الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

مع الروائي محمد جبريل

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د. حسين علي محمد
    كاتب مسجل
    • Jun 2006
    • 1123

    #46
    رد: مع الروائي محمد جبريل

    زمن سادوم وعامورة
    يحتل الجنس فى رواية " كوب شاى بالحليب " مساحة تبدو داخل البنسيون وكأنها مساحة الزمن كله ، فهو فى تنويعاته المختلفة يعبر عن واقع هذا الزمن ، ولعل الاهتمام الزائد بالجنس فى الرواية ، وما يمثله من بؤرة دالة تشغل مساحة كبيرة من النص ، يمثلها هذا المجتمع شبه المغلق ، بل إن المكان ذاته وهو يحاصر هذه الأجساد ويحتويها ويجعلها خاضعة للحاجة ، إنما يعبر عن طبيعة الزمن ، إضافة إلى طبيعة المكان ذاته ، وطبيعة المشاعر الحاصلة فيه ، ولعل الرغبات الجامحة أيضاً عند بعض شخصيات الرواية تعطينا دلالة على أن المتعة الشبقية العابرة كانت هى عقدة الجميع داخل هذا المكان ، وأن لكل رغبته الذاتية التى يعوّل عليها فى متعته مع الجنس ، وأن الجسد المباع كان هو الآخر يمثل بعداً تأويليا لمنطق هذا الزمن الحافل بالتهرؤ والزيف والفساد . فجميع النساء اللاتى وطئن أرض البنسيون بما فيهن " عنابر " التى تعمل لخدمة النزلاء ، كن من نسيج هذا الزمن ، بل إنهن من صنعه ، لكل حاجته الخاصة المادية والإشباعية ، فالعقدة الأوديبية عند الراوى دفعت به إلى امرأة تعدت الأربعين ، أعطاها عنوانه وهو يعرف فى عقله الباطن أنها ستحضر إلى البنسيون ، بعد أن كان كثيراً ما يغض الطرف عن رغبته وحاجته الخاصة للجنس ، وسط هذه الحالة العامة التى عايشها بين زملائه من نزلاء البنسيون، وكانت تلك هى المرة الأولى التى مارس فيها الجنس فى هذا المكان ، وإن كانت له محاولات لا تتعدى الملامسة والقبل . وإذا تتبعنا ملامح الأيروسية عند باقى النزلاء فسنجد أن المكان والزمان كليهما كانا يعبران عن هذه الأيروسية دون مغالاة ، بل ودون مبالاة أيضاً ، حتى أن صاحب البنسيون نفسه عندما حضر فى زيارة روتينية لم يعر مظاهر الجنس التى سمع عنها أى شيء ، إنما كان همه فقط أن الحديث عن السياسة من وجهة نظره هو الممنوع داخل البنسيون ، ذلك أن الجميع كانوا يعيشون الجنس من خلال الواقعى والمتخيل فى آن واحد ، بما فيهم " عنابر " المرأة التى تقوم على خدمتهم، هم يمارسون الجنس بواقعيته المعهودة ، لكنهم ينفذونه بمتخيلهم الخاص وطبيعتهم الذاتية ، فجلال ضيف الله يهمل المقدمات فى العلاقة الجنسية ، ويقتحم هذه العلاقة مباشرة ، ولا يشغله ما تريده المرأة ، أو ترفضه ، فهى إناء يفرغ فيه ما يلح عليه ، ثم إنه يترك لها النقود على السرير ويغادر الغرفة قبل مغادرة المرأة لها . كما أن له فلسفته الجنسية الخاصة " كان يشتهى الكاحلين بقوة ، يتطلع إلى لحظة – تبدو قاسية فيرجئها – يلامس فيها المساحة التى أحبها من ساق المرأة ، يتشممها، يلعقها، يدفس قضيبه – إن استطاع – فيها، يستغنى عن اللحظات التى يتحدث فيها ، ويتصورها ، من يعيشون فى البنسيون ، ويترددون عليه " . وقد أتى ذات مساء ببائعة فجل من ميدان باب اللوق ليمارس معها الجنس معللاً ذلك بأن رائحتها أثارته .
    أما الفلسطينى غسان جبر زميله فى الحجرة فقد كان له وجهة نظر خاصة تجاه الجنس تنبع من مخيلة ذاتية ، فهو يتطلع إلى هذه العلاقة من خلال علاقة حسية وذاتية كاملة ، الجنس جزء منها ، والباقى علاقات تتواصل من خلال العاطفى والثقافى معا " كان يتطلع إلى علاقة الحب بين دماغين ، يصعب إهمال العلاقة الحسية ، لكنها تمثل علاقة فى ذاتها ، هى جزء من كل ، يقرأ وتنصت، تقرأ وينصت ، يتناقشان ، يتفقان ، يختلفان ، يشتد الميل فتتلامس الشفاه ، ربما استغرقهما العناق ثم يعودان إلى ما كانا يقرآنه " , ولما كانت أمه هى المرأة الوحيدة التى يعرفها معرفة كاملة ، إضافة إلى واقعه المادى والرومانسى ، فقد كانت التجربة الجنسية المفاجئة له فى البنسيون تكاد تنحصر فى علاقات قليلة من خلال أنه يريد أن تعطيه المرأة نفسها عن اقتناع ، وبمحض إرادتها هى لا برغبته الجنسية هو " يقرفه أنها تعرى أسفل جسدها ، وتنتظر رد الفعل دون أن تنظر فى عينيه " . أما شخصية السودانى جزرة الشفيع فقد كان على النقيض من الجميع فى عشقه للجنس لذاته ، لا يهمه شكل المرأة ولا ملامحها ، يمارس الجنس فى أى وقت ، وفى أى مكان داخل البنسيون ، ولا يشغله حتى وجود من يتابع الحدث ، هى بالنسبة له أمور ثانوية تافهة ، حتى أن سمير دسوقى كان يرى بنفسه ما يفعله جزرة ، وكانت تذهله هذه الجرأة التى كان عليها " أمام النافذة المغلقة المطلة على شارع منصور ، رأى جزرة يتبادل القبلات مع امرأة ، بدت الرغبة الحسية حياته . دافعاً إلى التفكير، وإقامة العلاقات . كان يقدم على فعل الجنس فى أى مكان ، فى الحجرات، فى الصالة ، فى الطرقة بين الحجرات . لم يكن فى حياته ما يفوق الجنس . اهتياج جسده يفاجئه فى لحظات لا يتوقعها ، قد يحركه تصرف أو عبارة ، ينتهز فرصة خلو البيت فترة الصباح ، يمارس الجنس مع عنابر فى حجرات البنسيون . الحجرة التى يقفان أمام بابها . يحرص على اللحظة ، يطيلها ، حتى الحمام كان يغلقه عليه ، ويمارس الحب ، يتفنن فى أوضاع العلاقة ، يحاول إطالة لحظات المتعة، ربما ترك للمرأة اختيار الوضع الذى تفضله . لم يكن يشغله وجود من يتابع الحدث " .
    فى معرض لوحاته وتجسيده الواقعى وهواجس التخيل يبدو الجنس فى رواية " كوب شاى بالحليب " محمّل بالحالتين ، إلا أن الواقعى منه يتحرك تحت قشرة ذاتية ، تختبئ وراءها هواجس المتخيل الدافعة إلى تفاعل الرغبة بهذه الطريقة المفرطة . ولا شك أن للمكان دور فاعل فى إذكاء هذه الحالة حتى إنها تتحول ـ فى بعض الأحيان ـ إلى أسلوب حياة لا يمكن الاستغناء عنه . وهو ما وضح فى ممارسات معظم الشخصيات التى عاشت بطبيعتها الذاتية داخل البنسيون . والبنسيون ـ كمكان ـ يستمد سطوته من الحرية التى يشعر بها النزلاء ، خاصة فى غيبة الوعى والإدراك ، وتعتمل فيه سطوة الجنس لتشمل الجميع حتى ضعفاء الرغبة سرعان ما نجدهم يتحولون إلى النقيض . إلا أن الجانب المعتم من أعماق النفس كثيراً ما يجد بصيصاً من نور ، يتمثل فى محاولة الضمير رأب الصدع الذى يصيب أعماق النفس المظلمة والمعتمة ، يغذيه أحياناً الضغط النفسى وعذاب الضمير . لذا كانت قملة العانة التى أصابت سمير دسوقى فى إحدى ممارسته الجنسية ، والتى ـ ربما ـ أتت بها " مارى "، هى مرحلة التحوّل التى أصابت الجميع داخل البنسيون . ولعل ظهور هذه الحشرة فى نهاية النص ، مع الأخبار التى وردت بحركة الانفصال بين مصر وسوريا ، كان هو الكابوس الفظيع الذى خيم على مناخ الحالة العامة والحالة الخاصة ، وكأنه حشرة كافكا التى تلبسته فى صباح أحد الأيام بطريقة مفاجئة . لقد استحضرها الكاتب ليعبر من خلالها عن المتخيّل المستقر فى البنسيون ، وفى مصر كلها " : استغرقه صمت الليل والقراءة ، انتفض لرؤية حشرة تتحرك فى أعلى الصفحة ، قذف الكتاب دون أن يتدبر رد فعل الصرخة .
    رمق رصات الكتب بنظرة متشككة . هل يحرقها ؟
    أيقظته يد وردى المتقلصة على كتفه ، وهو يغالب الحشرة الهائلة ، استطالت ، تضخمت ، بدت جسما شائهاً له آلاف الأعين والأقدام والأرجل ، يملأ فراغ الحجرة إلى الجدران والسقف ، تهم بابتلاعه " . ملأت الحشرة المتخيل الواقعى عند سمير دسوقى بحيث أصبحت رفيقته فى صحوه وأحلامه ونومه ، أصبحت هى الواقعى فى حياته ، وفى هاجسه المتخيل ، تبدو وكأنها كابوس يختلط بكل شئ حوله ، ووسط هذا الكابوس الكبير فى حياتهم داخل البنسيون . وفى ذروة تعاملهم مع حشرة العانة يسمعون خبر الانقلاب السورى على الوحدة ، ويسمعون أسماء قادة الانفصال النحلاوى والكزبرى وغيرهم . آراء متعددة حول الوحدة وما حدث لها . أخبره الطبيب بأن الحشرة فى حياتهم ما هى إلا وهم ، ووهم كبير . بلغ الوهم عند سمير دسوقى قمته بحشرة العانة ، وبفشل الوحدة بين سوريا ومصر و لم يوقظه من هذا الوهم سوى العودة إلى الإسكندرية مسقط رأسه . ويترك الجميع البنسيون بناء على طلب الحاج كامل مهدى صاحب البنسيون . ويودع كل منهم صاحبه .
    قال الزهراوى لسمير دسوقى وهو يودعه : " سأفتقد دعوتك على كوب الشاى بالحليب "
    بهذا النص الملتبس ما بين الرواية والسيرة والمكدس تكديساً لا حد له بالوقائع والأحداث التفصيلية ، وبهذا الوهم الكبير الذى عاشه الجميع سواء على مستوى الحياة الكبيرة فى مصر وسوريا ، أو على المستوى الخاص داخل البنسيون ، وما واجهه الجميع فى الواقعى والمتخيل ، نجد أن النص يتخذ شكل التعبير التسجيلى والتقرير الشديد الدقة ، فى توقيتاته المحددة وتفاصيل أحداثها الظاهرة والباطنة ، الواقعية والمتوهمة ، لهذا كان هذا المناخ الكابوسى الذى ظللت الجميع خطوطه العريضة من الواقعى فى هذه الشخصيات ، ومن المتخيّل الحلم الجميع فى مصر وسوريا ، ومن بنسيون شارع فهمى أيضاً .

    تعليق

    • د. حسين علي محمد
      كاتب مسجل
      • Jun 2006
      • 1123

      #47
      رد: مع الروائي محمد جبريل

      ذاكرة الأشجار رواية: محمد جبريل (2)
      ...............................................

      عاني ـ لرؤية الرجل الجالس في الشرفة يغني ـ ارتباكاً لم يفلح، حتي أمام سيلفي ـ في مداراته. تأمل اللحن، اجتذبه، وإن لم يفهم الكلمات. ـ أبي. ما عدا الأرض الخلاء في ناصية تقاطع شارع نصوح، والشارع المتفرع منه ـ لم يعن بأن يسأل عن اسمه ـ فإن البنايات تلاصقت في الشارع الصغير.
      الفيللا من طابق واحد، تحيط به حديقة، الدرجات الرخامية الخمس، تصعد إلي الشرفة العريضة، الممتدة بطول الواجهة، من خلال الباب الحديدي الخارجي، والعمودين بمساحة المتر، يعلو كل منهما مصباح زجاجي مكور.
      الشرفة تطل ـ من الواجهة ـ علي الشارع الصغير، ومن الجانبين علي الحديقة المتكاثفة الأشجار، الأرضية علي هيئة مربعات الشطرنج. تتناثر فوقها كراسي من الخيرزان، تتوسطها منضدة ذات سطح زجاجي. السلم الجانبي، متآكل، يهبط إلي البدروم. الصالة في مواجهة باب المدخل المتداخل الحديد والزجاج. الأسبق عالية، والجدران يغطيها الورق ذو النقوش الملونة. في مساحة الجدار المواجه بوفيه من خشب الماهوجني الأسود، فوقه ثلاثة شمعدانات متجاورة من زجاج من زجاج المورانو، وتماثيل صغيرة من الزجاج الملون. يتوسط الصالة أنتريه مطعم بالصدف من أربعة كراسي وكنبة، تتوسطه طاولة من الخشب المنقوش. علق أعلي الجدار صليب فضي، إلي جانبه صور فوتوغرافية، ولوحات تآكلت حوافها. تتقابل الحجرات الأربع المغلقة، عدا واحدة مواربة. الطرقة ـ علي اليسار ـ تفضي إلي حجرة خامسة، خمن أنها حجرة المائدة، وإلي الحمام والمطبخ.
      يتنبه لترامي سقوط الثمار من أشجار الحديقة وارتطامها بالأرض. تعيده إلي نفسه، وإلي حيث هو.
      علا صوت بالسؤال من داخل الحجرة الأولي علي اليمين:
      ـ أمنا مريضة وتصرين علي البقاء خارج البيت؟!
      حدّس ـ من الصورة التي رسمتها في ذاكرته ـ أن الصوت لأنطوان، شقيقها الأكبر. اختلج صوتها بنبرة سخط:
      ـ ابحث عن عمل.
      ـ تستطيعين الانتظار.
      ـ استدرك بنبرة متأثرة:
      ـ أمنا تحتاج إلي رعايتك.
      وهي تضغط براحتيها علي عنقها:
      ـ أحاول إنقاذ نفسي قبل أن أختنق!
      سبقت ماهر إلي الحجرة الثانية علي اليسار. الستارة القطيفة، الغامقة الزرقة، المسدلة علي النافذة، تعيق دخول أشعة الشمس، لكنها تهب من الضوء ما يعين علي الرؤية.
      في الوسط منضدة صغيرة، عليها مجلات ومنفضة سجاير، وإلي الجانب مكتب صغير من خشب الأبنوس. وفي الزاوية دولاب بضلفة من الزجاج، تكسدت فيه كتب مجلدة.
      بدت السيدة الراقدة علي السرير ـ أدرك أنها أمها ـ مريضة، فلا تقوي علي الحركة. العينان ساجيتان، والعروق خضراء تبين من وراء البشرة الأقرب إلي الصفرة، وهالة الشعر الفضي أضفت علي وجهها سكينة. حدس أنها كانت ـ في شبابها ـ ذات جمال رائق.
      لم يستطع أن يخمن عمرها، وإن بدت متعبة للغاية.
      مالت سيلفي عليها. مسدت شعرها الأبيض المهوش. همست:
      ـ هذا ماهر.
      قالت ـ بلغة لعلها الإيطالية ـ كلاماً كثيراً، قدمته به لأمها. فطن إلي أن الأم لا تعي كلماتها، ولا تعي شيئاً.
      تبين الانفراجات بين الأشجار المتشابكة عن أجزاء من البيت المقابل. خلت واجهته إلا من الطوب الأحمر، وإن وشت بحداثة البناء، وخلت مما اتسمت به فيللا جوتييه، والفيلات والبيوت القديمة، المنجاورة من ميل إلي الارتفاع والنقوش والمقرنصات. امتلأت نوافذ الطوابق الثلاثة العلوية بخزين الطعام وبقايا الأثاث، وتدلت قطع الغسيل من المناشر الممتدة أمامها. نوافذ الطابق الأول مغلقة، وإن ترامي اختلاط ندادات وشتائم وأغنيات وصراخ أطفال.
      عرف أن الأب خرج إلي المعاش بعد أن بدلت قوانين التأميم اسم البنك إلي بنك الإسكندرية. قدم من النمسا قبل الحرب العالمية الأولي. التحق ـ بالشهادة المتوسطة ـ موظفاً من بنك باركليز. تزوج ابنة رئيسه الإيطالي. ترقي في وظائف البنك حتي حصل علي حق التوقيع. ظل في فرع الموسكي منذ بداية تعيينه، حتي أحيل إلي المعاش.
      ـ لو أن بنك باركليز لم يؤمم، ربما ظل أبي في عمله..
      ـ وسن والمعاش؟
      فكرت قليلاً:
      ـ خبرته تعطيه الحق في تجاوزها.
      هل نسيت ـ أو تناست ـ كلامها عن موته بأيدي المصريين في معارك 1956؟ ما حكاية قتل المصريين للرجل في أثناء عمله مديراً لفرع بنك باركليز ببورسعيد؟ ولماذا نسجت هذه الحكاية التي تبدو ـ من فتاة في سنها ـ حقيقية وصادقة؟ لماذا اخترعت ما لا يوجد سبب لاختراعه؟ هل كانت تتصور ابتعاده عن حياة أسرتها، فأرادت استمالته بالحكاية الغريبة؟
      كان يستطيع أن يسألها، أو يسأل نفسه: كيف يعمل الأب في بورسعيد، ويقيم في القاهرة؟
      خشي أن مجرد التلميح طريق النهاية التي لا يرجوها. بدت سيلفي تكويناً في صورة المستقبل. ربما تقوضت الصورة تماماً لو أنه جذب خيط السين والجيم. ربما قالت ما روته لاختبار مشاعره، أو لعلها أرادت ـ في البداية ـ أن تبعده عنها، ربما أي شيء سيتعرف عليه بتوالي الأيام.
      وهو يمسد شعره بأصابعه:
      ـ أظن أن تأميم الصحف أفادني.
      شجعته ـ بإيماءة ـ تكملة كلامه.
      قال:
      ـ ضُمّت دار المعارف إلي الأهرام. وسط أبي رؤساءه في إدارة توزيع الأهرام. عينت بدار المعارف فور حصولي علي ليسانس دار العلوم.
      تكررت زياراته للفيللا حتي اعتادوا رؤيته، لا يعرف إن سألوا سيلفي عنه، أم أن هذا هو أسلوب حياتهم؟
      كلمته عن مشوارها اليومي إلي وسط البلد. تبحث عن عمل بالثانوية العامة. لم تجد في نفسها ميلاً لدخول الجامعة. اقتصر بحثها علي الفنادق وشركات الطيران والسياحة. لو لم أجد سوي العمل في الحكومة، فسأظل في البيت، ما أتقاضاه من أبي يوفر لي الحياة التي أريدها، وإن كنت لا أتصور أني سأظل مع أنطوان في بيت واحد (غالب الحرج في أن يسألها إذا كانت قد صدقت فيما قالته هذه المرة؟!).
      وسمت العفوية كلماتها وهي تحكي مغامرتها الأولي في تدخين سيجارة. أطالت الوقوف داخل دورة مياه المدرسة، وتأكدت من زوال رائحة الدخان ـ تخشي أنطوان ـ في النعناع الذي مضغت أقراصاً منه.
      لاحظ اهتمامها بما يرويه عن المواردي. تسأل وتجيب، تستوضح، تظهر التأثر والحزن والألم والإشفاق. تبتسم، وتضحك، يعلو صوتها بالتعليقات، المواردي لا يعرف الهدوء، اختلاط الصيحات والنداءات والضحكات، وضربات حجارة الطاولة علي طاولات المقهي، أول الشارع. نصوح يختلف، هو هادئ دائماً.
      روي لها عن صحوه علي أذان الفجر في جامع السيدة زينب، عبارات أخته زينب المحتجة حول من يملأ القلة الموضوعية علي نافذة المنور، حرص أبيه علي أن يكشف أغطية الأواني، يتذوق ما فيها من طعام، صرخة أمه للمساحيق التي غطت بها شقيقته الصغري هناء وجهها. ضحكة هناء لتهديد الأم: إذا فعلت ذلك ثانية فسأضربك!.. كلمات أبيه عن تحسن صحته، بعد أن اختار الذهاب ـ سيراً علي القدمين ـ إلي عمله بإدارة التوزيع في »الأهرام«، بدلاً من ركوب المواصلات. مشوار لا بأس به من المنيرة إلي شارع مظلوم.
      تحولت الابتسامة إلي ضحكة ـ لم يقو علي إسكاتها ـ حين استعاد ما قالته أمه: لن نستطع استضافة فتاتك، هي خواجاية من الزيتون، ونحن أولاد عرب من المواردي!
      استيقظ ذات صباح. وجدها ترنو إليه من سقف الحجرة.
      عرف أنه أحبها..
      هل تحبه؟
      ***
      يجيش في نفسه الشوق لرؤيتها: وهو في مكتبه المطل علي النيل، وهو يراجع بروفات الكتب، وهو يركب الأتوبيس في تنقله بين دار المعارف وبيوت المؤلفين، وهو يجلس إلي أسرته في حجرة القعاد.
      مثلت في حياته ما لا تمثله زميلات دار المعارف، ولا بنات الجيران، ولا البنات القريبات، ولا حتي أخته زينب التي يعدها صديقة حقيقية.
      لم تعد صورتها تفارق عينيه، ولا يفكر في غير الأوقات التي يقضيها إلي جنبها، في البيت، أو في الشارع، أو في »أسترا« علي ناصية ميدان التحرير وشارع محمود بسيوني، هو أنسب الأماكن للجلوس بعيداً عن الأعين، وإن حرصا علي الابتعاد عن حركة الطريق. يغيبان عن بعضهما يومين، أو ثلاثة، فلا يشعر أنهما قد افترقا لحظة.
      اجتذبته بما يصعب عليه تحديده، آفاق لا حدود لها، ربطته بقيود خفية، لا يراها. لا بد أن هذا هو ما تشعر به.
      هو يحبها، ويعرف أنها تحبه.
      روت عن مشاهداتها المتباعدة لعروض الأوبرا الأجنبية. تنزل من الأتوبيس في ميدان العتبة. تخترق زحام شارع الموسكي، إلي مبني بنك باركليز، بالقرب من بداية الشارع. تنتظر أباها حتي موعد انصرافه، ساعة أو أقل. يصحبها في الطريق نفسه. يعبران الميدان: قسم شرطة الموسكي، ومبني المطافي، والبريد المركزي، إلي ميدان الأوبرا. تعرف أن تمثال إبراهيم باشا قبالة باب الأوبرا. شاهدت عروضاً إيطالية وفرنسية. رددت مع أبيها ـ في طريق العودة ـ ألحاناً مما استمعا إليه.
      حدثته عن سيمفونيات سترافنسكي وبيتهوفن وموزار وباخ وواجنر. استعاد الأسماء، أو تظاهر بأنه يعرفها.
      قال:
      ـ أحب الغناء من أبيك، لكنني لا أحب عروض الأوبرا، لا أفهم الكلمات، وأجد في الألحان مجرد زعيق!
      ورفع راحتيه كالمعتذر:
      ـ أفضل أن أكون صادقاً فيما أتذوقه، ولا أنساق إلي ما لا أفهمه!
      اتجهت بنظرها إلي الأرض تداري ابتسامة:
      ـ ليس الأمر صعباً إلي هذا الحد!
      وعدت بأصابعها:
      ـ إنها ـ عادة ـ مجرد أربع حركات موسيقية، لو أنك أعطيتها اهتمامك فستجد فيها ما يستحق السماع.
      وضغطت علي الكلمات:
      ـ لو أنك أعطيت انتباهك، ربما تبدل رأيك.
      ـ الموسيقي الشرقية هي التي تجتذبني، تطربني، لا تعادلها عند موسيقي أخري.
      تمني لو أن فمه ظل مغلقاً. يؤلمه أنه ـ إذا تحدث ـ قال كلاماً سخيفاً، وبلا معني. لم يكن يحسن التعبير عما في نفسه، أو يخفيه.
      روت حلماً استقرت به نفسها: وقفت ـ متحيرة ـ أمام طريقين تظللهما أشجار مشابهة لأشجار حديقة الفيللا.
      عادت من أحد الطريقين، بعد أن تساقطت ـ بمجرد الخطو ـ أمطار طينية. اصطبغ بالسواد جسدها، وما عليها من ثياب. وضعت قدمها ـ بالخطوة الأولي ـ في الطريق الثانية. تشجعت ـ بالأوراق الخضراء المتساقطة ـ علي مواصلة السير.
      رأت ـ في نهاية الطريق ـ شخصاً يشبهه. تأملته. هو نفسه من كان يقف تحت شجرة هائلة تماثل أشجار الحديقة.
      مدت ذراعيها، تحاول التأكد مما رأته.
      صحت علي لكزة دومينيك المترفقة في كتفيها:
      ـ من تكلمين؟
      شيء ما في نبرة صوتها دفعه ـ بينه وبين نفسه ـ إلي استعادة ما قالته: هل رأت حلماً، أو أنها تومئ بما تصورت أنه لا يشغله؟
      ***
      ناوشه السؤال، وإن خنقه في داخله: هل عرفت شباناً قبله؟
      فطن إلي أنه ليس أول من عرفته. وشت تصرفاتها بما حاولت إخفاءه. بدت الآفاق ـ بمجرد التلميح ـ غير واضحة، وقد تطالعه بما يبعدها عنه.
      يضايقه الكثير من تصرفاتها، وما ترويه، لكن شيئاً غامضاً يربط بينه وبينها، ليس الحب وحده، لكنه شعور بالألفة والطمأنينة.
      كان يمني نفسه ـ قبل أن يلتقي سيلفي ـ بعلاقة حب. لم يرسم للفتاة ملامح في ذهنه، ولا تصور كيف تبدأ العلاقة، ولا كيف تنتهي.
      ....................................
      *الوفد ـ في 1/1/2008م.

      تعليق

      • احمد خميس
        كاتب مسجل
        • Mar 2007
        • 279

        #48
        رد: مع الروائي محمد جبريل

        تعليق

        • د. حسين علي محمد
          كاتب مسجل
          • Jun 2006
          • 1123

          #49
          رد: مع الروائي محمد جبريل

          المشاركة الأصلية بواسطة احمد خميس
          شُكراً للأديب المبدع أحمد خميس.

          تعليق

          • د. حسين علي محمد
            كاتب مسجل
            • Jun 2006
            • 1123

            #50
            رد: مع الروائي محمد جبريل

            المشاركة الأصلية بواسطة د. حسين علي محمد
            شُكراً للأديب المبدع أحمد خميس.
            شكراً للأديب الأستاذ أحمد خميس على التعليق،
            مع موداتي.

            تعليق

            • د. حسين علي محمد
              كاتب مسجل
              • Jun 2006
              • 1123

              #51
              رد: مع الروائي محمد جبريل

              من المحرر:
              الواقعية الصوفية

              بقلم: محمد جبريل
              .................

              في الحوار الذي أجرته هذه الصفحة مع الدكتور محمد شبل الكومي. أشار إلي الصلة بين الفن السوريالي والأدب الصوفي وبقدر تأكيد رأي الكومي علي وحدة الفنون. فإن معني الكلمات ينبهنا إلي الصلة بين الأدب الصوفي وما يسمي الواقعية السحرية. وجه العملة الآخر للفن السوريالي. والتيار الفني الذي حققت الرواية في أمريكا اللاتينية من خلاله تفوقا لافتا.
              مكاشفات وبركات الصوفية تتماهي مع بنية الواقعية السحرية. وتوظيف الفن للبعد الصوفي ليس لمجرد ما يحمله من خوارق ومعجزات. لكنه يصدر عن فلسفة حياة تشمل الميتافيزيقا وعلم الجمال والهموم الآنية من سياسة وتاريخ وعلم اجتماع وعلم نفس وغيرها.
              بعض دارسي الواقعية السحرية يرفضون أن تجد تماهيا. أو حتي مشابهة. مع الموروث الديني أو الشعبي. بعيدا عن الانثربولوجيا علي المستوي الإنساني في ذكرياتها.
              بلدي المخترع تؤكد ايزابيل الليندي أن أدوات الإدراك مثل الغريزة والخيال والأحلام والعواطف والحدس. أدخلتها في الواقعية السحرية قبل أن تظهر موضة ما سمي بانفجار أدب أمريكا اللاتينية بكثير.. ويقول ماريو بينيدتي إن ظهور حركة الواقعية السحرية أو العجائبية ليس مرده الواقع العجائبي. وإنما الواقع المروع وقد عاب ماركيث علي واقعية الأجيال الحالية -والتعبير له- غياب البساط الذي يمكنه أن يطير فوق المدن والجبال والعبد الذي يظل داخل الزجاجة مائتي عام قبل أن يتاح له الخروج إلي العالم.
              حين اتحدث عن الخيال. فأنا لا أعني بالخيال ما يحتفي به السورياليون. إنما أعني الخيال الفني في كل مستوياته وإذا كانت الكتابة لم تدفع بالخيال أبدا إلي حدوده القصوي- علي حد تعبير جمال الدين بن الشيخ فإن الواقعية السحرية- والسوريالية كذلك- تفجر الخيال إلي أقصي مداه تأذن بتحرر اللاوعي إطلاقا من الرقابة التي قد يمارسها العقل وهذا ما يبين فيما يمكن تسميته بالواقعية الصوفية.
              إن الحلم والميثولوجيا والفن مصادر مشتركة في اللاوعي. بحيث تظهر عالما ليس من المتاح أن تكون له أية صيغة تعبير أخري الأسطورة والفانتازيا والغرائبية تتخلق من داخل العمل الإبداعي. تشكل جزءا في نسيجه.
              أوافق علي الرأي بأن الواقعية السحرية مجرد مسمي لاتيني أمريكي لظاهرة عالمية قديمة الواقعية السحرية- أداتها قوة الخيال- تكشف عن الأبعاد السحرية لواقعنا المعيش .
              ظاهرة الواقعية السحرية موجودة في الأساطير والملاحم والحكايات العربية. منذ أسطورة ايزيس وقصة الأخوين. تواصلا مع الملاحم والسير الشعبية والحكايات العربية: الهلالية وعنترة وبيبرس وحي بن يقظان ورسالة الغفران والزوابع والتوابع وبركات الأولياء ومكاشفاتهم. وإذا كان كل شيء في أمريكا اللاتينية -كما يقول ماركيث- ممكنا. وواقعيا فإن المعني نفسه يصدق علي الحياة في بلادنا الوجدان المصري- والعربي بعامة- يتقبل كل الظواهر الميتافيزيقية مهما مالت -موضوعيا- إلي الخرافة إنه يتقبل أمور المعتقد وما وراء الواقع باعتبارها أمورا حقيقية ويجب تصديقها وممارسة سلوكيات حياتنا في ضوء ذلك الاعتبار الإنسان العربي يمارس ما قد يبدو خرافة دون أن يضعه في إطار معرفي محدد. بل إن القلة القليلة من خاصة المبدعين العرب هم الذين يعرفون معني الواقعية السحرية. بل إنهم يمارسون واقعيتهم السحرية بعفوية الفعل. أو ما أميل إلي تسميته -أكرر- الواقعية الصوفية!
              "م. ج"
              mlg_38@hotmail.com
              ...........................................
              *المساء ـ في 7/6/2008م.

              تعليق

              • د. حسين علي محمد
                كاتب مسجل
                • Jun 2006
                • 1123

                #52
                رد: مع الروائي محمد جبريل

                من المحرر:
                الترجمة

                بقلم: محمد جبريل
                ..................

                إذا كانت الخطة التالية التي نأملها من المركز القومي للترجمة. هي الترجمة من العربية إلي اللغات الأجنبية. فإن ذلك ما يعني به مستعربون. أخلصوا لقضية الترجمة من العربية إلي لغاتهم. والمثل الذي يصعب الاختلاف حوله هو الإيطالية إيزابيلا كامرا.
                الشروط غير المعلنة التي يترجم بعض المستشرقين في ظلها إبداعات عربية. تشمل كل ما يسم العربي بالتخلف. ثمة الفقر والتخلف والأمية وختان البنات وانسحاق المرأة والعشوائيات والعدوانية وفقدان الوعي وغيرها من الظواهر التي قد تكون شاحبة. أو عارضة. لكنها تتحول -بقدرة الميديا الغربية- إلي ثوابت في الحياة العربية. قرأنا أعمالاً يصعب نسبتها إلي الإجادة في الأدب العربي. لكن أحداثها اقتصرت -للأسف- علي تلك الجوانب السلبية!
                تجد ايزابيلا أن المنجز الإبداعي في مجال الرواية العربية يتيح لها مكانة لا تقل عما بلغته الرواية علي المستوي العالمي. بل إن الوشائج واضحة بين العربية ومثيلتها في أمريكا اللاتينية.
                الأسباب السياسية -في تقدير إيزابيلا- هي التي تحول بين ما تترجمه والوصول إلي القارئ الأوروبي بعامة. والإيطالي بخاصة. هي تقرأ. وتختار ما يستحق الترجمة. وتستغرقها ترجمة العمل الواحد لأشهر أو لسنوات. حتي يصبح معداً للنشر. وكان ذلك متاحاً من خلال الدعم الذي تقدمه الحكومة الإيطالية. لكن الوضع تبدل بعد تولي اليمين حكم إيطاليا. فقد رفع الدعم المخصص للترجمة إلي العربية -وهو لا يمثل مجرد هامش في الميزانية- وبدأ ما تترجمه إيزابيلا يعاني الركنة في الأدراج.. إذا كنا نتحدث عن ضرورة فتح نوافذ للإبداعات العربية. تطل منها علي القارئ في كل الدنيا. فالبديهي أن تظل النوافذ المفتوحة علي حالها. فلا نغلقها بالصمت البليد واللامبالاة.. الدعم الذي منعه اليمين الإيطالي -يتصور في العرب والإسلام قوة مناوئة بعد الشيوعية الدولية!- لمنع إيزابيلا من خدمة الثقافة العربية. يجب أن تتلقاه المستعربة الإيطالية - ترفض تسمية مستشرقة - فتواصل دورها في خدمة الثقافة العربية؟
                أتصور أن جابر عصفور -المشرف علي المركز القومي للترجمة- يستطيع أن يجاوز تسلط اليمين الإيطالي. فيوفر الدعم الذي تطلبه إيزابيلا. بأن يعهد إليها ببترجمة ما اقتنعت بقيمته من إبداعاتنا العربية.
                لإيزابيلا مكانة لافتة بين المستشرقين. أو المستعربين. وعلينا أن نفيد من هذه المكانة بأن نعين إيزابيلا علي أداء دورها الذي أنشئ مركز الترجمة لتحقيقه.
                ..............................
                *المساء في 31/5/2008م.

                تعليق

                • د. حسين علي محمد
                  كاتب مسجل
                  • Jun 2006
                  • 1123

                  #53
                  رد: مع الروائي محمد جبريل

                  قراءة في كتاب «السحار: رحلة إلى السيرة النبوية»
                  لمحمد جبريل

                  بقلم: أ.د. حسين علي محمد
                  ................................

                  يرى الروائي محمد جبريل أن عبد الحميد جودة السحار من أشد أدبائنا "تعبيراً عن البيئة المصرية كما أنه أكثرهم التزاماً بالمغزى الأخلاقي" بدءاً من قصته الأولى "رجل البيت".
                  يقول محمد جبريل:
                  "سألت السحار: هل تعبِّر أعمالك عن فلسفة حياة متكاملة؟
                  فقال: إنني دائما أحاول أن أصور لحظات الضعف البشري، لكنني لا أترك الأضواء مسلطة على الإنسان عند سقوطه، بل أترك الأضواء مسلطة على لحظات الإفاقة. السقوط عبارة عن الواقع الصغير. إنما الندم، والنظر إلى أعلى، إلى السمو، إلى الله .. هو الواقع الكبير … وأحاول أن أوضِّح دائماً أننا لسنا وحدنا المسيطرين على مصائرنا".
                  وقد اتجه السحار إلى كتابة السيرة الإسلامية، فكتب "أبو ذر الغفاري" و"بلال مؤذن الرسول" و"سعد بن أبي وقّاص" و"أبناء أبي بكر الصديق". وكان يرى أن تطوير الثقافة العربية مرهون بقدرتنا على محاورة تراثنا والاستضاءة به، يقول:
                  "لقد أحسست أن التراث الإسلامي والثقافة العربية يمثلان شيئا هاما وجوهريا داخل حلقات التطور الفكري لمصر عبر العصور، وإنه لا يُمكن تطوير الأدب، وتطوير الثقافة المصرية دون العودة إلى استلهام هذا التراث، وتحقيقه على المستويين الفكري والفني. لذلك كتبت العديد من الأعمال القصصية بعد محاولة هضم هذه الألوان من الثقافة الإنسانية بشكل عام".
                  ***
                  أصدر عبد الحميد جودة السحار العديد من المجموعات القصصية والروايات التي تُغطي جواني مختلفة في حياتنا الاجتماعية، وتسلط الضوء على سلبياتها من زوايا أخلاقية، لكن العناية بالتاريخ الإسلامي كانت ـ في الحقيقة ـ شاغل السحار منذ بدايات حياته الأدبية سعياُ لكتابة أهم أعماله وأخطرها، وهو السيرة النبوية المعنونة بـ "محمد رسول الله والذين معه"؛ وفيها يتناول سير الأنبياء من عهد آدم أبي البشر ـ عبوراً بإبراهيم r أبي الأنبياء ـ حتى وفاة الرسول في عشرين جزءاً كبيراً يبلغ مجموع صفحاتها حوالي عشرة آلاف صفحة.
                  يقول المؤلف: "إن الإنجاز الأهم للسحار ـ باعترافه ـ هو السيرة النبوية، أعطاها معظم عمره. قرأ وقارن ووازن وثبّت آراءه، ورفض آراء مناقضة، وقدّم عملاً موسوعيا، أثق أنه هو ما سيبقى من أدب السحار"(ص41).
                  وقد يثور سؤال: "لماذا أطلق السحار على السيرة "محمد رسول الله والذين معه" إذا كان قد كتب في الكتاب عن تاريخ الأنبياء جميعا؟
                  "يؤكّد الكاتب أن الإسلام ـ منذ بدء الخليقة ـ هو دين الله، دعا إليه الرسل والأنبياء … وهو ما يؤيده قوله تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام" وقوله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه".
                  وبالإضافة إلى "محمد رسول الله والذين معه" فقد كتب السحار: القصص الديني للأطفال في (86) جزءاً، منها قصص الأنبياء في (18) جزءاً بالاشتراك مع الكاتب الراحل سيد قطب، وقصص السيرة في (24) جزءاً، وقصص الخلفاء في (20) جزءاً، وسلسلة "العرب في أوربا" في (24) جزءاً" (ص82).
                  لكن يُمكن القول إن السحار كان منذ صباه هاوياُ للسيرة النبوية، قارئا لها، متمنياً أن يوفقه الله لكتابتها كتابةً فنية.
                  يقول في مذكراته "هذه حياتي":
                  " كان تاريخ محمد r وما يدور حوله يستهويني، ويأخذ بلبي، ويستولي على كل انتباهي … وشببت وأنا معجب بمحمد رسول الله r ، فلما عرفت كيف أقرأ، عكفت على قراءة كتب السيرة، وما كُتب عن الرسول الكريم r ، فازداد إعجابي بشخصيته الفذة الفريدة. وهويت الكتابة، فكانت أمنيتي منذ حملت القلم أن يُوفقني الله إلى كتابة السيرة النبوية في أسلوب قصصي".
                  وقد أقبل العالم الإسلامي على قراءة السحار مبدعاً إسلاميا، ويكشف المؤلف عن ذلك في فقرة جديرة بالإشادة، تُثبت أن ذاكرة الأمة حية، وأنها تحمل في القلب من ينتمون لها، ويدينون بدينها، ويكتبون ـ بحماس وإخلاص ـ سيرة نبيهم.
                  يقول محمد جبريل:
                  "حين سافر السحار إلى الشرق الأقصى، في بعثة تجارية، أدهشه أنه معروف جيداً في أندونيسيا. أشارت الصحف إلى وصول الكاتب الإسلامي عبد الحميد جودة السحار، وتردد عليه في الفندق مئات العلماء والقراء العاديين. بادلوا دهشته بدهشة مماثلة. كان قد أصدر أعماله الإسلامية الأولى، فتصوّروا أنه شيخ معمْم، وليس شاباً في أوائل الأربعينيات" (ص90).
                  ........................................
                  *من كتاب "من وحي المساء" للدكتور حسين علي محمد، ط1، الإسكنرية 1999م.

                  تعليق

                  • د. حسين علي محمد
                    كاتب مسجل
                    • Jun 2006
                    • 1123

                    #54
                    رد: مع الروائي محمد جبريل

                    زوينة وأدب الغربة في الرواية العربية
                    --------------------------------------

                    بقلم: د. محمد عبد الحليم غنيم
                    .....................................

                    يتميز الروائي المصري محمد جبريل بغزارة الإنتاج خاصة في السنوات العشر الأخيرة , فله كل عام تقريبا رواية أو مجموعة قصصية , بل إنه لينشر أحيانا أكثر من عمل في لسنة الواحدة , والواقع أن التميز عند محمد جبريل ليس قاصرا على غزارة الإنتاج , فثمة تميز في مستوى هذا الإنتاج الإبداعي , وأحدثه روايته القصيرة التي نتناولها الآن " زوينة " الصادرة منذ شهور قليلة عن نادي القصة بالقاهرة العام الماضي .
                    تنتمي رواية " زوينة " إلى ما يمكن تسميته برواية الغربة , وهي تختلف عما أطلق عليه من قبل رواية الصدام الحضاري بين الشرق والغرب , كعصفور من الشرق لتوفيق الحكيم والحي اللاتيني لسهيل إدريس وموسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح , والساخن والبارد لفتحي غانم , وغيرها , إننا هنا مع ( زوينة ) أمام نوع آخر من الغربة ,إنه غربة العربي فى وسطه العربي أو الشرقي بين أهله الذين يتكلمون لغته, فالبطل فى رواية"زوينة" ليس طالب علم يسعى على شهادة أو كسب معرفة أو تجربة حياتية جديدة , فيصطدم أثناء ذلك بالأخر حضاريا, ولكننا مع بطل تعلم وتكون في وطنه الأول , جاء إلى وطنه الثاني ـ إذا جاز التعبير ـ ساعيا وراء لقمة العيش أو بحثا عن الريال على حد قول أحد شخوص الرواية .
                    وتمثل " الغربة " التيمة المركزية المهيمنة على معظم شخوص الرواية , غير أنها تتجسد بشكل مباشر وموسع في المروية الرئيسية المهيمنة على الفضاء السردي , أي مروية الراوي / المشارك وزوينة , فالأول شخصية مجهولة الاسم , بيد أنه معروف الهوية , فهو صحفي وروائي معا , ولعل المؤلف قصد من عدم ذكر اسم البطل تنشيط أفق التوقع لدى القارئ , إحداث نوع من الالتباس بين شخصية الراوي وشخصية المؤلف الحقيقية محمد جبريل الذي عمل لفترة طويلة في عمان صحفيا في جريدة الوطن , وكان يمارس كتابة القصة والرواية في ذات الوقت .
                    أما الشخصية الثانية " زوينة " فهي فتاة عمانية قدمت من زنجبار , تعمل مضيفة أرضية في شركة طيران الخليج , وكانت أول شخصية التقاها الراوي عند نزوله لأول مرة أرض عمان .
                    غربة الراوي واغتراب زوينة :
                    كان الراوي قبل حضوره عمان يعيش حياة شبه مستقرة , حيث يعمل صحفيا في جريدة كبرى , ويسكن قلب العاصمة في ميدان الدقى , إنه لا يعيش في غربة أو يشعر باغتراب , لقد كانت مشكلته الحقيقية في ضيق ذات اليد , هذا الضيق الذي يجعله يبطئ في إتمام الزواج من خطيبته مها , إن غربة البطل واغترابه يبدآن في الواقع من لحظة مغادرته القاهرة والانتقال بعيدا عنها إلى مكان مغاير ومختلف اختلافا قاسيا إنه انتقال من الصخب والحياة والحركة واعتدال الجو إلى الصمت والسكون والرطوبة والحر الشديد , صحيح أن إحساس الراوي بهذا الجو المغاير يتبدل تدريجيا مع تنامي علاقته بزوينة والشروع في بناء قصة حب أجهضها المؤلف , لكن يظل الإحساس بالغربة مسيطرا على الراوي .
                    ويبدو لي أن المؤلف كان واعيا وهو يجعل زوينة تتجلى فيها تيمة الغربة , لذلك جاءت هذه الشخصية أعمق و أكثر صدقا من شخصية الراوي ,وهكذا كان من التوفيق والذكاء أن يأخذ عنوان الرواية اسم هذه الشخصية"زوينة" , إنها الفتاة الزنجبارية التي تفقد وطنها " زنجبار " فتطرد منه لتعيش في مسقط وطنها الأول أو الثاني شكلا , ولكنه في الواقع ليس وطنها أبدا , إنها في الظاهر مواطنة عمانية , تحمل جواز سفر عماني , لكنها من داخلها لا تنتمي إلى ثقافة هذا الوطن وتقاليده , من هنا تجتمع الغربة والاغتراب معا داخل شخصية زوينة , ويصير الأمر أكثر تعقيدا عندما تنجذب أو تحب الراوي ( وإن كان المؤلف لم يطور هذا الحب ) وهو مصري أو وافد , في الوقت الذي يفرض عليها الأهل علاقة شرعية , مثل قيد الحديد , تتمثل في مشروع خطبتها من ابن عمها زاهر , الذي يعد أكثر اغترابا منها ومن الراوي , حيث يدخل عمان بتأشيرة دخول , لأنه وإن كان عمانيا زنجباريا ليس له حق الجنسية , وعليه لكي يحصل على الجنسية أن يستقر في عما ويعمل ويتزوج من ط زوينة " , وهو ما لم يحدث , بقطع النظر عن الأسباب , لذلك يستمر حبل الوصال ممدودا بين زوينة والراوي إلى انتهاء سنوات الإعارة , فيجبر على العودة إلى مصر , ومن ثم يترك زوينة , وهنا يزداد اغتراب زوينة , فقد تركها كل من زاهر والراوي .
                    وإذا كان الراوي وقد عاد إلى مصر يستطيع أن يداوي جراحه بالعودة إلى خطيبته مها , فإن زوينة لا تستطيع مداواة جراحها , بعد أن أجبر زاهر أيضا على عدم البقاء في مسقط والعودة إلى زنجبار , وإلا فقد عمله هناك , وهذه الرغبة في الحرص على العمل تؤكد أن المشكلة الحقيقية للشخصيات هي الفقر , فالفقر سبب رئيسي في الغربة , كما قيل الفقر في الوطن غربة .
                    وقد تجلت براعة المؤلف محمد جبريل الروائية في توزيع هذه التيمة , أقصد تيمة الغربة المسربلة بالفقر على معظم الشخصيات رئيسية كانت أم ثانوية , سواء كانت نازحة ( وافدة ) إلى عمان أم مقيمة فيها , فمن الشخصيات النازحة عبد العال الذي يتحدث عن الموت , وتتكشف لنا مأساته الحقيقية , حيث في الوقت الذي يشعر فيه بالغربة والوحدة ويحرص على العمل جمع المال يترك امرأة خائنة هناك في القاهرة هي زوجته , وشخصية الصحفي الذي يوزع راتبه بين شرب الخمر حتى التسمم , والحرص على إرسال المال إلى أهله في مصر , ومن الشخصيات المقيمة التي تستحق الوقوف , لأن اغترابها ليس سببه المباشر البعد المكاني أو الفقر , إن اغترابها اغتراب روحي ثقافي في المقام الأول , أقصد شخصية " ناصر التميمي " الصحفي العماني الذي يأتي به صاحب الجريدة إلى الراوي كي يدربه على العمل في الصحيفة , إن ناصر موزع الجهد والوقت والنفس بين قريته البعيدة وبين المدينة التي يعمل
                    بها , بين تقاليد القبيلة وانطلاق المدينة , فوالده يصر على بقاء ابنه ناصر بجواره في ( قريات ) ولذلك لا نعجب عندما يموت ناصر بسبب حادث سير , أثناء عودته إلى قريته , وإن كان هذا الحادث يمثل في الظاهر السبب المباشر في موت ناصر إلا أنه في الوقت ذاته يعد المعادل الموضوعي لاغتراب ناصر وغربته .
                    البناء الدائري في زوينة :
                    يعتمد محمد جبريل في هذه الرواية بناء دائريا في عرض الأحداث , إذ تبدأ الرواية من نقطة ليست هي البداية الحقيقة في المتن الحكائي , فنلتقي مع السطر الأول بالراوي وهو في الطائرة وهي تكاد تحط على أرض مطار السيب : " تنبهت إلى اقتراب الطائرة من مسقط , حيث أضيئت اللوحة في أعلى " ممنوع التدخين .. اربط الحزام " بدت ـ من نافذة الطائرة ـ أضواء الشوارع والدوارات وشعلات البترول , أعددت نفسي للجو الخانق , والرطوبة العالية والصهد اللافح , قال الشيخ حمود النبهاني : أنت تستطيع دخول البلد بأية كمية من النقود أو الذهب أو البضائع , لكنك لا تستطيع أن تدخل بالخمر ولا المخدرات ولا الأفكار المتقدمة . إذا علم الضابط على حقيبتك بالطباشير , فإن من حقك مغادرة المطار إلى داخل المدينة ..
                    علا السلم الآلي ثم انفتح الباب .." ( الرواية , ص 10 . )
                    إن هذه الفقرة الاستهلالية ليست هي البداية الحقيقية لمتن الأحداث , إن مضمون هذه الفقرة يشير إلى خبرة المتكلم بجو عمان , لقد أعد نفسه للجو الخانق والرطوبة العالية , والصهد اللافح , كما أنه تحدث مع صاحب الجريدة عن المحاذر , إنها ليست المرة الأولى لسفر الراوي , إنها على الأقل السفرية الثانية أو بعد العودة من أول إجازة , إن جمل مثل : التدخين ممنوع ـ اربط الحزام ـ لا تستطيع , تشير بمفرداتها " ممنوع , اربط , الحزام , حرف النهي لا " إلى روافد الغربة والاغتراب اللذين تعيشها الشخصيات الرئيسية والثانوية في الرواية . كما أن جملتي " علا السلم الآلي , ثم انفتح الباب " تشيران بشكل قوي إلى استلاب الراوي , فالسلم يعلو وحده ليجبره على النزول , كما أن الباب يفتح آليا أو يفتح ليبدأ الحكي أو الرواية , ثم تقفل الرواية أو تنتهي الأحداث بالفقرة الأخيرة .
                    والراوي معلق أيضا في الهواء , وقد قفل الباب هذه المرة , قفلا نهائيا ليترك جرحا لن يندمل في عمان هو قلب زوينة الموزع بين زنجبار ومسقط والقاهرة , لنقرأ فقرة النهاية :
                    " أقلعت الطائرة
                    فككت الحزام من حول وسطي , وتهيأت لأخذ نسخة من الصحف المصفوفة بالقرب من الباب الأمامي .. بدت مسقط في صعود الطائرة مناطق متناثرة بين الجبال والصحراء البحر والزراعات القليلة . ميناء قابوس , وكورنيش مطرح , وألق الأمواج , والجبال المتلاصقة , والقلاع , والطوابي ، ومساحات الخضرة المحدودة تضاءلت ـ بارتفاع الطائرة ـ وشحبت , ثم لم يعد إلا الفراغ المحيط وصوت المحركات والطائرة تخترق أفقا من السحاب الأبيض المتكاثف .." ( الرواية , ص 154 . )
                    إن جمل مثل : أقلعت الطائرة , فككت الحزام , تهيأت لأخذ نسخة من الصحف المصفوفة , تشير بوضوح إلى انطلاق الدائرة وعودة الراوي إلى وضعه الأساسي قبل الذهاب إلى مسقط , فالإقلاع يشير إلى الانطلاق , وفككت يوحي بالحرية , وتهيأت يوحي بالاستعداد والبدء من جديد , لقد ترك الراوي غربته واغترابه خلف ظهره في مسقط , ترك الغربة والاغتراب لتتجرع سمهما زوينة التي استحق أن يوضع اسمها بامتياز فوق غلاف الرواية .

                    تعليق

                    • د. حسين علي محمد
                      كاتب مسجل
                      • Jun 2006
                      • 1123

                      #55
                      رد: مع الروائي محمد جبريل

                      من المحرر:
                      «الرواية مرآة المجتمع»

                      بقلم: محمد جبريل
                      ...........................

                      العمل الفني -في تقدير كورييه- وثيقة اجتماعية. والرواية- كما يصفها بيرسي لوبوك "صورة للحياة" وهي في تقدير ارنست بيكر "تفسير للحياة الإنسانية من خلال سرد قصصي نثري" وهي -كما يقول ستاندال- "مرآة تسير في الشوارع".
                      وهي -في بعض التعريفات- انعكاس مدرك وواع للواقع الموضوعي والروائي -في وصف الأرجنتيني ارنستو ساياتو" رجل سياسة فهو يعكس الوجدان العام وهذه هي السياسة" ويقول جراهام هو: "إن أي نقد للرواية يهمل روابطها بالواقع التاريخي هو نقد يزيف القيم الحقيقية للرواية. هو نقد يفرغ ما يجب أن يكون ملآن" بل إن ميشيل بوتور- وهو من رواد الرواية الجديدة- يري أن "الرواية هي أداة بحث". وهو رأي -كما تري- إلى جانب اجتماعية الرواية. وليس ضدها ومع أن ماريو فارجاس يوسا معجب بالإبداعات المحلقة في الفانتازيا لبورخيس فإنه لم يجد في عالم بورخيس انفصالا عن الحياة أو عن السلوكيات اليومية ويؤكد يوسا أنه ما من عمل قصصي أدار ظهره إلي الحياة. أو كان عاجزا عن إلقاء الضوء علي الحياة قد حقق البقاء مطلقا بل إن التجديد في التقنية والأسلوب لا يعني إهمال البعد الاجتماعي في الفن حتي الواقعية السحرية التي تزخر بالغرائبية. ليس فيها سطر واحد ـ علي حد تعبير جارثيا ماركيث ـ غير قائم علي أساس من الواقع إن إبداعات ماركيث ويوسا واراجيدس وفوينتيس وبورخيس وغيرهم تعري الواقع السياسي والاجتماعي الذي تحياه بلادهم بالإضافة إلي الأزمات التي يعانيها العالم جميعا أما القول بأن البعد الاجتماعي للأدب قد أصبح في ضوء النظريات النقدية الحديثة -علي هامش الفكر النقدي. وأن الرواية الاجتماعية الواقعية ـ تحديدا ـ فقدت ملامحها بسبب تيار الحداثة. ففقد الأدب قراءه بالتالي. فهو يحتاج إلي مراجعة وإذا كانت الرواية ـ في تقدير الكثير من المبدعين والنقاد المحدثين ـ بناء اختلاقيا. إبداعا. وليس مجرد مرآة تعكس صورة الواقع فإن ذلك لا يلغي أن الفترات- منذ ظهور الرواية كنوع أدبي. والقصة القصيرة كنوع آخر تال للرواية ـ ينطبق عليها- إلي حد بعيد- مقولة "الرواية مرآة المجتمع". نحن نجد تطبيقا لذلك في أعمال الواقعيين الطبيعيين. وكتاب الواقعية باختلاف مراحلها. والأمثلة لا تعوزنا وبتعبير محدد فإن القول بأن البناء الروائي ليس مجرد مرآة تعكس صورة الواقع لا ينسحب علي تاريخ الرواية في إطلاقه لا ينسحب علي تاريخ الرواية جميعا بل إنه علي الرغم من أن التيارات الأدبية والنقدية الحديثة تري أن غرض الرواية ليس وصف المجتمع فإن الأدب- كما تذهب تلك التيارات- "أصبح في بعض الحالات. التعبير الحقيقي الوحيد فعلا. إن لم يكن المباشر عن مشكلات المجتمع الملحة".
                      .....................................
                      *المساء ـ في 16/8/2008م.

                      تعليق

                      يعمل...