسوهن } . ولا حاجة إلى ما ذهب إليه صاحب الكشاف من أنه منصوب بإضمار " أن " على معنى إلى أن تفرضوا , أو حتى تفرضوا . أي : إذا لم توجد المجامعة فعدم الجناح يمتد إلى تقرير المهر .
        التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:18 AM.

        تعليق

        • طارق شفيق حقي
          المدير العام
          • Dec 2003
          • 11929

          #5
          رد : معاني الأدوات

          [ لولا ] لولا : من حق وضعها أن تدرج في صنف الثلاثي ولكن المشاكلة أوجبت ذكرها هنا , ويمتنع بها الشيء لوجود غيره , وأصلها " لو " و " لا " فلما ركبا حدث لهما معنى ثالث غير الامتناع المفرد وغير النفي . وتحقيقه : أن " لو " يمتنع بها الشيء لامتناع غيره , ففيها امتناعان , و " لا " نافية , والنفي إذا دخل على المنفي صار إثباتا , وفي تفسير ابن برجان عن الخليل كل ما في القرآن فهي بمعنى " هلا " إلا في قوله : { فلولا أنه كان من المسبحين }
          التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:19 AM.

          تعليق

          • طارق شفيق حقي
            المدير العام
            • Dec 2003
            • 11929

            #6
            رد : معاني الأدوات

            ( الـ ) : تكون حرفا إذا دخلت على الجامد , وتكون اسما إذا دخلت على المشتق فتكون بمعنى الذي كالضارب . واحتج على أنها اسم بعود الضمير عليها .

            وخالف المازني وقال : حرف بدليل تخطي العامل في قولك : مررت بالقائم , ولو كانت اسما , لكانت فاصلة بين حرف الجر ومعموله , والاسم لا يتخطاه العامل , وتعمل فيما بعده . وأما الاستدلال بعود الضمير فلا حجة فيه ; لأن أبا علي قال : في " الإيضاح " والضمير يعود إلى ما يدل عليه الألف واللام من الذي . ثم اللام قسمان : أحدهما : أن يقصد بها تعريف معين وهو العهد , وينقسم إلى ذكري , وهو تقديمه في اللفظ نحو { فأرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول } وإلى ذهني نحو { اليوم أكملت لكم دينكم } وقوله : { إذ هما في الغار } وقد اجتمعا في قوله تعالى : { وليس الذكر كالأنثى } فالأولى للذهني والثانية للذكري .

            والثاني : أن يقصد بها تعريف ما كان منكورا باعتبار حقيقته , وهي على ثلاثة أقسام :

            [ ص: 195 ] أحدها : أن يراد بها الحقيقة من حيث هي مع قطع النظر عن الشخص والعموم , كقولك : الرجل خير من المرأة , وجعل منه ابن دقيق العيد قول
            عبد الله بن أبي أوفى : { غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد } . الثاني : أن يراد بها الحقيقة باعتبار قيامها بواحد , وتعرف بأنها إذا نزعت لا يحسن موضعها " كل " كقوله , تعالى : { وجعلنا من الماء كل شيء حي } أي : جعلنا مبدأ كل حي هذا الجنس الذي هو الماء , فهذا النوع التعريف قريب في المعنى من النكرة , ولهذا وصف به في الجملة في قوله : ولقد أمر على اللئيم يسبني وهو يدل على حقيقة معقولة متحدة في الذهن باعتبار وضعه , فإن دل على تعدد فهو باعتبار الوجود لا باعتبار موضوعه , وإذا أطلق على الوجود أطلق على غير ما وضع له . ويتعين في بعض المحال إرادة الحقيقة مثل : الإنسان حيوان ناطق .

            والحد للذهني لكن صحته على الوجود شرط فيه , وهو في بعضها استعمال مجازي , نحو أكلت الخبز وشربت الماء , لبطلان إرادة الجنس . والثالث : أن يراد بها الحقيقة باعتبار كلية ذلك المعنى , وتعرف بأنها إذا نزعت حسن أن يخلفها في موضعها لفظ " كل " على سبيل الحقيقة , وصحة الاستثناء من مصحوبها مع كونه بلفظ المفرد , كقوله تعالى : { إن [ ص: 196 ] الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا } فإنه يصح أن يقال : إن كل إنسان وقد استثنى منه الذين آمنوا . وذكر ابن مالك علامة ثالثة وهي جواز وصف مصحوبها بالجمع مع كونه بلفظ المفرد , كقولهم : أهلك الناس الدينار الحمر والدرهم البيض وقوله تعالى : { أو الطفل الذين لم يظهروا على } .

            ورده شيخنا ابن هشام بوجهين : أحدهما : أن " أل " فيهما ليست لعموم الإفراد بدليل أنه لا يصح قيام " كل " مقامها , بل هي لتعريف الجنس من حيث هو هو أي : تعريف الماهية . والثاني : أن الطفل من الألفاظ التي تستعمل للواحد والجمع بلفظ واحد , كجنب بدليل قوله : { ثم يخرجكم طفلا } وليس فيه ألف ولام . قلت : ومن أمثلة هذا القسم قوله صلى الله عليه وسلم : { المسلمون تتكافأ دماؤهم } وسواء كان الشمول باعتبار الجنس كالرجل والمرأة أو باعتبار الوصف كالسارق والسارقة . وذكر الماوردي في كتاب الأيمان عند الكلام في لا أشرب الماء : أن الألف واللام تارة تكون للجنس وتارة للعهد , وأنها حقيقة فيهما . وظاهر كلام أهل البيان والنحو أنها حقيقة في العهد , ولهذا يحملونها على ذلك ; لأن المعهود أقرب إلى التحقق من الجنس , ومتى كان هناك عهد ذكرى فلا يجوز حملها على الخارجي بشخصه , ولا على الجنس من حيث [ ص: 197 ] هو هو , فإنه الحقيقة إذا أريد بها شيء بعينه مجازا حمل على المبالغة والكمال فيها , والمقام لا يقتضي ذلك . وقال صاحب " البسيط " أقوى تعريف ل " لام " الحضور ثم العهد ثم الجنس . وزعم السكاكي أن لام التعريف تكون لتعريف العهد لا غير , ورد الباقي إليه , وبناه على قول بعض الأصوليين : إن اللام موضوعة لتعريف العهد لا غير .

            وظهر بما ذكرناه الفرق بين لام الجنس ولام العموم . وفرق ابن عصفور بينهما بأنها إن أحدثت في الاسم معنى الجنسية كانت للجنس , نحو دينار ينطلق على كل دينار على سبيل البدل , فإذا عرفته دل على الشمول بخلاف قولك : لبن , فإنه واقع على جنس اللبن . فإذا قلت : اللبن ب " أل " عرفت الجنس ولم تصيره جنسا , بل دخلت لتعرف الجنس , وفيما قاله نظر . والظاهر أن " أل " فيما يتعلق في الدينار واللبن على السواء , فإنها إن دخلت على كلي فللجنس أو على جزئي فللعهد , أو على كل فللعموم , ولم يقل أحد في الاسم إنه يدل على الكلي لصدقه على الآحاد على البدل . وذكر ابن مالك من أقسامها تعريف الحضور . والصواب : أنه ليس قسيما بل هو قسم من الأول .



            مسألة: الْجُزْء الثَّالِث[ ص: 194 ] ( الـ ) : تَكُونُ حَرْفًا إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجَامِدِ , وَتَكُونُ اسْمًا إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُشْتَقِّ فَتَكُونُ بِمَعْنَى الَّذِي كَالضَّارِبِ . وَاحْتُجَّ عَلَى أَنَّهَا اسْمٌ بِعَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَيْهَا .

            وَخَالَفَ الْمَازِنِيُّ وَقَالَ : حَرْفٌ بِدَلِيلِ تَخَطِّي الْعَامِلِ فِي قَوْلِك : مَرَرْت بِالْقَائِمِ , وَلَوْ كَانَتْ اسْمًا , لَكَانَتْ فَاصِلَةً بَيْنَ حَرْفِ الْجَرِّ وَمَعْمُولِهِ , وَالِاسْمُ لَا يَتَخَطَّاهُ الْعَامِلُ , وَتَعْمَلُ فِيمَا بَعْدَهُ . وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِعَوْدِ الضَّمِيرِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّ أَبَا عَلِيٍّ قَالَ : فِي " الْإِيضَاحِ " وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ مِنْ الَّذِي . ثُمَّ اللَّامُ قِسْمَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُقْصَدَ بِهَا تَعْرِيفُ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْعَهْدُ , وَيَنْقَسِمُ إلَى ذِكْرِيٍّ , وَهُوَ تَقْدِيمُهُ فِي اللَّفْظِ نَحْوُ { فَأَرْسَلْنَا إلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ } وَإِلَى ذِهْنِيٍّ نَحْوُ { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وَقَوْلُهُ : { إذْ هُمَا فِي الْغَارِ } وَقَدْ اجْتَمَعَا فِي قَوْله تَعَالَى : { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى } فَالْأُولَى لِلذِّهْنِيِّ وَالثَّانِيَةُ لِلذِّكْرِيِّ .

            وَالثَّانِي : أَنْ يُقْصَدَ بِهَا تَعْرِيفُ مَا كَانَ مَنْكُورًا بِاعْتِبَارِ حَقِيقَتِهِ , وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ :

            [ ص: 195 ] أَحَدُهَا : أَنْ يُرَادَ بِهَا الْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الشَّخْصِ وَالْعُمُومِ , كَقَوْلِك : الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ , وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى : { غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ } . الثَّانِي : أَنْ يُرَادَ بِهَا الْحَقِيقَةُ بِاعْتِبَارِ قِيَامِهَا بِوَاحِدٍ , وَتُعْرَفُ بِأَنَّهَا إذَا نُزِعَتْ لَا يَحْسُنُ مَوْضِعَهَا " كُلٌّ " كَقَوْلِهِ , تَعَالَى : { وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } أَيْ : جَعَلْنَا مَبْدَأَ كُلِّ حَيٍّ هَذَا الْجِنْسَ الَّذِي هُوَ الْمَاءُ , فَهَذَا النَّوْعُ التَّعْرِيفُ قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى مِنْ النَّكِرَةِ , وَلِهَذَا وُصِفَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ فِي قَوْلِهِ : وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى حَقِيقَةٍ مَعْقُولَةٍ مُتَّحِدَةٍ فِي الذِّهْنِ بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ , فَإِنْ دَلَّ عَلَى تَعَدُّدٍ فَهُوَ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ لَا بِاعْتِبَارِ مَوْضُوعِهِ , وَإِذَا أُطْلِقَ عَلَى الْوُجُودِ أُطْلِقَ عَلَى غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ . وَيَتَعَيَّنُ فِي بَعْضِ الْمُحَالِ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ مِثْلُ : الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ .

            وَالْحَدُّ لِلذِّهْنِيِّ لَكِنْ صِحَّتُهُ عَلَى الْوُجُودِ شَرْطٌ فِيهِ , وَهُوَ فِي بَعْضِهَا اسْتِعْمَالٌ مَجَازِيٌّ , نَحْوُ أَكَلْت الْخُبْزَ وَشَرِبْت الْمَاءَ , لِبُطْلَانِ إرَادَةِ الْجِنْسِ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يُرَادَ بِهَا الْحَقِيقَةُ بِاعْتِبَارِ كُلِّيَّةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى , وَتُعْرَفُ بِأَنَّهَا إذَا نُزِعَتْ حَسُنَ أَنْ يَخْلُفَهَا فِي مَوْضِعِهَا لَفْظُ " كُلٍّ " عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ , وَصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ مَصْحُوبِهَا مَعَ كَوْنِهِ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّ [ ص: 196 ] الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا } فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إنَّ كُلَّ إنْسَانٍ وَقَدْ اسْتَثْنَى مِنْهُ الَّذِينَ آمَنُوا . وَذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ عَلَامَةً ثَالِثَةً وَهِيَ جَوَازُ وَصْفِ مَصْحُوبِهَا بِالْجَمْعِ مَعَ كَوْنِهِ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ , كَقَوْلِهِمْ : أَهْلَكَ النَّاسَ الدِّينَارُ الْحُمْرُ وَالدِّرْهَمُ الْبِيضُ وقَوْله تَعَالَى : { أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى } .

            وَرَدَّهُ شَيْخُنَا ابْنُ هِشَامٍ بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ " أَلْ " فِيهِمَا لَيْسَتْ لِعُمُومِ الْإِفْرَادِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَامُ " كُلٍّ " مَقَامَهَا , بَلْ هِيَ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ أَيْ : تَعْرِيفُ الْمَاهِيَّةِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الطِّفْلَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ , كَجُنُبٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا } وَلَيْسَ فِيهِ أَلِفٌ وَلَامٌ . قُلْت : وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ } وَسَوَاءٌ كَانَ الشُّمُولُ بِاعْتِبَارِ الْجِنْسِ كَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ كَالسَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ . وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ : أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ تَارَةً تَكُونُ لِلْجِنْسِ وَتَارَةً لِلْعَهْدِ , وَأَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيهِمَا . وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْبَيَانِ وَالنَّحْوِ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْعَهْدِ , وَلِهَذَا يَحْمِلُونَهَا عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمَعْهُودَ أَقْرَبُ إلَى التَّحَقُّقِ مِنْ الْجِنْسِ , وَمَتَى كَانَ هُنَاكَ عَهْدٌ ذِكْرَى فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى الْخَارِجِيِّ بِشَخْصِهِ , وَلَا عَلَى الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ [ ص: 197 ] هُوَ هُوَ , فَإِنَّهُ الْحَقِيقَةُ إذَا أُرِيدَ بِهَا شَيْءٌ بِعَيْنِهِ مَجَازًا حُمِلَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالْكَمَالِ فِيهَا , وَالْمَقَامُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ . وَقَالَ صَاحِبُ " الْبَسِيطِ " أَقْوَى تَعْرِيفٍ لِ " لَامِ " الْحُضُورُ ثُمَّ الْعَهْدُ ثُمَّ الْجِنْسُ . وَزَعَمَ السَّكَّاكِيُّ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ تَكُونُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَا غَيْرُ , وَرَدَّ الْبَاقِيَ إلَيْهِ , وَبَنَاهُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ : إنَّ اللَّامَ مَوْضُوعَةٌ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَا غَيْرُ .

            وَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ الْفَرْقُ بَيْنَ لَامِ الْجِنْسِ وَلَامِ الْعُمُومِ . وَفَرَّقَ ابْنُ عُصْفُورٍ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا إنْ أَحْدَثَتْ فِي الِاسْمِ مَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ كَانَتْ لِلْجِنْسِ , نَحْوُ دِينَارٍ يَنْطَلِقُ عَلَى كُلِّ دِينَارٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ , فَإِذَا عَرَّفْته دَلَّ عَلَى الشُّمُولِ بِخِلَافِ قَوْلِك : لَبَنٌ , فَإِنَّهُ وَاقِعٌ عَلَى جِنْسِ اللَّبَنِ . فَإِذَا قُلْت : اللَّبَنُ بِ " أَلْ " عَرَفْت الْجِنْسَ وَلَمْ تُصَيِّرْهُ جِنْسًا , بَلْ دَخَلَتْ لِتُعَرِّفَ الْجِنْسَ , وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ " أَلْ " فِيمَا يَتَعَلَّقُ فِي الدِّينَارِ وَاللَّبَنِ عَلَى السَّوَاءِ , فَإِنَّهَا إنْ دَخَلَتْ عَلَى كُلِّيٍّ فَلِلْجِنْسِ أَوْ عَلَى جُزْئِيٍّ فَلِلْعَهْدِ , أَوْ عَلَى كُلٍّ فَلِلْعُمُومِ , وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي الِاسْمِ إنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْكُلِّيِّ لِصِدْقِهِ عَلَى الْآحَادِ عَلَى الْبَدَلِ . وَذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ مِنْ أَقْسَامِهَا تَعْرِيفَ الْحُضُورِ . وَالصَّوَابُ : أَنَّهُ لَيْسَ قَسِيمًا بَلْ هُوَ قِسْمٌ مِنْ الْأَوَّلِ .


            مسألة: الجزء الثالث[ ص: 194 ] ( الـ ) : تكون حرفا إذا دخلت على الجامد , وتكون اسما إذا دخلت على المشتق فتكون بمعنى الذي كالضارب . واحتج على أنها اسم بعود الضمير عليها .

            وخالف المازني وقال : حرف بدليل تخطي العامل في قولك : مررت بالقائم , ولو كانت اسما , لكانت فاصلة بين حرف الجر ومعموله , والاسم لا يتخطاه العامل , وتعمل فيما بعده . وأما الاستدلال بعود الضمير فلا حجة فيه ; لأن أبا علي قال : في " الإيضاح " والضمير يعود إلى ما يدل عليه الألف واللام من الذي . ثم اللام قسمان : أحدهما : أن يقصد بها تعريف معين وهو العهد , وينقسم إلى ذكري , وهو تقديمه في اللفظ نحو { فأرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول } وإلى ذهني نحو { اليوم أكملت لكم دينكم } وقوله : { إذ هما في الغار } وقد اجتمعا في قوله تعالى : { وليس الذكر كالأنثى } فالأولى للذهني والثانية للذكري .

            والثاني : أن يقصد بها تعريف ما كان منكورا باعتبار حقيقته , وهي على ثلاثة أقسام :

            [ ص: 195 ] أحدها : أن يراد بها الحقيقة من حيث هي مع قطع النظر عن الشخص والعموم , كقولك : الرجل خير من المرأة , وجعل منه ابن دقيق العيد قول عبد الله بن أبي أوفى : { غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد } . الثاني : أن يراد بها الحقيقة باعتبار قيامها بواحد , وتعرف بأنها إذا نزعت لا يحسن موضعها " كل " كقوله , تعالى : { وجعلنا من الماء كل شيء حي } أي : جعلنا مبدأ كل حي هذا الجنس الذي هو الماء , فهذا النوع التعريف قريب في المعنى من النكرة , ولهذا وصف به في الجملة في قوله : ولقد أمر على اللئيم يسبني وهو يدل على حقيقة معقولة متحدة في الذهن باعتبار وضعه , فإن دل على تعدد فهو باعتبار الوجود لا باعتبار موضوعه , وإذا أطلق على الوجود أطلق على غير ما وضع له . ويتعين في بعض المحال إرادة الحقيقة مثل : الإنسان حيوان ناطق .

            والحد للذهني لكن صحته على الوجود شرط فيه , وهو في بعضها استعمال مجازي , نحو أكلت الخبز وشربت الماء , لبطلان إرادة الجنس . والثالث : أن يراد بها الحقيقة باعتبار كلية ذلك المعنى , وتعرف بأنها إذا نزعت حسن أن يخلفها في موضعها لفظ " كل " على سبيل الحقيقة , وصحة الاستثناء من مصحوبها مع كونه بلفظ المفرد , كقوله تعالى : { إن [ ص: 196 ] الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا } فإنه يصح أن يقال : إن كل إنسان وقد استثنى منه الذين آمنوا . وذكر ابن مالك علامة ثالثة وهي جواز وصف مصحوبها بالجمع مع كونه بلفظ المفرد , كقولهم : أهلك الناس الدينار الحمر والدرهم البيض وقوله تعالى : { أو الطفل الذين لم يظهروا على } .

            ورده شيخنا ابن هشام بوجهين : أحدهما : أن " أل " فيهما ليست لعموم الإفراد بدليل أنه لا يصح قيام " كل " مقامها , بل هي لتعريف الجنس من حيث هو هو أي : تعريف الماهية . والثاني : أن الطفل من الألفاظ التي تستعمل للواحد والجمع بلفظ واحد , كجنب بدليل قوله : { ثم يخرجكم طفلا } وليس فيه ألف ولام . قلت : ومن أمثلة هذا القسم قوله صلى الله عليه وسلم : { المسلمون تتكافأ دماؤهم } وسواء كان الشمول باعتبار الجنس كالرجل والمرأة أو باعتبار الوصف كالسارق والسارقة . وذكر الماوردي في كتاب الأيمان عند الكلام في لا أشرب الماء : أن الألف واللام تارة تكون للجنس وتارة للعهد , وأنها حقيقة فيهما . وظاهر كلام أهل البيان والنحو أنها حقيقة في العهد , ولهذا يحملونها على ذلك ; لأن المعهود أقرب إلى التحقق من الجنس , ومتى كان هناك عهد ذكرى فلا يجوز حملها على الخارجي بشخصه , ولا على الجنس من حيث [ ص: 197 ] هو هو , فإنه الحقيقة إذا أريد بها شيء بعينه مجازا حمل على المبالغة والكمال فيها , والمقام لا يقتضي ذلك . وقال صاحب " البسيط " أقوى تعريف ل " لام " الحضور ثم العهد ثم الجنس . وزعم السكاكي أن لام التعريف تكون لتعريف العهد لا غير , ورد الباقي إليه , وبناه على قول بعض الأصوليين : إن اللام موضوعة لتعريف العهد لا غير .

            وظهر بما ذكرناه الفرق بين لام الجنس ولام العموم . وفرق ابن عصفور بينهما بأنها إن أحدثت في الاسم معنى الجنسية كانت للجنس , نحو دينار ينطلق على كل دينار على سبيل البدل , فإذا عرفته دل على الشمول بخلاف قولك : لبن , فإنه واقع على جنس اللبن . فإذا قلت : اللبن ب " أل " عرفت الجنس ولم تصيره جنسا , بل دخلت لتعرف الجنس , وفيما قاله نظر . والظاهر أن " أل " فيما يتعلق في الدينار واللبن على السواء , فإنها إن دخلت على كلي فللجنس أو على جزئي فللعهد , أو على كل فللعموم , ولم يقل أحد في الاسم إنه يدل على الكلي لصدقه على الآحاد على البدل . وذكر ابن مالك من أقسامها تعريف الحضور . والصواب : أنه ليس قسيما بل هو قسم من الأول .
            التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:19 AM.

            تعليق

            • طارق شفيق حقي
              المدير العام
              • Dec 2003
              • 11929

              #7
              رد : معاني الأدوات

              عن : معناها المجاوزة للشيء والانصراف إلى غيره , نحو عدلت عن زيد أي : انصرفت عنه . وقال صاحب " القواطع " : تكون بمعنى " من " إلا في مواضع خاصة . قالوا : " من " تكون للانفصال والتبعيض و " عن " لا تقتضي الفصل [ ص: 200 ] فيقال : أخذت من مال فلان , ويقال : أخذت عن عمل فلان . وقد اختصت الأسانيد بالعنعنة , وكلمة " من " لا تستعمل في موضعها , وقالوا : " من " لا تكون إلا حرفا , و " عن " تكون اسما وفيما ذكره نظر .

              تعليق

              • طارق شفيق حقي
                المدير العام
                • Dec 2003
                • 11929

                #8
                رد : معاني الأدوات

                لا : تأتي مزيدة وغير مزيدة فالمزيدة كقوله تعالى : { ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } { لئلا يعلم أهل الكتاب } . وشرط إمام الحرمين في البرهان في زيادتها قصد تأكيد معنى النفي الذي انطوى عليه سياق الكلام , كما في قوله تعالى : { ما منعك ألا تسجد } بدليل حذفها في الآية الأخرى . يعني أنها توكيد للنفي المعنوي الذي تضمنه " منعك " , ولهذا قال بعضهم : تزاد في الكلام الموجب المعنى إذا توجه عليه فعل منفي في المعنى . قال المازري : ويطالب بإبراز مثل هذا المعنى في قوله " لئلا يعلم " . قال : وله أن يقول : استقر الكلام أيضا بمعنى النفي ; لأنه إذا كان القصد إكرام المؤمن ليعلم الكفار هوانهم , فهم الآن غير عالمين بهوانهم , فقد تضمن سياق الخطاب الإشعار بانتفاء العلم عنهم وحرف " لا " للنفي . قلت : أما الأولى في { لئلا يعلم } فزائدة بالاتفاق , ونص عليها سيبويه في كتابه ويدل لها قراءة ابن عباس وعاصم الجحدري " ليعلم أهل الكتاب " وقرأ سعيد بن جبير " لأن يعلم أهل الكتاب " وهاتان القراءتان تفسير لزيادتها . وأما " لا " الثانية في قوله : { أن لا يقدرون } فكذلك زيدت توكيدا للنفي الموجود بما توجه عليه العلم . وغير المزيدة إما ناهية في عوامل الأفعال الجازمة وإما نافية .

                [ ص: 202 ] قال صاحب البرهان : وإنما تستعمل في المظنون حصوله بخلاف " لن " فإنها تستعمل في المشكوك حصوله , ومن ثم كان النفي ب لن آكد . قال ابن مالك , " لا " لتأكيد النفي " كإن " لتأكيد الإثبات , وجعل ذلك عمدته في إعمال " لا " عمل " إن " وأنهم يحملون النقيض على النقيض , وقد استنكر ذلك منه , من جهة أن " إن " داخلة على الإثبات فأكدته , و " لا " لم تدخل على نفي . وجوابه : أن مراده أنها لنفي مؤكد , أو بمعنى أنها ترجح ظرف النفي المحتمل في أصل القضية رجحانا " قويا " أكثر من ترجيح " ما " ويدل عليه بناء الاسم معها ليفيد نسبة العموم .

                وهي إما تتناول الأفعال وتكون عاطفة , وفيها معنى النفي , نحو قام زيد لا عمرو , فلا تعمل في لفظها شيئا , ومنه قوله تعالى { فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون } { لا تأخذه سنة ولا نوم } فأما قوله { فلا صدق ولا صلى } فقالوا : المعنى لم يصدق ولم يصل , وإما أن تتناول الأسماء , فإما أن تلي المعارف أو النكرات , فالتي تلي النكرات إن أريد بنفيها نفي الجنس بنيت مع اسمها , وإن أريد نفي الوحدة فهي العاملة عمل ليس , وبهذا تقول : لا رجل فيها بل رجلان . والتي تلي المعارف لا تعمل فيها شيئا ويلزمها التكرار , نحو لا زيد فيها ولا عمرو . وقال ابن الخشاب : وهي عكس " بل " ; لأن " بل " أضربت بها عن الأول إلى الثاني فثبت المعنى الذي كان للأول للثاني , و " لا " بدلت [ ص: 203 ] معها بإثبات المعنى للأول فانتفى بها عن الثاني , ولهذا لم يعطف بها بعد النفي فتقول : ما جاءني زيد لا عمرو ; لأنك لم تثبت للأول شيئا فتنفيه بها عن الثاني .
                التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:20 AM.

                تعليق

                • طارق شفيق حقي
                  المدير العام
                  • Dec 2003
                  • 11929

                  #9
                  رد : معاني الأدوات

                  بل : حرف إضراب عن الأول وإثبات للثاني وتستعمل بعد النفي والإيجاب , ويأتي بعدها المنفي كما يأتي الموجب .

                  [ ص: 205 ] قالوا : وهي أعم في الاستدراك بها من " لكن " تقول في الموجب : قام زيد بل عمرو , وفي المنفي : ما قام زيد بل عمرو , وقال تعالى : { إنا لمغرمون بل نحن محرومون } { وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة } ومثال المنفي بعدها { أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون } { قالوا بل لم تكونوا مؤمنين } . وقيل : هي للإعراض عما قبلها أي جعله في حكم المسكوت عنه فإذا انضم إليها " لا " صار نصا في نفي الأول نحو جاء زيد لا بل عمرو . ثم إن تلاها جملة كانت بمعنى الإضراب إما الإبطالي نحو { قالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون } أي : بل هم , وإما الانتقالي أي : الانتقال بها من غرض إلى غرض آخر . وزعم صاحب البسيط " وابن مالك أنها لا تقع في التنزيل إلا على هذا الوجه , مثاله قوله تعالى : { وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون } فاستدرك ببيان عدوانه وخرج من قصة إلى أخرى , وهي في ذلك كله حرف ابتداء لا عاطفة على الصحيح .

                  وقال ابن الخشاب : إذا قلت جاء زيد لكن عمرو لم يجز لك أن تقدر " لكن " حرفا عاطفا جملة على جملة , وإن شئت اعتقدتها حرف ابتداء يستأنف عندها الكلام , وهكذا إذا جاءت في القرآن فإن اعتقدتها عاطفة فلا وقف على ما قبلها دونها ; إذ لا تقف على المعطوف عليه وتبتدئ بالمعطوف , وإن اعتقدتها حرف ابتداء فلك الخيار في الوقف على ما قبلها ووصله . انتهى . [ ص: 206 ] وإن تلاها مفرد فهي عاطفة ثم إن تقدمها أمر , أو إيجاب , كاضرب زيدا بل عمرا , أو قام زيد بل عمرو , فهي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه , وإثبات الحكم لما بعدها . وإن تقدمها نفي أو نهي لتقرير ما قبلها على حالته وجعل ضده لما بعدها , نحو ما قام زيد بل عمرو , ولا يقوم زيد بل عمرو . وأجاز
                  المبرد ومن تبعه أن يكون ما قبله معنى النفي والنهي لا بعدها , فإذا قلت : ما رأيت زيدا بل عمرا بل ما رأيت عمرا ; لأنك إذا أضربت عن موجب في رأيت زيدا بل عمرا أضربت إلى موجب , فكذلك تضرب عن منفي إلى منفي . ورد بأنه مخالف للاستعمال وهو مقدم على القياس وإذا تحقق معنى الإضراب بطلب شبهه , وحقيقته ترك الشيء والأخذ في غيره وهو الثاني .
                  التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:20 AM.

                  تعليق

                  • طارق شفيق حقي
                    المدير العام
                    • Dec 2003
                    • 11929

                    #10
                    رد : معاني الأدوات

                    ( لكن ) وأما مشددة النون الناصبة للاسم الرافعة للخبر فمعناها الاستدراك أيضا . وقول سيبويه : إن " لكن " لا تدارك فيها وإنما جيء بها ليثبت ما بعد النفي فإنما ذكر ذلك في أثر ذكره " بل " ورأى أن " بل " كأنها يتدارك بها نسيان أو غلط , ففرق بين " لكن " وبين " بل " بنفي ما أثبته دليل عنها لا أن لكن ليست للاستدراك . فتفطن لذلك فإنه من دقائق كتاب سيبويه .
                    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:21 AM.

                    تعليق

                    • طارق شفيق حقي
                      المدير العام
                      • Dec 2003
                      • 11929

                      #11
                      رد : معاني الأدوات

                      عند : للحضرة وللإقرار بالعين فله عندي ألف , إقرار بالعين , وليس فيه إشعار بالضمان , بل قال النووي : هو مشعر بالأمانة حتى لو ادعى بعد الإقرار أنها كانت وديعة تلفت أو رددتها يقبل قوله بيمينه .

                      تعليق

                      • طارق شفيق حقي
                        المدير العام
                        • Dec 2003
                        • 11929

                        #12
                        رد : معاني الأدوات

                        بلىوهي جواب للنفي سواء كان النفي عاريا من حروف الاستفهام نحو بلى لمن قال : ما قام زيد , ومنه قوله تعالى : { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } فجاء الرد عليهم بإيجاب النار لمن مات كافرا فقال : { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته } الآية أو مقرونة به كقوله تعالى : { ألست بربكم ؟ قالوا بلى } ; لأنهم أرادوا أنه ربهم فردوا النفي الذي بعد ألف الاستفهام , وإذا ردوا نفي الشيء ثبت إيجابه .

                        وقال ابن عطية : حق " بلى " أن تجيء بعد نفي غلبة تقرير , وهذا القيد الذي ذكره من كون النفي غلبة تقرير لم يذكره غيره بل الكل أطلقوا بأنها جواب النفي . وقال الشيخ أبو حيان : إنها حقها أن تدخل على النفي ثم حمل التقرير على النفي ولذلك لم يحمله عليه بعض العرب , وأجابه ب نعم , ووقع ذلك [ ص: 208 ] في كلام
                        سيبويه نفسه أجاب التقرير ب نعم اتباعا لبعض العرب , وأنكره عليه ابن الطراوة . وقال الجوهري : ربما ناقضتها " نعم " واستشكل بأنه يقتضي أنها تناقضها قليلا بل هي مناقضة لها دائما ; لأن " نعم " تصديق لما قبلها وبلى رد له , ولهذا قيل عن ابن عباس : إنهم لو قالوا : نعم كفروا . وحكاه إمام الحرمين عن سيبويه فأنكره عليه ابن خروف , وإنما قال : دخول " نعم " هنا لا وجه له , ويمكن أن يريد الجوهري بذلك أنه قد يقول القائل في جواب من قال : أقام زيد أم لم يقم زيد ؟ نعم , ويكون معناه أنه قام زيد ويريد أنه في هذا الوجه تكون " نعم " مناقضة " ل بلى " وكلام ابن عطية يقتضي جواز وقوع نعم في الآية الكريمة , فإنه قال في سورة الأنعام : و " بلى " هي التي تقتضي الإقرار بما استفهم عنه منفيا , ولا تقتضي نفيه وجحده , ونعم تصلح للإقرار به كما ورد ذلك في قول الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم حيث عاتبهم في غزوة حنين , وتصلح أيضا لجحده فلذلك لا تستعمل .

                        وأما قول الزجاج وغيره : إنها إنما تقتضي جحده وأنهم لو قالوا به عند قوله تعالى : { ألست بربكم } لكفروا فقوله خطأ , والله المستعان . انتهى . وقال الشلوبين : لا يمتنع في الآية أن يقولون : نعم لا على جواب الاستفهام ولكن ; لأن الاستفهام في قوله : { ألست بربكم } تقرير , والتقرير [ ص: 209 ] خبر منجز فجاز أن يأتي بعده " نعم " كما يأتي بعد الخبر الموجب وتكون " نعم " ليست جوابا على جواب التصديق , وعلى هذا فيمكن الجمع بين هذا وبين ما قاله المفسرون ; لأنهما لم يتواردا على محل واحد , فإن الذي منعوه إنما هو على أنه جواب , وإذا كانت جوابا فإنما يكون تصديقا لما بعد ألف الاستفهام . والذي جوزه إنما هو على التصديق لا الجواب كما في قولك : نعم لمن قال : قام زيد . قال بعضهم : وصارت الأجوبة ثلاثة " نعم " تصديق للكلم السابق من الإثبات , و " لا " لرد الإثبات و " بلى " لرد النفي , ولا يجاب بعد النفي , بنعم ; لأنه تقرير على ضده فإن وردت بعد نفي فليست جوابا ولكنها تصديق للفظه الذي جاء على النفي .
                        التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:21 AM.

                        تعليق

                        • طارق شفيق حقي
                          المدير العام
                          • Dec 2003
                          • 11929

                          #13
                          رد : معاني الأدوات

                          بعد : تقع للترتيب وتحتمل الفور والتراخي قاله صاحب القواطع

                          تعليق

                          • طارق شفيق حقي
                            المدير العام
                            • Dec 2003
                            • 11929

                            #14
                            رد : معاني الأدوات

                            كل : تلازم الإضافة معنى , ولا يلزم إضافتها لفظا إذا وقع توكيدا ونعتا , وإضافتها منوية عند تجردها عنها , وإذا كان المضاف إليه المحذوف معرفة بقي " كل " على تعريفه , فلا تباشره اللام , ونصبه على الحال في قراءة { إنا كلا فيها } شاذ , وإن أضيف إلى نكرة روعي في عود الضمير وغيره المضاف إليه , وإن أضيف إلى معرفة جاز مراعاة المضاف إليه , ومراعاة لفظ " كل " .

                            تعليق

                            • طارق شفيق حقي
                              المدير العام
                              • Dec 2003
                              • 11929

                              #15
                              رد : معاني الأدوات

                              غير : اسم لازم للإضافة في المعنى , ويجوز قطعه عنها إن فهم معناها وتقدمت عليها كلمة " ليس " . قال الشيخ جمال الدين في المغني " وقولهم : لا غير لحن , وليس كما قال , فإنه مسموح في قول الشاعر :
                              جوابا به تنجو اعتمد فوربنا لعن عمل أسلفت لا غير تسأل

                              وقد احتج به ابن مالك في باب القسم من شرح التسهيل " وكأن الشيخ تابع السيرافي فإنه قال : الحذف إنما يستعمل إذا كانت " إلا " و " غير " بعد ليس , ولو كان مكان ليس غيرها من ألفاظ الجحد لم يجز الحذف , ولا يتجاوز بذلك مورد السماع . انتهى .

                              وقد سمع كما ذكرنا وهي عكس " لا " فإن شرط " غير " أن يكون ما قبلها صادقا على ما بعدها . تقول : مررت برجل غير فقيه , ولا يجوز [ ص: 216 ] غير امرأة بخلاف " لا " النافية فإنها بالعكس . والأصل في " غير " أن تكون صفة , وقد يستثنى بها . قال الرماني : والفرق بينهما في الحالتين أنها إذا كانت صفة لم توجب شيئا للاسم الذي بعدها , ولم تنف عنه , نحو جاءني رجل رشيد غير زيد , فوصفت بها ولم تنف عن زيد المجيء , ويجوز أن يقع مجيئه وأن لا يقع . وإذا كانت استثناء فإذا كان ما قبلها إيجابا كان ما بعدها نفيا أو نفيا فإيجابا . وإذا كانت صفة وصف بها الواحد والجمع , وإذا كانت استثناء فلا تأتي إلا بعد جمع أو معناه .

                              وكذا قال الشلوبين : إنها إذا كانت صفة لم توجب شيئا للاسم الذي بعدها ولم تنف عنه . وفيما قالاه نظر , وفي كلام سيبويه خلافه . وقد أجاز في قولك : مررت برجل غيرك ثلاثة معان : أحدها : أن يكون المراد واحدا خلافك . الثاني : أن المراد واحد صفته مخالفة لصفتك , فالإبهام فيه أقل . الثالث : أن يكون المراد أنت مع غيرك , وهذا الثالث يحتاج إلى تقرير , ومثله قول الحنفية فيما لو قال لزوجته : أنت طالق غير طلقة أنه يقع ثلاث . وقول أصحابنا : كل امرأة غيرك طالق يقع على المخاطبة إلا أن يعزلها بالنية . وقال صاحب البرهان " إذا قلت ما جاءني غير زيد احتمل أن تريد نفي أن يكون قد جاء معه إنسان آخر , وأن تريد نفي أن يكون قد جاء [ ص: 217 ] غيره لا هو , ولا يصح ما جاءني غير زيد لا عمرو , كما لم يجز ما جاءني , إلا زيد لا عمرو ; لأن " غير " فيها معنى النفي , ومن ثم جاء حرف النفي مع المعطوف عليها في قوله تعالى : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } .



                              مسألة: الْجُزْء الثَّالِثغَيْرُ : اسْمٌ لَازِمٌ لِلْإِضَافَةِ فِي الْمَعْنَى , وَيَجُوزُ قَطْعُهُ عَنْهَا إنْ فُهِمَ مَعْنَاهَا وَتَقَدَّمَتْ عَلَيْهَا كَلِمَةُ " لَيْسَ " . قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ فِي الْمُغْنِي " وَقَوْلُهُمْ : لَا غَيْرَ لَحْنٍ , وَلَيْسَ كَمَا قَالَ , فَإِنَّهُ مَسْمُوحٌ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ :
                              جَوَابًا بِهِ تَنْجُو اعْتَمِدْ فَوَرَبِّنَا لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لَا غَيْرَ تُسْأَلُ

                              وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ فِي بَابِ الْقَسَمِ مِنْ شَرْحِ التَّسْهِيلِ " وَكَأَنَّ الشَّيْخَ تَابَعَ السِّيرَافِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ : الْحَذْفُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ إذَا كَانَتْ " إلَّا " وَ " غَيْرُ " بَعْدَ لَيْسَ , وَلَوْ كَانَ مَكَانَ لَيْسَ غَيْرُهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْجَحْدِ لَمْ يَجُزْ الْحَذْفُ , وَلَا يَتَجَاوَزُ بِذَلِكَ مَوْرِدَ السَّمَاعِ . انْتَهَى .

                              وَقَدْ سُمِعَ كَمَا ذَكَرْنَا وَهِيَ عَكْسُ " لَا " فَإِنَّ شَرْطَ " غَيْرَ " أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا صَادِقًا عَلَى مَا بَعْدَهَا . تَقُولُ : مَرَرْت بِرَجُلٍ غَيْرِ فَقِيهٍ , وَلَا يَجُوزُ [ ص: 216 ] غَيْرِ امْرَأَةٍ بِخِلَافِ " لَا " النَّافِيَةِ فَإِنَّهَا بِالْعَكْسِ . وَالْأَصْلُ فِي " غَيْرَ " أَنْ تَكُونَ صِفَةً , وَقَدْ يُسْتَثْنَى بِهَا . قَالَ الرُّمَّانِيُّ : وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالَتَيْنِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ صِفَةً لَمْ تُوجِبْ شَيْئًا لِلِاسْمِ الَّذِي بَعْدَهَا , وَلَمْ تَنْفِ عَنْهُ , نَحْوَ جَاءَنِي رَجُلٌ رَشِيدٌ غَيْرُ زَيْدٍ , فَوَصَفْتَ بِهَا وَلَمْ تَنْفِ عَنْ زَيْدٍ الْمَجِيءَ , وَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مَجِيئُهُ وَأَنْ لَا يَقَعَ . وَإِذَا كَانَتْ اسْتِثْنَاءً فَإِذَا كَانَ مَا قَبْلَهَا إيجَابًا كَانَ مَا بَعْدَهَا نَفْيًا أَوْ نَفْيًا فَإِيجَابًا . وَإِذَا كَانَتْ صِفَةً وُصِفَ بِهَا الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ , وَإِذَا كَانَتْ اسْتِثْنَاءً فَلَا تَأْتِي إلَّا بَعْدَ جَمْعٍ أَوْ مَعْنَاهُ .

                              وَكَذَا قَالَ الشَّلَوْبِينُ : إنَّهَا إذَا كَانَتْ صِفَةً لَمْ تُوجِبْ شَيْئًا لِلِاسْمِ الَّذِي بَعْدَهَا وَلَمْ تَنْفِ عَنْهُ . وَفِيمَا قَالَاهُ نَظَرٌ , وَفِي كَلَامِ سِيبَوَيْهِ خِلَافُهُ . وَقَدْ أَجَازَ فِي قَوْلِك : مَرَرْت بِرَجُلٍ غَيْرِك ثَلَاثَةَ مَعَانٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَاحِدًا خِلَافَك . الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ وَاحِدٌ صِفَتُهُ مُخَالِفَةٌ لِصِفَتِك , فَالْإِبْهَامُ فِيهِ أَقَلُّ . الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْتَ مَعَ غَيْرِك , وَهَذَا الثَّالِثُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْرِيرٍ , وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ غَيْرُ طَلْقَةٍ أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ . وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا : كُلُّ امْرَأَةٍ غَيْرِك طَالِقٌ يَقَعُ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ إلَّا أَنْ يَعْزِلَهَا بِالنِّيَّةِ . وَقَالَ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ " إذَا قُلْت مَا جَاءَنِي غَيْرُ زَيْدٍ احْتَمَلَ أَنْ تُرِيدَ نَفْيَ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَاءَ مَعَهُ إنْسَانٌ آخَرُ , وَأَنْ تُرِيدَ نَفْيَ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَاءَ [ ص: 217 ] غَيْرُهُ لَا هُوَ , وَلَا يَصِحُّ مَا جَاءَنِي غَيْرُ زَيْدٍ لَا عَمْرٍو , كَمَا لَمْ يَجُزْ مَا جَاءَنِي , إلَّا زَيْدٌ لَا عَمْرٌو ; لِأَنَّ " غَيْرَ " فِيهَا مَعْنَى النَّفْيِ , وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ حَرْفُ النَّفْيِ مَعَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى : { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } .


                              مسألة: الجزء الثالثغير : اسم لازم للإضافة في المعنى , ويجوز قطعه عنها إن فهم معناها وتقدمت عليها كلمة " ليس " . قال الشيخ جمال الدين في المغني " وقولهم : لا غير لحن , وليس كما قال , فإنه مسموح في قول الشاعر :
                              جوابا به تنجو اعتمد فوربنا لعن عمل أسلفت لا غير تسأل

                              وقد احتج به ابن مالك في باب القسم من شرح التسهيل " وكأن الشيخ تابع السيرافي فإنه قال : الحذف إنما يستعمل إذا كانت " إلا " و " غير " بعد ليس , ولو كان مكان ليس غيرها من ألفاظ الجحد لم يجز الحذف , ولا يتجاوز بذلك مورد السماع . انتهى .

                              وقد سمع كما ذكرنا وهي عكس " لا " فإن شرط " غير " أن يكون ما قبلها صادقا على ما بعدها . تقول : مررت برجل غير فقيه , ولا يجوز [ ص: 216 ] غير امرأة بخلاف " لا " النافية فإنها بالعكس . والأصل في " غير " أن تكون صفة , وقد يستثنى بها . قال الرماني : والفرق بينهما في الحالتين أنها إذا كانت صفة لم توجب شيئا للاسم الذي بعدها , ولم تنف عنه , نحو جاءني رجل رشيد غير زيد , فوصفت بها ولم تنف عن زيد المجيء , ويجوز أن يقع مجيئه وأن لا يقع . وإذا كانت استثناء فإذا كان ما قبلها إيجابا كان ما بعدها نفيا أو نفيا فإيجابا . وإذا كانت صفة وصف بها الواحد والجمع , وإذا كانت استثناء فلا تأتي إلا بعد جمع أو معناه .

                              وكذا قال الشلوبين : إنها إذا كانت صفة لم توجب شيئا للاسم الذي بعدها ولم تنف عنه . وفيما قالاه نظر , وفي كلام سيبويه خلافه . وقد أجاز في قولك : مررت برجل غيرك ثلاثة معان : أحدها : أن يكون المراد واحدا خلافك . الثاني : أن المراد واحد صفته مخالفة لصفتك , فالإبهام فيه أقل . الثالث : أن يكون المراد أنت مع غيرك , وهذا الثالث يحتاج إلى تقرير , ومثله قول الحنفية فيما لو قال لزوجته : أنت طالق غير طلقة أنه يقع ثلاث . وقول أصحابنا : كل امرأة غيرك طالق يقع على المخاطبة إلا أن يعزلها بالنية . وقال صاحب البرهان " إذا قلت ما جاءني غير زيد احتمل أن تريد نفي أن يكون قد جاء معه إنسان آخر , وأن تريد نفي أن يكون قد جاء [ ص: 217 ] غيره لا هو , ولا يصح ما جاءني غير زيد لا عمرو , كما لم يجز ما جاءني , إلا زيد لا عمرو ; لأن " غير " فيها معنى النفي , ومن ثم جاء حرف النفي مع المعطوف عليها في قوله تعالى : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } .
                              التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:22 AM.

                              تعليق

                              يعمل...