الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أبو شامة المغربي
    السندباد
    • Feb 2006
    • 16639


    رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



    "السردية السيرية"
    نبيل سليمان
    إذا كانت (السيرة) في الغرب تتجذر في التراث اليوناني والروماني من الوصايا والرسائل والتاريخ ... فانطلاقتها تتعلق بالقرن السادس عشر، حيث تتوالي علاماتها الكبري، ومنها الاعترافات بخاصة، من اعترافات القديس أوغسطين إلي اعترافات تولستوي إلي اعترافات روسو ... وقد كانت السيرة الذاتية ــ أو الترجمة الذاتية كما يؤثر كثيرون ــ مثل المذكرات والرحلات واليوميات والاعترافات، ذلك الينبوع الثر للرواية الغربية.
    مقابل ذلك، ثمة في نقدنا الأدبي ما يشطب السيرة من تراثنا السردي، تعويلاً علي ظهور هذا الفن كتعبير عن صعود البورجوازية الأوروبية، بعد فنّ المذكرات الذي ظهر كتعبير عن النظام الإقطاعي السابق، لكأن القرون الأموية أو العباسية أو الأندلسية أو العثمانية أو.. لم تشهد حراكاً طبقياً، ولم تعرف فتنة الأنا التي جاءت (السيرة) تعبيراً عن أسطورتها الفاتنة في الحضارة الغربية، كما عبّر أحدهم.
    لكن للسيرة في التراث السردي العربي الإسلامي مدونة كبري، تبدأ بسيرة الرسول صلي الله عليه وسلم، وتتوالي ــ علي سبيل المثال ــ في سيرة معاوية وبني أمية لعوانة الكلبي (ت 147 هـ) وسيرة ابن اسحاق (ت 151 هـ) وسيرة أحمد بن طولون لابن الداية (ت 334 هـ) وسيرة صلاح الدين الأيوبي لابن شداد (ت 622 هـ) وسواها.
    وهنا ينبغي التشديد علي ذخائر السيرة الشعبية في تراثنا السردي، من سيرة سيف بن ذي يزن إلي سيرة عنترة إلي سيرة الظاهر بيبرس إلي السيرة الهلالية، وكل ذلك علي سبيل المثال.
    أما اللافت هنا فهو أن السردية السيرية احتشفظت بكلمة (السيرة) في السير الشعبية، بينما غلبت عليها كلمة (الترجمة) كلما تعلقت بعلية القوم من حكام وشعراء وكتّاب، لكأن (الترجمة) اقترنت بالأدب الرسمي و(السيرة) اقترنت بالأدب الشعبي. وعلي أية حال فكلمة (الترجمة) القادمة من الآرامية، استعملت في مطلع القرن الهجري السابع بدلالتها علي الحياة الموجزة للفرد، مقابل دلالة (السيرة) علي التاريخ المسهب للفرد. ومنذ معجم ياقوت إلي عهد غير بعيد من نقدنا الأكاديمي، تفرّدت كلمة (الترجمة)، حتي في نقد الرواية، وحسبي هنا الإشارة إلي كتاب عبد المحسن طه بدر (تطور الرواية العربية الحديثة في مصر) حيث أفرد فصلاً لـ (رواية الترجمة الذاتية). ولئن عدنا إلي الوراء قليلاً فسنجد للمستشرقين الألمانيين روزنتال وبروكلمان هذا الكتاب (دراسة الترجمة الذاتية التراثية).
    لكن كلمة (الترجمة) الذاتية وغير الذاتية تراجعت، وعادت كلمة (السيرة) الذاتية وغير الذاتية، ومع ما عرفته السردية الروائية وسردية المذكرات والرحلات والنقد الحداثي من نشاط خلال العقدين الماضيين، أخذ السؤال يلح علي السردية السيرية سواء كانت ذاتية أم غيرية، وفي التراث كما في الكتابة المعاصرة، علي الرغم من أن سردية الاعترافات المستقلة أو المتخلَّلة في الرواية وغيرها، ما تزال ضامرة وخجولة جراء الرقيب الذاتي والاجتماعي والسياسي والديني.
    بسؤال السردية السيرية ينفتح للكتابة العربية المعاصرة، وللنقد، أفق جديد. وحين يمضي هذا السؤال بخاصة إلي الرواية العربية، ينفتح لها أفق جديد أيضاً مقابل ما بدأ يتضبب من مستقبلها، علي الرغم مما أنجزت، وعلي الرغم من حداثة العهد.
    ولقد بدت بالأمس القريب أهمية الحفر الروائي في التراث السردي السيري وغير السيري ــ هل يكفي أن أذكّر برواية جمال الغيطاني (الزيني بركات)؟ ــ وهو ما بدا أيضاً في الدراما التلفزيونية وفي المسرح، لكن التكرار والاجترار وعماء التجريب في أحيان متكاثرة، كل ذلك قد عجّل بانسداد الطريق، وهو ما يتطلب ــ من بين ما يتطلب، اجتراح علاقة جديدة مع التراث السردي السيري، حيث تنادي سير الرازي وابن الهيثم والشعراني والحلاج والغزالي والمحاسني والسخاوي والسيوطي وابن الخطيب و...، وحيث ما زالت تنادي السير التي جري عليها اشتغال معاصر ما، كسيرة ابن حزم (طوق الحمامة) أو أسامة بن منقذ (الاعتبار) أو الأمير عبد الله آخر ملوك غرناطة أو ابن خلدون (التعريف بابن خلدون ورحلته شرقاً وغرباً)...
    فوق هذه الطبقات السردية جاءت منذ القرن التاسع عشر طبقات متتالية مما كتب الشدياق ومحمد كردعلي والعقاد وطه حسين وأحمد أمين ومحمود كامل المحامي وسيد عويس ومحمود المسعدي و.. ومن عهد أقرب جاءت السرديات السيرية التي كتبها عزيز السيد جاسم وفدوي طوقان وفاطمة المرنيسي وأكرم الحوراني وخالد العظم و.. حتي شاع في مصر القول إننا في (مولد السيرة)، وكل ذلك من دون الإشارة إلي ما بلغته السيرة الروائية، وإلى ما بلغته السيرة التلفزيونية (هل يكفي التمثيل ببرنامج قناة الجزيرة: شاهد علي العصر)، وقد يأخذ الامتلاء والاعتزاز من يأخذان أمام هذا التراكم، لكن سؤال السردية السيرية بتطلع إلى أفق جديد، يستثمر ما أنجز في الأمس البعيد كما في الأمس القريب، كي يواجه التحدي بتجاوز ما أنجز، وببعض ذلك سيكون للرواية والدراما التلفزيونية، وللكتابة السيرية بعامة، كما للنقد، منعطف جديد.
    المصدر


    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

    تعليق

    • أبو شامة المغربي
      السندباد
      • Feb 2006
      • 16639


      رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



      "من أجل السيرة الذاتية"
      حوار مع
      فيليب لوجون
      PHILIPPE LEJEUNE
      أجرى الحوار:
      ميشيل دولون
      عن مجلة Magazine littéraire الفرنسية - العدد: 409 - سنة 2002م
      ترجمة: المبارك العروسي
      05- 02 - 2008م

      لقراءة الحوار على الرابط التالي:
      المصدر


      د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
      aghanime@hotmail.com

      تعليق

      • أبو شامة المغربي
        السندباد
        • Feb 2006
        • 16639


        رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



        "الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث"
        يحيى إبراهيم عبد الدايم

        - الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع.
        - تاريخ النشر: 01/01/1982
        - 504 صفحة - الطبعة:1 - مجلدات: 1
        الترجمة الذاتية أحد الفنون الأدبية الأصيلة التي عرضها أدبنا العربي منذ أزمان بعيدة لكنها لم تحظ بالدرس الكافي كما أهملت كنوع أدبي متميز ومنفرد بخصوصيته عن بقية الفنون الأدبية المعروفة أما الدراسات المتوفرة فهي تتسم بأنها غير متعمقة وتنحو منحى تاريخياً ولا تقدم فهماً واضحاً لفن الترجمة الذاتية، من هنا عكف الدكتور يحي إبراهيم عبد الدايم إلى وضع هذه الدراسة المعمقة التي أراد من خلالها أن يقف على مفهوم الترجمة الذاتية وعلى الملامح البارزة في بنائها.
        فعرض في دراسته التي تتألف من أربعة أبواب إلى مدلول الترجمة الذاتية والمحاولات الأولى للترجمة الذاتية في العصر الحديث إذ خصص لها الباب الأول مؤكد أن الترجمة الذاتية الفنية ليست هي تلك التي يكتبها صاحبها على شكل مذكرات يعنى فيها بتصوير الأحداث التاريخية أكثر من عنايته بتصوير واقعه الذاتي، أما الباب الثاني فقد كرسه لمعالم الترجمة الذاتية في الأدب العمري الحديث.
        في حين تناول في الباب الثالث الترجمة الذاتية في الإطار السياسي متخذاً من كتابات لطفي السيد وعبد العزيز فهمي وهيكل نماذجاً للدراسة، كما يعرض في الباب الرابع (للترجمة الذاتية في الإطار الفكري)، ويختار لذلك نماذج من العقاد في كتاب "أنا" وأحمد أمين، وميخائيل نعيمة، وطه حسين.



        د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
        aghanime@hotmail.com

        تعليق

        • أبو شامة المغربي
          السندباد
          • Feb 2006
          • 16639


          رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



          "إبن خلدون .. سيرة ومسيرة"
          يعد (ابن خلدون) عبقرية عربية متميزة، فقد كان عالمًا موسوعيًا متعدد المعارف والعلوم، وهو رائد مجدد في كثير من العلوم والفنون، فهو المؤسس الأول لعلم الاجتماع، وإمام ومجدد في علم التأيخ، وأحد رواد فن (الأتوبيوجرافيا) ـ فن الترجمة الذاتية ـ كما أنه أحد العلماء الراسخين في علم الحديث، وأحد فقهاء المالكية المعدودين، ومجدد في مجال الدراسات التربوية، وعلم النفس التربوي والتعليمي، كما كانت له إسهامات متميزة في التجديد في أسلوب الكتابة العربية.
          نشأة (ابن خلدون) وشيوخه
          ولد ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي في تونس في غرة رمضان 732هـ، ونشأ في بيت علم ومجد عريق، فحفظ القرآن في وقت مبكر من طفولته، وقد كان أبوه هو معلمه الأول، كما درس على مشاهير علماء عصره، من علماء الأندلس الذين رحلوا إلى تونس بعدما ألم بها من الحوادث، فدرس القراءات وعلوم التفسير والحديث والفقه المالكي، والأصول والتوحيد، كما درس علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة وأدب، ودرس كذلك علوم المنطق والفلسفة والطبيعية والرياضيات، وكان في جميع تلك العلوم مثار إعجاب أساتذته وشيوخه
          وباء الطاعون يعصف بشيوخ (ابن خلدون)، وعندما حدث وباء الطاعون الذي انتشر عام 749هـ وعصف بمعظم أنحاء العالم شرقًا وغربًا، كان لهذا الحادث أثر كبير في حياة (ابن خلدون)؛ فقد قضى على أبويه كما قضى على كثير من شيوخه الذين كان يتلقى عنهم العلم في (تونس)، أما من نجا منهم فقد هاجر إلى المغرب الأقصى سنة 750هـ فلم يعد هناك أحد يتلقى عنه العلم أو يتابع معه دراسته.
          فاتجه إلى الوظائف العامة، وبدأ يسلك الطريق الذي سلكه أجداده من قبل، والتحق بوظيفة كتابية في بلاط بني مرين، ولكنها لم تكن لترضي طموحه، وعينه السلطان (أبو عنان) ـ ملك المغرب الأقصى ـ عضوًا في مجلسه العلمي بفاس، فأتيح له أن يعاود الدرس على أعلامها من العلماء والأدباء الذين نزحوا إليها من (تونس)، و(الأندلس)، و(بلاد المغرب).
          في بلاط أبي سالم
          ولكن سرعان ما انقلبت الأحوال بابن خلدون حينما بلغ السلطان (أبو عنان) أن (ابن خلدون) قد اتصل بأبي عبد الله محمد الحفصي ـ أمير (بجاية) المخلوع ـ وأنه دبر معه مؤامرة لاسترداد ملكه، فسجنه أبو عنان، وبرغم ما بذله ابن خلدون من شفاعة ورجاء فإن السلطان أعرض عنه، وظل (ابن خلدون) في سجنه نحو عامين حتى توفي السلطان سنة 759هـ.
          ولما آل السلطان إلى (أبي سالم أبي الحسن) صار (ابن خلدون) ذا حظوة ومكانة عظيمة في ديوانه، فولاه السلطان كتابة سره والترسيل عنه، وسعى (ابن خلدون) إلى تحرير الرسائل من قيود السجع التي كانت سائدة في عصره، كما نظم الكثير من الشعر في تلك المرحلة التي تفتحت فيها شاعريته.
          طموح ابن خلدون
          وظل (ابن خلدون) في تلك الوظيفة لمدة عامين حتى ولاه السلطان (أبو سالم) خطة المظالم، فأظهر فيها من العدل والكفاية ما جعل شأنه يعظم حتى نَفَسَ عليه كثير من أقرانه ومعاصريه ما بلغه من شهرة ومكانة، وسعوا بالوشاية بينه وبين السلطان حتى تغير عليه.
          فلما ثار رجال الدولة على السلطان أبي سالم وخلعوه، وولوا مكانه أخاه (تاشفين) بادر (ابن خلدون) إلى الانضمام إليه، فأقره على وظائفه وزاد له في رواتبه، ولكن طموح (ابن خلدون) كان أقوى من تلك الوظائف؛ فقرر السفر إلى (غرناطة) بالأندلس في أوائل سنة764هـ.
          الفرار من جديد
          وظل ابن خلدون في رغدة من العيش وسعة من الرزق والسلطان حتى اجتاح (أبو العباس أحمد) ـ صاحب (قسطنطينة) ـ مملكة ابن عمه الأمير (أبي عبد الله) وقتله واستولى على البلاد، فأقر (ابن خلدون) في منصب الحجابة حينا، ثم لم يلبث أن عزله منها.
          مولد (المقدمة) في (قلعة ابن سلامة)
          ترك ابن خلدون أسرته بفاس ورحل إلى الأندلس من جديد، فنزل في ضيافة سلطانها (ابن الأحمر) حينًا، ثم عاد إلى (المغرب) مرة أخرى، وقد عقد العزم على أن يترك شؤون السياسة، ويتفرغ للقراءة والتصنيف.
          واتجه (ابن خلدون) بأسرته إلى أصدقائه من (بني عريف)، فأنزلوه بأحد قصورهم في (قلعة ابن سلامة) ـ بمقاطعة ـ(وهران) بالجزائر ـ وقضى (ابن خلدون) مع أهله في ذلك المكان القصي النائي نحو أربعة أعوام، نعم خلالها بالهدوء والاستقرار، وتمكن من تصنيف كتابه المعروف (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)، والذي صدره بمقدمته الشهيرة التي تناولت شؤون الاجتماع الإنساني وقوانينه، وقد فرغ (ابن خلدون) من تأليفه وهو في نحو الخامسة والأربعين بعد أن نضجت خبراته، واتسعت معارفه ومشاهداته.
          ابن خلدون في مصر
          وصل (ابن خلدون) إلى الإسكندرية في غرة شوال 784هـ فأقام بها شهرًا ليستعد لرحلة السفر إلى (مكة)، ثم قصد ـ بعد ذلك ـ إلى (القاهرة)، فأخذته تلك المدينة الساحرة بكل ما فيها من مظاهر الحضارة والعمران، وقد وصف (ابن خلدون) وقعها في نفسه وصفا رائعًا، فقال: (فرأيت حاضرة الدنيا، وبستان العالم، ومحشر الأمم، وكرسي الملك، تلوح القصور والأواوين في جوه، وتزهر الخوانك والمدارس بآفاقه، وتضيء البدور والكواكب من علمائه، وقد مثل بشاطئ بحر النيل نهر الجنة، ومدفع مياه السماء، يسقيهم النهل والعلل سيحه، ومررت في سكك المدينة تغص بزحام المارة، وأسواقها تزجر بالنعم)..
          العودة إلى القضاء
          وعندما عاد (ابن خلدون) إلى (مصر) سعى لاسترداد منصب قاضي القضاة، حتى نجح في مسعاه، ثم عزل منه بعد عام في رجب 804هـ، ولكنه عاد ليتولاه مرة أخرى في ذي الحجة 804هـ انتهت بوفاته في 26 من رمضان 808هـ عن عمر بلغ ستة وسبعين عامًا.
          ابن خلدون .. مؤسس علم الاجتماع
          يعد ابن خلدون المنشئ الأول لعلم الاجتماع، وتشهد مقدمته الشهيرة بريادته لهذا العلم، فقد عالج فيها ما يطلق عليه الآن (المظاهر الاجتماعية)ـ أو ما أطلق عليه هو (واقعات العمران البشري)، أو (أحوال الاجتماعي الإنساني).
          وقد اعتمد ابن خلدون في بحوثه على ملاحظة ظواهر الاجتماع في الشعوب التي أتيح له الاحتكاك بها، والحياة بين أهلها، وتعقب تلك الظواهر في تاريخ هذه الشعوب نفسها في العصور السابقة.
          وقد كان (ابن خلدون) ـ في بحوث مقدمته ـ سابقًا لعصره، وتأثر به عدد كبير من علماء الاجتماع الذين جاءوا من بعده مثل: الإيطالي (فيكو)، والألماني (ليسنغ)، والفرنسي (فولتير)، كما تأثر به العلامة الفرنسي الشهير (جان جاك روسو) والعلامة الإنكليزي (مالتس) والعلامة الفرنسي (أوغيست كانط).
          ابن خلدون وعلم التأريخ
          تبدو أصالة ابن خلدون وتجديده في علم التأريخ واضحة في كتابه الضخم (العبر وديوان المبتدأ والخبر) وتتجلى فيه منهجيته العلمية وعقليته الناقدة والواعية، حيث إنه يستقرئ الأحداث التأريخية، بطريقة عقلية علمية، فيحققها ويستبعد منها ما يتبين له اختلاقه أو تهافته.
          أما التجديد الذي نهجه (ابن خلدون) فكان في تنظيم مؤلفه وفق منهج جديد يختلف كثيرًا عن الكتابات التأريخية التي سبقته، فهو لم ينسج على منوالها مرتبًا الأحداث والوقائع وفق السنين على تباعد الأقطار والبلدان، وإنما اتخذ نظامًا جديدًا أكثر دقة، فقد قسم مصنفه إلى عدة كتب، وجعل كل كتاب في عدة فصول متصلة، وتناول تاريخ كل دولة على حدة بشكل متكامل، وهو يتميز عن بعض المؤرخين الذين سبقوه إلى هذا المنهج كالواقدي، والبلاذري، وابن عبد الحكم، والمسعودي بالوضوح والدقة في الترتيب والتبويب، والبراعة في التنسيق والتنظيم والربط بين الأحداث. ولكن يؤخذ عليه أنه نقل روايات ضعيفة ليس لها سند موثوق به.
          ابن خلدون رائد فن الترجمة الذاتية
          كذلك فإن ابن خلدون يعد رائدًا لفن الترجمة الذاتية ـ الأوتوبيوغرافيا ـ ويعد كتابه (التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا) ـ من المصادر الأولى لهذا الفن، وبرغم أنه قد سبقته عدة محاولات لفن الترجمة الذاتية مثل (ابن حجر العسقلاني) في كتابه (رفع الإصر عن قضاة مصر) ولسان الدين بن الخطيب في كتابه (الإحاطة في أخبار غرناطة)، وياقوت في كتابه (معجم الأدباء). فإنه تميز بأنه أول من كتب عن نفسه ترجمة مستفيضة فيها كثير من تفاصيل حياته وطفولته وشبابه إلى ما قبيل وفاته.
          ابن خلدون شاعرًا
          نظم ابن خلدون الشعر في صباه وشبابه وظل ينظمه حتى جاوز الخمسين من عمره، فتفرغ للعلم والتصنيف، ولم ينظم الشعر بعد ذلك إلا نادراً.
          ويتفاوت شعر ابن خلدون في الجودة، فمنه ما يتميز بالعذوبة والجودة ودقة الألفاظ وسمو المعاني، مما يضعه في مصاف كبار الشعراء، وهو القليل من شعره، ومنه ما يعد من قبيل النظم المجرد من روح الشعر، ومنه ما يعد وسطًا بين كلا المذهبين، وهو الغالب على شعره.
          وبعد، فلقد كان ابن خلدون مثالا للعالم المجتهد والباحث المتقن، والرائد المجدد في العديد من العلوم والفنون، وترك بصمات واضحة لا على حضارة وتاريخ الإسلام فحسب، وإنما على الحضارة الإنسانية عامة، وما تزال مصنفاته وأفكاره نبراسًا للباحثين والدارسين على مدى الأيام والعصور.

          المصدر



          د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
          aghanime@hotmail.com

          تعليق

          • أبو شامة المغربي
            السندباد
            • Feb 2006
            • 16639


            رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



            "حياتي"
            الدكتور
            أحمد أمين

            - الناشر: المكتبة العصرية للطباعة والنشر.
            - تاريخ النشر: 05/10/2007
            - 208 صفحة - الطبعة:1 - مجلدات: 1
            "حياتي" للدكتور أحمد أمين كتاب شيق يسرد حياة الدكتور أحمد أمين، يحكي قصة طفولة وصبا ورجولة وشيخوخة الكاتب من مدرسة "أم عباس" الابتدائية النموذجية التي أسستها إحدى أميرات القصر الملكي "أم الخديوي عباس"، إلى الأزهر ومدرسة القضاء وتنقله في مناصب القضاء والتدريس، وصولاً إلى الجامعة أستاذاً وعميداً في كلية الآداب. ويعرض الكتاب من خلال حياة المؤلف الفنية لتطور الحياة الاجتماعية والثقافية، وإلى حد ما السياسية، في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى أواسط القرن العشرين، والتجارب التي مر بها في مراحل حياته الفنية وأسفاره داخل مصر وخارجها، ومساهماته في العديد من المؤتمرات في أوروبا، وإطلاعه على حياة الكثير من شعوبها ومقارنة ما فيها من مدنية وعمران ورقي بما في مصر من أوضاع، ويتحدث أيضاً عن نشاطه الواسع.

            - الناشر: دار الكتاب العربي.
            - تاريخ النشر: 01/01/2005

            - 303 صفحة - الطبعة:1 - مجلدات: 1
            ليس أصعب من الكتابة حين يضطر المرء للكتابة عن نفسه، وفي هذا الكتاب العارض فيه والمعروض هو أحمد أمين الذي دون مذكراته اليومية في هذه الصفحات، التي شكل مجموعها خير مرجع لمن يدرس أحمد أمين كرائد من رواد الإصلاح والحركة الفكرية العربية الحديثة، ومنه يستشف الباحث أثر العوامل والظروف التي اجتمعت لتكون شخصية كاتب السيرة والتي شكلت سلوكه وأخلاقه.
            بالإضافة إلى ذلك يعتبر الكتاب مرجعاً تاريخياً يؤرخ للنهضة المصرية الحديثة التي بدأت بوادرها في أواخر القرن التاسع عشر إذ يقف القارئ على دور الحركات الاجتماعية والسياسية التي واكبت مسيرة النهضة المصرية وعاصرها المؤلف.


            د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
            aghanime@hotmail.com

            تعليق

            • أبو شامة المغربي
              السندباد
              • Feb 2006
              • 16639


              رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



              "صفحات من حياتي"
              الدكتور
              علي شمس الجعبري

              - الناشر: المؤسسة العربية الدولية للنشر.
              - تاريخ النشر: 01/01/2006
              - الطبعة:1 - مجلدات: 1


              د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
              aghanime@hotmail.com

              تعليق

              • أبو شامة المغربي
                السندباد
                • Feb 2006
                • 16639


                رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                "الترجمة في أدبيات الإمام حسن البنا"
                الدكتور

                جابر قميحة
                يقصد بالترجمة –في إيجاز شديد- عرض حياة الشخصية. مع ملاحظة تنوع مناهج هذا العرض، وهي نوعان:
                (1) الترجمة الذاتية أو الشخصية
                AUTOBIOGRAPHY
                وهي التي تتناول حياة الكاتب نفسه بقلمه، ويكشف بها عن ملامحه، وسيرورة هذه الحياة.
                ويذهب بعض النقاد المحدثين إلى أن الترجمة الذاتية الفنية ليست هي التي يكتبها صاحبها على شكل "مذكرات" يعنى فيها بتصوير الأحداث التاريخية أكثر من عنايته بتصوير واقعه الذاتي، وليست هي التي تكتب على صورة "ذكريات" يعنى فيها صاحبها بتصوير البيئة والمجتمع والمشاهدات أكثر من عنايته بتصوير ذاته، وليست هي المكتوبة على شكل "يوميات" تبدو فيها الأحداث على نحو غير رتيب، وليست في آخر الأمر "اعترافات" يخرج فيها صاحبها على نهج الاعتراف الصحيح، وليست هي "الرواية الفنية" التي تعتمد في أحداثها ومواقفها على الحياة الخاصة لكاتبها.
                فكل هذه الأشكال فيها ملامح الترجمة الذاتية، وليست هي؛ لأنها تفتقر إلى كثير من الأسس التي تعتمد عليها الترجمة الذاتية الفنية(1).
                ***
                ولكن هذا الرأي – أو هذا التنظير - لا يخلو من التشدد، بل من الإجحاف والاعتساف:
                - فمن حق كاتب الترجمة الذاتية أن يتخذ لها الشكل أو القالب الذى يراه ملائما، فيكتب ترجمته في شكل حكائي، أو في شكل مذكرات أو اعترافات.
                - والناقد نفسه (الدكتور يحي إبراهيم) قد اعتبر "اعترافات القديس أوغسطين" أشهر التراجم الذاتية في العصور الوسطى، وهى تمثل في رأيه قمة الاعترافات، وقد حذا حذوها من كتب بعده..(2)
                - واهتمام كاتب الترجمة الذاتية بالأحداث العامة، وتيارات البيئة لا يضعف من بناء الترجمة الذاتية .. فهذا الاهتمام يمثل بصدق مدى إحساس الكاتب بالجو الذي يعيش فيه، واستجابته له، أو تمرده عليه، أي يمثل موقفه من عصره بيئة وزمنا.
                ومن يستطيع أن ينكر تلك الترجمة الذاتية التي سجلها أسامة بن منقذ في كتابه "الاعتبار" وهي مذكرات بديعة تصور لنا الفروسية العربية زمن الصليبيين، كما تصور حياة المسلمين لعصره،وحياة الصليبيين، وهو تصوير أمين دقيق(3).
                ويتحدث أسامة عن أعدائه وأعداء المسلمين بروح الإنصاف والعدل، فيذكر ما لهم وما عليهم..(4)
                - و"اعترفات جان جاك روسو" تعتبر من أشهر التراجم الذاتية، مع أن حظ البيئة والمجتمع ورجال الدين والكنيسة حظ وافر في كل صفحات هذه الاعترافات.
                - وفكرة "الواقع الذاتي" التي ألمح إليها الكاتب بهذا التحديد الإنعزالي الحاد لا وجود لها إلا في الخيال: فالكاتب لا يمكن أن يصور ملامحه الذاتية، وخصائصه النفسية والعقلية والخلقية وقيمه التي يؤمن بها إلا في ظل البيئة التي يمثل هو نقطة سابحة في سمائها، أو نبتة ناجمة في أرضها، وخصوصا إذا كانت أحداث عصره من الوقائع المتوهجة الكبيرة التي غيرت مجرى التاريخ أو تركت بصماتها غائرة على صفحته.
                - وليس المهم في الترجمة الذاتية أي الجانبين أغلب: تصوير الذات أم تصوير الأحداث والتيارات الاجتماعية وما شابهها، بل المهم أن يحدد الكاتب مكانه في زحمة هذه الأحداث، وتلك التيارات، ومدى تفاعله معها إقبالا واستجابة وانسجاما، أو معارضة وتمردا،بحيث تكون شخصيته هي نقطة الارتكاز، ثم لا يقاس حظ كاتب الترجمة وحظ البيئة قياسا كميا. بل ليُبحث في الترجمة عن الأبعاد والأعماق، ومدى إحساس الكاتب وصدقه فيما كتب.
                ***
                (2) الترجمة الغيرية
                BIOGRAPHY
                وإذا كانت الترجمة الذاتية تمثل تاريخ كاتبها، فإن الترجمة الغيرية تصوير لتاريخ الآخرين، وقد عرفها بعض الكتاب - في صورتها المثلى بأنها "البحث عن الحقيقة في حياة إنسان فذ،والكشف عن مواهبه، وأسرار عبقريته من ظروف حياته التي عاشها، والأحداث التي واجهها في محيطه، والأثر الذى خلفه في جيله"(5)
                والتعريف السابق قد يمثل المناهج الحديثة في كتابة التراجم الغيرية، أو بعضها على الأقل، ولكنه لا يتسع للمنهج التقليدى القديم في كتابة الترجمة الغيرية، وأعني به "المنهج السردي"، وهو ذلك المنهج الذي يعتمد على مجرد رصد الحقائق والأخبار عن المترجم له، دون البحث في الدلالات النفسية والعقلية، والخلقية، والاجتماعية لها.
                فالمترجم هنا بمقام الجامع الراصد دون تدخل منه في الغالب(6).
                والذى يهمنا في دراستنا هذه النوع الأول من التراجم أى: الترجمة الذاتية لأن كتاب الإمام الشهيد "مذكرات الدعوة والداعية" ينتسب في رأينا إلى هذا النوع بالمقاييس التي ذكرناها آنفا.
                وفي الصفحات الآتية نعرض في إيجاز طبيعة التوجه الموضوعي وملامح المنهج في هذا الكتاب:
                مذكرات الدعوة والداعية
                كتب أبو الحسن الندوي في تقديمه لهذا الكتاب ".. ألفيته كتابا أساسيا، ومفتاحا رئيسيا لفهم دعوة الإمام الشهيد وشخصيه، وفيه يجد القارئ منابع قوته، ومصادر عظمته، وأسباب نجاحه واستحوازه على النفوس: وهي سلامة الفطرة، وصفاء النفس، وإشراق الروح، والغيرة على الدين، والتحرك للإسلام، والتوجع من استشراء الفساد، والاتصال الوثيق بالله تعالى، والحرص على العبادة، وشحن "بطارية القلب" بالذكر والدعاء والاستغفار، والخلوة في الأسحار، والاتصال المباشر بالشعب، وعامة الناس في مواضع اجتماعهم، ومراكز شغلهم وهوايتهم، والتدرج، ومراعاة الحكمة في الدعوة والتربية والنشاط الدائم، والعمل الدائب. وهذه الخلال كلها هي أركان دعوة إسلامية ربانية، وحركة دينية تهدف إلى أن تحدث في المجتمع ثورة إصلاحية بناءة، وتغير مجرى الحوادث والتاريخ.."(7)
                وفي هذا الجزء من التقديم صورة نفسية مركزة للإمام الشهيد، والصلة الوثيقة بين شخصية الداعي وطبيعة الدعوة الإسلامية.
                ومن عجب أن نرى الإمام الشهيد في صدر تقديمه يوصي الذين يعرضون للعمل العام، ويرون أنفسهم عرضة للاحتكاك بالحكومات ألا يحرصوا على الكتابة.
                وهو يطرح هذا التوجيه بعد أن عثرت النيابة على مذكراته الخاصة سنة 1943، وقد لقى من المحقق عنتا وإرهاقا في غير جدوى ولا طائل ولا موجب إلا تحميل الألفاظ غير ما تحمل، واستنباط النتائج التي لا تؤدي إليها المقدمات بحجة أن هذه هي مهمة النيابة العمومية باعتبارها سلطة اتهام(ثمانية).
                وقد ضاعت معظم هذه المذكرات المكتوبة. فأعاد كتابة مذكراته التي بين أيدينا اعتمادا على الذاكرة، وقد رأينا أنه كان يتمتع بقوة في الحفظ نادرة الشبيه.
                ***
                وفي هذه الترجمة الذاتية تتعدد المحاور والتلاحم بين العناصر الموضوعية الآتية:
                1- التصوير الذاتي، وعرض مشاعره ورؤيته الخاصة للوقائع والأحداث والشخصيات.
                2- مسيرة الدعوة من بدايتها في الإسماعيلية والانتقال إلى القاهرة، ونشرها في عدد كبير من المدن والقرى المصرية، وجهود رجالها، وما تعرضوا له من مؤامرات ومحن.
                3- موقف الإخوان من الأحداث، ومن قضية فلسطين وقضايا العالم الإسلامي.
                4- عرض نظام الجماعة، ومجالسها، ولوائحها، ووجوه نشاطها الدعوي، والثقافي، والتربوي.
                ***
                وفي كل المواقف والأحداث والوقائع يرى القارئ للإمام الشهيد حضورا قويا، ومعايشة صادقة، يستوي في ذلك ما كبر منها وما صغر.
                وفي ما يزيد على ثلاثمائة صفحة يعرض الإمام الشهيد الأحداث بطريقة عفوية مرسلة، ابتداء من التحاقه بمدرسة الرشاد الدينية، وقد استغرقت هذه الفترة من عمره من الثامنة إلى الثانية عشرة، وبعدها التحاقه بالمدرسة الإعدادية، ثم مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور، واندماجه في الطريقة الحصافية، واشتراكه في الحركة الوطنية سنة 1919.
                ثم التحاقه بدار العلوم، وتخرجه فيها سنة 1927، وتعيينه مدرسا في الإسماعيلية. وتكوينه أول شعبة للإخوان من ستة أشخاص.
                وبعدها اتسعت جهود الإمام الشهيد، وبارك الله قدرته في نشر الدعوة في الإسماعيلية، وخارجها مثل : أبو صير، وبورسعيد، ومدن البحر الصغير.
                وبعد مجهودات صادقة في نشر الدعوة انتقل الإمام إلى القاهرة لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل الدعوة قبل الحرب العالمية الثانية.
                ***
                وفي تفصيل مطرد يعرض الإمام أنواع نشاط الإخوان في هذه الفترة التي استغرقت سبع سنين، وانتظم الأنواع الآتية:
                1- المحاضرات والدروس في الدور والمساجد، وتأسيس درس الثلاثاء
                2- إصدار رسالة المرشد العام عددين فقط، ثم مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية أولا وثانيا، وفي أثناء ذلك مجلة النذير لسنتين من أول عهدها.
                3- إصدار عدد من الرسائل والنشرات.
                4- إنشاء الشعب في القاهرة، زيادة شعب الأقاليم، ونشر الشعب في الخارج.
                5- تنظيم التشكيلات الكشفية والرياضية.
                6- تركيز الدعوة في الجامعة والمدارس، وإنشاء قسم الطلاب، والانتفاع بجهود الأزهر الشريف: علمائه وطلابه.
                7- إقامة عدة مؤتمرات دورية للإخوان في القاهرة والأقاليم.
                8- المساهمة في إحياء الاحتفالات الإسلامية، والذكريات المجيدة في القاهرة والأقاليم كذلك.
                9- المساهمة في مناصرة القضايا الإسلامية الوطنية، وبخاصة قضية فلسطين.
                10- تناول الناحية الإصلاحية السياسية والاجتماعية بالبيان والإيضاح والتوجيه، وكتابة المذكرات والمقالات والرسائل بهذا الخصوص.
                11- المساهمة في الحركات الإسلامية، كحركة مقاومة التبشير، وحركة تشجيع التعليم الديني.
                12- مهاجمة الحكومات المقصرة إسلاميا، ومهاجمة الحزبية والدعوة –في وضوح- إلى المنهاج الإسلامي، وتأليف اللجان لدراسات فنية في هذه النواحي(9).
                * * *
                وقد أخذ الإخوان أنفسهم عمليا بهذا التخطيط، وخصوصا ما عرضه الإمام من جهود الإخوان في منطقتي المنزلة وبورسعيد في مقاومة التبشير(10).
                وعرض الإمام نص العريضة التي رفعها مجلس الشورى العام للإخوان إلى الملك فؤاد لحماية الشعب من عدوان المبشرين الصارخ على عقائده وأبنائه، وفلذات كبده، بتكفيرهم وتشريدهم، وإخفائهم، وتزويجهم من غير أبناء دينهم...(11).
                ويعرض الإمام النظام الإداري للجماعة، ونشاط الإخوان في الجامعة والمدارس العليا. ونماذج من مؤتمرات الإخوان في الأقاليم، ونموذجا من اجتماعات الجمعية العمومية للإخوان في الأقاليم. وقرارات مكتب الإرشاد ونظامه، وموقف الإخوان من الآخرين.
                وعرض الإمام لجهود الإخوان لنشر الدعوة في الأقطار الشقيقة، وزيارة مجموعة من الإخوان إلى دمشق وبيروت.
                ولأول مرة نقرأ في المذكرات تاريخا يوميا (يوميات) لزيارة الإمام للصعيد سنة 1354(12).
                وصور الإمام موقف الإخوان من قضية فلسطين، وكثيرا من لوائح وتنظيمات الإخوان المالية والإدارية. ومظاهر النشاط الأسبوعي والرحلات، ومعسكرات الصيف.
                وعرض نص المذكرة الطويلة التي رفعها إلى رئيس الحكومة على ماهر باشا في شعبان 1358- أكتوبر 1939 (أي بعد قيام الحرب العالمية الثانية بأيام) شارحا رأى الإخوان في موقف مصر الدولي، ورأيهم في الإصلاح الداخلي(13).
                ***
                وقد رأينا أن الإمام الشهيد –وهو مرشد جماعة، وحامل رسالة- يعطي اهتماما كبيرا للوقائع والأمور العامة، ومسيرة الجماعة ونظامها، ومواقفها من الحكام والقضايا. وهو خط يمثل محورا أو جزءا من المنهج.
                ولكن هذا الاهتمام لم يكن على حساب عرض الوقائع الخاصة، والرؤى الذاتية. ومن هذه الوقائع واقعة الرؤيا الصالحة التي رآها ليلة امتحان النحو والصرف(14).
                وحادثة زميله في الدراسة والسكن، وقد كان يحقد عليه تفوقه في الدراسة، مما دفعه إلى أن يصب على وجهه وعنقه وهو نائم زجاجة من صبغة اليود المركزة، ولكن الله مكنه من التغلب على الأخطار بغسل الوجه(15).
                ويتحدث عن صداقته لأحمد السكري، وفتحه دكانا لتصليح الساعات في مدينة المحمودية في العطلة الصيفية، والهدف الأساسي من ذلك هو قضاء العطلة مع صديقه الحميم أحمد السكري. وأثناء ذلك كان –كما قال- يجد سعادتين في هذه الحياة: سعادة الاعتماد على النفس، والكسب من عمل اليد، وسعادة الاجتماع بالأخ أحمد أفندي (السكري)، وقضاء الوقت معه، ومع (الطريقة) الحصافية، وقضاء ليالي هذه الإجازة معهم يذكرون الله، ويتذاكرون العلم في المسجد تارة، وفي المنازل تارة، وفي الخلوات بظاهر البلد تارة أخرى(16).
                ويقدم صورة طريفة للمنزل الذى استأجر دوره العلوي وبعض زملائه في الإسماعيلية، واستؤجر دوره الأوسط مجتمعا لمجموعة من المسيحيين، اتخذوا منه ناديا وكنيسة، ودوره الأسفل مجتمعا لمجموعة من اليهود، اتخذوا منه ناديا وكنيسة، وكان مع زملائه يقيمون الصلاة، ويتخذون هذا المسكن مصلى، فكأنما كان هذا المنزل يمثل الأديان الثلاثة(17).
                وفي تضاعيف المذكرات نلتقي كثيرا من آراء الإمام الشهيد ونظراته الخاصة البناءة في شتى الأوضاع والمجالات، مثال ذلك ما كتبه عن آليات نهضة الأمة ومرتكزاتها، وأهمها "التربية"، فتربّى الأمة أولا، وتفهم حقوقها تماما، وتتعلم الوسائل التى تنال بها هذه الحقوق، وتربى على الإيمان بها، ويبث في نفسها هذا الإيمان بقوة.. أي تدرس منهاج تهضتها درسا نظريا وعمليا وروحيا(ثمانية عشر).
                كما يرى أنه لا نهوض لأمة بغير خلق، فإذا استطاعت الأمة أن تتشبع بروح الجهاد والتضحية، وكبح جماح النفوس والشهوات أمكنها أن تنجح، بمعنى أن الأمة إذا استطاعت أن تتحرر من قيود المطالب النفسية، والكمالات الحيوية أمكنها أن تتحرر من كل شيء، فليكن حجر الزاوية إصلاح خلق الأمة(19).
                وهو إذا عرض الذاتي الخاص فلينطلق منه إلى العام لاستخلاص ما ينفع ويفيد في مجال الدعوة والمجتمع، مع إخضاع الرؤية الخاصة للتجريب العملي، ومن أشهر الوقائع في هذا المقام ما عرضه على إخوانه من الدعوة في المقاهي، وعارضه إخوانه بمقولة: إن أصحاب القهاوي لا يسمحون بذلك، ويعارضون فيه، لأنه يعطل أشغالهم، وإن جمهور الجالسين على هذه المقاهي قوم منصرفون إلى ما هم فيه. وليس أثقل عليهم من الوعظ، فكيف نتحدث في الدين والأخلاق لقوم لا يفكرون إلا في هذا اللهو الذي انصرفوا إليه؟
                يقول الإمام: وكنت أخالفهم في هذه النظرة، وأعتقد أن هذا الجمهور أكثر استعدادا لسماع العظات من أي جمهور أخر حتى جمهور المسجد نفسه، لأن هذا شيء طريف وجديد عليه، والعبرة بحسن اختيار الموضوع، فلا نتعرض لما يجرح شعورهم، وبطريقة العرض فنعرض بأسلوب شائق جذاب، وبالوقت فلا نطيل عليهم القول.
                ولما طال بنا الجدل حول هذا الموضوع قلت لهم: ولم لا تكون التجربة هي الحد الفاصل في الأمر؟ فقبلوا ذلك، وخرجنا، فبدأنا بالقهاوي الواقعة بميدان صلاح الدين، وأولها السيدة عائشة، ومنها إلى القهاوي المنتشرة في أحياء طولون إلى أن وصلنا من طريق الجبل إلى شارع سلامة والسيدة زينب، وأظنني ألقيت في هذه الليلة أكثر من عشرين خطبة تستغرق الواحدة منها ما بين خمس دقائق إلى عشر.
                ولقد كان شعور السامعين عجيبا، وكانوا ينصتون في إصغاء، ويستمعون في شوق، وكان أصحاب المقاهي ينظرون بغرابة أول القول، ثم يطلبون المزيد بعد ذلك، وكان هؤلاء يقْسمون –بعد الخطبة- أننا لابد أن نشرب شيئا، أو نطلب طلبات، فكنا نعتذر لهم بضيق الوقت، وبأننا نذرنا هذا الوقت لله، فلا نريد أن نضيعه في شيء. وكان هذا المعنى يؤثر في أنفسهم كثيرا، ولا عجب فإن الله لم يرسل نبيا، ولا رسولا إلا كان شعاره الأول ﴿ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾ لما لهذه الناحية العفيفة من أثر جميل في نفوس المدعوين(20).
                ***
                ونقرأ في المذكرات ما ينم على قدرة فائقة على تعمق الشخصيات وفهم أبعادها ومناحيها، وأثرها في نفسه وتوجهه، ومن ذلك ما كتبه عن أحمد الشرقاوي الهوريني الذى لم يره إلا مرة واحدة. وعن الشيخ صاوي دراز، رحمهما الله(21)
                ***
                وأسلوب الإمام هو الأسلوب العفوي المرسل المباشر، فتقديم الفكرة هو شاغله الأول، ولكن المذكرات لا تخلو من قطع تتسم بالتوهج العاطفي والجمال الفني، ونكتفي هنا بسطور مما كتبه الإمام الشهيد عن إخوان البلاح.
                "... لقد أدركوا قيمة أنفسهم، وعرفوا سمو وظيفتهم في الحياة، وقدروا فضل إنسانيتهم، فنزع من قلوبهم الخوف والذل والضعف والوهن، واعتزوا بالإيمان بالله. فلم تأسرهم المطامع التافهة، ولم تقيدهم الشهوات الحقيرة وصار أحدهم يقف أمام رئيسه عالي الرأس في أدب، شامخ الأنف في وقار.."(22)
                ***
                وأخيرا نشير إلى أن الاستطراد (23) يكثر في المذكرات، وقد يرجع ذلك إلى أن الإمام البنا اعتمد – بصفة أساسية - على ما ذكرته في استعادة الأحداث والوقائع وتسجيلها. ومن ذلك عودته إلى حديثه عن الدعوة في البحر الصغير ص144، بعد أن تحدث عنها حديثا وافيا ص132.
                ***
                والخلاصة أن هذه المذكرات يصدق عليها وصف "الترجمة الذاتية". وقد رأينا أنها تمثل معرضا لكثير من جوانب حياة الإمام الشهيد، ومبادئ الدعوة. وملامحها ومسيرتها، وجهود دعاة الإخوان، مما يجعل منها مصدرا أساسيا للدعوة والداعية.
                المصدر


                د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                aghanime@hotmail.com

                تعليق

                • أبو شامة المغربي
                  السندباد
                  • Feb 2006
                  • 16639


                  رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة


                  بحثا عن مواضعات السيرة الذاتية

                  تقديم:
                  لم تحظ السيرة الذاتية بالاهتمام نفسه الذي أولاه الباحثون والنقاد العرب في مجال التخييل للرواية، فبعد انشغال جيل من النقاد (على نحو شوقي ضيف، وإبراهيم عبد الدائم، ومحمد عبد الغني حسن، وعبد العزيز شرف) بالتدليل على وجود الشكل السير - ذاتي في التراث العربي، والتمثيل والتعريف بعينات منه، ورصد نشأته وتطوره عبر التاريخ، أكَبَّ الجيل الموالي على معالجة مكوناته ومستوياته النصية ومواضعاته الجنسية (générique) بطرائق ومفاهيم ومنطلقات ورؤيات جديدة. وينتسب عبد القادر الشاوي إلى هذا الجيل، وما يسترعي الانتباه أنه لا ينظر فقط للسيرة الذاتية ، بل يحين بعض قواعد لعبها في ممارسته التخييلية (كان وأخواتها(1986)، ثم دليل العنفوان(1989)، باب تازة (1994) الساحة الشرفية (1999).
                  وبعد أن خصص دراسة منوغرافية للزاوية (الذات والسيرة 1996)، أصدر مؤخرا مؤلفا يستوعب ثمانية نصوص سير - ذاتية متفاوتة في زمنيتها، وإن كانت متباينة في مرجعياتها، فإن المعايير الأدبية والجنسية المعتمد عليها أعادت الاعتبار إلى " أدبيتها"، وكشفت عما تتضمنه من قو اسم مشتركة، ويتكون الكتاب (الكتابة والوجود) (1)- بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة-من قسمين رئيسيين : وسم عبد القادر الشاوي القسم الأول بعنوان: السيرة الذاتية، الفقيه أو شخصية الاسم العلم، وتعرض فيه إلى أربعة نصوص أنتجت بين 1860 و1942 لكل من أبي الربيع سليمان الحوات ( ثمرة أنسي في التعريف بنفسي)،والتهامي الوزاني(الزاوية)، ومحمد المختار السوسي(الإلغيات)، ومحمد الجزولي (ذكريات من ربيع الحياة) ؛ ثم عنون القسم الثاني بالسيرة الذاتية، المثقف العصري وشخصية الأنا ، وعالج فيه نصوصا لكتاب محدثين، صدرت ما بين 1957 و1993 : في الطفولة لعبد المجيد بنجلون ، وسبعة أبواب لعبد الكريم غلاب ، وزمن الأخطاء لمحمد شكري ، ورجوع إلى الطفولة لليلي أبو زيد.
                  سنتعامل مع المؤلف في تزامنيته للتعريف بمحتوياته ، ثم نبدي بعض الملاحظات عليه .

                  1-حدُّ السيرة الذاتية :
                  يرتد ميخائيل باختين بالشكل السير-ذاتي إلى العصور القديمة، وهو لم يكن مدرجا كعمل أدبي مكتوب ، وإنما كان فعلا شفهيا مدنيا وسياسيا لتمجيد إنسان واقعي، وإعطائه الاعتبار العمومي المستحق. ولم ينظر إليه بوصفه وثيقة شخصية حميمية مرتبطة بتاريخ الفرد وسوابقه، وإنما كان يعد وثيقة للوعي العائلي والسلالي وبوتقة لنقل التقاليد العائلية والأبوية من جيل إلى آخر؛ وبذلك ظل محافظا على طابعه السير ذاتي العمومي والتاريخي والوطني. ويفهم من هذا الكلام ، أن السيرة الذاتية باعتبرها جنسا مرتبطا بالوعي الفردي ووجوده ، لم يكتب لها الوجود في العصور القديمة. وهذا ما يعترض عليه البعض ، بدعوى حفول التراث الإنساني بطبقة من النصوص يمكن- بحكم مستوياتها الداخلية وهويتها النصية- أن تدرج وتجنس في إطار السيرة الذاتية.
                  وإلى جانب اختلاف النقاد في تحديد الحقبة التاريخية التي نشأت فيها السيرة الذاتية، فهم يتباينون فيما بينهم حول إبراز الشروط التي تحكمت في كينونتها. يؤطر باختين بروز الوعي السير ذاتي (أو السيري) داخل الساحة العمومية( الأكوار) التي جعلت صورة الإنسان مكشوفة إلى درجة لم يكن هناك فرق جذري بين الموقف من الحياة (السيرة) والحياة الشخصية( السيرة الذاتية). ويعزو جورج ماي ظهور السيرة الذاتية إلى نضج الشروط الثقافية والتاريخية ( الفردانية الأوروبية ، والثقافة المسيحية) التي حدثت في القرن الثامن عشر. ويشترط جورج كوسدوروف توفر شروط الوعي بالذات، وتحقق ثورة فكرية تحفز الإنسان أن يستعظم شخصيته. ويتناول فليب لوجون الجنس السير ذاتي بوصفه مؤسسة اجتماعية مقرونة بصعود الطبقة البورجوزاية، ومشرعة على تَنظُّــرات القراء وتوقعاتهم، ومراهنة على تعاقدهم ( الميثاق السير ذاتي)، وقد كرس جهده لتبيان ديمومته واستقلاله ، ثم عقلنة نمطه المعياري.
                  وبعد جرد جملة من التصورات حول السيرة الذاتية، يخلص عبد القادر الشاوي إلى صعوبة الاتفاق على منظور متقارب . ومرد ذلك إلى تباين الخلفيات المعرفية ، وتضارب الآراء حول الموضاعات التي يمكن أن تسم الجنس السير ذاتي ، وتميزه عن باقي الأجناس الأدبية.
                  من بين ما ترتب على المثاقفة اهتمام النقاد العرب بالسيرة الذاتية. ورغم قلة المراجع عنها ، فقد اختلفت مقارباتها وخلفياتها في ثلاث نقاط: أولاها إشكالية السيرة الذاتية من حيث القدم والوجود ، ولا خلاف أن الجنس ضارب بجذوره في الثقافة العربية الإسلامية؛ وثالثتها الاعتماد على تاريخ الأدب للتدليل على النقطة السالفة؛ وثالثتها الإقرار النهائي بوجود السيرة الذاتية في الأدب العربي دون إعطائها حدا معياريا. ويدلي عبدالقادر بدلوه معتبرا أن السيرة الذاتية بالمغرب ظهرت بالمغرب في نهاية القرن الثامن عشر، واقترنت نهاية القرن الثامن عشر بالفهرسة باعتبارها ضربا من التأليف يذكر فيها المؤلف شيوخه وما قرأ عليهم من كتب وأسانيد. لكن تواتر النصوص التي يمكن أن تدرج في الخانة السير ذاتية، تزامن مع بروز الظاهرة الأدبية وتوطد ظاهرة المثاقفة إبان مرحلة التناقض الوطني ( المغرب/ المعمر). وفي هذا الصدد استنتج خمسة أشكال متمايزة لمفهوم الكتابة السير ذاتية ، وهي: السيرة الروائية الشطارية، والسيرة الروائية، والسيرة الذهنية، والسيرة الذاتية، ونصوص غفل غير مجنسة. « وربما كان القاسم المشترك بين السير الممثلة لذلك، هو تعبيرها عن التجربة الشخصية للمؤلف (تاريخ الأنا) باصطناع ضمير الأنا المتكلم في غالب الأحيان ( مع وجود نصوص لم تتقيد بهذا المحدد)، واستثمارها للماضي الحياتي في تعبيره عن التطور النفسي والذهني والاجتماعي الذي يتخذه مسار الحياة الفردية بين الطفولة والكهولة، أو ما بعد هذه، وتشغيل الذاكرة كحافظة للوقائع المروية » ص29.
                  2-التمفصلات الكبرى للمؤلف:
                  يجمع القسم الأول نصوصا - على ما بينها من اختلاف- تنزع هويتها إلى رصد الكينونة الفردية في تطورها الفكري.
                  أ- إن نص ثمرة أنسي للتعريف بنفسي لأبي الربيع سليمان الحوات(1747-1816) يعبر عن نضج يقيني وكشف عن الحقيقة، ويصدر عن مقصديته ألا وهي حفز الفقهاء والمتأدبين للكتابة عن تجاربهم الشخصية والفكرية. ويتكون النص من اتنين وثلاثين عنصرا، ويتسلسل في وحدة موضوعاتية ترصد حياة الكاتب/السارد من بداية التعلم والتكوين إلى مرحلة النضج. ويتشخص الميثاق السير ذاتي في المؤلف بواسطة تطابق السارد والمؤلف والشخصية ، وهيمنة ضمير المتكلم ، وحضور الاسم الحقيقي للمؤلف متخذا في النص شكلين مترابطين : كدال على الفقيه الذي أخذ من العلم الديني أتمه ، ثم كدال على المتأدب القارض للشعر والمتبحر في البلاغة.
                  ب-يعرف التهامي الوزاني في الزاوية بسيرورته الشخصية (الذات)، وبتاريخ الأشراف الحراقيين بتطوان (التاريخ) سواء اعتمادا على الرواية الشخصية أو المشاهدة العيانية. ويتضمن النص ثلاثة محاور تمثل مجتمعة مراحل متعاقبة : الشغف بالتصوف، الرغبة في طلب شيخ التربية، ولوج عالم التصوف. وتلعب البيئة دورا أساسيا في توجيه منزلة التهامي الوزاني في مجال الفقه. ومن بين الشخوص التي لعبت دورا كبيرا في تكوينه وإنضاجه، نذكر في المقام الأول الجدة ( غرس التربية الصوفية الأخلاقية)،ثم الحكاك (التوجيه في طلب العلم) ، ثم القادري( المساعدة في تخطي الأزمة النفسية)، ثم الريسوني( الإرشاد إلى الزاوية الحراقية)، ثم غيلان (الوساطة بالشيخ). وتعتمد الزاوية على ضمير المتكلم، وتحيل إلى شخصية المؤلف، وتقوم على زمنين : زمن التذكر الذي يجمع شتات الحياة الفردية ، وزمن الكتابة الذي يوازن بين التحول والنظام.
                  ج-كتب المختار السوسي الإلغيات لما كان منفيا في إليغ، وهو يتضمن عينات سير ذاتية دالة ( المولد، واختيار الاسم، والتكوين، والتجربة الصوفية، والانخراط في العمل الوطني، وتأسيس جمعية ثقافية (الحماسة)، والتدريس). وإن كان المختار السوسي يتمتع بقوة الحافظة والاستذكار، فقد كان يعترف بأنه منخرم الذاكرة ، وسريع النسيان. "والواقع أن استراتجية الذاكرة في التذكر تصبح، على هذا الأساس، طريقة في الكتابة السير ذاتية، وأسلوبا في تقديم المعطيات الدالة التي يؤثث بها المؤلف نصه، مع اختيار المسوغات المناسبة(التقديم والتأخير، الانتقاء..) التي تمكنه من ذلك على الوجه الإخباري المناسب. هناك محو مفترض، ولكنه ليس خيانة أدبية، بل لحظة مبطنة بالشعور الآني الذي يستدعي الذكريات، فيختار منها (أو قد تتوالى عليه باختيارها الطوعي) ما يخدم المقصدية التي توخاها في الإبلاغ"ص95.
                  د-عمد محمد الجزولي في ذكريات من ربيع الحياة إلى استذكار ما جادت به قريحته من قصائد وقطع شعرية لإنقاذها من الإهمال والضياع. ويجمع الكتاب بين دفتيه مستويات تعبيرية مختلفة ، ويزاوج بين تجربتين مختلفتين على مستوى الكتابة: إثبات النص ، ثم تحقيقه. وبين عبد القادر الشاوي الموضوعات التي استأثرت بشعره، واستخرج منها الصور المهيمنة (صورة الأتراك ، ثم صورة كمال أتاتورك، ثم صورة فرنسا)، والعينات السير ذاتية( الذهاب إلى العرائش، والعودة إلى الرباط، والتعرف على أبي شعيب الدكالي وطرائقه التعليمية ( الوعظ، والإرشاد، والخطابة)).
                  وجاء القسم الثاني تتمة للقسم الأول ، وتميز عنه بكون المؤلفون - على وجه العموم- مطلعين على ما حصل من تراكم في مجال الأجناس الأدبية، وواعين بالتحولات التي طرأت على مفهوم الكتابة بما فيه مفهوم السيرة الذاتية.
                  أ-يختلف نص في الطفولة لعبد المجيد بنجلون عن كثير من النصوص بكونه يتغافل عن الإشارة إلى الكينونة الأولى، وهو يتكون من فضاءين أساسيين ( المغرب وانجلترا) يستقطبان تجارب وعادات متناقضة ويحيلان إلى وحدتين مركزيتين(الطفولة/ الشباب)، ويفضيان إلى النهاية المقررة (السفر إلى القاهرة). وإن كان السارد/ المؤلف يحرص على استعادة أطوار من حياته، وملامح من هويته الشخصية، فهو يغذيها بالشروط المحيط به وبالزمن التنبئي (كوسدورف).
                  ب- قرئ نص سبعة أبواب لعبد الكريم غلاب في البداية بوصفه رواية. وما زاد في هذا اللبس هو أن الطبعة الأولى صدرت مجردة من أية إشارة تجنيسية ، ثم أن ظهر الغلاف تضمن إحالة إلى "الذكريات". ويعيد عبدالقادر الشاوي تجنيس النص ضمن النصوص السير ذاتية مستندا إلى وجود وقائع موثقة ، و يدعمها ببرغماتية إسم العلم وتواتر ضمير المتكلم . ويتناول النص فترة عصيبة من حياة صاحبه ، تدور أساسا حول موضوعتين : الاعتقال باعتباره قيمة رمزية ، ثم مراحل التكوين في بعدها النضالي.
                  ج- يحلل عبد القادر الشاوي عنوان الرجوع إلى الطفولة لليلى أبي زيد مبينا علاقته بمضامين النص ومستوياته الداخلية ، ثم يفكك صور الطفولة، ويبين علاقة الساردة بالمحيط الخاص (الأم والأب والمعتقل ، وتكون الأنا في نطاق أسري مضطرب) والعالم الخارجي . و هكذا ينهض الميثاق التلفظي على إبراز علاقة الساردة بالمعطيات التاريخية ( النضال السياسي للأب، والسجن، والمرحلة التاريخية) وعلاقة المؤلفة بالملفوظ ( عقد مسافة ما بينها وبين الماضي ، وجعل شخصيتها جديرة بالاعتبار).
                  3-ما بعد القراءة :
                  بعد الفراغ من قراءة النص يمكن أن نبدي عليه الملاحظات التالية:
                  أ- لقد تعامل عبد القادر الشاوي مع كل مؤلف في تزامنيته لاستخلاص مستوياته الداخلية وتعليل علاقته بالشروط المقامية والتلفظية. وهذا ما جعل المتن عبارة، في الوقت نفسه، عن أعقّة محافظة على فرادتها وأصالتها، ومتداخلة فيما بينها بقواسم مشتركة. وإن كانت معضلة التجنيس تحتم على الباحث أن يتعامل مع مفردات المتن في شموليتها لا ستنباط القوانين والضوابط المتحكمة فيه، واستخلاص نموذجه البنائي؛ فإن عبد القادر الشاوي ظل وفيا لممارسته النقدية. وهذا ما حفزه على التعامل مع كل مؤلف على حدة لاستشفاف دلالته واستجلاء مميزاته. وهناك باحثون آخرون ( نذكر منهم سوزان روبان سليمان S.R.SULEIMAN وسعيد يقطين)(2)حاولوا المزاوجة بين الممارسة النقدية (إصدار التأويلات المناسبة) والممارسة الشعرية ( استنباط القوانين المجردة)، وهو ما حتم عليهم التعامل مع مفردات المتن بوصفها نصا واحدا محددا بمتغيراته وثوابته الخاصة به. إن الإستراتيجية النقدية التي تبناها عبد القادر الشاوي لم تترك له مجالا رحبا لبيان ما يجمع بين مكونات المتن ( قديمها وحديثها)، وتبرير إلحاق بعض النصوص ( على غرار الفهرسة) بالمجال السير ذاتي. فقد اكتفى بترديد قواسم مشتركة عامة ( المحكي الذاتي، ضمير المتكلم ،برغماتية إسم المؤلف، الميثاق التلفظي..) دون التوغل في المواضعات الجنسية والمستويات القاعدية التي تجعل منها نصا واحدا متميزا عن كيانات نصية وخطابية أخرى.
                  إن الإستراتيجية المنطلق منها، دفعت الشاوي للتنقيب على نصوص متقاربة في هويتها النصية ، والإكْباب عليها بالنقد والتحليل لا ستنتاج ما تحفل به من سمات فنية ودلالية. ورغم خلو أغلبها من التعيين الجنسي الملائم الذي يمكن اعتماده كمؤشر على القراءة الممكنة، فإن عبد القادر الشاوي -ببصيرته النقدية ووعيه بمعضلة الأجناس الأدبية- أعاد تجنيسها مبينا ما يوحدها ويجمعها في إطار جنس أدبي محدد ، ثم اشتغل عليها بمفاهيم متجانسة في مرجعياتها النقدية والمعرفية.
                  ب-لقد أدرج عبد القادر الشاوي ضمن المجال السير ذاتي نصوصا متباينة في مرجعياتها ( الاعترافات، الفهرسة، الذكريات). وإن كانت تتقاطع مع السيرة الذاتية في بعض السمات، فهي تنفرد بمميزات خاصة. فالاعترافات في الثقافة العربية الإسلامية تستدعي التوبة إلى الله ، والذكريات تستجمع وقائع واقعية، والفهرسة توثق الأصول العلمية للمترجم له قبل الإجازة. وبما أن المتن المعتمد عليه يتوفر على متغيرات ، فإن الأمر كان يقتضي في إطار عملية إعادة التجنيس أن يعين الجنس الأعلى ، ثم تحدد الأصناف التابعة له. وما يسوغ لعبد القادر الشاوي ضم نصوص متباينة في مرجعياتها ( التاريخ، التصوف ، الأسانيد) هو اضطلاع الكاتب بحكاية حياته الشخصية. وهذا بالضبط هو ما وجد فيه فليب لوجون ضالته، فأرغمه على العدول عن التعريف الذي سبق أن منحه للسيرة الذاتية في كتابه الميثاق السير ذاتي (3) ، والاستئناس بتعريف فابرو Vapereau الذي أورده في المعجم العام للآداب 1976 " السيرة الذاتية هي أي عمل أدبي أو رواية أو شعر أو دراسة فلسفية يسعى من خلاله المؤلف، بقصد مضمر أو صريح، إلى حكاية حياته، وعرض أفكاره، وتشخيص إحساساته" (4). وإن كان هذا يبرر إعادة الاعتبار إلى نصوص كانت إلى حد قريب مبعدة من مملكة الأدب، فهو يحتم طريقة جديدة للتعامل معها لتحديد أدبيتها وجنسيتها.
                  ج-ظل عبد القادر الشاوي - في معظم تحاليله- مشدودا إلى الميثاق السيرذاتي على الرغم من تراجع فليب لوجون عنه للحيثيثين التاليتين: أولاهما تتعلق بدور التلقي في إعادة تجنيس المؤلفات ، وثانيتهما تهم حفول الكتابة السيرذاتية بالعوالم التخييلية.
                  د-ركز عبد القادر الشاوي في تحاليله بشكل كبير على الجانب الموضوعاتي، إذ تتبع أطوار السارد/المؤلف وطقوس مروره، وأبرز القضايا التي تستأثر باهتمامه، وبين ما تستضمره كتابته من صور ورموز. وبالمقابل خصص حيزا للمستويات الفنية التي تحفل بها النصوص السير ذاتية. ومن بين هذه المستويات نذكر على سبيل المثال : البنية الزمنية، والميثاق التلفظي، وبنية الضمير، وإسم العلم، والشخوص المرجعية ، والمنولوج، والصيغة. وهذا ما يبين أن عبد القادر الشاوي ظل وفيا للطريقة التي حلل بها فليب لوجون النص أو الفضاء السيرذاتي. وقد استطاع عبد القادر الشاوي - بحكم تجربته النقدية- أن يذوب المناهج المعتمدة ، ويطبع التحاليل بشخصيته ورؤيته النقديتين ، ويخلصها من المفاهيم المعتاصة ésotériques ضمانا للتجاوب مع دائرة أوسع من القراء المفترضين. ولم يظل وفيا للمحايثة البنيوية ، بل أشرع النص على ميثاق القراءة وآفاق التلفظ والتداول ومكتسبات التحليل المؤسساتي."من وجهة نظر التحليل المؤسساتي فإنه لا وجود للأدب في حد ذاته، بل هناك ممارسات خاصة، منفردة، تشتغل على اللغة والمتخيل، وأن وحدتهما لا تتحقق إلا على مستوى وظيفتهما واندراجهما في البنية المجتمعية"191.
                  خاتمة :
                  تعتبر عملية التجنيس من أعقد المعضلات التي يعاني منها الحقل الأدبي، وذلك بحكم صعوبة وضع حدود قارة بين الأجناس الأدبية ، أو الحسم في تبويب النصوص داخل خانات جنسية ثابتة. وفي جميع الأحوال يتعذر -حسب وجهة نظر كلوينسكي Glowinski- إيجاد نمذجة كونية ، وحتى في حالة وجودها فهي ستكون تعميمية وتخطيطية ، بحيث لن تقدم الشيء الكثير عن الأجناس وخصائصها وكيفية اشتغالها. وإن تضارب الآراء حول التجنيس ، أغنى نظريات الأدب بتصورات وتصنيفات ونمذجات متباينة في خلفياتها النظرية ومنطلقاتها الابستمولوجية (النظرية المعيارية ، والجوهرانية الأرسطية ، والجوهرانية التاريخانية...الخ).
                  وعليه ، يبدو بحث الناقد عبد القادر الشاوي مغامرة محمودة لتجنيس نصوص غفل من أي تعيين جنسي، وإعادة تجنيس بعضها على إثر التغيرات التي طرأت على مفهوم الأدب ، وفي ضوء زاوية النظر المنطلق منها لمعالجة وتفكيك البنيات الداخلية، وتعليل علائقها بالمؤسسات الاجتماعية والقراءات الممكنة. ويعتبر هذا البحث من الأبحاث القليلة التي قاربت عينات من النصوص السير ذاتية بالمغرب، والتي بإمكانها - بحكم صرامتها وجديتها- أن تثير الحوار والنقاش لتدارك الأسئلة المعلقة والمؤجلة، وتناول مسألة التجنيس في أبعادها المعقدة والمتشابكة، وإعادة الاعتبار إلى نصوص بواسطة المفاهيم والأدوات التي تناسب طبيعتها ووظيفتها.
                  ***
                  هوامش:
                  1- صدر هذا الكتاب عن : أفريقيا الشرق، ط1، 2000 (191ص).
                  2-أنظر إلى تجنيس سعيد يقطين للسيرة الشعبية ضمن الكلام العربي( أو السرد بوصفه الاسم الجامع (الجنس) لمختلف أنواع الكلام):
                  ا-الكلام والخبر مقدمة للسرد العربي، ط1، المركز الثقافي العربي،1997.
                  ب- قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، ط1، المركز الثقافي العربي، 1997.
                  أنظر كذلك إلى العمل الذي أنجزته سوزان روبان سليمان عن عينات من روايات الأطروحة:
                  Le roman à thèse ou l’autorité fictive ,
                  PUF, 1983.
                  3- استند فليب لوجون في تعريفه الأولي للسيرة الذاتية ( 1975،ص14) على معجم لاروس (1866) الذي يعتبرها " حياة شخص اضطلع هو نفسه بكتابتها".
                  4-PH. Lejeune , Moi aussi, Seiul , 1986, p18.
                  المصدر

                  د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                  kalimates@maktoob.com

                  تعليق

                  • أبو شامة المغربي
                    السندباد
                    • Feb 2006
                    • 16639


                    رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                    عندما تتكلم السيرة الذاتية
                    الدكتور
                    محمد الباردي

                    الطبعة الأولى - 2005 ميلادية
                    يقدم الكتاب دراسة نقدية على غاية من الأهمية والإتقان الفنيين، ويفصح عن أهمية هذه التجربة النقدية، وعن الآفاق التي ترودها، والأفكار التي تحللها، والجماليات التي تبديها من خلال دراسة المنهج وإشكالية جنس السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث، وشروط الكتابة ودوافعها وإنشائية السيرة الذاتية وأشكالها وتعريفها الجديد.
                    المصدر
                    حياكم الله

                    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                    aghanime@hotmail.com

                    تعليق

                    • أبو شامة المغربي
                      السندباد
                      • Feb 2006
                      • 16639


                      رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة





                      • ولد في مدينة الرياض في يوم 22/10/1391هـ الموافق ليوم 10/12/1971م
                      • باحث في أدب الرحلات والسير والتراجم المعاصرة.

                      • أول عضو خليجي في مركز البحث في أدب الرحلة بجامعة السوربون في باريس.
                      • مؤسس ورئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير مجلة (رحال) وهي أول مجلة متخصصة في أدب الرحلات في العالم.
                      • عضو شرف الجمعية المغربية للبحث في الرحلة بجامعة محمد الخامس (كلية الآداب) الرباط.
                      من مؤلفاته في السير والتراجم:
                      • موسوعة السير الذاتية (مذكرات – ذكريات) - (معجم ببليوجرافي).
                      • المرجع في كتب تراجم وسير المعاصرين (معجم ببليوجرافي).
                      • كشاف ترجم وسير المعاصرين في الدوريات العربية (معجم ببليوجرافي).
                      • تكملة الأعلام للزركلي(السعوديون).
                      • شخصيات عربية عرفتها.
                      • تراجم وسير من القرن الرابع عشر.
                      • ملوك في المنفى.
                      • مقدمة في التراجم والسير.
                      • مذكرات الملوك.
                      المصدر
                      حياكم الله

                      د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                      aghanime@hotmail.com

                      تعليق

                      • أبو شامة المغربي
                        السندباد
                        • Feb 2006
                        • 16639


                        رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                        عرف العرب السيرة الذاتية أيها الباحث!

                        قرأت في مطلع مقالة نشرتها "أفق" (10 أبريل 2005) تحت عنوان:
                        "مع فاروق مواسي ... أحمد دحبور"
                        هذا التمهيد: "من المرات النادرة التي سيصعب على السلفيين كما أرجح أن يواصلوا المكابرة فيها، هي هذه التي تقول إن العرب لم يعرفوا أدب السيرة الذاتية قبل القرن العشرين، ولعلنا سنمضي عقودا ً في القرن الراحل حتى نحصل على كتاب نوعي مثل "الأيام" لطه حسين، وليس ذلك لتقصير لدى العرب وإنما لأن هذا النوع من الأدب هو جديد نسبياً على الساحات العالمية".
                        لا أظن أن كاتب هذا الكلام بذل جهدا في بحث أمر السيرة الذاتية عند العرب فخرج بهذه النتيجة، وأغلب الظن أنه تلقط هذا الكلام من هنا أو هناك، وأطلقه باستخفاف كامل، أي بلا إحساس بالمسؤولية، ودون أن يكلف نفسه حتى ذكر مصدر هذا الكلام، ولكي لا يمر سالماً هذا الحكم الذي أعتبره هراءً، أود فقط تقديم هذه المعلومات:
                        1- نشرت دار الساقي اللندنية في العام 1998 كتابا من إعداد روبن أوستل و اد دي مور وستيفان وايلد كان عنوانه "كتابة الذات: السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث"، وفي هذا الكتاب استقصاء لهذا النوع الأدبي مع خلفية جيدة في الموروث منه.
                        2- أصدرت مطبعة جامعة كاليفورنيا في العام 2001 أكثر الكتب أهمية في دراسة السيرة الذاتية في التراث العربي شارك فيه تسعة باحثين وأعده للنشر دوايت ف. رينولدز، وصدر تحت عنوان "تفسير الذات: السيرة الذاتية في التراث الأدبي العربي"، وتضمن هذا الكتاب 140 نصا (بين القرن التاسع الميلادي والقرن التاسع عشر) اكتشفها الباحثون، بعضها معروف وبعضها مجهول، ناهيك عما ذكروه من عناوين وردت بأسمائها في كتب التراجم والمعاجم ولم يعرف حتى الآن إن كانت فقدت أم هي موجودة بين أكداس المخطوطات العربية المنتشرة في شتى البقاع، وهي مخططوطات يصل عددها على أقل تقدير المليون مخطوطة.
                        الللافت للنظر أن جلال الدين السيوطي المتوفى في العام 1485 ميلادية أورد في مقدمة سيرته الذاتية "التحدث بنعمة الله" أسماء من سبقوه في كتابة سيرهم الذاتية من أمثال عبد الغافر الفارسي (ت 1134) والكاتب الأصفهاني (ت 1201) والقاضي عمارة اليماني (ت 1175) وياقوت الحموي (ت 1229) ولسان الدين الخطيب (ت 1374) والمتصوف أبو شامة المتوفى سنة ألف ومائتين وثمانية وستين، وتقي الدين الفارسي (ت 1429) وابن حجر (ت 1429) والإمام أبو حيان (ت1342).

                        ولمزيد من المعلومات، حلل هؤلاء الباحثون 140 سيرة ذاتية في القسم الأول توصلوا إليها بعد بحث متواصل منذ العام 1992، وفي القسم الثاني ترجموا إلى الإنجليزية مختارات (30 سيرة) نموذجية، وذكروا أن عددا آخر من هذا النوع الأدبي تم اكتشافه بعد إعداد هذا الكتاب.
                        3- ليس صحيحا ما ذكره صاحب التمهيد من أن "هذا النوع من الأدب هو جديد نسبيا على الساحات العالمية"، فقد عرف على صعيد الآداب العالمية منذ العصر اليوناني، فالروماني، فالمسيحي، ولكن المصطلح ذاته "أدب السيرة الذاتية" هو وليد أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وحتى كمصطلح لا يعد جديدا، ما تفصلنا عنه ثلاثة قرون.
                        في ضوء هذا لا أعتقد أن الأمر يتعلق بسلفي أو غير سلفي ، بل بوقائع تاريخية لا تثبت صحتها إلا بالبحث ، لا بالتخيل والرغبة والهوى والتلقط .

                        محمد الأسعد
                        شاعر وروائي فلسطيني مقيم في الكويت
                        المصدر
                        حياكم الله

                        د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                        aghanime@hotmail.com

                        تعليق

                        • أبو شامة المغربي
                          السندباد
                          • Feb 2006
                          • 16639


                          رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                          الدكتور الحيدري يقدم:
                          السيرة الذاتية في الأدب السعودي
                          تمثل السيرة الذاتية جنساً إشكالياً في الكتابة الأدبية التوثيقية .. تتراجع إشكاليته حالما يفصح عن خيط لجنس ما ينتظمه .. كأن تكون سيرة روائية مثلاً، وقد مثّلت السيرة الذاتية منجزاً أدبياً لدى مختلف الثقافات واللغات .. وحضرت في الأدب العربي .. حضوراً متفاوتاً ومتعدداً تشرح ذلك العديد من المؤلفات والكتابات التي رصدت حركة هذا الفن عربياً، لقد مثّلت السيرة الذاتية حضوراً ملحوظاً في الأدب السعودي وهو حضور متفاوت تاريخياً واقليمياً.. وتجنيساً.. وقد صاحب هذا الحضور غياب واضح لمؤلف يرصد ويوثق مسيرة هذا الفن وأربابه وتوجهاته.
                          ولعل كتاب الدكتور عبد الله الحيدري "السيرة الذاتية في الأدب السعودي"، الذي صدر مؤخراً في طبعته الثانية يسعى إلى سد تلك الثغرة التوثيقية والرصدية والبحثية للسيرة الذاتية في الأدب السعودي ...
                          الكتاب في أصله أطروحة تقدم بها الدكتور الحيدري إبان دراسته العليا للحصول على درجة الماجستير في الأدب العربي من كلية اللغة العربية بجامعة الإمام بالرياض، وقد صدر الكتاب بتقديم للشيخ حمد الجاسر رحمه الله.
                          استهل الكتاب بتمهيد عن مفهوم السيرة الذاتية والفرق بينها وبين السيرة الغيرية ذلك الفرق الذي استوعبه النقد الحديث انطلاقاً من استيعابه التفرقة بين المصطلحين الغربيين المركبين مزجياً فحاكاهما لفظاً وقال: السيرة الغيرية Biography، والسيرة الذاتية Autobiography وفي التمهيد تناول مفصّل لمصطلح السيرة الذاتية وتطوره والموازنة بين السيرة أو الترجمة الذاتية وما إذا كان هناك سيرة ذاتية شعرية والسيرة الذاتية بين الرواية والمقالة .. والأشكال المتفرعة عن السيرة الذاتية كالاعترافات والذكريات والمذكرات واليوميات واللامذكرات أو الفوجا الذاتية، وعرض الباحث في تعريفه للسيرة الذاتية لتعريفات سابقة كما لدى ابراهيم السامرائي وعبدالله الحقيل وشوقي المعاملي ويحيى عبدالدايم .. وقد خلص الدكتور الحيدري إلى أننا يجب أن ننظر إلى أنواع وأشكال السيرة الذاتية: الاعترافات، والذكريات، والمذكرات، واليوميات .. من فن السيرة الذاتية على أن موقعها: "هو موقع عناصر المادة الخام من المنتج النهائي الذي يحويها، بوصفها من مكونات بنيته ولكنه يختلف عنها بل يسمو عنها والدليل أن الدارس - أياً كانت لغته - يمكن أن يقول: فن السيرة الذاتية .. ولكنه لا يمكن أن يقول: فن المذكرات أو فن اليوميات - على سبيل المثال - دون أن تنقصه الدقة في الاصطلاح، وإذن فهناك تلازم وتبعية بين الشجرة الأم: (السيرة الذاتية) وأغصانها: الاعترافات، والذكريات، والمذكرات، واليوميات.
                          درس الكتاب مجموعة من الأعمال السيرية هي: أبو زامل/ أيامي لأحمد السباعي، 46 يوماً في المستشفى، أيام في المستشفى لمحمد عمر توفيق، هذه حياتي/ أشخاص في حياتي لحسن حمد كتبي، مذكرات طالب سابق/ مذكرات طالب لحسن نصيف، ذكريات طفل وديع لعبد العزيز الربيع، سيرة شعرية لغازي القصيبي، رحلة الثلاثين عاماً لزاهر الألمعي، ذكريات العهود الثلاثة لمحمد حسن زيدان، تباريح التباريح لأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري، رحلة العمر لمحمد عبد الحميد مرداد، حياتي مع الجوع والحب والحرب لعزيز ضياء، مذكراتي خلال قرن من الأحداث لخليل الروّاف، مذكرات وذكريات من حياتي لعبدالكريم الجهيمان، عبدالله بلخير يتذكر، من سوانح الذكريات لحمد الجاسر، من حياتي لمحمد بن سعد بن حسين بالإضافة إلى كتب أخرى، وقد توفر للباحث من بعض هذه الكتب نسخاً منسية وأجزاء جديدة لم يتوافر عليها الباحثون ولا الدارسون فيما قبل.
                          - الفصل الأول من الكتاب: النشأة والتطور، وفيه بحث للبدايات التي يرى بأنها تعود إلى 1433هـ، وتحدد بخمسة عشر سطراً لمحمد سرور الصبان يترجم بها لنفسه، وهي الفترة التي اسماها المؤلف بالبدايات في حين حدد نهايتها بالعام 1373هـ.
                          وتكاد تنحصر بواكير السيرة الذاتية في الأدب السعودي في الترجمات الذاتية الموجزة التي يكتبها الأديب عن نفسه والمقالات الذاتية والشخصية ومحاولات تدوين لذكريات مطولة ومما يشار إليه في مرحلة البدايات كتاب أحمد عبد الغفور عطار "بين السجن والمنفى" الذي بدأ تأليفه 1356هـ، ومقالة أحمد جمال التي كتبها 1362هـ.
                          ومما تناوله المؤلف في هذا القسم: أدباؤنا بين ظهور مصطلح السيرة ودقة الاستخدام وأبرز دوافع تلك الكتابات، ولماذا لم تواكب السيرة الأجناس الأخرى في النشوء واهتمام صحافة المؤسسات بفن المقابلات واثر ذلك.
                          وفي حديثه عن: مراحل كتابة السيرة الذاتية، أثبت المؤلف عنوانا لطيفاً: لماذا نتعوذ من الأنا؟.. بحث فيه هذه الظاهرة لدى العديد من الكتاب المؤلفين .. متناولاً ظاهرة تجاهل النقاد للسيرة الذاتية، وقد حصر المؤلف اتجاهات السيرة الذاتية في الأدب السعودي بالاستفادة من شكل القصة وحبكتها التقليدية والاتجاه المقالي من مقدمة وعرض وخاتمة والاتجاه الروائي والاستفادة من النهج الأكاديمي في البحث والتحام السيرة الذاتية بالغيرية ورواية السيرة أو الترجمة الذاتية، وواصل المؤلف هذا الجزء متناولاً ريادة عبد القدوس الأنصاري في قصة حياتي وابن دريس، وترجمته الموجزة لنفسه والمقالة الذاتية لدى كتاب الرسائل الأدبية، ومصطلحات السيرة في مراحل ما بعد البدايات، وأهم مراحل كتابة السيرة الذاتية، والمرأة وفن معالجة السيرة الذاتية.
                          في الجزء الثالث من هذا الفصل: السيرة الفنية .. نقرأ حصراً لقوالب السيرة الذاتية يشمل في القالب الروائي والتفسيري التحليلي والقالب الذي يجمع بين التحليل والتصوير بالإضافة إلى بحث التداخل بين السيرة الذاتية مع الرواية من خلال أعمال مثل أبو زامل للسباعي وذكريات طفل وديع لعبد العزيز الربيع وسيرة شعرية للقصيبي، وحياتي مع الجوع والحب والحرب لعزيز ضياء.
                          * الفصل الثاني: موضوعات السيرة الذاتية .. وأول ما طالعنا منها: الموضوعات التاريخية كما لدى أحمد السباعي، وخليل الرواف، ومحمد حسين زيدان، وعزيز ضياء، وعبد الله بلخير، وحمد الجاسر.
                          ثم الموضوعات السياسية والتي تتمحور في القضية الفلسطينية وقضايا الوحدة العربية وتظهر الموضوعات السياسية في السير الذاتية المحلية كما لدى محمد حسين زيدان، وأبوعبد الرحمن، والقصيبي، وزاهر الألمعي، ومحمد عمر توفيق، وخليل الرواف، وبلخير.

                          أما الموضوعات الاجتماعية فقد تكثف الاهتمام بها لعدة أسباب من أبرزها ان الفترة الزمنية التي يتحدث عنها الكتاب تكاد تقترب من قرن من الزمان وهي مدة ليست بالقصيرة وتشكل مرحلة حساسة وحاسمة في تاريخ الجزيرة العربية، وكذلك وجود اختلاف ملحوظ في العادات والتقاليد المتبعة في مناطق المملكة واختفاء المجتمع التقليدي والفارق بين مجتمع الأمس البعيد وغير البعيد واليوم وكان تناول هؤلاء الكتّاب يأخذ بعدين: بعد الحنين إلى الماضي وبعد بيان الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصحية التي كان يعاني منها إنسان هذه الأرض في فترات سابقة، ويمكن ملاحظة الموضوعات الاجتماعية في السيرة الذاتية المحلية في كتابات أحمد السباعي، ومحمد حسين زيدان، وعبد العزيز الربيع، وعبد الحميد مرداد، وعزيز ضياء، وحمد الجاسر، وزاهر الألمعي، ومحمد عمر توفيق، وعبد الكريم الجهيمان، ومحمد بن سعد بن حسين، والقصيبي.
                          أما الموضوعات الفكرية فإن ما عني به السيريون في هذا الجانب متقارب جداً .. إذ يشمل حديثاً عن الكتاتيب وندرة المكتبات وبعض مظاهر الحوار الفكري الذي كان سائداً آنذاك .. ويمكن ملاحظة الموضوعات الفكرية في أعمال سيرية لدى أدباء مثل حمد الجاسر، وحسن كتبي، وزيدان، والسباعي، والقصيبي، وابن عقيل.
                          *الفصل الثالث: الخصائص الفنية .. وفيه حديث الباعث الفني خلف الكتابة والذي قد يكون بهدف الدفاع عن النفس أو بدافع فني محض أو لخدمة الباحثين والدارسين بالإضافة إلى بواعث أخرى.
                          وفي حديث عن "شخصية الكاتب" عرّف المؤلف بالشخصية وتناولها من خلال نماذج كأحمد السباعي وحمد الجاسر وابن عقيل ومحمد عمر توفيق وزيدان والربيع وكتبي والجهيمان والمرداد وابن حسين والقصيبي وتأتي كثير من السير ذات البعد القصصي في طريقتين.. السرد القصصي والعرض والتحليل .. أما السرد القصصي فيمكن ملاحظتها في كتابات السباعي وضياء وأما العرض فنلحظه لدى الربيع ومرداد وابن عقيل ..

                          ومن النقاط الفنية التي تخضع للملاحظة في السيرة الذاتية ظاهرة التكلف والاعتدال والصدق وتجهز الذاكرة والمستويات الزمنية وصورة المكان، ومن الظواهر الفنية التي يمكن بحثها في السير الذاتية الظاهرة اللغوية والأسلوبية وقد ناقش المؤلف في هذا المبحث العامية عند عزيز ضياء والضمائر الأكثر شيوعاً في لغة السيرة وفي الظواهر الأسلوبية بحث استخدام الفعل المضارع وافعال الكينونة والتصغير وإثارة الأسئلة والازدواج والتكرار .. كل ذلك من خلال نماذج كتاب كابن عقيل والجهيمان وغيرهما.
                          الفصل الرابع والأخير حوى موازنة بين كتاب السيرة الذاتية في المملكة وغيرهم في الأقطار العربية، وسارت الموازنة في مضمارين هما: المضمون .. وفيه ضمت الموازنة اعمالاً عربية لطه حسين وخليل الهنداوي وغيرهم، وقد وازن المؤلف هنا بين ابن حسين وطه حسين وضياء والهنداوي.
                          وفي الشكل .. وتناول فيه فلسفة الكتاب السعوديين في اختيار العناوين واستخدام الضمائر والألفاظ والتراكيب والأسلوب وبحث ظاهرة التصغير وبعض الأخطاء الشائعة والجوانب الجمالية.
                          الكتاب يمثل أبرز وأهم وأول توثيق مر به هذا الفن .. فن السيرة الذاتية في الأدب السعودي .. وقد جاء الكتاب في 808 صفحات من القطع الكبير.

                          المصدر
                          حياكم الله

                          د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                          aghanime@hotmail.com

                          تعليق

                          • أبو شامة المغربي
                            السندباد
                            • Feb 2006
                            • 16639


                            رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة




                            "مع فاروق مواسي ... أحمد دحبور"
                            من المرات النادرة التي سيصعب على السلفيين، كما أرجح، أن يواصلوا المكابرة فيها، هي هذه التي تقول أن العرب لم يعرفوا أدب السيرة الذاتية قبل القرن العشرين. ولعلنا سنمضي عقودًا في القرن الراحل حتى نحصل على كتاب نوعي مثل "الأيام" لطه حسين . وليس ذلك لتقصير لدى العرب، وإنما لأن هذا النوع من الأدب هو جديد نسبيًا على الساحات العالمية.

                            وبغض النظر عما يمكن أن يستنتجه المعنيون والفضوليون، فإن أول سيرة ذاتية تعبر الحدود، وتصبح تحت تصرف مثقفي العالم جميعًا، وهي اعترافات العالم السويسري - المظنون خطأ أنه فرنسي - جان جاك روسو، في القرن الثامن عشر. ولست في معرض تأريخ أدب السيرة الذاتية. بطبيعة الحال، ولكنني أنوه باعترافات روسو من حيث الذيوع والشيوع.

                            ضمن هذا الاعتبار، تستطيع الشريحة الفلسطينية من الجسد الثقافي العربي أن تسجل نقاطًا نوعية، وحتى عددية، في هذا المضمار، ولعلي - من غير عناء - قادر على استذكار اثني عشر كتابًا فلسطينيًا شهدها القرن العشرون في السيرة الذاتية هي " كذا أنا يا دنيا" للمقدسي خليل السكاكيني و"البئر الأولى" و "شارع الأميرات" للتلحمي جبرا إبراهيم جبرا، "وأيام الصبا" لليافي د.يوسف هيكل، و "غربة الراعي" لابن عين غزال د.إحسان عباس، و "خارج المكان" للمقدسي إدوار سعيد، و "الجمر والرماد" و "صور الماضي" لليافي د.هشام شرابي، و"ظل الغيمة" للريناوي حنا أبي حنا، و "شجرة المعرفه" لابن البعنة حنا إبراهيم ، و "دروب المنفى" لابن المسمية فيصل حوراني. ولا أستطيع إلا أن أتوقف باهتمام خاص عند كتاب "بلدي وأهلي أنا" للمعلم ذا النون الجراح - وليس في الاسم خطأ، فهو يصر على أن يكون اسمه مبنيًا هكذا على الفتح، وبالألف طبعًا- ولا أدري كيف فات صاحب "الأسوار" الأخ يعقوب حجازي، أن يعيد طباعة هذا السفر النفيس الذي يعد مفخرة لمدينته العريقة عكا، ولفلسطين بل العرب جميعًا. ومرة ثانية، ليس هذا تأريخًا حصريًا ولكنه ما أتت عليه الذاكرة من غير تنقيب. ويلاحظ أنني لم أبحث في مذكرات السياسيين والشخصيات العامة، بل قصدت ذلك النوع من السيرة الذاتية الذي يحتضنه الأدب بالمعنى الواسع للكلمة. كما أنني لم أتوقف عند النصوص النوعية التي تفيد من السيرة الشخصية لتجني استخلاصات أوسع مثل "يوميات الحزن العادي" للشاعر محمود درويش مثلاً ، كذلك "الضوء الأزرق" و "سأكون بين اللوز" للراحل حسين البرغوثي.

                            في هذا الإطار، يأتي كتاب د. فاروق مواسي "أقواس من سيرتي الذاتية" الذي صدر هذا العام. وقد كتبه بعد بلوغه الستين عامًا مشيرًا إلى ذلك ببيت الشعر الذي يتصدر الكتاب:
                            فقد وفيتها ستين حولاً ونادتني ورائي : هل أمام؟ ...


                            لماذا السيرة؟
                            بعد أن صدر د.مواسي كتابه ببيت الشعر الذي يشير الى بلوغه الستين من عمره المديد ، رأى أن يوضح سبب إقدامه على كتابه هذه الأقواس من سيرته الذاتية ، وبشيء من حيرة العالم المتواضع ، لم يشأ أن يطلق في وجوهنا بيقينه الجازم الصارم، فكتب:
                            " ربما هي إمتاع ومؤانسة، أو مشاركة وجدانية ، أو مراجعة أخيرة لكتابة الفصول قبل أن تدبر الحياة" أما أنها إمتاع ومؤانسة ، فالأمر يعنينا من جانبين: الأول أن في كل سرد – فما بالك بالسيرة الشخصية – قدرًا من هذا الإمتاع والمؤانسة ، إذ كان لدى كاتبه فضلاً عن تجربته العصامية التي تبعث عن الإعجاب والتقدير. والجانب الثاني هو ما يدل عليه هذا التعبير بحد ذاته : "الإمتاع والمؤانسة" ، فهو يحيلنا طبعا إلى أبي حيان التوحيدي، في إشارة من د.مواسي إلى استغراقه في التراث ، وهو المتحمس للحديث إلى درجة إقرار الشعر الجديد في المدارس . وبهذا تكون الصورة واضحة، فالرجل هو ابن عصره بكل ما يمليه من معطيات تملي بدورها ضرورة الأخد بكل جديد، من غير أن يغيب عنه لحظة واحدة أنه لا يؤسس على فراغ، بل هو سليل تراث عريق. وتزداد أهمية هذا الموضوع عندما نتذكر – وهل يمكن أن ننسى؟ – أنه ينتمي إلى فريق من الشعب العربي الفلسطيني كانت قضية عمره – ولا تزال – هي الهوية وصيانة الهوية والدخول عن جدارة، في عمق روح العصر. وأما المشاركة الوجدانية فإن ما يعنينا منها هو هوية المخاطب. وإذا كان الخطاب الأدبي يفترض بداهة وجود مرسل ومرسل إليه ، فإن المرسل إليه هو القارئ العربي في حال المشاركة الوجدانية. ولما كانت طباعة هذه السيرة ، على المستوى الإجرائي، محكومة بقارئ محكوم برقعة جغرافية محددة – هي التي تم الاصطلاح عليها بالخط الأخضر – فإن الجور التاريخي السياسي حرم هذا النوع من الكتابة من وصوله إلى الساحة العربية الأوسع فضاء وفرصًا. وفي يقيني أنه كان من واجب د.مواسي وزملائه أن يتصرفوا كما لو أن الرسالة ستصل إلى العرب جميعًا – وهي واصلة إليهم لا محالة – وكان هذا يقتضي توسعًا في فتح ملف سنوات الطفولة التي شهدت بدايات النكبة، لا سيما وأن القليل الذي كتبه د.مواسي في هذا الشأن يغري بكتابة الكثير.
                            وأما "المراجعة الأخيرة" فهي بيت القصيد على المستوى الأدبي . ولا يتاح كل يوم للكاتب أو الشاعر أن يراجع تاريخه وتجربته على الورق. ولهذا تساءلت عن منهج د. فاروق مواسي في النقد. وعن رؤيته التفصيلية للشعر، وعن موقفه الشعري من العالم. وما زلت أنتظر.
                            بقيت ملاحظة أخيرة، وهي ضرورة الاعتراف للدكتور فاروق مواسي ، من خلال هذه السيرة ومن مجمل مشروعه الأدبي، بأنه مثقف جاد، محب بمعنى أنه لا يبخل بالشهادة الطيبة على من يرى أنه يستحقها . إلا أن الصفة الأهم في رأيي هي أنه قلق ، والقلق هو المحرك الحقيقي للإبداع الذي لا يعترف بالاستقرار ، بل ينشد البحث حتى اللحظة الأخيرة ، عن المعرفة والحقيقة. ومع ذلك فقد يبدو د. مواسي مطمئنًا أحيانًا إلى نتائج تحتاج إلى التمحيص، كإشارته إلى قصيدته الرائدة في الموت وفلسفة الموت التي سبقت جدارية محمود درويش – من حيث العمر الزمني، فقصيدته مكتوبة في وقت أسبق. والواقع أن سؤال الموت قديم جدًا في الشعر العربي، ويائية مالك بن الريب أشهر من أن يشار إليها. – وكذلك دالية المعري بطبيعة الحال: غير مجد في ملتي واعتقادي – كذلك مجموعات السياب الثلاث – وقد درسه د. مواسي –وهي "المعبد الغريق" و "منزل الأقنان" و "إقبال"، إضافة إلى قصائد أمل دنقل في مرحلة السرطان.. ويطول البحث في هذا المقام..
                            ويبقى في النهاية أن كتاب "أقواس من سيرتي الذاتية" للشاعر د.فاروق مواسي، كتاب ممتع، شائق مليء بالفائدة، ويشع بذكاء القلب على ما تعتوره من نقاط تحتاج إلى المراجعة، وهذا شأن الأعمال الجادة منذ أن كان الأدب.

                            المصدر
                            حياكم الله

                            د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                            aghanime@hotmail.com

                            تعليق

                            • أبو شامة المغربي
                              السندباد
                              • Feb 2006
                              • 16639


                              رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                              "كتابة السيرة الذاتية عند العرب"
                              مثال: جورجي زيدان
                              أحمد دحبور
                              على الرابط التالي:
                              السيرة الذاتية
                              حياكم الله

                              د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

                              aghanime@hotmail.com

                              تعليق

                              • أبو شامة المغربي
                                السندباد
                                • Feb 2006
                                • 16639


                                رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة



                                باحث يجرد القصيبي من فن الرواية بملتقى النص
                                الخميس 19 ربيع الأول 1429هـ الموافق 27 مارس
                                2008م العدد (2736)

                                جانب من الجلسة الأولى ويظهر فيها آل مريع والمساعد وبكر
                                جدة
                                محمود تراوري
                                هيمنت شخصية غازي القصيبي ومنجزه الكتابي أمس على جلسات ملتقى قراءة النص الذي ينظمه أدبي جدة حاليا، وأشعلت روايته (شقة الحرية) الجدل من جديد بين باحثي الملتقى، وتداول السؤال المطروح منذ بداية التسعينيات الميلادية زمن صدور العمل (هل فؤاد الطارف) هو نفسه القصيبي؟
                                وتتابعت مثل هذه التساؤلات عقب إلقاء إبراهيم مضواح الألمعي بحثه المعنون بـ (التقاطعات بين بطل شقة الحرية وكاتبها) تناول من خلالها ما تضمنته السيرة الشعرية للقصيبي وكتاباته منطلقا من محور إمكانية سرد السيرة الذاتية في شكل روائي وتشابه الأحداث التي عاشها البطل مع الأحداث التي تضمنتها كتابات سيرية أخرى للقصيبي، قبل أن يتساءل هل رواية "شقة الحرية" سيرة ذاتية لكاتبها؟ غير أن الدكتور سلطان القحطاني طرح ـ وبكل ثقة ـ رأيا نفى فيه صفة الرواية أو السيرة الذاتية عن كل ما كتبه القصيبي، مضيفا إليه تركي الحمد، واصفا ما كتباه بـ"ذكريات".
                                وقال القحطاني في ورقته (التماس الفني بين السيرة والرواية): إنه لا يوجد في الأدب السعودي أي كتابة يمكن أن يطلق عليها سيرة ذاتية، عدا عملين هما (حياتي بين الحب والجوع والحرب) لعزيز ضياء، و(حكاية الفتى مفتاح) لعبد الفتاح أبو مدين، وما سوى ذلك لا يعدو كونه مذكرات وذكريات خاصة، وأضاف القحطاني أن السيرة لا يمكن أن تكون رواية، ولا الرواية أن تكون سيرة.
                                وشهدت الجلسة الأولى التي أدارها رئيس نادي الباحة الأدبي أحمد المساعد تناولا لمفهوم التلقي الذي طرحه الدكتور أيمن بكر من خلال ورقة حملت عنوان (شذرات السيرة: بحث من منظور التلقي) ذكر فيها أنه من زاوية التحليل السردي هناك سمتان تميزان شذرات السيرة الذاتية، من حيث هي حالة من التمثيل للوقائع الحقيقية في حياة الشخص، وهما اعتماد السيرة الذاتية على الانتقائية والتأويل.
                                وقال إنه اجتهد في تحليل بعض السياقات التي تتواجد فيها شذرات السيرة من خلال كتب الرحلات ممثلة في كتاب (من ذكريات مسافر) لمحمد عمر توفيق، ومقالات صحفية لعبد الله المطيري وعبد الله العلمي، والإعلانات التجارية ذات السمت السردي، وتعرضت ورقة أمل التميمي (مفهوم السيرة الذاتية المعاصرة في الأدب الإعلامي المرئي) لانتقادات كثيرة وأخذ عليها معظم المعلقين عدم وضوح الفكرة، حيث قال الدكتور حسن الحازمي "إنها تكلمت عن الحضور الإعلامي للأدب والثقافة بشكل يتنافى مع ما كان يجب أن تطرح الورقة، وتمنى لو أنها قارنت بين السيرة المرئية والمكتوبة، وهو ما ذهب إليه الدكتور عبد الله الحامد متفقا، ومشيرا إلى ما سماه (أدب الرحلة التلفزيوني) الذي رأى أنه يحقق التناغم بين الشفاهي والصورة.
                                كما أثارت الجلسة الأولى تساؤلات عن مصطلح (الكنتية) الذي طرحه أحمد آل مريع في ورقة قال إنها تهدف إلى مقاربة أوليات الممارسة الشفهية لإنتاج خطاب السيرة الذاتية وتلقيه من خلال تفكيك (كنت، كنتي، كنتية، كنتني، كان)، وطالب الدكتور حامد الباحث بضبط مصطلح الكنتية بين ما هو شفاهي وكتابي، وأخذت سهام القحطاني على الباحث عدم توضيح المصطلح.
                                وفي الوقت الذي نفى فيه الدكتور عاطف بهجات صفة الأدب عن السيرة الذاتية، تناول الدكتور عادل الدرغامي في ورقة (تجنيس السيرة الذاتية) التداخل والتصنيف بين السيرة الذاتية بوصفها جنسا أدنى، والرواية بوصفها جنسا أعلى، متطرقا لمحاولات عديدة من نقاد غربيين قال إنهم سعوا لتخليص جنس السيرة الذاتية من الشوائب، واصلا إلى أن السيرة تظل جنسا إشكاليا مقارنة بالرواية بوصفها جنسا أدبيا مستقرا ومتعاليا، ويختتم الملتقى جلساته اليوم الخميس بثلاث جلسات، وعرض مسرحي يقدمه فرع جمعية الثقافة والفنون بجدة.

                                المصدر
                                حياكم الله


                                د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                                aghanime@hotmail.com
                                التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي; 05-14-2008, 11:19 AM.

                                تعليق

                                يعمل...