الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

تقليص
X
  •  
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د. حسين علي محمد
    كاتب مسجل
    • Jun 2006
    • 1123

    #31
    رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

    ( 27)

    نحل جسمى وجافانى النوم . وجدتُ أن الخطأ يكمن فى تعجل النتائج .. إنك لن تجد العلاج الذى يقضى على الفساد الذى استشرى فى جسد أمتنا فى لمحة عين .. ذلك متعذر . وإنما الحل فى العلاج البعيد المدى , فالبذرة كى تأتى بالثمرة تدفن فى باطن الأرض ، ويتعهدها الفلاح رياً وحرثاً ويقف للآفات التى تريد القضاء عليها بالمرصاد .. إنه لن ينتظر الثمرة بين عشية وضحاها بل دون الحصد جهد جهيد . لكن أين تلك التربة الصالحة لتقبل العلم وتعهده بالرعاية والعناية حتى يأتى بثمره ؟ .. لم يقطع سيل خواطرى غير بكاء محمد .. محمد عبده . وقمت لأحمله .. لم أكن أذكره إلا حين يبكى أو حين أراه يمتص رحيق أمه , وقد أقلقنى هذا .. وقالت حين رأتنى أحمله , وأقبل رأسه :
    - شغلتك الكتب عنا ..
    - إلى حين .
    - أنت ترهق نفسك ..
    - ربما ..
    - أتريد الحقيقة ؟
    - ومن لا يريدها !
    وقلت فى نفسى : "بل من يريدها !" , إننا نفر من الحقيقة فرارنا من الذئاب الضوارى . أما لِم يحدث هذا ؟ , فالجواب سهل جداً ولا يحتاج إلى كثير إعمال فكر . إنها تكشفنا أمام أنفسنا كما تكشف المرآة قبح القبيح وهرم العجوز .. ربما نهرب منها لضعفنا , ولخوفنا منها , فالحقائق مُرة المذاق .. وقالت :
    - كم أتمنى أن تترك تلك الكلمة ..
    - أى كلمة ؟
    - ربما ..
    - لا أفهم شيئاً ..
    - تلك كلمة تغيظنى وتشعرنى بترددك وعدم يقينك .
    - ربما ..
    - هأنتذا تعيدها !
    - المرء حين يألف شيئا , يأتيه دون وعى منه .
    - لكن ..
    ولم أسمع منها شيئاً , ورحت أعرض نفسى على صورة الإنسان فى الإسلام كما رأيتها فى الفترة الأخيرة تلك التى نهلت فيها من كتب الشيخ الشىء الكثير , فلم أجد غير ملامح قليلة فىّ منها .. قليلة جداً لدرجة أفزعتنى .. أهذا هو أنا !. وأفزعنى أكثر أننى لا أصلى .. وأحدث الناس عن الصلاح وإصلاح النفس .. ذلك ضرب من الخبل . إنه إما إسلام أو .. لا إسلام . لا توجد منطقة وسطى .. وهذا لا يعنى بحال تطبيق الدين كله فى اللحظة والتو , كما لا تعنى أهمية الدواء لعلاج علة أن أقذف فى جوفى بكل الدواء فى وقت واحد .. ذلك لا يكون أبداً , ولا يخطر على بال أحد حتى الحمقى من الناس . وقالت تهزنى : أين أنت ؟
    - لا أدرى ..
    - ماذا تعنى ؟
    - لست أصلح لشئ ..
    - تلك بداية طيبة .
    - بداية طيبة للانهيار !
    - الاعتراف بالحق بداية طيبة .
    - بداية طيبة لماذا ؟
    - للإصلاح ..
    وقلت فى نفسى : "هى صادقة ولا شك . فبداية الطريق إلى العلاج أن يعترف المريض بأنه مريض , أما إن لم يعترف بذلك فسيقضى عليه المرض وهو فى حمقه مقيم" . وقلت :
    - إنهم يريدون قائداً ..
    - ولِم لا ؟
    - هل أخدع نفسى !
    - الناس فى حاجة إلى قدوة ..
    - هذا حق .. لكنى لست قدوة .
    - ولِم لا تكون ؟
    - يفزعنى كثرة التفكير فى هذا الأمر ..
    - لِمه ؟
    - إنه يأكل الإخلاص كما تأكل النار الحطب .
    - لو أن ما تفكر فيه صحيح , لما أفلتت منك الفرصة .
    - ربما ..
    - بل هى الحقيقة .. تأكد من هذا ..
    وأردفتْ : المنافق يستغل الفرصة بل إنه ليخلقها خلقاً أما أنت فتخشى النفاق خشيتك الحية القاتلة ..
    قلت شارداً : ربما ..
    وتنهدت باسمة وهى تقول : ألن تكف عن النطق بها !
    قلت شارداً :
    - ربما ..

    تعليق

    • د. حسين علي محمد
      كاتب مسجل
      • Jun 2006
      • 1123

      #32
      رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

      ( 28 )

      قرت عينى بعد طول عناء . سرت إلى المسجد رافع الرأس .. نعم كنت أختال .. لا اختيال الكبر بل الفرح لأنى من المسلمين . بات يقيناً عندى أنه لا خلاص للبشرية من آلامها المبرحة إلا إذا أخذت بمنهج الإسلام .. ذلك المنهج الذى يصلح الدنيا للآخرة . إنه منهج الإسلام ليس لصلاح الدنيا وكفى وإنما لصلاح الآخرة أيضاً . لا يوجد مثل هذا الامتداد والشمول فى غير منهج الإسلام .. ولأول مرة أشعر بانسجام مع الكون .. لست نغمة شاذة وإنما أنا جزء من كل متماسك منظم .. إنه الشعور بالسكينة . لا قلق ولا يأس ولا حقد ولا غش وإنما سلام محض .. ولأول مرة أفهم لِم دخلت امرأة النار فى هرة , ولِم كان الفاروق يعبد الطرق لحيوان أبكم .. ذلك كله صار الآن مفهوماً . كما صار واضحاً وضوح شمس الظهيرة : لِم تقدم العرب يوم كان للإسلام وجود فيهم .. ذلك دين لا يرضى لمعتنقيه بغير السيادة والاستعلاء .. الاستعلاء بالحق لا بالباطل , والسيادة لقيادة الناس لرب الناس ومن ثم للجنة .. وقال إبراهيم الفقيه :
      - أراك الآن مبتسماً !
      قلتُ :
      - تبسمك فى وجه أخيك صدقة .
      - نعم ..
      - جعلنا الله ممن يحيون سنن نبيهم .
      - أنت تتغير بسرعة مذهلة ..
      - كيف ؟
      - أنت إنسان جديد تماماً ..
      - اللهم ثباتاً على الحق ..
      وأردفت قائلاً :
      - أين جهودك فى مجال الطب ؟
      - ماذا تقصد ؟
      قلت :
      - إن إسلامنا طريق للتقدم والرقى والأخذ بزمام العالم إلى حياة أفضل .. أووه يا صاحبى .. إن الدنيا فى أمس الحاجة لديننا .. نعم .. محتاجة لنا حاجة الأرض الموات إلى الماء بل حاجة الدنبا للدين أشد ..
      - أفصح يا صاحبى ..
      - الغرب المتقدم فقير جداً .. فقير فى أغراضه وفى قيمه رغم غناه فى آلاته . لقد تحول الإنسان هناك إلى آلة وفقد كل ما هو إنسانى .. ومصيره لو استمر فى طريقه ذاك أن يحطم نفسه بنفسه .. غير أنه لو عرف حقيقة ديننا وفتح قلبه له , لحدث التوازن فى حياته بين عقله وقلبه ، وبذا لا يترنح فى سيره ولا يختل . السؤال يا صاحبى الذى يجب أن نبحث له عن إجابة.. إنه : كيف يعرف الغرب الإسلام على حقيقته ؟ .. والطريق إلى ذلك أراه فى تقدمنا العلمى .. ساعتها سينظر الغرب إلى ما لدينا بعين غير تلك التى ينظر بها إلينا الآن .. لذا ففرض عليك وأنت طبيب أن تتفوق وتبتكر وتبحث حتى تصل إلى ما وصلوا هم إليه وتتفوق , وبذا يقبلون دينك حين تعرضه مع ما تعرضه من علمك . لقد خدم أينشتين إسرائيل خدمات جليلة بعلمه . ويخدم الاقتصاديون اليهود إسرائيل وهم يحيون فى أمريكا بقوة الثروة التى يجمعونها ويسيطرون بها على اقتصاد دول الغرب ومن ثم على العقل الغربى ..
      - لقد ذكرتنى بالشيخ النمل ..
      - بل أذكرك بمطالب ديننا العظيم وبمدى ما نحمله على عاتقنا من مسئولية نحو العالم أجمع ..
      - سأبدأ إن شاء الله ..
      - نعم .. يجب أن نُطَلقَّ اليأس .

      تعليق

      • د. حسين علي محمد
        كاتب مسجل
        • Jun 2006
        • 1123

        #33
        رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

        (29)

        تحول البيت إلى جنة وارفة .. وأشرقت روح زوجتى مما زاد من بهاء بيتنا وروعته .. كنا نسعى لإعداد محمد عبده ليكون قوة إسلامية .. وقلت :
        - يجب أن يحفظ كتاب الله .. هذا شئ ضرورى .. يحفظه فى صغره ، ليتفرغ لتدبره وتطبيقه حين يشب .
        قالت :
        - أفعل الإسلام بك كل هذا !
        - إن الإسلام يحول المرء من تراب .. من جثة هامدة إلى طاقة جبارة مبدعة .. إلى كائن عجـ...
        ودق الباب بعنف. قمت لأفتح غير أن الطارق لم يصبر , فدفعه بقوة , فانخلع . نفس الوجوه المظلمة غير أن رعبى منهم تلاشى . كنت أنظر إليهم بشفقة , وقلت مبتسماً :
        - أهلاً بكم ..
        - هيا معنا ..
        - توكلت على الله .
        واقترب منى عتل جاحظ العينين لا أثر فيهما لحياة , وأمسك بياقتى . نظرت إلى زوجتى فوجدتها ثابتة هى الآخرى وقد تعودت على هذا المشهد منذ صغرها .. فوالدها اعتقل من قبل وزوجها السابق .. وأنا .. ولن تكون هذه المرة هى الأخيرة ما دام الجهل والحمق ينعقان فوق أشجار حديقتنا . سرت معهم رافع الرأس ثابت الفؤاد , ولسانى يترجم عن قلبى : لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين .

        تعليق

        • د. حسين علي محمد
          كاتب مسجل
          • Jun 2006
          • 1123

          #34
          رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

          (30)

          لا زال المعتقل مكتظاً بالشباب والشيوخ حتى النسوة . يخيل إليك أنه لم يعد أحد طليقاً فى بلدنا .. وقال الضابط :
          - لِم عدت للصلاة بعد أن انقطعت عنها !
          - حمداً لله على الهداية .
          - كنت ترتعد فى المرة السابقة وأنت واقف أمامى !
          - كان فى صدرى قبضة من تراب ..
          - أخبرنى بكل شئ , وسوف أفرج عنك ..
          - ماذا يحدث للجنين لو قُطع الحبل السرى الذى يربطه بأمه ؟
          - لا أريد ألغازاً أيها الغبى ..
          - إن ما يحدث للجنين لا يكاد يذكر بجانب ما يحدث للمسلم حين يقطع علاقته بربه .. حين لا يصلى ..
          ودق فوق المكتب بإصبعه , فانهالوا فوق رأسى ضرباً . وهتف هاتف فى أذنى بأن الله إذا أراد أن يرفع عبداً من عباده , سلط عليه الجهلة , ليبخروا ذنوبه ويرفعوا درجته .. وقال الضابط :
          - حدثنى بصراحة ..
          - ما كنت لأكذب بعد أن عرفت الله ..
          - إلى أى حزب تنتمى ؟
          - حزب الله .
          - حزب الله !
          - نعم ..
          - حدثنى عن كل شئ يخص هذا الحزب .. أين مقره , ومن يموله ؟
          - إنه فى كل مكان , ويموله الإيمان ..
          - أتسخر منى يابن الكلب !
          - لو قرأت كتاب الله لوجدت ما تسأل عنه ..
          - يا لك من مراوغ داهية !
          - إن الدنيا أصغر وأحقر من أن أراوغ فيها , فما عند الله أعظم ..
          وأمرهم بجرى إلى غرفة الإنعاش . هناك وجدت عادل النمل معلقا من قدميه فى السقف , ومحمود سعيد تصعقه الكهرباء , وغيرهما بين لاهث ومن ورائه سوط يلهب ظهره , أو مكور فى ركن وقد غطى وجهه قار .. وقلت لنفسى : " لا بد من روح جديد تسرى فى أمتنا تحيل همودها يقظة و وسباتها حياة " .. ووجدتنى معلقاً بجوار عادل . كان الدم يسيل من فمه .. وقلت بأعلى صوتى :
          - صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ..
          وتبارى الجند فى ضربى بالسياط حتى خارت قواى غير أن قلبى كان يقظاً , وكنت أردد بين الحين والآخر :
          - صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة .

          تعليق

          • د. حسين علي محمد
            كاتب مسجل
            • Jun 2006
            • 1123

            #35
            رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

            (31)
            نُقلت إلى زنزانة فاقداً الوعى , وعندما أفقت سألت عن عادل النمل ومحمود سعيد فلم يجبنى أحد .. وجدت وجوهاً أخرى تنضح ألما غير أن فى عيونهم يقيناً بنصر سيأتى .. ولو بعد ألف ألف سنة . ولم يمض شهر على وجودى فى المعتقل إلا ونقلونى إلى زنزانة أخرى وهناك وجدت عادل النمل .. كان يرزح تحت هم ثقيل .. وقلت وأنا أقترب منه :
            - ماذا حدث ؟
            رفع بصره إلىَّ .. كان شاحب الوجه جامد النظرة , وتمتم بأسى :
            - لقد مات ..
            - من ؟
            - محمود سعيد .
            قلت بثبات أُحسد عليه :
            - محمود لم يمت .
            - لم يمت !
            - لقد استشهد ..
            وكأنما ذكرته بشئ غاب عنه , فعاودته الحياة من جديد , وقال :
            - نعم .. محمود لم يمت ..
            - هذا حق .
            وقال :
            - ماذا يحدث فى الخارج ؟
            - الكل يريد الإصلاح ..
            - شئ طيب .
            - غير أنهم غارقون فى الرذائل .
            - يجب ألا نيأس ..
            - لا يأس مادمنا على قيد الحياة ..
            - والحل ؟
            قلت :
            - لا بد من روح جديدة تسرى فى أمتنا , تحيل سباتها يقظة , وهمودها حياة ..
            - وما السبيل إلى ذلك ؟
            قلت :
            - ذلك شغل الليل والنهار .

            ........................
            (تمت الرواية)

            تعليق

            • sapry_2020
              في إجازة
              • Feb 2008
              • 155

              #36
              رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

              كلام رقيق


              تعليق

              • د. حسين علي محمد
                كاتب مسجل
                • Jun 2006
                • 1123

                #37
                رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

                المشاركة الأصلية بواسطة sapry_2020
                كلام رقيق


                شُكراً على المشاركة.

                تعليق

                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                حفظ-تلقائي
                إدراج: مصغرة صغير متوسط كبير الحجم الكامل إزالة  
                أو نوع الملف مسموح به: jpg, jpeg, png, gif, webp

                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                صورة التسجيل تحديث الصورة
                يعمل...