الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أبو شامة المغربي
    السندباد
    • Feb 2006
    • 16639


    رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة





    على الرابط التالي:
    السيرة الذاتية

    الثلاثاء 17 ربيع الأول 1429هـ - 25 مارس 2008م - العدد 14519
    المصدر



    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

    تعليق

    • أبو شامة المغربي
      السندباد
      • Feb 2006
      • 16639


      رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




      السيرة الذاتية في الأدب العربي
      (فدوى طوقان وجبرا ابراهيم جبرا وإحسان عباس نموذجاً)

      عدد الأجزاء: 1
      سنة النشر: 2002
      الطبعة رقم: 1
      الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
      صفحة: 384
      هذه دراسة جادة، سعت لتأصيل فن السيرة في أدبنا الحديث، الذي لم يكن له شأن كبير في أدبنا القديم، وتكمن أهميتها في أنها جمعت بين النظرية والتطبيق، فتحدثت باستقصاء عن طبيعة الفن، وظروف نشأته، والعوامل التي أثرت فيه، ومدى صلته بالفنون النثرية الأخرى، وقد مثل هذا الإطار النظري للدراسة، وتبعه الجانب التطبيقي الذي انصب على ثلاثة نماذج في السيرة، لثلاثة أعلام هم:
      جبرا إبراهيم جبرا، وفدوى طوقان، وإحسان عباس، الذين اتفقوا في الأصول بيئة، ونشأة وثقافة في فلسطين، واختلفوا في النزعات والميول ففدوى طوقان راوحت في اعترافاتها بين الجرأة والتردد في آن، وجبرا روائي محلق في عالم الخيال بأجنحة من الواقع، واحسان عباس ناقد ذو منهج صارم.
      لقد كان هؤلاء الثلاثة - بتباين ميولهم، وتعدد نزعاتهم التي انعكست على سيرة كل منهم - نماذج دالة على كتابة السيرة في أدبنا الحديث.



      د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
      aghanime@hotmail.com

      تعليق

      • أبو شامة المغربي
        السندباد
        • Feb 2006
        • 16639


        رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




        ناقشت الباحثة لطيفة لبصير أطروحة الدولة في الآداب، تحت عنوان:
        "السيرة الذاتية النسائية، تحليل نماذج"
        وقد كانت اللجنة العلمية على الشكل التالي:
        - الدكتور عبد المجيد نوسي، مشرفا.
        - الدكتور عبد الفتاح الحجمري، رئيسا.
        - الدكتور المختار بنعبدلاوي، عضوا.
        - الدكتور أحمد توبة، عضوا.
        - الدكتور سعيد جبار، عضوا.
        بعد المناقشة، حصلت الباحثة على دكتوراه الدولة بميزة حسن جدا، وهذا نص التقرير الذي تقدمت به الباحثة أثناء المناقشة:

        التقرير:
        ينطلق هذا البحث من إشكالات عديدة، تنبع من اختيارنا لدراسة هذا الموضوع، فلماذا السيرة الذاتية النسائية؟ ولماذا هذا التخصيص في حد ذاته؟ هل يعود الأمر إلى افتراضات مسبقة ترى أن المرأة تكتب بشكل مختلف، فعمدنا إلى إفرادها في هذه الدراسة، أم أن الأمر يتعلق بشكل تنظيمي فقط؟
        لا يمكن أن نتجاهل الإشكالات الكثيرة، التي أصبحت تثيرها الدراسات العربية والغربية فيما يتعلق بالأدب النسائي، واختلاف مكتوب النساء عن مكتوب الرجال، وذلك لما أثاره هذا الضجيج الاصطلاحي من تعددية في الآراء وفي الانتاج أيضا، وقد أدت هذه الاختلافات إلى محاولة النساء وضع برنامج نقدي خاص يدرس المنتوج النسائي بصورة مختلفة، ولذا أصبح البحث عن نظريات منعزلة تدرج ما تكتبه المرأة تحت منظور النقد النسائي(أعطي مثالا بما تنتجه النساء تحت اسم المرأة والذاكرة، أمثال “قالت الراوية لهالة كمال، عاطفة الاختلاف لشيرين أبو النجا، مائة عام من الرواية العربية لبثينة شعبان إلى غير ذلك من المؤلفات)، ويتم عزل هذه النظرية عن النظريات العامة(أعطي مثالا بكتاب رامان سلدن: النظرية الأدبية المعاصرة)، وكأن أدب المرأة يتطور لوحده بمعزل عن السياقات الثقافية الأخرى التي أنتجته، وبمعزل أيضا عن التطورات الحاصلة في النظريات.ولعل محاولة العديد من الناقدات الغربيات والعربيات إعادة قراءة الموروث العربي بشكل مختلف، مرده إلى غيبة سير النساء من حقل الدراسات النظرية وأيضا من حقل التصنيف، (أعطي مثالا بزمن الرواية لجابر عصفور الذي لم يشر إلى سيرة نسائية واحدة ضمن عمله، إضافة إلى العديد من الدراسات التي تقرأ السير الذاتية النسائية بشكل عابر جدا، دون الوقوف على خصائصها).
        وهناك إشكالات أخرى تنطلق من أن أدب الاعترافات حرام لدى النساء بحكم الوضع الاجتماعي للمرأة، ولعل ذلك ما خلق التباسا لدى المرأة في حد ذاتها، فهناك تذبذب بين السيرة الذاتية والرواية، ويمكن أن نعطي مثالا ب"أوراق شخصية" للطيفة الزيات و"ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي و"السيقان الرفيعة للكذب" لعفاف السيد، إلى غير ذلك من النصوص.

        وتهيمن إشكالية التذبذب بين السيرة والرواية في أعمال رجالية أيضا،غير أن حدتها تتضاعف في النص النسائي، ويمكن القول إن السيرة الذاتية بالأساس جنس يعاني من إشكالات خاصة به، ذلك أن الدارس الآن للسيرة الذاتية يجد نفسه أمام كم من المصطلحات الكثيرة التي أصبحت تصنف العمل، فهناك السيرة الروائية والسيرة الذاتية النسوية، والسيرة الذاتية الروائية، وروائية السيرة الذاتية، إلى غير ذلك من المصطلحات، وهذا يثبت أن هذا الجنس الأدبي، بقدر ما أثار فوضى في نهاية القرن الثامن عشر، ليحقق القطيعة مع السيرة، وليستقل كجنس أدبي باعترافات جان جاك روسو وكازانوفا فرانكلين، وغيرهما، يعمد الآن إلى إثارة نفس الفوضى، لكن لطمس معالم الجنس.
        إن كل هذه الاشكالات تضيف إلى السيرة الذاتية النسائية إشكالا آخر، إذ إننا نفترض من خلال النصوص السير ذاتية النسائية أن هناك بناء خاصا ترومه هذه الكتابة، ذلك أنها نتاج اجتماعي، وحديثة نسبيا مقارنة بالأجناس الأدبية الأخرى. وعليه، فإن المرأة تكتب سيرتها الذاتية وهي تنتج خطابا آخر، غير خطاب البوح الذي تبوح به. ونحن نحاول أن نقرأ هذا الخطاب الذي تنتجه لأن وراءه خطابا آخر هو حقيقة الذات الأنثوية، ذلك أننا نجد أن الكاتبة في السيرة الذاتية النسائية ليست هي الساردة، وعليه فسنقوم بقراءة هذه الساردة وهي على مسافة من الكاتبة، مع العلم أن السيرة الذاتية بشكل عام، تبدأ من الكاتب واضع العمل، فالكذب والمرواغة والنسيان وأساليب الانزلاق والدوران اللغوي، كل ذلك يدخل في حقيقة النصوص السير ذاتية النسائية.
        إن الخطاب الذي تنتجه المرأة غالبا ما يتم توثيقه بالتخييل، ولذا، فان هناك دوما خوف من التجنيس، ومن الميثاق أيضا الذي يوقع التعاقد بين الكاتب والقارىء على حقيقة العمل الأدبي. ووفق هذا المنظور، هناك إشكالات تخص تطور السيرة الذاتية نفسها.
        وضع فيليب لوجون، في كتابه "الميثاق الأوتوبيوغرافي" 1975، التعاقد بين الكاتب و القارىء على أساس الصدق في العمل الأدبي. وقد عمل النقد من خلال هذا الميثاق على قراءة العديد من الأعمال الأدبية. إن اسم المؤلف ينبغي أن يطابق اسم الشخصية. وتبعا لذلك فان التطابق ينفي عالم التخييل ويتم التعامل مع العمل على أساس أنه حقيقة الكاتب. غير أن معيار المطابقة بدأ في التحول أيضا، ذلك أن الأعمال الأدبية ذاتها بدأت تبتعد عن حكي الحيوات الخطية، لتدخل في التجديد وفي التخييل.وأمام هذا التحول، لم يكن بد للنقاد أن يعتبروا التخييل حقيقة أخرى للسيرة الذاتية، ولذا جاء كتاب سيرج دوبروفسكي "السير الذاتية من كورناي إلى سارتر" ومقال فيليب لوجون الهام

        "كيف لي أن أجدد في السيرة الذاتية"، فقد لاحظ فيليب لوجون أن العديد من الحيوات تتشابه، وقد سبقت إلى النشر، والنتيجة أن هذا المحكي يتشابه بالرغم من التفرد الذي يطبع كل حياة، معتمدا في ذلك على كتاب مارسيل بنابو"لماذا لم أكتب أيا من كتبي؟" الذي يفترض أن كل العوالم التي قرأها سابقا وتماهى معها،تبعث من جديد في أعمال أدبية ذاتية، لا يمكن القول عنها سوى أنها منتحلة، مستنتجا أن كل السير الذاتية قد كتبت مسبقا، ولكي يكتب شخص ما سيرته الذاتية، عليه أن يجمع الجمل و الشذرات المأخوذة من نصوص سابقة.
        من ثم كانت ضرورة النظر إلى السيرة الذاتية نظرة أخرى ترى أن التجديد يكون على مستوى نظام التركيب، ذلك أن الشكل ينبغي أن تضاف إليه عناصر تقترب من الخلق أكثر مما تقترب من سرد الأحداث الواقعية، ولذا فان المنظور الذي وضعه فيليب لوجون، وهو بنسبة من التعقيد، هو أن تكتب حياتك وأن تتخيل أيضا، وأن لا تكذب، وهو أمر ليس سهلا، فالمتخيل يحكي عن الذكريات، وهذا ليس بالأمر الهين، فكيف لي أن أكذب بصدق؟ فكل شيء حقيقي، وكل شيء أعيد بناؤه.
        استنادا لما سبق، فان الأمر لا يعدو مجرد تكرار لنصوص سابقة، والصعوبة تتجلى أن هناك فكرة أساسية كما يرى فيليب لوجون، ترى أن السيرة الذاتية تتعارض مع الجمال، ولعل هذه الثنائية التي تتراوح بين خطاب الحقيقة وخطاب الجمال هي ما جعل العديد من المبدعين يعملون على نزع السيرة الذاتية من الأشكال التقليدية للسرد والتوثيق، وأن يمروا إلى إملاء أشكال جديدة تمنح أهمية كبرى للغة.
        ويشكل هذا الخطاب في السيرة الذاتية النسائية درجة كبرى، ذلك أن تحديد المتكلم النسائي في السيرة الذاتية يعتريه نوع من اللبس، فهل يحيل هذا الضمير على الكاتبة، أم أنه بناء آخر يمرر عبر الميثاق السير ذاتي إشكالا آخر؟
        إننا نفترض من خلال السير الذاتية النسائية ذلك التباعد بين الكاتبة والضمير الذي تتحدث عنه، ولأجل دراسة هذه السيرالذاتية، عمدنا إلى اختيار تصور منهجي يلائم طبيعة النصوص التي تكتبها المرأة، وهو منهج التحليل النصي كما اشتغل عليه جان بلمين نويل، بالاضافة إلى العديد من أدوات الاشتغال التي استقيناها من المهتمين بهذا الجانب ويتعلق الأمر بفيليب لوجون وسيرج دوبروفسكي، وجورج كاسدورف، إضافة إلى الدراسات الهامة التي تربط بين حقل السيرة الذاتية والجانب النفسي، والتي انصبت عليها أبحاث الحقل الفرنسي في محاضرات عديدة نذكر منها ندوة "من السيرة الذاتية إلى التخييل الذاتي"، ندوة "السيرة الذاتية والتحليل النفسي"، ندوة "الكتابة عن الذات والنرجسية"، ندوة "السيرة الذاتية"، ندوة "الكتابة النسائية والسيرة الذاتية"، ندوة "الكتابة عن الذات والتحليل النفسي"، إلى غيرها من الندوات الهامة.
        يفترض جان بلمين نويل أن النص يصوغ بناء آخر، يختلف عن الكاتب، تكون الكتابة هي المسؤولة عنه وليس الكاتب، من أجل ذلك اقترح مفهوم لاوعي النص الذي يحدث تعالقا بين الآخر داخل الكتابة والآخر داخل القراءة، وقد كان اختيارنا لجان بلمين نويل نابعا من كونه يعمل على قراءة النص من خلال قراءة المستويات التي تضغط على ترتيب الكلمات والجمل والحوافز والصور المستنسخة داخل المحكي، إضافة إلى أنه يساعدنا على قراءة النصوص أيضا من الداخل، وبالرغم من أن السيرة الذاتية تهتم بالكاتب بدرجة كبرى، فإننا ارتأينا الاهتمام بالكتابة بشكل أكبر، وذلك لتصورنا أن النقد الذي يتناول السير الذاتية يظل حبيس علاقة الكاتب بنصه وتجليات هذا الكاتب وعلاقته بالحقيقة، ولأن النصوص السير ذاتية النسائية تفترض حقيقة أخرى غير حقيقة علاقة النص بكاتبه، فقد ارتأينا دراستها بكيفية مختلفة، وعليه فقد عملنا على تحليل نماذج من السيرة الذاتية النسائية:
        - أوراقي … حياتي ( ثلاثية نوال السعداوي)
        - رحلة جبلية … رحلة صعبة لفدوى طوقان
        - الرحلة الأصعب لفدوى طوقان.
        - الجلادون لربيعة السالمي.
        - المحاكمة لليلى العثمان.
        - حديث العتمة لفاطنة البيه.
        إن اختيارنا لهذه النماذج المختلفة والمتباينة أيضا كان الهدف منه، فضلا عن دراستها، هو رصد الاختلافات التي يمكن أن تكون بينها، فالانطلاق من فكرة أن المرأة تنجز سيرة ذاتية مختلفة ينبغي تبريره من خلال نصوص مختلفة أيضا، حتى نصل إلى خلاصات مقنعة، لذا عملنا على تحليل نماذج متباعدة نوعا ما، تجمع بين الأديبة التي أنجزت أعمالا متعددة، مثل ليلى العثمان ونوال السعداوي و الشاعرة فدوى طوقان التي تكتب سيرتها الذاتية و ربيعة السالمي التي أنجزت هذه السيرة لتكتب عن نضالها، إلى فاطنة البيه التي كتبت هذا العمل للحديث عن اعتقالها. فالنصوص تنطلق من عوالم مختلفة. وبالرغم من هذا الاختلاف، وجدنا أنفسنا، ونحن نقرأ هذه السير الذاتية أمام طرح إشكالي أول: هو عودة كل هذه السيرالذاتية إلى الطفولة كعالم أول تنطلق منه الكتابة عن الذات. فكيف تكتب المرأة هذا العالم وكيف تقدمه إلى القارىء؟
        من خلال السير الذاتية النسائية، تبين لنا أن العودة للطفولة ليست عودة من أجل السعادة، كما يقر أغلب الباحثين، بل هي عودة يبنينها الشقاء والخلل. ولذا فان محكي الطفولة الذي يتأسس في النص، يقدم خطابا آخر. وقد تم توظيف بعض المفاهيم مثل مفهوم الرواية الأسرية الذي كان أول من كتب عنه هو فرويد(1909)، إلا أننا رأيناه من منظور آخر وهو علاقته بالسيرة الذاتية. فالساردة تصنع هذه الرواية الأسرية، إذ إنها لا تستطيع أن تسرد ما تم حدوثه في الواقع. ولذا، فهي تعمل على الحديث عن مراحل عمرية قديمة جدا من خلال أقوال وسرد الآخرين. ولأن الساردة التي تبني هذه السير الذاتية منشغلة بتأسيس خطاب آخر داخل هذه الكتابة، فان عنصر الإضافة يعمل على نسج نوع من الاستعارات والتخييلات. لذا فنحن نتحدث عن صنع رواية أسرية. وهذا الصنع يلتقي مع المفاهيم التي طرحناها سابقا، وهي الكذب بصدق، وعنصر الجمال والخلق الذي تبنيه الكتابة السير ذاتية النسائية . ولكن لماذا هذا الصنع؟ ولماذا يهيمن عنصر الاضافة في النص؟
        إننا نجد أنفسنا، ونحن نقرأ هذه السير الذاتية، أمام خطاب مزدوج يتكرر. فالسرد لا يبلغ فقط، وليس في نيته التبليغ، بل يضيف الخلق والتخييل، إذ يتم تخييل لحظة الولادة مثلا في سيرة نوال السعداوي. من هنا يمكن القول إن الأحداث الحقيقية تم حكيها من خلال حكي الجدة، في حين أن المجازات مستحدثة من خلال حكي الساردة، وهي تعمل هنا كنوع من الإضافة التي تأتي من عالم الحاضر، أي الزمن الحالي . إن البحث عن الاضافة هي ما جعلنا نعمل على قراءة المحكيات الذاتية، معتمدين على دوريت كوهن في هذا التمييز بين المحكيات الذاتية المتنافرة مع الماضي والمحكيات الذاتية المتناغمة.وقد وجدنا أن المحكي الذاتي التنافري يخلق بعدا مهيمنا. فالساردة تستحضر من خلال هذا المحكي علاقتها الرافضة لكل السياق الغيري الذي أوجد سيرتها. ولذا، تعمد إلى استحضار السير الغيرية كإضاءة للدور المحدد للسلالة التي طبعت المنطق الخاص للسلوك. ونجد هذا مهيمنا بحدة في ثلاثية نوال السعداوي، وسيرتي فدوى طوقان، والجلادون لربيعة السالمي. وهو أخف حدة في المحاكمة لليلى العثمان، وحديث العتمة لفاطنة البيه. غير أنه حاضر باستمرار في هذه السير الذاتية. إن صنع هذه الرواية الأسرية وعلاقتها بالسيرة الذاتية له ما يبرره لدى الساردة. ولذا فان الساردة تجدد التواصل مع هذا العالم، أو تصنعه، كي تخلق نوعا من المذنبين. وهؤلاء المذنبون هم الأسلاف. لذا فهي تصوغ نوعا من السير البيوغرافية للأشخاص الذين هيؤوا الحاضر الذي تحياه الساردة( أتحدث هنا عن الأب، عن الأسرة، عن المجتمع كنظام أبوي). وتعمد وفق هذا المنظور إلى نوع من التخييل التأويلي الذي يبني جملا تذهب إلى تأسيس بناء للتداعيات الخاصة داخل الكتابة، مما يتيح إمكانية استعمال بنيات التذكر المونولوجي الذي يبني عالما آخر، ذلك أن هذا البناء يأتي من عدم مصالحة الذات مع الواقع. وعليه فالساردة تنوع محكياتها بين ساردة تتذكر وساردة تبني تداعيات مسهبة تبتعد في كثير من الأحيان عن الواقع. إن التذكر، هنا، ينبني من خلال الأشياء التي تركت صدى في خلق هذه الذات الفردية. فالكاتبة التي تتذكر تفسح المجال للساردة التي تثرثر وتمضي في تفسير الأحداث حتى توجه القراءة. إننا لا يمكن أن نغفل أن الساردة تأخذ أهمية كبرى في النص، لأن الكاتبة التي تستعيد الأحداث، تترك المجال للساردة التي تتحدث طويلا، إذ أنها تنزاح عن هذه الأحداث التي ترويها، كي تحلل وتصدر أحكاما وتقدم أفكارا واستنتاجات، ذلك أن البناء الأساسي الذي تراهن عليه الكتابة هو إحداث تحول لدى القارىء في بسط كل الأحداث التي تميز الطفولة الأنثوية. فخلق الساردة في السيرة الذاتية النسائية يعود إلى إبعاد منظور الكاتبة وحضورها كسلطة داخل النص. فهي تحدث نوعا من المسافة بينها وبين المسرود، عبر حضور بنية السارد المتخيل. ولعل خاصية هذا الأخير، كما تقول دوريت كوهن، هي أنه سارد غير جدير بالثقة. لذا فقد ارتأينا أن المراتب التي تحدد الميثاق الأوتوبيوغرافي في السيرة الذاتية عموما، تختلف حين يتعلق الأمر بالسيرة الذاتية النسائية، ذلك أن المتكلم في السيرة الذاتية متكلم تقتحمه العديد من الضمائر المتعددة. فبداخل الأنا هناك أنوات غيرية تهيمن على هذا الضمير. ولعلها ما يسمح بتعدد هويته. فضمير المتكلم النسائي يصوغ أكثر مما يقول. لذا فانه لا يبوح، بل يختلق وينسج ذاتا أخرى تعمد الكتابة إلى تأجيلها أو نسيانها أو دورانها. من هنا، كانت أهمية قراءات بيلمين نويل لهذا النوع من الدوران داخل النص الابداعي.
        إن وراء ثرثرة الساردة تختفي الأشياء التي تصمت عنها الكتابة. ولذا، فان البعد الزمني يخضع هو الآخر لهذه البنية. فهناك أزمنة استعادية تعود إلى الماضي. فالنصوص السير ذاتية تخلق محكيات نفسية تعمد إلى التكثيف والتمطيط الزمني الذي نجده مهيمنا في كل النصوص المذكورة، إضافة إلى تقنيات الحاضر الذي يكبر والذي نجده مهيمنا بحدة في ثلاثية نوال السعداوي والمحاكمة لليلى العثمان. وكلاهما كتب تحت ضغط الخوف من الموت ومواجهة السلطة. غير أن هناك زمنا آخر تخلقه هذه الكتابة السير ذاتية النسائية، وهو الزمن المستقبلي، الذي يبدو أنه الزمن القادم الذي من أجله تبني الساردة عالمها الخاص.
        إن كلا الزمنين أي الماضي والمستقبل، كما يقر جورج كاسدورف زمن لاواقعي. لذا، فالكتابة عنهما هي خلق فقط، ذلك أن الأزمنة المؤسسة للآتي، كما تحاول الكاتبة أن تعبر عن ذلك، تكمن في الطفولة الأولى، فهي من صاغت الزمن القادم. ولعل ذلك ما يجعل الكتابة تذهب إلى خلق أزمنة متعددة تتجلى في التخييل والحلم وحلم اليقظة، والكتابة أيضا كبديل للموت، إلى غير ذلك من شاشات التخييل. إن الأزمنة التي تكتب عنها الكاتبة هي أزمنة تحويلية. فليس الغرض منها السرد فقط، ولكن تأسيس زمن آخر. لذا فهي تصنع أيضا هذا الزمن. ويتم هذا الصنع من خلال بناء مزدوج، فهناك دوما صوت ظاهر، وآخر كامن يعمل في الخفاء.
        ولذا وجدنا أنفسنا أمام خصوصيات سردية نسائية تهيمن في الخطاب النسائي، ولها أهميتها في هذه السير الذاتية. وهي أن الساردة، التي تصوغ هنا من خلال ضمائر متعددة تتراوح بين ضمير المتكلم والمخاطب والغائب، تخفي وراء هذه التعددية خطابا آخر يتمثل في الأنا النرجسية التي تبرزها الذات المتكلمة في كثير من الأحيان للحديث عن الأنا المثالية وتعاليها. وهو ما أطلقنا عليه البعد النرجسي، وذلك لان الأنا دوما في صراع مع الآخر الذي يتمثل لدى الساردة في المضطهد. إنها تصنع نوعا من الأنا- الجلد على حد تعبير ديديي أنزيو، والذي يأتي كنوع من الحماية من الآخرين. وهو معطى متخيل يمنح الجهاز النفسي نوعا من الاستقرار والهدوء . إن الأنا النرجسية تخلق ثنائية في التصور والرؤية. ولذا، فان المنظور السردي الذي توجهه كاتبة السيرة الذاتية يمضي إلى اتساع الهوة بين المضطهد والنرجسي. فكلما امتدت أشكال المضطهد، تم إعلاء البناء النرجسي. وبالرغم أن الذات تسعى إلى بناء فردي، أحادي الرؤية والتصور، إلا أنها تبني خطابا مزدوج الصوت تبنيه لغة المضطهد والنرجسي.
        وتبدو هذه الثنائية ملازمة للسيرة الذاتية النسائية. وهي تتجلى في ثنائية أخرى مهيمنة في خطابها. ويتعلق الأمر بثنائية الأنوثة والذكورة. وقد اعتبرنا هذه الثنائية مهيمنة في خطاب الساردة التي تتراوح بين عالمين مختلفين، مستعيرين في ذلك أحد المفاهيم النفسية لفرويد. ويتعلق الأمر بالخنثوية. وتحضر، هنا، بالمعنى السيكولوجي للذات المتكلمة، ذلك أن الساردة تخلق صيغة لامرأة غير محددة الملامح. ولذا، فالنص يتغير حسب الضمير الذي تنتقل إليه الساردة. فهي تتحول من الذكورة إلى الأنوثة، ولو أن البعد الخنثوي لديها يجعلها تتجه إلى أولوية القضيب على الأنوثة، إلا أنها تظل تتراوح بين جنسين مختلفين. ولذا فان التراوح الجنسي يتبعه بالضرورة التراوح النصي أيضا. فالنص يتخذ شكل الجنس الذي تتحول إليه الكتابة، ويصوغ كتابة ملتبسة. فالأنثى الكاتبة تسعى إلى تحطيم الخطاب الذكوري، ولكن من خلال الاعتماد على وسائله، الشيء الذي يصوغ لنا أنوثة ملتبسة لا هي بالذكورة ولا بالأنوثة. ولذا، كان اشتغالنا على هذا الجانب ضروريا، وذلك لأن التحول الجنسي في النص يؤثر على البناء النصي أيضا ويغيره. فالشكل يتبع المحتوى. وهي خاصية سردية مهيمنة في السيرة الذاتية النسائية وتتكرر بحدة، الشيء الذي دفعنا إلى الوقوف عندها وتحليلها وتحليل تحولاتها على مستوى النص. وتبعا لذلك، فعلاقة كاتبة السيرة الذاتية باللغة علاقة مختلفة. ولذا ارتأينا الاشتغال على الجانب اللغوي، إذ أن إبراز خصوصية السرد النسائي تتجلى على المستوى الشكلي والدلالي أيضا. ولأن الشكل يتبع المحتوى، فإننا انطلقنا من دراسات سابقة كانت ترى في المعجم اللغوي الذي تستعمله الأنثى معجما مختلفا. وعمدنا، وفق ذلك، على قراءة هذا المعجم ومحاولة حصره لدى كاتبة السيرة الذاتية. وتبين لنا أن اللاوعي النصي يتجلى على مستوى اللغة والأساليب التي تستعملها الكاتبة وتصوغها الساردة. لذا، فإن الثنائية تتكرر على المستوى اللغوي أيضا. فهناك جدلية تحكم خصوصية هذه الكتابة وهي أنها تتأرجح بين ثنائيتين توجهان المكتوب السير ذاتي النسائي. ويتعلق الأمر بجدلية الأنا والأنا الأعلى. فالأنا المتكلمة تداهمها أنوات أخرى غيرية، هي التي تعمل على تغيير نمط الكتابة. وتبعا لذلك، تنشأ أساليب متعددة تهيمن على هذه السير، ذلك أن علاقة المرأة بالمحرم علاقة مختلفة. ولذلك لا يمكن قراءتها إلا من خلال سيميائية التهوين. فعلاقة الأنا الأنثوي بميكانزمات الدفاع تختلف أيضا. فالأنا تبحث عن توازنها من خلال إلغاء أي تمظهر يجعلها تبدو واضحة. ولذا، نجد التحوير والقلب والاستعارات والكثافة اللغوية التي تتكرر في النص، والتي تصنع المسافة بين الأنا والرغبة، بل إنها تذهب إلى إنجاز محكي الحلم الذي يهيمن على هذه النصوص، والذي يأتي كبديل للواقع كي يتحدث من خلال التخييل عن الأنا.

        إننا أمام نوع من الأساليب التي تتلون وتتغير في النص، و لم نجد بدا من قراءة هذه الأساليب، فداخل الأسلوب، تكمن رمزية اللاوعي، غير أن هذه الجدلية التي تحدث بين الرغبة والقانون تصوغ أسلوبا يتجه، في كثير من الأحيان، إلى الغموض، الشيء الذي يجعل الدال يؤجل مدلوله على الدوام، فالرقابة اللاواعية تداهم الدوال، وهذه الأخيرة تعوض بواسطة حلقات مفقودة وموزعة داخل النص. وعلى القراءة أن تكتشفها.
        إن قراءة هذه المستويات النصية لا يخلو من متاعب، ذلك أننا نقرأ أيضا نصا معدلا من الدرجة الثانية، ونحن نتابع مستوياته، كي نصل إلى لاوعيه النصي،
        كنا ندرك مثلا، أن محكي الحلم هو نص معدل وتمت صياغته، وبالرغم من ذلك قمنا بقراءته، ذلك أننا نتعامل مع هذه المستويات كما تصوغها الساردة التي لها أهمية كبرى في النص السيرذاتي النسائي، ولذا كان لزاما علينا قراءة عنصر هام في هذه السير الذاتية، وهو عنصر التحويل، كما قدمه فرويد وطوره فيما بعد جان بلمين نويل وأندريه غرين إلى غيرهم من الباحثين، وذلك لأهمية هذا العنصر في السير الذاتية، وإن كان قد لازمنا طيلة البحث، فلأن ذلك له ضرورته، فجميع العناصر الداخلية لهذه السير مبنية على إجراء نوع من التحويل للذات المتكلمة أولا، وللذات القارئة ثانيا، ذلك أن الرغبة اللاواعية للكتابة تخفي وراءها بناء نوع من التأثير التحويلي الذي يبني نوعا من الغواية للآخر المغيب في النص، والذي من أجله يوجد هذا العمل.
        فالسيرة الذاتية النسائية لم تكتب في هذه النصوص من أجل نوع من التلاشي أو استخلاص الحكمة والعبرة من تجربة مضت، بل من أجل تأسيس زمن مستقبلي، فهي تصوغ زمنا وعالما آخر من خلال السرد، وعليه فإن اختفاء الكاتبة في كثير من الأحيان لتحل محلها الساردة مرده إلى تأسيس نوع من السلطة غير المباشرة التي تحدث نوعا من التخييل القرائي الذي يبني نصا آخر، ويتأثر بالرواية الأسرية التي تبنيها الساردة في الكتابة.
        يتضح، مما سبق، أن التعامل مع السير الذاتية النسائية لا يخلو من صعوبات، ولا ندعي أننا قمنا بتجاوزها، بل ستظل مفتوحة لإمكانات قادمة، فقد كان مشروعنا منصبا بالأساس على قراءة هذه السير، متتبعين في كثير من الأحيان التطورات النصية، وقد تبين لنا أن العديد من القراءات تظل حبيسة الكاتبة وحياتها الشخصية مثل نوال السعداوي كشخصية معروفة، إلا أننا حاولنا معرفة المكتوب وكيف تصوغه هذه الكاتبة من خلال بنية الساردة. وعليه، فإن كل الحقائق التي تقدمها الكتابة هي ما نقوم بقراءته، ذلك أنه يصعب تحديد أين ينتهي التخييل ليبدأ الواقع، فهناك حقائق ذاتية، غير أنها مندمجة داخل السياق الكلي للسير، فهي تدخل في بناء آخر يطعمه التخييل والأحلام والدوران اللغوي واللاوعي النصي، ولأن الأنثى الكاتبة منشغلة بهم أساسي هو بناء هوية أنثوية، فقد كان لزاما علينا أن نقرأ هذه النصوص وهي تبحث عن إثارة القراءة، معتبرين كل أساليب المراوغة والهفوات والكذب من حقائق الكتابة، فالكتابة لا تقدم الصدق، ولكنها تصوغ الشخصية التي نصل إليها من خلال آلية التأويل والتخييل التأويلي، إلى غير ذلك من الوسائل.

        يبقى أن نحدد أن الساردة في السيرة الذاتية تصنع روايتها الأسرية وتصنع زمنها أيضا، وتخلق أنواعا متعددة من الثنائيات داخل الكتابة، إضافة إلى بناءات لغوية متعددة، يمكن القول عنها إنها أغنت هذه النصوص وساهمت في بنائها الحديث، وإن كان مرد ذلك إلى خوف الكاتبة من الحديث عن ذاتها، ولعلها أغنت البناء التركيبي وساهمت في تقنيات جديدة تضيف إلى السيرة الذاتية.
        لطيفة لبصير

        المصدر



        د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
        aghanime@hotmail.com

        تعليق

        • أبو شامة المغربي
          السندباد
          • Feb 2006
          • 16639


          رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




          مستقبل السيرة الذاتية
          تماضر إبراهيم
          الأربعاء 29/3/2006
          تماضر ابراهيمعندما ألف طه حسين كتاب( الأيام)، كان فيه النص التأسيسي الأول لجنس جديد في الأدب العربي الحديث، اختلف النقاد في تحديد هويته..
          هنا في دراسة للدكتور الناقد محمد الباردي عن السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث الذي - صدر حديثاً عن اتحاد الكتاب العرب - بعنوان (عندما تتكلم الذات)، نقرأ دراسة نقدية، على غاية من الأهمية والاتقان الفني، لناقد عربي تونسي، عرف بعلو كعبه النقدي، ليس في المشهد الثقافي التونسي وحسب، وإنما في المشهد النقدي العربي والغربي (قديماً وحديثاً)، وما احتشد فيه من معان ودلالات.‏
          تفصح هذه الدراسات ومنذ استهلالاتها الأولى، عن أهمية هذه التجربة ا لنقدية، والأفاق التي ترودها، والأفكار التي تحللها، والجماليات التي تبديها.‏
          ولعل ما تقدمه هذه الدراسة يريح من يرغب في المعرفة عن هذا الجنس الأدبي وقوامه، إذ يحاول الكاتب تصنيف وتعريف مفهوم السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث، التي تؤسسها أطراف رئيسية ثلاثة، وهي السارد، والمؤلف، والشخصية.‏
          تصدى الكاتب بصورة أنيقة مبوبة من خلال الفهارس، حيث تحدث عن الاشكاليات الفنية لهذا الأدب الناشىء، وعن إنشائيته ومقوماته الفنية، ثم عن أشكاله الكتابية.‏
          وفي طرح هذه المسائل المركزية سعى الكتاب إلى اقتراح إجابات لها، من خلال الاستناد إلى منهج علمي صارم لبعض الدراسات الإنشائية في الثقافة الأوروبية.‏
          في تعريف ا لسيرة الذاتية نقرأ أنها بشكل عام، إنشائية عامة، ولها مقومات فنية مشتركة، لكنها تكتب بأشكال متعددة، ولهذا الجنس الأدبي سمات عامة تميزه، منها أن تكون السيرة الذاتية - حكياً استعادياً - وهو جنس سردي نثري، يقوم به شخص واقعي من وجوده الخاص بالعالم.‏
          ولا تكتب بأسلوب واحد، إنما بأساليب مختلفة، ويجب أن يكون الموضوع أساساً هو الحياة الفردية وتكوّن ا لشخصية، يمكن أن تقوم عدة تبادلات مع باقي أنواع الأدب الشخصي.‏
          تؤكد لنا هذه الدراسة، أن حد السيرة الذاتية وقوامها ثلاثة عناصر كتابة روائية، جنس أدبي، دور الذاكرة في عملية الاستحضار والامتداد بالسيرة، تنطبق هذه القاعدة على البعض فقط.‏
          في جانب مهم يؤكد لنا الكتاب أن أنجح السير الذاتية في الأدب العربي الحديث، هي تلك التي كتبت بأسلوب روائي ابتداء من أيام طه حسين، مروراً بثلاثية حنا مينه والخبز الحافي، ووصولاً إلى ثلاثية نوال السعداوي، ونجاحها يكمن في درجة تلقيها وطبيعتها.‏
          هذا يؤدي بنا إلى مصادر تتعلق بمستقبل السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث لاسيما أن هذا الجنس ا لأدبي هو الآن بصدد التأسيس، لذلك تعددت أشكال الكتابة فيه ولم يستقر حتى الآن، على شكل واحد.‏
          تعتقد الدراسة أن الشكل الذي يتجه إليه هذا الجنس الناشىء، هو شكل الكتابة الروائية مستقبلاً، يعني أن المشهد الذي يمكن رسمه عن هذا الجنس الأدبي قوامه نصوص أدبية عديدة ومتنوعة ما يفرق بينهما لا يقل عما يجمع بينهما.‏
          حاول هذا الكتاب التصدي لهذه الفسيفساء من النصوص السردية التي تحكي حياة مؤلفيها، وتحتاج إلى التصنيف، والتحديد والتعريف.‏
          يصل القارىء في هذه الدراسة المشوقة إلى الخاتمة، ويستخلص أن السيرة الذاتية في الأدب العربي هي - حكي استعادي نثري - بأشكال سردية متنوعة، يقوم به شخص واقعي من وجوده الخاص بالعالم, وأيضاً العالم من حوله، وذلك عندما يركز على حياته الفردية والجماعية وعلى تاريخ شخصيته الجزئي أو الكلي.‏
          المصدر




          د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
          aghanime@hotmail.com

          تعليق

          • أبو شامة المغربي
            السندباد
            • Feb 2006
            • 16639


            رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



            هل السيرة الذاتية موجودة في الأدب العربي؟
            إيهاب الحضري

            قبل سنوات، أصدرت مؤسسة "الأهرام" كتابا تضمن حوارات لنجيب محفوظ مع الناقد رجاء النقاش، ضم الكتاب اعترافات وآراء لأديب نوبل في عدد من المحيطين به، ولم تكد تمر أيام على صدور الكتاب، حتى سارع ابن شقيقته، محمود الكردي، لرفع دعوى قضائية، مطالباً بمنع توزيع الكتاب، بعد أن رأى أنه يسيء لكثيرين، ومن بينهم محفوظ نفسه! قبلها بسنوات كان رمسيس عوض قد خاض معركة مشابهة، بسبب مذكرات شقيقه لويس عوض، لأنه رأى أنها تسيء له ولآخرين.
            وبعد هاتين الواقعتين، خاض أهالي عدد من طلاب «الجامعة الأمريكية» معركة لوقف تدريس السيرة الذاتية للأديب المغربي محمد شكري، لأنها تتضمن أحداثا تعتبر خادشة للحياء.
            مرت السنوات وغابت الأحداث السابقة من ذاكرة الكثيرين، وبقيت السيرة الذاتية العربية، تعانى القيود التي تثبت أن البوح ممنوع إلى أجل غير مسمى.
            البعض قرر أن يعفي نفسه من ورطة السيرة الذاتية، بالإقلاع عن كتابتها، وآخرون تحايلوا على العقبات باللجوء إلى رواية السيرة الذاتية التي تمنحهم القدرة على البوح دون الخوف من تهديدات مجتمعية أو أسرية تحكم على الموضوع من زاويا، لاعلاقة لها بالإبداع، فمن بين ما ضايق ابن شقيقة نجيب محفوظ في اعترافاته، أنها تتضمن إساءات فاضحة، عندما سئل عنها قال، في تصريحات صحافية نشرت وقتها: «مثل قوله إنه كان يدخل بيوت الدعارة السرية والعلنية، وهذا الكلام أثار موجة من السخط بين أبناء شقيقاته وأحفاده، فكيف يمكن أن ينشر كلام مثل هذا عن أديب عالمي، حاصل على جائزة نوبل، والمفروض أنه قدوة للشباب والأجيال الصغيرة. أنا فوجئت بهذا الكلام، واذا كان نجيب محفوظ قد ردد شيئا من هذا، فهو رجل كبير السن، ولا غبار عليه إذا أخطأ، وكان يجب ألا ينشره رجاء النقاش، كان عليه أن يحذف هذا الكلام، بدلا من فضح أديب عالمي يعيش في مجتمع عربي محافظ، له قيمه وتقاليده».
            العرب لا يكتبون السيرة الذاتية
            السيرة الذاتية، هي المحور الرئيسي لرسالة الدكتوراه التي يعدها حاليا الباحث ممدوح النابي بكلية الآداب «جامعة القاهرة»، فيها يبدأ بالإشارة إلى أن هذا الجنس الأدبي الذي يقوم على تعرية الذات نادر في العالم العربي، وقد « انتهى بعض النقاد إلى نتيجة عامة ومؤلمة، وهي نفي وجود سيرة ذاتية عربية تتجسد فيها مقومات السيرة الغربية، باستثناء «المنقذ من الضلال» للامام الغزالي و«التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا»، و«كتاب الإعتبار» لأسامة بن منقذ، أما ماعدا ذلك فهو ـ حسب تعبير الدكتور سليمان العطار ـ محاولة لإخفاء السيرة الذاتية وليس كتابتها!!»، ويشير النابي في أطروحته إلى عنصر الخجل الذي يقف عائقا حقيقيا في مواجهة محاولات البوح: « يعتبر الحياء رقيبا على جوهر الإنسان وكيانه الروحي الحقيقي، كما يقول عبد الرحمن بدوي، وارتفاع حدة الرقابة الداخلية دليل على وجود الرقابة الخارجية، فحياء الإنسان يمنعه من أن يعري ذاته أمام من يعرفونه، خصوصا إذا كانت التعرية مرتبطة بالأخلاق وانتهاكها. أسباب الحرج عديدة، لعل من أهمها أن كاتب السيرة لا يكتب عن ذاته فقط، وإنما يكتب عن آخرين، ممن شاركوه في صنع سيرته، فعلاقته بهم تتضمن امورا قد يتحرج الكاتب من البوح بها ربما بدافع الحرص عليهم أو بدافع تجميل صورتهم أمام الآخرين، وأي محاولة تتجاوز ذلك قد تجابه بردود فعل معارضة.. كل هذا يحول دون وجود سيرة ذاتية عربية خالصة تتجاوز المحظورات، لأن المجتمع لا يزال محكوما بمجموعة من الضوابط والأعراف التي تهدد من يخرج عليها بالمصادرة أو العنف».
            لكن ألم تشهد السنوات الأخيرة، تغيرات مجتمعية وقيما أخلاقية جديدة، يرى البعض أنها جعلتنا أكثر قدرة على استيعاب الاعترافات؟ يجيب النابي: «هذا النوع من الأدب، لا يزال يقبل، على استحياء، حتى في الأوساط التي قد نرى انها تتمتع بمساحات اوسع من التحرر، والدليل ما حدث قبل سنوات مع رواية محمد شكري «الخبز الحافي»، فقد كانت مقررة على طلبة الجامعة الأمريكية، ومع ذلك ثارت ثائرة أولياء أمور الطلبة، وتم وقف تدريس هذه السيرة التي تتميز بالجرأة البالغة. كل هذا يشير إلى أن البيئة العربية لا تزال غير مهيأة لقبول مثل هذه الأعمال طالما تخطت الحدود المسموح بها»، بل أن الرفض يمكن أن يكون منصبا على جنس دون آخر، فيستعيد الباحث ماحدث عام 1997: «جاء على لسان المفتي السابق نصر فريد واصل أنه لا يجوز للمرأة أن تؤلف كتابا تعترف فيه بما امر الله بستره، وهو ما يطلق عليه أدب الاعتراف، فالشريعة الإسلامية لا تقر ذلك، وهذا ليس من باب الحجر على التفكير والرأى، وإنما يتعلق الأمر بالحفاظ على كيان الأسرة».

            في ظروف كهذه تصبح رواية السيرة الذاتية مهربا مهما من هذا المأزق والغريب أنها ليست حلا عربيا فقط، فبعد أن نشر جان بول سارتر جزءا من سيرته الذاتية بعنوان الكلمات قرر اللجوء إلى الرواية لاستكمال الكتابة قائلا:«لقد حان الوقت لكي اقول الحقيقة أخيرا، ولا يمكن ان اقولها إلا في عمل تخييلي»!!
            * الخراط: ميثاق لم أوقعه!
            * مؤخرا، احتفل الوسط الثقافي المصري ببلوغ الروائي إدوار الخراط سن الثمانين، وخلال سنوات طويلة أمضاها الخراط فى الكتابة، لم يفكر بتسجيل سيرته الذاتية بشكل مباشر، ودائما كان يبرر ذلك بقوله: «لا أعتبر حياتي الشخصية شيئا مهما، بحيث ألتزم بالنقل الحرفي من أحداثها، لكنني كنت أستخلص دلالات معينة منها، وأبتكر سياقات أمزج بينها وبين ما عرفته وعايشته».

            أنتقل بالحديث إلى فضاء أوسع وأسأله عن ضيق مساحات البوح المسموح بها في المنطقة العربية، ومدى تأثيرها في تراجع أدب السيرة الذاتية لدينا فيجيب: «البيئة الثقافية في العالم كله تتمتع بقدر من الحرية والطواعية أكثر بكثير مما لدينا، عندنا تزيد مساحة المحظورات التي تكبل أقلام الكتاب، فهناك من يعترض لمجرد تصوره أن السيرة الذاتية لكاتب ما قد تسيء إليه، ولا زال البعض يتعامل مع الكاتب على أنه قديس لا ينبغي أن تكون له اخطاء».
            وينتقل الخراط من العام إلى ماهو أكثر تحديدا، فيذكر بما حدث مع نجيب محفوظ قبل سنوات عندما اعترف لرجاء النقاش بأنه عرف حياة العربدة، في مرحلة ما من حياته، ويتساءل إدوار الخراط: «حدث هذا بسبب كلمات قليلة، قيلت في المطلق ودون تفاصيل، فماذا لو اعترف الكاتب بوقائع محددة؟ بالتأكيد يؤدي افتقاد مناخ الحرية إلى تقييد السيرة الذاتية وحرمانها من التلقائية والبساطة والصراحة»، ويرى الخراط أن رواية السيرة الذاتية هي المخرج المناسب من هكذا مأزق: « بالنسبة لي مثلا لا أتناول عناصر السيرة الذاتية كما هى، وإنما اكتب عناصر شبيهة بما حدث في الحياة الحقيقية، لكن بعد فرض سياق روائي وقصصي عليها، ليمتزج الواقع بالمتخيل وتتداخل عناصر السيرة الذاتية في نسق الروائي والقصصي، السيرة الذاتية تعتمد على ميثاق غير مكتوب بين المؤلف والقارئ بأن يحكي الأول بصراحة ووضوح تفاصيل ما مر به من أحداث، هذا ميثاق لم أوقعه، وما أندر من وقعوا بإمضائهم عليه».

            هل كان اختيار الخراط لهذا النمط من الكتابة حيلة للتخلص من حرج محتمل قد تسببه السيرة الذاتية، وفق هذا الميثاق؟ يرد بقوله:«المسألة لا تتعلق بالإحراج، لكنني أتساءل باستمرار: ما أهمية سيرتي الذاتية للقارئ العام؟ اعتقد أنه من الأفضل استخلاص عناصر ودلالات منها تضفي على رواية لي أبعادا جمالية ومعرفية».
            إساءات متعمدة
            عندما صدرت، قبل سنوات، السيرة الذاتية للكاتب لويس عوض بعنوان:«أوراق العمر»، رأى فيها بعض المثقفين إضافة حقيقية للسيرة الذاتية الجريئة، لما تضمنته من اعترافات، لكن مساحة البوح التي اعتبرها هؤلاء إنجازا، مثلت عنصر إزعاج لآخرين. فعقب نشر المذكرات ثار الناقد رمسيس عوض، شقيق لويس، وخاض حملة إعلامية مضادة، بررها بقوله: «اعترضت على "أوراق العمر"، وكانت لي أسبابي، فهو لم يتحر الحقيقة في بعض الأحيان، كما أنني لا أحب أن يمجد الإنسان نفسه، إضافة إلى سبب قانوني، فليس من حقه قانونا أن يشهر بغيره، لكن له أن يفعل بنفسه ما يريد، وقد أساء لويس عوض إلى الكثيرين»، ويتابع عوض: «أنا شخصيا لا أريد لهذا الكتاب أن يكون منشورا، لأن الصواب جانبه في أحيان كثيرة، ورغم ذلك يتعامل البعض معه على انه مرجعية، وأن الآراء الواردة فيه نهائية».
            أسأل عن المعوقات التي تمنع ازدهار السيرة الذاتية عندنا، فيجيب رمسيس عوض: «كل كاتب يحاول أن يمجد نفسه ليظهر كبطل، وأنه أفضل من كل من تعامل معهم، وهذا وضع غير طبيعي على الإطلاق، لأنه من المفروض أن السيرة الذاتية تعتبر نوعا من التطهير للنفس ومواجهتها بكل نقائصها، وهو ما يحدث فى الغرب حتى منذ الوقت الذي نشرت فيه اعترافات جان جاك روسو، وانتهاء بجان جينيه الذي اعترف بكل مباذله الجنسية، وبشكل يكاد يكون مقززا.
            في الغرب لا يستنكفون من نشر فضائحهم الخاصة، كنوع من الطهارة، أما لدينا فالكاتب يجدها فرصة لاستعراض أمجاده»، لكن الواضح في «أوراق العمر» أن لويس عوض لم يتعرض للمحيطين به فقط، فقد تحدث عن علاقة جنسية له بشكل صريح، أي أن الاعترافات لم تكن تمجيدا مطلقا للنفس. يعلق الدكتور عوض على هذه الجزئية بقوله: «تعامل بعض المثقفين مع هذا الجزء البسيط من الصراحة، باعتباره فتحا ومجدوه رغم أنهم لو اطلعوا على الثقافات الغربية، لوجدوا في هذه الاعترافات نوعا من السذاجة والفجاجة وعدم مجابهة النفس بطريقة صريحة. يمكن تفهم أن يكون اي شاب قد ارتبط بعلاقة جنسية مع امرأة، لكن الموضوع ينتهي عند هذا الحد، أما فضح النفس بدون مبرر فهذا جهل».
            كلمات رمسيس عوض الأخيرة، تضيف إلى عوائق السيرة الذاتية عائقا جديدا متعلقا بتقييم الكاتب والمتلقي للحدث الذي سيصبح محورا للبوح والاعتراف، وما يراه الكاتب مهمًا قد يتعامل معه الآخرون على انه تافه. (يبدو أن كتابة السيرة الذاتية في منطقتنا ستظل حلما بعيد المنال).
            قيم ومعايير تضاف إلى المحاذير
            د.علي ليلة، أستاذ الاجتماع بكلية الآداب «جامعة عين شمس «يشرح لنا، أن لكل مجتمع قيمه، وأن الحديث عن سيرة ذاتية عربية مكتوبة وفق المعايير الغربية أمر لا يصح، ويوضح: «المرجعية القيمية للمجتمعات الغربية تختلف عن تلك الخاصة بمجتمعاتنا العربية، لذلك أرى ان الحكم على ما لدينا من سير ذاتية بمقاييس الغرب خطأ كبير. ينبغي أن تنطلق سيرنا الذاتية من قيمنا نحن، لكي تكون لنا هويتنا الخاصة، لذلك أنا لا أجد أية غرابة في أن يخفي الكاتب أثناء كتابته لسيرته الذاتية، بعض الأمور التي تتناقض مع المرجعية العامة»، ويوضح أستاذ علم الاجتماع، المقصود بالمرجعية بقوله: «لا أعني بها النزعة المحافظة بقدر ما أقصد منظومة القيم، التي تحدد هوية أمة وإرادتها الاجتماعية والسياسية والأخلاقية».
            لكن اللافت أن معظم المجتمعات العربية تعيش مرحلة من الانفتاح الملحوظ، والفضائيات تعرض الكثير مما كان في الماضي القريب، تجاوزات لا يمكن القبول بها، فلماذا تبقى السيرة الذاتية تراوح مكانها، على هذا السؤال يجيب علي ليلة: «حالة التحرر الحالية تقترب من الانفلات، وعندما يعترف الكاتب في سيرته الذاتية بأن له عشيقة مثلا، فإنه يكرس لهذه الحالة، وهو أمر خطير فى زمن أصبحت القيم تعاني فيه من الضعف والانهيار أحيانا، لذلك أرى أن التفكيك لا يأتي فجأة، وانما على مراحل، وانتقال الصراحة إلى السير الذاتية مسألة وقت فقط، وأعتقد أنه لن يمضي وقت طويل حتى نصل إلى تلك النوعية من الكتابة التي تعتمد على الصراحة في كل التفاصيل، وخاصة الشخصية».
            وحتى يحدث ذلك، ستظل رواية السيرة الذاتية هي المهرب الذي يكفل للكاتب أن يبوح بحرية أكبر:« وهنا أحب أن أميز بين التعبير الملتزم بمرجعيته والتعبير الملتزم بمرجعيات أخرى، فعندما يعتمد كاتب غربي على الصراحة في سيرته الذاتية، فإنه بذلك يكون ملتزما بمرجعيته التى تتقبل ذلك، أما فى مجتمعاتنا العربية فإن اتباع الأسلوب نفسه يتحول إلى استعداد للتفريط في مرجعيتنا، في وقت نعاني فيه من انهيار، ونحتاج إلى إرادة تحافظ لنا على رصيدنا المتبقي».

            المصدر


            د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
            aghanime@hotmail.com

            تعليق

            • أبو شامة المغربي
              السندباد
              • Feb 2006
              • 16639


              رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



              "سيرة "أديـــــب" لطه حسيـن بين الذاتي والغيري"

              الدكتور
              جميل حمداوي


              تمهيــــــد:
              يعد الدكتور طه حسين من أهم كتاب السيرة في أدبنا العربي الحديث سواء أكانت ذاتية أم غيرية، وقد بدأها بالسيرة الدينية كما في كتابه "على هامش السيرة" لينتهي بكتابة السيرة الأدبية الذاتية كما في رائعته "الأيام" أو السيرة الذاتية الغيرية كما في عمله الإبداعي "أديب" علاوة على كتابته المتواصلة لسير المبدعين والأدباء في الأدب العربي القديم والحديث كما في "حديث الأربعاء" و"صوت أبي العلاء" و"ذكرى أبي العلاء" و"مع المتنبي" و"حافظ وشوقي".
              ويتميز طه حسين في كتابة سيره بأسلوب الإسهاب والاستطراد والإطناب وتمثل مقومات المدرسة البيانية صياغة وكتابة لإثارة المتلقي وتشويقه. كما يطبع كتاباته وسيره الجانب الذهني الثقافي والطابع الإنساني كما في سيرته الممتعة "أديب" التي سنحاول مقاربتها من خلال خصائص الرواية ومرتكزات الخطاب الأوطوبيوغرافي والبيوغرافي إن مضمونا وإن شكلا.
              1- عتبـــة المؤلف:
              ولد عميد الأدب العربي في صعيد مصر سنة 1889م من أسرة متدينة محافظة تحب العلم والعمل كثيرا، ودرس طه حسين في الكتاب وحفظ القرآن الكريم، وانتقل إلى الأزهر بالقاهرة حيث أظهر هناك تفوقا كبيرا في الدراسة وحب العلم، وامتلك ناصية الحوار والجدل والمناظرة، إذ كان يدخل في حوار علمي تجديدي مع شيوخه، في حين كان هؤلاء ينفرون من جدله وملاحظاته؛ مما كانوا سببا في إخفاقه وعدم حصوله على الشهادة العالمية.
              انتظم بعد ذلك في الجامعة الأهلية وحصل على الدكتوراه في الأدب العربي القديم حول ذكرى أبي العلاء المعري، وقد طبق المنهج السوسيولوجي في رصده لشخصية أبي العلاء تأثرا بأساتذته المستشرقين ولاسيما أستاذه الإيطالي كارلو نالينو، وبعد ذلك أرسل في بعثة إلى فرنسا لمتابعة دراساته الجامعية العليا، وهناك تعرف على حضارة الغرب وانبهر بها انبهارا إيجابيا.
              هذا، وقد تفوق طه حسين في دروسه وأبحاثه في فرنسا وعاد إلى بلده بدرجة الدكتوراه حول "الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون".
              وكان طه حسين من الأوائل الذين درسّوا في الجامعة المصرية بطرق جديدة وبمناهج أكثر حداثة وعصرنة تعتمد على الشك والتوثيق والتحليل العلمي من أجل الوصول إلى اليقين الصحيح، وكان يحاضر في الأدب العربي القديم ولاسيما الجاهلي منه وقد أثار ضجة كبرى بسبب آرائه الجريئة الجديدة كما يظهر ذلك جليا في كتابه القيم "في الشعر الجاهلي"، وفصل عن الجامعة وأعيد إليها مرة أخرى، وعين بعد ذلك وزيرا للمعارف المصرية إبان حكومة الخديوي، وتوفي سنة 1973م عن عمر يناهز 84 سنة خصصها طه حسين للكتابة والنشر والإبداع والنقد، ودخل في معارك أدبية عدة مع عباس محمود العقاد ومصطفى المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي….
              2- عتبــة العنــوان:
              صيغ عنوان هذه السيرة الأدبية في كلمة واحدة وهي خبر مبتدإ محذوف تقديره "هذا أديب"، وبهذا يكون المتن القصصي بمثابة تمطيط وجواب وخبر لهذا المبتدإ الاسمي، ويحيل العنوان على الشخصية المحورية في هذا العمل الأدبي وهو شخص يمارس الأدب، ومهمة الأديب جليلة وصعبة، إذ يضحي صاحبه بنفسه من أجل أن يسعد الآخرين ويبلغ لهم كل ما تجود به قريحته من مخيلات ذاتية وتجارب موضوعية ليستفيد منها القراء والمتتبعون للمنتج الأدبي.
              وتلتقط هذه السيرة تجربة أديب مهووس بداء الأدب سيجره إلى الجنون والهلاك والتفريط في مستقبله وتحطيم كل سعادته التي بناها بعمله وصبره وإخلاص الزوجة له: " لست أعرف من الناس الذين لقيتهم وتحدثت إليهم رجلا أضنته علة الأدب، واستأثرت بقلبه ولبه كصاحبي هذا. كان لا يحس شيئا، ولا يشعر بشيء، ولا يقرأ شيئا ولا يرى شيئا ولا يسمع شيئا إلا فكر في الصورة الكلامية، أو بعبارة أدق في الصورة الأدبية التي يظهر فيها ما أحس، وما شعر وما قرأ، وما رأى وما سمع … وكان يقضي نهاره في السعي والعمل والحديث حتى إذا انقضى النهار، وتقدم الليل وفرغ من أهله ومن الناس وخلا إلى نفسه، أسرع إلى قلمه وقرطاسه وأخذ يكتب ويكتب ويكتب حتى يبلغ منه الإعياء وتضطرب يده على القرطاس بما لا يعلم ولا يفهم، وتختلط الحروف أمام عينيه الزائغتين، ويأخذه دوار فإذا القلم قد سقط من يده، وإذا هو مضطر إلى أن يأوي إلى مضجعه ليستريح. ولم يكن نومه بأهدأ من يقظته، فقد كان يكتب نائما كما كان يكتب يقظا، وما كانت أحلامه في الليل إلا فصولا ومقالات، وخطبا ومحاضرات، ينمق هذه ويدبج تلك، كما يفعل حين كانت تجتمع له قواه العاملة كلها. وكثيرا ما كان يحدث أصدقاءه بأطراف غريبة قيمة من هذه الفصول والمقالات التي كانت تمليها عليه أحلامه فيجدون فيها لذة ومتاعا". [1]
              ويتسم عنوان هذه السيرة الروائية بالاختصار والإيجاز والتكثيف والتلميح الكنائي، كما يحوي هذا العنوان مكونا شخوصيا على غرار الرواية العربية الكلاسيكية في المنتصف الأول من القرن العشرين حيث كان الروائيون يختارون الأسماء الذكورية والأنثوية عناوين لأعمالهم الأدبية والإبداعية على غرار الرواية الأوربية (مدام بوفاري لستندال مثلا)، ومن بين هذه العناوين الشخوصية في الرواية العربية "سارة" للعقاد، و"زينب" لمحمد حسين هيكل، و"علم الدين" لعلي مبارك، و"ليالي سطيح" لحافظ إبراهيم، و"إبراهيم" و"إبراهيم الثاني" لعبد القادر المازني، و" يوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم و"حكمت هانم" لعيسى عبيد و"عذراء دنشواي" لطاهر لاشين…
              3- التعيــين الجنسي:


              يندرج النص الذي بين أيدينا ضمن السيرة الروائية أو فن السيرة الأدبية أو ضمن الخطاب الأوطبيوغرافي أو البيوغرافي. ويعني هذا أن "أديب" سيرة أدبية فنية، ولكنها ترجمة غيرية يتولى الكاتب ترجمة الحياة الشخصية لصديق له يمارس حرفة الأدب ويعيش بها انتشاء وافتتانا. ولكن هذه السيرة يتداخل فيها ماهو ذاتي وغيري. أي إن النص سيرة للذات الكاتبة وهو حاضر بأسلوبه وضميره وتعليقاته وكل المؤشرات التلفظية التي تحيل عليه. كما ترصد هذه الذات الكاتبة حياة صديقه الأديب من زاويته الشخصية وعبر الكتابات التي كان يرسلها إليه صديقه في شكل رسائل وخطابات ومذكرات.
              وعليه، فهذه سيرة من نوع جديد فهي ليست كالسيرة الذاتية التي نقرأها في"الأيام" لطه حسين أو "حياتي" لأحمد أمين أو "في الطفولة" لعبد المجيد بن جلون أو "حياة سلامة موسى" لسلامة موسى… وهي ليست سيرة غيرية تعتمد على التسجيل والترجمة التوثيقية أو الأدبية، بل النص يجمع بين هذين الفنين، ويعني هذا أن الكتاب سيرة غيرية ذاتية وذلك لتداخل الذاتي في الغيري والعكس صحيح. ومن الأدلة على حضور السيرة الذاتية في الكتاب الارتكاز على ضمير التكلم واستحضار التجربة الذاتية والإحالة على طه حسين في الأزهر والجامعة وباريس، والإشارة إلى عمى الكاتب واستعانته بخادمه الأسود الذي كان يرافقه، وإشارته إلى كثير من معالم قريته في الصعيد وهي نفس الملامح والقسمات التي كانت تشير إليها سيرته الذاتية"الأيام". وتعني هذه المطابقة بين السارد والكاتب أن هذا العمل سيرة ذاتية حيث يسترجع الكاتب فيها حياته الشخصية وعلاقاته مع أصدقائه بطريقة ضمنية حيث ينظر إلى نفسه في مرآة الآخر، ويقارن نفسه بالأدباء الآخرين الذي أودى بهم العبث والانحلال الخلقي إلى الهاوية والجنون ولوثة العقل والهستيريا. ومن الأدلة على كون هذه السيرة ذاتية وغيرية الجمع بين ضميري التكلم والغياب، والانتقال من ذات الكاتب إلى ذات صديقه الأديب:"فقد عرفته في القاهرة قبل أن يذهب إلى باريس، ثم أدركته في باريس بعد أن سبقني إليها. عرفته مصادفة وكرهته كرها شديدا حين لقيته لأول مرة، كنا في الجامعة المصرية القديمة في الأسبوع الأول لافتتاحها وكنت أختلف إلى ما كان يلقى فيها من المحاضرات، حريصا عليها مشغوفا بها معتزما أن لا أضيع حرفا مما يقول المحاضرون. وكان مجلسي لهذا دائما قريبا من الأستاذ." [2]
              وعندما ينتقل الكاتب إلى تصوير صديقه الأديب يقوم برصده وتبئيره من خلال منظاره الذاتي ويقدمه من زاوية الغياب، ولكن عبر رؤية ذاتية تتساوى فيها معرفة السارد والكاتب على حد سواء.
              ومن مقومات خطاب السيرة في الكتاب حضور ظاهرة الالتفات من خلال الانتقال من ضمير التكلم إلى ضمير الخطاب والغياب على عادة طه حسين في كتابة سيره التاريخية والأدبية، والتماثل بين الراوي والمؤلف الخارجي من خلال تشابه سيرهما تخييلا وتوثيقا، والاعتماد على تقنية الاسترجاع والتذكر في سرد الحياة الشخصية الداخلية لصديقه الأديب ولحياته بطريقة موحية تعتمد على التلميح الضمني. كما تستند السيرة هنا إلى استخدام الزمن الهابط وتفتيت ذاكرة الماضي إلى لوحات فنية تعتمد على فلاش باك وتنوير الماضي على ضوء الحاضر، وتتبع الشخصية في نموها الديناميكي حتى صعودها المادي والمعنوي مع تسجيل مسارات الإخفاق والفوز والانتصار.
              وتدل هيمنة الأفعال الماضية على استرجاع الزمن المفقود وتبيان الصراع الذاتي والموضوعي الذي عاشه الأديب في مجابهته للواقع وصراعه مع نوازعه الذاتية. وما المذكرات والرسائل واليوميات المثبتة داخل المتن الروائي سوى أدوات للتذكر والاسترجاع قصد فهم شخصية الأديب وتفسيرها على ضوء الظروف الذاتية والموضوعية التي مر بها.
              ويحضر الذهني داخل هذه السيرة على غرار سيرة" أوراق" الذهنية لعبد الله العروي التي يسرد فيها مسار إدريس التربوي والعلمي والثقافي والمعارف التي اكتسبها ومشاركاته الأدبية والنضالية التي كانت تعبر عن مستواه المعنوي وطبيعة ثقافته ورؤيته الإيديولوجية.
              ومن خصائص السيرة في هذا النص التذويت والانطلاق من الرؤية السردية التي يتداخل فيها المنظور الداخلي والمنظور الصفري الموضوعي المحايد، أي يزاوج الكاتب داخل نصه الروائي بين الرؤية "مع" والرؤية من الخلف، ويعني هذا أن الكاتب من خلال خاصية الالتفات ينتقل من رؤية محايدة تعتمد على التبئير الصفري لينتقل إلى رؤية ذاتية داخلية، كما ينتقل من ضمير التكلم إلى ضمير الغياب والعكس صحيح كذلك. كما أن الكاتب والشخصية يتناوبان على مسار الحكي، فالكاتب يستعمل السرد في الحكي، والأديب يتكئ على الكتابات والحوار والرسائل والمذكرات واليوميات في إيصال صوته، كأن هذه السيرة بداية للرواية الحوارية العربية إذ نلفي كل شخص يعبر عن وجهة نظره، ويترك الكاتب الحرية للقارئ لكي يختار الرؤية الصحيحة في التعامل مع الحياة والحكم على الشخصية الروائية.
              وعلى الرغم من كون هذا العمل الأدبي نصا يجمع بين الأوطوبيوغرافيا والبيوغرافيا، فإننا سنتعامل معه على أنه نص روائي مادام يمتلك كل الخصائص التي تستند إليها الرواية كالمقومات القصصية والسردية علاوة على خاصية التخييل الفني والتشويق الأدبي.
              4- عتبــــة الإهداء:

              إذا كانت ظاهرة الإهداء معروفة في الثقافة الغربية وأصبحت تقليدا ثقافيا معهودا عند الكثير من الكتاب والروائيين، فإن هذه الظاهرة موجودة كذلك في أدبنا العربي قديما وحديثا، ولكن ليس بالشكل والكم اللذين نجدهما في الثقافة الغربية. ويعد طه حسين من أهم الكتاب الروائيين الذين سبقوا إلى الاهتمام بظاهرة الإهداء كما هو مثبت في بداية سيرته "أديب" حيث يهدي عمله إلى أعز صديق لديه والذي كان بجانبه يواسيه عندما طرد من الجامعة ظلما، وكان أيضا من المهنئين الأوائل عندما أعيد المؤلف إلى الجامعة ليستكمل التدريس فيها. لذلك فالإهداء المثبت في أول الكتاب هو إهداء الصداقة والأخوة وميثاق الوفاء والإخلاص بين المهدي والمهدى إليه. ويرد الإهداء هنا في شكل نص مقطعي تحية للمهدى إليه مليئة بالصدق والمحبة والإخاء والإخلاص.
              وسنترك القارئ يتدبر هذا الإهداء ويتفرس معانيه ويتأمل طريقة صياغته والمقصدية التي يرومها من خلال هذا الإهداء الإخواني المعبر:
              "أخي العزيز
              وددت لو أسميك، ولكنك تعلم لماذا لا أسميك، وحسب الذين ينظرون في هذا الكتاب أن يعلموا أنك كنت أول المعزين لي حين أخرجني الجور من الجامعة، وأول المهنئين لي حين ردني العدل إليها.
              وكنت بين ذلك أصدق الناس لي ودا في السر والجهر وأحسنهم عندي بلاء في الشدة واللين.
              فتقبل مني هذا العمل الضئيل تحية خالصة صادقة لإخائك الصادق الخالص". [3]
              5- المستوى الدلالي والحدثي:

              يرصد طه حسين في عمله الأدبي "أديب" سيرة صديق له يمارس الأدب والتفكير من أجل خدمة الناس وإسعادهم. وكان هذا الأديب أعز الأصدقاء إلى الكاتب، إذ عاشره كثيرا منذ افتتاح الجامعة المصرية الأهلية رفيقا وصديقا. وقد تعرف عليه الكاتب داخل حرم الجامعة وخاصة في قاعة المحاضرات؛ لأنه كان يتكلم بصوت جهوري غليظ صاخب؛ مما كان يعرقل عملية الإنصات و سماع الطلبة لأساتذتهم أثناء إلقائهم لدروسهم ومحاضراتهم. وكان الكاتب عاجزا عن متابعة الدروس والسماع إلى الأساتذة في هذا الجو الذي يسوده الضجيج وصخب الكلام والتشويش المتواصل الذي يربك عملية التواصل والتفاهم بين الطلبة وأساتذتهم. وهذا التصرف الشائن الذي كان يصدر من هذا الأديب هو الذي دفع بالطلبة الآخرين إلى الهروب منه وعدم الجلوس في المدرج الذي يجلس فيه، لأنه أصبح مزعجا بثرثرته التي حولت الجد إلى هزل وإزعاج للآخرين. وكان الأساتذة المحاضرون يتدخلون مرارا ليمنعونه من الاستمرار في حديثه الصارخ أو التمادي في كلامه العابث فيسكتونه عنوة ولوما. وهذا ما دفع بهذا الأديب إلى معاتبة الكاتب السارد وأصدقائه من الأزهريين على ماصدر منهم من سلوكيات تسيء إليه، ومن هنا بدأت لحظة التعارف والتفاهم بين الأديب والكاتب.
              ويتبين لنا من وصف الكاتب أن صديقه الأديب ذميم الوجه وقبيح المنظر والشكل، وصوته غليظ جدا يثير الرعب والخوف، صاخب في كلامه وثرثار في حديثه، يستعمل الصور الأدبية ويحول الجد إلى الهزل. وهو من أسرة ريفية غنية في أقصى الصعيد، جاوز الثلاثين من عمره، يبدو منحني القامة من شدة القراءة والكتابة، يكتب النثر والشعر معا. كما أنه أتم درسه الثانوي منذ أعوام، واتصل بوزارة الأشغال يعمل فيها كاتبا في بعض الدواوين يقصدها في وجه النهار، أما آخر النهار وجزء غير قليل من الليل فقد خصصه للقراءة والدرس والإبداع والكتابة.
              وقرر الأديب أن يعقد صلة وصل ومحبة بينه وبين صديقه الكاتب الذي كان ضرير العين يقوده خادمه الأسود أينما حل وارتحل. وستؤدي هذه الصلة الحسنة بالأديب إلى أن يتخذ زميله الكاتب صديقا له في الدروس وخليلا له يطلعه على حياته الشخصية الخاصة به لما عرف عنه من وفاء وإخلاص ونزاهة وحب علم. وكان يستصحبه الأديب إلى منزله المتواضع الذي يقع في أعالي مرتفعات القاهرة. ويعد أن ينتهيا من لقمة العشاء وشرب الشاي يدخل الصديقان في حوار حول دروس المنطق وأصول الدين والفقه ومادة اللغة الفرنسية التي كان الكاتب يجد فيها صعوبة كبيرة في اكتسابها وتعلمها، وغالبا ما كانت هذه الحلقات الثقافية تتحول إلى مسامرات شخصية لا فائدة منها ولا طائل.
              وبعد فترة من الزمن، قررت الجامعة أن ترسل بعثة علمية إلى الخارج لمتابعة دراساتها العليا في فرنسا، وكان الأديب من بين أعضاء البعثة نظرا لكفاءته وتفوقه في امتحان الانتقاء. بيد أن الأديب كان يجابه مشكلا عويصا هو زواجه من حميدة بنت قريته الجميلة التي رضيت الزواج به على الرغم من أن جل فتيات القرية رفضنه لذمامته وقبحه البشع. وهنا يلتجئ إلى الكاتب ليستشيره في هذه القضية العويصة التي أوقعت الأديب في حيرة كبيرة وجعلته معلقا في منزلة بين المنزلتين: الظلم والكذب.
              وبعد لأي وجهد في التفكير، اهتدى الكاتب إلى أن يطلق زوجته بدلا من الكذب على الجامعة، لأن الطلاق على الرغم من حكم الكراهية فهو حلال، فأبغض الحلال عند الله الطلاق. لكن صديقه الكاتب رفض هذا الحل واعتبره سلوكا شائنا، وطالبه أن يبقى في القاهرة مع زوجته بدلا من المغامرة والبحث عن العلم في بلدان الغرب، وهذا العلم يوجد حتى في بلده مصر. لكن الأديب رفض وجهة نظره وعزم على الطلاق وصمم على السفر في أقرب الأوقات. وهكذا ودع مطلقته حميدة وأرسلها إلى قريته حزينة ذليلة. وقبل مغادرة البلاد، ودع والديه العجوزين اللذين لم يرضيا على سفره المفاجئ إلى أرض الغربة وتمنيا أن يمكث ولدهما قريبا منهما.
              وسافر الأديب عبر الباخرة إلى فرنسا واستقر أياما في مرسيليا ريثما ينتقل إلى باريس. ولكنه لما رأى فتاة في إحدى فنادق مارسيليا اندهش لجمالها وعذوبة لسانها فارتمى في أحضان حبها وانغمس في الشهوات ولذة الخمر وكل المحرمات، ولم يستطع الصبر و الابتعاد عن "فرنند" خادمة الفندق التي يتخيلها كثيرا في أحلام اليقظة والمنام وفي هذياناته الشبقية.
              وتأخر الأديب كثيرا في اللحاق بباريس رغبة في استكمال متعته والاستمتاع بفاتنته الجميلة التي تختلف اختلافا جذريا عن زوجته حميدة في مصر.
              وعندما التحق بباريس أظهر خبرة عالية وتفانيا كبيرا في الدروس والحضور إلى جانب أساتذته، لكن سرعان ما سيدفعه تهوره اللاأخلاقي إلى التقاعس والكسل والخمول والغرق في المسكرات والاستمتاع الشبقي، وسيصاب بعد ذلك بالجنون والهذيان وكثرة الأمراض العضوية والنفسية التي بدأت تنتابه في كل لحظة، وازدادا حيرة وجنونا مع اشتداد الحرب على باريس، ومطالبة الحكومة المصرية لأعضاء البعثة بالرجوع فورا إلى البلد إلى أن تستقر الأمور المالية والسياسية وتضع الحرب أوزارها. لكن الأديب امتنع عن الانصياع لأوامر السلطة الحكومية، وبقي في فرنسا يبحث عن لذته الأبيقورية بين كؤوس الخمر وسيقان المتعة والافتتان.
              بعد هذه البعثة الأولى، سترسل الحكومة المصرية دفعة أخرى وسيكون الكاتب ضمنها، وعندما سيصل إلى باريس سيندهش كثيرا للوضع الذي آل إليه صديقه الأديب الذي أودت به الأيام إلى الجنون وفقدان العقل وأصبح لا يغادر المصحات النفسية والعضوية، وقد يئس الأطباء من شفائه وسلامته.
              ومن هنا سيخسر الأديب زوجته حميدة التي طلقها وتركها تنتظره على جمر اللظى والأمل الخادع حتى يستكمل دراسته، كما ترك والديه يتعذبان ويشتاقان إليه كثيرا وهو لايكن لهما أي شيء من الطاعة والحب والاحترام، بعد أن أودت به الغربة الذاتية والمكانية إلى عالم الشهوة والجنون، و ضيع كذلك مستقبله ودراسته وحياته العلمية لما استسلم لدواعي الخمرة وغرائز الجسد وانساق وراء انفعالاته النفسية ورغباته الشبقية.
              6- رهـــان السيرة:

              يؤشر رهان هذه السيرة على كون الكثير من المثقفين العرب في بداية القرن العشرين انبهروا كثيرا بحضارة الغرب وانساقوا وراء نزواتهم وكانت رؤيتهم بالتالي للغرب على أنه رمز للحرية والعلم والتقدم والإشباع الغريزي لكل المكبوتات الدفينة، وهذا ما عبرت عنه الكثير من الروايات العربة كرواية "الحي اللاتينى" لسهيل إدريس و"موسم الهجرة للشمال" للطيب صالح و"عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم و"الأيام" لطه حسين و"قنديل أم هاشم" ليحيى حقي. ومن ثم، تصور هذه الرواية البيوغرافية الصراع الحضاري بين الشرق والغرب، والتقابل بين عالم الكبت وعالم التحرر، وبين عالم التخلف وعالم التقدم، وبين الانحطاط الحضاري والرقي المدني. لذلك كان ينظر الأديب إلى مصر وزوحته حميدة بنظرة تغاير نظرته إلى فرنند وفرنسا. إذاً، هناك جدلية وتفاوت بين هذين الفضاءين حتى إن الأديب لم يرتض العودة إلى بلده لما قامت الحرب على فرنسا، وكان يتمنى الدفاع عن هذا البلد في وجه النازية؛ لأن هذا البلد يقترن في ذاكرته بالحب والحرية والإشباع الشبقي، أما بلده فيقترن بالكبت والحرمان وصعوبة المسؤولية.
              7- المقومات القصصية والسردية:

              أ- الحبكة السردية:
              تنبني حبكة هذه السيرة التي سنتعامل معها كنص روائي على خمسة مقومات رئيسية منها البداية التي تظهر لنا الأديب في وضعية الرجل الكفء و المثقف الموسوعي في مجال العلم والمعرفة على الرغم من صورته البشعة المقززة، والعقدة التي تتمثل في انصرافه عن زوجته حميدة وعائلته وبلده بحثا عن العلم لتحقيق حياة مستقبلية سعيدة. أما الصراع فيتجلى في مواجهة الأديب لذاته وتصديه للعراقيل التي تكاد تمنعه من السفر إلى الخارج ومحاولته الجادة لإقناع والديه بما قد عزم عليه، وفشله أمام الحب الشديد الذي كان يكنه لخادمة الفندق بمرسيليا ومجابهته للجهل والحرب، وفشله أمام مرضه الهستيري الذي أصيب به من جراء انحرافه سلوكيا وإفراطه في السهر والشرب والانحلال الأخلاقي. ويكمن الحل في الانعزال والانطواء على النفس في المستشفيات النفسية بحثا عن العلاج والراحة، وتختم السيرة بنهاية تراجيدية تتمظهر في إصابة الأديب بلوثة الحمق والجنون.
              ب- خصائص الشخصيات في السيرة:
              ومن أهم الشخصيات الموجودة في النص نذكر الشخصيتين المحوريتين: الأديب و الكاتب، فشخصية الأديب شخصية محورية أساسية دينامكية ومركبة ونامية؛ لأنها تتغير حسب إيقاع النص الروائي السيروي، إذ ننتقل من شخصية ذات باع في الأدب والشعر تهتم بالعلم والثقافة وتقرأ الكثير إلى شخصية ظالمة للزوجة وعاقة لوالديها لينتهي بها المطاف لتكون شخصية منحطة مصابة في عقلها بعد انحرافها وتدهور أخلاقها واستسلامها للشهوات والغرائز المادية. أما الكاتب فشخصية بسيطة تحافظ على نفس إيقاعها ودماثة أخلاقها، ولم تنبهر بحضارة فرنسا كما انبهر بها الأديب ولم تنغمس في ملذات الدنيا كما انغمس فيها الآخر، لذلك نجد شخصية الكاتب شخصية مغايرة ومقابلة للشخصية الأولى التي سقطت في الرذيلة والدنس الأخلاقي. ومن ثم، يحاكم طه حسين كل أديب يفرط في رسالة الأدب ويحولها إلى وجهة غير صحيحة، حيث يقرن مهمة الأدب بسوء الأخلاق والارتماء في أحضان الموبقات والتخلي عن مقومات التربية الإسلامية الصحيحة. وما ينبغي أن نأخذه من الغرب حسب المؤلف هو العلم والتكنولوجيا والفكر، وألا نأخذ السلبيات ونسقط في مهاوي الشر والدناءة والرذيلة باسم الأدب والشعر. وهذا يذكرنا بمصير كثير من الكتاب الغربيين والعرب الذين أودى بهم المآل إلى الحمق والجنون والانتحار والموت مثل: بودلير وريمبو وهمنغواي ونتشه وخليل حاوي….ولكن التحلل من الأخلاق والعربدة والمجون والتسكع في الشوارع لايخلق الأدب ولا يسمو برسالة الأديب أو يعلو بها، بل على العكس يقدم صورة مشوهة قاتمة تسيء إلى الأدب ويصبح بذلك نقمة وعارا على صاحبه وعلى مريدي الأدب والفن.
              وإذا كانت شخصية الكاتب مثالية في نبل أخلاقها وطيبوبة محتده وكرم سلوكه، فإن الأديب عبارة عن شخص عابث لا يبالي بالآخرين وخاصة زوجته حميدة التي همشها وطلقها بكل سهولة كأنها لعبة سريعة التخلص منها في أي وقت يريد فيه أن يتخلص من ذويه، والتمادي كذلك في الابتعاد عن والديه العجوزين اللذين يتشوقان إلى رؤيته ويتمنيان أن يكون ابنهما قريبا منهما. من هنا، فأديبنا شخصية أنانية وذميمة في كل شيء، لذلك فأوصافها البشعة الدنيئة تدل على طبائعها الأخلاقية أيما دلالة.
              وثمة شخصيات ثانوية وعابرة أخرى يستحضرها المؤلف داخل السياق الروائي السيروي كالخادم الأسود وحميدة والوالدين وفرنند وأخ الكاتب، وهذه الشخصيات لها دور تكميلي وهامشي حيث يستدعيها الكاتب كعوامل مساعدة عبر صور التذكر والاسترجاع والاستيحاء كما يسترجع شخصيات تناصية أدبية أخرى كأبي العلاء المعري والمتنبي والأخطل وموسيه…
              ت- الفضاء الروائي في السيرة:
              ويتقابل في هذه السيرة فضاءان متناقضان: فضاء مصر وفضاء فرنسا، فالفضاء الأول يمثل بالنسبة للأديب فضاء التخلف والانحطاط والكبت والحرمان والتقاليد الموروثة البالية، في حين يمثل له فضاء فرنسا الحضارة والتقدم والرقي والعلم والأدب الحقيقي، و يجسد له أيضا الحرية والإشباع الغريزي والارتماء في أحضان اللذة والشهوة المادية الإيروسية. كما تمثل له فرنسا كذلك الجمال والاستقرار الروحي والارتواء بالحب الفاتن والسعادة الشبقية الدنيوية.
              ويعكس هذا التداخل الجدلي بين فضاء منغلق وفضاء منفتح الصراع الحضاري بين الشرق والغرب والأصالة والمعاصرة والهوية والاغتراب والمادة والروح. ومن ثم، تبقى صورة الأوربي لدى المثقف الشرقي المنبهر مثل هذا الأديب صورة إنسان متقدم يمتلك العلم في نفس الوقت يمتلك الجسد والجمال وهذا مالا يوجد في الشرق. إن هذه الصورة انبهارية سطحية ترى الغرب على أنه كله إيجابيات، وتغفل الجانب السلبي الذي يتمثل في انهيار الأخلاق وانتشار الرذيلة والفاحشة وتردي الإنسان الأوربي ومعاناته من الفراغ الروحي.
              كما يتقابل داخل فضاء مصر: فضاء المدينة (القاهرة) بمؤسساتها العمومية والرسمية والخاصة وشوارعها المليئة بالحركة والازدحام، وفضاء البادية الذي تغير أيما تغير بفعل الحضارة والمدنية الجديدة حيث شوهت معالم البادية المصرية وأتت على كل ما هو جميل في ذاكرة الكاتب.
              ث- المنظور السردي:
              وعلى مستوى المنظور السردي، نلاحظ تنوعا وانتقالا من المنظور الصفري الموضوعي المحايد إلى المنظور الذاتي الداخلي، كما ينتقل الكاتب من ضمير الغياب إلى ضمير التكلم والعكس صحيح كذلك، وبذلك تختلف مستويات المعرفة والحكي حسب كل منظور، ففي الرؤية الداخلية تتساوى معرفة كل من الراوي والشخصية، وفي المنظور الصفري تعلو معرفة السارد على معرفة الشخصية.
              ومن مميزات الرؤية السردية في سيرة "أديب" أنها قائمة على خاصية الالتفات على عادة طه حسين في سيره وخاصة سيرة "الأيام" التي ينتقل الكاتب فيها من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم. ولكن الهيمنة في هذا النص للرؤية "مع" الداخلية الذاتية التي يتساوي فيها السارد والشخصية على مستوى المعرفة.
              ويستهدف السارد في هذا النص السرد والتبليغ والتنبيه والتصوير والتنسيق بين الشخصيات والوصف والتشخيص وإدانة كل المثقفين والأدباء الذين ينبهرون بالحضارة الغربية عن جهل ودون وعي، وينساقون وراء غرائزهم وشهواتهم الدنيئة حتى يصابوا بلوثة الحمق والجنون والضياع والهلاك والموت.
              ث- بنية الزمن السردي في السيرة:
              ويتخذ الزمن في الرواية إيقاعا استرجاعيا، لأنه يقوم على الذاكرة وفلاش باك واستعادة الزمن المفقود والذكريات الدفينة. ومن ثم، فالزمن في النص زمن هابط على الرغم من كرونولوجية الأحداث وتعاقبها في مسار النص. ويعني هذا أن الكاتب ينطلق من حاضر الكتابة ويعود إلى الماضي ليستقرىء تجربة الأديب في صراعه مع نفسه ونزواته والواقع الذي يحيط به. ويشاركه في هذا الاستذكار الكاتب الذي يحيي فترة من حياته على مرآة صورة الآخر المقابل، ولكنه شبيهه في الهوية والدين والمكان.
              وعلى الرغم من تواتر الأحداث وتعاقبها الكرونولوجي، إلا أننا نلاحظ توقفا كبيرا في مسار إيقاع الأحداث بسبب الوقفات الوصفية المملة المليئة بخاصية الإسهاب والاستطراد. ومن هنا يمكن تلخيص الرواية في ورقتين أو ثلاث ورقات على الأكثر، ولولا هذا الاستطراد والوصف الممل والمشاهد المقحمة لكان النص في صيغة أجناسية وأدبية أخرى. وهكذا نلاحظ أن الكاتب يحشو سيرته بالرسائل الطويلة والكتابات المسهبة والمذكرات المسترسلة، وكل هذا حشو في حشو واستطراد متشعب كان على الكاتب أن يتفاداه ويتجنبه، ناهيك عن الإكثار من التكرار الأسلوبي والتمطيط فيه تطويلا وتشعيبا وتوسيعا مع استخدام أساليب الانفعال والإنشاء التي يستعملها الكاتب كأنه يكتب مقالا إنشائيا يظهر فيه الكاتب فصاحته وبلاغته ومقدرته الإبداعية وكفاءته السردية والبيانية. وإلى جانب الإيقاع البطيء الناتج عن الوقفات الوصفية والمشهدية، فإن هناك إيقاعا سريعا يتمثل في الحذف لسنوات من الزمن في جملة ورقية كما في هذا المثال النصي: "وانقضى العام الأول والثاني والثالث من حياتنا في الجامعة على هذا النحو، لم يتقدم هو في درس المنطق ولم أتقدم أنا في درس الفرنسية، ولكننا تقدمنا في إدارة هذه الأحاديث الطويلة المختلفة التي تلم بكل شيء ولا تكاد تتقن شيئا، ولكنها تفتح القلوب لألوان من العواطف وتهيئ النفوس لضروب من الخواطر، وتغير الطريق التي كان كل واحد منا قد رسمها لنفسه في الحياة". [4]
              وإذا كان الزمن استرجاعيا فهناك أيضا الزمن الاستشرافي الذي يحيل على أحلام المستقبل وتطلع الشخصيات إلى الغد السعيد من أجل تغيير أوضاعها التي هي عليها الآن: "كان يريد أن ينفق حياته موظفا يثقف نفسه ثقافة جديدة في كل يوم ويلتمس لذته في القراءة والكتابة والحديث. فأصبح أشد الناس بغضا لديوانه وزهدا في عمله، ورغبة في أن يهجر مصر ويعبر البحر إلى بلد من هذه البلاد التي يطلب فيها العلم الواسع والأدب الراقي، وتتغير فيها الحياة من جميع الوجوه. وكنت أريد أن أكون شيخا من شيوخ الأزهر مجددا في التفكير والحياة على نحو ماكان يريد المتأثرون للشيخ محمد عبده أستعين على ذلك بما أسمع في الجامعة، وما أقرأ من الكتب المترجمة، وما أجد في الصحف، وما أتلفظ من أحاديث المثقفين، فأصبحت وأنا أشد انصرافا عن الأزهر، ونفورا من دروسه وشيوخه، وحرصا على أن أهجر مصر وأعبر البحر إلى بلد من هذه البلاد التي يطلب فيها العلم الواسع والأدب الراقي وتتغير فيها الحياة من جميع الوجوه ولم يكن لصاحبي ولا لي إذا التقينا حديث إلا هذه الهجرة وأسبابها وإلا هذه الأحلام العريضة البعيدة التي لا حد لها، والتي تستأثر بنفوس الشباب حين يفرضون على أنفسهم بلوغ غاية بعيدة شاقة. حين تخيل إليهم آمالهم أن بلوغ هذه الغاية أمر يسير". [5]
              نلاحظ في هذا النص مجموعة من الأحلام والآمال المستقبلية التي يستشرفها كل من الكاتب والأديب وهي رهينة بمصداقية الواقع في المستقبل الذي قد يصدقها أو يكذبها.
              ح- مميزات الأسلوب في السيرة:
              وإذا انتقلنا إلى أسلوب سيرته الروائية "أديب"، فنجد الكاتب يشغّل السرد بكثرة، كما يستعين بالحوار عن طريق اللجوء إلى المناظرة الأسلوبية التي تتجلى في الردود التي يسجلها الأديب على تساؤلات الكاتب واستفساراته والتواصل معه. فاستعمال الكاتب للمذكرات واليوميات والرسائل هو نوع من الكتابة الحوارية وهي سمة من سمات الحجاج والإقناع والمناظرة والجدل الثقافي والمنطقي.
              ويوظف الكاتب إلى جانب المناجاة والحوار الداخلي الأسلوب الفانطاستيكي القائم على التحول الغرائبي والامتساخ الساخر:
              "ولست حمارا ياسيدي مهما يكن رأيك في وفي ذلك الشيخ، أو قل كنت حمارا قبل أن أعبر البحر، فلما دخلت هذا الفندق، وصعدت إلى هذه الغرفة وأويت إلى هذا السرير، وانغمست في فراشه الوثير، وأدركني ما أدركني من النوم العميق، وأيقظتني هذه الفتاة ذات الوجه المشرق والثغر المضيء والحديث الحلو والروح الخفيف، نظرت فإذا لم أبق حمارا، وإذا أنا قد مسخت إنسانا أو قل صورت إنسانا إن كلمة المسخ لا ترضيك، ولكني على كل حال قد دخلت النوم حمارا وخرجت منه إنسانا يحس ويشعر ويعقل ويذوق لذة الجمال ويعرف كيف يستمتع بسحر العيون." [6]
              وتتسم كتابة طه حسين في هذه السيرة بنصاعة البيان وفصاحة الألفاظ وبلاغة الأسلوب والإكثار من التكرار اللفظي واستخدام اللازمة الانفعالية وأساليب الإنشاء الموحية الدالة على التفجع والتحسر والتأسف، كما أكثر الكاتب من المفعول المطلق على غرار كتابات مصطفى المنفلوطي وأطنب كثيرا في الشرح والتفسير، وأسهب في الوصف والتصوير.
              هذا، وتمتاز الكتابة البيانية عند طه حسين بمتانة السبك وصحة النظم الفني وجريانها على أصول اللغة العربية واستخدام التصوير المجازي والتجسيد البلاغي وترجيح كفة البيان على البديع وإسقاط الخصوصية الذاتية على الكتابة تلوينا وانفعالا وإحساسا حسب السياقات النفسية والموضوعية. كما تتسم الكتابة بجزالة اللفظ والإسهاب والاستطراد والترادف والتأكيد المصدري والاستعانة بالأساليب استفهاما وتعجبا وإنكارا واشتراطا واستثناء وندبة.
              وإليكم نموذجا يبين لنا مقومات الكتابة البيانية لدى طه حسين الذي يعد من رواد المدرسة البيانية في النثر العربي الحديث في القرن العشرين إلى جانب مصطفى لطفي المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي وشكيب أرسلان ومحمد عبده و إبراهيم اليازجي وحسن الزيات وغيرهم، وهذه المدرسة امتداد للمدرسة البيانية القديمة التي كان يتزعمها الجاحظ والجرجاني وأبو حيان التوحيدي:
              "يا للحزن والأسى، يا للوعة والحسرة، يا لليأس والقنوط، أيبلغ العنف بالزمان أن يمحو هذا المقدار الضخم من حياة الناس في أعوام قصار، لقد جد جيل وجيل في إقامة معمل السكر وإقامة ما حوله من الدور، بل من القرى، لقد عاش جيل وجيل، بهذا المعمل ولهذا المعمل، لقد عاش جيل وجيل بهذه القناة ومن هذه القناة. فكل هذا الجهد، وكل هذا العناء وكل هذه الذكرى، وكل ماكان على شاطئ القناة، وحول معمل السكر من جد وهزل ومن لذة وألم، ومن حب وبغض، ومن أمل ويأس، ومن مكر ونصح، ومن خداع وإخلاص، كل هذا يذهب في أعوام قصار لا تكاد تبلغ عدد أصابع لليد الواحدة، كان شيئا من هذا لم يكن، وكان نفسا لم تتأثر بما أثارته الحياة في هذه الأرض من العواطف وكان شفة لم تبتسم لما أنبتته هذه الأرض من أسباب الحزن والأسى، يا للحزن اللاذع، يا للألم الممض، ويا لليأس المهلك للنفوس! لقد ماتت قناتنا أيها الصديق" [7]
              نستنتج من خلال هذا المقطع النصي أن المدرسة البيانية لدى طه حسين تمتاز بتنويع الأساليب الإنشائية كأن الكاتب يكتب قصيدة شعرية أو قصيدة منثورة يستعمل اللازمة النثرية الدالة على التحسر والتفجع، ويشغل التكرار بكثرة والتوازي التركيبي والتتابع والازدواج في توظيف الجمل والإطناب في توسيع الفكرة وتمطيطها، كما يستعمل الكاتب الصور البلاغية من تشبيه واستعارة ومجاز وكناية والمحسنات البديعية من سجع وطباق ومقابلة وترادف وتكرار والتماثل الصوتي والتجانس الإيقاعي.
              وقد وظف الكاتب عدة خطابات في نصه الروائي هذا منها: خطاب السيرة وخطاب الامتساخ وخطاب الرسائل وخطاب المذكرات وخطاب اليوميات وكل هذا لإثراء نصه بالتنوع اللغوي والتعددية الأسلوبية.
              ج- الوصف في السيرة:
              التجأ الكاتب إلى الوصف لتصوير الشخصيات والأمكنة والأشياء والوسائل لنقل عالم الحكاية وتجسيده في أحسن صياغة فنية. ويمتاز وصف الكاتب بالاستطراد والإسهاب والتطويل على غرار الكتاب الواقعيين أمثال: فلوبير وبلزاك وستندال وإميل زولا ونجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف.
              وقد بدأ الكاتب سيرته باستهلال روائي وصفي يشخص فيه صديقه الأديب لينتقل بعد ذلك لعرض الأحداث السردية لينهي نصه بعرض مأساة الأديب ونهايته الفظيعة بعد حياة بوهيمية عبثية في حضن الجمال وغواية السكر ومفاتن الجسد وخمول العقل.
              ويلاحظ على وصف طه حسين للأديب أنه وصف كاريكاتوري بشع يشمل الداخل والخارج حيث يلتقط المساوئ والعيوب بدقة متناهية قصد استدراج القارئ لمشاركته في الحكم بالسلب على هذه الشخصية الدنيئة التي لاتمت بصلة إلى الأدب مادام قد ظلم الأدب وزوجته ووالديه ووطنه كما في هذا المقطع الوصفي الساخر:"كان قبيح الشكل نابي الصورة تقتحمه العين ولا تكاد تثبت فيه، وكان على القصر أقرب منه إلى الطول وكان على قصره عريضا ضخم الأطراف مرتبكها كأنما سوي على عجل، فزادت بعض أطرافه حيث كان يجب أن تنقص ونقصت حيث كان يحسن أن تزيد. وكان وجهه جهما غليظا يخيل إلى من رآه أن في خديه ورما فاحشا. وكان له على ذلك أنف دقيق مسرف في الدقة، منبطح غال في الانبطاح، قد اتصل بجبهة دقيقة ضيقة لا يكاد يبين عنها شعره الجعد الفاحم.
              لم تكن تقدمت به السن، بل لم يكن جاوز الثلاثين، ولكن علامات الكبر كانت بادية على وجهه وقده لايخدع عنها أحد. كان على قصره مقوس الظهر إذ قام، منحنيا إذ جلس، ولعل إدمانه على الكتابة والقراءة، وإسرافه في الانحناء على الكتاب أو القرطاس هما اللذان شوها قده هذا التشويه. وقلما كان وجهه يستقيم أمامه، إنما كان منحرف العنق دائما إلى اليمين أو إلى الشمال، وقلما كانت عيناه الصغيرتان تستقران بين جفونه الضيقة، إنما كانتا مضطربتين دائما لا تكادان تستقران على شيء حتى تدعاه مصعدتين في السماء، أو تنحرفا عنه إلى مايليه من أحدى نواحيه". [8]
              ولقد كان طه حسين في وصفه للأديب كاتبا لاذعا هاجيا يعتمد على السخرية والتشويه الكاريكاتوري في تصوير الشخصية ورصدها فيزبولوجيا منتقلا من العام إلى الخاص. أي يصور بريشته الواصفة الشكل الخارجي فالوجه ثم الصوت، وقد كان دقيقا في وصفه ومتفننا في التجسيد والتشخيص.
              وبعد الوصف الخارجي، ينتقل الكاتب إلى الأحداث والأفعال السردية لينقل لنا مواصفاته الأخلاقية ونفسيته وطبيعة تفكيره ليقدمها لنا في الأخير على أنها شخصية سمجة قبيحة متدنية في سلوكها ومنحطة في قيمها، كما تعبر قسمات الشكل على العموم عن طبيعة الشخصية. أي إن المظهر الخارجي علامة سيميائية تدل على طبائع الشخصية وسماتها النفسية والأخلاقية.
              وانتقل الكتب بعد ذلك ليصف الأفضية والأمكنة فوصف لنا بيت الأديب وبيت الكاتب الضيق، كما وصف لنا مدينة القاهرة في ازدحامها واكتظاظها بالسكان، والجامعة بمحيطها وحرمها ومدرجاتها، ونقل لنا البادية بفظاعتها وجفافها وتغير معالمها، كما رصد لنا فرنسا بأفضيتها الحضارية الدالة على الثراء والجمال والتطور العمراني والثراء الحضاري والمادي.
              ولم ينس الكاتب أن يصف بعض الوسائل كالعربة التي كانت تنقل الكاتب مع الأديب في صحبة الخادم الأسود إلى بيته وإلى عدة أماكن في القاهرة المزدحمة بالناس، والباخرة التي كانت تعبر البحر الأبيض المتوسط متجهة بالأديب إلى فرنسا.
              وعليه، فإن الوصف لدى الكاتب يتسم بالتطويل والروتين الممل من شدة الإسهاب والاستقصاء والتفصيل.
              خ- البعد الاجتماعي في السيرة:
              تحيل هذه السيرة سوسيولوجيا على مصر في انتقالها من الانتداب الإنجليزي إلى عهد الملكية الخديوية بعد ثورة سعد زغلول 1919م، وما حدث من تغيرات على المستوى الاقتصادي وخاصة في البادية المصرية ومدينة القاهرة التي بدأت تعرف تحولات ديمغرافية واجتماعية. كما تبين لنا انفتاح الحكومة المصرية على الجامعة الحديثة، وإرسال البعثات إلى الخارج لاستكمال الدراسات الجامعية العليا. وتبين لنا السيرة كذلك وضعية التعليم في الأزهر الذي يحتاج إلى تجديد وتغيير لمناهج التدريس بهذه المؤسسة الدينية التي مازالت تدرس فيها الكتب الصفراء بطريقة تقليدية؛ مما آل بالوضع التربوي في الأزهر لأن يستلزم التغيير والإصلاح الفوري كما تؤشر على ذلك دعوة محمد عبده.
              وتشير السيرة كذلك إلى ظروف الحرب العالمية الأولى وآثارها البشعة على الإنسان الأوربي والإنسان العربي، ناهيك عن تصوير مدى اهتمام جيل من المثقفين في مطلع القرن العشرين بالأدب إلى درجة الحب والشغف والجنون وإقبالهم على الجامعات الحديثة للاستفادة من المناهج الحديثة والأفكار الجديدة. ومن ثم، تصور السيرة الروائية فئة من الأدباء العرب الذين تركوا بلدانهم وذهبوا إلى الخارج فانبهروا بأوربا وانغمسوا في الملذات وافتتنوا بجمال النساء الشقراوات وبريق سيقانهن وسقطوا في الرذيلة ومهاوي الخطيئة ونسوا العلم وعادوا إلى بلدانهم إما حمقى مجانين وإما بدون شواهد علمية تذكر وإما حصلوا عليها بصعوبة تذكر كما هو حال توفيق الحكيم الذي فشل في دراساته القانونية وعاد حاملا لواء الفن والمسرح والقصة، و بطل سهيل إدريس في روايته"الحي اللاتيني" الذي لم يحصل على شهادة الدكتوراه إلا بشق الأنفس وله بطبيعة الحال مقابله الموضوعي في الواقع الخارجي.
              د- البعد النفسي في السيرة:
              ينقل لنا الكاتب من الوجهة السيكولوجية شخصية أديب مهووس بحرفة الأدب، ولكنها شخصية مختلة ستصاب بهستيريا المجون وتضخم الذات. ورغبة في تحقيق ذاته، سيدوس هذا الأديب على القيم التي كان يؤمن بها حيث يظلم زوجته حينما طلقها بكل برودة دون أن يحس بها أو يشعر بكيانها الداخلي ولم يفكر إطلاقا كيف ستكون وضعيتها وصورتها بعد الطلاق في القرية التي ستعود إليها، بعد أن اختارته زوجا لها ورفضته الشابات الأخريات،كما كان عاقا لوالديه عندما تخلى عنهما من أجل أن يبحث عن مستقبله وحريته الشخصية لإفراغ مكبوتاته الشبقية في بلد الأجساد والسيقان، في فرنسا الحضارة والفتنة والجمال والغواية التي جردت الأديب من كل مقومات أصالته وجرته إلى مستنقع الفساد والدناءة عندما بدأ يسهر الليالي مع خمرة النسيان مفتتنا بجمال الأجساد وشهد الأحلام الوردية والحب الرومانسي الخادع.
              هذا، وقد دفعت الذمامة والقبح أديبنا إلى العزلة والانطواء، فلم يجد صديقا وفيا في عالمه إلا كاتبنا الذي كان يستصحبه معه إلى بيته ويحكي له كل ما يكابده ويعانيه. وقد دفع الحرمان النفسي الناتج عن الاستعمار وتسلط الحكومة الخديوية والإحساس بالنقص شخصية الأديب لتثور ثورتها على أقرب الناس إليه وهي زوجته؛ لأن حميدة تقيده بتقاليدها البدوية، وبقاؤه في مصر يذكره بالنقص، لكن فرنسا هي الملاذ الوحيد لوجوده والمكان المفضل للتحرر الإيروسي واستكمال ذاته من خلال الارتماء في أحضان الكأس والمرأة وغواية الشيطان، ومن ثم، فشخصية أديب هي شخصية مرضية معقدة تعاني من النقص وتحاول تعويضه باكتساب العلم وإظهار الثقافة واحتراف الأدب. وقد أدى هذا الإحساس المبالغ فيه نفسيا بأديبنا إلى الحمق والجنون والإصابة بلوثة الهستيريا وذوبان الذات من كثرة الانفعالات والأحاسيس المبالغ فيها.
              تركيب استنتاجي:
              إن" أديب" لطه حسين سيرتان متكاملتان: سيرة ذاتية خاصة بالكاتب وسيرة غيرية متعلقة بالأديب، وفي نفس الوقت هي رواية فنية تعتمد على التخييل والالتفات والتشويق والاستطراد والاهتمام بنصاعة البيان وبلاغة التصوير؛ وهذا ما يجعل طه حسين من رواد المدرسة البيانية في الأدب العربي الحديث، كما أن هذه السيرة إدانة لجيل من المثقفين العرب الذين قصدوا أوربا بحثا عن العلم واستكمالا لدراساتهم العليا، فانبهروا بحضارة الغرب، ولكنهم بدلا من أن يستفيدوا من العلوم والمعارف والآداب سقطوا في الغواية والرذيلة وفتنة الخطيئة، وبالتالي، فرطوا في أعزما يملكون من قيم وفي كل ما يمت بصلة إلى الشرق، لينغمسوا في بوتقة الشر والإفساد والسقوط في فتنة الغرب والإيمان بفلسفته المادية وأفكاره المنحلة.
              حواشي
              [1] طه حسين: أديب، بدون تاريخ للطبعة أو مكان لها، ص:4-5.
              [2] نفسه، ص: 8.
              [3] نفسه، ص:2.
              [4] نفسه، ص: 32.
              [5] نفسه، ص:32-33.
              [6] طه حسين: نفسه، ص: 112-113.
              [7] نفسه، ص:43.
              [8] نفسه، ص:6-7.

              المصدر


              د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
              aghanime@hotmail.com

              تعليق

              • أبو شامة المغربي
                السندباد
                • Feb 2006
                • 16639


                رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                "عندما تتكلّم الذّات السّيرة الذّاتيّة في الأدب العربيّ الحديث"
                الدكتور
                محمّد الباردي
                دراسة ـ منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق ـ 2005

                لحفظ الدراسة على الرابط التالي:
                الدراسة


                د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                aghanime@hotmail.com


                تعليق

                • أبو شامة المغربي
                  السندباد
                  • Feb 2006
                  • 16639


                  رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                  "السيرة الذاتية تعدد وتداخل بين الأجناس"
                  عند
                  عبد الرحمن مجيد الربيعي

                  محمّد معتصم

                  على الرابط التالي:
                  السيرة الذاتية


                  د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                  aghanime@hotmail.com
                  التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي; 05-05-2008, 12:23 PM.

                  تعليق

                  • أبو شامة المغربي
                    السندباد
                    • Feb 2006
                    • 16639


                    رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                    إدوار الخراط
                    "كل ما كتبته في حياتي هو سيرة ذاتية اقتحمها الخيال"
                    الشرق الأوسط - عبد النبي فرج
                    الأحد 9 تموز (يوليو) 2006.

                    على الرابط التالي:
                    السيرة الذاتية


                    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                    aghanime@hotmail.com

                    تعليق

                    • أبو شامة المغربي
                      السندباد
                      • Feb 2006
                      • 16639


                      رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                      "عندما تتكلم الذات .. السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث"
                      تأليف الدكتور

                      محمد الباردي
                      الناشر: اتحاد الكتاب العرب - دمشق


                      مؤلف هذا الكتاب محمد الباردي روائي وناقد تونسي، ولد في قابس في العام 1947م، له عدد من الروايات منها: (الملاح والسفينة)، و(مدينة الشموس الدافئة (و(على نار دافئة)، و(جارتي تسحب ستارتها)، و(الكرنفال)، كما صدر له في النقد: (حنا مينه روائي الكفاح والفرح)، و(الرواية العربية والحداثة)، و(في نظرية الرواية).
                      يبحث كتابه الجديد في مفهوم السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث وإشكالية هذا الجنس الأدبي وشروطه ودوافعه وأشكاله محاولاً الوصول إلى تعريف جديد له.
                      يشير الباحث في المقدمة إلى أن كتاب (الأيام) لطه حسين وضع حجر الزاوية لأدب السيرة الذاتية، وكان أثره في الأدب العربي الحديث أشبه بأثر اعترافات روسو في الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر.



                      د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                      aghanime@hotmail.com

                      تعليق

                      • أبو شامة المغربي
                        السندباد
                        • Feb 2006
                        • 16639


                        رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                        "ثمرة الذاكرة كتابة الرواية بين التخييل والسيرة الذاتية"
                        نبيل درغوث


                        "إن معظم الروايات الأولى هي سير ذاتية مقنعة، هذه السيرة الذاتية هي رواية مقنعة"
                        "كليف جيمس"
                        مثّل تداخل الأجناس الأدبية إشكالا بالنسبة إلى مصنّفى الأدب، وقد أصبح تمييز كلّ جنس أدبى عن غيره أمرا عسيرا لتداخلها وتوالدها من بعضها البعض، وهذا ما سبب خلطا هائلا أصبحت تعانى منه بعض المقاربات للأجناس الأدبية حيث تسود زئبقية مصطلحاتها وانفتاح النصوص على بعضها البعض. فليس ثمة أسوار منيعة أو آليات تعمل داخل الشكل الفني، تحول دون تداخل الأشكال الفنية وتمازجها "1".
                        “حفيف الريح” "هى الرواية الثانية لظافر ناجي"، ما أن يتفحصها القارئ حتى يلاحظ علاقتها برواية السيرة الذاتية حيث تتقاطع أحداثها وشخصياتها بمكونات من حياة الكاتب. فما هى خصوصية هذه الرواية وما علاقتها بالسيرة الذاتية؟
                        على سبيل المدخل النظرى الموجز سنحاول بدءا تحديد الملامح الكبرى للرواية التى يمكن القول بأنها عمل فنى متخيل، نثرى، ينهض على أساس قصصي، مادته أحداث وشخصيات هى مزيج بين الخيال والحقيقة على شكل حبكة ذات تعقيد ما. قد يبدو هذا التعريف بمثابة تقرير أمر واضح، لأن الرواية تتخذ “لنفسها ألف وجه، وترتدى فى هيئتها ألف رداء، وتتشكل أمام القارئ، تحت ألف شكل مما يعسر تعريفها تعريفا جامعا مانعا. ذلك لأننا نلفى الرواية تشترك مع الأجناس الأدبية الأخرى بمقدار ما تستميز عنها بخصائصها الحميمة، وأشكالها الصميمة”"2".
                        الرواية تركيب خيالي، وهى قبل كل شيء بناء فني- رمزى يسعى لأن يمثل الوضع الاجتماعى /النفسي/ الانطولوجى للإنسان فى الكون. فالرواية بمعنى ما هى الوهم المبتكر الذى يترك آثاره فى نفس القارئ. “إنه الوهم الخالد.. الوهم الباقى لأنه يأخذ شكلا صلبا وحيويا عبر الفن بحيث يتواصل مع الآخرين من البشر مهما بعد زمانهم ونأى بهم المكان فيصير بإمكانهم أن يعايشوا صورة الوهم وأن يتأثروا بها”"3".
                        ويرى بعض منظرى الرواية فى احتمال نشأتها ومسار تطورها أنها من أهمّ أشكال الإبداع قدرة على التو ضيف والاستفادة من الأجناس الأدبية التى سبقتها "الأسطورة، الملحمة، الحكاية...إلخ". فهى “الوريث الشرعى للأجناس السابقة”"4" ومن الباحثين من يرى أن “الرواية عموما هى الجنس متهم بإراقة دماء الأجناس التقليدية القديمة واستعباد بعضها أحيانا وتحويلها إلى “مدبّرات” سرد فى نسيجه الحكائي”"5".
                        والرواية من الأجناس الأدبية التى هى فى علاقة توارثية وتستكمل سلالات بعضها، ومنها السيرة الذاتية. ونحن نفترض ان رواية “حفيف الريح” لظافر ناجى هى من جنس السيرة الذاتية. وقبل تبيان هذه الفرضية يجدر بنا فى مسلكنا النقدى ان نتوقف عند اهم المحطات التى عرفتها تنظيرات السيرة الذاتية.
                        السيرة الذاتية: لمحة تاريخية
                        حسب جورج ماى فان نهاية القرن الثامن عشر هى بداية السيرة الذاتية. فنشر “اعترافات” "Confessions" جان جاك روسو "J.J. Rousseau" "1712-1778" بعد وفاته شكل نقطة انطلاق وإعلان عن استقلال السيرة الذاتية ككيان أدبيّ"6".
                        وإن كان المؤرخون الغربيون يقرّون بأن السيرة الذاتية هى لون من الألوان الإبداعية خاصّ بالثقافة الغربية، فانه مع أواسط القرن العشرين تغيّرت هذه الفكرة فى النقد الأدبى الغربي، ولم تعد السيرة الذاتية حكرا على الحضارة الغربية دون غيرها"7".
                        فالدارسون للسيرة الذاتية فى الأدب العربى يجمعون على أنّ هذا الشكل من أشكال التعبير عرفه تاريخنا الأدبي.”وهو غرض أدبى عريق فى حضارتنا العربية الإسلامية ولئن لم يتبلور متصوره الذهنى بما يتيح له الانفراد بمصطلح نقدى مخصوص فإنه قد صيغ على نماذج تكاد تصل به منزلة الاكتمال فى المضمون والغرض والأسلوب”"8". فالأدب العربيّ عرف السيرة الذاتية قديما كما حديثا. وقد اجمع الباحثون ان كتاب “الأيّام” "1929" لطه حسين نص مؤسس للسيرة الذاتية فى الأدب العربى الحديث "9".
                        يعود وضع الأساس للتنظيرات الحديثة فى حقل السيرة الذاتية إلى سنة 1956 مع مقال “شروط السيرة الذاتية وحدودها” لغوسدورف” "GUSDORF""10" وابتداء من هذا التاريخ تتالت المقالات والكتب حول تحديد وتعريف هذا الشكل الإبداعى الذى رأى فيه الفيلسوف الألمانى ويليهيلم ديلتاى أكثر تعبيرات تأمل الحياة المباشرة.
                        وفى سنة 1971 وضع فيليب لوجون"Philippe le jeune" تعريفا لهذا الجنس الأدبى فى كتابه “السيرة الذاتية فى فرنسا” ثم نقّحه سنة 1975 فى كتابه “ميثاق السيرة الذاتية” "Le Pacte Autobiographique" قائلا: “وبعد تعديل طفيف سيصبح حد السيرة الذاتية كآلاتى [هي] حكى استعادى نثرى يقوم به شخص واقعى عن وجوده الخاص وذلك عندما يركز على حياته الفردية وعلى تاريخ شخصيته يصفه خاصة” "11" ولعلّ هذا التعريف لا يبدو مطلقا ونهائيا، فقد أحجم جورج ماى عن وضع تعريف رغم معالجته لهذا الجنس الأدبى ضمن كتابه “السيرة الذاتية”"12".
                        وبعد سنوات قام فيليب لوجون بنقد ذاتى ضمن كتابه “أنا أيضا”"13" معيدا النظر جذريا فى “ميثاق السيرة الذاتية” الذى كان قد صاغه فيما سبق. إذا فلا سيبل للحديث عن جنس سردى نقى خالص، باعتبار أن السيرة الذاتية قد أخذت عند نشأتها أساليب و فنيات الكتابة التى اعتمدتها الرواية سابقا. “فالألوان الإبداعية تميل غالبا إلى الدخول فى علاقة تماثلية فيما بينها، أو توارثية، أحيانا تفسر بعضها أو تستكمل وظيفتها التعبيرية”"14"، وهكذا تصل “الرواية” و”السيرة الذاتية” فى علاقة إشكالية قائمة، فكلاهما يتأسس على قصّة حياة بطل فرد يدخل فى صدام مع محيطه رافضا لنواميس المجتمع، قلقا، ساخطا، يعيش فى علاقة إشكالية مع كل ما يحيط به.
                        هيكل وبنية الرواية
                        تتألف “حفيف الريح” من أربعة فصول تتخللها أربعة ملاحق. ومنذ الفصل الأول يتولى الراوى مهمة الحكى ليمتد ذلك على كامل الرواية غير انه يتخلل هذا السرد حوارات مطولة بين الشخصيات.
                        وإن كانت الرواية قدّمت أحداثا عاشتها الشخصية الرئيسية بين قرقنة والعاصمة وقابس فى منتصف الثمانينات وأوائل التسعينات. فقد واكبت من جهة أخرى التحولات التى عرفها الواقع الموضوعى على الصعيد العربى والعالمي.
                        والرواية ايضا هى ذكريات الشّخصية الرئيسية "فاضل" جاءت فى هيئة “كتاب النساء” ويمثل الفصل الأول فاتحة الكتاب أمّا الفصل الرابع فهو تتمة لقصّة بدأت من الفصل الأوّل مكونة ذكرى تضاف إلى “كتاب النساء”. ولكن سؤالنا المركزى فى هذه القراءة يضل يتمحور حول تجلى عناصر السيرة الذاتية فى هذه الرواية .
                        إنّ استخدام المؤلف لأحداث وشخوص وأماكن ترتبط بحياته الشخصية قصد تأليف روايته الأولى يمثل ظاهرة لا يمكن أن تغيب على أى قارئ جادّ. فالكاتب ينطلق فى نصوصه الأولى من كل ما يتصل بحياته مركّزا فيها على تاريخه الشخصى وسبب ذلك، ربما، ثقل الذاكرة على مخيّلة المؤلّف. فلا بدّ للكاتب أن يتخلص من ذلك الثقل فى أعماله الأولى فتتطهّر المخيّلة ليقع تشغيلها بملكات التخييل. وكان كليف جيمس قد نبّه إلى هذه الظاهرة حيث قال: “إن معظم الروايات الأولى هى سيرة ذاتية مقنّعة.”
                        والكتابة عن الذات ممارسة يسيرة يتحسّس الروائى من خلالها عالم الكتابة من خلال مرجعيته الذاتية وحياته وتاريخه الشخصى وعلاقته بالذوات الأخرى. يتناول كلّ هذه الزوايا التى عرفها وخبرها وعاشها قبل أن يبتكر حيوات وشخصيات غيرّية "15". وهذه المرحلة هى مرحلة جنينية وضروريّة لنشوء الكاتب الا ان كثير من الكتّاب من يبقى نزيل هذه المرحلة لا يعرف منها فكاكا فتراه يستنزف تلك الذاكرة استنزافا حتى يسقط فى التكرار فلا يعثر له الباحث إلاّ على نصّ فريد كان قد صاغه مؤلفه بطرق شتّى. واذا اراد ان يتجاوز ذلك فعليه أن يتمرّد على ذاته وأن يتنكّر لعمله الأوّل حتى يؤسس ذاتا إبداعية أخرى فى عمليّة أشبه بقتل الأب، ونقصد بالأب، النصّ الأوّل للكاتب.
                        نعثر فى “حفيف الريح” على علامة أجناسية هى عبارة “رواية “ تصاحب العنوان موجهة القارئ منذ البدء على تلقيها باعتبارها “رواية”. غير ان القارئ العارف بحياة الكاتب يجد نفسه أمام نص من تلك النصوص التى يصفها “فيلب لوجون” بالنصوص التى يعثرفيها على التشابهات وعلى تطابقا بين المؤلف والشخصية رغم ان المؤلف اختار أن ينكر هذا التطابق أو على الأقل، اختار أن لا يؤكده "16"، فبالتطابق بين الكاتب والراوى والشخصية تكشف السيرة الذاتية عن ذاتها. والغالب على السير- الذاتية أنها تكتب بضمير المتكلّم المفرد “أنا” الذى يصهر كلّ من الراوى والشخصية والكاتب فى بوتقة واحدة. إلاّ أن ظافر ناجى تعمّد استعمال ضمير الغائب “هو” لكى يوهم القارئ بأن نصّه سيرة غيريّة ويؤكدّ الانفصال بين من عاش القصّة "الشخص" ومن يسردها "الراوي" غير أنّه يمكن الحصول على تطابق بين الراوى والشخصية فى حالة الحكى “بضمير الغائب” بإقحام مشكل المؤلف حسب عبارة صاحب كتاب “الميثاق السير ذاتي”"17". وذلك باقامة المعادلة المزدوجة التالية:
                        المؤلف = الراوي، والمؤلف = الشخصية، اذاً الراوى = الشخصية.
                        فقصّة “فاضل” "الشخصية الرئيسية" تتقاطع فى الكثير من المواطن مع قصّة “ظافر” "المؤلف"، ذلك أن “فاضل” يحمل الكثير من السمات المشتركة بينه وبين المؤلف ابتداء بالاسم فالاسمان يشتركان فى أحرف ثلاثة. أمّا بقية السمات فتظهر فى مسقط الرأس “قابس” ودراسة اللغة والآدب العربية بالجامعة وامتهان التدريس بقابس سابقا واحتراف الكتابة.
                        كما تؤكد الملاحق التى أدمجت ضمن فصول الرواية التطابق بين المؤلف والشخصية. فهذه النصوص التى جاءت تحت عنوان كتابات المرحلة كانت قد نشرت فيما مضى بإمضاء “ظافر ناجي” "المؤلف": حيث يتضمّن النصّ الأول قصّة قصيرة بعنوان “القمامة” نشرها المؤلف ضمن مجموعته القصصية “المتاهة” بتونس سنة 1992أمّا النص الثانى فهو مقتظف من رواية كان قد نشرها بسوريا سنة 1994 تحت عنوان “أرخبيل الرعب” ورغم هذا التطابق بين الراوى والشخصية بطريقة غيره مباشرة أى عن طريق المعادلة الرياضية. فالتطابق مثبتا داخل النص وإن مكّن ضمير الغائب الكاتب من الفصل بين الراوى والشخصية. فإن الراوى ينهض راويا عليما بأطوار حياة الشخصية كلها يستحضر ما يشاء منها حين يريد استباقا أو استرجاعا:
                        “تذكّر فى وحدته ذلك الحيّز من ماضيه فلم يعرف أيتألّم من أنّه كان كذلك أم يفرح بأنّه تجاوز كلّ تلك العقبات وأصبح الآن أستاذا يدرّس النّشء دون أن يمسّ بسوء... كثيرون من أصدقاء تلك الفترة يقولون له أنّهم متعجّبون من كونه تمكّن من إتمام دراسته فقد كان مؤهّلا ليكون خريج سجون أكثر من تأهّله للتخرج من الجامعات...
                        تذكّر كلّ ذلك ولم تغادر صورة أمينة رأسه لحظة واحدة لكنّه كان قد قرّر الفراق، وكان من الصعب أن يجعله شئ ما يغيّر رأيه. بعدها نجح هو والتحق بسلك التّعليم فى جهة قابس غير بعيد عن العائلة وهناك انشغل أو شغل نفسه بالكتابة. فجمع القصص القصيرة التى كتبها وهو طالب ونشرها فى الجرائد والمجلاّت ثم بدأ يكتب بشكل متواصل وينشر تباعا وقد قرّر أن يمتهن الكتابة لاحقا رغم أنّه لم يكن وقتها قد عرف أية مهنة شؤم كانت...” "ص 59".
                        وقد بدا لنا أنّ العلاقة بين الراوي والشخصية تنجلي خاصة فى اشتراكها فى ذاكرة واحدة حتى تتوحّد الذات الراوية والمروية فى ما يشبه حالة الحلول ويمكن فى هذا المضمار الاستشهاد بامثلة والفقرات التالية :”هنا أيضا تتدخّل الذّاكرة الّلعينة وكأنّها تريد الإجابة عن أشياء لم تسأل عنها لكنّها مع ذلك تأخذ صاحبها قسرا إلى حيث هى تريد.” "ص 23".
                        “ما الذى بقى الآن غير صدى لذاكرة مثقوبة تأتى بالأشياء من أعماقها وكأنّها تخرج بها من أعماق كهف مظلم بعد منتصف ليل بهيم..” "ص 25".
                        الآن فى هذه الأيّام الأخيرة من آخر الألفيّة الثانية يبدو منتصف الثمانينات زمنا آخر وكأنّه آت من قرون خلت... ياه ... ما أسرع ما وقع.” "ص 26".
                        “وها هو الآن يكتشف أنّه لم يفهم شيئا وأنّه غير قادر على أكثر من استرجاع الصور التى عاشها فى أقصى الحالات لأنّ الذاكرة ألاعيبها التى تنتهي، فهى تنتقى وتزيّن وتعبث بصاحبها” "ص 52".
                        “عادت به الذّاكرة إلى تلك الأيّام، والذّاكرة حين تثور تحرق كلّ الحاضر فتتعالى عليه وتقزّمه...” "ص 53". “حتّى لكأنّه كان يهرب من ماضيه القريب إلى ماض أبعد كان أحلى وأجمل بلا شعارات جوفاء ولا قفّازات ولا مواد تجميل...” "ص 67".
                        “الذّاكرة ذلك الجزء من الدّماغ..
                        والدّماغ ذلك الجزء من الرّأس..
                        والرّأس ذلك الجزء الذى يحكم البدن بأكمله.
                        أفلا تكون الذّاكرة هى التى تحكم كلّ شيء فينا، أوليس الماضى هو سبب وجودنا الحالى حتّى وإن كذبنا على أنفسنا وقلنا إننا تجاوزناه أو أننا صنعنا لأنفسنا حاضرا لا علاقة له بذاك الماضى؟” "ص 105".
                        * كاتب تونسي
                        الهوامش
                        * ظافر ناجي: “حفيف الريح” "رواية"- تونس 2001
                        1- القول لمحمد العباس مأخوذ عن عبد الله عبد الرحمن الحيدري: رواية السيرة الذاتية، مجلة علامات فى النقد م 13، ج 49 سبتمبر 2003، ص 580
                        2- عبد الملك مرتاض: فى نظرية الرّواية، سلسلة عالم المعرفة عدد 240، ديسمبر 1998، ص 11.
                        3- فؤاد التكرلى: الطيور صغيرة تحت أنظار الشيخ الحزين، جريدة الشرق الأوسط، عدد 9079، أكتوبر 2003، ص 16.
                        4- فرج لحوار: الحياة الثقافية عدد 82 فيفرى 1997.
                        5- كمال الرياحي: حركة السرد الروائى ومناخاته ، دار مجدلاوى للنشر والتوزيع، الأردن 2005 ص 55.
                        6- انظرجورج ماي: السيرة الذاتية، ترجمة محمد القاضى وعبد الله صولة، بيت الحكمة – تونس 1992، ص 28.
                        7- انظر دويت رينولدز: السيرة الذاتية فى الأدب العربي، مجلة الكرمل عدد 76-77 سنة 2003، ص 89.
                        8- عبد السلام المسدى: النقد والحداثة، دار أميّة، تونس 1989، ص 115،
                        وأنظر أيضا: - يحى ابراهيم عبد الدايم: الترجمة الذاتية فى الأدب العربى الحديث.
                        - منصورقيسومة: السيرة الذاتية فى التراث العربي، التعدّد والتنوع، الحياة الثقافية عدد104 أفريل 1999.
                        9- أنظر: - محمد الباردي: السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث حدود الجنس وإشكالاته، مجلة فصول م 16 عدد 3، سنة 1997، ص 69.
                        - دويث رينولدز: ص 98.
                        - إحسان عبّاس: فنّ السيرة، دار الثقافة – بيروت دث، ص 151
                        10- انظر: - آنخل. ج. لورايرو: المشاكل النظرية للسيرة الذاتية، ترجمة نادرة الهمامي،
                        مجلة الحياة الثقافية عدد 146، جوان 2003، ص 48-49.
                        - دويت رينولدز، ص 89.
                        11- فيليب لوجون: السيرة الذاتية، الميثاق والتاريخ الأدبي، ترجمة وتقديم عمر حلي، المركز الثقافى العربي، 1994، ص 22.
                        12- L’autobiographie, Paris 1979
                        13- Moi aussi, Paris 1986
                        14- عبد الله بن عبد الرّحمان الحيدري، ص 580.
                        15- بوشوشة بن جمعة: اتجاهات الرواية فى المغرب العربي، تونس 1999، ص 143.
                        16- فيليب لوجون، ص 37.
                        17- فيلب لوجون، ص 25.
                        18- جورج ماي، ص 123.
                        المصدر



                        د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                        aghanime@hotmail.com

                        تعليق

                        • أبو شامة المغربي
                          السندباد
                          • Feb 2006
                          • 16639


                          رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                          "السيرة الذاتية في الرواية السعودية"

                          الدكتور
                          صالح معيض
                          لعل من أهم الإشكالات التي تثيرها الرواية السعودية لدى كثير من قرائها ونقادها إشكالية علاقتها بالسيرة الذاتية.
                          وكنت قد تناولت هذه القضية بتوسع في بحث بعنوان «سيرذاتية الرواية العربية السعودية»، ألقيته في ندوة الرواية التي صاحبت المؤتمر السابع لرؤساء الأندية المنعقد في القصيم في 30/12/1423هـ، وسأوجز في هذا المقال أهم ما توصلت إليه في بحثي، ليطلع عليه قراء المجلة الثقافية أو المهتمون منهم بهذا الموضوع.
                          إن المتتبع للدراسات والقراءات التي أنجزت عن الرواية العربية السعودية، سيلاحظ دون شك استشراء توجه أو منهج نقدي مثير ولافت للانتباه، وربما شكل في بعض جوانبه خطرا عليها من وجهة نظرنا. ويمكننا تسمية هذا المنهج المنهج السيرذاتي في دراسة الرواية السعودية، قياسا على المنهج السيري في دراسة الأدب عموما، وهذا المنهج ينطلق صراحة أو ضمنا من افتراض مفاده أن كثيراً من الروايات السعودية ليست في حقيقة الأمر إلا سير ذاتية كلية أو جزئية لكتّابها، اتخذت من مسمى الرواية قناعا لها.
                          ولكن، ما موقف كتاب الرواية أنفسهم من النقد السيرذاتي الذي يمارس على رواياتهم؟ على الرغم من أننا ندرك أن الناقد الأدبي ليس معنيا بالضرورة بما يقوله الكتاب عن أعمالهم، فإن الوقوف على بعض شهاداتهم أو إجاباتهم على التساؤلات التي تطرح عليهم بإلحاح حول امكانية أن يكونوا هم أنفسهم أبطال رواياتهم قد يكون مفيدا لنا هنا.
                          ولعل النتيجة التي نخرج بها من خلال الشهادات والمقابلات التي اطلعنا عليها هي أنهم ربما كانوا جميعا يرفضون الإقرار بأن يكونوا أبطال رواياتهم ويحتجون بأساليب متعددة على مثل العلاقة التي يجدها أو يوجدها النقاد أو القراء بينهم وبين أبطال رواياتهم.
                          وبعد أن وقفنا على هذا الموقف الرافض من كتاب الرواية للنقد السيرذاتي لرواياتهم، لعلنا نتساءل هنا عن السبب الذي جعل كثيرا من نقاد الرواية السعودية وقرائها يربطون بين أبطالها وكتابها.
                          نعتقد أن ثمة بعض المؤشرات أو الدلائل السيرذاتية الداخلية أو الخارجية التي عملت فرادى أو مجتمعة على تسويغ هذا الربط لدى كثير من النقاد الذين اطلعنا على كتاباتهم. وسنشير هنا فقط إلى أهم هذه الدلائل من وجهة نظرنا ونناقشها باختصار:
                          1 ضمير المتكلم «أنا». فمعلوم أن أهم ما يميز السيرة الذاتية هو التطابق بين شخصية الكاتب والراوي/ البطل، فأغلب السير الذاتية تكتب بضمير المتكلم، وهذا الضمير هو أسهل وأوضح الأساليب التي تحقق هذا التطابق.
                          2 المكان والزمان: يعد الحضور القوي للمكان والاحتفاء الشديد به وكذلك التحديد الزماني في بعض الروايات السعودية سببا من الأسباب التي جعلت بعض النقاد يربط بين بطل الرواية وكاتبها، ويقرأها قراءة سيرذاتية إلى حد كبير.
                          3 التاريخ الشخصي للكاتب: إن البحث في التاريخ الشخصي للكاتب والتحري عنه وربطه بأحداث روايته من أهم الأساليب التي أتكأ عليها بعض النقاد للتدليل على العلاقة التي تربط شخصية الكاتب بشخصية بطل روايته.
                          4 الوعي الكتابي للمبدع في الرواية: تتضمن بعض الروايات السعودية مقاطع يتحدث فيها الراوي/ البطل عن تجربته في الكتابة الإبداعية عموما والروائية خصوصا وإشكالاتها.
                          إن الخلط بين جنس السيرة الذاتية والرواية ربما كان من أهم الأسباب التي أدت إلى استشراء المنهج السيرذاتي في نقد الرواية السعودية. وهو خلط لا يمكن قبوله وتبريره وإن كنا نتفهم حدوثه نظرا لتداخل هذين الجنسين السرديين أحيانا.
                          إن المبالغة في ممارسة النقد السيرذاتي للرواية السعودية له في اعتقادنا آثار سلبية كثيرة على النص الروائي ومبدعه، وربما كانت هذه الآثار السلبية معيقة لهما أحيانا، فالنقد السيرذاتي يسطح العمل الروائي ويفقره، وذلك من خلال تركيزه على جانب واحد ضيق من جوانب النص، هو الجانب الفكري المضموني، وإهماله لتحليل التقنيات السردية والأبعاد التخيلية للنص.
                          فمعلوم أن جماليات السيرة الذاتية وأسرار وجودها مرتبطة ومرتهنة إلى حد كبير بما تحويه «أو يعتقد أنها تحويه» من بوح واعتراف وسرد صادق للحقائق التي تخص حياة كاتبها، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا بأن القراءة السيرذاتية للعمل الأدبي هي في أغلب الأحيان من أسهل القراءات كتابة، ومن أقلها عمقا وثراء.
                          أما فيما يتعلق بالأثر السلبي الذي يلحقه هذا المنهج النقدي السيرذاتي بالروائي أو المبدع، فإنه يكمن في الربط الحرفي بينه وبين أبطال رواياته، وهو ربط كثيراً ما يوقع الكاتب في حرج شديد مع نفسه ومجتمعه، ويحد من إبداعاته في رسم شخوص روايته واختلاق أحداثها وبنياتها، خاصة عندما يتحول هذا النقد السيرذاتي إلى محاكمة اجتماعية أو أخلاقية له.
                          إن الأدباء عموما والروائيين خصوصا يعالجون في نصوصهم الإبداعية غالباً موضوعات شائكة ومثيرة ومسكوتا عنها، ويجسدونها في أحداث تقوم بها شخصيات مختلقة تظهر في بعض الأحيان أكثر واقعية من الشخصيات الحقيقية، فلا يعقل أن نربط هذه الشخصيات بكتابها، وأن نطرح في كل مرة نقرأ فيها نصا روائياً سؤالاً مثل: هل هذه الأحداث أو بعضها وقعت للكاتب الروائي نفسه؟، ثم نجري عملية بحث وتحر نقارن فيها بين شخصية بطل الرواية وحياة الكاتب، وأخيراً ينبغي علينا أن نتذكر دائما أن الروائيين مثل الشعراء قد يقولون ما لا يفعلون.
                          المصدر



                          د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                          aghanime@hotmail.com

                          تعليق

                          • أبو شامة المغربي
                            السندباد
                            • Feb 2006
                            • 16639


                            رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                            "أدب السيرة الذاتية"

                            عبد العزيز شرف
                            - الناشر: مكتبة لبنان ناشرون.
                            - تاريخ النشر: 01/01/1992
                            - 167 صفحة - الطبعة: 1 - مجلدات: 1
                            يتناول هذا الكتاب فن السيرة الذاتية، فناً أدبياً مستقلاً عن فن السيرة الغيرية، وهو في هذا الإطار يتخذ نماذجه التطبيقية من الأدبين العربي والعالمي القديم والحديث: معرفاً بهذا الفن الأدبي وحدوده في إطار من الدراسة النظرية والتطبيقية فيتناول في فصوله الأربعة ماهية السيرة الذاتية، ويفرق بينها وبين السيرة الغيرية، ثم يحدد المقصود بفن السيرة الذاتية على النحو الذي يجعل لها سماتها الخاصة وملامحها المميزة بين الفنون الأدبية، ثم يدلف الكتاب تتميماً للفائدة إلى دراسة تطور السيرة الذاتية في الآداب العالمية والأدب العربي قديماً وحديثاً، وكيف استقرت في شكلها الحديث امتداداً لتطورها عبر التاريخ الأدبي.


                            د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                            aghanime@hotmail.com
                            التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي; 05-05-2008, 06:03 PM.

                            تعليق

                            • أبو شامة المغربي
                              السندباد
                              • Feb 2006
                              • 16639


                              رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                              "أدب السيرة الذاتية أو الترجمة الذاتية"

                              فن السيرة الذاتية أو أدب الترجمة الذاتي عنوان للكتابات الكثيرة التي كتبها بعض الكتاب عن حياتهم الشخصية وبأقلامهم، فوصفوا حياتهم الخاصة وتتبعوا مراحلها أو بعض مراحلها بالتحليل، واعترفوا لنا خلال ذلك بأشياء لم نكن لنعرفها لولا تلك الكتابات.
                              وهذا الفن الأدبي قديم في الأدب العربي، وليس من الفنون المستحدثة في العصر الحديث كما قد يظن البعض.
                              فقد كتب بعض القدماء من أعلام الفكر والأدب والعلم كتبا ورسائل عن حياتهم، منها ما كان يهدف إلى الإخبار عن الحياة الشخصية بما عرفته مت تطورات وأحداث، ومنها ما كان يهدف إلى تحليل النفسية، ونفسية المؤلف وحياته العقلية والعاطفية كما فعل الإمام الغزالي في كتابه (المنقذ من الضلال)، وكما فعل الأمير عبد الله آخر ملوك المسلمين بالأندلس في كتابه (المذكرات) وكما فعل المؤرخ ابن خلدون في كتابه (التعريف بابن خلدون).
                              وفي العصر الحديث اتجه الكثير من الأدباء إلى كتابة الترجمة الذاتية بالأسلوب الحديث، ذي الطابع القصصي الجذاب، والتحليل النفسي الممتع، ومن هؤلاء الدكتور طه حسين في كتابة (الأيام)، والأستاذ أحمد أمين في كتابه (حياتي)، والأستاذ سلامة موسى في كتابه (تربية سلامى موسى)، والأستاذ عبد المجيد بن جلون في كتابه (في الطفولة).
                              وهناك كتاب آخرون في العصر الحديث لم يكتبوا عن حياتهم بأسلوب صريح، بل كتبوا عن حياتهم، وكأنها حياة شخص آخر. كما فعل عبد الرحمان شكري في كتابه (يوميات مجنون) والأستاذ عبد القادر المازني في كتاب (إبراهيم الكاتب).
                              ومن مزايا السيرة الذاتية أنها تصف الحياة الواقعية لكاتب من الكتاب في إطار الحياة العام لمجتمع من المجتمعات كالمجتمع المغربي، أو المصري، أو العراقي ... فنطلع من خلالها على الحياة الاجتماعية، ونحيا مع أحداثها وتقاليدها، ونتعلم من صاحبها كيف واجه الحياة، وكيف تصرف، إزاء الأحداث، وكيف تغلب على تحديات البيئة التي عاش فيها، فنتعلم من تلك الحياة الخاصة الشيء الكثير عن النفس الإنسانية ومن تلك المزايا أيضا المتعة الفنية التي نحس بها ونحن نقرأ أساليب أولئك الكتاب في وصفهم وتحليلهم بصدق وأمانة، فنتعلم كيف نعبر وكيف نحس، وكيف نتذوق مختلف الأساليب المعبرة عن التجارب الإنسانية.

                              المصدر


                              د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                              aghanime@hotmail.com

                              تعليق

                              • أبو شامة المغربي
                                السندباد
                                • Feb 2006
                                • 16639


                                رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                                "الانتحار في الأدب العربي .. دراسات في جدلية العلاقة بين الأدب والسيرة"

                                خليل الشيخ
                                - الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
                                - تاريخ النشر: 01/01/1997
                                - 264 صفحة الطبعة: 1 - مجلدات: 1
                                يتوقف هذا الكتاب عند بعدين رئيسين:
                                في البعد الأول يدرس الكتاب لحظة الانتحار كما تتجلى في كتابات المنتحرين من المبدعين العرب، ويصل بين هذه اللحظة العميقة الغور، المعقدة التركيب وبين هذا الإبداع الذي يحتويها ويرهص لها.

                                ويتوقف في البعد الثاني عند العلاقة بين تجارب روائية متميزة ونصوص من السيرة الغائرة في أعماق الروائي، بغية الكشف عن العلاقة الجدلية بين السيرة والرواية. فالكتاب في مجموعه يتناول تلك المشكلات بالتحليل النقدي، ويسعى لقراءة نصية تجمع بين النص الشعري والنص الروائي، ويستكنه علاقة تلك النصوص بمبدعها من جهة، وبغيرها من النصوص الغائبة الكامنة في أعماق تلك النصوص.


                                د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                                aghanime@hotmail.com

                                تعليق

                                يعمل...