الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

معاني الأدوات

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • طارق شفيق حقي
    المدير العام
    • Dec 2003
    • 11929

    #16
    رد : معاني الأدوات

    كل : تلازم الإضافة معنى , ولا يلزم إضافتها لفظا إذا وقع توكيدا ونعتا , وإضافتها منوية عند تجردها عنها , وإذا كان المضاف إليه المحذوف معرفة بقي " كل " على تعريفه , فلا تباشره اللام , ونصبه على الحال في قراءة { إنا كلا فيها } شاذ , وإن أضيف إلى نكرة روعي في عود الضمير وغيره المضاف إليه , وإن أضيف إلى معرفة جاز مراعاة المضاف إليه , ومراعاة لفظ " كل " .

    تعليق

    • طارق شفيق حقي
      المدير العام
      • Dec 2003
      • 11929

      #17
      رد : معاني الأدوات

      مسألة [ حتى العاطفة هل تقتضي الترتيب ؟ ] اختلف في العاطفة هل تقتضي الترتيب ; فأثبته ابن الحاجب وابن معط حيث قالا : إنها كالفاء , بل هذه العبارة توهم أنها للتعقيب , وهو بعيد , ولعلهم أرادوا أنها بمعنى الفاء للمناسبة الظاهرة بين التعقيب والغاية .

      [ ص: 226 ] وقال صاحب البسيط " هي مثل " ثم " في الترتيب والمهلة إلا أنه يشترط كون معطوفها جزءا من المعطوف عليه , ويصح جعله غاية له , فعلم منهما مخالفته للأول فيما أوجب المهلة من ضعف أو قوة , ك قدم الحجاج حتى المشاة . وقال الجمهور : إنها كالواو . وقال ابن مالك في شرح العمدة " هي في عدم الترتيب كالواو , وزعم بعض المتأخرين أنها تقتضي الترتيب , وليس بصحيح بل يجوز أن يقال : حفظت حتى سورة البقرة , وإن كانت البقرة أول محفوظك أو متوسطه , وفي الحديث : { كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس } ولا فرق في تعلق القضاء بالمقضيات , وإنما الترتيب في كونها أي : وجودها . وقال ابن مالك في شرح العمدة " هي في عدم الترتيب كالواو , وقال ابن أياز : الترتيب الذي تقتضيه " حتى " ليس على ترتيب الفاء وثم , وذلك أنهما يرتبان أحد الفعلين على الآخر في الوجود وهي ترتب ترتيب الغاية والنهاية , ويشترط أن يكون ما بعدها من جنس ما قبلها , ولا يحصل ذلك إلا بذكر الكل قبل الجزء .

      قال الجرجاني : الذي أوجب ذلك أنها للغاية والدلالة على أحد طرفي الشيء . وطرف الشيء لا يكون من غيره . ولهذا كان فيه معنى التعظيم والتحقير , وذلك أن الشيء إذ أخذته من أعلاه فأدناه غايته وهو المحقر , وإن أخذته من أدناه فأعلاه غايته وهو المعظم , ولهذا أيضا لم يكن ما بعد " حتى " وإن كان من جنس ما قبلها إلا بعضا وجزءا منه . تقول : جاء القوم حتى زيد , ولا تقول حمار . وكذلك لا تقول : جاء زيد حتى القوم , [ ص: 227 ] لاستحالة أن يكون بضعا لشيء وجزءا منه . ولا جاء زيد حتى عمرو كذلك أيضا , وللمساواة , وكل هذا لا يمتنع في الواو .

      وهنا تنبيهات الأول أنهم ذكروا أن " حتى " للغاية إما في نقص أو زيادة , نحو عليك الناس حتى النساء , واختطفت الأشياء حتى مثاقيل الدر , ثم قالوا : إنها لا تقتضي الترتيب بل تكون لمطلق الجمع كالواو , والجمع بين الكلامين مشكل . فإن قلت : الغاية في نفس الأمر والواقع ليس هو هذا , بل من الجائز أن يكون هو الأول , وما بعده أو الأخير , ومع هذا الاحتمال لا تكون للترتيب . قلت : لو لم تكن للترتيب لم يكن لاشتراط القوة أو الضعف فائدة , ولو لم تقتض التأخير عقلا وعادة لم يحسن ذلك , فإن قلت : فائدته إفادة العموم , قلت : العموم مأخوذ من المفهوم , وفيه نظر .

      التنبيه الثاني " حتى " الداخلة على الأفعال قد تكون للغاية ولمجرد السببية والمجازاة وللعطف المحض أي : التشريك من غير اعتبار غايته وسببيته , فالأول هو الأصل فيحمل عليه ما أمكن كقوله تعالى : { حتى يعطوا الجزية } فإن القتل يصلح للامتداد , وقبول الجزية يصلح منتهى له . وكقوله تعالى : { حتى تستأنسوا } أي تستأذنوا , فإن المنع من دخول بيت الغير يحتمل الامتداد , والاستئذان يصلح منتهى له . وجعل حتى هذه داخلة على الفعل نظرا لظاهر اللفظ وإلا فالفعل [ ص: 228 ] منصوب بإضمار " أن " فهي في الحقيقة إنما دخلت على الاسم , هذا إذا احتمل صدر الكلام الامتداد والآخر الانتهاء إليه , فإن لم يحتمل ذلك . فإن صلح الصدر أن يكون سببا للثاني كانت بمعنى " كي " فتفيد السببية والمجازاة , نحو أسلمت حتى أدخل الجنة , وإن لم يصلح لذلك فهي للعطف المحض من غير دلالة على غاية أو مجازاة .
      التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:22 AM.

      تعليق

      • طارق شفيق حقي
        المدير العام
        • Dec 2003
        • 11929

        #18
        رد : معاني الأدوات

        متى : شرط يجزم به المضارع , مثل متى تخرج أخرج , وهي لازمة [ ص: 229 ] للظرفية لا تتجرد عنها بخلاف " إذا " في قوله :
        وإذا تصبك خصاصة فتجمل

        والعجب أنهم جعلوا " إذا " متمحضا للشرط بواسطة وقوعه في بيت شاذ جازما للمضارع مستعملا فيما على خطر الوجود , ولم يجعلوا " متى " متمحضا للشرط مع دوام ذلك فيه . وحقه في اللغة التكرار , واصطلح أكثر الفقهاء على أنها للمرة الواحدة , كقولك : إذا فعلت . قاله في القواطع " . قال : ومذهب عامة الفقهاء أنه إذا قال لامرأته : إن فعلت كذا فأنت طالق أنه على مرة واحدة , وكذا إذا فعلت . بخلاف " كلما " فإنها للتكرار . قال الرافعي في كتاب الأيمان : لو قال : متى خرجت , أو متى ما , أو مهما , ككلما , في اقتضاء التكرار , وهو خلاف قضيته في الأم " . انتهى . وحكى أبو البقاء عن ابن جني أن " مهما " للتكرار بخلاف " متى " .
        التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:23 AM.

        تعليق

        • طارق شفيق حقي
          المدير العام
          • Dec 2003
          • 11929

          #19
          ثم : يتعلق الكلام فيها بمباحث .

          [ ص: 231 ] الأول : في الترتيب , وهو يقتضي على الصحيح , ونقل ابن أبي الدم عن ابن عاصم العبادي من أصحابنا أنها كالواو في اقتضاء الجمع المطلق . ووجهه بعضهم بأن " وقفت " إنشاء , فلا يدخل فيه الترتيب , كقولك : بعتك هذا ثم هذا , وهذا غلط , وإنما قال العبادي ذلك إذا قال : وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي بطنا بعد بطن أنها للجميع , ووجهه أن بطنا بعد بطن عنده للجمع لا للترتيب , والكلام بآخره , فالجمع من هذه الحيثية لا من جهة " ثم " . ونقل صاحب البسيط " من النحويين عن ابن الدهان أن المهلة والترتيب في المفردات , وأما الجمل فلا يلزم ذلك فيها بل قد يدل على تقديم ما بعدها على ما قبلها .

          قال : والأصح المحافظة على معناها أينما وقعت وتأويل ما خالف معناها ونقل ابن الخباز عن شيخه : أن " ثم " إذا دخلت على الجمل لا تفيد الترتيب كقوله تعالى : { فك رقبة } إلى قوله { ثم كان من الذين آمنوا } فحصل ثلاثة أقوال : أما في الزمان نحو { ثم أرسلنا موسى } وقوله : { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه } أو في المرتبة نحو { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } أو للترتيب في الأخبار كقوله تعالى : { أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } { ثم استوى إلى السماء } والسماء مخلوقة قبل الأرض بدليل قوله { والأرض بعد ذلك دحاها } وقال الراغب : تقتضي تأخر ما بعدها عما قبله إما تأخرا بالذات أو بالمرتبة أو بالوضع , ونقل ابن دقيق العيد في شرح الإلمام " فصلا عن [ ص: 232 ] الإمام محمد بن بري في الترتيب ب " ثم " ضعف فيه القول بالترتيب الإخباري .

          قال : بعد أن قررت أن " ثم " لترتيب الثاني على الأول في الوجود بمهلة بينهما في الزمان أن " ثم " تأتي أيضا لتفاوت الرتبة , ثم قال : ويجيء هذا المعنى مقصودا بالفاء العاطفة , نحو خذ الأفضل فالأكمل , واعمل الأحسن فالأجمل , ونحو { رحم الله المحلقين فالمقصرين } , فالفاء في المثال الأول لتفاوت رتبة الفضل من الكمال والحسن في الحال , وفي الثاني لتفاوت رتبة المحلقين من المقصرين بالنسبة إلى حلقهم وتقصيرهم . وقوله تعالى { والصافات صفا فالزاجرات زجرا } تحتمل الفاء فيه المعنيين مجازا , فيجوز أن يراد تفاوت رتبة الصف من الزجر , ورتبة الزجر من التلاوة . ويجوز أن يراد بها تفاوت رتبة الجنس الصاف من الجنس الزاجر بالنسبة إلى صفهم وزجرهم , ورتبة الجنس الزاجر من الثاني بالنسبة إلى زجره وتلاوته . ثم قال : وهذا أولى من قول من يقول : هي لترتيب الجمل في الأخبار لا لترتيب الخبرية في الوجود ; لأنه ضعيف في المعنى لبعد المهلة فيه حقيقة . واستدل القائلون به بقول :


          إن من ساد ثم ساد أبوه

          وأجيب بأنه لتفاوت رتبة الابن من أبيه أو لتفاوت رتبة سيادته من سيادة أبيه .

          ومجاز استعمالها لتفاوت أنها موضوعة للمهلة والتفاوت بمهلة في المعنى , ولأن بينهما قدرا مشتركا وهو الانفصال . قلت : وهذا طريق آخر للترتيب وهو الترتيب بالرتب . أعني تفاوت [ ص: 233 ] رتب الفعل أو رتب الفاعلين , ثم قال : وهذا المعنى بعينه في الفاء نحو قوله تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا } فالفاء في قوله تعالى : { فإن فاءوا } إنما دخلت لتبين حكم المولى في زمن التربص بجملتي الشرط بعدها لا لتعقيبها زمن التربص . وهكذا قال أبو حنيفة . قال : ولا يفصل ب ثم , والفاء في هذا المعنى ترتيب وجودي بل تفصيل معنوي ألا ترى أن قولك : اغتسل , فأفاض الماء على شقه الأيمن ثم على شقه الأيسر ليس القصد به إلا البيان لا الترتيب ؟ فلو قدمت أو أخرت جاز , وكذا لو أتيت بالفاء موضع " ثم " فإن كان الموضع يحتمل الترتيب جاز أن يقصد الترتيب , وجاز أن يقصد التفصيل , نحو توضأ , فغسل وجهه ثم يديه . فإن أردت الترتيب لا يجوز التقديم والتأخير وإن أردت التفصيل جاز . وإنما استعملت ثم والفاء للتفصيل حملا على " أو " في نحو قولك : الجسم إما ساكن أو متحرك .

          الإنسان ذكر أو أنثى . قال الشيخ : وما حكيناه عن ابن بري من أن التفصيل المبهم لا يوجب الترتيب قد وافقه عليه بعض المتأخرين . المبحث الثاني : في اقتضائها التراخي , وكما يوجب الترتيب يوجب تراخي الثاني عن الأول والمهلة بينهما , وعدم الفورية والمهلة , واحتج عليه ابن الخشاب بامتناع وقوع ما بعدها جوابا للشرط , كما جاز ذلك في الفاء , فلا تقول : إن تقم ثم أنا أقوم كما قلت : إن تقم فأنا أقوم وقال ابن يعيش : ولما تراخى لفظها بكثرة حروفها تراخى معناها ; لأن [ ص: 234 ] قوة اللفظ مؤذنة بقوة المعنى . قال ابن دقيق العيد : وقضيته أن تراخي معناها يقع كتراخي لفظها , وهو معلول له . قال : وهو عكس ما وجدته عن أبي الحسن بن عصفور , فإنه لما تعرض لبيان قول أبي علي إن " ثم " مثل الفاء إلا أن فيها مهلة . قال : فإنما يعني أنها مثلها في الترتيب إلا أنه ترتيب فيه مهلة وتراخ , وكأنه لما اختصت بمعنى يزيد على معنى الفاء خص لفظها بلفظ أزيد من لفظ الفاء وكانت على أكثر من حرف , والفاء على حرف واحد , وهذا يقتضي أن تكون زيادة اللفظ تبعا لزيادة المعنى , ويكون اللفظ موافقا لما ذكر عن ابن درستويه أن الواو وهي الأصل في هذه الثلاثة الواو والميم متقاربان في المخرج ; إذ الفاء من باطن الشفة والواو والميم من نفس الشفة , فلذلك جعلت هذه الحروف الثلاثة تجمع ما بين الشيئين في اللفظ والمعنى , وخصت بالاستعمال دون غيرها . ولما اختصت " ثم " بمعنى زائد على الفاء اختصت بالثاء المقاربة لمخرج الفاء لتدل على معنى ثالث , ثم لا خلاف في اقتضائها التراخي .

          وكلام ابن الخشاب يقتضي تخصيصه بالمفردات وأنه في عطف الجمل لا يكون كذلك كما سبق مثله في الترتيب . قال : وقد يتجرد عن التراخي إذا كررت على التعظيم والتأكيد كقوله تعالى : { وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين } والمعطوف هنا هو لفظ المعطوف عليه , وكقوله : { كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون } والمعطوفات كلها جمل فيها معنى التهديد والوعيد , وأما قوله تعالى : { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } فقال القاضي أبو الطيب : التراخي ظاهر فيه ; لأنه لا بد من تأخر العود عن الظهار بفصل , وهو زمن إمكان الطلاق . [ ص: 235 ]

          وقد اختلف الحنفية في أثر التراخي , فعند أبي حنيفة هو راجع إلى التكلم بمعنى الانقطاع المطلق بمنزلة ما لو سكت ثم استأنف قولا بعد الأول . وقال صاحباه : راجع إلى الحكم مع الوصل في المتكلم لمراعاة معنى العطف فيه ; لأن الكلام منفصل حقيقة أو حسا , فيكون في الحكم كذلك فإذا قال لغير المدخول بها : أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت الدار . فعند أبي حنيفة لما كان في الحكم منقطعا وقع واحدة في الحال , ويلغى الباقي , لعدم المحل , كما لو قال : أنت طالق , وسكت , ثم قال : أنت طالق إن دخلت الدار , ولو كان كذلك لم يتعلق الطلاق بالشرط فكذا هنا , وعندهما لما كان المتكلم متصلا حكما تعلقت جميعا بالشرط إلا أنه إذا وجد الشرط يقع واحدة عملا بالتراخي . المبحث الثالث : إذا ثبت أنها للتراخي فلا دليل على مقداره من جهة اللفظ قاله ابن السمعاني . وقاله غيره : المراد بالتراخي الزماني فإنه حقيقة فيه , فإن استعمل في تراخي الرتبة أو في تراخي الأخبار كان مجازا . وقال ابن دقيق العيد : ويمكن أن يقال : إنها حقيقة في أمر مشترك بين هذه الأنواع أعني التراخي في الزمان والرتبة والأخبار .

          المبحث الرابع : أن التراخي قد يتزايد في عطف الجمل بعضها على بعض فإذا قلت : جاء زيد ثم جاء عمرو كان أدل على التراخي من قام زيد ثم عمرو , فإن تغاير الفعلان فقلت : قام زيد ثم انطلق كان كالثاني , وقد قال تعالى : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } فعطف أولا بالفاء ; لأنهم كانوا نطفا فجعل فيهم حياة عقب حالة كونهم أمواتا , ثم تراخى حالة إماتتهم بمدة حياتهم وآجالهم المقسومة فعطف الإماتة , ثم تراخى الإحياء المتعقب عن الإماتة بمدة لبثهم في البرزخ فعطف { يحييكم } ب ثم , ثم تراخى الإحياء للبعث عن الإماتة بمدة لبثهم في البرزخ فعطف عليهم ب ثم , ثم إليه الرجوع بعد هذا كله .

          [ ص: 236 ] قيل : ويجيء بمعنى الواو كقوله { ثم استوى على العرش } { ثم استوى إلى السماء } { ثم الله شهيد } قالوا : هي فيها بمعنى الواو ; لأن الاستواء صفة ذات , وهي قديمة , والتعقيب بالتراخي لا يوصف به القديم . وأما من ذهب إلى أنها صفة فعل لا يحتاج إلى تأويل . وقد تأول بأن المراد بالاستواء هنا الاستعارة فإنه - تعالى - فرغ من إكمال الخليقة وأمر ونهى وكلف , ثم استوى على العرش , والمراد الإشارة إلى ما قلناه من إكمال المعنى المذكور هذا المعنى فيصح فيه التعقيب
          التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:23 AM.

          تعليق

          • طارق شفيق حقي
            المدير العام
            • Dec 2003
            • 11929

            #20
            رد : معاني الأدوات

            الأولى : حروف الجريسميها الكوفيون الصفات لنيابتها عن الصفات ويجوزون دخول بعضها على بعض . أي : أن هذا الحرف بمعنى حرف كذا . ومنع البصريون ذلك وعدلوا عنه إلى تضمين الفعل معنى فعل آخر إبقاء للفظ الحرف على حقيقته , وكأنهم رأوا التجوز في الفعل أخف من التجوز في الحرف . والكوفيون عكسوا ذلك , وقال ابن السيد : في القولين جميعا نظر ; لأن من أجاز مطلقا يلزمه أن يجيز سرت إلى زيد . يريد مع زيد , ومن منع مطلقا لزمه أن يتعسف في التأويل الكثير . فالحق : أنه موقوف على السماع , وغير جائز في القياس . ثم ذكر ما حاصله يرجع إلى التضمين هو تضمين الحرف معنى آخر ليفيد المعنيين كقوله :


            إذا رضيت علي بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها
            قيل : إنما عدي رضي بعلي ; لأنه بمعنى أقبلت : وقال أبو الفتح بن دقيق العيد : المانعون إنما يمنعون الاستعمال حقيقة ومجازا , أو حقيقة فقط , والمجوزون إما أن يدعوا في الاستعمال الحقيقة فيه أو يقولوا بالمجاز فيه . فإن ادعى المانعون العموم بالنسبة إلى الحقيقة والمجاز لم يصح ; لأنهم إذا ردوا [ ص: 250 ] على المجيزين جعلوا مدلول اللفظ حقيقة معنى من المعاني , ثم ردوا الاستعمال الذي يذكره المجوزون بالتأويل إلى ذلك المعنى , وهو يقرب المجاز , فعلى هذا يؤول تصرف البصريين إلى المجاز أيضا ويرجع الخلاف في ترجيح أحد المجازين على الآخر لا في المنع من الاستعمال أو الحمل أو الجواز فيهما , وإن كان الكوفيون يرون الاستعمال في هذه المعاني التي يوردونها حقيقة . والبصريون يقولون : مجاز , فالمجاز خير من الاشتراك , والاشتراك لازم على هذا القول لاتفاق الفريقين على استعمال اللفظ في معنى حقيقة , والكوفيون على هذا التقدير يرون استعماله في معاني حقيقة , فيلزم الاشتراك على هذا التقدير قطعا . قال : ولست أذكر التصريح من مذهب المجوزين في أنه حقيقة , وإنما المشهور قولهم : ويكون كذا بمعنى كذا , وليس فيه دليل على أنه حقيقة فيه .

            تعليق

            • طارق شفيق حقي
              المدير العام
              • Dec 2003
              • 11929

              #21
              الخامسة : النسبة المنفية إذا قيدت بحال تسلط النفي على الحال , وللعرب فيه طريقان : أكثرهما نفي المقيد , وهو الحال , فتقول : ما زيد أقبل ضاحكا فيكون الضحك منفيا , وزيد قد أقبل غير ضاحك والثاني : نفي المقيد والقيد , فيكون زيد لم يضحك ولم يقبل , ومن ثم رد على أبي البقاء تجويزه عمل { بمؤمنين } في الحال , وهو { يخادعون } إذ ليس معنى الآية نفي الخداع ألبتة , والعجب منه كيف تنبه فمنع الصفة ؟ وعلله بما ذكرنا , وأجاز الحال ولا فرق . ولأبي البقاء أن يقول : الفرق واضح , فإذا قلت : ما زيد ضاحك راكبا فمعناه نفي الضحك في حال الركوب , وهو لا يستلزم نفي حال [ ص: 256 ] الركوب ; إذ الحال كالظرف , فالمنفي الكون الواقع في الحال لا الحال كما في قولك : ما زيد ضاحك في الدار , وهذا بخلاف الصفة ; إذ هي كون من الأكوان فيقتضي نفيها به .

              وقال بعض المتأخرين : يظن كثير من الناس ممن لا تحقيق له أن في مدلول { لا يسألون الناس إلحافا } وقوله : { ولا شفيع يطاع } ونظائره مذهبان : أحدهما : نفي الإلحاف وحده . والثاني : نفي السؤال والإلحاف معا , وينشد :


              على لاحب لا يهتدى بمناره

              ولم يقل أحد إن نفيهما معا في الآية من مدلول اللفظ بل هو من جملة محامله , كما أن زيدا من جملة محامل رجل , وقد تقرر في المعقول أن القضية السالبة لا تستدعي وجود موضوعها فكذلك سلب الصفة لا يستدعي وجود الموصوف ولا نفيه . والحاصل : أن اللفظ محتمل , ولا دلالة له على واحد من الطرفين بعينه , وليس هو مترددا بينهما بل مدلوله أعم منهما وإن كان الواقع لا يخلو عن أحدهما , والمتحقق فيه انتقاء الصفة ; لأنه على التقديرين , وانتفاء الموصوف محتمل .

              لا دلالة لنفي المركب على انتفائه ولا ثبوته , لكن إذا جعلنا الصفة تشعر به نزع إلى القول بعموم الصفة , فمن أنكره فواضح , ومن أثبته وقال : إنه من جهة العلة فكذلك ; لأن محله إذا كانت الصفة المحكوم عليها والحكم معللا بها فلا يثبت عند انتفائها , وهنا الصفة في الحكم , ومن أثبته , وقال : إنه من جهة اللفظ فيناسبه القول به هنا إلا أن يظهر غرض سواه كما هو مبين هناك
              التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:24 AM.

              تعليق

              • طارق شفيق حقي
                المدير العام
                • Dec 2003
                • 11929

                #22
                رد : معاني الأدوات

                الخامس : ادعى الزمخشري في كشافه " أن" أنما " المفتوحة للحصر . قاله في قوله تعالى : { إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } وبه صرح التنوخي في الأقصى القريب " وأنكره الشيخ ابن حيان , وقال : إنما يعرف في المكسورة لا المفتوحة . واعتراضه مردود بوجهين : أحدهما : أن المكسورة هي الأصل , وأن المفتوحة فرعها على الصحيح وإذا ثبت هذا الحكم في المكسورة , ثم عرض لها الفتح لقيامها مقام المفرد , فالقياس يقتضي بقاء ذلك المعنى . وثانيهما : أن الزمخشري بناه على رأيه في إنكار الصفات . نعم رأيت في كتاب سيبويه " ما يدل على أنها لا تقتضي الحصر , فإنه قال في باب " إنما " واعلم أن كل شيء يقع فيه " أن " يقع " أنما " وما بعدها صلتها كما في " الذي " ولا تكون هي عاملة فيما بعدها كما لا يكون " الذي " عاملا [ ص: 249 ] فيما بعد , فمن ذلك قوله تعالى { إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } فإنما وقعت " أنما " هاهنا ; لأنك لو قلت : أن إلهكم إله واحد كان حسنا . انتهى .



                الثانية : المقصود من علم العربية إنما هو النطق بالصواب , وذلك حكم لفظي , وما عداه من التقديرات وغيرها مما لا يقدح في اللفظ ليس هو بالمقصود فيها , فمتى احتج محتج بشيء مسموع من العرب لمذهبه , فذكر فيه تأويل , وكان ذلك التأويل مما يطرد في جملة موارد الاستعمال , فحينئذ لا يظهر للاختلاف فائدة لفظية ; لأن اللفظ جائز الاستعمال على الصورة والهيئة المذكورة على كل تقدير , إما من غير تأويل كما يذهب إليه المستدل , وإما بتأويل مطرد في الموارد كما ذكر المجيب , فلا يظهر للاختلاف فائدة في الحكم اللفظي , وهو المقصود من علم العربية . مثاله : إذا قلنا : { فإن في أحد جناحيه داء , والآخر شفاء } فأوله [ ص: 251 ] مؤول بحذف حرف الجر , وأول قولنا : " ما كل سوداء تمرة , ولا كل بيضاء شحمة " . بحذف المضاف , فاللفظ على الهيئة المذكورة غير خارج عن الصواب . غاية ما في الباب أن يكون الخلاف وقع في وجه جوازه . فقائل يقول : هو على حذف المضاف وإلغاء عمله , وهو جائز . وقائل يقول : هو على تقدير العطف على عاملين وهو جائز . فالاتفاق وقع على الجواز واختلف في علته , وذلك لا يفيد فائدة لفظية اللهم إلا إذا بين في بعض المواضع فائدة بأن يكون الجواز صحيحا بأحد الفريقين دون الآخر , فحينئذ تظهر الفائدة المحققة المعتبرة في علم العربية , فانظر هذا فإنه يقع في مواضع من مباحث النحويين .
                الرابعة : الأفعال الماضية تفيد بالوضع أمرا : أن معنى الجملة التي تليها الزمن الماضي فقط لا غير ولا دلالة لها نفسها على انقطاع ذلك المعنى ولا بقائه , بل إن أفاد الكلام شيئا من ذلك كان لدليل آخر . هذا هو التحقيق . واختلف الأصوليون في دلالة " كان " على التكرار , وهي مسألة لم يذكرها النحاة في دلالتها على الانقطاع , وهي مسألة لم يذكرها الأصوليون . قال ابن عصفور في شرح الجمل " : وأصحها , وهو قول الجمهور : نعم . فإذا قلت : كان زيد قائما دل على أنه قام فيما مضى وليس الآن بقائم , وقيل : بل لا يعطي الانقطاع بدليل : { وكان الله غفورا رحيما } وأجاب بأن ذلك قد يتصور فيه الانقطاع بأن يكون المراد به الإخبار بأن الله - تعالى - كان فيما مضى غفورا رحيما كما هو الآن كذلك , فيكون القصد الإخبار بثبوت هذا الوصف في الماضي , ولم يتعرض لخلاف ذلك . وأجاب السيرافي بأنه يحتمل الانقطاع بمعنى أن المغفور لهم والمرحومين قد زالوا .

                والأحسن في الجواب : أن في صفات الله - تعالى - مسلوبة الدلالة على تعيين الزمان , وصار صالحا للأزمنة الثلاثة بحدوث الزمان وقدم الصفات الذاتية , وكذا الفعلية على رأي الحنفية . والتحقيق خلاف القولين كما سبق , ولهذا قال الزمخشري في قوله تعالى : [ ص: 254 ] { كنتم خير أمة } " كان " عبارة عن وجود الشيء في زمن ماض على سبيل الإبهام وليس فيه دليل على عدم سابق , ولا على انقطاع طارئ , ومنه { وكان الله غفورا رحيما } , وقال ابن معط في ألفيته " : وكان للماضي الذي ما انقطعا وحكى ابن الخباز في شرحها قولا أنها تفيد الاستمرار محتجا بالآية , وسمعت شيخنا أبا محمد بن هشام - رحمه الله - ينكره عليه , ويقول : غره فيه عبارة ابن معط , ولم يصر إليه أحد , بل الخلاف في أنها تفيد الانقطاع أو لا تقتضي الانقطاع ولا عدمه , وأما إثبات قوله بالاتصال والدوام فلا يعرف .

                قلت : وقال الأعلم : تأتي للأمرين , فالانقطاع نحو كنت غائبا , وأما الآن حاضر , والاتصال كقوله تعالى : { وكان الله غفورا رحيما } وهو في كل حال موصوف بذلك . وهاهنا قاعدة من قواعد التفسير : وهي أنه وقع في القرآن إخبار الله عن صفاته الذاتية وغيرها بلفظ " كان " كثيرا { كان الله سميعا عليما } { واسعا حكيما } { غفورا رحيما } { توابا رحيما } وأنها لم تفارق ذاته , ولهذا يقدرها بعضهم بما زال فرارا مما يسبق إلى الوهم من أن " كان " تفيد انقطاع المخبر به من الوجود , كقولهم : دخل في خبر كان .

                قالوا : فكان وما زال أختان فجاز أن تستعمل إحداهما في معنى الأخرى مجازا بالقرينة , وهو تكلف لا حاجة إليه , وإنما معناها ما ذكرنا من أزلية الصفات ثم يستفيد معناها من الحال , وفيما لا يزال بالأدلة [ ص: 255 ] العقلية باستصحاب الحال وحيث الإخبار بها عن صفة فعلية , فالمراد تارة الإخبار عن قدرته عليها في الأزل , نحو كان الله خالقا ورزاقا ومحييا ومميتا , وتارة تحقيق نسبته إليه نحو { وكنا فاعلين } وتارة ابتداء الفعل وإنشاؤه , نحو { وكنا نحن الوارثين } فالإرث إنما يكون بعد موت المورثين , والله - سبحانه وتعالى - مالك كل شيء على الحقيقة من قبل ومن بعد , وحيث أخبر بها عن صفات الآدميين فالمراد بها التنبيه على أنها غريزية وطبيعية نحو { وكان الإنسان عجولا } { إنه كان ظلوما جهولا } ويدل عليه { إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا } أي : خلق على هذه الصفة , وهي حال مقدرة , أو بالقوة لم يخرج إلى الفعل , وحيث أخبر بها عن أفعاله دلت على اقتران مضمون أمر الجملة بالزمان نحو { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات } ومن هذا الثاني الحكاية عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ " كان " نحو كان يقوم , وكان يفعل . وسنتكلم عليه في باب العموم إن شاء الله تعالى


                الثالثة : الأفعال باعتبار تعليقها بمفعولاتها على الاستيعاب وعدمه على أربعة أقسام : أحدها : ما يستوعب ليس إلا , نحو اشتريت الدار , وأكلت الرغيف فلا يحمل على البعض إلا مجازا . قال ابن المنير في تفسيره الكبير " : ومن ثم أشكل مذهب مالك - رحمه الله - في تحنيث الحالف ببعض المحلوف عليه , فإنه إلزام له بمقتضى خلاف حقيقة لفظه , وحمل عليه أنه أراد المجاز , وهو يقول : ما أردته فاحملوا لفظي على الحقيقة , أو عسى أن مكلفا قدر الجملة في المعنى بالأجزاء فكان معنى لفظه عنده لا أكلت جزءا من الرغيف . وأخذ ذلك في أجوبة الدعاوى فيما إذا قال : لا تستحق علي العشرة , فإن محمل النفي على الأجزاء أي : ولا شيء منها , ولهذا يلزمه في أجوبة الدعاوى , ولا شيء منها [ ص: 252 ] مع قرينة كون الحالف في مثله يريد الاجتناب ومباعدة المحلوف عليه , فمتى أكل الرغيف إلا لقمة فإنه مقصود الاجتناب .

                الثاني : مقابل الأول لا يقتضي الفعل في الاستيعاب , كقولك : شج زيد عمرا , فلا خفاء أنه لا يريد إلا جرحه في رأسه خاصة بعض الوجه ولا تكون الشجة إلا كذلك , ومنه ضربت زيدا . الثالث : كالثاني إلا أن العرف هو المانع للاستيعاب , كقولك : جعلت الخيط في الإبرة , وليس المراد وقفته على جملة الإبرة , وكقوله تعالى : { جعلوا أصابعهم في آذانهم } . الرابع : يختلف الحال فيه بدخول حرف الجر فيه وعدمه , ومنه عند الشافعي فعل المسح إن اقترن بالباء كان للتبعيض , وإلا للاستيعاب , وكذلك ما يقول أبو علي في السير واليوم لو قلت : سرت اليوم فظاهره الاستيعاب , وإن قلت : سرت في اليوم فظاهره عدم الاستيعاب , وتتحقق الظرفية بدخول " في " وتغلب الاسمية بسقوطها , ولهذا كان الأولى حين تتحقق الظرفية النصب .

                تقول : سرت اليوم فيه , وحين تغلب الاسمية الرفع تقول : اليوم سرته , وينبني على هذا الفرق أحكام كثيرة . منها : لو قال : أنت طالق في يوم السبت يقع بطلوع الفجر , ولو نوى وقوعه في آخره يدين , ولم يقبل ظاهرا عندنا , وقال أبو حنيفة : يقبل , وخالفه صاحباه . وجعل السروجي مأخذهما أن حذف حرف الجر وإثباته سواء ; لأنه ظرف في الحالين فصار كما لو قال : صمت يوم الجمعة , وفي يوم الجمعة , فإن الحكم فيهما سواء , ولأبي حنيفة أن الحذف للحرف قد يحدث معنى لا يكون مع إثباته ; لأن " في " قد تفيد التبعيض في الظرف الداخل عليه إلا أن يمنع مانع , ولهذا قالوا في قولهم : سرت فرسخا وسرت في فرسخ : إن الظاهر في الأول الاستغراق في السير وفي الآخر عدمه , وقوله : إلا أن يمنع مانع حتى يخرج صمت في يوم الجمعة , فإن صوم بعض [ ص: 253 ] اليوم لا يمكن , وردوا صمت شهر رمضان أو شهر رمضان إلى الأصل الأول أن صوم الشهر يقبل التبعيض
                التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:24 AM.

                تعليق

                • طارق شفيق حقي
                  المدير العام
                  • Dec 2003
                  • 11929

                  #23
                  رد : معاني الأدوات

                  الباء وهي للإلصاق الحقيقي والمجازي أي إلصاق الفعل بالمفعول , وهو تعليق الشيء بالشيء واتصاله به , وقال عبد القاهر : قولهم : الباء للإلصاق إن حمل على ظاهره أدى إلى الاستحالة لأنها تجيء بمعنى الإلصاق نفسه كقولنا : ألصقت به , وحينئذ فلا بد من تأويل كلامهم , والوجه فيه أن يكون غرضهم أن يقولوا للمتعلم : انظر إلى قولك : ألصقته بكذا , وتأمل الملابسة التي بين الملصق والملصق به تعلم أن الباء أينما كانت الملابسة التي تحصل بها شبيهة بهذه الملابسة التي تراها في قولك : ألصقته به . انتهى .

                  وتجيء للاستعانة , نحو ضربت بالسيف , وكتبت بالقلم . وبمعنى المصاحبة , كاشتريت الفرس بسرجه , وجاء زيد بسلاحه . وبمعنى الظرف , نحو جلست بالسوق . وتكون لتعدية الفعل , نحو مررت بزيد . قال
                  القرطبي ويمكن أن يقال : إن هذه المواضع كلها راجعة إلى الملابسة فيشترك في معنى كلي , وهو أولى دفعا للاشتراك . قال : وأظن أن ابن جني أشار إلى هذا , وقيل : إنها حيث دخلت على الآلة فهي للإلصاق . واختلفوا في كيفية الإلصاق فقيل : تفيد التعميم فيه فعلى هذا لا إجمال [ ص: 159 ] في قوله تعالى : { وامسحوا برءوسكم } بل تفيد تعميم مسح جميع الرأس وقيل : إنما تفيد إلصاق الفعل ببعض المفعول , وعلى هذا فهي مجملة ; لأنه لا يعلم أن مسح أي بعض من الرأس واجب . وقيل : تقتضي الإلصاق بالفعل مطلقا ولا تقتضي بظاهره تعميما ولا تبعيضا , وصححه صاحب " المصادر " , ثم قال : والأولى أن يقال : إن دخلت على فعل متعد بنفسه أفادت التبعيض ; لأن الإلصاق الذي هو التعدي مفهوم من دونها فيجب أن يكون لدخولها فائدة وإن لم يكن متعديا بنفسه فإن فائدته الإلصاق والتعدية . اختيار صاحب " المحصول " و " المنهاج " وغيرهما أعني أنها إذا دخلت على فعل متعد بنفسه اقتضت التبعيض , ونسب ذلك بعضهم إلى الشافعي أخذا من آية الوضوء , وهو وهم عليه فإن مدركا آخر كما سبق في الواو . واحتج الإمام بأنا نفرق بالضرورة بين قولنا : مسحت يدي بالمنديل وبالحائط , وبين قولنا : مسحت المنديل والحائط في أن الأول للتبعيض والثاني للشمول . وأجيب : بأن ذلك أمر آخر يرجع إلى الإفراد والتركيب , وهو أن مسحت يدي بالمنديل سيق لإفادة ممسوح وممسوح به , والباء إنما جيء بها لتفيد إلصاق الممسوح به التي هي الآلة بمسح المحل الذي هو اليد . وقوله : مسحت المنديل والحائط إنما سيق إلصاق المسح بالممسوح , وإذا كان كذلك فكيف يحكم بعود الفرق إلى التبعيض مع أنه لا تبعيض في الكلام ؟

                  [ ص: 160 ] وقيل : إن دخلت الباء على آلة المسح نحو مسحت بالحائط وبالمنديل فهي للكل , وإن دخلت على المحل نحو { وامسحوا برءوسكم } لا يتناول الكل . ووجهه أن الآلة غير مقصودة بل هي واسطة بين الفاعل والمنفعل في وصول أثره إليه , والمحل هو المقصود في الفعل المتعدي فلا يجب استيعاب الآلة بل يكفي فيها ما يحصل به المقصود . وأنكر ابن جني وصاحب " البسيط " مجيئها للتبعيض , وقالا : لم يذكره أحد من النحاة . قلت : أثبته جماعة منهم ابن مالك , وقال : ذكره الفارسي في " التذكرة " ونقل عن الكوفيين وتبعهم فيه الأصمعي والعتبي . انتهى , وكذا ابن مخلد في " شرح الجمل " ومثله بقوله : مسحت بالحائط , وتيممت بالتراب , واستحسنه العبدري في " شرح الإيضاح " قال : ووجهه عندي أن الباء الدالة على الآلة لا يلزم فيها أن يلابس الفعل جميعها , ولا يكون العمل بها كلها بل ببعضها . والحق : أن التبعيض الأول بالقرينة لا بالوضع , وليست الحجة بل هي ليست نصا في الاستيعاب , فهي مجملة فيكتفى فيه بما يقع عليه الاسم , ولو شعرة . وقال أبو البقاء : التبعيض لا يستفاد من الباء بل من طريق الاتفاق , وهو يحصل الغرض من الفعل بتبعيض الآلة بل ظاهر الحقيقة يغطي الجميع .

                  ألا تراك : إذا قلت مسحت رأس اليتيم , فحقيقته إن تم المسح بجميعه , وإذا [ ص: 161 ] أمر ببعضه صح أن يقال : ببعض رأسه فلو كانت للتبعيض لا يستوي ذكر الكل والبعض وهو خلاف الحقيقة ؟ وقال الماوردي فيما نقله عنه ابن السمعاني : الباء موضوعة لإلصاق الفعل بالمفعول كقولك : مسحت يدي بالمنديل , وكتبت بالقلم , وقد يستعمل في التبعيض إذا أمكن حذفها , كقوله تعالى { وامسحوا برءوسكم } أي بعض رءوسكم قال : وهو حقيقة في قول بعض أصحاب الشافعي مجاز في قول الأكثرين . انتهى .

                  وقال الغزالي في المنخول : ظن ظانون أنه للتبعيض مصدر يستقل بدونها كقوله تعالى : { وامسحوا برءوسكم } وتمسكوا بقولهم : أخذت زمام الناقة إذا أخذها من الأرض , وأخذت بزمامها إذا أخذت طرفه . وليست الباء للتبعيض أصلا , وهذا خطأ في أخذ الزمام , ولكن من المصادر ما يقبل الصلات كقولهم : شكرت له ونصحت له , وأما التبعيض في مسألة المسح مأخوذ من صفة المصدر فمصدر المسح لا يصير إلى الاستيعاب كمصدر الضرب بخلاف الغسل . انتهى . قيل : ومما يقطع النزاع في كونها ليست للتبعيض أنها لو كانت كذلك لامتناع دخولها على بعض للتكرار والتأكيد فيما دخلته بكل للتناقض , فكان يمتنع أن يقال : مسحت ببعض رأسي ; لأنه بمنزلة بعض بعض رأسي , ولا أن تقول : مسحت برأسي كله ; لأن الباء للتبعيض , وكل لتأكيد الجمع , وجمعهما على شيء واحد تناقض .

                  [ ص: 162 ] تنبيه جعلوها للتبعيض في آية الوضوء , ولم يجعلوها للتبعيض في آية التيمم في قوله تعالى { فامسحوا بوجوهكم } وفرقوا بأن مسح الوجه في التيمم بدل , وللبدل حكم المبدل , فقيل لهم : إن أردتم أن حكمه حكم الأصل في الإجزاء فتحكم ولا يفيدكم في الفرق , وإن أردتم أن صورة البدل لصورة أصله فغير صحيح , فإن التيمم بدل عن الوضوء وهو في عضوين والوضوء في أربعة , وبأن مسح الخف بدل عن غسل الرجلين , ولا يجب في ذلك الاستيعاب . أجابوا عن ذلك بأن ذلك يفسد الخف ولأن مبناه على التخفيف حتى جاز مع القدرة على غسل الرجل بخلاف التيمم . نكتتان في الباء يغلط المصنفون فيها : الأولى أنهم يدخلونها مع فعل الإبدال على المتروك فيقولون : لو أبدلت ضادا بطاء . والصواب : العكس فإذا قلت أبدلت دينارا بدرهم فمعناه اعتضت دينارا عوض درهم , فالدينار هو الحاصل لك المعوض والدرهم هو الخارج عنك المعوض به , وهذا عكس ما فهمه الناس , وعلى ما ذكرنا جاء كلام العرب . قال الشاعر :


                  تضحك مني أخت ذي النحيين أبدله الله بلون لونين سواد وجه وبياض عينين





                  [ ص: 163 ] ألا ترى كيف أدخل الباء على المعوض منه وهو قوله : بلون , ونصب لونين وهو المعوض ؟ وقال : تعالى : { ومن يتبدل الكفر بالإيمان } و { بدلناهم بجنتيهم جنتين } { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم } أي : يستبدل بكم قوما غيركم , وقال تعالى : { عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها } فحذف بها أي : بالجنة التي طيف بها . وقال : { فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا } أي : يبدلهما به . وقد حذف حرف الجر لدلالة فعل الإبدال على العوض والمعوض كقوله تعالى : { يبدل الله سيئاتهم حسنات } أي بسيئاتهم . وهذا ذكره الشيخ أثير الدين في جموع التكسير من شرح التسهيل " . وكتب الشيخ تاج الدين التبريزي على الحاشية قال تعالى : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } ولا شك أن الجنة عوض لا معوض . وعلى هذا يتخرج كلام المصنفين حيث أدخلوا الباء على المأخوذ , وإن لم يكن في الآية فعل الإبدال لكن الأكثر هو الأول والثاني فصحيح عربي . قلت : الدعوة مع فعل الإبدال , وفي جريان ذلك في كل ما دل على معاوضة نظر , فإنه لم يطرد فيه , فقد جاء { اشتروا الضلالة بالهدى } فقد دخلت على المتروك وجاء عكسه وهو قوله تعالى { فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة } وحينئذ فلا يحسن رد التبريزي بالآية .

                  [ ص: 164 ] ويمكن أن يقال في هذه الآية : إن الضمير في " يقاتل " عائد على المسلمين والذين يشترون مفعول , وفيه نظر . وكان المعنى في دخول الباء على كل منهما مع الشراء أن " اشتريت " و " بعت " كل منهما مستعمل بمعنى الآخر لكن الأكثر في " بعت " الإخراج عن الملك , وفي " اشتريت " الإدخال . الثانية إدخالهم الباء مع فعل الاختصاص على المختص , والصواب : إدخالها على المختص به ; لأن التخصيص إفراد بعض الشيء عما لا يشاركه فيه بالجملة فإذا قلت : اختص زيد بالمال . فمعناه أن زيدا منفرد عن غيره بالمال فهو المختص بمعنى اسم الفاعل , والمال مختص به . والمختص أبدا هو المنفرد المحتوي أبدا على الشيء فهو كالظرف له , والمختص به أبدا هو المأخوذ كالمظروف . فلو قلت : اختص المال بزيد تريد ما أردته بالمثال السابق لم يصح ; لأنك في المثال الأول حصرت المال في زيد , وفي الثاني حصرت زيدا في المال , فلا يكون له صفة غير الاحتواء على المال , وهو غير المراد فإن زيدا قد يكون له صفات من دين وعلم وغيرهما . وبهذا يظهر حسن عبارة التسهيل : " وخص الجر بالاسم " على عبارة الخلاصة : " والاسم قد خصص بالجر
                  التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:24 AM.

                  تعليق

                  • طارق شفيق حقي
                    المدير العام
                    • Dec 2003
                    • 11929

                    #24
                    رد : معاني الأدوات

                    [ إن ] تجيء للشرط نحو { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } والغالب استعمالها فيما يمكن وقوعه نحو إن قام زيد .

                    [ ص: 173 ] ونقل في " المحقق " نحو إن مات زيد زرتك , ومنه قوله تعالى : { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } . وقوله :
                    كم شامت بي إن هلكت وقائل لله دره
                    إلا أنها إذا استعملت فيما لا بد من وقوعه فلا تستعمل إلا فيما كان زمن وقوعه مبهما , ولهذا دخلت في قوله تعالى : { ولئن متم } فإن علم زمن وقوعه فلا تستعمل فيه , فلا يصح أن تقول : إن احمر البسر فأتني فإن احمراره لا بد منه ووقته معلوم بالتقريب . والمتلخص من كلامهم أن " إن " و " إذا " يشتركان في عدم الدخول على المستحيل إلا لنكتة , نحو { قل إن كان للرحمن ولد } وتنفرد " إن " بالمشكوك فيه والموهوم , وتنفرد " إذا " بالمجزوم به , وهل تدخل على المظنون ؟ خلاف . وتجيء للنفي إن تلاها " إلا " نحو { إن الكافرون إلا في غرور } أو " لما " نحو { إن كل نفس لما عليها حافظ } أو غيرهما , نحو { إن عندكم من سلطان بهذا } وفيه رد على من ادعى ملازمته ل " إلا " و " لما " .



                    مسألة: الْجُزْء الثَّالِث[ إنْ ] تَجِيءُ لِلشَّرْطِ نَحْوُ { إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ نَحْوُ إنْ قَامَ زَيْدٌ .

                    [ ص: 173 ] وَنَقَلَ فِي " الْمُحَقَّقِ " نَحْوَ إنْ مَاتَ زَيْدٌ زُرْتُك , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } . وَقَوْلُهُ :
                    كَمْ شَامِتٍ بِي إنْ هَلَكْت وَقَائِلٍ لِلَّهِ دَرُّهُ
                    إلَّا أَنَّهَا إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ فَلَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا كَانَ زَمَنَ وُقُوعِهِ مُبْهَمًا , وَلِهَذَا دَخَلَتْ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ مُتُّمْ } فَإِنْ عُلِمَ زَمَنُ وُقُوعِهِ فَلَا تُسْتَعْمَلُ فِيهِ , فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ : إنْ احْمَرَّ الْبُسْرُ فَأْتِنِي فَإِنَّ احْمِرَارَهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَوَقْتُهُ مَعْلُومٌ بِالتَّقْرِيبِ . وَالْمُتَلَخِّصُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ " إنْ " وَ " إذَا " يَشْتَرِكَانِ فِي عَدَمِ الدُّخُولِ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ إلَّا لِنُكْتَةٍ , نَحْوُ { قُلْ إنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ } وَتَنْفَرِدُ " إنْ " بِالْمَشْكُوكِ فِيهِ وَالْمَوْهُومِ , وَتَنْفَرِدُ " إذَا " بِالْمَجْزُومِ بِهِ , وَهَلْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَظْنُونِ ؟ خِلَافٌ . وَتَجِيءُ لِلنَّفْيِ إنْ تَلَاهَا " إلَّا " نَحْوُ { إنْ الْكَافِرُونَ إلَّا فِي غُرُورٍ } أَوْ " لَمَّا " نَحْوُ { إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } أَوْ غَيْرُهُمَا , نَحْوُ { إنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا } وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ ادَّعَى مُلَازَمَتَهُ لِ " إلَّا " وَ " لَمَّا " .


                    مسألة: الجزء الثالث[ إن ] تجيء للشرط نحو { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } والغالب استعمالها فيما يمكن وقوعه نحو إن قام زيد .

                    [ ص: 173 ] ونقل في " المحقق " نحو إن مات زيد زرتك , ومنه قوله تعالى : { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } . وقوله :
                    كم شامت بي إن هلكت وقائل لله دره
                    إلا أنها إذا استعملت فيما لا بد من وقوعه فلا تستعمل إلا فيما كان زمن وقوعه مبهما , ولهذا دخلت في قوله تعالى : { ولئن متم } فإن علم زمن وقوعه فلا تستعمل فيه , فلا يصح أن تقول : إن احمر البسر فأتني فإن احمراره لا بد منه ووقته معلوم بالتقريب . والمتلخص من كلامهم أن " إن " و " إذا " يشتركان في عدم الدخول على المستحيل إلا لنكتة , نحو { قل إن كان للرحمن ولد } وتنفرد " إن " بالمشكوك فيه والموهوم , وتنفرد " إذا " بالمجزوم به , وهل تدخل على المظنون ؟ خلاف . وتجيء للنفي إن تلاها " إلا " نحو { إن الكافرون إلا في غرور } أو " لما " نحو { إن كل نفس لما عليها حافظ } أو غيرهما , نحو { إن عندكم من سلطان بهذا } وفيه رد على من ادعى ملازمته ل " إلا " و " لما " .

                    تعليق

                    • طارق شفيق حقي
                      المدير العام
                      • Dec 2003
                      • 11929

                      #25
                      رد : معاني الأدوات

                      لو ] لو حرف امتناع لامتناع. هذه عبارة الأكثرين . واختلفوا في المراد بها على قولين : أحدهما : ولم يذكر الجمهور غيره أنه امتنع الثاني لامتناع الأول , نحو لو جئتني لأكرمتك انتفى الإكرام لانتفاء المجيء فلا يكون فيها تعرض للوقوع إلا بالمفهوم . [ ص: 183 ]

                      والثاني : عكسه . أي : أنه امتنع الأول لامتناع الثاني , وهو ما صار إليه
                      ابن الحاجب وصاحبه ابن الزملكاني في " البرهان " ; لأن الأول سبب للثاني , وانتفاء السبب لا يدل على انتفاء المسبب ; لجواز أن يخلفه سبب آخر يتوقف عليه المسبب إلا إذا لم يكن للمسبب سبب سواه , ويلزم من انتفاء المسبب انتفاء جملة الأسباب لاستحالة ثبوت حكم بدون سبب , فصح أن يقال : امتنع الأول لامتناع الثاني ألا ترى إلى قوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } كيف سيق للدلالة على انتفاء التعدد لانتقاء الفساد لا ; لأن امتناع الفساد لامتناع التعدد ؟ لأنه خالف المفهوم . ولأن نفي الآلهة غير الله لا يلزم منه فساد العالم .

                      قيل : وقد خرق إجماع النحويين وبناه على رأيه أن الشروط اللغوية أسباب , والسبب يقتضي المسبب لذاته , فيلزم من عدم السبب عدم المسبب , وهو ضعيف ; لأنه على تقدير تسليم ذلك , فقد يتخلف لفوات شرط أو وجود مانع , وعدم مانع , وعدم سبب آخر شرط في انتفاء المسبب لانتفاء سببه , لكن السبب الآخر موجود . ثم كيف يصنع بقوله تعالى : { ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم } ؟ فإن المراد نفي السماع وعدم الخير فيه لا العكس , والتحقيق : أنها تستعمل في كلا المعنيين لكن باعتبارين : باعتبار الوجود والتعليل , وباعتبار العلم والاستدلال . فتقول : لما كان المجيء علة للإكرام بحسب الوجود فانتفاء الإكرام لانتفاء المجيء انتفاء المعلول لانتفاء العلة , وأيضا لما لم يعلم انتفاء الإكرام فقد يستدل منه على انتفاء المجيء استدلالا بانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم , وكذا في الآية الشريفة تقول في مقام التعليل : انتفاء الفساد لانتفاء علته . [ ص: 184 ] أي : التعدد في مقام الاستدلال يعلم من انتفاء التعدد انتفاء الفساد , فمن قال بالأول نظر إلى اعتبار الأول , ومن قال بالثاني نظر إلى الاعتبار الثاني .

                      وعلى عبارة الأكثرين فالجملتان بعدها لهما أربعة أحوال : إما أن تكونا موجبتين نحو لو زرتني لأكرمتك فيقتضي امتناعهما , وإما أن تكونا منفيتين نحو لو لم تزرني لم أكرمك فيقتضي وجودها , وإنما كان كذلك ; لأن " لو " لما كان معناها الامتناع لامتناع , وقد دخل الامتناع على النفي فيهما فامتنع النفي , وإذا امتنع النفي صار إثباتا , وإما أن تكون إحداهما موجبة والأخرى منفية وتحته صورتان يعلم حكمهما من التي قبلهما . وقد أورد على ذلك مواضع ظن أن جوابها غير ممتنع , كقوله تعالى : { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون } , { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام } وقول عمر : " نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه " وغير ذلك . أما لو جرينا على ظاهر العبارة للزم منه عكس المراد .

                      ثم تفرق المعترضون الذين رأوا لزوم هذا السؤال , فمنهم من صار إلى أنها لا تفيد الامتناع بوجه بل لمجرد الربط والتعلق في الماضي كما دلت على أن المتعلق في المستقبل , وهو قول الشلوبين وابن هشام الخضراوي وابن عصفور وغيرهم , وتابعهم الإمام فخر الدين محتجا بقوله تعالى : { ولو علم [ ص: 185 ] الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا } . قال : فلو أفادت انتفاء الشيء لانتفاء غيره لزم التناقض ; لأن الأولى تقتضي أنه ما علم فيهم خيرا وما أسمعهم , والثانية أنه تعالى ما أسمعهم ولا تولوا لكن عدم التولي خير , فيلزم أن يكون قد علم فيهم خيرا وما علم فيهم خيرا . قال : فعلمنا أن كلمة " لو " لا تفيد إلا الربط ومنهم من توسط بين المقالين , وقال : إنها تفيد امتناع الشرط خاصة ولا دلالة لها على امتناع الجواب ولا على ثبوته إلا أن الأكثر عدمه , وهي طريقة ابن مالك .

                      وسلك القرافي طريقا عجيبا فقال : " لو " كما تأتي للربط تأتي لقطع الربط فتكون جوابا لسؤال محقق أو متوهم وقع فيه قطع الربط فتقطعه أنت لاعتقادك بطلان ذلك , كما لو قال القائل : لو لم يكن هذا زوجا لم يرث , فتقول أنت : لو لم يكن زوجا لم يحرم الإرث أي لكونه ابن عم , وادعى أن هذا يتخلص به عن الإشكال , وأنه خير من ادعاء أن " لو " بمعنى " أن " لسلامته من ادعاء النقل ومن حذف الجواب . وليس كما قال : فإن كون " لو " مستعملا لقطع الربط لا دليل عليه ولم يصر إليه أحد مع مخالفته الأصل . بخلاف ادعاء أنها بمعنى " أن " أو " أن " والجواب محذوف , فقد صار إليه جماعة . والظاهر : عبارة الأكثرين لموافقتها غالب الاستعمالات . وأما المواضع التي نقضوا بها عليهم فيمكن الجواب عنها ورجوعها إلى قاعدتهم . أما الآية الأولى : [ ص: 186 ] فالمعنى ما كانوا ليؤمنوا بهذه الأمور , وامتناع أنهم لا يؤمنون بهذه الأمور صادق بعدم وجدان هذه الأمور , والأمر كذلك إذ المراد لامتنع إيجابهم لهذا التقدير .

                      وأما الثانية : فقولهم يلزم نفاد الكلمات عند انتفاء كون ما في الأرض من شجرة أقلاما , وهو الواقع فيلزم النفاد , وهو مستحيل . وجوابه : أن النفاد إنما يلزم انتفاؤه لو كان المتقدم مما لا يمكن في العقل أنه مقتض للانتفاء . أما إذا كان مما يتصوره العقل مقتضيا فإنه لا يلزم عند انتفائه أولى وأحرى , فمعنى " لو " في الآية أنه لو وجد المقتضى لما وجد الحكم لكن لم يوجد فكيف يوجد ؟ وليس المعنى : لكن لم يوجد فوجد لامتناع وجود الحكم بلا مقتض .

                      والحاصل : أنه لو كان الأمر كذلك لاستقر في العباد ولم يحصل النفاد لكنه لم يمتنع ذلك ; لأنهم ما اعتمدوا البحار لعدم وجودها . وأما الأثر فلما سبق في الذي قبله أن مفهوم الموافقة عارض مفهوم المخالفة , وبأن المنفي وهو معصيته لا ينشأ عن خوف ; لأن عدم العصيان له سببان الخوف والإجلال ؟ وقد اجتمعا في صهيب فلو قدر فيه عدم الخوف لم يعصه , فكيف وعنده مانع آخر وهو الإجلال فالقصد نفي المعصية بكل حال , كما يقال : لو كان فلان جاهلا لم يقل هذا , فكيف وهو عالم ؟ أو يقال : لو لم يخف الله لم يعصه , فكيف يعصي الله وهو يخافه ؟ وإذا لم يعصه مع عدم الخوف فأولى أن لا يعصيه مع وجوده . ويحكى أن الشلوبين سئل عن معناه فأنشد قول الشاعر :


                      فلو أصبحت ليلى تدب على العصا لكان هوى ليلى جديدا أوائله



                      [ ص: 187 ] يريد أن حبها مطبوع في جبلته فلا يتغير كتغير المحبين , فكذلك جبلة صهيب مطبوعة على الخير فلو لم يخف لم يعص لجبلته الفاضلة . ولا يخفى عليك بعد هذا استعمال مثل هذه الأجوبة في بقية المواضع المعترض بها .

                      والضابط : أن تقول : يؤتى بها لثبوت الحكم على تقدير لا يناسب الحكم لتفيد ثبوت الحكم على خلافه الذي يناسبه , ويكون ذلك من طريق الأولى فيلزم ثبوت الحكم مطلقا . ثم يرد على القائل بالربط وأنها لا تدل على امتناع ألبتة غالب , الاستعمالات كقوله تعالى : { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني } فإن المعنى والله أعلم ولكن حق القول مني فلم أشأ أو لم أشأ حق القول وقوله تعالى : { ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم } أي : فلم يركهم لذلك { ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض } { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض } { ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا } { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم } { ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء } { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا } { ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد } { لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم } { لو كان عرضا قريبا } وغيرها من الآيات , ومن الحديث : { لو كنت متخذا خليلا [ ص: 188 ] لاتخذت أبا بكر خليلا } { ولو يعطى الناس بدعواهم } إلى غير ذلك .
                      التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:25 AM.

                      تعليق

                      • طارق شفيق حقي
                        المدير العام
                        • Dec 2003
                        • 11929

                        #26
                        رد : معاني الأدوات

                        من : لابتداء الغاية , وهي مناظرة ل " إلى " في الانتهاء , والغاية إما مكانا نحو { من أول يوم } وعلامتها : أن تصلح أن تقارنها " إلى " لفظا نحو من المسجد الحرام , أو معنى نحو فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم , وزيد أفضل من عمرو , واتفق النحاة على كونها لابتداء غاية المكان , واختلفوا في الزمان . فقال : سيبويه : إنها لا تكون له , فقال : وأما " من " فتكون لابتداء الغاية في الأماكن وأما " منذ " فتكون للابتداء في الأزمان والأحيان , ولا تدخل واحدة منهما على صاحبتها , واختاره جمهور البصريين .

                        وكلام سيبويه في موضع آخر يقتضي أنها تكون لابتداء الغاية في الزمان , فإنه قال في باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرف : ومن ذلك قول بعض العرب :


                        من لد شولا فإلى إتلائها

                        نصب ; لأنه أراد زمانا , والشول لا يكون زمانا ولا مكانا , فيجوز فيها الجر نحو من لدن صلاة العصر إلى وقت كذا , فلما أراد الزمان حمل الشول على ما يحسن أن يكون زمانا إذا عمل في الشول , كأنك قلت : [ ص: 190 ] من لدن كانت شولا . هذا نصه . وهو يقتضي أن تكون لابتداء غاية الزمان . وبه قال الكوفيون والأخفش والمبرد وابن درستويه وابن مالك وجعلوا منه قوله تعالى : { لله الأمر من قبل ومن بعد } وآيات كثيرة . ولما كثرت ارتاب الفارسي , وقال : ينبغي أن ينظر فيما جاء من هذا فإن كثر قيس عليه , وإلا تؤول . قال ابن عصفور : والصحيح أنه لم يكثر كثرة توجب القياس بل لم يجز إلا هذا فلذلك تؤول جميعه على حذف مضاف " أي " من تأسيس أول يوم انتهى .

                        وهو مردود بقوله تعالى : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } وفي الحديث : { من العصر إلى غروب الشمس } وفي حديث عائشة في قصة الإفك ( ولم يجلس عندي من يوم قيل لي ما قيل ) , وهو كثير , ومع الكثرة فلا حاجة إلى الإضمار ; لأنه خلاف الأصل . ومن جهة المعنى فالقياس على " إلى " فإنها لانتهاء الغاية زمانا ومكانا , و " من " مقابلتها فتكون لابتداء الغاية . وذكر الشيخ عز الدين أنها حقيقة في ابتداء غاية الأمكنة ويتجوز بها عن ابتداء غاية الأزمنة وهو حسن يجمع به بين القولين . وذكر السكاكي في " المفتاح " في الكلام على الاستعارة التبعية أن قولهم في " من " : لابتداء الغاية المراد به أن متعلق معناها ابتداء الغاية لا أن معناها [ ص: 191 ] ابتداء الغاية ; إذ لو كانت كذلك للزم أن تكون اسما ; لأنه لا يدل على الاسم إلا اسم , وهو عجيب . [ تبيين الجنس ] وتكون لتبيين الجنس , وضابطها : أن يتقدمها عام , ويتأخر عنها خاص , كقولك : ثوب من صوف , وخاتم من حديد , وعليه حمل قول صاحب " الكتاب " هذا باب علم ما الكلم من العربية ; لأن الكلم كما تكون عربية تكون غير عربية , ومنهم من رد هذا القسم إلى التبعيض . [ التبعيض ] وتجيء للتبعيض نحو { منهم من كلم الله } { منهم من قصصنا عليك } { حتى تنفقوا مما تحبون } . وضابطها : أن يصلح فيه بعض مضافا إلى البعض , ومثله شربت من الماء .

                        وحكى ابن الدهان عن بعضهم اشتراط كون البعض أكثر من النصف محتجا بقوله تعالى : { منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون } والصحيح : أنه لا يلزم , لقوله تعالى : { منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك } فإن كان أحد [ ص: 192 ] القسمين أكثر من الآخر بطل الشرط , وإن تساويا فكذلك , ومنه زيد أفضل من عمرو ; لأنك تريد تفضيله على بعض ولا يعم , ولو كانت هنا للابتداء لاقتضى ذلك انتهاء ما بينهما . وقال : المبرد : لابتداء الغاية أي غاية التفضيل ; لأن عمرا هو الموضع الذي ابتدئ منه فضل زيد في الزيادة , وكذا قال في التبعيض , وتبعه الجرجاني . وقال اختلفوا في أنها حقيقة في ماذا من هذه الاستعمالات ؟ على أقوال : أحدها : أن أصلها ابتداء الغاية , والباقي راجع إليها , وحكاه أبو البقاء في " شرح الإيضاح " عن المبرد . ومعناه في التبعيض أن ابتداء أخذك كان من المال , وقطع به عبد القاهر الجرجاني , وقال : لا تنفك " من " عن ابتداء الغاية , وإنما يعرف التبعيض وبيان الجنس بقرينة , وهذا أولى من الاشتراك اللفظي ومن المجاز . وإليه يشير كلام صاحب " المفصل " أيضا , وحكاه ابن العربي في " المحصول " عن " شرح سيبويه " لابن السراج .

                        ثم قال : وهو صحيح فإن كل تبعيض ابتداء غاية , وليس كل ابتداء غاية تبعيضا , وجرى عليه إلكيا الهراسي , وأنكر مجيئها للتبعيض . قال : وإنما وضعت للابتداء عكس " إلى " , ورد بعضهم التبيين إلى ذلك , فقال في قوله تعالى : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } : إن المراد ابتداء اجتنابهم الرجس من الأوثان . وأجاب الجمهور بأن معنى الابتداء مغمور في بعض المواضع , وغير مقصود , وفي بعضها لا يجيء إلا بتمحل .

                        [ ص: 193 ] والثاني : أنها حقيقة في التبيين ورد الباقي إليه فإنه قدر مشترك بين الجميع , فإن قولك : سرت من الدار إلى السوق بينت مبدأ السير وكذا الباقي , وقال في " المحصول " : إنه الحق . الثالث : أن أصل وضعها للتبعيض دفعا للاشتراك , وهو ضعيف لإطباق أئمة اللغة على أنها لابتداء الغاية . والرابع : ونقله ابن السمعاني عن الفقهاء أنها للتبعيض والغاية جميعا , وكل واحد في موضعه حقيقة , وأما قوله تعالى : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } فقالت الحنفية : " من " لابتداء الغاية حتى لا يجب أن يعلق التراب باليد , بل الواجب ابتداء الغاية من الأرض , ولا يجب عليه نقل بعض أجزاء الأرض حتى لو مسح بيده على الصخرة الصماء والحجر الصلد يكفيه ذلك ; لأنه قد ابتدأ بالأرض , ولو مسح على حيوان أو الثياب لا يكفيه .

                        وعندنا أنه للتبعيض حتى يجب أن يعلق التراب باليدين , وحمله على ابتداء الغاية لا يصح ; لأن من شأنه أنه لا يتعلق به الفعل كقولك : هذا المكان من فلان إلى فلان , وهاهنا الفعل متعلق به . قال تعالى : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } . ومن جعل ابتداء الغاية , والمسح من الآية متعلق بالصعيد فلا يصح حمل قوله : { منه } على أنه لابتداء الغاية , وممن حكى الخلاف في هذه الآية هكذا صاحب " المصادر " وابن برهان في " الأوسط " وإلكيا الهراسي ومنهم من أضاف إليها معنى آخر , وهو انتهاء الغاية ومثل بقولهم : رأيت من داري الهلال من ذلك السحاب . قال : ابن دقيق العيد : وليس بقوي انتهى . وقال سيبويه : تقول : رأيته من ذلك الموضع فجعلت غايته لرؤيتك . أي : محلا للابتداء والانتهاء
                        التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:25 AM.

                        تعليق

                        • طارق شفيق حقي
                          المدير العام
                          • Dec 2003
                          • 11929

                          #27
                          رد : معاني الأدوات

                          في : للوعاء إما حقيقة وهي اشتمال الظرف على ما يحويه , كقولك : [ ص: 198 ] المال في الكيس , وإما مجازا كقولك : فلان ينظر في العلم , والدار في يده , فأما قوله تعالى : { ولأصلبنكم في جذوع النخل } فقال : المبرد : بمعنى " على " , وقال الحذاق : على حقيقتها ; لأن الجذع يصير مستقرا لهذا الفعل . وقال الأصفهاني : الذي يظهر من كلام الأدباء أنها حقيقة في الظرفية المحققة مجاز في غيرها سوى الزمخشري , فإنه قال في قوله تعالى : { ولأصلبنكم في جذوع النخل } ما يدل على أنها على بابها قال : والمختار أنه كان بين المحقق والمقدر قدر مشترك فهي للمشترك دفعا للاشتراك , وإلا فهي حقيقة في المحقق مجاز في المقدر ; لأن الأصل وضع اللفظ بإزاء المحقق .

                          قال : الأستاذ أبو منصور : ولا يجب أن يكون الظرف في حكم المقرور به ولذلك قلنا فيمن قال : لزيد علي أو عندي ثوب في منديل : إن إقراره يتناول الثوب دون المنديل وزعم العراقي أنه إقرار بهما . وأجمع الفريقان على أنه لو أقر بعبد لي في دار , أو فرس في إصطبل , أو سرج على دابة لا يكون إقرارا بالظرف , وأنكر قوم مجيئها للسببية , وأثبته آخرون منهم ابن مالك لقوله تعالى : [ ص: 199 ] { لمسكم فيما أخذتم } وقوله صلى الله عليه وسلم { في النفس المؤمنة مائة من الإبل } أي : قتل النفس سبب لوجوب هذا المقدار , وقيل برجوعها إلى الظرف مجازا . ومنهم من تأولها بالمعنى الحقيقي والأمر فيه قريب ; لأنه إن أراد معنى الاستعمال حقيقة ومجازا فممنوع , وإن أراد استعمالها مجازا وعني المجاز في ظرفية المعنى مثلا فهو مجاز رجحه على مجاز آخر , وهو مجاز السببية , فإن وجد له مرجح عمل به .

                          وقال الشيخ عز الدين : لما كان المسبب متعلقا بالسبب جعل السبب ظرفا لمتعلق المسبب لا لنفس المسبب , فلذلك يفيد الظرف معنى السببية . وقال : من لا يفهم القاعدة يجهل كون " في " دالا على السببية
                          التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:26 AM.

                          تعليق

                          • طارق شفيق حقي
                            المدير العام
                            • Dec 2003
                            • 11929

                            #28
                            رد : معاني الأدوات

                            لن : تنصب المضارع وتخلصه للاستقبال نحو لن يقوم زيد , وهي تفيد تأكيد مطلق النفي , وزعم الزمخشري في " الكشاف " أنها تفيد تأكيد النفي , ووافقه ابن الخباز , وفي " الأنموذج " تأبيده , ووافقه أبو جعفر الطرسي . وقال ابن مالك : حمله عليه اعتقاده أن الله لا يرى , وهو باطل . ويظن كثير تفرد الزمخشري بهذه المقالة , لكن جزم به ابن الخشاب في كتابه " العوني " بأنه لم يجعل التأبيد عبارة عن الذي لا ينقطع بل عن الزمن الطويل , واقتضى كلام ابن عطية موافقة الزمخشري أيضا وأن ذلك موضوع اللغة ولو على هذا المنفي بمجرده لتضمن أن موسى لا يراه أبدا ولا في الآخرة لكن قام الدليل من خارج على ثبوت الرؤية في الآخرة . وقد رد على الزمخشري ومن وافقه بأنها لو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في قوله تعالى : { فلن أكلم اليوم إنسيا } ولكن ذكر التأبيد في قوله تعالى : { ولن يتمنوه أبدا } تكرار والأصل عدمه
                            التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:26 AM.

                            تعليق

                            • طارق شفيق حقي
                              المدير العام
                              • Dec 2003
                              • 11929

                              #29
                              رد : معاني الأدوات

                              مع : للمقارنة والضم , فلو قال لغير المدخول بها : أنت طالق طلقة مع طلقة أو معها طلقة تقع ثنتان كما لو قال : أنت طالق طلقتين . ولو قال : له علي درهم مع درهم أو معه درهم , فمنصوص الشافعي : درهم لاحتمال أن يكون المراد مع درهم لي أو معه درهم لي , وقال الداركي : مع الهاء درهمان ومع حذفها درهم . وقال ابن السمعاني في القواطع " : هي للجمع بين شيئين فقوله : رأيت زيدا مع عمرو اقتضى ذلك اجتماعهما في رؤيته . وقال ابن برهان في الأوسط " : هي للاشتراك مع الاقتران في الزمان . تقول : جاء زيد وعمرو معا . أي : في زمان واحد . انتهى .

                              وما ذكراه من دلالتهما على الاتحاد في الوقت نقلوه عن ثعلب أيضا لكن نص الشافعي في الأم " على أنها لا تقتضي الاتحاد في الزمان وهو ظاهر كلام ابن مالك , فإنه قال : إنها إذا قطعت عن الإضافة نونت وتساويا جميعا في المعنى . وقال الشيخ تقي الدين في شرح الإلمام " قيل : معنى " مع " المصاحبة بين أمرين , وكل أمرين لا يقع بينهما مصاحبة واشتراك إلا في حكم يجمع بينهما , وكذلك لا يكون الواو التي بمعنى " مع " إلا بعد فعل لفظا أو تقديرا [ ص: 204 ] لتصح المعية وكمال معنى المعية في الأمر الذي به الاشتراك في زمان ذلك الاشتراك . وتستعمل أيضا لمجرد الأمر الذي به الاشتراك , والاجتماع دون زمان ذلك . فالأول : في أفعال الجوارح والعلاج نحو دخلت مع زيد , ومنه قوله تعالى : { ودخل معه السجن فتيان } وقوله : { أرسله معنا غدا } { لن أرسله معكم } والثاني : يكثر في الأفعال المعنوية نحو آمنت مع المؤمنين , وتبت مع التائبين وفهمت المسألة مع من فهمها ومنه قوله تعالى : { واركعي مع الراكعين } { وقيل ادخلا النار مع الداخلين } { إنني معكما أسمع وأرى } { إن معي ربي سيهدين } أي بالعناية والحفظ { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه } يعني الذين شاركوه في الإيمان , والذي وقع به الاجتماع والاشتراك في الأحوال .

                              وقد ذكر الاحتمالات في قوله تعالى : { واتبعوا النور الذي أنزل معه } فقيل : إنه من باب المعية
                              التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 05-07-2007, 02:26 AM.

                              تعليق

                              • طارق شفيق حقي
                                المدير العام
                                • Dec 2003
                                • 11929

                                #30
                                رد : معاني الأدوات

                                من وما ] قال الأستاذ أبو إسحاق , أصلهما واحد إلا أن العرب خصت " من " بأهل التمييز أو من يصح منه , و " ما " بمن سواهم . قال : وقد تقوم إحداهما مقام الأخرى في معناها , ولا يصار إليها إلا بدليل كقوله تعالى : { وما خلق الذكر والأنثى } { والسماء وما بناها } . وقال النحويون : " ما " تقع لغير العاقل وعلى صفات من يعقل , وقد تقع على مبهم من يعقل , ويتفاوت ذلك بحسب ظهور الإبهام أو صفاته , قال تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم } وقال : { لا أعبد ما تعبدون } وتصور الإبهام في الآية الأولى [ ص: 207 ] أظهر , وإنما التحقيق في هذا على الصفة فأما قوله { والسماء وما بناها والأرض وما طحاها } فهي واقعة على الصفة فإن لله أسماء وصفات فإذا كنيت عن الاسم فبمن , وإذا كنيت عن الصفة فبما , فكأن الأصل هنا : والسماء وخالقها وبانيها فأوقعت " ما " مكان الخالق والبارئ من الصفات . ولو قيل : السماء ومن بناها لقلنا كان الأصل والسماء والذي بناها فأوقع " من " في مكان اسمه - تعالى - ولا التفات لمن قال : إنها مصدرية فإنها حرف , والحرف لا يعود عليه ضمير , وقد عاد هنا الضمير على " ما " من قوله : بناها . ومن الثلاثي فأكثر .

                                تعليق

                                يعمل...