رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل
* هات القزازة *
................
لم يكن مضى سوى دقائق على تلاقى أذان الفجر فى أبو العباس والبوصيرى وعلى تمراز . حذرنا أبى من فتح الباب . ظللنا فى حجرتنا نغالب النوم والمفاجأة . تبينت صوت شوقى عويس . توقعت نفحة مادية : عشرة قروش ، أو خمسة وعشرين قرشاً ، يقدمها لنا ـ من وراء أبى ـ فى زياراته المتباعدة ..
بدت العصبية فى صوت أبى :
ـ أى خدمة يا شوقى أفندى ؟!
سبقنا أخى فى النزول من السرير . فتحنا باب الحجرة الموارب . كان شوقى عويس يقف بقامته الطويلة ، الممتلئة ، على باب الشقة ، وأبى فى منتصف الصالة . وثمة ضوء شحيح من اللمبة السهارى فى مدخل الطرقة إلى الحمام ، احتوى الرجلين والكتب والأوراق التى ينشغل بها أبى حتى مطلع الفجر ..
كان أبى يحرص على القميص والبنطلون إلى انتهائه من الترجمة . ثم يستبدل بها البيجامة ، ويتهيأ للنوم ..
لم يكن شوقى عويس فى الهيئة التى اعتدت رؤيته فيها . نزع الجاكت وألقى به على كتفه ، وفك رباط العنق ، واتسخت ياقة القميص المفتوحة بلون كالدم ، بينما أطل الزر من مقدمة الطربوش ، وما يشبه القىء على بوز الحذاء . وكان يضع على صدره أكياساً مغلقة ..
تقدم ناحية الترابيزة ، ووضع الأكياس المغلقة ـ أصلح بيئياً من بلاستيكات هذه الأيام ـ وقال فى صوت مترنح :
ـ صحى العيال علشان نعمل زمبليطة !..
سحب كرسياً وجلس . وجلس أبى فى الناحية المقابلة . تكلما عن دمنهور وأسعار القطن وأحوال الزراعة وأخبار أهل أمى فى أبو الريش وزيارات الرجل المتكررة إلى الإسكندرية . كان شوقى عويس يطلق ضحكات متقطعة ، ويتجشأ . وكان الاستياء ، وربما الغضب ، واضحاً على ملامح أبى ، فهو يعانى فى مجرد الرد على أسئلة الرجل ، مجرد الدردشة الكلامية ..
كان أبى يحدثنا ـ عقب كل زيارة للرجل ـ عن قرابته لأهل أمى ، وأنه يحيا على ميراث من الأموال والعقارات والأرض الزراعية ، ينفقه على إقامته وسهراته فى الإسكندرية ، فلا يتردد على مدينته دمنهور إلا ليحاسب مستأجرى الأرض الزراعية والعقارات وأثمان بيع المحاصيل .. وكان أبى يشدد علينا ، فلا نأخذ منه أو نعطى ، ولا نقبل منحه المادية ..
وعلا صوت شوقى عويس مدندناً :
هات القزازة واقعد لاعبنى ..
وأعاد الدندنة وهو يلون صوته ..
طلب أبى من أختى أن تعد حجرة الضيوف ، وأمرنا ـ بنظرة من عينيه ـ أن ندخل حجرتنا ..
صحوت على صوت اصطفاق الباب . حدست لرؤية حجرة الضيوف المفتوحة ، وانهماك أبى فى كتابة كلمات على ورقة كراسة ، أن الرجل ترك البيت ..
همس أبى :
ـ انت صحيت ؟
ونزع الورقة من الكراسة :
ـ ابعت التلغراف ده قبل ما تروح المدرسة ..
أعاد لى موظف التلغراف ورقة الكراسة :
ـ قول لابوك عم سليمان ما يقدرش يبعت تلغراف زى ده .. أبوك بيقول لواحد ماتزرناش وانت سكران ..
وعلا صوت عم سليمان محذراً :
ـ لما اشوف أبوك حاطلب منه يقول للراجل الكلام ده بينه وبينه !
* هات القزازة *
................
لم يكن مضى سوى دقائق على تلاقى أذان الفجر فى أبو العباس والبوصيرى وعلى تمراز . حذرنا أبى من فتح الباب . ظللنا فى حجرتنا نغالب النوم والمفاجأة . تبينت صوت شوقى عويس . توقعت نفحة مادية : عشرة قروش ، أو خمسة وعشرين قرشاً ، يقدمها لنا ـ من وراء أبى ـ فى زياراته المتباعدة ..
بدت العصبية فى صوت أبى :
ـ أى خدمة يا شوقى أفندى ؟!
سبقنا أخى فى النزول من السرير . فتحنا باب الحجرة الموارب . كان شوقى عويس يقف بقامته الطويلة ، الممتلئة ، على باب الشقة ، وأبى فى منتصف الصالة . وثمة ضوء شحيح من اللمبة السهارى فى مدخل الطرقة إلى الحمام ، احتوى الرجلين والكتب والأوراق التى ينشغل بها أبى حتى مطلع الفجر ..
كان أبى يحرص على القميص والبنطلون إلى انتهائه من الترجمة . ثم يستبدل بها البيجامة ، ويتهيأ للنوم ..
لم يكن شوقى عويس فى الهيئة التى اعتدت رؤيته فيها . نزع الجاكت وألقى به على كتفه ، وفك رباط العنق ، واتسخت ياقة القميص المفتوحة بلون كالدم ، بينما أطل الزر من مقدمة الطربوش ، وما يشبه القىء على بوز الحذاء . وكان يضع على صدره أكياساً مغلقة ..
تقدم ناحية الترابيزة ، ووضع الأكياس المغلقة ـ أصلح بيئياً من بلاستيكات هذه الأيام ـ وقال فى صوت مترنح :
ـ صحى العيال علشان نعمل زمبليطة !..
سحب كرسياً وجلس . وجلس أبى فى الناحية المقابلة . تكلما عن دمنهور وأسعار القطن وأحوال الزراعة وأخبار أهل أمى فى أبو الريش وزيارات الرجل المتكررة إلى الإسكندرية . كان شوقى عويس يطلق ضحكات متقطعة ، ويتجشأ . وكان الاستياء ، وربما الغضب ، واضحاً على ملامح أبى ، فهو يعانى فى مجرد الرد على أسئلة الرجل ، مجرد الدردشة الكلامية ..
كان أبى يحدثنا ـ عقب كل زيارة للرجل ـ عن قرابته لأهل أمى ، وأنه يحيا على ميراث من الأموال والعقارات والأرض الزراعية ، ينفقه على إقامته وسهراته فى الإسكندرية ، فلا يتردد على مدينته دمنهور إلا ليحاسب مستأجرى الأرض الزراعية والعقارات وأثمان بيع المحاصيل .. وكان أبى يشدد علينا ، فلا نأخذ منه أو نعطى ، ولا نقبل منحه المادية ..
وعلا صوت شوقى عويس مدندناً :
هات القزازة واقعد لاعبنى ..
وأعاد الدندنة وهو يلون صوته ..
طلب أبى من أختى أن تعد حجرة الضيوف ، وأمرنا ـ بنظرة من عينيه ـ أن ندخل حجرتنا ..
صحوت على صوت اصطفاق الباب . حدست لرؤية حجرة الضيوف المفتوحة ، وانهماك أبى فى كتابة كلمات على ورقة كراسة ، أن الرجل ترك البيت ..
همس أبى :
ـ انت صحيت ؟
ونزع الورقة من الكراسة :
ـ ابعت التلغراف ده قبل ما تروح المدرسة ..
أعاد لى موظف التلغراف ورقة الكراسة :
ـ قول لابوك عم سليمان ما يقدرش يبعت تلغراف زى ده .. أبوك بيقول لواحد ماتزرناش وانت سكران ..
وعلا صوت عم سليمان محذراً :
ـ لما اشوف أبوك حاطلب منه يقول للراجل الكلام ده بينه وبينه !
تعليق