رد: الكاتب المصري الكبير يحيى حقي (ملف خاص)
كتاب ومفكرون مصريون وأجانب
ينتقدون تجاهل يحيى حقي وإبداعاته
بقلم: حمدي عابدين
انتقد كتاب ومفكرون مصريون وأجانب حالة التجاهل التي تعرض لها الكاتب المصري يحيى حقي أثناء حياته وبعد مماته، وأشاروا الى ان حقي رغم ما قدم من إبداعات قصصية وروائية بالإضافة الى إسهاماته المتنوعة الأخرى في مجالات الترجمة والموسيقى والنقد، لم يحظ بالاهتمام الجدير به.
وأشار الدكتور جابر عصفور أمين المجلس الأعلى للثقافة، في مؤتمر «وجوه يحيى حقي»، الذي عقده المجلس في الفترة من 10 إلى 12 يناير (كانون الثاني) الجاري بالقاهرة، بالتعاون مع منظمة اليونسكو، إلى أن وجود يحيى حقي في الثقافة المصرية كان له أثر كبير في تكوين اكثر من جيل إبداعي بما قدمه من إسهامات ثقافية وإبداعية متنوعة، وأشاد بدوره في رعاية عدد كبير من المبدعين الذين قدم أعمالهم الأولى الى القراء. وذكر عصفور أن حقي كان واحدا من جيل الليبراليين العظام، وكان يفصله عن مولد طه حسين والعقاد والمازني 16 عاما، وعن مولد توفيق الحكيم 7 سنوات، وقد تأثر بليبرالية هؤلاء الرواد والمبدعين الذين كان ينتمي لهم وجدانيا وفكريا.
* المثقف الشمولي
* وتحدث المحاضر عن تأثر حقي بمبادئ ثورة 1919 التي بشر بها هؤلاء الرواد، مشيرا الى انه كان يشبههم حتى في موسوعيته، وذلك بما أبدع من نقد ورواية وقصة وسيرة ذاتية، بالإضافة إلى كتابته في الموسيقى والسينما والفنون التشكيلية.
وكان اكثر وجوه حقي تميزا، كما يرى عصفور، وجه المبدع، وهذا يتجلى واضحا في رواياته ومجموعاته القصصية التي تجلت فيها عناصر إنسانية تجاوزت بها اقليميتها إلى آفاق العالمية.
وتحدث عصفور عن ملامح سياسية في أدب يحيى حقي، استطاع ان يمررها من دون ان يتعرض له النظام في ذلك الوقت. ولعل رواية «صح النوم» ابلغ مثل على ذلك في تعبيرها عن ديكتاتورية الأخ الأكبر وتسلطه على باقي أعضاء أسرته. وما دفع حقي الى استخدام الرمز في التعبير عن آرائه ووجهات نظره السياسية، الممارسات القمعية ضد المبدعين والكتاب بعد قيام الثورة.
* القيم الإنسانية في أعماله
* وقالت الكاتبة الأميركية مريام كوك، ان يحيى حقي كان علما من أعلام الثقافة والإبداع في مصر والعالم العربي والغربي، وقد تجاوز بإبداعاته حدود اللغة وعوائقها الى العالمية بسبب القيم الإنسانية التي عكسها في أعماله. وذكرت كوك ان حقي بما قدم من إبداعات دحض مقولة «الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا»، وعاش يتحدى هذه المقولة في كل ما قدم من أعمال إبداعية.
* رعايته للمبدعين الشباب
* وتحدث الكاتب العراقي فؤاد التكرلي، عن رعاية يحيى حقي له ولإبداعاته من دون أن يلتقي به، وذكر ان حقي نشر له قصته في عام 1970 بعنوان «الغراب» في مجلة «المجلة» المصرية التي كان يرأس تحريرها في ذلك الوقت، وقدم لها بمقدمة شرح فيها الكثير من الألفاظ المحلية التي استخدمها التكرلي، واتبع ذلك بنصيحة إلى الكتاب الشباب بعدم استخدام الألفاظ ذات الصبغة المحلية في الأعمال الإبداعية التي يقدمونها للقراء.
وذكر الروائي المصري خيري شلبي، ان يحيى حقي اكثر رواد الأدب المصري حضورا في الواقع الثقافي الحديث، لأنه كان رمزا لمقاومة الرفض والابتذال، ولأنه أسس للحداثة العربية في القصة العربية والمصرية، بما قدم من إبداعات أدبية حقيقية.
وقال شلبي إن دور يحيى حقي وحضوره في الأدب الحديث توازى مع دخوله في جدل وحوارات مع الكثير من المبدعين الشباب في أيام إشرافه على مصلحة الفنون والكثير من المجلات المصرية. وقد أثمر ذلك عن تقديم عدد كبير من المبدعين اللامعين إلى الحياة الأدبية المصرية.
وأشار المحاضر إلى ان حقي كان نموذجا للفنان المبدع المتكامل، فقد اهتم بالموسيقى الكلاسيكية السيمفونية وبالفنون الشعبية، وقد دفعه ذلك الى إبداع أوبرا «نهر العروسة» ليعبر بها عن مصرية خالصة كان ينشدها لتمصير فن الأوبرا.
تميزت فعاليات المؤتمر الى جانب الدراسات النقدية التي وصل عددها الى اكثر من 41 دراسة غطت جوانب الإبداع المختلفة عند يحيى حقي بمشاركة عدد من النقاد والمبدعين بشهادات ركزت على تاريخهم مع يحيى حقي وعلاقتهم به، والكثير من الأحداث التي كان لها آثار بالغة في حياتهم وحياة غيرهم من الكتاب والمبدعين الشباب، ومنها شهادة للأديب صبري موسى الذي كتب السيناريو لفيلم «البوسطجي» الذي اخذ عن رواية له بهذا الاسم، كتبها حقي أثناء عمله في فترة الستينيات في أسيوط. كما شارك في الشهادات الدكتور عبد الغفار مكاوي وسامي فريد إحسان كمال.
* المعاني والألفاظ
* وتحدث الأديب ادوار الخراط في دراسة «العقيدة اللغوية عند يحيى حقي»، وما أسماه هو نفسه الحتمية في الأسلوب أو الأسلوب العلمي. وقال ان جوهر هذه العقيدة عند حقي، ان هناك كلمة واحدة فقط تؤدي معنى بذاته، وهناك لفظ أو تركيب لغوي واحد فقط يفي بمقتضيات إحساس أو موضوع ما.
وقال الخراط ان هذه العقيدة اللغوية تقوم على أساس متضمن ومفترض، وليس موضوعا للمناقشة عند صاحبها، يتمثل في ان هناك معنى أو إحساسا أو موضوعا موجودا وقائما هناك، وان هناك في الوقت ذاته كلمة أو لفظا أو تركيبا لغويا على الكاتب ان يبحث عنه ويجده للتعبير عن المعنى أو الإحساس أو الموضوع الذي يتصدى له.
ويعتقد المحاضر ان ليس هناك فصل حاسم بين عالم المعاني وعالم الألفاظ، وان الكلمة عنده تسهم إسهاما جوهريا في إيجاد المعنى وتكوينه، وفي خلق الحس أو الانفعال الذي لا يوجد حقا أو فعلا إلا بها، كما ان الصياغة بذاتها مقوم جوهري من مقومات المعنى ليست تابعة له.
* الشخصية والمكان
* وتحدثت الناقدة جيهان كيرة عن ارتباط المكان بالعناصر الطبيعية في بعض قصص يحيى حقي، مشيرة الى انه اهتم بتحليل النفس البشرية المعقدة، وتحدث عن الشعور واللاشعور، وبرع في تقديم قصص بأسلوب شيق للغاية عكس براعته في تناول شخصيات أعماله. وقد ظهر هذا واضحا في رواياته القصيرة، مثل «دماء وطين» و«البوسطجي» و«قنديل أم هاشم»، كما ظهر واضحا أيضا في قصصه القصيرة التي استطاع فيها ان يضع تأثير المكان على شخصياته، ودوره في تحديد سماتهم.
وقد استطاع يحيى حقي ان يبرز صور التربة والماء، وما يرتبط بها من أحاسيس العمق أو الرخاوة التي تشكل الجو العام الذي تتحرك فيه الشخصيات في القصص.
* السرد في «قنديل أم هاشم»
* وعلى خصوصية الرؤية السردية في قصة «قنديل أم هاشم»، ارتكزت ورقة الناقد حميد محمداني التي حاول خلالها تحديد زاوية النظر المستخدمة في الرواية، وأشار إلى أنها تمزج بين التصوير الذاتي والموضوعي. لكن الرؤية الذاتية للسارد تبقى الغالبة في مجموع النص مع ما يرتبط بها من وسائل تعبيرية أخرى أهمها استخدام اللغة الشعرية بما فيها من إشعارات تمثيلية استخدمها حقي بهدف جذب انتباه القارئ.
وقال ان حقي بروايته وضع لبنات الرواية العربية واستطاع تطويع اللغة العربية للتعبير القصصي بعيدا عن دائرة المقامات، وقد عالج بها موضوعا حساسا في تلك الفترة من تاريخ المجتمع العربي وقدم رواية ذات نزعة وطنية تنتقد تخلف المجتمع المصري وتحاول تغييره بعلم الغرب.
وقال محمداني ان النظر الى الرواية يجعلنا نخرج بمقاصد إجمالية أخرى كثيرة تختلف باختلاف زاوية النظر إليها، وهو ما يجعل منها عملا أدبيا حقيقيا قادرا على عبور الأفق المحلي للبيئة التي دارت أحداثها فيها.
وانتقد الناقد شريف شمس الدين، عدم اهتمام كثير من النقاد بأدب يحيى حقي. وخصص شريف دراسته لبحث صورة المرأة في قصص يحيى حقي، التي حظيت بمكانه بارزة في إبداعاته القصصية.
* حقي والمرأة
* وقال شريف، ان يحيى حقي ربط بين نماذج المرأة في قصصه وبين المجتمع، وما طرأ عليه من تحولات حضارية أثرت في المرأة تأثيرا واضحا. وذكر ان حقي صور المرأة في بيئات متنوعة شعبية وغير شعبية، وربط ذلك بالمكان والزمان في كل بيئة تحدث عنها، وكان الحوار معبرا عن كل شخصية والخصوصية التي تتميز بها، وكان مرآة صادقة لنفسية كل منها.
وركز الناقد المغربي عبد الفتاح الحجمري دراسته على قراءة الأبنية الفنية، ومضامين يحيى حقي الحكائية في قصصه، مشيرا الى ان التخييل القصصي عنده شكل أفقا للمبادرة والابتكار، وتجاوز الرتابة الاجتماعية والواقعية الفجة. وقال ان الشخصية القصصية ذات الملمح التخييلي تتوارى في حكاياته لصالح الإنسان، حيث يستخدم في التعبير عنها سردا تعبيريا وتصويريا، راسما الحدث والمشهد معا. وقد جعل ذلك الكتابة القصصية عنده كتابة واقعية انتقادية تمزج العام بالخاص عبر السخرية والاحتفال بالموقف النبيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
*المصدر: صحيفة "الشرق الأوسط" ـ في 17/1/2005م
كتاب ومفكرون مصريون وأجانب
ينتقدون تجاهل يحيى حقي وإبداعاته
بقلم: حمدي عابدين
انتقد كتاب ومفكرون مصريون وأجانب حالة التجاهل التي تعرض لها الكاتب المصري يحيى حقي أثناء حياته وبعد مماته، وأشاروا الى ان حقي رغم ما قدم من إبداعات قصصية وروائية بالإضافة الى إسهاماته المتنوعة الأخرى في مجالات الترجمة والموسيقى والنقد، لم يحظ بالاهتمام الجدير به.
وأشار الدكتور جابر عصفور أمين المجلس الأعلى للثقافة، في مؤتمر «وجوه يحيى حقي»، الذي عقده المجلس في الفترة من 10 إلى 12 يناير (كانون الثاني) الجاري بالقاهرة، بالتعاون مع منظمة اليونسكو، إلى أن وجود يحيى حقي في الثقافة المصرية كان له أثر كبير في تكوين اكثر من جيل إبداعي بما قدمه من إسهامات ثقافية وإبداعية متنوعة، وأشاد بدوره في رعاية عدد كبير من المبدعين الذين قدم أعمالهم الأولى الى القراء. وذكر عصفور أن حقي كان واحدا من جيل الليبراليين العظام، وكان يفصله عن مولد طه حسين والعقاد والمازني 16 عاما، وعن مولد توفيق الحكيم 7 سنوات، وقد تأثر بليبرالية هؤلاء الرواد والمبدعين الذين كان ينتمي لهم وجدانيا وفكريا.
* المثقف الشمولي
* وتحدث المحاضر عن تأثر حقي بمبادئ ثورة 1919 التي بشر بها هؤلاء الرواد، مشيرا الى انه كان يشبههم حتى في موسوعيته، وذلك بما أبدع من نقد ورواية وقصة وسيرة ذاتية، بالإضافة إلى كتابته في الموسيقى والسينما والفنون التشكيلية.
وكان اكثر وجوه حقي تميزا، كما يرى عصفور، وجه المبدع، وهذا يتجلى واضحا في رواياته ومجموعاته القصصية التي تجلت فيها عناصر إنسانية تجاوزت بها اقليميتها إلى آفاق العالمية.
وتحدث عصفور عن ملامح سياسية في أدب يحيى حقي، استطاع ان يمررها من دون ان يتعرض له النظام في ذلك الوقت. ولعل رواية «صح النوم» ابلغ مثل على ذلك في تعبيرها عن ديكتاتورية الأخ الأكبر وتسلطه على باقي أعضاء أسرته. وما دفع حقي الى استخدام الرمز في التعبير عن آرائه ووجهات نظره السياسية، الممارسات القمعية ضد المبدعين والكتاب بعد قيام الثورة.
* القيم الإنسانية في أعماله
* وقالت الكاتبة الأميركية مريام كوك، ان يحيى حقي كان علما من أعلام الثقافة والإبداع في مصر والعالم العربي والغربي، وقد تجاوز بإبداعاته حدود اللغة وعوائقها الى العالمية بسبب القيم الإنسانية التي عكسها في أعماله. وذكرت كوك ان حقي بما قدم من إبداعات دحض مقولة «الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا»، وعاش يتحدى هذه المقولة في كل ما قدم من أعمال إبداعية.
* رعايته للمبدعين الشباب
* وتحدث الكاتب العراقي فؤاد التكرلي، عن رعاية يحيى حقي له ولإبداعاته من دون أن يلتقي به، وذكر ان حقي نشر له قصته في عام 1970 بعنوان «الغراب» في مجلة «المجلة» المصرية التي كان يرأس تحريرها في ذلك الوقت، وقدم لها بمقدمة شرح فيها الكثير من الألفاظ المحلية التي استخدمها التكرلي، واتبع ذلك بنصيحة إلى الكتاب الشباب بعدم استخدام الألفاظ ذات الصبغة المحلية في الأعمال الإبداعية التي يقدمونها للقراء.
وذكر الروائي المصري خيري شلبي، ان يحيى حقي اكثر رواد الأدب المصري حضورا في الواقع الثقافي الحديث، لأنه كان رمزا لمقاومة الرفض والابتذال، ولأنه أسس للحداثة العربية في القصة العربية والمصرية، بما قدم من إبداعات أدبية حقيقية.
وقال شلبي إن دور يحيى حقي وحضوره في الأدب الحديث توازى مع دخوله في جدل وحوارات مع الكثير من المبدعين الشباب في أيام إشرافه على مصلحة الفنون والكثير من المجلات المصرية. وقد أثمر ذلك عن تقديم عدد كبير من المبدعين اللامعين إلى الحياة الأدبية المصرية.
وأشار المحاضر إلى ان حقي كان نموذجا للفنان المبدع المتكامل، فقد اهتم بالموسيقى الكلاسيكية السيمفونية وبالفنون الشعبية، وقد دفعه ذلك الى إبداع أوبرا «نهر العروسة» ليعبر بها عن مصرية خالصة كان ينشدها لتمصير فن الأوبرا.
تميزت فعاليات المؤتمر الى جانب الدراسات النقدية التي وصل عددها الى اكثر من 41 دراسة غطت جوانب الإبداع المختلفة عند يحيى حقي بمشاركة عدد من النقاد والمبدعين بشهادات ركزت على تاريخهم مع يحيى حقي وعلاقتهم به، والكثير من الأحداث التي كان لها آثار بالغة في حياتهم وحياة غيرهم من الكتاب والمبدعين الشباب، ومنها شهادة للأديب صبري موسى الذي كتب السيناريو لفيلم «البوسطجي» الذي اخذ عن رواية له بهذا الاسم، كتبها حقي أثناء عمله في فترة الستينيات في أسيوط. كما شارك في الشهادات الدكتور عبد الغفار مكاوي وسامي فريد إحسان كمال.
* المعاني والألفاظ
* وتحدث الأديب ادوار الخراط في دراسة «العقيدة اللغوية عند يحيى حقي»، وما أسماه هو نفسه الحتمية في الأسلوب أو الأسلوب العلمي. وقال ان جوهر هذه العقيدة عند حقي، ان هناك كلمة واحدة فقط تؤدي معنى بذاته، وهناك لفظ أو تركيب لغوي واحد فقط يفي بمقتضيات إحساس أو موضوع ما.
وقال الخراط ان هذه العقيدة اللغوية تقوم على أساس متضمن ومفترض، وليس موضوعا للمناقشة عند صاحبها، يتمثل في ان هناك معنى أو إحساسا أو موضوعا موجودا وقائما هناك، وان هناك في الوقت ذاته كلمة أو لفظا أو تركيبا لغويا على الكاتب ان يبحث عنه ويجده للتعبير عن المعنى أو الإحساس أو الموضوع الذي يتصدى له.
ويعتقد المحاضر ان ليس هناك فصل حاسم بين عالم المعاني وعالم الألفاظ، وان الكلمة عنده تسهم إسهاما جوهريا في إيجاد المعنى وتكوينه، وفي خلق الحس أو الانفعال الذي لا يوجد حقا أو فعلا إلا بها، كما ان الصياغة بذاتها مقوم جوهري من مقومات المعنى ليست تابعة له.
* الشخصية والمكان
* وتحدثت الناقدة جيهان كيرة عن ارتباط المكان بالعناصر الطبيعية في بعض قصص يحيى حقي، مشيرة الى انه اهتم بتحليل النفس البشرية المعقدة، وتحدث عن الشعور واللاشعور، وبرع في تقديم قصص بأسلوب شيق للغاية عكس براعته في تناول شخصيات أعماله. وقد ظهر هذا واضحا في رواياته القصيرة، مثل «دماء وطين» و«البوسطجي» و«قنديل أم هاشم»، كما ظهر واضحا أيضا في قصصه القصيرة التي استطاع فيها ان يضع تأثير المكان على شخصياته، ودوره في تحديد سماتهم.
وقد استطاع يحيى حقي ان يبرز صور التربة والماء، وما يرتبط بها من أحاسيس العمق أو الرخاوة التي تشكل الجو العام الذي تتحرك فيه الشخصيات في القصص.
* السرد في «قنديل أم هاشم»
* وعلى خصوصية الرؤية السردية في قصة «قنديل أم هاشم»، ارتكزت ورقة الناقد حميد محمداني التي حاول خلالها تحديد زاوية النظر المستخدمة في الرواية، وأشار إلى أنها تمزج بين التصوير الذاتي والموضوعي. لكن الرؤية الذاتية للسارد تبقى الغالبة في مجموع النص مع ما يرتبط بها من وسائل تعبيرية أخرى أهمها استخدام اللغة الشعرية بما فيها من إشعارات تمثيلية استخدمها حقي بهدف جذب انتباه القارئ.
وقال ان حقي بروايته وضع لبنات الرواية العربية واستطاع تطويع اللغة العربية للتعبير القصصي بعيدا عن دائرة المقامات، وقد عالج بها موضوعا حساسا في تلك الفترة من تاريخ المجتمع العربي وقدم رواية ذات نزعة وطنية تنتقد تخلف المجتمع المصري وتحاول تغييره بعلم الغرب.
وقال محمداني ان النظر الى الرواية يجعلنا نخرج بمقاصد إجمالية أخرى كثيرة تختلف باختلاف زاوية النظر إليها، وهو ما يجعل منها عملا أدبيا حقيقيا قادرا على عبور الأفق المحلي للبيئة التي دارت أحداثها فيها.
وانتقد الناقد شريف شمس الدين، عدم اهتمام كثير من النقاد بأدب يحيى حقي. وخصص شريف دراسته لبحث صورة المرأة في قصص يحيى حقي، التي حظيت بمكانه بارزة في إبداعاته القصصية.
* حقي والمرأة
* وقال شريف، ان يحيى حقي ربط بين نماذج المرأة في قصصه وبين المجتمع، وما طرأ عليه من تحولات حضارية أثرت في المرأة تأثيرا واضحا. وذكر ان حقي صور المرأة في بيئات متنوعة شعبية وغير شعبية، وربط ذلك بالمكان والزمان في كل بيئة تحدث عنها، وكان الحوار معبرا عن كل شخصية والخصوصية التي تتميز بها، وكان مرآة صادقة لنفسية كل منها.
وركز الناقد المغربي عبد الفتاح الحجمري دراسته على قراءة الأبنية الفنية، ومضامين يحيى حقي الحكائية في قصصه، مشيرا الى ان التخييل القصصي عنده شكل أفقا للمبادرة والابتكار، وتجاوز الرتابة الاجتماعية والواقعية الفجة. وقال ان الشخصية القصصية ذات الملمح التخييلي تتوارى في حكاياته لصالح الإنسان، حيث يستخدم في التعبير عنها سردا تعبيريا وتصويريا، راسما الحدث والمشهد معا. وقد جعل ذلك الكتابة القصصية عنده كتابة واقعية انتقادية تمزج العام بالخاص عبر السخرية والاحتفال بالموقف النبيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
*المصدر: صحيفة "الشرق الأوسط" ـ في 17/1/2005م
تعليق