الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

تقليص
X
  •  
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د. حسين علي محمد
    كاتب مسجل
    • Jun 2006
    • 1123

    #16
    رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

    * هات القزازة *
    ................

    لم يكن مضى سوى دقائق على تلاقى أذان الفجر فى أبو العباس والبوصيرى وعلى تمراز . حذرنا أبى من فتح الباب . ظللنا فى حجرتنا نغالب النوم والمفاجأة . تبينت صوت شوقى عويس . توقعت نفحة مادية : عشرة قروش ، أو خمسة وعشرين قرشاً ، يقدمها لنا ـ من وراء أبى ـ فى زياراته المتباعدة ..
    بدت العصبية فى صوت أبى :
    ـ أى خدمة يا شوقى أفندى ؟!
    سبقنا أخى فى النزول من السرير . فتحنا باب الحجرة الموارب . كان شوقى عويس يقف بقامته الطويلة ، الممتلئة ، على باب الشقة ، وأبى فى منتصف الصالة . وثمة ضوء شحيح من اللمبة السهارى فى مدخل الطرقة إلى الحمام ، احتوى الرجلين والكتب والأوراق التى ينشغل بها أبى حتى مطلع الفجر ..
    كان أبى يحرص على القميص والبنطلون إلى انتهائه من الترجمة . ثم يستبدل بها البيجامة ، ويتهيأ للنوم ..
    لم يكن شوقى عويس فى الهيئة التى اعتدت رؤيته فيها . نزع الجاكت وألقى به على كتفه ، وفك رباط العنق ، واتسخت ياقة القميص المفتوحة بلون كالدم ، بينما أطل الزر من مقدمة الطربوش ، وما يشبه القىء على بوز الحذاء . وكان يضع على صدره أكياساً مغلقة ..
    تقدم ناحية الترابيزة ، ووضع الأكياس المغلقة ـ أصلح بيئياً من بلاستيكات هذه الأيام ـ وقال فى صوت مترنح :
    ـ صحى العيال علشان نعمل زمبليطة !..
    سحب كرسياً وجلس . وجلس أبى فى الناحية المقابلة . تكلما عن دمنهور وأسعار القطن وأحوال الزراعة وأخبار أهل أمى فى أبو الريش وزيارات الرجل المتكررة إلى الإسكندرية . كان شوقى عويس يطلق ضحكات متقطعة ، ويتجشأ . وكان الاستياء ، وربما الغضب ، واضحاً على ملامح أبى ، فهو يعانى فى مجرد الرد على أسئلة الرجل ، مجرد الدردشة الكلامية ..
    كان أبى يحدثنا ـ عقب كل زيارة للرجل ـ عن قرابته لأهل أمى ، وأنه يحيا على ميراث من الأموال والعقارات والأرض الزراعية ، ينفقه على إقامته وسهراته فى الإسكندرية ، فلا يتردد على مدينته دمنهور إلا ليحاسب مستأجرى الأرض الزراعية والعقارات وأثمان بيع المحاصيل .. وكان أبى يشدد علينا ، فلا نأخذ منه أو نعطى ، ولا نقبل منحه المادية ..
    وعلا صوت شوقى عويس مدندناً :
    هات القزازة واقعد لاعبنى ..
    وأعاد الدندنة وهو يلون صوته ..
    طلب أبى من أختى أن تعد حجرة الضيوف ، وأمرنا ـ بنظرة من عينيه ـ أن ندخل حجرتنا ..
    صحوت على صوت اصطفاق الباب . حدست لرؤية حجرة الضيوف المفتوحة ، وانهماك أبى فى كتابة كلمات على ورقة كراسة ، أن الرجل ترك البيت ..
    همس أبى :
    ـ انت صحيت ؟
    ونزع الورقة من الكراسة :
    ـ ابعت التلغراف ده قبل ما تروح المدرسة ..
    أعاد لى موظف التلغراف ورقة الكراسة :
    ـ قول لابوك عم سليمان ما يقدرش يبعت تلغراف زى ده .. أبوك بيقول لواحد ماتزرناش وانت سكران ..
    وعلا صوت عم سليمان محذراً :
    ـ لما اشوف أبوك حاطلب منه يقول للراجل الكلام ده بينه وبينه !

    تعليق

    • د. حسين علي محمد
      كاتب مسجل
      • Jun 2006
      • 1123

      #17
      رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

      * عروسة وعريس *
      .....................

      العريس كانت هى تسمية جار الطابق الثانى فى البيت المقابل ، والعروسة كانت هى تسمية زوجته .
      سهرنا إلى قرب الصباح نطل على الأضواء والزينات والأغنيات والزفة السكندرية الشهيرة : صلاة النبى .. صلاة النبى .. مالحة فى عين اللى ما يصلى على النبى ..
      لم تتبدل تسمية العروسة والعريس منذ صبحية الزفاف ، حتى أنجبا البنين والبنات . لم نكن نعرف اسمها أو اسمه . عرف التقاليد بأن ينتسب الأب إلى أكبر أبنائه فيسمى " أبو فلان " ، وتنتسب الأم إلى أكبر الأبناء فتسمى " أم فلان " ، حتى ذلك العرف نسيناه .
      ظلت تسمية العريس والعروسة ـ رغم تقضى الأعوام ـ هى التى ترددها أفواهنا !

      تعليق

      • د. حسين علي محمد
        كاتب مسجل
        • Jun 2006
        • 1123

        #18
        رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

        * الحياة *

        .............



        أول أيام العيد ..
        أشعة الشمس تغيب ـ فى ذلك الصباح الباكر ـ وراء البنايات المحيطة بالمكان ، وتغيب الملامح الحقيقية . فى مواجهة محطة الترام مستشفى دار إسماعيل للولادة ، تلاصقها مقابر العامود . الحياة تجاور الموت . جهاز الراديو فى دكان بائع العصير ، على ناصية الميدان ، يضعنا ـ بالأغنيات التى يعلو بها ـ فى قلب المناسبة . ليست أغنيات بذاتها ، لكنها عن العيد ، وللعيد : القرنفل لعبد الحليم حافظ وفاطمة على .. الحلوة دى قامت تعجن م البدرية لشافية أحمد .. الورد جميل لأم كلثوم .. يا صباح الخير ياللى معانا لأم كلثوم أيضاً .. أغنيات اعتادت الإذاعة تقديمها فى صباح ذلك اليوم ، وألفتها ـ فى ترددى على مقابر العامود ـ على مدى ثلاثة أعوام أو أربعة ..
        يمسك أبى برسغينا ـ أخى وأنا ـ ويمضى إلى داخل المقابر . رائحة التراب تتصاعد بحركة أقدامنا ، وعلى الجانبين أحواش مفتوحة ومغلقة ، وشواهد رخامية ، ونبات صبار ، ومتسولون ..
        يقف أبى أمام باب منزوع المصراعين ، عليه لافتة : مدفن حسن جبريل . يلقى أبى السلام على الصمت ، ويدخل . الفناء الصغير أشبه بصالة مكشوفة ، والجدران تساقط طلاؤها ، وتآكلت بتأثير ملوحة البحر القريب ، وموضع النافذة خلا إلا من الحلق الخشبى . المستطيل الحجرى ـ أعرف أن أمى ترقد تحته ـ يتوسط الفناء . يدور أبى من حوله وهو يردد الفاتحة وقصار السور ، ونحن نكتفى بالتطلع الساكن ..
        يتجه أبى ناحية الباب . يطيل الوقوف فى المساحة الصغيرة على يمين المدخل . يعيد ترتيب قطع الحجارة التى سجى جثمان أخى الأصغر تحتها . ثم يقرأ الفاتحة وقصار السور ..
        تبحث يدا أبى عن رسغينا ، ويمضى نحو الباب الخارجى ..
        يطالعنا الميدان بزحامه ، وصخبه ، والأغنيات التى يذيعها الراديو ، تنقلنا إلى فرحة العيد .

        تعليق

        • د. حسين علي محمد
          كاتب مسجل
          • Jun 2006
          • 1123

          #19
          رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

          * سباق القوارب *

          .......................



          أشار أبى إلى الطاولة التى كان يجلس إليها عم حسونة غباشى ، وقال :
          ـ أين الرجل ؟
          قال الجرسون عطية :
          ـ هزيمة قوارب السيالة أمام قوارب رأس التين ألزمته البقاء فى القزق ( ورش المراكب ) ليصنع قارباً يصعب تجاوزه !
          نشأت الصداقة بين أبى وعم حسونة فى توالى اللقاءات ـ صباح كل جمعة ـ أمام مقهى المهدى ، أسفل بيتنا . ينتظران خطبة الشيخ عبد الحفيظ إمام جامع سيدى على تمراز ، تجتذبهما كلمات الرجل ضد الإنجليز والسراى وأحزاب الأقلية . لا تشغله تحذيرات وزارة الأوقاف ، ولا تهديدات السلطة القائمة . آلاف المصلين يملأون صحن الجامع وخارجه . جموع من البشر يفترشون ميدان " الخمس فوانيس " وأجزاء من شوارع رأس التين وسراى محسن باشا وإسماعيل صبرى وفرنسا .
          من يضمن رد الفعل لو أن الأوامر صدرت بنقله أو إسكاته ؟
          كان عم حسونة غباشى فى حوالى الخامسة والأربعين . أميل إلى البدانة . فى وجهه استدارة تهبه طفولة واضحة . مشط شعره الخفيف بامتداد الرأس ليدارى صلعته . تدلى طارفا شاربه على جانبى فمه . له طريقة مميزة فى نطق الكلمات . يغلب التلعثم على نطقه ، فيصعب عليه التعبير عن نفسه . تتداخل الكلمات فى غمغمات غير مترابطة ..
          كان معظم حديث عم حسونة عن سباق القوارب . يجيد الانتقال من أحاديث خطب الشيخ عبد الحفيظ والسياسة والانتخابات والحرب الكورية إلى سباق القوارب . يعد له أبناء رأس التين والسيالة فى امتداد العام ، يبذلون كل قدراتهم لصنع قوارب تخوض السباق فى أول أيام عيد الفطر . يفوز أحدها بالمركز الأول ، فيحمله الرجال على رءوسهم ، وتعلو أصواتهم بالغناء . إذا كان القارب للسيالة ، ردد الرجال :
          قفة ملح وقفة طين على دماغ راس التين
          وإذا كان القارب لرأس التين ، ردد الرجال :
          سيالة يا سيالة ياللى ما فيكى رجاله
          صحبنى أبى ـ ذات عصر ـ إلى ورش القزق ، ما بين سينما السواحل وقبالة شارع الحجارى . بلانسات ولوتسات ولانشات وقوارب وفلايك . جديدة ، وقديمة يجرى إصلاحها ، وهياكل خشبية ، وروافع ، ومناشير هائلة ، وأدوات نجارة ..
          لم يخف عم حسونة ـ فى ترحيبه بأبى ـ تأثير المفاجأة ..
          رنا أبى إليه بنظرة مودة :
          ـ هل خاصمتنا ؟
          ـ أنت أعز الأصدقاء ..
          ـ إذن خاصمت الشيخ عبد الحفيظ ؟
          ـ لو كنت صوفياً لاعتبرته قطبى ..
          ـ فلماذا انقطعت عن صلاة الجمعة فى على تمراز ؟
          ـ أصلّى فى جامع طاهر بك بالحجارى . قريب من القزق ..
          ثم بلهجة أسيفة:
          ـ لابد أنك عرفت ما حدث . لن أضيع دقيقة حتى أصنع القارب الذى تعجز عن ملاحقته كل قوارب رأس التين !

          تعليق

          • د. حسين علي محمد
            كاتب مسجل
            • Jun 2006
            • 1123

            #20
            رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

            * الفتـوات *

            ...............



            عرفت ـ من أحاديث أبى ـ أسماء فتوات الإسكندرية : حميدو الفارس وأبو خطوة والسكران والنجرو وغيرهم ..
            أفدت ـ فى روايتى " الأسوار " ـ من حكاية أبى عن حميدو الفارس لما كبس طربوش محافظ المدينة على رأسه ، وأفدت ـ فى " رباعية بحرى " ـ من حكايات الفتوات : الإتاوات ، قيادة مواكب الزفاف ، المعارك الدامية ..
            فى ذاكرتى أصداء من بقايا عصر الفتوات ، فى الموالد ، وسباق البنز ، وسباق القوارب ، ورقصة النقرزان ، ورقصة سيد حلال عليه ـ هذا هو اسمه ـ التى يتلاعب فيها بالعصا ..
            فى ذاكرتى مواكب الزفاف : يتقدم الفتوة زفة العريس . يهتف : يا ما انت صغيّر ..
            يستطرد الرجال الملتفون حول العريس : حلو يا عريس ..
            وتتعالى الأصوات منغّمة : الحارس الله والصلاة على النبى .. العروسة بنت حارتنا وعريسها فنجرى ..
            شاهدت ـ من شرفة بيتنا المطلة على ميدان الخمس فوانيس ـ آخر معارك الفتوات . حل الصمت إلا من تناثر الدماء ، وأصوات ارتطام الشوم بالرءوس والأجساد ، والصرخات ، والنشيج ، والأنات المكتومة ..
            أسفرت المعركة عن قتلى وجرحى ، حملتهم سيارات الإسعاف إلى المشرحة ، أو إلى المستشفى ، ونقلت سيارات البوليس من تصادف وجوده بالقرب من المكان إلى قسم الجمرك ..
            وانتهى عصر الفتوات .

            تعليق

            • د. حسين علي محمد
              كاتب مسجل
              • Jun 2006
              • 1123

              #21
              رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

              * عفريت الليل *

              .......................



              كنا ـ بمجرد ظهور الرجل فى أول الشارع ـ نترك ما بأيدينا من لعب ـ كرة شراب ، بلى ، استغماية ، طائرات ورقية ـ ونتجه ناحيته ..
              تعلو أصواتنا : عفريت الليل بسبع رجلين ..
              نكرر الكلمات منغمة ، والرجل ذو الأفرول المتسخ يرمقنا بنظرة صامتة ، لا تشى بتعبير محدد . يحمل العصا الطويلة ، الرفيعة ، فى نهايتها ما يشبه السلك النحاسى ، يصله بالمصباح المطفأ من خلال فتحة الحاجز الزجاجى ، فيضاء . تأخذ العملية ثوان قليلة ، ثم يواصل الرجل سيره فى خطوات مهرولة نحو عمود إنارة آخر ، وهكذا ..
              كانت تسمية العفريت ظالمة ، فالرجل ضامر الجسد ، أسمر البشرة ، له عينان تداخلت فيهما الصفرة بالبياض ، وفم مفتوح تساقط معظم أسنانه . ولعل اتساخ أفروله ، أو لأننا لم نكن نراه إلا ليلاً ـ كان هو مبعث التسمية التى نضمنها كلماتنا المتعبة ..
              استطالت ظلال الغروب ـ ذات يوم ـ ثم حلت العتمة . تنبهنا إلى عدم قدوم الرجل فى موعده
              فى اليوم التالى ، ظلت المصابيح مطفأة . ثم طالعنا ـ فى اليوم الثالث ـ بشاب يمسك العصا الرفيعة ، ذات النهاية السلكية ..
              تجرأت فسألته :
              ـ أين ذهب الرجل ؟
              ـ ربنا افتكره ..
              وجرى فى اتجاه بقية المصابيح ..
              كتمنا الكلمات التى اعتدنا غناءها . ربما لمفاجأة وفاة الرجل ، وربما لأننا خشينا رد الفعل فى ملامح الشاب الجامدة !

              تعليق

              • د. حسين علي محمد
                كاتب مسجل
                • Jun 2006
                • 1123

                #22
                رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

                * الربيع *

                .............



                قال لى صديقى ممدوح الطوبجى :
                ـ هل استمعت إلى أغنية فريد الأطرش الجديدة ؟
                هززت رأسى بالنفى ..
                قال :
                ـ احرص على سماعها .. أغنية جميلة عن الربيع ..
                ممدوح الطوبجى زميلى فى المدرسة الفرنسية الابتدائية بمحرم بك . والدته المطربة نجاة على ووالده ضابط كبير بالقوات المسلحة . كانت زمالتنا فى مستوى الصداقة . وكنت ألجأ إليه فى قراءة الإصدارات الجديدة . أعارنى عودة الروح للحكيم ، وعمرون شاه لفريد أبو حديد ، ومن النافذة للمازنى ، وقصائد صلاح جاهين الأولى ، وأعمالاً أخرى كثيرة . نتناقش فى الكتب التى أستعيرها . نتفق ونختلف . تبدأ مناقشاتنا فلا تنتهى ..
                الكرة التى صوبها ولد اصطدمت بأنفى كقذيفة ، فى وقفتنا ـ الطوبجى وأنا ـ تحت شجرة فى فناء المدرسة . أظهرت الغضب ، وحاولت أن أحتفظ بالكرة . أومأ الطوبجى برأسه كى أعيد الكرة فأتقى شر الولد ..
                قال الولد وهو يأخذ الكرة :
                ـ هات كده وانت وشك زى الديب !
                صدمتنى العبارة بأشد مما صدمتنى الكرة . تسللت إلى دورة المياه . أطلت تأمل ملامحى فى المرآة : هل أشبه الذئب ؟
                تركت مقعدى فى الترام ـ وأنا أعود إلى بحرى ـ للسيدة ذات الملاءة اللف . جلست وهى تمتدحنى :
                ـ يا حبيبى .. ابن ناس بصحيح !
                اتجهت إلى الناحية المقابلة ، كى لا ترى ملامح الذئب فى وجهى !

                تعليق

                • د. حسين علي محمد
                  كاتب مسجل
                  • Jun 2006
                  • 1123

                  #23
                  رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

                  * هذا ما حدث *

                  ....................



                  قال عم جعفرى :
                  ـ عند عودتك إلى المدرسة صباح السبت ، سأكون قد قرأت المجلة ، فأعيدها لك ..
                  كان عم جعفرى هو حارس مدرستى الفرنسية الابتدائية الأميرية . فى شارع جانبى قبل نهاية شارع المأمون . تختلف عن بنايات المدارس الابتدائية ـ ربما لأنها أولى المدارس الابتدائية التى جعلت من الفرنسية لغة أولى ـ بطابع القصر ، وبالفناء الواسع ، والفيلات الملاصقة ، والهدوء الذى يحيط بها ، ووجبة الغداء الساخنة ، نهبط إليها فى مطعم البدروم ..
                  كان عم جعفرى فى حوالى الخمسين . تشى لهجته بأصله الجنوبى . كنا نخطب وده بمناقشته فى الغناء الذى يحبه ، والأغنيات التى يستمع إليها فى الراديو الخشبى الصغير ، داخل غرفته المطلة على فناء المدرسة ..
                  لمح فى مجلة " المصور " ـ وأنا أتصفحها وقت الفسحة ـ إشارة إلى حفل فريد الأطرش ، فى تلك الليلة ..
                  قال :
                  ـ اعطنى هذه المجلة ..
                  اعتذرت بأنى اشتريت " المصور " لأبى ، وأنى ربما لا أجدها فى طريق العودة إلى بحرى ..
                  ارتسمت فى ملامح الرجل خيبة أمل واضحة . حدثنى عن الحفل الذى ينتظره ، والأغنية التى أعلنت الإذاعة أن الأطرش سيقدمها فى الحفل ..
                  لاحظ الرجل ترددى ، فقال :
                  ـ مجرد أن أقرأ استعدادات الحفل ونص الأغنية ..
                  قبل أن يسألنى أبى عن المجلة ، ادعيت أنى نسيتها فى المدرسة ..
                  قال أبى :
                  ـ المهم ألا تضيع !
                  طالعتنى ـ صباح السبت ـ حركة لم أعتدها فى المدرسة ، وزحام أمام غرفة عم جعفرى ..
                  فاجأنى الولد مرعى عبد المجيد بالقول :
                  ـ عم جعفرى مات ..
                  أضاف للذهول فى ملامحى :
                  ـ أغلق على نفسه من البرد . خنقه فحم المدفأة وهو يقرأ ويستمع إلى الراديو !
                  حين عدت إلى البيت ، سألنى أبى :
                  ـ هل أحضرت المجلة ؟
                  أدركت أن كرة الكذب الثلجية ستواصل التدحرج . قلت وأنا أتهيأ للبكاء :
                  ـ عم جعفرى مات ..
                  امتزج فى نظرة أبى عدم الفهم ، والإشفاق على ما بدا أنى أعانيه .

                  تعليق

                  • د. حسين علي محمد
                    كاتب مسجل
                    • Jun 2006
                    • 1123

                    #24
                    رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

                    * زمـان *
                    ........

                    لما أصر جيران الطابق العلوى على أن تغنى شقيقتى الكبرى فى السرادق المقام فوق السطح ، ووافق أبى ، أدركت أن هذه هى الفرصة التى طال ترقب شقيقتى لها . كانت تحب الغناء . تكتفى بالدندنة الهامسة . إن علا صوتها بالانسجام ، نهرها أبى : بس يا بنت !. بعد رحيل أمنا ، وجدت نفسها مسئولة عن البيت قبل أن تبلغ الرابعة عشرة . تنازلت عن الكثير من طموحاتها ، ومنها أن تمضى فى خطا ليلى مراد ، فتصبح مطربة مشهورة ..
                    كان أبى مثقفاً ليس بمجرد الحصيلة المعرفية ، وإنما باستنارة آرائه ، وإلحاحه الدائب على المثل الأعلى ، والأكثر جدوى لجماعة الناس . ولم يكن يخفى إشفاقه من المسئولية التى بدلت حياة شقيقتى فى سن باكرة .. لكن السير فى حقل الألغام المسمى " الفن " ـ هذا هو التعبير الذى يحضرنى ـ كان يزعجه . ألمح الإعجاب فى تعبيرات وجهه بدندناتها الآتية من المطبخ . فإذا تحولت الدندنة إلى غناء حقيقى ، أسكتها ـ من موضعه ـ بنبرة حاسمة ..
                    فاجأت أختى ـ وفاجأتنى ـ موافقة أبى على أن تغنى فى حفل الجيران . تصورت الحفل مناسبة لتقديم الصوت الجميل . ينصت إليه من يعجب به ، فيقتنع أبى بأن تسير فى الطريق إلى نهايتها ، وتصبح ـ كما كنت أتمنى ـ فى مكانة مطربتنا المفضلة ليلى مراد ..
                    وقفت فى آخر السرادق ، أنصت إلى غناء أختى : اتمخطرى واتمايلى يا خيل . أعتبر استعادة الحضور اعترافاً بجمال صوتها ، وإن لم يجاوز ما حدث حفلاً حضره بضع عشرات ، غالبيتهم من ربات البيوت والأطفال ..
                    تزوجت شقيقتى ، وأنجبت ، وعملت مدرسة فى ليبيا مع زوجها مهندس البترول . تزور الإسكندرية فى إجازة الصيف . نتذكر ما كان .
                    أقول لها مداعباً :
                    ـ لا أستغرب أن تكون ليلى مراد تآمرت عليك ، حتى لا تأخذى مكانتها !

                    تعليق

                    • د. حسين علي محمد
                      كاتب مسجل
                      • Jun 2006
                      • 1123

                      #25
                      رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

                      * ليه يا بنفسج *

                      .............



                      كان أبى يحب الغناء القديم ، ويحب الأصوات التى تحرص على التطريب : أم كلثوم وعبد الوهاب وليلى مراد وهدى سلطان وشهرزاد وعباس البليدى ومحمد فوزى وغيرهم ..
                      كانت أحب الأغنيات إلى نفسه أغنية صالح عبد الحى : " ليه يا بنفسج بتبهج .. وانت زهر حزين " . يحدثنا عن دلالة الكلمات ، وجمال اللحن ، وعذوبة الأداء ، والتطريب . التطريب ـ فى رأيه ـ هو ما يميز الأغنية العربية ..
                      ظل أبى ينام على كرسى أعواماً طويلة . يجلس عليه ، ويسند ذراعيه على كرسى آخر . المرة الوحيدة التى تصور فيها أنه يمكن أن ينام على السرير لحقته أزمة الربو ، وأيقنت أمى أنه مات .
                      مثلما كانت طريقة نوم أبى غير عادية ، فقد كان نومه كذلك غير عادى . لحظات إغفاء متقطعة ، يصحو منها على ألم فى الكوعين ، أو الساعدين . يحركهما فى الهواء ، ويضع فنجان القهوة على السبرتاية وهو يدندن بأغنيات يحبها ، أذكر منها أغنية صالح عبد الحى ..
                      كان النوم يفاجئ أبى وهو فى طريقه إلى المطبخ ، أو إلى دورة المياه . يسقط من طوله . نصحو على صوت ارتطام جسده بالأرض . نفزّ من أسرّتنا ، ونجرى ناحية الطرقة . يلوح بيده وهو فى موضعه بما يعنى طمأنتنا . تمتد أيدينا ، تعينه على القيام . تكرر الأمر كالنسخ الكربونية . نصحو على صوت الارتطام . نجرى ـ يسبقنا التوقع ـ ناحية الطرقة ..
                      صرنا نفزّ من أسرّتنا لأقل صوت . نحدس أن النوم فاجأ أبى فى سيره . تعذّر ـ لظروفنا المادية السيئة ـ تنفيذ ما اقترحته أختى بأن نفرش أكلمة أسيوطى فى المسافة ما بين حجرة أبى والمطبخ ، آخر الطرقة ..
                      عرضت أختى أن تنام فى حجرة أبى . نومها خفيف ، فهى تصحو على حركة أبى بين حجرته والطرقة المفضية إلى المطبخ ودورة المياه ..
                      صحونا ـ ليلة ـ على ترنم أختى بأغنية صالح عبد الحى ، وصوت أبى يعلو بالثناء :
                      ـ لو مش عيب .. كنتى بقيتى مطربة قد الدنيا !

                      تعليق

                      • د. حسين علي محمد
                        كاتب مسجل
                        • Jun 2006
                        • 1123

                        #26
                        رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

                        * فلسطين *

                        ..........



                        مع أنى لم أكن جاوزت العاشرة ، فقد أصخت السمع لتقديم المذيع ، وحديث الشاعر على محمود طه عن أغنيته الجديدة لفلسطين . كان المساء قد حل . هدأ صخب الطريق ، فيما عدا أصوات صفارات بواخر تترامى من الميناء الغربى ..
                        تحول إنصاتى لأحاديث أبى مع أصدقائه ، ومانشيتات الصحف ، ونشرات الأخبار .. تحول ذلك كله إلى متابعة شخصية ، هم شخصى . ربما توقفت أمام دكان بقالة أو علافة فى شارع الميدان ، لأن صاحبه يتبادل حواراً فى القضية التى شغلت الجميع . لم تكن الأسماء ولا الأحداث واضحة فى ذهنى تماماً ، لكن توالى الأحداث والأخبار والمناقشات جعل الصورة فى متناول العين : ثمة حرب قاسية يخوضها أبناء فلسطين ضد اليهود الذين تركوا بلادهم للإقامة فى القدس ويافا وحيفا وغيرها من المدن التى كان أبى يذكرها فى أحاديثه ، ويروى ذكرياته عن زياراته المتعددة لها . وأشار أبى إلى الأسرة اليهودية التى غادرت الطابق الثانى فى بيتنا إلى جهة غير معلومة ، وإن أعلن ثقته أن تلك الجهة هى فلسطين . وغلب على أحاديثه الاستياء والحيرة والألم لما سماه بيع فلسطين بلا ثمن . وألفت أسماء ومسميات الانتداب وترومان والدول الكبرى والحاج أمين الحسينى وشتيرن والهاجاناه وبن جوريون وحكومة عموم فلسطين وعبد القادر الحسينى شهيد معركة القسطل ..
                        قدم المذيع مؤلف القصيدة باسمه الشخصى ، وليس بصفة الملاح التائه التى كان قد عرف بها ، ربما لأن المناسبة تفرض الجدية . تحدث الشاعر ـ بصوت أتذكر إلى الآن نبرته ـ عن ظروف كتابة القصيدة ، واعتزازه باختيار عبد الوهاب لها . أما عبد الوهاب ، فقد اكتفى ـ فيما يبدو ـ بتلحين القصيدة وغنائها ..
                        أعطيت انتباهى لصوت محمد عبد الوهاب . من فصيلة مميزة ، امتدادها الأجمل عبد الحليم حافظ . فضلاً عن مراتب أقل ممثلة فى سعد عبد الوهاب وعادل مأمون وهانى شاكر , وغيرهم ، فلست أقصد الحصر ..
                        اجتذبنى اللحن . راقص بما يتيح له مرافقة أداء حفل رقص جماعى ..
                        أبديت ملاحظتى لأبى :
                        أخى أيها العربى الأبى أرى اليوم موعدنا لا الغدا
                        قال أبى :
                        ـ هذا هو عبد الوهاب .. لا تهمه الكلمات ولا المعنى بقدر ما يهمه اللحن ..
                        وابتدرنى بالسؤال :
                        ـ أغنية مين زيك عندى يا خضرة .. من خضرة هذه ؟
                        قلت بعفوية :
                        ـ بنت يعرفها ..
                        ـ أبداً .. إنها الراية المصرية الخضراء ، يخاطبها جندى فى طريقه إلى الميدان ..
                        وعلا صوت أبى فى تأكيد :
                        ـ هذا هو عبد الوهاب .. صوت ولحن .. أما المعنى فيلغيه غناؤه لخضرة .. ولفلسطين !
                        (ينبع)

                        تعليق

                        • د. حسين علي محمد
                          كاتب مسجل
                          • Jun 2006
                          • 1123

                          #27
                          رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

                          * هناك *

                          ............



                          الشجرة الهائلة ـ لا أعرف اسمها ـ تعلو تشابكات أغصانها إلى مستوى النافذة فى بيت عمتى بالمنيرة . يترامى ـ من موضع لا أتبينه ـ صوت تواشيح دينية وابتهالات ..
                          ـ هل يوجد مسجد قريب ؟
                          قالت عمتى :
                          ـ لا .. هذا مسجل فى بيت الشيخ محمد رفعت ..
                          ـ هل هو جاركم ؟
                          ـ مسكين .. يعانى مرض " الزغطة " ، ويسلى وقته بسماع القرآن والتواشيح والابتهالات ..
                          كانت أول مرة أسافر فيها إلى القاهرة بمفردى . لزمت موضعى فى المقعد الخشبى بقطار الدرجة الثالثة ، أعانى الهواء المحمل بالسخونة من النوافذ المكسورة ، والأقدام المدلاة من الأرفف ، واختلاط النداءات والصيحات ، وزحام الركاب داخل العربة المزدحمة ، ورائحة العطن ، وأرقب الخضرة المترامية على الجانبين ، والبيوت الصغيرة المتناثرة [ لم يكن المصريون الخليجيون قد بدأوا فى التهام بلادهم بالتبوير والتجريف ! ] وأعمدة التلغراف المتراجعة ..
                          قالت لى عمتى بلهجة حنون ، وهى تلحظ نظرتى التى تبدو متأملة للشجرة :
                          ـ واضح أن هذه الغرفة أعجبتك ..
                          أردفت ، دون أن تنتظر رداً :
                          ـ خلاص .. هذه هى غرفتك !
                          أصارحك بأنى لم أكن أتأمل الشجرة ، ولا أخذت بالى من الغرفة ، ولا على ماذا تطل ، ولا ماذا تضم من أثاث . كأنها انبثقت فى حلم ضبابى غابت تفصيلاته ..
                          كانت مخيلتى هناك ، فى بحرى ، مع أبى وإخوتى . وكان الشعور بالافتقاد يمضنى .

                          تعليق

                          • د. حسين علي محمد
                            كاتب مسجل
                            • Jun 2006
                            • 1123

                            #28
                            رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

                            * البكاء *
                            .........

                            كانت عمتى تحب البكاء . تحزن فتبكى ، وتفرح فتبكى . وكان زوجها ينصحها بأن تترفق بصحتها فى زياراتها الدائمة للمآتم وأيام العزاء . فهى تبكى أكثر من أهل الميت . ربما تحول البكاء الصامت إلى نشيج . تصارحنا ـ بعد عودتها ـ أنها لم تكن تبكى الراحل الذى حضرت عزاءه ، ولم تكن تبكى راحلاً بالذات ، وإنما هى تبكى كل الراحلين . وأحياناً تبكى المناسبات الجميلة ، الفائتة ..
                            حين غنى فريد الأطرش ـ للمرة الأولى ـ أغنيته : بتبكى يا عين على الغايبين .. ودمعك ع الخدود سطرين .. بدا كأن عمتى قد وجدت ما يعينها على ممارسة عادتها الأثيرة . تسند رأسها إلى راحة يدها ، وتشرد فيما لا نتبينه ، ويتواصل بكاؤها حتى بعد أن تنتهى الأغنية . تستعيد الكلمات ، وتربط بينها وبين رحيل أعزاء : عمتى تفيدة التى قتلها السرطان فى سن باكرة .. جارة ارتفعت علاقتها بها إلى مستوى الأخوة .. أخوال وأعمام لها مضى على رحيلهم عشرات السنين .. أسماء كانت ترددها فلا أعرف أصحابها ، وإن كنت على ثقة أن عمتى أدرجتهم فى قائمة الأعزاء الذين تحرص فى كل مناسبة ـ وأحياناً بلا مناسبة ـ أن تذرف الدمع على رحيلهم..
                            ما كان يثير عجبى ، قدرة عمتى المذهلة على التحول من البكاء إلى الضحك . تعجبها النكتة التى تريد انتزاعها من إطار الحزن ، فتضحك . لا تمهيد للتحول من حال إلى حال مغاير . ربما تذكرت هى نفسها ما يدفع بالابتسامة ـ فالضحكة ـ إلى شفتيها . ثم تروى ما تذكرته ، وتوشيه بالألوان والظلال ، فتجتذب اهتمامنا ..
                            كانت عمتى سيدة مصرية .

                            تعليق

                            • د. حسين علي محمد
                              كاتب مسجل
                              • Jun 2006
                              • 1123

                              #29
                              رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

                              * الجسد *

                              ...............



                              عدت إلى بيت عمتى ذات مساء . رويت للجارة أم فاروق [ الاسم مستعار ] عن الفيلم الذى شاهدته فى سينما الأهلى . اسمه " الجسد " . بطولة هند رستم . المشاهد الصريحة والموحية ، والعبارات المكشوفة ، والهمسات ، والغمز بالعين ، والإشارة باليد ، والمعانى التى يصنعها الخيال ..
                              قالت أم فاروق التى كانت تكبرنى بأكثر من عشرة أعوام :
                              ـ تلاقى نفسك فى واحدة تمثل معاها فيلم زى اللى شفته ..
                              أردفت :
                              ـ عمك فرج ـ زوجها ـ ورديته بالليل ، وباكون متضايقة لوحدى . لو لقيت نفسك صاحى ابقى خبّط عليه ..
                              عبرت المسافة ـ على أطراف أصابعى ـ بين شقة عمتى والشقة المقابلة . نقرت الباب بطرقات هامسة . طالعتنى أم فاروق . ملامح زنجية ، وشعر أكرت ، منكوش ، وعينان تخالط الحمرة بياضهما ، وترتدى قميص نوم أسود ، مطرز بالدانتيلا ، يصل إلى فوق الركبتين ..
                              أقعدتنى على الكنبة فى واجهة الصالة ..
                              مالت على بأعلى صدرها تهم بتقبيلى ..
                              تراجعت إلى الوراء ، وأنا أضع يدى بين شفتى وشفتيها ..
                              قالت :
                              ـ مالك ؟
                              ـ أبداً .. أنا ماشى ..
                              كانت صورة الجنس أمامى ضبابية ، وغير واضحة ، ولم أكن أقمت علاقة ـ جاوزت الكلمات الدافئة ـ مع أية فتاة ..
                              مضيت ناحية الباب ، وصوتها المدندن يلاحقنى بسخرية :
                              حود من هنـا وتعال عندنا
                              ياللا انا وانت نحب بعضنا

                              تعليق

                              • د. حسين علي محمد
                                كاتب مسجل
                                • Jun 2006
                                • 1123

                                #30
                                رد: النص الكامل لكتاب «أغنيــــــــــــات / نصوص سردية قصيرة »، للروائي محمد جبريل

                                * نكتة *

                                .......



                                دخل أبى حجرتنا ذات مساء . كان فونوغراف قهوة فاروق ـ على ناصيتى إسماعيل صبرى والتتويج ـ يعيد ـ الرقم كبير لا أذكره ـ أسطوانة عبد الوهاب " كليوباترة " ، تخالطها أصوات الرواد ، ونداءات الجرسون ، وحركة الطريق ..
                                أسند أبى يده على طرف السرير . بدا أنه يريد التحدث إلينا . توقفنا ـ أخى وأنا ـ عن المذاكرة ، وتطلعنا إليه .
                                قال :
                                ـ أظن أنكم فى سن تسمح بأن أروى لكم نكتة للكبار فقط .
                                روى أبى النكتة . لا أذكرها الآن ، وإن كانت ساذجة للغاية ، وخيبت توقعنا . كنا نستمع فى المدرسة إلى نكت للكبار ، حقيقية ومثيرة !

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                إدراج: مصغرة صغير متوسط كبير الحجم الكامل إزالة  
                                أو نوع الملف مسموح به: jpg, jpeg, png, gif, webp

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة
                                يعمل...