رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد
( 27)
نحل جسمى وجافانى النوم . وجدتُ أن الخطأ يكمن فى تعجل النتائج .. إنك لن تجد العلاج الذى يقضى على الفساد الذى استشرى فى جسد أمتنا فى لمحة عين .. ذلك متعذر . وإنما الحل فى العلاج البعيد المدى , فالبذرة كى تأتى بالثمرة تدفن فى باطن الأرض ، ويتعهدها الفلاح رياً وحرثاً ويقف للآفات التى تريد القضاء عليها بالمرصاد .. إنه لن ينتظر الثمرة بين عشية وضحاها بل دون الحصد جهد جهيد . لكن أين تلك التربة الصالحة لتقبل العلم وتعهده بالرعاية والعناية حتى يأتى بثمره ؟ .. لم يقطع سيل خواطرى غير بكاء محمد .. محمد عبده . وقمت لأحمله .. لم أكن أذكره إلا حين يبكى أو حين أراه يمتص رحيق أمه , وقد أقلقنى هذا .. وقالت حين رأتنى أحمله , وأقبل رأسه :
- شغلتك الكتب عنا ..
- إلى حين .
- أنت ترهق نفسك ..
- ربما ..
- أتريد الحقيقة ؟
- ومن لا يريدها !
وقلت فى نفسى : "بل من يريدها !" , إننا نفر من الحقيقة فرارنا من الذئاب الضوارى . أما لِم يحدث هذا ؟ , فالجواب سهل جداً ولا يحتاج إلى كثير إعمال فكر . إنها تكشفنا أمام أنفسنا كما تكشف المرآة قبح القبيح وهرم العجوز .. ربما نهرب منها لضعفنا , ولخوفنا منها , فالحقائق مُرة المذاق .. وقالت :
- كم أتمنى أن تترك تلك الكلمة ..
- أى كلمة ؟
- ربما ..
- لا أفهم شيئاً ..
- تلك كلمة تغيظنى وتشعرنى بترددك وعدم يقينك .
- ربما ..
- هأنتذا تعيدها !
- المرء حين يألف شيئا , يأتيه دون وعى منه .
- لكن ..
ولم أسمع منها شيئاً , ورحت أعرض نفسى على صورة الإنسان فى الإسلام كما رأيتها فى الفترة الأخيرة تلك التى نهلت فيها من كتب الشيخ الشىء الكثير , فلم أجد غير ملامح قليلة فىّ منها .. قليلة جداً لدرجة أفزعتنى .. أهذا هو أنا !. وأفزعنى أكثر أننى لا أصلى .. وأحدث الناس عن الصلاح وإصلاح النفس .. ذلك ضرب من الخبل . إنه إما إسلام أو .. لا إسلام . لا توجد منطقة وسطى .. وهذا لا يعنى بحال تطبيق الدين كله فى اللحظة والتو , كما لا تعنى أهمية الدواء لعلاج علة أن أقذف فى جوفى بكل الدواء فى وقت واحد .. ذلك لا يكون أبداً , ولا يخطر على بال أحد حتى الحمقى من الناس . وقالت تهزنى : أين أنت ؟
- لا أدرى ..
- ماذا تعنى ؟
- لست أصلح لشئ ..
- تلك بداية طيبة .
- بداية طيبة للانهيار !
- الاعتراف بالحق بداية طيبة .
- بداية طيبة لماذا ؟
- للإصلاح ..
وقلت فى نفسى : "هى صادقة ولا شك . فبداية الطريق إلى العلاج أن يعترف المريض بأنه مريض , أما إن لم يعترف بذلك فسيقضى عليه المرض وهو فى حمقه مقيم" . وقلت :
- إنهم يريدون قائداً ..
- ولِم لا ؟
- هل أخدع نفسى !
- الناس فى حاجة إلى قدوة ..
- هذا حق .. لكنى لست قدوة .
- ولِم لا تكون ؟
- يفزعنى كثرة التفكير فى هذا الأمر ..
- لِمه ؟
- إنه يأكل الإخلاص كما تأكل النار الحطب .
- لو أن ما تفكر فيه صحيح , لما أفلتت منك الفرصة .
- ربما ..
- بل هى الحقيقة .. تأكد من هذا ..
وأردفتْ : المنافق يستغل الفرصة بل إنه ليخلقها خلقاً أما أنت فتخشى النفاق خشيتك الحية القاتلة ..
قلت شارداً : ربما ..
وتنهدت باسمة وهى تقول : ألن تكف عن النطق بها !
قلت شارداً :
- ربما ..
( 27)
نحل جسمى وجافانى النوم . وجدتُ أن الخطأ يكمن فى تعجل النتائج .. إنك لن تجد العلاج الذى يقضى على الفساد الذى استشرى فى جسد أمتنا فى لمحة عين .. ذلك متعذر . وإنما الحل فى العلاج البعيد المدى , فالبذرة كى تأتى بالثمرة تدفن فى باطن الأرض ، ويتعهدها الفلاح رياً وحرثاً ويقف للآفات التى تريد القضاء عليها بالمرصاد .. إنه لن ينتظر الثمرة بين عشية وضحاها بل دون الحصد جهد جهيد . لكن أين تلك التربة الصالحة لتقبل العلم وتعهده بالرعاية والعناية حتى يأتى بثمره ؟ .. لم يقطع سيل خواطرى غير بكاء محمد .. محمد عبده . وقمت لأحمله .. لم أكن أذكره إلا حين يبكى أو حين أراه يمتص رحيق أمه , وقد أقلقنى هذا .. وقالت حين رأتنى أحمله , وأقبل رأسه :
- شغلتك الكتب عنا ..
- إلى حين .
- أنت ترهق نفسك ..
- ربما ..
- أتريد الحقيقة ؟
- ومن لا يريدها !
وقلت فى نفسى : "بل من يريدها !" , إننا نفر من الحقيقة فرارنا من الذئاب الضوارى . أما لِم يحدث هذا ؟ , فالجواب سهل جداً ولا يحتاج إلى كثير إعمال فكر . إنها تكشفنا أمام أنفسنا كما تكشف المرآة قبح القبيح وهرم العجوز .. ربما نهرب منها لضعفنا , ولخوفنا منها , فالحقائق مُرة المذاق .. وقالت :
- كم أتمنى أن تترك تلك الكلمة ..
- أى كلمة ؟
- ربما ..
- لا أفهم شيئاً ..
- تلك كلمة تغيظنى وتشعرنى بترددك وعدم يقينك .
- ربما ..
- هأنتذا تعيدها !
- المرء حين يألف شيئا , يأتيه دون وعى منه .
- لكن ..
ولم أسمع منها شيئاً , ورحت أعرض نفسى على صورة الإنسان فى الإسلام كما رأيتها فى الفترة الأخيرة تلك التى نهلت فيها من كتب الشيخ الشىء الكثير , فلم أجد غير ملامح قليلة فىّ منها .. قليلة جداً لدرجة أفزعتنى .. أهذا هو أنا !. وأفزعنى أكثر أننى لا أصلى .. وأحدث الناس عن الصلاح وإصلاح النفس .. ذلك ضرب من الخبل . إنه إما إسلام أو .. لا إسلام . لا توجد منطقة وسطى .. وهذا لا يعنى بحال تطبيق الدين كله فى اللحظة والتو , كما لا تعنى أهمية الدواء لعلاج علة أن أقذف فى جوفى بكل الدواء فى وقت واحد .. ذلك لا يكون أبداً , ولا يخطر على بال أحد حتى الحمقى من الناس . وقالت تهزنى : أين أنت ؟
- لا أدرى ..
- ماذا تعنى ؟
- لست أصلح لشئ ..
- تلك بداية طيبة .
- بداية طيبة للانهيار !
- الاعتراف بالحق بداية طيبة .
- بداية طيبة لماذا ؟
- للإصلاح ..
وقلت فى نفسى : "هى صادقة ولا شك . فبداية الطريق إلى العلاج أن يعترف المريض بأنه مريض , أما إن لم يعترف بذلك فسيقضى عليه المرض وهو فى حمقه مقيم" . وقلت :
- إنهم يريدون قائداً ..
- ولِم لا ؟
- هل أخدع نفسى !
- الناس فى حاجة إلى قدوة ..
- هذا حق .. لكنى لست قدوة .
- ولِم لا تكون ؟
- يفزعنى كثرة التفكير فى هذا الأمر ..
- لِمه ؟
- إنه يأكل الإخلاص كما تأكل النار الحطب .
- لو أن ما تفكر فيه صحيح , لما أفلتت منك الفرصة .
- ربما ..
- بل هى الحقيقة .. تأكد من هذا ..
وأردفتْ : المنافق يستغل الفرصة بل إنه ليخلقها خلقاً أما أنت فتخشى النفاق خشيتك الحية القاتلة ..
قلت شارداً : ربما ..
وتنهدت باسمة وهى تقول : ألن تكف عن النطق بها !
قلت شارداً :
- ربما ..
تعليق