الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

المسيحيون في البلاد العربية.. ضحايا الشرق والغرب!

تقليص
X
تقليص
  •  

  • المسيحيون في البلاد العربية.. ضحايا الشرق والغرب!

    المسيحيون في البلاد العربية.. ضحايا الشرق والغرب!


    صبحي غندور*





    المسيحيون العرب يتعرّضون في السنوات الأخيرة لحملات إساءة وتهجير في أكثر من بلدٍ عربي، وهناك جماعات تحمل رايات دينية إسلامية تقوم بأعمال قتل وتدمير وتهجير لقرى مسيحية عربية، كالذي حدث مؤخراً في العراق وسوريا.


    فالمسيحيون العرب هم الآن ضحية في حالتين: أنّهم أولاً من مواطني هذه البلدان التي تشهد حروباً وتدميراً لكلّ ما فيها، وهم أيضاً مستهدَفون من قبَل جماعاتٍ متطرّفة، فقط لكونهم من أتباع الديانة المسيحية.


    والتساؤل عن مستقبل الوجود المسيحي العربي ليس وليد الحاضر فقط، وما يتميّز به هذا الحاضر من ممارساتٍ إجرامية وتصاعدٍ في حدّة الطروحات العصبية الدينية بأكثر من بلد عربي، بل تعود جذوره إلى سنواتٍ بعيدة في الزمن، وقريبة في الاستحضار الذهني. فالمسيحي العربي يتذكّر ما قاله الأجداد عن سنوات الذلّ أيام حكم الأتراك العثمانيين.. والمسيحي العربي يتأثّر بالتحريض الحاصل من أجل تكريس الانفصال بين الأجزاء المكّونة لجسم الأمّة العربية.. والمسيحي العربي يسمع ويشاهد ويلمس وجود تيّارات دينية متطرّفة تطرح عليه إمّا تحدّي القتل أو التهجير.. فمن حقّ المسيحيين العرب الخوف على الحاضر وعلى المصير معاً.


    وللأسف، هناك أيضاً مفاهيم وأفكار تتحدّث الآن عن المسيحيين العرب وكأنّهم غرباء عن هذه الأمّة وأوطانها، أو أنّ حالهم كحال الأقليات الدينية التي وفدت لبلدان العرب من جوارهم الجغرافي، مثل الأرمن، علماً بأنّ الوجود المسيحي العربي سابق لوجود الدعوة الإسلامية، وهم (أي المسيحيون العرب) أصل سكان هذه البلدان تاريخياً، كما هو حال مصر والعراق وبلاد الشام.


    إنّ الوجود المسيحي على الأرض العربية تزامن مع الوجود الإسلامي لأكثر من ألفٍ وأربعمائة سنة. وذلك وحده كافٍ ليكون شهادةً للاثنين معاً ضدّ كل دعاة الانفصال أو التذويب أو التهجير.


    إنّ ما هو قائمٌ الآن من ممارساتٍ سيّئة بحقِّ بعض المسيحيين العرب في عددٍ من البلدان العربية ليس حصيلةَ التدخّل الأجنبي والعملاء وأجهزة المخابرات فقط، بل هو أيضاً نتاج الفهم الخاطئ لدى غالبية العرب للدين وللعروبة ولمفهوم حقوق المواطنة.


    والأمر لا يقتصر على سوء العلاقة بين المسلمين والمسيحيين العرب فقط، بل هو قائم بين المسلمين أنفسهم أيضاً بما هم عليه في عموم العالم الإسلامي من تعدّد في المذاهب والأعراق والإثنيات. فلو اقتصرت الظاهرة الانقسامية المرضية الموجودة الآن على مسألة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين حصراً لَصحَّ الاعتقاد عندها بأنّها مشكلة "الوجود المسيحي العربي" فقط، لكن مرض الانقسام ينتشر الآن في كل خلايا جسم الأمّة العربية، وهو يعبّر عن نفسه بأشكال مختلفة بين الخيوط الملوّنة التي تؤلّف نسيج الأوطان العربية.


    هي إذن بلا شك أسبابٌ متعدّدة لما نراه اليوم من خوف مسيحي عربي مشروع على الحاضر والمستقبل. بعض هذه الأسباب خارجي مفتعل، وبعضها الآخر عربي داخلي كانعكاسٍ لحال التخلّف الفكري والسياسي السائد في هذه المرحلة. وهي حتماً ليست مشكلة "حقوق المواطنة" للمسيحيين العرب فقط، بل هي مشكلة غياب "المواطنة السليمة" لكلّ العرب بمختلف تعدّدهم الديني والإثني.


    لكن ربّما من المهمّ أن يدرك العرب كلّهم، بغضّ النظر عن ديانتهم وطائفتهم، أنّ المشروع الرامي إلى تقسيم الكيانات العربية الراهنة وإقامة دويلات جديدة في المنطقة على أساس ديني ومذهبي وإثني، يتطلّب الشروع أولاً بتهجير المسيحيين العرب، لما يعنيه ذلك على المستوى العالمي من "مشروعية" لفكرة وجود دول في "الشرق الأوسط" على أساس ديني، كما هو المطلب الإسرائيلي حالياً من العالم كلّه، ومن العرب والفلسطينيين خصوصاً، بأن يحصل الاعتراف بإسرائيل كدولة دينية يهودية. وهذا الأمر، لو آلت الأحداث إليه، فستكون المنطقة العربية عبارةً عن إمارات دينية وإثنية متصارعة فيما بينها، ولكن تدور كلّها في الفلك الإسرائيلي الأقوى والأفعل والأكثر استفادة من هكذا مشروع للخرائط الجديدة في المنطقة. وحتماً لن يكون هناك عندئذٍ حديثٌ عن دولة فلسطينية مستقلّة، ولا عن حقوق ملايين اللاجئين الفلسطيين بالعودة إلى أراضيهم، وسيكون العرب قبائل متناحرة لا شعوباً لأوطان واحدة متعدّدة الانتماءات الطائفية والإثنية.


    لذلك، فإنّ التمييز بين ما تريده إسرائيل وبين ما تقوم به بعض الجماعات الإرهابية بأسماء إسلامية لم يعد ممكناً، بل إنّ هذا يطرح تساؤلاتٍ خطيرة عن طبيعة هذه القوى ومدى ارتباطها بأجهزة المخابرات الإسرائيلية التي سبق لها أن دسّت قيادات في العديد من المنظمات العربية والإسلامية، تماماً كما تفعل إسرائيل حتّى مع أصدقائها في العالم حيث شبكة العملاء الإسرائيليين تصل إلى مستوياتٍ عالية.


    إنّ صيغة "المواطنة المشتركة" المتساوية في الحقوق والواجبات ليست "حقّاً" للمسيحيين العرب فقط، وليست "واجباً" على المسلمين العرب فقط، بل هي مسؤولية مشتركة فرضتها الإرادة الإلهية التي اختارت الأرض العربية لتكون مهد كلّ الرسل والرسالات السماوية؛ فالحفاظ على هذه الصيغة، امتحانٌ لكلّ العرب في كيفية الفهم الصحيح للدين وللهوية الثقافية المشتركة، وفي مدى الانتماء الوطني والحرص على أولوية المصالح الوطنية والعربية.


    هو موضوعٌ حيويٌّ هام يمسّ وحدة المجتمع العربي، ويطال المداخلات الأجنبية التي سعت ماضياً وحاضراً إلى السيطرة على المنطقة العربية، وإلى تجزئتها ومصادرة ثرواتها وتغيير هُويّة بلدانها من خلال شعارات "الحماية الأجنبية للطوائف والأقلّيات".


    وفي مثل هذه الأيام التي تشهد احتفالات عيد ميلاد السيّد المسيح، عليه السلام، يتكرّر استخدام قوله: "المجد لله في العُلى وعلى الأرض السلام". وهو قولٌ يجمع بين ما هو حتمي لا خيار إنسانياً فيه (المجد لله)، وبين ما هو واجب مستحق على البشر تنفيذه، أي تحقيق السلام على الأرض. لكن هناك مسافة شاسعة بين ازدياد عدد الممارسين للشعائر الدينية في كل العالم، وندرة من يطّبقون ما تدعو اليه الرسالات السماوية من قيم وأعمال صالحة، ومن واجب نشر روح المحبة وتحقيق السلام بين البشر.


    ولعلّ المأساة تظهر الآن جليّةً من خلال حروب وفتن حدثت وتحدث تحت "شعارات دينية" في أكثر من مكان شرقاً وغرباً. بل إنّ كلَّ مُشعِلٍ الآن لحربٍ أو لفِتنة على الأرض يختبئ وراء مقولات تستند إلى ادّعاءات الوصل بالأديان، والأديان منها بُراء. الكلُّ يتحدّث عن "الإيمان بالله تعالى"، بينما على "الأرض الحرب" من فِعْل الباحثين عن مجدهم فيها.


    الرسالات السماوية كلّها حضّت على العدل بين الناس وعلى رفض الظلم والطغيان والجشع والفساد والاستعباد للبشر، وعلى إقرار حقّ السائل والمحروم، بينما كم من حروبٍ وصراعاتٍ دموية حصلت وتحصل تحت شعاراتٍ دينية وطائفية وعرقية!! فهناك الآن ما هو سلبيٌّ مشترَك بين "الشرق الإسلامي" و"الغرب المسيحي".


    إنّ المخاطر القائمة حالياً هي ليست على أتباع هذا الدين أو ذاك المذهب فقط، بل هي أخطار محدقة بحقّ الأوطان كلّها، بما فيها الشعوب والحكومات والمكوّنات الاجتماعية فيها. فضحايا العنف المسلّح الجاري الآن عربياً، من أيِّ جهةٍ كان مصدر هذا العنف، هم من أوطان ومناطق وأديان ومذاهب مختلفة.


    لكن خطر جماعات التطرّف العنفي بأسماء "إسلامية" موجودٌ فعلاً ولا مجال لنكرانه، ولا يصحّ القول فقط إنّ هذه الجماعات هي "صناعة خارجية" يتمّ الآن توظيفها. فالمشكلة الأساس هي وجود بيئة مناسبة لنموّ مثل هذه الجماعات في الدول العربية والإسلامية، فلو لم يكن هناك فكر متخلّف ومُشوّه للمفهوم الصحيح للدين، ولو لم تكن "المواطنة السليمة" غائبة عن المجتمعات العربية، لما أمكن استقطاب هذا الحجم من أتباع هذه الجماعات المتطرّفة.


    22-12-2015


    *مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
      لا يمكن إضافة تعليقات.

    article_tags

    تقليص

    Latest Articles

    تقليص

    • نقلة الغزالي الروحية
      بواسطة طارق شفيق حقي
      نقلة الغزالي الروحية
      الخوف من الله كان السبب وراء نقلة الغزالي الروحية وهي فترة تختلف عن فترة الشك المعروفة

      كثير منا يعرف فترة الشك التي مر بها الغزالي وقلة منا يعرف الفترة الأهم التي نقلته النقلة الروحية وكان سبب هجرته لبغداد إلى مكة فدمشق
      حيث له زاوية سميت باسمه في المسجد الأموي وهي الزاوية الغزالية
      جلست في رحابها وقرأت للإمام الغزالي الفاتحة.
      أعجبت بهذه القامة العقلية الروحية
      والجميل أني التقيته في المنام
      فهمس في أذني بما همس.
      ما نفهمه من...
      12-15-2023, 04:04 PM
    • لا تنعوا العروبة مع نعي أحد روّادها! صبحي غندور
      بواسطة طارق شفيق حقي
      رحم الله الأستاذ صبحي غندور

      لا تنعوا العروبة مع نعي أحد روّادها! صبحي غندور


      لا تنعوا العروبة مع نعي أحد روّادها!

      صبحي غندور*

      تابعتُ باهتمامٍ شديد الكتابات العديدة، التي جرى نشرها في أكثر من مكان عن وفاة الدكتور كلوفيس مقصود، وما أظهرته هذه الكتابات من تقديرٍ كبير لفكره ودوره وشخصه، لكن ما لم أستحسنه في بعضها وأختلف معه هو هذا

      ...
      10-27-2023, 02:10 AM
    • الزلازل التاريخية والنطاقات الزلزالية في بلاد الشام
      بواسطة طارق شفيق حقي
      الزلازل التاريخية والنطاقات الزلزالية في بلاد الشام

      د. محمد رقية*


      أنشر هذه الدراسة بسبب اللغط الكبير والمعلومات غير الدقيقة التى انتشرت بعد زلزال كهرمان مرعش في جنوب تركيا صباح ٦ شباط ٢٠٢٣

      لقد جرت عدة دراسات للزلازل التاريخية في بلاد الشام خلال الألفي أو الثلاثة آلاف سنة الماضية وأظهرت هذه الدراسات تفاوتاً واضحاً في عدد الزلازل التي أصابت هذه المنطقة.
      فقد ذكرت إحصاءات مرصد كسارة في لبنان إصابة البلاد /118/
      ...
      02-10-2023, 10:53 PM
    • بين كذبة نيسان وعيد أكيتو المُنتحل – موفق نيسكو
      بواسطة طارق شفيق حقي
      ...
      04-11-2022, 02:46 AM
    • رأس السنة السورية: السم في الدسم، وموضة الحرب البراقة
      بواسطة طارق شفيق حقي

      رأس السنة السورية: السم في الدسم، وموضة الحرب البراقة




      * ( الهرطقة التاريخية تقول) :

      _ في مطلع كل نيسان، يبدأ الكثير من الناس بالحديث والإحتفال ب "رأس السنة السورية" أو (عيد أكيتو)، ويقول البعض بأنه يعود إلى أكثر من 6700 سنة .
      _ ويرى رواد هذه السنة بأن غيابها عن روزنامة السورية رغم كونها أقدم تاريخ مسجل في الحضارة الإنسانية يقبع لأسباب عديدة وراء
      ...
      04-11-2022, 02:34 AM
    • النظريات القانونية المقتبسة من الفقه الإسلامي في النظام القانوني الأنجلو أمريكي
      بواسطة طارق شفيق حقي
      النظريات القانونية المقتبسة من الفقه الإسلامي في النظام القانوني الأنجلو أمريكي
      تأثير الفقه الإسلامي على تكوين القانون الإنجليزي برهام محمد عطا الله* كل من درس القانون المقارن يعرف أن هناك كثيراً من أوجه الشبه بين قواعد الفقه الإسلامي وقواعد النظام القانوني الأنجلو أمريكي المعروف (بالقانون العمومي) Common ...
      01-29-2022, 11:43 PM
    يعمل...