رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد
(14)
فُتح باب الزنزانة عن سحنة ترهقها عبرة وإن بدا عليه الخيلاء والعجب . جرنى من رقبتى بزهو وقذفنى خارجها .. إن نشوة تطفح من عيونهم وهم يقومون بعذابنا . وأمرنى بصوت غليظ بالزحف خلال الردهة الطويلة إلى أن أصل إلى غرفة التحقيق حيث المكتب البيضاوى ومن ورائه الجسد الضخم .. وقال ضابط التحقيق :
- ما فعله بك مجرد تمويه لا أكثر ..
- جسدى خرقة بالية .
وارتعش جسدى كله , واصطكت أسنانى . جمد وجهه وجعل ينقر فوق مكتبه بإصبعه وشعرت بدوار .. تباعد الضابط حتى صار كبقعة سوداء فى فلاة .. وقال :
- ماذا عندك ؟
ولما لم أرد ، عاد ينقر على مكتبه , وتلقيت على ظهرى لكمة خلعت قلبى ، وتناثر الدم من فمى . كنت أعرف ماذا يقصد ..بل كنت أريد أن أقول له كل شئ مما جرى فى الزنزانة غير أنى لم أنبس ، ولا أدرى لِمه ! ..وأردف يقول :
- هذا أخر إنذار لك . ولسوف تفعل ما نأمرك به . زوجتك فى الطريق إلينا , وجنودنا جوعى .
- لله الأمر من قبل ومن بعد .
- ليس لله شىء هنا ..
واهتز جسدى ثانية حتى كدت أن أسقط لولا أن جنديا جذبنى من رقبتى , وتابع الضابط يقول :
- كن فى جانبنا .. أنا أعرف أنك لست متهماً .. لست منهم .. نعم .. أستطيع أن أثبت هذا . لكن القرائن كلها ضدك .. وعليك أن تثبت للجميع أنك رجلنا .. أليس كذلك ؟
وتباعد صوته كما تباعدت صورته ، واتسعت الحجرة من حولى , ولم أعد أرى شيئاً .. ولم أشعر بمن حولى إلا وأنا فى الزنزانة . كان مدحت ينضح قلقا , ومحمود سعيد يزفر غيظا بينما قال النمل :
- يا له من مستنقع قذر نعيش فيه !
- كرامة فى الحضيض ..
قالها مدحت وأردف :
- أعجب كيف يعيش الناس خارج هذه الزنزانة ونحن هنا !
رد محمود :
- إنه الشلل كما قال شيخنا عبد السلام النمل ..
وتساءَل عادل :
- وهل يعرفون الشيخ عبد السلام ؟
- ماذا تقصد ؟
- أرى أننا قد عُزلنا عن المجتمع كله ..
- أبن ؟
- عزلة جسدية وعزلة فكرية ..
- ماذا تقصد ؟
- إنهم يأخذون إلى المعتقل كل من تظهر عليه بوادر الالتزام وإن لم يكن منا .. وهنا يُمسح عقله , ولا يخرج من هنا إلا أحد رجلين : إما معتوه لا يصلح لشىء أو نسخة منهم بعد عمليات غسيل المخ وما يراه من صنوف العذاب ، لأن عقيدته لم تتمكن فى قلبه ..
كان مدحت صامتاً يسمع لهما دون أن ينبس , وكان ينظر إلىَّ بين لحظة وأخرى والدموع تطفر من عينيه . وخطر فى ذهنى السوس وكيف ينخر فى العروق حتى تتهاوى وتسقط .. وعاودنى الدوار فتقيأت ورحت فى غيبوبة أهذى .
(14)
فُتح باب الزنزانة عن سحنة ترهقها عبرة وإن بدا عليه الخيلاء والعجب . جرنى من رقبتى بزهو وقذفنى خارجها .. إن نشوة تطفح من عيونهم وهم يقومون بعذابنا . وأمرنى بصوت غليظ بالزحف خلال الردهة الطويلة إلى أن أصل إلى غرفة التحقيق حيث المكتب البيضاوى ومن ورائه الجسد الضخم .. وقال ضابط التحقيق :
- ما فعله بك مجرد تمويه لا أكثر ..
- جسدى خرقة بالية .
وارتعش جسدى كله , واصطكت أسنانى . جمد وجهه وجعل ينقر فوق مكتبه بإصبعه وشعرت بدوار .. تباعد الضابط حتى صار كبقعة سوداء فى فلاة .. وقال :
- ماذا عندك ؟
ولما لم أرد ، عاد ينقر على مكتبه , وتلقيت على ظهرى لكمة خلعت قلبى ، وتناثر الدم من فمى . كنت أعرف ماذا يقصد ..بل كنت أريد أن أقول له كل شئ مما جرى فى الزنزانة غير أنى لم أنبس ، ولا أدرى لِمه ! ..وأردف يقول :
- هذا أخر إنذار لك . ولسوف تفعل ما نأمرك به . زوجتك فى الطريق إلينا , وجنودنا جوعى .
- لله الأمر من قبل ومن بعد .
- ليس لله شىء هنا ..
واهتز جسدى ثانية حتى كدت أن أسقط لولا أن جنديا جذبنى من رقبتى , وتابع الضابط يقول :
- كن فى جانبنا .. أنا أعرف أنك لست متهماً .. لست منهم .. نعم .. أستطيع أن أثبت هذا . لكن القرائن كلها ضدك .. وعليك أن تثبت للجميع أنك رجلنا .. أليس كذلك ؟
وتباعد صوته كما تباعدت صورته ، واتسعت الحجرة من حولى , ولم أعد أرى شيئاً .. ولم أشعر بمن حولى إلا وأنا فى الزنزانة . كان مدحت ينضح قلقا , ومحمود سعيد يزفر غيظا بينما قال النمل :
- يا له من مستنقع قذر نعيش فيه !
- كرامة فى الحضيض ..
قالها مدحت وأردف :
- أعجب كيف يعيش الناس خارج هذه الزنزانة ونحن هنا !
رد محمود :
- إنه الشلل كما قال شيخنا عبد السلام النمل ..
وتساءَل عادل :
- وهل يعرفون الشيخ عبد السلام ؟
- ماذا تقصد ؟
- أرى أننا قد عُزلنا عن المجتمع كله ..
- أبن ؟
- عزلة جسدية وعزلة فكرية ..
- ماذا تقصد ؟
- إنهم يأخذون إلى المعتقل كل من تظهر عليه بوادر الالتزام وإن لم يكن منا .. وهنا يُمسح عقله , ولا يخرج من هنا إلا أحد رجلين : إما معتوه لا يصلح لشىء أو نسخة منهم بعد عمليات غسيل المخ وما يراه من صنوف العذاب ، لأن عقيدته لم تتمكن فى قلبه ..
كان مدحت صامتاً يسمع لهما دون أن ينبس , وكان ينظر إلىَّ بين لحظة وأخرى والدموع تطفر من عينيه . وخطر فى ذهنى السوس وكيف ينخر فى العروق حتى تتهاوى وتسقط .. وعاودنى الدوار فتقيأت ورحت فى غيبوبة أهذى .
تعليق