رد: نص رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد ل
ـ 45 ـ
أين أنتَ يا صديقي ؟
أين أراضيك ؟
هذا المساء، تكاثرت غيوم، واشتعل القلب حزنا. كم كان بودي أن أحدثك عن مارسيل البيضاء. نعم هي بيضاء. هكذا أحب أن أصفها. بيضاء البشرة، بيضاء الزي، بيضاء القلب. سوء الطالع هذه المرة ـ ككل مرة ـ لازمني.. فإذا حبيبة القلب الأخيرة، نجمة أخرى تنطفئ سريعا من سماء حياتي. وددت ألا أبوح بعلاقتي بها، حتى لا تقول لي عبارتك الأثيرة : " أنتَ بكل بنت معجب ". وددت أن أبرهن لك، في الوقت المناسب، أن حبي لها لا تقتلعه الرياح ولا تقوضه الأعاصير. وأنني لست هوائي النزعة، وأنني أعيش حالة حب حقيقية..
وضع القلم على المنضدة، واسترجع ما حدث. كيف يحكي حكاية حبه من أولها ؟ هل تفي الرسالة بالمطلوب ؟ هل يستطيع التعبير عن مشاعره وأحاسيسه ؟ فليحاول..
بدأ يسرد وقائع حبه لها. توقف عن الكتابة مرات عديدة، مترددا، حائرا، وفي آخر الرسالة طلب منه الرأي والمشورة.
كتب رسالة لمصطفى يحييه في هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها الوطن.
تغيبت مارسيل عن المحاضرات. قلق عليها. استبدت به رغبة في السؤال عنها. قصد منزلها في جرأة غير معهودة. فتحت مريم الباب، ابتسمت وهي توسع له الطريق :
ـ تفضل..
جلس في الصالة، بجانب المنضدة التي تلقى عليها دروس الفرنسية. طال الانتظار. قدمت مريم عصير المانجو. سأل عنها، فأتاه صوت الأم مقبلة نحوه :
ـ مارسيل عند خالتها..
ـ تغيبت عن المحاضرات، فأتيت أسأل...
صمت مطبق أحاط بالثلاثة..
قال بصوت خفيض :
ـ قالت لي مارسيل إن طبيبا خطبها..
ـ لم يتقدم بعد..
ـ أعتذر عن أي خطأ بدر مني..
ـ عبرت عن مشاعرك.. ليس في هذا خطأ.. نحن بشر..
فرحت مريم بالهدوء الذي شمل الأم، بعد العاصفة التي هبت أمس بينها وبين أبيها. ابتسمت وقالت لفتحي :
ـ أعمل شايا ؟
لم يتوقع هذه المقابلة الودية، فشجعته على القول :
ـ هل يحق لي اعتبار مارسيل أختا لي ؟
ـ أختك وزميلتك..
هدأت زوابعه بعض الشيء. انصرف وشيء من السكون يطمئنه. كان حسان قد أوجعه بكلماته. طلب منه الابتعاد عنها حرصا علي سمعتها أمام زملائها. راجع حسان فيما قال. طمأنه إلى أنه استقبل بحفاوة، إلا أن حسان لم يغير موقفه..
التقاها في ميدان عبده باشا. مرت ثلاثة أيام لم يرها خلالها. قال في عتاب :
ـ لماذا كذبت عليّ ؟
ـ فيم الكذب ؟
ـ قلت إن طبيبا تقدم لخطبتك..
ـ سيتقدم..
ثم قالت بنبرة حادة :
ـ فتحي.. علاقتنا مآلها الفشل. نحن نسير في طريق مسدود.
تردد لا يعرف كيف يحسم الأمور. قال في أسى :
ـ فرحت بك. كدت أعلن للعالم حبي.. كدت.. أتحدى بكِ العالم..
ـ دعك من أحلام الشعراء..
ـ لست بشاعر.. إنها لغة القلب..
ـ أردت أن أعفيك من حرج لا تستطيع أن تواجهه مع أهلك..
ـ ما الحل إذن ؟
ـ لنكن أصدقاء.. وكفي..
ـ كيف ؟
ـ كالصداقة التي تربط والدي بوالدك.. كالزمالة التي جمعتهما معا..
وافترقا. كل سار بمفرده.. متجهين إلي الكلية !
ـ 45 ـ
أين أنتَ يا صديقي ؟
أين أراضيك ؟
هذا المساء، تكاثرت غيوم، واشتعل القلب حزنا. كم كان بودي أن أحدثك عن مارسيل البيضاء. نعم هي بيضاء. هكذا أحب أن أصفها. بيضاء البشرة، بيضاء الزي، بيضاء القلب. سوء الطالع هذه المرة ـ ككل مرة ـ لازمني.. فإذا حبيبة القلب الأخيرة، نجمة أخرى تنطفئ سريعا من سماء حياتي. وددت ألا أبوح بعلاقتي بها، حتى لا تقول لي عبارتك الأثيرة : " أنتَ بكل بنت معجب ". وددت أن أبرهن لك، في الوقت المناسب، أن حبي لها لا تقتلعه الرياح ولا تقوضه الأعاصير. وأنني لست هوائي النزعة، وأنني أعيش حالة حب حقيقية..
وضع القلم على المنضدة، واسترجع ما حدث. كيف يحكي حكاية حبه من أولها ؟ هل تفي الرسالة بالمطلوب ؟ هل يستطيع التعبير عن مشاعره وأحاسيسه ؟ فليحاول..
بدأ يسرد وقائع حبه لها. توقف عن الكتابة مرات عديدة، مترددا، حائرا، وفي آخر الرسالة طلب منه الرأي والمشورة.
كتب رسالة لمصطفى يحييه في هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها الوطن.
تغيبت مارسيل عن المحاضرات. قلق عليها. استبدت به رغبة في السؤال عنها. قصد منزلها في جرأة غير معهودة. فتحت مريم الباب، ابتسمت وهي توسع له الطريق :
ـ تفضل..
جلس في الصالة، بجانب المنضدة التي تلقى عليها دروس الفرنسية. طال الانتظار. قدمت مريم عصير المانجو. سأل عنها، فأتاه صوت الأم مقبلة نحوه :
ـ مارسيل عند خالتها..
ـ تغيبت عن المحاضرات، فأتيت أسأل...
صمت مطبق أحاط بالثلاثة..
قال بصوت خفيض :
ـ قالت لي مارسيل إن طبيبا خطبها..
ـ لم يتقدم بعد..
ـ أعتذر عن أي خطأ بدر مني..
ـ عبرت عن مشاعرك.. ليس في هذا خطأ.. نحن بشر..
فرحت مريم بالهدوء الذي شمل الأم، بعد العاصفة التي هبت أمس بينها وبين أبيها. ابتسمت وقالت لفتحي :
ـ أعمل شايا ؟
لم يتوقع هذه المقابلة الودية، فشجعته على القول :
ـ هل يحق لي اعتبار مارسيل أختا لي ؟
ـ أختك وزميلتك..
هدأت زوابعه بعض الشيء. انصرف وشيء من السكون يطمئنه. كان حسان قد أوجعه بكلماته. طلب منه الابتعاد عنها حرصا علي سمعتها أمام زملائها. راجع حسان فيما قال. طمأنه إلى أنه استقبل بحفاوة، إلا أن حسان لم يغير موقفه..
التقاها في ميدان عبده باشا. مرت ثلاثة أيام لم يرها خلالها. قال في عتاب :
ـ لماذا كذبت عليّ ؟
ـ فيم الكذب ؟
ـ قلت إن طبيبا تقدم لخطبتك..
ـ سيتقدم..
ثم قالت بنبرة حادة :
ـ فتحي.. علاقتنا مآلها الفشل. نحن نسير في طريق مسدود.
تردد لا يعرف كيف يحسم الأمور. قال في أسى :
ـ فرحت بك. كدت أعلن للعالم حبي.. كدت.. أتحدى بكِ العالم..
ـ دعك من أحلام الشعراء..
ـ لست بشاعر.. إنها لغة القلب..
ـ أردت أن أعفيك من حرج لا تستطيع أن تواجهه مع أهلك..
ـ ما الحل إذن ؟
ـ لنكن أصدقاء.. وكفي..
ـ كيف ؟
ـ كالصداقة التي تربط والدي بوالدك.. كالزمالة التي جمعتهما معا..
وافترقا. كل سار بمفرده.. متجهين إلي الكلية !
تعليق