الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أبو شامة المغربي
    السندباد
    • Feb 2006
    • 16639


    رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




    السيرة الذاتية العربية من طه حسين إلى محمد شكري
    بيروت - مكتب «الرياض» - جهاد فاضل


    في ربع القرن الماضي وُهب لكاتب مغربي اسمه محمد شكري، شهرة واسعة عربية وعالمية، فبعد أن كانت أعماله، ومن أشهرها «الخبز الحافي»، و«الشطار»، و«مجنون الورد»، تُصادر أو تُباع سراً، اعترف المجتمع المغربي والعربي بها وطُبعت طبعات كثيرة، وتُرجمت إلى عدة لغات أجنبية، ولو سئل مثقف مغربي أو عربي عن السبب الذي جعل أعمال شكري تروج كل هذا الرواج، لما أجاب سوى هذا الجواب: وهو أن الكاتب المغربي روى بصراحة ما بعدها صراحة، ما شاهده وما عاشه في حياته الشخصية من حكايات ومآسٍ وانكسارات وهزائم.
    لقد اعترف، وسمّى الأشياء بأسمائها، ولم يلجأ لا إلى التقفية ولا إلى التعمية، وإنما تحدث على المكشوف عن ليل طنجة ونسائها ومومساتها، وحفر عميقاً في ذاكرته وفي الطبقة التحتية في مجتمعه، وفي أنه كثيراً ما استيقظ في الصباح عندما أتى عمال المقهى لينظفوه، فوجدوه نائماً تحت إحدى الطاولات، أو أنه وجد نفسه نائماً في العراء أمام مدخل إحدى البنايات، أو وجده وأيقظه من سباته أحد ساكني شققها..
    وعلى الرغم من الحملات التي وجهها مسؤولون ومثقفون مغاربة، حريصون على الأخلاق، ضد شكري وكتبه، إلا أن شهرة شكري استمرت في التصاعد حتى فاقت شهرة مفكرين مغاربة آخرين كبار، منهم عبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري، وبصرف النظر عن الوصف الذي يمكن أن توصف به «الخبز الحافي»، و«الشطار» و«مجنون الورد»، وهل هي روايات أم حكايات أم قصص، فلا شك أن لها صلة وثيقة بجنس أدبي سجل نجاحات مذهلة عربياً وعالمياً خلال القرن الماضي هو «السيرة الذاتية». فالسيرة الذاتية، سواء عندنا أو عند سوانا، باتت الآن الفن الأدبي الأكثر شعبية ومقروئية في العالم المعاصر قاطبة.
    ولعل السيرة الذاتية هي بالإضافة إلى ذلك، الفن الأكثر بقاءً بالنسبة لكاتبها، فمن إذا سئل عن أحب كتب طه حسين إلى قلبه، وأكثرها بقاء في سيرة عميد الأدب العربي، لا يجيب أنه كتاب «الأيام»، وكتاب «الأيام» ما هو في الواقع سوى سيرة طه حسين الذاتية التي رواها في ثلاثة أجزاء منفصلة، وفي سنوات متباعدة، ثم جُمعت بعد ذلك في كتاب ضخم حمل هذا الإسم.
    وقد كان كتاب السيرة الذاتية هو الأبقى في سيرة كتاب عرب كبار آخرين: فعلى الرغم من كل المعارك التي خاضها عباس محمود العقاد في حياته وفي كتبه، فإن كتابيه «أنا» و«حياة قلم»، هما أجود كتبه لا شيء إلا لأن العقاد خلا إلى نفسه فيهما، وكشف عن مكنوناتها ودواخلها، ودلّ قارءه على الكثير من خيباته وانكساراته.
    ولا شك أن لتوفيق الحكيم كتب كتباً كثيرة رائعة في طليعتها «عودة الروح»، و«عصفور من الشرق»، ولكن أجودها بنظر كثيرين، كتابان هما: «زهرة العمر» و«سجن العمر» اللذان روى فيهما الحكيم سيرته الذاتية.
    وهناك «حياتي» لأحمد أمين، و«غربة الراعي» لتلميذه إحسان عباس، وهو من أحدث ما كتبه أدباء عرب في هذا الفن، والكتابان آتيان في جعل النفس تتذكر وتبسط بلا تكلف أو تعمية كل ما صادفته وتعرضت له.
    ويمكن وصف كتاب «سبعون» لميخائيل نعيمة بأنه أثر نفيس في هذا الفن الكتابي الصاعد، تحدث فيه نعيمة في رحلته في هذه الحياة، وهي رحلة طويلة ممتعة تابع فيها القارئ نعيمة على امتداد سبعين سنة كاملة تبدأ من سنة 1889 وتتوقف سنة 1959م.
    وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن اكتمال «الأيام» لطه حسين بأجزائه الثلاثة قد امتد من العشرينيات إلى أواخر الستينيات، تاريخ صدور الجزء الثالث لأول مرة أمكننا أن نؤكد حقيقة أن «الأيام» رسخ جنس السيرة الذاتية بشكل مثير للانتباه، بحيث شهدت الفقرة الزمنية الفاصلة من بين الجزء الثاني والثالث من الكتاب، ظهور أهم السير الذاتية العربية الحديثة التي عاصر مؤلفوها طه حسين من أمثال سلامة موسى وأحمد أمين والعقاد وميخائيل نعيمة والحكيم، وهو أمر يدعو إلى التأكيد على الفروقات التي ميزت بين أطوار إصدار «الأيام» المختلفة.
    فالجزآن: الأول خاصة، ثم الثاني، كانا مقدمة جنس السيرة الذاتية عربياً، وفتحاً جديداً في هذا اللون من الكتابة، أفلم يستفزان همم الجماهير المشغوفة بمطالعة هذين الجزءين؟ ألم يحرّكا تحريكاً قوياً قرائح الكتّاب، فاندفعوا يخلّدون أسماءهم وينشئون الكتب العديدة في هذا الفن؟
    أما الجزء الثالث من «الأيام» فقد تحقق انتشاره بين الناس في زمن تمكن فيه من الاستفادة من رواج كتابة السيرة الذاتية، فجاء تتمة للجزءين السابقين عليه، وتكريساً لجنس أضحى في ذلك الوقت تمكناً، في جمهور من القراء أخذ في الاتساع، وله نماذج من الكتابات تُنسب إليه انتجتها نخبة من خيرة أدباء العصر ومفكريه.
    إن جنس السيرة الذاتية العربية الحديثة، عندما ينبني على رواية مظاهر الحياة الخاصة، وعندما ينتقل منها إلى ملامسة مظاهر الحياة التاريخية العامة، بما يحيل عليه من وقائع اجتماعية، وما تفيدنا به من إحالات متنوعة على أعلام كانت لهم مساهمات فعّالة في مجالات السياسة والفكر والثقافة، يلتقي ما في ذلك شك بممارسات أدبية قديمة، عربية وأجنبية، أحكم أصحابها تصوير الصلات الكائنة بين الذات الفردية ومحيطها الاجتماعي، وهذه هي بعض العناصر المشتركة بين الكتابات الذاتية العربية القديمة والحديثة، ونتيجة لذلك، فإن السيرة الذاتية الحديثة تذكّرنا، ونحن نقرأها اليوم، بكتب السير والتراجم وبكتب الرحلات، ويخيّل إلينا أن جنس السيرة الذاتية قديم قدم الإنسان العربي، ضارب بجذوره العميقة في أرض التراث.
    ولكن لا شك أن اطلاع جيل المترجمين لذواتهم العرب في مطلع القرن العشرين على التيارات الفكرية والأدبية الغربية، واحتكاك أغلبهم بنمط العيش الأوروبي والقيم التي كانت تسوده، قد فتح أعين أبناء هذا الجيل على عالم جديد خلخل تصوراتهم التقليدية، ومكّن أفكارهم من النضج وأثار في نفوسهم حواراً بناءً بين حياتهم الشرقية ومقومات العالم الجديد الذي انتقلوا إليه، فإذا هم نصفان يتنازعان في كائن واحد: نصف ينزع إلى الشرق ويحن إلى قيمه ومثله التي تغلغلت في كيانه، ونصف منصرف إلى الانغماس في حضارة الغرب وفي بضاعته الفكرية والأدبية المغرية، لأن هذا الغرب بات أنموذج التحضر وصورة لمستقبل الإنسانية.
    ونحن لو نظرنا في الواقع إلى ثقافة الإعلام العرب الذين كتبوا السيرة الذاتية لوجدنا أن هذه الثقافة عربية وغربية في آن، فالسيرة الذاتية العربية الحديثة إن كان لها جذور في تراثنا، ولها بالفعل مثل هذه الجذور، فلا شك أن مرجعيتها الثقافية والفنية الحديثة هي مرجعية غربية.

    لقد احتضن مشروع السيرة الذاتية العربي الحديث، المعضلة الفردية للكاتب كما احتضن المعضلة الاجتماعية، لقد كان يبحث في تأصيل الكيان الفردي وفي إيجاد صيغة أيديولوجية قادرة على تأصيل الكيان الاجتماعي وترميم هويته المتداعية المختلة، ومن ثم اقترن البحث عن الإنسان الأكمل بالبحث عن تأسيس المدينة الفاضلة التي هي في الوقت ذاته العلامة المؤشرة على هذا الكمال، والعالم الذي لا تحقق لأبعاد الإنسان الكامل إلا فيه.
    ولا شك أن لوحة السيرة الذاتية العربية الحديثة لوحة متعددة الألوان تنبض بحياة جيل كان أبناؤه يلتقون طوراً في آلامهم وأشواقهم، ويفترقون أطواراً أخرى في رؤاهم وقدراتهم علي تمثل حيواتهم وتوظيف تصوراتهم لتطوير مجتمعاتهم، ولكنهم في الحالتين كانوا يسعون جاهدين إلى تأسيس صورة جديدة للإنسان العربي الفاعل في تاريخه، الساعي إلى ترميم حلقات هذا التاريخ المفقودة، فكان عطاؤهم الفكري والأدبي بلا حدّ، وسواء نجحوا أو فشلوا نسبياً في مسعاهم، فيكفيهم فخراً أنهم كانوا منارات أضاءت بأنوارها عصرهم في زمن عصيب اختلطت فيه الطرق، وليس فن السيرة الذاتية الذي أنشأوه إلا دليلاً على أن الأدب العربي الحديث يدين لهم بانبعاثه وتجدده، لذلك لم تنته حياة هؤلاء المترجمين لذواتهم بكتابتهم لسيرهم الذاتية أو بموتهم، بل لعلها بدأت.


    المصدر


    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

    تعليق

    • أبو شامة المغربي
      السندباد
      • Feb 2006
      • 16639


      رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




      أدب السيرة الذاتية على الرابط التالي:
      الكاتبة العربية تقتحم فنا كان مقصورا على الرجال: السيرة الذاتية ونقدها
      عبد الرحيم العلام


      د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
      aghanime@hotmail.com

      تعليق

      • أبو شامة المغربي
        السندباد
        • Feb 2006
        • 16639


        رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




        أدب "السيرة الذاتية".. عربي أباً عن جدّ
        سوسن الأبطح
        الشرق الأوسط
        يوم الأربعاء 9 كانون الثاني (يناير) 2008م
        على العكس تماماً مما هو شائع، فالعرب هم أهل السيرة الذاتية ورواد في كتابتها، لا بل ان الكتابات العربية القديمة الموصوفة بالسير الذاتية، تفوق بعددها، كل ما كان يعتقد وجوده. وكل كلام عن ان هذا الفن عند العرب، مستورد من الغرب، مجرد بدعة، وسوء قراءة. فالأدب العربي القديم «مشحون حتى السقف بمئات ألوف الرجال والنساء الذين دونت حياتهم بعناية. وحجم هذا التراث ضخم إلى حد أننا نشرع الآن في سبره أو نكاد»، كما يخبرنا المؤرخ طريف الخالدي. هذا الرأي ليس اجتهاداً عربياً، او تنطحاً عنصرياً من قبل باحث كبير مثل الخالدي، انه أيضاً رأي المستشرق الأميركي دوايت رينولدز، الذي درس السير الذاتية العربية ومنحها جزءاً مهماً من حياته المهنية. ويأتي رأي الباحثين، المفاجئ هذا، ضمن كتاب جميل صدر حديثاً عن «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» بعنوان «دراسات في التاريخ الاجتماعي لبلاد الشام، قراءة في السير والسير الذاتية»، شارك فيه 14 مؤلفا، وتناول عشرات السير الذاتية، ليكشف عن كنز نعيش بجواره من دون أن ندرك اهميته أو قيمة مضامينه، فهل نحن حقاً أمة السيرة الذاتية وروادها؟ وما هي القيمة الحقيقية لهذه الثروة الأدبية؟ ولماذا اتهمنا دائماً باقتباس سيرنا المكتوبة عن الغرب؟
        من المفاجآت التي يذكرها الباحث دوايت رينولدز في كتاب «دراسات في التاريخ الاجتماعي لبلاد الشام»، انه خلال أبحاث مشتركة قام بها مع عدد من الباحثين، تم اكتشاف عدد غير متوقع من السير الذاتية العربية القديمة، وهي متنوعة إلى حد مدهش. ويكمل رينولدز بالقول «وقعنا على نصوص لتراجم شخصية عربية بأقلام كتاب ليسوا من العرب، فمنهم الترك والبربر والفرس، والأفارقة الغربيون، والآسيويون الجنوبيون، وبينهم كاتب إسباني مالوركي». ويشرح رينولدز أن بين هؤلاء المؤلفين المسلم والمسيحي واليهودي. وهم أصحاب مهن مختلفة، فمنهم أمراء وفلاسفة وموظفون حكوميون ومؤرخون ومتصوفة وعلماء دين وتجار ونحويون وأطباء، وحتى العبيد الأرقاء. ويكمل رينولدز: «إن ما نجده من تنوع اجتماعي عند هؤلاء المؤلفين، لهو واحد من السمات الأخاذة في تراث تراجم النفس العربية السابق على العصر الحديث، هذا التراث الذي ما زال مستمراً بصورة السيرة الذاتية الحديثة».

        دراسة رينولدز هذه التي يتضمنها الكتاب المشترك، حرره كل من عصام نصّار وسليم تماري، تأتي وكأنها تتمرد على مؤلّف وضع أصلاً لدراسة السير الذاتية المكتوبة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، في بلاد الشام، وبشكل أساسي فلسطين. وكأنما فكرة الكتاب في الأصل، كانت تستبعد وجود كتابات عربية قبل العصر الحديث، يمكن ان يطلق عليها اسم السيرة الذاتية، لكن رينولدز يتملص من هذه الإشكالية، بأن يعتمد تسمية «ترجمة النفس».

        وهنا يرد رينولدز على كل من يمكن أن يحتج على تسميته أو تصنيفه لبعض النصوص العربية على انها سير ذاتية، رغم انها لا تتمتع بالمواصفات الغربية، لاسيما منها البوح، والتحدث عن الخصوصيات، بإيضاحات مقنعة. فرينولدز يعتبر أن بعض هؤلاء الكتاب لم يشأ ان يتحدث عن صباه، لكن البعض الآخر ذكر معلومات حساسة، بل ومحرجة عن طفولته وصباه، ويضرب أمثلة حية ومهمة على ذلك. أما اتهام هذه السير بأنها لا تتطرق إلى الحياة الداخلية لأصحابها، كما حياتهم الخارجية فهذا تصور لم يكن شائعاً في ذلك الزمن، حسب رأيه. مع العلم أن ثمة نصوصاً صوفية اهتمت بتدوين الحياة الروحية لأصحابها بشكل منفصل عن حياتهم الخارجية، وهناك في بعض النصوص سرد للأحلام، كنوع من أنواع استبطان الذات. وثمة من استعان بالشعر وهو يكتب سيرته الذاتية، للتعبير عن حالة داخلية بأسلوب شعري، حين يصبح الكلام نثرا، أمراً مستعصياً. وهو ما فعله أسامة بن منقذ عندما كتب عن شيخوخته ووهن بدنه بعد أن بلغ التسعين، وما فعله علي العاملي وهو يتحدث عن وفاة ابنه.

        ورغم ان دراسة طريف الخالدي، التي يعتبر فيها نصوص «السير من مفاخر الثقافة العربية»، وتلك المتعلقة برينولدز ويطرح فيها نظريته حول سيرنا الذاتية الفاتنة، ما هما سوى مشاركتين من أصل 14 في هذا الكتاب، إلا اننا اوليناهما اهتماماً لما فيهما من افكار تستحق ان يثار حولها حوار جدي. غير ان المشاركات الأخرى تأتي، في حقيقة الأمر، لتؤكد افكار رينولدز والخالدي، وتستعرض كماً من السير التي كتبت في العصر الحديث بمقدورنا أن نعتمدها كمرجع لاستكشاف ما خفي من الحياة السياسية، وما طمس من يوميات الناس وطريقة معاشهم، مطلع القرن العشرين، في فلسطين وبلاد الشام.

        صقر أبو فخر في دراسته لسيرة المؤرخ نقولا زيادة، الذي رحل في يوليو (تموز) 2006، التي تحمل اسم «أيامي» يصفها لجرأتها بأنها «تتحرش بيوميات أندريه جيد، وتقترب إلى حد كبير من اعترافات جان جاك روسو، واعترافات تولستوي والقديس أوغسطينوس، هذه الاعترافات التي شجعت الميل إلى تعرية النفس الملتبسة بالآثام». فهو يتحدث عن علاقته بزوجته مرغريت كما لا يفعل أحد. وقد كتب زيادة «عن تفتح غرائزه، والإغواء الذي تعرض له من بعض الفتية النابلسيين، وكيف لاقى الأمرّين في جنين في دار المعلمين عندما حاول كثيرون الإيقاع به، لكنه رفض هذه الأفعال المنافية للذائقة العامة، مثلما أنف من أحاديث القرويين عن مجامعة الحمير». ومما يذكره ايضاً تحرش صديقة أمه به جنسياً، وكيف تملص منها. لكن أهمية سيرة زيادة، الذي عمّر ما يناهز القرن، تكمن بشكل أساسي بأنها «تشتبك وقائعها بالتاريخ، وبأخبار الأمكنة والرجال الذين كان لهم حضورهم في تاريخنا العربي المعاصر». وميزة هذه السيرة انها «لا تتحدث عن السياسة والسياسيين، وإنما عن الفكر والأدب والثقافة والتربية والأماكن والرجال والنساء والعادات، وعن الريف والمدينة والرحلات، وذلك كله بعين المؤرخ الذي يلتقط أدق التفصيلات، من دون أن ينسى الاتجاهات العامة وخطوط الأحداث الرئيسية».

        وبما ان غاية هذا الكتاب هي العودة إلى السير الذاتية للإسهام في كتابة تاريخ فلسطين (كجزء من بلاد الشام)، من خلال مراجع جديدة، لا بل بكر، فقد اخذ كل كاتب على عاتقه سيرة او أكثر يستنبط دررها، ولو بعجالة قد لا تفي بالغرض. فقدم فيصل درّاج قراءة في مذكرات خليل السكاكيني ونجيب نصّار، وهما مثقفان فلسطينيان مختلفان، حلما بالحداثة في مجتمع تقليدي. عاشا القضية الوطنية، نظرياً وعملياً، وبقيا مع ذلك على هامش القرار السياسي الفلسطيني، وعلى هامش الحياة الاجتماعية. الأول صار يهجس بالهجرة والثاني يشعر بالإحباط. أمر لا يختلف كثيراً، عن مثقفين على شاكلتهما يعيشون بعدما يقارب قرن من ذلك الزمان. وهو ما يتعمق الإحساس به حين نقرأ عن الحسرة «السكاكينية» من قيادة وطنية لا تعرف معنى الوطن والمواطنة بالمعنى الحديث، متمسكة بالطقس السياسي القائم على الاحتكار السلطاني، بينما هي في مواجهة مصيرية، مع غزو صهيوني مزود بأحدث المفاهيم والأساليب الأوروبية. ويكتب طريف الخالدي عن قيمة سيرة السكاكيني: أي شيء أكثر إثارة من تصوير خليل السكاكيني للبريطاني الزاحف، الجيد الكسوة والسلاح والغذاء، في مقابل الجندي التركي المتراجع، المرتجف، المجرد من السلاح، المتضور جوعاً، والحافي في بزته الممزقة البالية؟».

        ومن السير التي يتناولها الكتاب تلك التي كتبها محمد طارق الأفريقي، تحت عنوان «المجاهدون في معارك فلسطين 1948»، وهي تعد، حسب رأي الباحثة خيرية قاسمية إحدى الوثائق العسكرية التي تظهر جانباً خفياً من معارك المجاهدين أثناء حرب 1948. فكاتب السيرة يعرّف بنفسه كالتالي: «ولمّا كنت احد قادة المجاهدين الذين قادوا معاركها من البداية حتى النهاية، حيث قمت بإدارة أربعين معركة مسجلة ضد اليهود في جبهتي غزة والقدس، رأيت من واجبي أن أسجل هذه المعارك وما يحيط بها من الأسرار وكيفية وقوعها وجريانها، مع ذكر أسماء شهدائها وجرحاها وغنائمها خدمة للحقيقة والأجيال القادمة». وفي هذه السيرة يوضح هذا المقاتل من أصل نيجيري أن عرب فلسطين قاتلوا ببسالة، على عكس ما يشاع، لكنهم كانوا يواجهون قوى أشد تنظيماً وفتكاً، ورغم ذلك استطاعوا ان يحافظوا على مواقعهم حتى وصول الجيوش العربية. لكن هذه الجيوش هي التي خيبت الآمال، بسبب افتقارها للقيادة الموحدة، واستهانتها بالخصم.

        ولا تقتصر السير التي يدرسها الكتاب على فلسطين، ففواز الطرابلسي يكتب عن سيرة سليمان بك المشغراوي اللبناني، الذي كان قد خصه بكتاب خاص، صدر منذ ثلاث سنوات عن «دار رياض الريس»، وستيف تماري يخصص صفحات شيقة لثلاث سير دمشقية كتبت في القرن الثامن عشر. ويعتبر تماري ان دارسي تاريخ سورية الحديث محظوظون لوفرة في تراث التراجم والسير، الموجود اليوم في تصرفهم. وقد اختار ثلاث سير ذات سمات مختلفة. السيرة الأولى هي لإسماعيل العجلوني، إسلامي الرؤية، نهجه في الكتابة يدل على استلهامه جمع الأحاديث النبوية الشريفة، بأسانيدها التي تربط أجيال العلماء. أما السيرة الثانية فهي لصاحبها محمد خليل المرادي، ويصح ان يقال عنها بأنها مجموعة من التراجم كتبها هذا الرجل العثماني النزعة. أما السيرة الثالثة فهي يوميات ابن كنان، الدمشقي الهوى، الذي لم يستطع ان يفصل بين يومياته الشخصية ويوميات اهل مدينته. ومن خلال هذه الرؤى الثلاث، لإسلامي وعثماني ودمشقي، حاول تماري أن «يغوص في العمق الأثيري الآسر المتعلق بالوعي والهوية في مطلع التاريخ العربي الحديث. فكل من هؤلاء الرجال كتب تاريخاً لدمشق مختلفاً عن الآخر، بسبب هذا الإدراك الخاص للانتماء والهوية.

        ونبقى في الهوية، التي هي في صلب هذا الكتاب وجوهره، حيث نتعرف على نوع جديد في كتابة السيرة الذاتية، بات معتمداً في فلسطين، للقبض على ما تبقى من ذاكرة فلسطينية تحاول إسرائيل محوها. وتروي لنا روشيل ديفيس المستشرقة الأميركية والأستاذة في جامعة جورجتاون، ان ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، شهدت إنتاجاً غزيراً في الكتابات التي تتناول حياة الفلسطينيين قبل سنة 1948. جاءت هذه الكتابات على شكل سير ذاتية، وكتب تذكارية، اعتمدت كلها على شهادات شهود عيان أدلوا بما في ذاكرتهم من قصص ومشاهدات عاشوها. وقد ظهرت هذه الكتب في فلسطين ومختلف دول الشتات، وتناولت مثلاً، قرية بعينها، وعرضت لعائلاتها وأصولها وشجرة انسابها، ووصفاً لأراضيها وعاداتها. هذا إلى جانب الزراعة والتعليم والاقتصاد والزراعة في القرية. وبالإمكان اعتبار هذه الكتب «سيراً جماعية» ليس الغرض منها فقط إعادة بناء ما أبيد من قبل إسرائيل ولو على الورق، وإنما أيضاً استخدام ما يجمع كمراجع تعليمية للأجيال المقبلة وتعريفهم بتراثهم وتاريخهم. ويقوم بإصدار الكتب التذكارية التي تتضمن روايات شخصية أو سير جماعية جهات مختلفة، رسمية وأهلية، وجامعات، وهناك أساليب عدة لتسجيل هذه الذاكرة. والمهم في هذا الأمر هو تحويل المعرفة الفردية والجماعية إلى نصوص يمكن حفظها. وتعلق روشيل ديفيس على هذا النمط من الكتابات بالقول: «تبين قراءة متمعنة للكتب التذكارية الفلسطينية كيف يفهم الفلسطينيون تاريخهم وحاضرهم ويضعونهما في قوالب من خلال ممارسات متداخلة من الحس الوطني والعرقي والديني، وغيرها من العناصر المتعلقة بالهوية التي تعتبر جزءاً من تعريف الفلسطينيين لأنفسهم كشعب».

        هكذا يطرح كتاب «دراسات في التاريخ الاجتماعي لبلاد الشام» بفضل اهتمامه بالسير الذاتية، مجموعة من الأسئلة والإجابات ما كان لها أن تبصر النور، من دون الاهتمام بهذا الفن الذي يحلو لنا، عادة، أن نصفه بأنه مستغرب، وحديث جداً، وليست له جذوره العربية الضاربة في تراثنا القديم. لكن هذا الكتاب يقدم صورة أخرى للسيرة العربية المكتوبة، بل يعتبر أن السير الحديثة التي يلقي عليها الضوء ما هي إلا امتدادات طبيعية لتراث غني، ربما لا نجد له مثيلاً في حضارات أخرى من حيث تنوعه وكمه. وإن كان من تأثر بالنهج الغربي لكتابة السير حصل في القرن العشرين، فقد انتج لنا سيرة ذاتية هي أشبه بعمل روائي ينقسم إلى فصول، لا عملاً تاريخياً ينقسم إلى أبواب تندرج فيها أصناف المعلومات. وبهذا حرمنا ولادة سير من نمط «الساق على الساق» للرائع أحمد فارس الشدياق، أو «الخطط التوفيقية» لعلي مبارك أو حتى «الأيام» لطه حسين. وما زال الوقت مبكراً لنقول أيهما أكثر إفادة للمؤرخين والباحثين في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع، هل هي سيرتنا العربية التأريخية الطابع، أم تلك التي نراها في الوقت الراهن التي تميل إلى التخيل والفانتازيا؟ ولكن في الحالتين ما هو مهم اليوم، ألا يكون هذا الكتاب الثري الذي بين أيدينا، مجرد صرخة في واد، وأن تعار السير العربية، قديمها وحديثها، ما تستحق من القراءة والبحث.

        المصدر


        د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
        aghanime@hotmail.com

        تعليق

        • أبو شامة المغربي
          السندباد
          • Feb 2006
          • 16639


          رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




          "دراسات في التاريخ الاجتماعي لبلاد الشام: قراءات في السير والسير الذاتية"
          الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية

          الطبعة الأولى
          سنة النشر: 2007
          عدد الصفحات: 244
          غالباً ما يستند التاريخ المكتوب إلى الوثائق والسندات الرسمية ومذكرات النخب السياسية التي أدت إلى تهميش ظاهرة الترابط الثقافي والاجتماعي.لذلك تشكل المذكرات الشخصية والسير، ولا سيما يوميات الكتاب خارج دائرة النخبة – ملاذاً مهماً لمن يبحث عن ديمومة الروابط الثقافية بين أقطار بلاد الشام.
          ويأتي كتابنا هذا ضمن السياق الذي يرى في السير والمذكرات رافداً ذا شأن لدراسة تاريخ بلاد الشام. وتحديداً تاريخ فلسطين غير المدون، ويجب التوضيح أننا لا نرى في هذه المجموعة دراسة بديلة من التأريخ المنشور تُقرأ من خلال المذكرات؛ فهي أساساً مساهمات متعددة تستند إلى منهج آخر في قراءة التاريخ من خلال رؤية كتّاب – في أغلبهم – من المهمشين سياسياً وإن كانوا أدوا دوراً رائداً على المستوى الثقافي، ومن المدخل إلى التأريخ الذي أصبح يعرف اليوم في العلوم الاجتماعية بـِ "دراسات التابع" (Subaltern).
          كذلك تحتوي هذه المجموعة على مساهمات تتعلق بكيفية استخدام المذكرات والسير في قراءة التاريخ الجديد لبلاد الشام، ويبدو ذلك جلياً في تنوع المساهمات في هذا الكتاب.


          د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
          aghanime@hotmail.com

          تعليق

          • أبو شامة المغربي
            السندباد
            • Feb 2006
            • 16639


            رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




            كتابة السيرة الذاتية العربية
            مثال: جورجي زيدان
            أحمد دحبور - شاعر فلسطيني
            قبل بضعة أشهر، راجعت في هذه الصفحة، فصولاً من السيرة الذاتية كتبها الصديق الدكتور فاروق مواسي، وكتبت يومها ما معناه أن السيرة الذاتية فن مستحدث عند العرب، لأفاجأ بمقالة ساخرة، كتبها كعادته محمد الأسعد، الشاعر الناقد الفلسطيني المقيم في الكويت، بكلمات تكاد تطلق النار من خلال السطور، وشماتة بما يفترض الكاتب أنه جهلي وادعائي، حتى ليصفني بالباحث إمعاناً في المسخرة وتقليل الشأن، وخلاصة ما يريد تعليمي إياه هو أن السيرة الذاتية فن معروف عند العرب وأنني، لقلة إطلاعي ومحدودية معرفتي، ضللت أو ضللت القراء، فرحت أهرف بما لا أعرف .. ولكن يجب الاعتراف بأنه لم يستخدم هذه الكلمات، وإن أدى هذا المعنى منكلاً بـ"الباحث" الذي هو أنا..
            ليست نهاية العالم أن نخطئ أو نصيب. فالخطأ مردود . وإنما يقوم الجدل والسجال على مبدأ الكشف عن الحقيقة. ولكن ماذا إذا كان هذا المندفع الساخر المليء بثقة لا مسوغ لها هو المخطئ؟
            لا أنكر أن لدى ابن خلدون محاولة محمودة للتعريف بنفسه ورحلته شرقاً ومغرباً، وأن ابن سينا قد كشف جوانب من شخصيته في كتاب طبقات الأطباء، وأن بعض الشعراء العرب أفاضوا بتعريف أنفسهم من خلال قصائدهم. لكن هذا كان يحدث من غير تخطيط، لسبب بسيط هو أن هذا الجنس الأدبي - السيرة الذاتية - لم يكن قد رأى النور بعد وأن السيرة الذاتية لم يُعترف بها جنساً أدبياً مستقلاً إلا بعد المحاولات التي تطورت في أوروبا، وكانت سمتها الأولى هي الاعترافات، كما في اعترافات جان جاك روسو الشهيرة. وقد دار جدل طويل بين المثقفين العرب المعاصرين حول ريادتنا للأجناس الأدبية غير الشعرية، فهناك من يعتبر كتاب "حي بن يقظان" لابن طفيل - رواية رائدة على مستوى العالم لأن أوروبا تؤرخ للرواية بصدور"باميلا" لرتشارد صن، التي لم تصدر إلا في القرن التاسع عشر بينما يرى آخرون أن حي بن يقظان هو كتاب تأملي، فلسفي إن شئت، يوظف السرد ولكنه ظل في مرحلة ما قبل الرواية.
            لقد كتب الكثير في هذا، ونحن نتعلم، ولا نجد حرجاً في أن نتعلم.. وقد أفدت، كما أشرت، من الكتابين اللذين أشرت إليهما.. ومن غيرهما بالتأكيد.
            لست في معرض المساجلة، مع الأستاذ محمد الأسعد - وإن كنت لا أفهم حقاً سر هذا التوجه الحاد - لكنني أقر بمبدأ الضارة النافعة، فأرى تلك مناسبة لفتح ملف علاقة العرب، قديماً وحديثاً بالسيرة الذاتية. يغريني بذلك مصدران: الأول هو كتاب "في طفولتي" للكاتب السويدي تيتر رووكي الذي يدرس فيه عشرين سيرة ذاتية عربية مبيناً أنه استخلصها من ستين محاولة في هذا الشأن، أما الثاني فهو "مذكرات جرجي زيدان"، الكاتب العربي اللبناني الرائد، وقد صدر هذا الكتاب عن وزارة الثقافة السورية مع تقديم جديد من الكاتب محمد كامل الخطيب.
            وإذا أغراني التوقف، أولاً وهنا، عند جرجي زيدان نظراً لما يثيره هذا الكاتب في أجيالنا المعاصرة من نوستالجيا تمس علاقة طفولتنا بالقراءة، فإنني أعد نفسي، مستقبلاً، بتقديم كتاب تيتر رووكي لأهميته وفائدته الكبيرة التي جعلتني أتقدم بالشكر العميق إلى صديقي الصدوق الأستاذ طلعت الشايب الذي نقله إلى العربية وأهداني نسخة منه..
            السيرة الذاتية
            وإذا كان لي أن أنتخب قبضة ملاحظات سريعة من هذين المصدرين، فإنه يستوقفني ما يلي:
            - أولاً:- أن السيرة الذاتية يكتبها صاحبها، بحكم أنها سيرة ذاته، ولا يكتبها أحد نيابة عنه، وبالتالي فإن ما ورد في التراث من أمثال "سيرة ابن هشام" لا يدخل في سياق هذا الجنس الأدبي، وهو ما ينسحب على بقية التراجم والأخبار العربية كالتي وردت عند الأصفهاني والمسعودي والقالي وغيرهم.
            - ثانياً: إن الكتابة بصيغة المفرد المتكلم، لا تعني بالضرورة أنها سيرة ذاتية، فكتاب "المنقذ من الضلال" مثلاً للإمام الغزالي، يقدم، بلغة سردية شائقة، مسار رحلته من الشك- أو الضلال حسب تعبيره - إلى الإيمان، ولا يتضمن تلك الأحداث، العابرة أو النوعية، التي أسهمت في تأسيس وعي حجة الإسلام.
            - ثالثاً- يشير الأستاذ محمد كامل الخطيب إلى أن الرأي الشائع هو أن العرب لم يعرفوا السيرة الذاتية من قبل، ومع أنه يخالف هذا الرأي، إلا أنه يثبته، بمعنى أن أمر لا يستدعي الاستهجان الذي أبداه الأستاذ الأسعد، أما الكاتب السويدي فهو يؤكد بوضوح أن السيرة الذاتية فن مستحدث عند العرب، وهو ما يذهب إليه أيضاً د. رمضان بسطويسي مقدم الطبعة العربية من الكتاب السويدي. فهل سيجود الأستاذ الأسعد بصفة الباحث سخرية من الخطيب ود. بسطويسي علاوة على تيتر رووكي؟ أم أنه يدخر سخريته لأهداف ثابتة، لأسباب ثابتة لديه؟
            - رابعاً: يشير الأستاذ الخطيب إلى كتابين هما عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، وكتاب "المنتقى من دراسات المستشرقين" لصلاح الدين المنجد الذي يستشهد بالمستشرق الألماني بروكلمان لتأكيد وجود سيرة ذاتية عربية قديمة، ولم أطلع على هذين الكتابين مع الأسف والإصرار على البحث عنهما. لكن هذه الحقيقة لا تغير من أن الذاكرة الأدبية الجمعية لدى العرب المعاصرين، لم تنشغل بالاستثناء - الذي يؤكد القاعدة - ولم يتأسس فيها وعي بسيرة ذاتية يمكن أن تشكل مرجعاً يعاد اليه.
            خامساً، وما يشبه أخيراً: إذا كان السرد الحكائي موجوداً منذ القديم لدى العرب بامتياز، فإنه غير فنون السرد المعاصرة التي بلغت ذراها في الرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية، لأن هذه الأجناس الأدبية مستحدثة لدى الغرب الذي نقلنا منه وعنه هذه الأجناس، وقد حققنا تقدماً في بعض الجوانب فاز بموجبه نجيب محفوظ، وعن جدارة كبرى، بجائزة نوبل للآداب.. وإذا كان الأصل ذاته مستحدثاً فماذا يضيرنا من الاعتراف بأن التأثر بالأصل مستحدث كذلك؟
            والآن، إلى مذكرات جرجي زيدان..
            جرجي زيدان
            يقول بيتر رووكي- انظر هامش كتابه "في طفولتي"- إن جرجي زيدان قد أنهى كتابة مذكراته وهو في السابعة والأربعين من العمر. ولكن ما هو تاريخ ميلاده؟ هذا السؤال يعيدنا إلى "مذكرات جرجي زيدان" نفسه الذي ما كان ليعرف تاريخ ميلاده لولا مقاربة تاريخية بسيطة أجراها والده، فقد حاول جرجي أن يعرف التاريخ من خوري القرية فلم يفلح، وعاد إلى سجلات قريته اللبنانية "عين عنوب" فلم يفلح، وحين زفر بالشكوى إلى أبيه، ابلغ إليه والده ببساطة أنه ولد في 14/12/1861م، وكان واثقاً من ذلك التاريخ لأنه اليوم الذي توفي فيه البرنس ألبرت زوج ملكة الإنكليز، وأن يستدل الأب على ميلاد ابنه من هذا الحدث، معناه أنه على شيء من الإطلاع حتى لو كان أمياً، ولا عجب، فقد كان أبوه خولياً - أي وكيلاً على الأرزاق - عند السيدة حبوس، والدة الأمير الدرزي مصطفى أرسلان، ولكن هذه السيدة عاقبته وطردته من العمل حين رفض الفرار مع أسرتها إثر حملة إبراهيم باشا - ابن محمد علي - على عكا ثم على لبنان.
            وقد توفي هذا الجد عن امرأة وبنتين وولدين، أحدهما والد جرجي زيدان، ولم يكن والد جرجي يعرف القراءة والكتابة مع أنه كان قد بلغ العاشرة من العمر، فنزلت به أمه إلى بيروت ليعمل خبازاً، ولم تلبث أختاه أن تزوجتا، أما هو، أي الوالد، فقد نال خبرته من الحياة والتجربة، وتزوج فتاة من أسرة الحائك سنة 1860.
            ولد جرجي زيدان يوسف مطر في بيروت، قريباً من مدرسة الآباء اليسوعيين، في بيت إلياس شويري، ثم انتقلت الأسرة إلى بيت آخر، فآخر حتى بلغ عدد البيوت التي انتقلوا إلها ستة عشر بيتاً.
            ويقول محمد كرد علي: إن جرجي زيدان قد تعلم في بعض مدارس بيروت الابتدائية، وحاول دراسة الطب في الكلية الأمريكية فلم يفلح، وهاجر إلى مصر، حيث عمل في الصحافة، ثم رافق الحملة النيلية إلى السودان بوظيفة مترجم عام 1884، وحين عاد إلى بيروت شرع في تعلم اللغتين السريانية والعبرية، وقصد لندن ثم عاد إلى مصر حيث عين محرراً في مجلة "المقتطف"، ولم يلبث أن أنشأ مجلة "الهلال" المرتبطة باسمه منذ عام 1892 إلى الآن.
            ولم أفهم معنى قول كرد علي إن جرجي كتب اثنين وعشرين مجلداً من الهلال، ولعله يقصد أنه أصدر اثنين وعشرين عدداً من مجلة الهلال خلال حياته، إلا أن الأكيد - وإن كان غير معترف به بالجدية الكافية - أن جرجي زيدان هو الرائد العملي للرواية العربية، فقد أصدر اثنتين وعشرين رواية، منها "جهاد المحبين - العباسة - شارل وعبد الرحمن - أسير المتمهدي - 17 رمضان.. - والغريب أن يصار إلى تأريخ بدء الرواية العربية بـ "زينب" لمحمد حسين هيكل التي صدرت عام 1914، مع أن جرجي زيدان قد توفي في ذلك العام، أي أن رواياته جميعاً مكتوبة قبل تاريخ صدور رواية هيكل.
            وجرجي زيدان، إلى ذلك، مؤرخ مثابر، فقد أصدر "تاريخ التمدن الإسلامي" في خمسة مجلدات، و"تاريخ مصر الحديث" و"تراجم مشاهير الشرق" و"التاريخ العام" و"تاريخ اليونان والرومان" و"تاريخ العرب قبل الإسلام" و"تاريخ اللغة العربية" و"تاريخ آداب اللغة العربية" و"أنساب العرب القدماء"، وزاد فكتب "تاريخ الماسونية" و"علم الفراسة الحديثة".. ويقول كرد علي إن له كتباً غير الواردة في هذا السياق..
            سجل حافل، وإنتاج نوعي غزير خلال عمر لم يتجاوز الثلاثة والخمسين عاماً، ومن يزر القاهرة ويقصد شارع "المبتديان" العريق، يطالعه مبنى دار الهلال المهيب، وفي مدخله تمثال نصفي لهذا اللبناني العربي المبدع الذي كتب مذكراته عام 1908.. فماذا قال فيها؟..
            هذه المذكرات
            ظهرت مذكرات جرجي زيدان قبل كتاب "الأيام" لطه حسين بثمانية عشر عاماً، فهي، بهذا المعنى، كتاب رائد في السيرة الذاتية العربية، ولكن هذا الروائي المؤرخ المتمرس، لم يكن في حاجة إلى من يرشده في مهمته، فقد كان له من الثقافة وسعة الاطلاع والأفق، ما يكفيه لأن يضع قدميه على أرض يعرفها، ولم يبق له إلا الانطلاق في المسيرة، فالسيرة الذاتية عنده، أكثر من قصة حياة ولكنها ليست رواية على ما فيها من روابط روائية، إنه يؤرخ عندما يستدعي الأمر إفادة من التاريخ: فقر، حروب، فتن طائفية ..إلخ، ويتدخل بشخصه، بالطفل الذي كان، وعندما تستدعي الحاجة كان يعطي إشارات إلى تشكل وعيه وشخصيته. ومن اللافت أن من يكتبون مذكراتهم، غالباً ما يأنسون إلى طفولتهم ويسهبون في متابعة مارسخ في ذاكرتهم عنها، عملاً بقول الفرنسيين إن الطفل هو أبو الرجل الذي سيكونه فيما بعد. وقد استطاع جرجي زيدان أن يحدد ملامحه طفلاً بما يضيء شخصيته كاتباً معروفاً، فقد كان خجولاً، غير صدامي، جرحه الفقر فأرسله أبوه إلى العمل صبياً، لتصليح الأحذية حيناً، وللعمل عجاناً وخبازاً حيناً آخر، وعاملاً في لوكندة حيناً ثالثاً، إلا أن الفتى- الطفل الذي تقلب في وجوه العمل، كان قد اكتشف وجهاً له سيحتل محل القلب، ذلك هو وجه المتعلم، المثقف فيما بعد، فقد كان يقرأ في نهم، ويحلم بتأليف قاموس إنكليزي عربي على قلة المفردات الإنكليزية التي لديه، وبلغ به الطموح محاولة أن يصبح طبيباً، هو ابن الفقير المعدم في زمن يتطلب فيه الطب نفقات باهظة، وكان موزعاً بين اندفاع الشباب وطيشه وعاداته السيئة- حيث لم يجد نفسه - وبين رزانة المتعلم أو الباحث عن العلم، وكان يشعر بالنقص لعدم قدرته على مجاراة الأشقياء من أتراب الطفولة، وهذا الشعور كاد ينسحب على تحصيله الدراسي لولا أن تفوقه الملحوظ رفع معنوياته إلى حد أنه أصبح معيناً للأطفال الضعفاء يساعدهم بالغش في الامتحان، ويواصل النجاح تلو النجاح.
            فتنته الكيمياء فكانت أحب العلوم إلى نفسه "ولا أزال إلى الآن أعتقد أن الكيمياء ألذ العلوم وأنفعها" لكن للتشريح فوائده أيضاً "فهو لذيذ جداً لما فيه من الاطلاع على ما يتألف منه الجسم البشري"، ونلاحظ أنه ربط المنفعة باللذة المعرفية منذ البدايات. حتى أنه عندما احتاج إلى الأعضاء البشرية ليدرسها لم يجد حرجاً في أن يغزو المقبرة ليسهم في سرقة جثة، وحتى عندما عرف أن الجثة المسروقة تعود إلى طفل قريب له، لم يعلق بما يفيد الشعور بالندم، وقد وجد في دراسة النبات لذة أيضاً، بل يمكن القول إنه ما تحدث عن فائدة العلم إلا وربطه عفوياً بلذة المعرفة.
            على أن ما كان ينغص عليه تلك اللذة، نفوره من بعض المدرسين الأجلاف كالأستاذ بوسط الذي كان ضعيف السمع سيئ الظن. وهو نقيض المعلم اسكندر الذي كان سمحاً كريماً حريصاً على الوقت، وهو ما جعله مثالاً للفتى جرجي الذي يقول: "أساس نجاحي المحافظة على الوقت واللجاجة".
            جرجي زيدان المدين للمعلم اسكندر بالعلم والدأب على الدراسة، مدين لأمه بوقوفها إلى جانبه أمام تردد أبيه في شأن دراسته. ولكن الأب القلق على مستقبل أولاده لأسباب مادية تغلب على تردده عندما أقنعه جرجي بالمزاوجة بين الدراسة والعمل وإعفاء الأسرة من مصروفات التعليم: "وكثيراً ما كانت تشرق الشمس وأنا جالس. دق والدي باب غرفتي مرة وكنت جالساً أكتب، فلما فتحت الباب رأيت الفجر قد لاح فسألني: ما بالي أراك قد استيقظت باكراً في هذا الصباح؟.. فقلت: إني لم أنم بعد.."
            إن هذا الطفل - الفتى ما كان له أن يصبح جرجي زيدان الكاتب الذي ترك لنا كل تلك الكتب، لو لم يكن على هذا الدأب والمثابرة منذ نعومة الأظافر.
            الدين والحداثة
            كأننا نتابع معاناة كمال عبد الجواد في ثلاثية نجيب محفوظ، عندما كان هذا الفتى يهم بالكتابة والنشر، ويسمع بالأفكار الحديثة التي يبشر بها تشارلز داروين حول أصل الأنواع، ولكننا - كما أشرت وأشدد - أمام سيرة ذاتية لا رواية، وجرجي زيدان كاتب السيرة وبطلها، يقص علينا نبأ لهفته على النشر ومراسلته الخائبة لمجلة المقتطف - وهي التي سيصبح محررها فيما بعد، مع أن المذكرات لم تصل إلى تلك المرحلة، لأنها توقفت وهو لا يزال في مرحلة الصبا - ويغص حين يدرك أن مستواه الكتابي لا يزال ضعيفاً. لكنه لا ييأس، ومع ذلك فهو يشعر بالتقصير ويؤاخذ نفسه، فلا يتوقف عن المحاولة ويواصل اكتشاف العالم. سيفاجئه الأستاذ كرنيلوس فانديك الذي كان قسيساً متسامحاً "شديد التمسك بجوهريات الدين لا يبالي بأطرافه وقشوره إذا خالفت قواعد العلم". ومثله د. لويس الذي كان "شاباً حر الفكر والتصرف.. واتفق ظهور مذهب داروين فألقى فيه الدكتور لويس خطاباً ألقاه على التلامذة. لم يتعرض فيه للدين في شيء، لكن ذلك الرأي كان لا يزال حديثاً ورجال الدين يعدونه مخالفة للنصرانية" وانتهى الأمر بإعفاء د. لويس من التدريس مع أن التلاميذ يحبونه، فاحتجوا على تسريحه "فقد كان لهم قاموساً حياً يستعينون به فيما يعرض لهم من الأسئلة.. وكانوا يحترمون رأيه وينصرون شعوره".
            وقد كان احتجاج الطلبة على تسريح الدكتور لويس تعبيراً عما أنشأهم عليه أساتذتهم من "حرية الفكر وحرية القول"، ولنا أن نتوقف عند هذه النقطة لنفهم رؤية جرجي زيدان للحرية، فهو يناصر الدكتور لويس، ولكن بحدود عدم تعارض أفكاره مع الدين، أو لنقل بحدود ألا تبدو تلك الأفكار الجريئة متعارضة مع الدين، وأسهل الأمور أن يعتبر نقاط الخلاف جاءت من عدم فهم الأطراف والقشور لجوهر العلم. من غير أن يذهب في الأمر إلى جذره العميق، ولا مناص من اعتبار جرجي زيدان براغماتياً يعمل بالتقية، فهذا الذي كتب مذكراته وهو في العقد الخامس من العمر، وجد نفسه في غنى عن الصدام مع المؤسسات المحافظة بسبب ذكرياته عن محاضرة ألقاها أستاذ، ولكنه من جهة ثانية لم يخن أستاذه، فنأى بمحاضرته عن الجدل مع الكنيسة ولم يدخل في جوهر التصادم بين أفكار داروين الراديكالية ونواميس الكنيسة المحافظة.

            وعلى هذا القياس يمكن فهم قراءته للتاريخ، فهذا الكاتب الأرثوذكسي المتخصص في الوقائع والتواريخ العربية الإسلامية، كان من الطبيعي أن يكون له آراء لا تروق للمحافظين، فألمح إلى هذه الآراء ولم يشدد عليها، وهذا يفسر إشارة محمد كرد علي إلى انتقاد بعض المسلمين المحافظين لبعض كتابات جرجي زيدان، كما يمكن أن نلحظ علامة ثانية على التقية عنده، عندما أشار إلى مظلمة وقعت على نصارى حوران في القرن التاسع عشر أو الثامن عشر، فقد ثبت الواقعة كحقيقة تاريخية، لكنه لم يتعمق فيها، وبذلك أوجد مصالحة بين الذاكرة التاريخية والواقع الاجتماعي، فهو لم يخالف ضميره لكنه لم يكن معنياً في تهييج المشاعر بموجب حادثة قديمة.
            أولى المعارك
            من المثير للفضول، أن الكاتب الذي أسهب في عرض مكونات وعيه الاجتماعي الأول، والذي نعرف عنه - من خارج المذكرات - أنه المنتج المثابر، يبدو في هذا الشطر المتوفر من المذكرات وكأنه يسخن المحرك للانطلاق، حتى إذا سخن ومنينا أنفسنا برحلة مشوقة، توقف من غير سابق إنذار، فقد قدم، إلى حد الاعتراف، جوانب من شخصيته الخجولة المتعففة لكن العنيدة، وكشف عن عزم يستحق الثناء على مواصلة العلم في ظروف بالغة القسوة. وعندما وجد مكانه بين أقرانه التلاميذ - وقد ذكر أسماء بعضهم - ظهر تفوقه الدراسي من غير أن ينكر أن هذا التفوق مقصور على الدراسة لا على الحضور الاجتماعي. وحتى عندما ذكر أن التلاميذ قد اختاروه رئيساً في لجنة شكلوها لمواجهة إدارة المدرسة، سارع إلى التوضيح أن تلك الرئاسة كانت رمزية لأنه لابد من رئيس، أما التلاميذ الذين كانوا يقودون عملية الاحتجاج فهم آخرون أشد منه مراساً، وعلينا أن نصدق روايته لأنه نجح في إقناعنا بموضوعيته، فهو يشير إلى تفوقه عند اللزوم، ولا يتحرج من الإشارة إلى نقاط ضعفه في حال وجودها، وفي الحالين: التفوق والضعف، كانت روايته لأولى المعارك التي خاضها، جديرة بالتسجيل.
            ففي "المدرسة الكلية" التي دخلها عام 1881، والتي كان قد أسسها الأمريكيون في بيروت، مثال أنموذجي لما يمكن أن تكون عليه الإرسالية الحازمة المحافظة. ولكنها، في مستوى آخر، تتمتع بقدر من الديمقراطية المحسوبة حيث يمكن استخدامها لصالح الإدارة وكبح جماح الطلبة إذا تجاوزوا الحد، وقد أعفت المدرسة، كما تقدم، أستاذين من التعليم لانفتاح أولهما اجتماعياً، ولجرأة ثانيهما علمياً، وقد تنادى التلاميذ فشكلوا لجنة للاحتجاج على ذلك لدى الإدارة، وكان للاحتجاج مستوى آخر، متصل بمنهج التعليم والتعريب، ونلاحظ قوة منطق التلاميذ في تقديم احتجاجهم، فهم يسوقون الحجة تلو الحجة، ويفندون الدعاوى التي تمت بموجبها القرارات المجحفة، لكنهم، في النهاية، لا يغفلون عن الأدب الواجب خلال مخاطبة أولياء أمورهم، فهم يؤكدون الاحترام والاعتراف لعمدة المدرسة بالأبوة اللازمة، ويحرصون على إبداء الطاعة في إطار من العقلانية والتزام القانون، ولا تشذ إدارة المدرسة عن هذا المنطق، فهي ترد على التلاميذ بتهذيب وتقدير، ولكنها لا تقدم الجواب الشافي، وعندما تتواصل مذكرات الاحتجاج، تلجأ المدرسة إلى التهديد بتوقيف التلاميذ عن الدروس. وتنجح جزئياً في تفكيك وحدتهم، حيث ينسحب بعضهم من المعركة.
            تأخذ المعركة جانباً سياسياً عندما يشير التلاميذ إلى الأساتذة الأجانب العنصريين الذين يحكمهم "التعصب الجنسي واحتقار العرب" ولكن خطاب التلاميذ يعتمد على مخاطبة القيم الأمريكية، فيقول: "لم يخطر ببال عقلاء سوريا ولا في أذهان أبناء المدرسة الكلية، تلاميذكم، أن قوماً أفاضل مثلكم ينتسبون إلى بلاد الحرية الأمريكانية، يحكمون في الأمور قبل الإطلاع عليها".
            يشير جرجي زيدان إلى أنه المتضرر الأول من تلك المعركة بين التلاميذ، لأنه لا يملك مثلهم القدرة المادية على استئناف الدراسة إذا فصلته المدرسة، ومع ذلك فإنه يواصل جهاده المبدئي هذا، ويخسر الدراسة فيكمل دراسته في الصيدلة بدل الطب، إلا أنه لم يعمل في حقل الصيدلة، ويقرر مع بعض زملائه الرحيل إلى مصر على أمل إيجاد فرصة دراسية جديدة، وينتهي الجزء المتوفر من المذكرات بجملة حزينة تقول: "ولكن للأسف لم نفلح بما أردنا".
            بصمات الرائد
            إذا سلمنا لجرجي زيدان بدور الرائد في السيرة الذاتية العربية - وحتى لا نثير جدالاً سفسطائياً سنقول إنه أحد رواد هذا الجنس الأدبي - فإننا نأخذ بالاعتبار ما ذهب إليه ج. ماي في كتابه "السيرة الذاتية" الصادر عام 1979- أي بعد إحدى وسبعين من مذكرات جرجي زيدان - فيقول G. May هذا بالحرف الواحد: "إن السيرة الذاتية حديثة كنوع أدبي، الأمر الذي أدى إلى عدم ظهور تعريف لها، بسيط ومتفق عليه"، ومادام الأمر كذلك، فلنبحث عما حققه جرجي زيدان في هذا المجال، تاركاً بصمات رائدة ستغذينا بالتراكم والمقارنة والمقاربة والمثاقفة.
            إنه مبدئياً يكتب بضمير المتكلم المفرد، وليس هذا شرطاً فقد تكلم الدكتور طه حسين في "الأيام" بضمير الغائب، وعمد الدكتور أنيس فريحة إلى مخاطبة الطفل في عرض مذكراته من خلال كتاب "اسمع يا رضا"، وتنوع أسلوب جبرا بين ضمير المتكلم، كما في كتابيه "البئر الأولى" و"شارع الأميرات"، وبين صياغة المذكرات بأسلوب الحوار كما فعل في حديثه إلى ماجد صالح السامرائي، أما الدكتور لويس عوض فقد وزع كتاب ذكرياته "أوراق العمر" على فصول متتابعة، ففي أحد الفصول يقص جانباً من سيرته، وفي الفصل التالي يسرد وقائع تاريخية رافقت أحداث حياته.
            ثم إن جرجي زيدان، شأن معظم كاتبي المذكرات، رأى أن يبدأ منذ الطفولة، بل بما هو قبل ذلك عندما حاول متابعة تاريخ الأسرة عبر جيلين أو ثلاثة، وكانت ذاكرة الطفل انتقائية، فقد ركز على الفقر والحاجة، على العمل والتعليم، على التربية الموزعة بين حرص الأب وحنان الأم، وأشار إلى الوضع الاقتصادي العام بين نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، حيث الغلاء وقلة الموارد مع مرور خاطف وبرفق على المشكلات الإثنية التي سببها الوضع العثماني.
            وإذا أشار محمد كامل الخطيب - في مقدمة الطبعة التي لدي، عن وزارة الثقافة السورية هذا العام: 2005م، إلى أن في أدب المذكرات مسحة من الاعتراف المسيحي اللاهوتي، بحكم أن هذا النوع من الأدب نشأ في الغرب، فإن جرجي زيدان مسيحي فعلاً ولكنه أرثوذكسي وليس اعتراف الأرثوذكس كالكاثوليك من حيث البوح بالأسرار، ولكن مبدأ التطهر من خلال الاعتراف قائم، مع أن جرجي الذي كان ولداً عاقلاً لم يرتكب الكثير من الأخطاء حتى لو أشار، بحياء ومن بعيد، إلى ممارسته العادة السرية في مطلع المراهقة، إلا أنه وجد في نفسه الشجاعة للاعتراف بشعوره الدائم بالضعف والتقصير، من غير أن يبخل على نفسه بالاعتراف لها بالمثابرة والعزيمة والإصرار.
            إلا أن أهم ما يميز هذه المذكرات، هو ذلك الجهد التوثيقي التاريخي، حتى كأنه وضعنا أمام مفصل تاريخي يكشف جوانب من علاقة الإرساليات بتلاميذ الشرق العربي، كما نلمح من بوادر تمرد هؤلاء التلاميذ بذرة التنوير الذي سيؤدي، بالتراكم، إلى الثورة.
            لا أدري ما إذا كان جرجي زيدان يحلم بنشر هذه المذكرات، ولا تفسير عندي لتوقفه عن مواصلتها وهو في الذروة.. صحيح أن أثره في الثقافة العربية الحديثة واضح.. لكننا كنا نتمنى أن نعرف منه كيف تم ذلك، إلا مضطرون إلى الاكتفاء بهذا الدرس الرائد في كتابة الجنس الأدبي المتميز.

            المصدر


            د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
            aghanime@hotmail.com

            تعليق

            • أبو شامة المغربي
              السندباد
              • Feb 2006
              • 16639


              رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




              عن در الثقافة بالدار البيضاء - المغرب، صدر سنة 2006 ميلادية كتاب جديد ذو منحى ديداكتيكي للناقد الأدبي
              محمد معتصم
              موسوم بالعنوان التالي:
              " الذاكرة القصوى"
              وهو دراسة تحليل نصية لروايتين "الساحة الشرفية" للكاتب عبد القادر الشاوي، و"محاولة عيش" للكاتب الراحل محمد زفزاف، وسيرة ذاتية "رجوع إلى الطفولة" للكاتبة ليلى أبو زيد. من المغرب، وهنا صور الغلافين، ومقدمة الكتاب.

              ***

              مقدمة الكتاب
              1/ ما كان في نيتي، هذا الوقت بالذات، وضع كتاب "ديداكتكي" بعد كتابي السابق "الشخصية، والقول، والحكي في لعبة النسيان لمحمد برادة"، والسبب أنني وجدت في النقد الأدبي المنفتح على التجربة المعرفية والحياتية خصوبة وخصوصية محببتين إلى نفسي. ففيه أسترجع خبراتي التي حصلتها من الحياة، ومن معاشرتي للكتاب المغاربة، وصداقتي مع كتاب عرب ومراسلاتي الثقافية والحميمة معهم، فأستثمرها عند الكتابة، وتمدني تلك المعرفة القريبة بالكاتب إمكانية الانفتاح على البعد الإنساني في التجربة الإبداعية، وتسمح لي باختراق مجالات غير مطروقة. وفيه أسمح لنفسي بأن تراكم المعرفة، وبأن أكون فاعلا لا ناقلا، أو متمرنا على منهج، أو مجترا لخطاب متسيد، إيمانا مني بأن النقد الأدبي إبداع على إبداع، وإن اختلفت سبل وصيغ التعبير.
              ولكن عددا من الأصدقاء وخصوصا الزملاء المدرسين استحسنوا التجربة السابقة ووجدوها مفيدة، واقترحوا علي الكتابة بعدما قررت الوزارة الوصية على التعليم تلبية مطلب مهم كان ما يزال هدف المربين والمدرسين، وهو تقرير دراسة المؤلفات الإبداعية في شتى الأنواع الأدبية والتعبيرية بالأقسام الثانوية الإعدادية. وهذا الذي حصل.
              2/ وتكمن صعوبة الكتابة الديداكتيكية في تمحيصها الدقة المعرفية، والوضوح، واليسر في معالجة النصوص والمؤلفات المقترحة، فالتلميذ المقبل على هذه المؤلفات، هذا الوقت بالذات، يفتقد إلى أبسط الأدوات في التحليل، ومعرفته تظل بسيطة نظرا للمنهجية التعليمية المتداولة، وهي تلقينية، تركز على الاستذكار، والحفظ. وتخاطب الذاكرة، ولا تحفز الذهن على تشغيل طاقته المكبوتة، طاقته التحليلية والتفكيكية التي تسائل النصوص وتبحث في بنياتها الظاهرة والباطنية، وفي قصدية المؤلف، وفي التقنيات التي تنشئ النص الأدبي.
              وما دامت الأسباب التي تحد من إمكانيات المدرسين في إنجاز ما هو مطلوب منهم، وخصوصا توظيف معرفتهم التي حصلوها في الجامعات المغربية وغير المغربية، واضحة. فإن الوزارة اقترحت تدريس المؤلفات في الأقسام الثانوية الإعدادية على المستوى النهائي، ولعل الغاية من ذلك تأهيل التلميذ المقبل على التعليم الثانوي التأهيلي للتأقلم مع التغييرات الجديدة. وهذا مفيد.
              لكن الأهم هو أن التلميذ عندما يتعلم منهجية التحليل النصي، فإنه سيدرك حقيقة العمل الأدبي. كيف يبنى، مكوناته الأساس، مضامينه...
              3/ وأولى المشكلات في النقد الديداكتيكي تتمثل في تعدد مناهج التحليل النصي، وهي مختلفة من حيث زوايا النظر إلى النص، والغاية المتوخاة منه، وبالتالي اختلاف أدوات التحليل وفهم النص، وهي كلها تصلح كمدخل لفهم النصوص المقررة على التلاميذ في جل مستويات التعليم بالمدارس والجامعات المغربية.
              لقد ازدهر في الفترات السابق المنهج التكاملي في دراسة المؤلفات الأدبية، وكذلك المنهج التاريخي التعاقبي الذي يربط النصوص بمحيطها العام وخارج النصي، وبسيرة الكاتب المؤلف. لكن المناهج الجديدة التي تطورت مع الثورة اللسانية والبنيوية والسيميائية، كشفت خبايا عديدة لم تكن المناهج العامة قادرة على كشفها. ثم إنها تتميز بالوضوح والدقة، وهما مطلبان أساسيان في كل نقد ديداكتيكي تعليمي وتربوي.
              ولا ينبغي إغفال المناهج التحليلية الأخرى لأهميتها، كالمنهج النفسي، والاجتماعي، والمعرفي أو الثقافي، والمقارن. فالأول يساعد على الوقوف على تكون الشخصية، ولا وعي النص الأدبي، وقيمة اللغة. والثاني يساعد على فهم شروط نشأة النص الأدبي، وغاياته، ووظائفه المتنوعة والمختلفة. والثالث قيمته تكمن في انفتاحه على تجارب وخبرات خارجية. أما الرابع فأهميته تكمن في مقابلة النصوص مع بعضها ومن ثمة الوقوف على حقيقة الأدب، ووظيفته في نقل الثقافات والتقاليد والفروق اللغوية بين الشعوب المتزامنة، أو الشعوب المتعاقبة.
              4/ لكن بالنسبة للمستوى التعليمي الذي يهمنا هنا، وهو مستوى الثانوي الإعدادي، فإن مسألة اختيار منهج التحليل أو طريقة دراسة المؤلفات الأدبية (السردية) تستفحل، لأن التجربة جديدة، ولم يعتدها المدرسون والتلاميذ على حد سواء، ولأن المخزون الثقافي، والاستعداد النفسي والأدبي باهتان. ولأن المعوقات التربوية كبيرة جدا في هذا المستوى، كنضوب المخزون اللغوي، وقلة الخبرة القرائية، وضعف عادة المطالعة الحرة، في البيت أو في المكتبات العمومية، أو مكتبات المدرسة (إن وجدت)، وناهيك عن الأسباب الاجتماعية والمادية، والمعلوماتية.
              فهل ستقتصر دراسة وتحليل المؤلفات المقترحة على تفسير وشرح المضامين؟ أو دراسة خرج النص، كسيرة الكاتب المؤلف، أو الشروط التاريخية والاجتماعية التي نشأ فيها المؤلف؟ أو الدراسة المجتزأة؟
              كل هذه الطرائق لم تعد تجدي نفعا، بل الدراسة المقترحة هنا تمس التقنيات والأدوات والمفاهيم وأساليب التعبير والقول الأدبي. وخصوصا طرائق بناء المضامين، وبناء الشخصيات، وتحليل الخطاب.
              ولهذه الغاية وضعت معجما بسيطا (ديداكتيكيا) أوضح فيه للتلميذ والمدرس بعض المفاهيم التي اعتمدتها نظريات السرد. وكثير منها تم توظيفه في الدراسات التحليلية ضمن هذا الكتيب.
              5/ لقد اقترحت الوزارة الوصية على تلامذة مستوى الثالثة من التعليم الثانوي التأهيلي، ثلاثة مؤلفات أدبية (سردية) لكتاب مغاربة، وهذا مطلب ثان مهم يتحقق اليوم، بعدما كانت المؤلفات والنصوص المعتمدة مشرقية، وكان حقا "مطرب الحي لا يطرب" كما يقال، وهي على التوالي:
              *"رجوع إلى الطفولة" للكاتبة ليلى أبو زيد.
              *"الساحة الشرفية" للكاتب عبد القادر الشاوي.
              *"محاولة عيش" للكاتب الراحل محمد زفزاف.
              وهذه المؤلفات مهمة جدا كونها مغربية. وكتابها معاصرون. وكل واحد منهم انخرط في قضايا وطنه ومجتمعه انخراطا عضويا. وعبر عنها بكل صدق. لكن المؤلفات المغربية لها خصوصياتها الأسلوبية. وسياقاتها الاجتماعية والثقافية والمعرفية والسياسية. وسيجد فيها المدرس قبل التلميذ اختلافا. لأنها لم تكتب أساسا للتلقين المدرسي، بل كتبت لتحليل وضعية أعم، وضعية المغرب إبان الاستقلال. وخلال الفترة الأكثر عنفوانا وحماسا. عندما كان الوطن حلما جميلا، وكان المغربي مؤمنا بوطنيته، مساهما في التنمية، ولو من زاوية الانتقاد، والبحث عن الهفوات والثغرات التي قد تعوق النماء السديد والقويم لمغرب فتي خارج من مرحلة حرجة، سميت مرحلة استعمارية، كما سميت مرحلة حماية. ومرحلة كان فيها الحماس قدرا تغلي. والحلم ما يفتأ يكبر ويكبر باستقلال كلي وشامل.
              لكن الأساس هو أن القارئ (التلميذ) سيتعرف على ذاته من خلال مرآة النصوص المغربية. وكذلك المدرس الذي سيجد مادة قريبة من الواقع والحياة الاجتماعية المغربية. ولن يضطر للحديث عن مواضيع بات التلميذ يشعر تجاهها بالجفاف المعرفي، نظرا للهوة الفاصلة بين انشغاله واهتمامه الفكري والنفسي اليوم. في عصر اكتساح الصورة، والتقنيات الرقمية وانتشار أدوات التلقي السهل والبسيط. ووسائل التأثير المتطورة.
              6/ في مؤلف "رجوع إلى الطفولة" سيتعرف التلميذ على "السيرة الذاتية"، وعلى نوع من الأنواع المختلفة "للكتابة النسائية" المغربية، وبالتالي سيتعرف على تقنيات كتابة السيرة الذاتية التي تناسب تماما ما تقترحه عليه المقررات الوزارية والمناهج التربوية بخصوص في الدورة السادسة من مرحلة التعليم الثانوي الإعدادي ضمن ما سمي محور "التخيل والإبداع: التدريب على كتابة السيرة الذاتية أو الغيرية".
              ليس هذا فحسب بل سيتعرف من خلال مضمون السيرة الذاتية لليلى أبو زيد على المجال الوطني والإنساني. لأن الكاتبة كما سيتضح من خلال التحليل لبناء المضامين ودراسة المحتوى، تتعرض لمرحلة تاريخية مهمة من مراحل تطور المغرب المعاصر. أي مرحلة المقاومة، ونشوء الحركة الوطنية، وجيش التحرير بعد نفي ملك المغرب المغفور له محمد الخامس والأسرة الملكية خارج البلاد لإضعاف حماس الوطنيين المغاربة. وستصف بدقة الكاتبة عادات المغاربة، ووضعية المرأة المغربية، لأن السيرة الذاتية كتبت أصلا للقارئ غير المغربي، أو العربي. إنها فعلا متن يخزن الكثير من الفائدة المعرفية والاجتماعية. ويمكن القول كذلك "الأنثروبولوجية".
              7/ ورواية الكاتب عبد القادر الشاوي مهمة كذلك، لأنها تتعرض لمرحلة مظلمة من تاريخ المغرب، عانى فيها المغاربة من سوء الفهم، واشتد فيها الصراع قويا بين الواقع والأحلام، وكما قال الكاتب والناقد الأدبي أحمد المديني أن عبد القادر الشاوي كان سباقا لتعرية هذه التجربة المرة، تجربة الاعتقال، والكشف عن المعاناة النفسية والجسدية والفكرية كذلك لمعتقلي الرأي، قبل استشراء حمى الاعتراف والمصالحة بعد اعتلاء الملك محمد السادس العرش، نصره الله، وبداية تصفية وتشذيب عوالق العهد السالف، وبناء المغرب الحر والجديد.
              وتدخل التجربة الروائية للكاتب عبد القادر الشاوي ضمن ما يعرف في الأدب برواية السجن أو رواية الاعتقال، وقد كتب فيها عبد الكريم غلاب روايته "سبعة أبواب"، كما كتب عبد اللطيف اللعبي روايته "مجنون الأمل"، وكتب عبد القادر الشاوي، مستوحيا أجواء الاعتقال في عدد آخر من رواياته سيرد ذكرها في حينه. وكتب الشاعر صلاح الوديع روايته السيرة "العريس"، كما كتبت خديجة مروازي روايتها "سيرة الرماد"، كتبت زين العابدين ... وغيرهم.
              إن من حق المغاربة التعرف على تاريخهم لتقوية إيمانهم بوطنيته، ولتحسيسهم بحقهم في مواطنة سليمة وكريمة حتى ينخرطوا فعليا في مشروع التنمية الكبير والبعيد المدى.
              8/ وثالثة الأثافي الراحل محمد زفزاف. ولعالم زفزاف الروائي والقصصي خصوصيته التي ميزته في الكتابة عن غيره من الكتاب ليس في المغرب بل في العالم العربي. وقد ترجمت جل مؤلفاته الإبداعية إلى لغات العالم الحية، وتدرس في جامعاتها. مما يدل على القيمة التعليمية، والمعرفية، والأدبية لكل ما أنتجه. لكن النظرة السطحية للموضوعات التي اشتغل عليها الكاتب الراحل محمد زفزاف ستجعل الكثيرين يتحاشون تدريسها، لكن قراءتها سرا وخفية، وهي نظرة قاصرة. ولا تراعي التطور النفسي والمعرفي للتلميذ اليوم. ولا تراعي القفزة النوعية في الفكر والتلقي الأدبيين التي ساهمت فيها كتابات كثيرة منها كتابات الراحل محمد زفزاف.
              وعالم الكاتب كما بينا الدراسة ينحصر في العوالم السفلي للمدن والهوامش المغربية، وتلك كانت فضاءات مغيبة عن الكتابة الإبداعية، لأن الكثيرين كانوا وقتها ينظرون إليها خارج القيمة الاجتماعية،ويصلونها بالوضع المنحط للهامش عموما، وكأن الأدب تضيق به، وبهم، ولا يمكنه التعبير سوى عن العالم النقي الطاهر المليء بالأحلام الوردية والمفارقة للواقع والحياة.
              ولكن تفاديا لكل تقييم خارج نصي، قدمتُ قراءة تفيد التلميذ في التعرف على طريقة اشتغال وكتابة محمد زفزاف للنص السردي. كبناء القصة (المتن الحكائي) وبناء الخطاب (الصيغة الخارجية). مع التركيز على المؤشرات اللغوية والأسلوبية في التعبير عن الهامش. وقد اخترت تحديد تقنية كتابية مهمة استعملها الراحل محمد زفزاف في التعبير وهي الوصف.
              9/ تفيد دراسة المؤلفات التلميذ في فهم بدقة المحاور التالية المقررة عليه:
              ·خطاب السرد والوصف (التدريب على كتابة اليوميات، وصف رحلة، وصف شخوص، بطاقة بريدية...).
              ·خطاب الحجاج (التدريب على التعقيب والتعليق. الدفاع عن وجهة نظر).
              · التخييل والإبداع (التدريب على كتابة سيرة ذاتية أو غيرية. التدريب على تخيل حكاية عجيبة أو قصة من الخيال العلمي).
              ·النقد والحكم (التدريب على إصدار أحكام قيمية بسيطة على أعمال إبداعية متنوعة).
              وهذه المحاور الخاصة بالمستوى الثالث النهائي من المرحلة التعليمية للأقسام الثانوية الإعدادية. وهي فعلا ستسهم في إعداد التلميذ لاستقبال التعليم الثانوي التأهيلي، الذي سيعده بدوره للتعليم العالي الجامعي.
              لكن القيمة الأهم بالنسبة لي تتمثل في ترسيخ ملكة المطالعة في البيت عند التلميذ، وتأهيله لمعرفة طرائق الكتابة. ولأن المواضيع في الطريق يعلمها العالم وغير العالم،فإن القيمة الخطابية وتشكيل النص بناء الخارجي والداخلي للنصوص سيكونان أهم.
              رحلة موفقة.
              المصدر


              د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
              aghanime@hotmail.com

              تعليق

              • أبو شامة المغربي
                السندباد
                • Feb 2006
                • 16639


                رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة





                عبد القادر الشاوي
                ***

                السيرة الذاتية للكاتب عبد القادر الشاوي

                ولد سنة 1950 بباب تازة (إقليم شفشاون)، تابع تعليمه بثانوية القاضي عياض بتطوان حيث حصل على الباكالوريا سنة 1967، وفي سنة 1970 تخرج من المدرسة العليا للأساتذة، دبلوم اللغة العربية، كما حصل على الإجازة في الأدب الحديث سنة 1983 وعلى شهادة استكمال الدروس سنة 1984 وعلى دبلوم الدراسات العليا في الأدب العربي من كلية الآداب بالرباط سنة 1977.
                اشتغل عبد القادر الشاوي أستاذا بمدينة الدار البيضاء، وفي نوفمبر 1974 تعرض للاعتقال وحكم عليه في يناير 1977 بعشرين سنة سجنا ولم يطلق سراحه إلا سنة 1989.
                بدأ عبد القادر الشاوي النشر سنة 1968 بجريدة "الكفاح الوطني" حيث ظهرت له مجموعة قصائد شعرية ومقالات أدبية.
                انضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1970.
                نشر إنتاجاته بمجموعة من الصحف والمجلات: الملحق الثقافي لجريدة العلم، الاتحاد الاشتراكي، مجلة أقلام، الثقافة الجديدة، الجسور، الزمان المغربي، المقدمة، أنفاس، الآداب، مواقف…
                أصدر سنة 1991 مجلة (على الأقل) رفقة محمد معروف، وبعد توقفها، أصدر في يونيو 1993 جريدة "الموجة".
                نشر عبد القادر الشاوي الأعمال التالية:
                - سلطة الواقعية، دمشق، اتحاد الأدباء العرب، 1981.
                - النص العضوي، البيضاء، دار النشر المغربية، 1982.
                -السلفية والوطنية، بيروت، مؤسسة الأبحاث الجامعية، 1985
                - كان وأخواتها: رواية، البيضاء، دار النشر المغربية، 1986.
                - دليل العنفوان، البيضاء، منشورات الفنك، 1989.
                - حزب الاستقلال، البيضاء، عيون، 1990.
                - اليسار في المغرب، الرباط، منشورات على الأقل، 1992.
                - باب تازة: رواية، الرباط، منشورات الموجة، 1994.
                - الشيطان والزوبعة، قضية العميد ثابت في الصحافة: تقرير، الرباط، منشورات الموجة.
                - الذات والسيرة (الزاوية) للتهامي الوزاني، الرباط، منشورات الموجة، 1996.
                - الساحة الشرفية: رواية، البيضاء، الفنك، 1999(جائزة المغرب للكتاب لسنة 1999، جائزة الإبداع الأدبي).
                - الكتابة والوجود، 2000.
                بالإضافة إلى هذه الأعمال، لعبد القادر الشاوي إسهامات في الترجمة:
                - المغرب والاستعمار/ألبير عياش، ترجمة عبد القادر الشاوي ونور الدين السعودي، البيضاء، دار الخطابي، 1985(سلسلة معرفة الممارسة).
                - أوضاع المغرب العربي / مجموعة من المؤلفين، ترجمة جماعية، الدار البيضاء، الفنك، (1993).

                المصدر


                د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                aghanime@hotmail.com
                التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي; 05-04-2008, 08:27 AM.

                تعليق

                • أبو شامة المغربي
                  السندباد
                  • Feb 2006
                  • 16639


                  رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




                  مذكرات مالكولم إكس

                  لحفظ المذكرات على الرابط التالي:
                  المذكرات



                  د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                  aghanime@hotmail.com

                  تعليق

                  • أبو شامة المغربي
                    السندباد
                    • Feb 2006
                    • 16639


                    رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




                    مذكرات موسى صبري
                    "50 عاما في قطار الصحافة"
                    لحفظ المذكرات على الرابط التالي:




                    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                    aghanime@hotmail.com
                    التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي; 05-04-2008, 09:36 AM.

                    تعليق

                    • أبو شامة المغربي
                      السندباد
                      • Feb 2006
                      • 16639


                      رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة





                      جان جاك روسو
                      (Jean Jacques Rousseau)
                      (28 يونيو1712-2 يوليو1778)
                      فيلسوف و كاتب و محلل سياسي سويسري، ولد في جنيف وقضى فيها طفولته وشبابه المبكر وذهب إلى باريس وهو في الثلاثين من عمره وبعد عدة رحلات استقر فيها وكتب فيها أهم مؤلفاته "العقد الاجتماعي" الذي يوصف بأنه "إنجيل الثورة" وقد بدأه بالاحتجاج الصارخ على طغيان عصره: ولد الإنسان خيَّرا بطبعه ولكن المجتمع هو الذي يفسده.
                      وتقوم نظرية روسو على وجود تعاقد بين الانسان والمجتمع الذي يعيش فيه، وبمقتضى هذا العقد الاجتماعي يتنازل الإنسان عن جزء من حريته وحقوقه الطبيعية لهذا المجتمع مقابل تعهد المجتمع بصيانة هذه الحقوق وحماية الأفراد، وكان روسو في كتاباته يدعو إلى الديمقراطية والحرية والمساواة، ويرجع تأثير روسو المتعاظم في الناس إلى المشاعر القوية التي كان يشحن بها كتاباته وكان من أشد المتأثرين بهذه الكتابات روبسبير الذي لعب دورا عظيما في أحداث الثورة.

                      هي ترجمة ذاتية كتبها روسو في أخريات أيامه بعد إلحاح شديد من أحد الناشرين، ثم إن جان جاك روسو- الذي أدانته الكنيسة، وحرمته من حماية القانون ثلاث دول، وهجره أخلص أصدقائه - كان له الحق في الدفاع عن نفسه، بل في الدفاع المستفيض: وحين قرأ فقرات من هذا الدفاع على بعض المحافل في باريس حصل خصومه على أمر من الحكومة يحظر أي قراءة علنية أخرى لمخطوطته، فلما فت في عضده، تركها عند موته مشفوعة برجاء للأجيال التالية قال فيه:
                      "إليكم هذه اللوحة الإنسانية الوحيدة - المنقولة بالضبط عن الطبيعة بكل صدق - الموجودة الآن أو التي ستوجد إطلاقاً في أغلب الظن،
                      وأينما كنتم، يا من نصبكم قدري وثقتي حكماً على هذا السجل، فإني أستحلفكم بحق ما أصابني من خطوب ومحن، وبحق ما تشعرون به من أخوة البشر، وباسم الإنسانية جمعاء، ألا تدمروا عملاً نافعاً فريداً في بابه، قد يصلح بحثاً مقارناً من الدرجة الأولى لدراسة الإنسان، وألا تنتزعوا من شرف ذكراي هذا الأثر الصادق الوحيد لخلقي، الأثر الذي لم ينل من خصومي مسخاً وتشويهاً".
                      وعلى الرغم من أن الكتاب نتاج لما فطر عليه مؤلفه من شدة الحساسية وقوة الذاتية، ورهافة العاطفة وكما يقول هو نفسه "إن قلبي الحساس كان أس بلائي كله"، إلا أن هذا القلب كان قد أضفى ألفة حارة على أسلوبه، وحناناً على ذكرياته، وفي كثير من الأحيان سماحة على أحكامه، وكلها تذيب نفورنا ونحن نمضي في قراءة الكتاب "إنني مقبل على مغامرة لم يسبق لها نظير، ولن يكون لتنفيذها مقلد، أريد أن أظهر إخواني في الإنسانية على إنسان في كل صدق الطبيعة، وهذا الإنسان هو أنا نفسي، أنا مجرداً من كل شيء، إنني أعرف قلبي، وأنا عليم بالناس، ولم أخلق كأي حي من الأحياء، وإذا لم أكن خيراً منهم، فإنني على الأقل مختلف عنهم، أما أن الطبيعة أحسنت أو أساءت بتحطيم القالب الذي صببت فيه، فذلك شيء لا يستطيع الحكم عليه إنسان إلا بعد أن يقرأني".
                      "وأياً كان موعد الساعة التي سيُنفخ فيها في صور يوم الحشر، فسوف آتي وكتابي هذا في يميني لأمثل أمام الديان الأعظم وسوف أقول بصوت عالٍ: كذلك سلكت، وكذلك فكرت، وكذلك كنت، لقد تحدثت إلى الأبرار والأشرار بنفس الصراحة، وما أخفيت شيئاً فيه سوء، ولا أضفت شيئاً فيه خير، وقد أظهرت نفسي كما أنا: حقيراً خسيساً حين كنت كذلك، وخيراً سمحاً نبيلاً حين كنت كذلك، لقد أمطت اللثام عن أعمق أعماق نفسي".
                      والكتاب في جزئه الأول يشيع الطمأنينة في القارئ خلافاً للجزء الثاني الذي شوهته الشكاوى المملة من الاضطهاد والتآمر، والكتاب قصة روح حساسة شاعرة خاضت صراعاً أليماً مع قرن واقعي قاس، وعلى أية حال، فإن كتاب الاعترافات، لو لم يكن ترجمة ذاتية ، لكان من إحدى الروايات العظيمة في العالم.



                      د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                      aghanime@hotmail.com

                      تعليق

                      • أبو شامة المغربي
                        السندباد
                        • Feb 2006
                        • 16639


                        رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




                        هل لدينا ترجمة ذاتية عربية؟
                        إقرأ ما كتب تحت هذا العنوان على الرابط التالي:
                        المصدر




                        د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                        aghanime@hotmail.com

                        تعليق

                        • أبو شامة المغربي
                          السندباد
                          • Feb 2006
                          • 16639


                          رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




                          السيرة الذاتية في الأدب السعودي
                          الدكتور
                          أحمد الخاني
                          كنت مغرماً ولا زلت بقراءة نوع من السيرة الذاتية، ألا وهي المذكرات. قرأت (محادثاتي مع ستالين) لـ (ميلوفان دجيلاس) ومذكرات تشرشل ورومل وهتلر في كتابه (كفاحي)..
                          بين يدي الآن كتاب (السيرة الذاتية في الأدب السعودي) لأخي الدكتور عبد الله الحيدري حفظه الله يقول الإهداء: (... مع صادق المودة والمحبة.. آمل أن يجد فيه شيئاً يستحق القراءة) 10 7 1424هـ.
                          جاء دور هذا الكتاب قراءة، وقد صدر كتابي (الصالونات الأدبية في المملكة العربية السعودية)، إذ شغلني عن قراءة ما سواه، فصرت أزاوج بين قراءة الكتابين، وقد اكتشفت وأنا أقرأ في كتاب أخي الحيدري أنني أقدم النموذج لكتابة السيرة الذاتية في كتابي (الصالونات الأدبية).. إنها كتابة من النوع الشفاف الذي لم يكتب في الأصل ليكون سيرة ذاتية، وإنما كتب بأسلوب السرد القصصي المعتمد أحياناً على (المنولوج)، وهكذا اكتشفت نفسي على يدي كتاب (السيرة الذاتية).. أنني ممن كتب ولو عن غير قصد في هذا الفن.
                          وهذا الكتاب للدكتور الحيدري رسالة ماجستير، ومن تواضع مؤلفه أنه كتب (إعداد) ولم يكتب (تأليف).. وهذا الكتاب موسوعة نادرة في هذا الفن، ولا أقصد بالندرة قلة التأليف، بل أقصد الشمول والجمال في آن معاً، فلقد انتهى إلى هذه الموسوعة هذا الفن، وأصبح الدكتور عبدالله الحيدري صاحب السلطان الواسع على فن السيرة الذاتية في الأدب السعودي، ولقد خرج هذا الكتاب من المحلية إلى الآفاق الأرحب في الفصل الرابع:
                          (موازنة بين كتّاب السيرة الذاتية في المملكة وبين غيرهم في الأقطار العربية)، ولولا هذا الفصل لبقي هذا الكتاب محلياً، وألفت نظر الأدباء إلى أن يركزوا على أدب الموازنات مع الأدب العربي، وعلى المقارنات مع الآداب العالمية نهوضاً إلى الطرح العالي بهذا الأدب العريق إلى المجال العربي والعالمي الإنساني.
                          يبدأ الكتاب بتمهيد يبين مفهوم السيرة الذاتية والفارق بينها وبين السيرة الغيرية، ويبين الفرق بين السيرة الذاتية وبين الترجمة الذاتية.
                          والمؤلف ملتزم بمنهجه الأكاديمي مخلص له، ولكنني أرى أن يحذف العنوان:
                          (عرض موجز للأعمال المدروسة) لأن مادته مكررة.
                          يبدأ الفصل الأول بنشأة هذا الفن وتطوره، بادئاً بكتاب أحمد عبد الغفور عطار، ويركز على كتاب (أبو زامل) لأحمد السباعي، وبعده في الأدب السعودي نظير (زينب) في القصة المصرية؛ كلاهما علم على ريادة الفن الذي ينتمي إليه، ثم يذكر الكاتب أدباء السيرة الذاتية من الرجال محمد عمر توفيق، عبد العزيز الربيع، الدكتور غازي القصيبي، الدكتور زاهر الألمعي، عبد الفتاح أبو مدين، محمد حسين زيدان، ابن عقيل الظاهري، عبد الحميد مرداد..
                          ومن الأديبات: سلطانة السديري، فوزية أبو خالد، نوال السعداوي، ثم يعرج الكاتب على السيرة الذاتية الفنية..
                          وينتقل في الفصل الثاني إلى موضوعات السيرة الذاتية.. والفصل الثالث: الخصائص الفنية. يقول المؤلف: (وفي رأيي أن السيرة الذاتية التي تكتب بتأثير من دوافع داخلية فقط هي أعلى قدراً، ويكون ماء الطبع فيها أوضح، وبخاصة إذا تصدى لها كاتب موهوب) ص 369
                          ويتصدى الكاتب لتعريف الشخصية متسائلاً: ما الشخصية؟
                          وطبعاً تسرد آراء خلافية وهي لا تعدو في نظري مهما تشعبت:
                          أ العنصر البيولوجي.
                          ب العنصر السيكولوجي.
                          يقول الكاتب: (ولقد تباينت شخصيات أدبائنا في سيرهم، وتعددت الصفات المكونة لشخصياتهم..
                          وفي ظني أن الضعف البشري الذي لا مفر منه، له دور في الضدية التي قد تبدو في شخصيات الكتّاب).. ص 372
                          والدكتور عبدالله يقرر ظاناً؟! أرى أن تكون العبارة: (وأرى) أو (وعندي أن الضعف البشري..)؛ لأن (الظن) يضعف من قيمة الحكم، وإذا أراد أن يخرج المؤلف عن التقريرية الجبرية، فإن له مندوحة في ذلك باستعمال أسلوب يناسب كأن يقول: (وربما كان الضعف البشري..).
                          أسلوب الكاتب مع ذلك أسلوب المتمكن، وهو صاحب برنامج (كتاب وقارئ)، وهذا لا يعني انعدام الملاحظة على الأسلوب، وكلنا هذا الرجل. من ملحوظاتي على الأسلوب ما يأتي: عنوان ورد في ص 144 يقول:
                          لماذا لم تواكب السيرة الأجناس الأخرى في النشوء؟
                          وهي عبارة سليمة، ولكن كاد ينقطع نَفَسي بلفظة (النشوء) الواو الممدودة، والهمزة الساكنة، وأقترح أن يكون في العبارة تقديم وتأخير لتصبح في الطبعة التالية: لماذا لم تواكب السيرة في النشوء الأجناس الأخرى؟
                          شعرت بالارتياح النفسي لهذا المد وإطلاق الألف، ولأمر ما كانت مدود الآيات القرآنية الكريمة في أواخر كل آية يا دكتور عبدالله.
                          أكتفي بذكر ملحوظة ثانية فقط تتكرر كثيراً في أسلوب هذه الموسوعة؛ وهي كلمة (بين)؛ كقول الكاتب في ص 413: (والحق أن هناك فرقاً شاسعاً بين القصة والسيرة الذاتية)، والصواب: (بين القصة وبين السيرة الذاتية)، وقصارى القول في هذه الملحوظات أنها كالنمش في الوجه الجميل وسيئات المقربين حسنات الأبرار.
                          لقد احتل كتاب (السيرة الذاتية) للدكتور عبد الله الحيدري صدر المكتبة العربية لا السعودية وحدها في هذا الفن، وإنما صدر المكتبة العربية الإسلامية.
                          فبارك الله بهذه الجهود وإلى المزيد.
                          المصدر




                          د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                          aghanime@hotmail.com

                          تعليق

                          • أبو شامة المغربي
                            السندباد
                            • Feb 2006
                            • 16639


                            رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




                            طفولتنا وطفولة هؤلاء .. أدب السيرة الذاتية يزدهر في الغرب بفضل الحرية
                            فاطمة ناعوت
                            ***


                            أطروحة الباحث السويدي "تيتز رووك" التي نال بها درجة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة ستوكهولم عام 1997، صدرت فى كتاب بعد ذلك بسنوات أخذ عنوان "في طفولتي"، وأما نسخته العربية فأصدرها المجلس الأعلى للثقافة بمصر عن سلسلة المشروع القومى للترجمة، من ترجمة طلعت الشايب، وهو المترجم المصري الشهير الذي قدّم للمكتبة العربية عددًا من أهم الكتب الأجنبية، أذكر منها: الحرب الباردة الثقافية، صدام الحضارات، فكرة الاضمحلال فى التاريخ الغربي، وحدود حرية التعبير، والمثقفون، عدا العديد من الروايات المهمة والمجموعات الشعرية والقصصية.
                            فى هذا الكتاب "في طفولتي" (In My Childhood)غاص المؤلف السويدى فى عمق منجز التجربة العربية الأدبية بوصفها حقلاً شديد الثراء والتنوع ليفحص ملامح الطفولة عند عدد من الأدباء العرب بعدما استلَّها من سيَرهم الذاتية كما كتبتْها أقلامُهم. قدَّم لنا فوتوغرافيا تحليلية نفسية معمَّقة لطفولة عشرين مبدعاً عربياً شهيراً فى تاريخ العرب الحديث منذ عام 1929 حتى عام 1988.
                            يُعتبر أدب السيرة الذاتية جنساً أدبياً واسع الانتشار فى الأدب الغربي، بينما مازال لا يمثل كتلةً واضحة المعالم فى أدبنا العربي، ربما- برأيي- لأسبابٍ تتعلق بسقف الحرية الإبداعية والفكرية المنخفض التى يتحرَّك تحته القلم العربي حتى الآن، ذلك أن هذا الجنس الأدبي تحديداً لا يقوم فى المقام الأول على تعرية الذات وتسليط الضوء عليها وحسب، بل على كشفٍ كاملٍ لمرحلةٍ زمنية بعينها قد تشمل جيلين، بكل مفرداتها من شخوصٍ وواقعٍ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ وثقافيٍّ وبيئيّ، فأدب السيرة الذاتية - وإن نُعتَ بالذاتية - إلا أنه يشمل ضمنًا حياةَ الآخر والواقع الاجتماعي والسياسي المحيط، ومن وجهةِ نظرٍ آنيةٍ أيضاً، أي أنَّ آليات الوعي الجديدة والمكتسبة للكاتب "الآنيَّة لحظة الكتابة" ستكون هى العين الراصدة للماضي مما قد يشكّل لوناً من الكشف الحميم لمنظومة كاملة قد تتجاوز الـ"أنا" الخاصة للكاتب صاحب السيرة لتتخطَّاه إلى الآخر سواء كان هذا الآخر ذاتاً بشرية أو مجتمعاً أو سلطة أو منهجاً فكرياً لبيئة وحيّزٍ زمنيٍّ بعينه وهذا فى رأيي ما سبَّب انحساره في أدبنا العربي.
                            جْرياً على نهج التخصص الدقيق الذى تبنَّاه العلم فى الزمن الحديث، يسلِّط الكتابُ شعاعاً كثيفاً من الضوءِ على مرحلة بعينها من حياة المبدع موضوع التطبيق، وهى مرحلة الطفولة، بوصفها المرحلة الأهم من حيث تكّون الإنسان فكرياً ونفسياً والتي فيها تتشكل البذور الأولى لرؤيته المستقبلية للعالم والوجود، وبوصفها الإرهاصةَ الأولى لتشكّل قلم المبدع فيما بعد، وهنا يقف الكتابُ على مساحة أكثر رحابةً من مجرد كونِه رصداً روائياً لحياة كاتب، فيتجاوز هذه الأرض إلى ما قد يتقاطع مع التحليل النفسي الدقيق للشخصية الإنسانية، انطلاقاً من تعقداتِ واشتجاراتِ الطفولة الأولى للمرء، كونها مقدماتٍ تتلوها توالٍ، ويمكن اعتبار هذا التناول لمرحلة الطفولة في حياة شخصية عامة، جنساً أدبياً مستقلاً وموازياً لأدب السيرة الذاتية الشهير.
                            يلمِّح الكتاب إلى وعي العرب القدامى بهذا اللون الأدبيّ واهتمامهم بتسجيل التراجم الشخصية لحياة المفكر والأديب والشاعر، مثلما ورد فى نصوص ابْنِ سينا وكتاب العِبَر لابْنِ منقذ وغيرها، مما يناقض الزَّعم الغربي أن هذا الجنس الأدبي محضُ اختراعٍ غربيٍّ صافٍ. ومن أشهر من تبنى هذا الزَّعم: جورج جاسدوف الذى نفى وجود أدبِ سيرةٍ ذاتية خارج نطاق الثقافة الأوروبية، بل ويُرجِع وجودها فى حضاراتٍ أخرى كما عند المهاتما غاندى مثلاً إلى الغرب أيضاً، الذي صدَّرها إلى بقية الجنس البشريّ ذاك الذي ما كان لقدراته الذهنية أن تدرك هذا الوعي الكتابي بتدوين الذات. ومما لا شك فيه أن تلك الرؤية العنصرية المتطرّفة ذات الطابع العِرقيّ الكولينياليّ، إنما تظلُّ محضَ رؤيةٍ فرديةٍ ناجمةٍ عن عدم اطِّلاع وافٍ على منجَز الأدب العربي قديمه وحديثه.
                            تتصدَّر الكتابَ مقدمةٌ مهمّةٌ لأستاذ علم الجمال رمضان بسطاويسي، يفنِّد خلالَها مفهومَ لفظة الهُويّة بالمعنيين الاصطلاحيِّ والدلاليِّ قديماً وحديثاً، على المستويين الذاتي والجماعي "هويّة الفرد وهويّة الوطن" وعبْر المتغيِّرات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية وتحت مظلّة العولمة المهيمنة على الواقع العالمى الحديث. يرسم بسطاويسى بانوراما تشريحية لتطوِّر دلالة تلك اللفظة تاريخياً، الهوية في مقابل الآخر، استقلالها واكتفاؤها الذاتي وغناؤها عن الآخر، أم تحققها وانبثاقُ وجودها من خلال الآخر، حيث يستحيل تحقُّقُ الذات وخلقُ هوية ما إلا عبْر الآخر، فيما يحقق كياناً مكتملاً أو منظومة حياتية ذات جسد وروح.
                            وتناقش تلك المقدمة أزمة الهوية ووجوب ابتداع صيغة جديدة للهوية الذاتية تتناغم مع روح العصر وفى ذات الوقت نابتة من جذور الهوية الجماعية لا استيراد أو استعارة هوية جاهزة من الغرب مما يخلق مسخاً شائه الملامح. ويشير بسطاويسى إلى تفاقم أزمة الهوية والقومية فى العالم بأسره خاصة بعد أحداث سبتمبر الأخيرة التى نرصد فيها محاولة القوة المهيمنة العالمية الكبرى خلق هوية استهلاكية فقيرة الأصالة والتفرد.
                            يشير الكتاب إلى أنَّ رصدَ مرحلة الطفولة ملْمحٌ شائعٌ في أدب السيرة الذاتية العربية مثلما يبين لنا من معظم عناوين تلك الأعمال على غرار "طفلٌ من القرية"، "أيام الطفولة"، "رجوعٌ إلى الطفولة"، "سِفْر التكوين"، و"الأيام" الجزء الأول لعميد الأدب العربي.
                            يرصد الكتاب نماذجه التطبيقية فى الفترة الزمنية ما بين عام 1929 حتى عام 1988.
                            أما تاريخ البدْء فمرهونٌ بصدور "أيام" طه حسين، حيث صدر جزؤها الأول عام 1929. الأيام كانت نقطة البدء للانطلاق، بوصفها أول سيرة ذاتية عربية حقيقية، بل إن الكثير من الكُتَّاب قد ساروا على درب طه حسين محاولين تحقيق مثل النجاح الذى حققه كما يؤكد المؤلف، وأما توقيت النهاية لحيز الزمن المرصود فارتبط بتوقيت ظهور نصٍّ للكاتب اللبنانيّ محمد قرة علي بعنوان "سطور فى حياتي" . يتوقف الكتابُ إذنْ قبل العقد التاسع من القرن الماضي، على الرغم من ثراء التسعينيات بالكثير من أدب السيرة الذاتية العربية، الأمر الذى جعل من الصعوبة بمكان تضمين ذلك العقد داخل متن الكِتاب نظراً لزخم تلك الحقبة وثرائها بهذا الجنس الأدبي، غير إن الكاتب قد ضمَّن معظم هذه الأعمال في حيِّز الإشارة.
                            أما الكُتَّاب العشرون الذين تضمَّنهم الكِتاب بالدرس والتحليل خلال تلك العقود الستة فقد قسَّمهم المؤلف إلى مجموعات ثلاث حسب التراتب الكرونولوجي:
                            * ستة كُتّاب يمثلون الجيل الأول من كُتَّاب السيرة الذاتية، وهم من مواليد القرن التاسع عشر.
                            * كُتّابٌ سبعة من مواليد بداية القرن الماضي وحتى عام 1920، وهم من مثلوا الجيل الثاني من منتجي السِيْر الذاتية.
                            * ثم الجيل الثالث، مواليد ما بعد عام 1920 ومازال معظمهم معاصرين.
                            ويعني هذا التقسيم الزمني أن الكُتّابَ هؤلاء قد تزامنت طفولتهم مع انتهاء الإمبراطورية العثمانية أو عاصرت الاستعمار، وأن إنتاجهم الأدبي قد شهد المجتمع العربي قبل الحديث أو باكورة المجتمع الحديث، وهى مرحلة التحول من مجتمعٍ زراعيٍّ تقليدي إلى مجتمعٍ شبه صناعيّ، هذا إلى جانب كونها مرحلة نضال سياسيّ غايته الاستقرار الوطنيّ.
                            على أن الشاهد أن تلك السيْر الذاتية قد تمّ رصدها بعينٍ شاهدتْ نهاية القرن التاسع عشر أو بداية القرن العشرين، أى بعين ما بعد الاستعمار حيث مخروط الرؤية أكثر شمولية ورصداً للحقبة كاملة مما يسمح بمزيد من الرصد والتأمل الدقيق للحدث. هذا التوتر الناجم عن اشتباك الآنين: آن القصِّ وآن الخطاب، هو ما خلق تلك الدراما الفنية وأثرى التجربة روائياً.
                            يتكون الكِتاب من عشرة فصول، فيأتي الفصل الأول ليحدِّد أهداف السيرة الذاتية كأحد الأجناس الأدبية التى تنقل للقارئ خبرةً ثقافية وحياتية حيّة تمت صياغتها فى قالبٍ أدبي حيث يتوقف مدى التواصل بين النص والقارئ على مدى قدرة هذا الأخير على التقمُّص والتوحُّد الرمزي مع الكاتب مما يخلق خيطًا من التواصل بين أفراد المجتمع ونقل الخبرات وحثِّ المرء على تأمُّل حياته والبحث عن المشتركات بين التجارب الإنسانية. بينما يتناول الفصل الثاني تعريفاً مفصَّلاً للسيرة الذاتية، فيبين أن ثمَّة نوعين، الأول شموليٌّ عامٌّ والآخر محدَّدٌّ ذاتي، فيما يأتي الفصل الرابع الذي يحمل عنوان التطوّر التاريخي ليقدم ما يشبه الموسوعة المتخصصة أو المعجم التحليليّ لكثير من المفردات التى كثيراً ما تلتبس فى ذهن القارئ غير المتخصص لتقاطعها واشتباكها مع أدب السيَر الذاتية، ويتناول هذا الفصل الفروق بين مصطلحات من قبيل السيرة الذاتية Autobiography وسيرة الحياة Biography والترجمة الشخصية والذاتية، واليوميات Diaries، والمذكرات Memories وغيرها من أشكال الكتابة التى تندرج تحت أدب السيرة الذاتية كلونٍ أدبي قائم بذاته. ويرصد فى هذا الفصل التطور التاريخي للسيرة الذاتية فى الأدب العربي بأن يتتبع نشأة وتطور هذا المصطلح تاريخيا.
                            يدرس الفصل الثالث العلاقة بين السيرة الذاتية والرواية حيث كثيراً ما تخرج السيَر الذاتية فى عباءة الرواية بل وكثيراً ما يُكتب هذا على غلافها- كما حدث في "الوَسيَّة" التى كُتب على غلافها الأمامي (رواية) والخلفي (مذكَّرات) وداخل المتن (سيرة ذاتية) - حيث غالباً ما يلتقيان في الحبكة والسرد الروائي، غير أن الكاتب غالباً ما يميز مشروعه عن طريق ما يسمى بفضاء السيرة الذاتية، أى درجة صدق الكاتب مع تجربته الشخصية وهو ما يميزه القارئ بسهولة عن طريق مقارنة أسماء الشخوص مع واقع تاريخي معروف لديه.
                            ونرى أن الرواية تعمد على الصدق الرمزي أو الخيالي بينما تعمتد السيرة الذاتية على صدق الكتابة الذاتية، وفي الفصل الخامس يرصد المؤلف بعض النماذج التى كُتب لها الاستمرار في الأدب العربي مثل التراجم الشخصية وبعض النصوص التى تعبِّر عن تحولٍ فى المفهوم العربي لأدب السيرة الذاتية نتيجة التأثر بالكتابة الغربية، فيقارن بين مدى وعمق تأثير التراث العربي التقليدي على السيرة الذاتية العربية الحديثة من ناحية، وأثر الأعمال الغربية من ناحية أخرى.
                            ويتناول الفصل السادس ملْمحاً جديداً ميّز السيرة العربية الحديثة وهو الاهتمام بالكلام عن مرحلة الطفولة التى غابتْ عن الكتابة الأوتوبيوجرافية الكلاسيكية، وهذا الملْمح نرصُده أيضاً فى الأعمال الغربية، هذا ونلحظ غياب، أو تغييب، مرحلة المراهقة أو مرحلة تفتح الجسد عن معظم الأعمال، ويتناول هذا الفصل أيضاً بداياتِ أو مفتَتِحات العمل وكذا نهاياته، فيذكر أن معظم البدايات تنطلق إما من لحظة الميلاد البيولوجى للكاتب أو لحظة توهُّج الذاكرة الأولى أو ما يسميها كوَّة الضوء الأول للوعي أى نقطة وعي الطفل بالوجود والعالم بأبعاده المادية والاجتماعية.
                            غير أن الانطلاق من لحظة الميلاد الفعلي أو البيولوجي تظل الأكثر شيوعاً بين كُتّاب السيرة الذاتية العربية، فيفحص المؤلف ثمان حالات من بين عشرين بدؤوا بهذا المفتتَح التقليدي.
                            يتناول الفصل الثامن أوطاناً مُتخيَّلة، الطفولة بوصفها مَشاهد وصوراً متخيَّلةً شديدةَ الالتصاق بالمكان كأحد مفردات العمل الأدبي. فالمكان الذى نشأ فيه الطفل يتم رصده من خلال هذه العين الصغيرة التى تختلط فيها الواقع بالخيال بارتباك الأبعاد بهوية الفرد وهوية المكان، بينما يناقش الفصل التاسع الفقر كأحد أهم القيم التى تم رصدها فى تلك الأعمال حيث ارتبطت الطفولة فى معظم الحالات بظروف قاسية عاشها هؤلاء الكتاب. فى حين تشترك معظم الأعمال فى النهاية التقليدية مثل مشاهد الرحيل أو الفراق.
                            يتناول الفصل العاشر من كتاب "في طفولتي" قيمة الحرية كهدف رئيس يصبو إليه أدب السيرة الذاتية من خلال الضلوع فى صراعات مع ألوان السلطة بدءاً بالسلطة الأبوية فى أسرته الصغيرة بوصفها النواة الأولى للمجتمع المقبل للطفل.
                            فالسلطة القمعية التى تسِمُ معظم الأسر العربية، سيَّما القديم منها، والاشتباك فى الصراع معها يعكس الحلم الجماعي بمجتمع أكثر حرية وأكثر مساواة. يحلِّل هذا الكتاب كل القيم السابقة وغيرها الكثير من خلال التطبيق الأكاديمي على عشرين نموذجاً من أدب السيرة الذاتية العربية منها: "الأيام" لطه حسين بجزأيها الأول والثاني وبينهما فاصلٌ زمنيٌ يمتد لعشر سنوات 1929-1939، "قصة حياة" للمازني 1943، "طفل من القرية" لسيد قطب 1946، "حياتي" لأحمد أمين 1950-1952، "أيام الطفولة" لإبراهيم عبد الحليم 1955، "إسمعْ يا رضا" لأنيس فريحة 1956، "في الطفولة" لعبد المجيد بن جلون 1957-1968، "سبعون" لميخائيل نعيمة 1959، "سجن العمر" لتوفيق الحكيم 1964، "على الجسر" لبنت الشاطئ 1967، "مذكرات" جورجي زيدان 1968، "بقايا صور" و"المستنقع" لحنَّا مينه 1975-1977، "معي" لشوقى ضيف 1981، "عينان على الطريق" لعبد الله الطوخي 1981، "الخبز الحافي" لمحمد شكري 1982، "الوسيَّة" لخليل حسن خليل 1983، "لمحات من حياتي" لنجيب الكيلانى 1985، "رحلة صعبة _ رحلة جبلية" لفدوى طوقان 1985، "البئر الأول" لجبرا خليل جبرا 1987 و"سطور من حياتي" لمحمد قرة علي 1988.
                            المصدر





                            د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                            aghanime@hotmail.com

                            تعليق

                            • أبو شامة المغربي
                              السندباد
                              • Feb 2006
                              • 16639


                              رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




                              "السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي المعاصر"
                              تأليف:
                              أمل التميمي
                              يتناول هذا البحث السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي المعاصر، مع تحليل نماذج مختارة، وقد قامت الكاتبة المصرية أمل تميمي بعملية انتقاء لمجموعة من النصوص بناء على عدة مسوغات: أولها أنها نصوص لنساء شهيرات اعترفن بأن نصوصهن سيرة ذاتية، بالإضافة إلى إجماع النقاد على ذلك أيضاً.
                              وثانيهما أنها نصوص تطبق عليها إلى حد كبير شروط السيرة الذاتية بمفهومها الحديث، وقد راعت الكاتبة أن يكون بينها قواسم مشتركة، كنقاط الاختلاف والتنوع الجغرافي والفارق الزمني.
                              بحيث تمثل النماذج المختارة هذا الفن عبر أجيال ومراحل مختلفة، إنه اختيار روعي فيه قدر الإمكان التنوع في الموضوعات والهموم التي شغلت بها المرأة في حياتها، إلى جانب ذلك الاختلاف في الطرائق الفنية المتبعة في كل نموذج لتقديم قصة كفاحها وحياتها.
                              تنقسم الدراسة إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، وكل فصل يعالج عدداً من المباحث المترابطة، أما المدخل فيحمل عنوان:

                              مفهوم وظاهرة السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي الحديث
                              وفيه تحاول الباحثة تتبع مفهوم السيرة الذاتية، كما تحاول أن تصل إلى مفهوم للسيرة، أعانها ذلك في قراءة العينات والنماذج المختارة للتحليل في الفصلين الثاني والثالث.
                              كما تتبعت بصورة أولية ظاهرة كتابة السيرة الذاتية عند المرأة بكل ألوانها الفرعية، ورصدت تطورها بحسب ظهورها من مقالات صحافية إلى قالب روائي، ثم إلى سيرة ذاتية، ثم خصصت الجزء الأخير من المدخل للتعريف الموجز بالشخصيات المختارة نماذجهن للتحليل في الفصلين الأخيرين.
                              أما الفصل الأول، فيحمل عنوان:
                              السيرة الذاتية النسائية بين التاريخ والنقد
                              ويضم أربع نقاط أساسية: الأولى بعنوان أسباب الغياب النسبي للسيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي الحديث ومنه ترصد الكاتبة بشيء من التفصيل أهم العوامل الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي ساعدت على هذا الغياب، والثانية بعنوان قلة الاهتمام النقدي بالسيرة الذاتية النسائية في النقد الأدبي المعاصر.
                              وركزت فيه على الاهتمام على أسباب تهميش السيرة الذاتية النسائية في مقابل الاحتفاء بالسيرة الذاتية الذكورية، والثانية بعنوان تحديد الوضع الراهن للسيرة الذاتية النسائية، وفيه تمّ تفصيل المتغيرات الحضارية التي شهدها أواخر القرن العشرين، وما عكسته تلك الحضارة الحديثة على تطور فن السيرة الذاتية النسائي، والرابعة بعنوان ظاهرة الإبداع السيري ذي الهوية المزدوجة.
                              وفيه استعرضت الباحثة بعض الكاتبات العربيات بنصوص سيرية كتبت بلغات أجنبية، تم اختيار النماذج التالية للدارسة أو التحليل (هدى شعراوي، نبوية موسى، عائشة عبدالرحمن، زينب الغزالي، فدوى طوقان، نوال السعداوي، ليلى عسيران، ليلى العثمان).
                              يحمل الفصل الثاني عنوان:
                              قضايا السيرة
                              وفيه تحليل مكثف لأهم قضايا السيرة الذاتية النسائية في النماذج المختارة، ويضم ثلاث نقاط، ركزت فيها الكاتبة على الدوافع ثم على موضوعات السير الذاتية النسائية وأخيراً على المادة الاعتراضية.
                              أما الفصل الثالث فهو بعنوان:
                              الملامح الفنية للسيرة
                              وفيه دراسة تفصيلية لأهم الملامح الفنية المميزة للنماذج المختارة، وهو يضم ثلاث نقاط: الأولى عن العناوين ودلالتها، والثانية عن مقومات السيرة والثالثة عن انشطار الذات الأنثوية في السيرة الذاتية.
                              وختمت الباحثة بموجز قدمت فيه أهم النتائج التي توصلت إليها، سواء فيما يتعلق بعلامات تطوّر فن السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي الحديث، أو فيما يخص نتائج التحليل في النصوص المختارة بعد تحليلها وعقد الموازنة فيما بينها.
                              ظهر من الدارسة التحليلية ما جعل الكاتبة تسلم بأن فن السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي بصدد التكون أو يوشك أن يتأسس كجنس أدبي له قواعده ومعاييره الجوهرية التي تميزه بخصوصية نوعية.
                              وتوصلت الكاتبة إلى مقومات أساسية للسيرة ساعدها على التقيد بها التعريف المقترح إلى التوصل لنتائج مرضية نوعا ما في حدود الدراسة الحالية، وفي حدود النصوص المختارة من أهمها طبيعة الموضوعات التي تعالجها السيرة الذاتية النسائية، فهي تكشف عن مبدأ الازدواجية في الفكر العربي بين المجددين والمحافظين.
                              كما أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين العام والخاص من حيث إبراز دور المرأة السياسي وارتباطها بالقضايا الوطنية، وتحليل ذاتها تحليلاً يكشف عن آرائها ومواقفها السياسية، وهذا يرد الاتهام القائم على أن أدب المرأة لا يعكس سوى المشكلات الخاصة بالمرأة.
                              وأخيراً أهمّ ما يميز السيرة الذاتية النسائية هو تمزق الذات الأنثوية وانشطارها في النص المكتوب الذي من المفترض أن يعبّر عن ماهيته وكيانه البيولوجي والاجتماعي كذات أنثوية دون تملص أو هروب من هذه الحقيقة الطبيعية.
                              وكان لدور التشريح النقدي الذي يمارس على الكتابة الأنثوية بوصفها خطاباً ذاتيا وإدانتها على ظهور طبيعتها البيولوجية في خطابها الأدبي ظهور هذه العقدة الحضارية في كتابة المرأة والسيرة الذاتية على وجه الخصوص.
                              فإن المشرحة النقدية الحديثة لكتابة المرأة خلقت امرأة ثنائية متناقضة تحب وتكره في الوقت ذاته، تكره ذات الآخر المتمثلة في الرجل، تقلده ولكن لا تعترف بإعجابها به.
                              المصدر



                              د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                              aghanime@hotmail.com

                              تعليق

                              • أبو شامة المغربي
                                السندباد
                                • Feb 2006
                                • 16639


                                رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




                                "مقومات السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث .. بحث في المرجعيات"
                                الدكتورة
                                جليلة الطريطر
                                ٭ الناشر: مركز النشر الجامعي بتونس
                                ومؤسسة سعيدان للنشر
                                تجعل الباحثة الدكتورة جليلة الطريطر من مفهوم المرجعية السير ذاتية، الاشكالية المركزية التي استقطبت اهتمامها، بسبب جوهري هو أن كل قضايا السيرة الذاتية، الكلية منها والجزئية، لا يمكن ان تفهم حق الفهم، ولا أن تحظى بتحليل منهجي قويم، يستوفي ما أمكن شروط الدقة والتعمق العلميين، ما لم ترتبط هذه القضايا بتعيين نوعية نظام الإحالة في السيرة الذاتية وإبراز أهم خصائصه، ورغم أهمية هذه الاشكالية، فإن الباحثة قلما وقفت على محاولات نقدية مستفيضة ومعمقة اتجه أصحابها إلى توضيح مقومات المرجعية السير ذاتية وابراز انعكاساتها على قراءة هذا النوع من الملفوظات وتأويلها، وهو ما حدا بها إلى دفع بحثها في هذا السلك بالذات وربط النتائج التي انتهت إليها في القسم النظري بالنهج التطبيقي الذي تبنته في قراءتها لنصوص السيرة الذاتية العربية، في محاولة لابراز مدى التناغم والانسجام الكائنين بين المستويين النظري والتطبيقي، وقد تخصصت هذا المستوى الأخير للوقوف على أهم الثوابت الفنية والدلالية التي رشحت بها نصوص المدوّنة السير ذاتية العربية.
                                حاولت الباحثة ما أمكن ان تتجنب التعسف في التأويل وان تحترم طبيعة النصوص التي قامت بمقاربتها، وليست في الواقع هذه النتائج النظرية التي بسطت القول فيها في القسم النظري من بحثها إلا ثمرات حرصها على التشبع بالنصوص العربية ومداومتها النظر فيها والإنصات إليها، كان يدفعها إلى مزيد من التعمق والتوغل في مسالك تحليلية جديدة، وهي ترى ان استنزاف مادة النصوص السير ذاتية، واستكشاف كل كنوزها وخباياها، مأربان لا يمكن بحال بلوغ منتهاهما، لأنهما متجددان بتجدد القراءات المسلطة على هذه النصوص، وبتجدد سباق القراءة ذاته، وكفاءة القراء المعرفية وحساسياتهم الأدبية.
                                وقد اجتهدت الباحثة في أن تكون النتائج التي انتهت إليها مبررة تبريراً كافياً ومقنعاً، فاعتمدت خطة الربط دائماً بين الأحكام النقدية العامة التي اثبتتها ومختلف الشواهد والأدلة النصية المثبتة لمصداقيتها في النصوص المعتمدة، وهي تؤكد أن البحث الذي اضطلعت به ليس في النهاية إلا مقدمة أساسية للبحث في خصوصيات خطاب السيرة الذاتية العربي في مستواه التاريخي المتطور، ذلك ان هذا الخطاب قد شهد اتساعاً في نصوصه إذ تعددت الكتابات الممثلة له في مختلف البلدان العربية، فضلاً عن تطور أشكالها ومضامينها، لكن هذا الجديد السير ذاتي الذي يحتاج إلى المتابعة والتمحيص والدرس، يظل على الدوام رغم التغيرات الحاصلة في سياقه والمؤثرة بصورة مباشرة فيه، مشدوداً من نواح عدة إلى الجذر السير ذاتي الأهم الذي منه تولدت النصوص اللاحقة وعنه تفرعت، وهذا الجذر القاعدي المشترك هو الذي تضافرت جهود طبقة الرواد على تأسيسه، من أمثال طه حسين والعقاد وسلامة موسى وأحمد أمين وميخائيل نعيمة وتوفيق الحكيم.


                                الخميس 11 ربيع الآخر 1426هـ - 19 مايو 2005م - العدد 13478
                                المصدر



                                د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                                aghanime@hotmail.com

                                تعليق

                                يعمل...